الانتقاء في
فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ الزَّعْفَرَانِيُّ
وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ أَفْصَحُ
مِنْهُ وَلا أحسن لِسَانا وَلَا أبْصر باللغة الْعَرَبيَّة
وَالْقِرَاءَةِ فَلِذَلِكَ اخْتَارُوهُ لِقِرَاءَةِ كُتُبِ
الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ
الْعِرَاقِ فَتَرَكَهُ وَتَفَقَّهَ لِلشَّافِعِيِّ وَكَانَ
نَبِيلا ثِقَةً مَأْمُونًا قَرَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ
الْكِتَابَ كُلَّهُ نَيِّفًا عَلَى ثَلاثِينَ جُزْءًا
وَكَتَبَهُ عَنْهُ وَهُوَ الْكِتَابُ الْمَعْرُوفُ
بِالْبَغْدَادِيِّ وَبِالْقَدِيمِ وَيُقَالُ لِكِتَابِهِ
الْمِصْرِيِّ الَّذِي كَتَبَهُ بِمِصْرَ الْجَدِيدُ
وَكَانَ الزَّعَفْرَانِيُّ يَقْرَأُ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ
بِبَغْدَادَ لِلنَّاسِ وَلم يقْرَأ على الشافعى أَحَدٌ
غَيْرُهُ مَاتَ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ
قَدْ أَخَذَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ
(1/105)
وَمِمَّنْ أُخِذَ عَنْهُ أَيْضًا
بِبَغْدَادَ
أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ
وَكَانَ عَالِمًا مُصَنِّفًا مُتْقِنًا وَكَانَتْ فَتْوَى
السُّلْطَانِ تَدُورُ عَلَيْهِ وَكَانَ نَظَّارًا
جَدَلِيًّا وَكَانَ فِيهِ كِبْرٌ عَظِيمٌ وَكَانَ يَذْهَبُ
إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَدِمَ
الشَّافِعِيُّ وَجَالَسَهُ وَسَمِعَ كُتُبَهُ انْتَقَلَ
إِلَى مَذْهَبِهِ وَعَظُمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَهُ أَوْضَاعٌ
وَمُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ
وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
صَدَاقَةٌ وَكِيدَةٌ فَلَمَّا خَالَفَهُ فِي الْقُرْآنِ
عَادَتْ تِلْكَ الصَّدَاقَةُ عَدَاوَةً فَكَانَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْعَنُ عَلَى صَاحِبِهِ وَذَلِكَ
أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ
الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ قَالَ
الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ وَلا يَقُولُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ
وَلا مَخْلُوقٌ فَهُوَ وَاقِفِيٌّ وَمَنْ قَالَ لَفْظِي
بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع وَكَانَ الكرابيسى
وعبد الله بْنُ كِلابٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ
عَلِيٍّ وطبقاتهم يَقُولُونَ ان الْقُرْآن الذى تكلم بِهِ
الله صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ
الْخَلْقُ وَإِنَّ تِلاوَةَ التَّالِي وَكَلامِهِ
بِالْقُرْآنِ كَسْبٌ لَهُ وَفِعْلٌ لَهُ وَذَلِكَ
مَخْلُوقٌ وَإِنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ
وَلَيْسَ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ
وَشَبَّهُوهُ بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ للَّهِ وَهُوَ
غَيْرُ اللَّهِ فَكَمَا يُؤْجَرُ فِي الْحَمْدِ
وَالشُّكْرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ فَكَذَلِكَ
يُؤْجَرُ فِي التِّلاوَةِ وَحَكَى دَاوُدُ فِي كِتَابِ
الْكَافِي أَنَّ هَذَا كَانَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَقَالُوا
هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ قَطُّ
وَهَجَرَتِ الْحَنْبَلِيَّةُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ حُسَيْنًا الْكَرَابِيسِيَّ وَبَدَّعُوهُ
وَطَعَنُوا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ
فِي ذَلِكَ تُوُفِّيَ حُسَيْنٌ الْكَرَابِيسِيُّ فِي
سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمِمَّنْ أَخَذَ
عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا بِبَغْدَادَ
(1/106)
أَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ
الْكَلْبِيُّ
وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ
وَصَحِبَ الشَّافِعِيَّ وَأخذ عَنهُ سمع مِنْهُ كُتُبَهُ
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ يَذْكُرُ فِيهَا
الاخْتِلافَ وَيَحْتَجُّ لاخْتِيَارِهِ وَهُوَ أَحَدُ
الْمَذْكُورِينَ فِي الْفُقَهَاءِ وَلَهُ كِتَابٌ ذَكَرَ
فِيهِ اخْتِلافَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ
مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَكْثَرُ مَيْلا إِلَى
الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ وَفِي كُتُبِهِ
كُلِّهَا وَتُوُفِّيَ أَبُو ثَوْرٍ بِبَغْدَادَ سَنَةَ
أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنِ
الشَّافِعِيِّ بِبَغْدَادَ وجالسه وفضله
ابو عبد الله احْمَد بن حَنْبَل
فدام مَعَ الْمَوَدَّة وَكَانَ مَحِلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ
وَالْحَدِيثِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ وَكَانَ إِمَامَ
النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ وَرِعًا خَيِّرًا فَاضِلا
عَابِدًا صَلِيبًا فِي السّنة غليظا على أهل الْبدع
وَكَانَ من أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي الْفِقْهِ
عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ إِمَامُهُمْ لَمْ
يُجَرِّدْ لِلشَّافِعِيِّ وَتُوُفِّيَ أَحْمَدُ
بِبَغْدَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ
لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ إِحْدَى
وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ
وَمِائَتَيْنِ وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنِ الشَّافِعِيِّ
بِبَغْدَادَ
أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ
فِي جَلالَتِهِ وَنُبْلِ قَدْرِهِ وَمَعْرِفَتِهِ
بِاللُّغَةِ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ وَكَتَبَ كُتُبَهُ
وَكَانَ بَغْدَادِيَّ الأَصْلِ وَلَهُ اخْتِيَارٌ وَلَمْ
يُجَرِّدْ لِلشَّافِعِيِّ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي
الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً
(1/107)
وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنِ الشَّافِعِيِّ بِبَغْدَادَ
وَتَفَقَّهَ لَهُ وَكتب كتبه |