الانتقاء في
فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء أَبُو عبد الرحمن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ يَحْيَى الأَشْعَرِيُّ الْبَصْرِيُّ
وَكَانَ يُعْرَفُ بِالشَّافِعِيِّ لِتَحَقُّقِهِ بِهِ
وَذَبِّهِ عَنْ مَذْهَبِهِ صَحِبَهُ بِبَغْدَاد وَكَانَ
يُنَاظِرُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ
الْعُلَمَاءِ وَحُذَّاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ
وَالْعَارِفِينَ بِالإِجْمَاعِ وَالاخْتِلافِ وَكَانَ
رَفِيعًا عِنْدَ السُّلْطَانِ وَذَوِي الأَقْدَارِ
عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَالأَثَرِ مُتَّسِعًا فِي
الْعِلْمِ مَعَ تمكن النَّظَرِ وَالْجَدَلِ وَالاقْتِدَارِ
عَلَى الْكَلامِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَلَفَ الشَّافِعِيَّ
بِالْعِرَاقِ فِي الذَّبِّ عَنْ أُصُولِهِ وَمَذْهَبِهِ
وَالنُّصْرَةِ لِقَوْلِهِ حَتَّى عُرِفَ بِهِ وَكَانَ
أَحَدَ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ الْمَأْمُونُ
لِمَجْلِسِهِ وَالْكَلامِ بِحَضْرَتِهِ وَسَمَّاهُمْ
إِخْوَتَهُ وَرَسَمَهُمْ فِي الدِّيوَانِ بذلك وَلَهُ
مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ جَلِيلَةٌ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ
وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا بِبَغْدَادَ
بَعْدَ أَنْ رَآهُ وجالسه بِمَكَّة
أَبُو يَعْقُوب اسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ
يُعْرَفُ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ وَهُوَ تَمِيمِيٌّ مِنْ
بَنِي حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ
تَمِيمٍ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ مِنْ خُرَاسَانَ وَسَكَنَ
نَيْسَابُورَ مُدَّةً وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ
وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ الْحُفَّاظِ وَكَانَ نَبِيلَ
الْقَدْرِ وَلَهُ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ وَمُصَنَّفَاتٌ فِي
الْفِقْهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِالشَّافِعِيِّ إِلا
أَنَّهُ كَتَبَ كُتُبَهُ وَصَحِبَهُ وَلَهُ اخْتِيَارٌ
كَاخْتِيَارِ أَبِي ثَوْرٍ إِلا أَنَّهُ أَمْيَلُ إِلَى
مَعَانِي الْحَدِيثِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ نَحْوُ
مَذْهَبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ تُوُفِّيَ بِنَيْسَابُورَ
لأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ
وَسبعين سنة
(1/108)
وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنِ الشَّافِعِيِّ
بِمِصْرَ وَكَتَبَ كُتُبَهُ وَتَفَقَّهَ لَهُ وَلَمْ
يُخَالِفْ مَذْهَبَهُ
حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ
بْنِ قُرَادٍ التجيببي
يُكَنَّى أَبَا حَفْصٍ وَكَانَ جَلِيلا نَبِيلَ الْقَدْرِ
وَيُقَالُ إِنَّ الشَّافِعِيَّ نَزَلَ عِنْدَهُ وَرَوَى
عَنِ الشافع ى مِنَ الْكُتُبِ مَا لَمْ يَرْوِهِ
الرَّبِيعُ مِنْهَا كِتَابُ الشُّرُوطِ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ
وَمِنْهَا كِتَابُ السُّنَنِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ وَمِنْهَا
كِتَابُ أَلْوَانِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَصِفَاتِهَا
وَأَسْنَانِهَا وَمِنْهَا كِتَابُ الشِّجَاجِ وَكُتُبٌ
كَثِيرَةٌ انْفَرد بروايتها سوى سَمَاعه مَعَ الرَّبِيعِ
تُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّنْ أَخَذَ
عَنْهُ أَيْضًا بِمِصْرَ
أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْبُوَيْطِيُّ
فِي كِبَرِ سِنِّهِ وَجَلالَةِ قَدْرِهِ وفضله ونبله
وَكَانَ اسْتَخْلَفَهُ فِي حَلْقَتِهِ وَكَانَ عَالِمًا
فَقِيهًا لَطِيفًا فِي أَسْبَابِهِ يُدْنِي الْغُرَبَاءَ
وَيُقَرِّبُهُمْ إِذَا قَدِمُوا لِلطَّلَبِ
وَيُعَرِّفُهُمْ فَضْلَ الشَّافِعِيِّ وَفَضْلَ كُتُبِهِ
حَتَّى كَثُرَ الطَّالِبُونَ لِكُتُبِ الشَّافِعِيِّ
الْمِصْرِيَّةِ وَكَانَ يَقُولُ كَانَ الشَّافِعِيُّ
يَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ لِي اصْبِرْ لِلْغُرَبَاءِ
وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّلامِيذِ وَأَنْشَدَنِي
(أُهِينُ لَهُمْ نَفْسِي لأُكْرِمَهَا بِهِمْ ... وَلَنْ
يُكْرِمَ النَّفْسَ الَّذِي لَا يُهِينُهَا)
وَكَانَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ الْحَنَفِيُّ قَاضِي مِصْرَ
يَحْسِدُهُ وَيُعَادِيهِ فَأَخْرَجَهُ فِي وَقْتِ
الْمِحْنَةِ فِي الْقُرْآنِ فِيمَنْ أُخْرِجَ مِنْ أَهْلِ
مِصْرَ إِلَى بَغْدَادَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ
(1/109)
أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ غَيْرِهِ وَحُمِلَ إِلَى
بَغْدَادَ وَحُبِسَ فَلم يجب الى مادعى إِلَيْهِ فِي
الْقُرْآنِ وَقَالَ هُوَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ
وَحُبِسَ وَمَاتَ فِي السِّجْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ
الصَّلاةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَمِنْهُم |