التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

17 - ذكرمقدم سعيد بن الْعَاصِ الْكُوفَة
عَن مُحَمَّد وَطَلْحَة بإسنادهما قَالَا قدم سعيد بن الْعَاصِ الْكُوفَة فِي سنة سبع من إِمَارَة عُثْمَان رض = وَكَانَ عمومتة ذَوي بلَاء فِي الْإِسْلَام وسابقة حَسَنَة وَقدمه مَعَ النَّبِي وَلم يمت عمر رض = حَتَّى كَانَ سعيد من رجال النَّاس فَقدم سعيد الْكُوفَة فِي إِمَارَة عُثْمَان رض = أَمِير وَخرج مَعَه من مَكَّة أَو الْمَدِينَة الأشتر وَأَبُو خَيْثَمَة الْغِفَارِيّ وجندب بن عبد الله وَابْن مُصعب بن جثامة وَكَانُوا فِيمَن شخص مَعَ الْوَلِيد يعينون عَلَيْهِ فَرَجَعُوا مَعَ هَذَا فَصَعدَ سعيد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ وَالله لقد بعثت وَإِنِّي لكاره وَلَكِنِّي لم أجد بدا إِذْ أمرت أَن أئتمر إِلَّا أَن الفتنه قد أطلعت خطمها وعينيها وَوَاللَّه لَأَضرِبَن وَجههَا حَتَّى أقمعها أَو تعييني وَإِنِّي لرأئد نَفسِي الْيَوْم وَنزل فَسَأَلَ عَن أهل الكوفه فأقيم على حَال أَهلهَا فَكتب إِلَى عُثْمَان رض = بِالَّذِي أنْتَهى إِلَيْهِ أَن أهل الْكُوفَة قد أَضْطَرِب أَمرهم وَغلب أهل الشّرف فيهم والبيوتات والسابقة والقدمة وَالْغَالِب على تِلْكَ الْبِلَاد ردفت وأعراب لحقت فلووا حق طاعتنا حَتَّى مَا ينظر إِلَى ذِي شرف وَلَا بلَاء من نازلتها فَكتب إِلَيْهَا عُثْمَان رض = أما بعد ففضل آهل السَّابِقَة والقدمة مِمَّن فتح الله عَلَيْهِ تِلْكَ الْبِلَاد وَليكن من نزلها بسببهم تبعا لَهُم الا أَن يَكُونُوا تثاقلوا عَن الْحق وَتركُوا الْقيام بِهِ وَقَامَ بِهِ هَؤُلَاءِ واحفظ

(1/59)


لكل مَنْزِلَته وأعطهم جَمِيعًا بقسطهم من الْحق فَإِن الْمعرفَة بِالنَّاسِ بهَا يصاب الْعدْل فارسل سعيد إِلَى وُجُوه النَّاس من الْأَيَّام والقادسية فَقَالَ أَنْتُم وُجُوه من وراءكم وَالْوَجْه يُنبئ عَن الْجَسَد فابلغونا حَاجَة ذِي الْحَاجة وخلة ذِي الْخلَّة وَأدْخل مَعَه من يحْتَمل ذَلِك من اللواحق والروادف وخلص بِالْقِرَاءَةِ والمسمتين فِي سمره فَكَأَنَّمَا كَانَت الْكُوفَة يبيسا شملته نَار فَانْقَطع إِلَى أُولَئِكَ الضَّرْب ضَربهمْ وفشت القالة والإذاعة وَكتب سعيد إِلَى عُثْمَان رض = بذلك فَنَادَى مُنَادِي عُثْمَان رض = الصَّلَاة جَامِعَة فَاجْتمعُوا فَأخْبرهُم بِالَّذِي كتب إِلَى سعيد وَبِالَّذِي كتب بِهِ إِلَيْهِ فيهم وَبِالَّذِي جَاءَهُم من القالة والإذاعة فَقَالُوا أصبت فَلَا تسعفهم فِي ذَلِك وَلَا تطمعهم فِيمَا لَيْسُوا بِأَهْل فَإِنَّهُ إِذا نَهَضَ فِي الْأُمُور من لَيْسَ لَهَا بِأَهْل لم يحتملها وأفسدها فَقَالَ عُثْمَان رض = يَا أهل الْمَدِينَة اسْتَعدوا واستمسكوا فقد دبت إِلَيْكُم الْفِتَن وَنزل فأوى إِلَى منزله وتمثل مثله وَمثل هَذَا الضَّرْب الَّذين أَسْرعُوا فِي الْخلاف ... أبني عبيد قد أَتَى أشياعكم ... عَنْكُم مَقَالَتَكُمْ وَقَول الشَّاعِر
فَإِذا أتتكم هَذِه فتلبسوا ... إِن الرماح بَصِيرَة بالحاسر ...
وَعَن سعيد بن عبد الله الجُمَحِي عَن عبيد الله بن عمر رض = عَنْهُمَا قَالَ سمعته وَهُوَ يَقُول لأبي أَن عُثْمَان رض = جمع أهل الْمَدِينَة فَقَالَ يَا أهل الْمَدِينَة إِن النَّاس يتمخضون بالفتنة وَإِنِّي وَالله لَا يخلص بكم الَّذِي لكم حَتَّى أنقله إِلَيْكُم ان رَأَيْتُمْ ذَلِك فَهَل تَرَوْنَهُ حَتَّى يَأْتِي من شهد مَعَ أهل الْعرَاق الْفتُوح فِيهِ فيقيم مَعَه فِي بِلَاده مقَام أُولَئِكَ فَقَالُوا

(1/60)


فَكيف تنقل لنا مَا أَفَاء الله علينا من الأَرْض يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ نبيعها من شَاءَ بِمَا كَانَ لَهُ بالحجاز فَفَرِحُوا وَفتح الله عَلَيْهِم بِهِ أمرا لم يكن فِي حسابهم فافترقوا وَقد فرجهَا الله عَنْهُم بِهِ وَكَانَ طَلْحَة بن عبد الله قد استجمع عَامَّة سَهْمَان خَيْبَر إِلَى مَكَان لَهُ سوى ذَلِك فَاشْترى طَلْحَة مِنْهُ من نصيب من شهد الْقَادِسِيَّة والمدائن من أهل الْمَدِينَة مِمَّن أَقَامَ وَلم يُهَاجر إِلَى الْعرَاق النشاستج بِمَا كَانَ لَهُ بخبير وَغَيرهَا من تِلْكَ الْأَمْوَال وَاشْترى مِنْهُ ببئر أريس شَيْئا كَانَ لعُثْمَان رض = بالعراق وَاشْترى مِنْهُ مَرْوَان بن الحكم بِمَال كَانَ أعطَاهُ إِيَّاه عُثْمَان نهر مَرْوَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ أجمة وَاشْترى مِنْهُ رجال من الْقَبَائِل بالعراق بأموال كَانَت لَهُم فِي جَزِيرَة الْعَرَب مِنْهُم من أهل مَكَّة وَالْمَدينَة والطائف وحضرموت فَكَانَ مِمَّا اشْترى مِنْهُ الاشعث بن قيس بِمَال لَهُ فِي حَضرمَوْت مَا كَانَ لَهُ فِي طيزناباذ وَكتب عُثْمَان رض = إِلَى أهل الْآفَاق فِي ذَلِك وَبعده جربان الْفَيْء والفيء الَّذِي يتداعاه أهل الْأَمْصَار فَهُوَ مَا كَانَ للملوك نَحْو كسْرَى وَقَيْصَر وَمن تَابعهمْ من أهل بِلَادهمْ فجلا عَنهُ فَأَتَاهُم شَيْء عرفوه وَأخذ بِقدر عدَّة من شَهِدَهَا من أهل الْمَدِينَة وبقدر نصِيبهم وَأَنه والمسلمون من أهل الْمَدِينَة وبقدر نصِيبهم وَأَنه والمسلمون من أهل الْمَدِينَة شركاؤكم فِي ذَلِك الْفَيْء قد راضوهم ذَلِك إِلَيْهِم فباعوه بِمَا يليهم من الْأَمْوَال بالحجاز وَمَكَّة واليمن وحضرموت يرد على أَهلهَا الَّذين شهدُوا الْفتُوح من أهل الْمَدِينَة وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة مثل ذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا اشْترى هَذَا الضَّرْب رجال من كل قَبيلَة مِمَّن كَانَ لَهُ هُنَالك شَيْء فَأَرَادَ أَن يسْتَبْدل بِهِ مِمَّا يَلِيهِ وَأخذُوا وَجَاز لَهُم

(1/61)


عَن ترَاض مِنْهُم وَمن النَّاس وَإِقْرَار بالحقوق إِلَّا أَن الَّذين لَا سَابِقَة لَهُم وَلَا قدمة لَا يبلغو مبلغ أهل السَّابِقَة والقدمة فِي الْمجَالِس والحظوة والرئاسة ثمَّ كَانُوا يعيبون التَّفْضِيل ويجعلونه جفوة وهم فِي ذَلِك يحتجون بِهِ وَلَا يكادون يظهرونه لِأَنَّهُ لَا حجَّة لَهُم وَالنَّاس عَلَيْهِم فَكَانَ إِذا لحق بهم لَاحق من ناشيء أَو أَعْرَابِي أَو مُحَرر استحلى كَلَامهم فَكَانُوا فِي زِيَادَة وَالنَّاس فِي نُقْصَان حَتَّى غلب الشَّرّ
18 - ذكر حَدِيث الْمَصَاحِف وتحريفها
وَفِي سنة ثَلَاثِينَ سَار حُذَيْفَة إِلَى غَزْو الْبَاب فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لسَعِيد ابْن الْعَاصِ لقد رَأَيْت فِي سَفَرِي هَذَا أمرا عجيبا وَلَئِن ترك النَّاس ليختلفن فِي الْقُرْآن ثمَّ لَا يقومُونَ عَلَيْهِ أبدا قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ رَأَيْت نَاسا من أهل حمص يَقُولُونَ قراءتهم خير من قِرَاءَة غَيرهم لأَنهم أخذوها عَن الْمِقْدَاد وَأهل دمشق يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَأهل الْكُوفَة يَقُولُونَ مثل ذَلِك لأَنهم قرأوا على ابْن مَسْعُود وَأهل الْبَصْرَة يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَأَنَّهُمْ قرأوا على أبي مُوسَى ويسمون مصحفه لباب الْقُلُوب وَوَافَقَ حُذَيْفَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكثير من التَّابِعين وَخَالفهُ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود وَجرى بَين حُذَيْفَة وَابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه منافرة فَسَار حُذَيْفَة إِلَى عُثْمَان رض = وَأخْبرهُ بذلك وَقَالَ أَنا النذير الْعُرْيَان فَجمع عُثْمَان رض = الصَّحَابَة رض = عَنْهُم واستشارهم فَرَأَوْا مثل مَا رأى حُذَيْفَة فَأرْسل عُثْمَان رض = إِلَى حَفْصَة بنت عمر رض = عَنْهُمَا لترسل إِلَيْهِ بالصحف ينسخها وَكَانَ أَبُو بكر رض = قد جمعهَا لما كثر الْقَتْل فِي الْمُسلمين يَوْم الْيَمَامَة

(1/62)


فأرسلتها إِلَيْهِ فَأمر عُثْمَان رض = زيد بن ثَابت وإبن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام رض = عَنْهُم فنسخوها وَقَالَ لَهُم إِذا أختلفتم فِي حرف فاكتبوه بلغَة قُرَيْش فَفَعَلُوا فَأرْسل إِلَى كل مصر مُصحفا وَحرق مَا سوى ذَلِك فَشكر النَّاس هَذَا الْفِعْل إِلَّا أَصْحَاب إِبْنِ مَسْعُود وَمن وافقهم
وَلما قدم عَليّ رض = الْكُوفَة قَامَ إِلَيْهِ رجل وَعَابَ عُثْمَان رض = بِجمع الْمَصَاحِف وعزله ابْن مَسْعُود رض = فصاح بِهِ عَليّ رض = قَالَ عَن مَلأ منا فعل ذَلِك وَلَو وليت مَا ولي عُثْمَان لَسَلَكْت سَبيله
وروى سيف بِإِسْنَادِهِ عَن سُوَيْد بن غفله قَالَ سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب رض = يَقُول أَيهَا النَّاس الله الله إيَّاكُمْ والغلو فِي عُثْمَان وقولكم حراق الْمَصَاحِف فوَاللَّه مَا أحرقها إِلَّا عَن مَلأ منا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمعنَا فَقَالَ مَا تَقولُونَ فِي هَذِه الْقِرَاءَة قد أختلف فِيهَا النَّاس يلقى الرجل الرجل فَيَقُول قراءتي خير من قراءتك وقراءتي أفضل من قراءتك وَهَذَا شَبيه بالْكفْر فَقُلْنَا مَا الرَّأْي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أرى أَن أجمع النَّاس على مصحف وَاحِد فَإِنَّكُم أَن اختلفتم الْيَوْم كَانَ من بعدكم أَشد اخْتِلَافا فَقُلْنَا فَنعم مَا رَأَيْت فَأرْسل إِلَى زيد بن ثَابت وَسَعِيد بن العَاصِي فَقَالَ يكْتب أَحَدكُمَا ويملي الْأُخَر فَإِذا اختلفتما فِي شَيْء فارفعاه إِلَيّ فَكتب أَحدهمَا وأمل الْأُخَر فَمَا أختلفا فِي شَيْء من كتاب الله الا فِي سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ أَحدهمَا التابوه بِالْهَاءِ وَقَالَ الْأُخَر التابوت بِالتَّاءِ فرفعاه إِلَى عُثْمَان رض = فَقَالَ التابوت قَالَ قَالَ عَليّ ابْن آبي طَالب رض = وَالله لَو وليت مثل الَّذِي ولي لصنعت مثل الَّذِي صنع قَالَ فَقَالَ الْقَوْم لسويد الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لسمعت هَذَا من عَليّ قَالَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لسمعت هَذَا من عَليّ رض = وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا بلغ عُثْمَان رض = شدَّة ذَلِك على عبد الله

(1/63)


فَكتب إِلَيْهِ أَن الَّذِي أَتَاك من قبلي لَيْسَ بِرَأْي أبتدعته وَلَا حدث أحدثته وَلَكِن هَذَا الْقُرْآن وَاحِد جَاءَ من عِنْد وَاحِد وَهَؤُلَاء قراء الْقُرْآن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل دَار الْهِجْرَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وصالحوا الْأَمْصَار قد رهصوا فِيهِ وَقَامُوا بِهِ فِي كل أفق وخافوا أَن يلبس من بعدهمْ وَأَن يَجعله النَّاس عضين وَلَيْسَ بهم أَنْت وَلَا أمثالك فَقَامَ إِبْنِ مَسْعُود رض = يَوْم خطبَته فَخَطب وحذر الْمُسلمين وَقَالَ إِن الله لَا ينْزع الْعلم إنتزاعا وَلَكِن يَنْزعهُ بذهاب الْعلمَاء وَإِن الله لَا يجمع أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ضَلَالَة فجامعوهم على مَا أجتمعوا عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا تَابعه أَصْحَابه وَلَكِن أستعربوا فَكتب ابْن مَسْعُود بذلك إِلَى عُثْمَان رض = عَنْهُمَا واستأذنه فِي الرُّجُوع إِلَى الْمَدِينَة وأعلمه أَنه يكره الْمقَام بِالْكُوفَةِ لما يخَاف أَن يحدث فِيهَا بعد من فشو الْأَنْبِيَاء والأذاعة والتكلف ويأبى عُثْمَان رض = أَن يَأْذَن لَهُ حَتَّى أذن لَهُ قبل مَوته بأشهر لإكثاره عَلَيْهِ
وَكتب عُثْمَان رض = إِلَى الْأُمَرَاء أما بعد فَإِن الرّعية قد طغت فِي الأنتشار ونزعت إِلَى الشره وأعداها على ذَلِك ثَلَاث دنيا مُؤثرَة وَأَهْوَاء مسرعة وظعائن مَحْمُولَة ويوشك أَن تنفر فَتغير فَلَا تجْعَلُوا لَاحَدَّ عِلّة كفوا عَنْهُم مَا لم يحرفوا دينا وخذوا الْعَفو من أَخْلَاقهم وأجملوا لَهُم وَدين الله لَا تركبنه
وَكتب أَيْضا للعمال أستعينوا على النَّاس فِي كل ينوبكم بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَأمر الله أقيموه وَلَا تدهنوا فِيهِ وَإِيَّاكُم والعجلة فِيمَا سوى ذَلِك وارضوا من الشَّرّ بأيسره فَإِن قَلِيل الشَّرّ كثيروا وأعلموا أَن الَّذِي ألف بَين الْقُلُوب هُوَ الَّذِي يفرقها ويباعد بَعْضهَا من بعض سِيرُوا سيرة قوم يُرِيدُونَ الله لِئَلَّا يكون لَهُم على الله حجَّة

(1/64)


وَكتب أَيْضا أَن الله ألف بَين قُلُوب الْمُسلمين على طَاعَته وَقَالَ {لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا ألفت بَين قُلُوبهم} الْأَنْفَال 63 وَهُوَ مفرقها على مَعْصِيَته فَلَا تعجلوا على أحد بِحَدّ قبل استيجابه فَإِن الله جلّ ثنائه يَقُول {لست عَلَيْهِم بمصيطر إِلَّا من تولى وَكفر} الغاشية 22 23 من كفر داويناه بدوائه وَمن تولى عَن الْجَمَاعَة أنصفناه وأعطيناه حَتَّى نقطع حجَّته وعذره إِن شَاءَ الله
وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا قَامَ عُثْمَان رض = بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ إِن النَّاس يبلغنِي عَنْهُم هناة وهناة وَإِنِّي وَالله لَا أكون أول من فتح بَابهَا وَلَا أدَار رحاها أَلا وَإِنِّي زام نَفسِي بزمام وملجمها بلجام فأقودها بزمامها وأكعمها بِلِجَامِهَا ومناولكم طرف الْحَبل فَمن أتبعني حَملته على الْأَمر الَّذِي يعرف وَمن لم يَتبعني فَفِي الله خلف مِنْهُ وعزاء عَنهُ أَلا وَإِن لكل نفس يَوْم الْقِيَامَة أئقا وشهيدا سائقا يَسُوقهَا على أَمر الله وَشَاهدا يشْهد عَلَيْهَا فَمن كَانَ يُرِيد الله بِشَيْء فليبشر وَمن كَانَ إِنَّمَا يُرِيد الدُّنْيَا فقد خسر وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا كتب عُثْمَان رض = إِلَى النَّاس اكتفوا بِاللَّه من كل أحد وَاسْتَعِينُوا بِاللَّه على النَّاس فَإِن الله يمع من شَاءَ وَيفرق من شَاءَ لَا جَامع لما فرق وَلَا مفرق لما جمع أعدُّوا لَهُ الطَّاعَة وَالْعَمَل الصَّالح وَقُولُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
19 - ذكر سُقُوط الْخَاتم فِي بِئْر اريس
فِي سنة ثَلَاثِينَ وَقع خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَد عُثْمَان رض = فِي بِئْر أريس وَهِي على ميلين من الْمَدِينَة وَكَانَت قَليلَة المَاء فَمَا أدْرك قعرها بعد ذَلِك وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخذهُ يخْتم بِهِ الْكتب وَكَانَ من فضه نقسه مُحَمَّد رَسُول الله ثَلَاثَة أسطر فتختم بِهِ حَتَّى توفّي ثمَّ تختم بِهِ

(1/65)


أَبُو بكر حَتَّى توفّي ثمَّ تختم بِهِ عمر حَتَّى توفّي ثمَّ تختم بِهِ عُثْمَان سِتّ سِنِين فَحَفَرُوا بِئْر بِالْمَدِينَةِ للْمُسلمين وَهِي بِئْر أريس فَقعدَ عُثْمَان رض = على رَأسهَا وَجعل يعبث بالخاتم فَسقط من يَده وطلبوه ونزحوا ماءها فَلم يقدروا عَلَيْهِ فاغتنم عُثْمَان رض = لذَلِك ثمَّ صنع خَاتمًا على شكله فَبَقيَ فِي أُصْبُعه حَتَّى هلك
وفيهَا زَاد عُثْمَان رض = النداء الثَّالِث يَوْم الْجُمُعَة على الزَّوْرَاء لما كثر النَّاس
20 - ذكر تحرّك جمَاعَة فِي شَأْن عُثْمَان رض =
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ تحرّك جمَاعَة فِي شَأْن عُثْمَان رض = ونقموا عَلَيْهِ أَشْيَاء مِنْهَا ولَايَة سعيد بن الْعَاصِ على الْكُوفَة وعزل الْوَلِيد وَولَايَة ابْن عَامر الْبَصْرَة وعزل أبي مُوسَى وإتمام الصَّلَاة بمنى وَولَايَة ابْن أبي سرج فِي أَشْيَاء كَثِيرَة وَكَانُوا جمَاعَة مِنْهُم مَالك الأشتر وَالْأسود بن يزِيد وعلقمة بن قيس وصعصعة وَعبد الله إِبْنِ سبأالمعروف بِابْن السَّوْدَاء وسودان بن حمْرَان وَكَانَ قد تزوج امراة فِي عدتهَا فَضَربهُ عُثْمَان رض = وَفرق بَينهمَا وَعُمَيْر بن ضابىء والكميل بن زِيَاد فتكاتبوا فِي الْخُرُوج عَلَيْهِ وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ فِي ذَلِك فَأرْسل عُثْمَان رض = إِلَى عماله فَجَمعهُمْ واستشارهم فاختلفت أَقْوَالهم وتكاتب نفر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم أَن أقدموا فَإِن الْجِهَاد عندنَا ونال النَّاس من عُثْمَان رض = وَلَيْسَ أحد يُنْهِي عَن ذَلِك وَلَا يذب إِلَّا نفر مِنْهُم زيد بن ثَابت وَأَبُو أسيد السَّاعِدِيّ وَحسان ابْن ثَابت وَكَعب بن مَالك وأجتمع النَّاس وكلموا عليل رض = فَدخل على عُثْمَان رض = فَقَالَ لَهُ إِن النَّاس ورائي وَقد كلموني فِيك ووعظه وخوفه وحذره وَذكر لَهُ ولَايَة من ولاه مثل مُعَاوِيَة وَابْن أبي سرج وَابْن عَامر وَسَعِيد بن

(1/66)


الْعَاصِ وَغَيرهم ثمَّ خرج من عِنْده بعد محاورة طَوِيلَة ثمَّ خرج عُثْمَان رض = فَخَطب النَّاس ووعظهم وَاعْتذر اليهم فَقَامَ مَرْوَان فَقَالَ ان شِئْتُم وَالله حكمنَا بَيْننَا وَبَيْنكُم السَّيْف وَنحن وَالله وَأَنْتُم كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم ... معارسكم تبنون فِي دمن الثرى ...

فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رض = اسْكُتْ لَا سكت وَدعنِي وأصحابي فَسكت مَرْوَان وَنزل عُثْمَان رض = وَمضى وتكاتبوا للاجتماع لمناظرته فِيمَا نقموا عَلَيْهِ
21 - ذكر خبر عبد الله بن سبأ وَأَصْحَابه
وَعَن عَطِيَّة عَن يزِيد الفقعسي قَالَ أسلم عبد الله بن سبأ وَهُوَ إِبْنِ السَّوْدَاء فِي إِمَارَة عُثْمَان رض = فِي سِتّ سِنِين الْبَاقِيَة وَكَانَ يَهُودِيّا فتشائم بِهِ أهل الْحَرَمَيْنِ فَلم يقدر على كيدهم فَأتى الْبَصْرَة فَنزل فِي عبد الْقَيْس فَانْقَطع إِلَيْهِ قوم مِمَّن كَانَ أعتزل سعيدا وأتاهم الأشتر وَأَبُو زَيْنَب وَأَبُو مورع وَيلك الطَّبَقَة فَبعث إِلَيْهِ سعيد فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي يبلغنِي أَنَّك تحدث وَقَرَأَ {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ} الأسراء (ع فَقَالَ نعم أعلم بِحَدِيث بني أسرائيل مِنْكُم فَقَالَ أُولَئِكَ صدق 4 فَقَالَ سعيد كذب وكذبتم أما وَالله لَوْلَا أمرت أَن أكفكم لوجدتموني مرا وَأخرجه ومالاه على ذَلِك النَّاس فَخرج نَحْو الشَّام فَلم يقدر على مَا يُرِيد فِيهَا فَجَاز إِلَى مصر فَكثر أَصْحَابه فِيهَا وَكَاتب إخوانه من أهل الْأَمْصَار وَمد لَهُم فِي غيهم فَهُوَ أول من بَث دعاة فِي النَّاس يدعونَ إِلَى الْخُرُوج
وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا كَانَ سعيد بن الْعَاصِ لَا تغشاه الا نازلة

(1/67)


أهل الْكُوفَة ووجوه أهل الْأَيَّام الْقَادِسِيَّة وقراء أهل الْمصر والمتسمتون فَكَانَ هَؤُلَاءِ دَخلته اذا خلا وَأما اذا جلس للنَّاس فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْهِ كل أحد فَجَلَسَ للنَّاس يَوْمًا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هم جُلُوس يتحدثون قَالَ خُنَيْس الْأَسدي مَا أَجود طَلْحَة بن عبيد الله فَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ إِن من لَهُ مثل النشاستج لحقيق أَن يكون جوادا وَالله لَو أَن لي مثله لأعاشكم الله عَيْشًا رغدا فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن خُنَيْس وَهُوَ حدث لَوَدِدْت أَن هَذ الملطاط لَك يَعْنِي مَا كَانَ لأهل كسْرَى على جَانب الْفُرَات الَّذِي يَلِي الْكُوفَة فَقَالُوا فض الله فَاك وَالله لقد هممنا بك فَقَالَ خُنَيْس غُلَام فَلَا تجازوه فَقَالُوا أَن تتمنى لَهُ من سوادنا قَالَ ويتمنى لكم أضعافه فَقَالُوا لَا تتمن لنا وَلَا لَهُ قَالَ مَا هَذَا بكم قَالَ أَنْت وَالله أَمرته بِهَذَا فثار إِلَيْهِ الأشتر وَابْن ذِي الحبكة وجندب وصعصعة وَابْن الْكواء وكميل وَعُمَيْر بن ضابىء فَأَخَذُوهُ فَذهب أَبوهُ ليمنعهم فَأَخَذُوهُ حَتَّى غشي عَلَيْهِمَا وَجعل سعيد يناشدهم ويأبون حَتَّى قضوا مِنْهُمَا وطرا وَسمعت بذلك بَنو أَسد فجائوا وَفِيهِمْ طليحة فأحاطو بِالْقصرِ وَركبت الْقَبَائِل فعاذوا بِسَعِيد وَقَالُوا أقلنا وخلصنا فَخرج سعيد فِي النَّاس قَالَ يَا أَيهَا النَّاس قوم تنازعوا وتهاووا وَقد رزق الله الْعَافِيَة وقعدوا وعادوا فِي حَدِيثهمْ وتراجعوا فسكنهم وردهم وأفاق الرّجلَانِ فَقَالَ أبكما حَيَاة قَالَا قتلتنا غاشيتك قَالَ لَا يغشوني وَالله أبدا فاحفظا عَليّ ألسنتكما وَلَا تجترئا على النَّاس ففعلا وَلما انْقَطع

(1/68)


رَجَاء أُولَئِكَ النَّفر من ذَلِك قعدوا فِي بُيُوتهم وَأَقْبلُوا على الأذاعة والضيعة حَتَّى لأمه أهل الْكُوفَة فِي أَمرهم فَقَالَ هَذَا أميركم قد نهاني أَن أحرك شَيْئا فَمن أَرَادَ مِنْكُم أَن يُحَرك شَيْئا فليحركه فَكتب أَشْرَاف الْكُوفَة وصلحائهم إِلَى عُثْمَان رض = فِي إخراجهم فَكتب عُثْمَان رض = إِذا اجْتمع ملؤكم على ذَلِك فألحقوهم بِمُعَاوِيَة فأخرجوهم فذلوا وانقادوا حَتَّى أَتَوْ وهم بضعَة عشر وَكَتَبُوا إِلَى عُثْمَان رض = بذلك فَكتب إِلَى مُعَاوِيَة إِن أهل الْكُوفَة قد أخرجُوا إِلَيْك نَفرا خلقُوا للفتنة فرعهم وقم عَلَيْهِم فَإِن آنست مِنْهُم رشدا فَأقبل مِنْهُم وَإِن أعيوك فارددهم عَلَيْهِم
فَلَمَّا قدمُوا على مُعَاوِيَة الشَّام رحب بهم وأنزلهم كَنِيسَة تسمى بمريم وأجرى عَلَيْهِم بِأَمْر عُثْمَان رض = مَا كَانَ يجْرِي عَلَيْهِم بالعراق وَجعل يتغدى ويتحش مَعَهم فَقَالَ لَهُم يَوْمًا انكم قوم من الْعَرَب وَلكم أَسْنَان وَالسّنة وَقد أدركتم بالأسلام شرفا وغلبتم الْأُمَم وحويتم مواريثهم وَقد بَلغنِي أَنكُمْ نقمتم قُريْشًا وَإِن قُريْشًا لَو لم تكن لعدتم أَذِلَّة كَمَا كُنْتُم إِن ائمتكم لكم الْيَوْم جنَّة فَلَا تشذوا عَن جنتكم وان أئمتكم الْيَوْم يصبرون لكم على الْجور ويحتملون مِنْكُم المؤونة وَالله لتَنْتَهُنَّ أَو ليبتلينكم الله بِمن يسومكم ثمَّ لَا يحمدكم على الصَّبْر ثمَّ تَكُونُونَ شركائهم فِيمَا جررتم على الرّعية فِي حَيَاتكُم وَبعد موتكم فَقَالَ رجل من الْقَوْم أما مَا ذكرت من قُرَيْش فانها لم تكن أَكثر الْعَرَب وَلَا أمنعها فِي الْجَاهِلِيَّة فتخوفنا بهَا وَأما مَا ذكرت من الْجنَّة فَإِن الْجنَّة اذا أخترقت خلص الينا فَقَالَ مُعَاوِيَة قد عرفتكم الأن وَعلمت ان الَّذِي أعداكم على هَذَا قلَّة الْعُقُول وَأَنت خطيب الْقَوْم وَلَا أرى لَك عقلا أعظم عَلَيْك أَمر الأسلام وأذكرك بِهِ وتذكرني الْجَاهِلِيَّة وَقد وعظتك وتزعم أَن مَا يجنكم وَلَا ينشب أَن يخترق أخزى

(1/69)


الله قوما عظموا أَمركُم ورفعوه إِلَى خليفتكم أنتهوا وَلَا أظنكم تنتهون ان قُريْشًا لم تعز فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام إِلَّا بِاللَّه لم تكن بِأَكْثَرَ الْعَرَب وَلَا أَشَّدهم وَلَكنهُمْ كَانُوا أكْرمهم أحسابا وامحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا وأكملهم مُرُوءَة وَلم يمتنعوا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالنَّاس يَأْكُل بَعضهم بَعْضًا الا بِاللَّه الَّذِي لَا يستذل من أعز وَلَا يوضع من رفع فبوأهم حرما امنا يتخطف النَّاس من حَولهمْ هَل تعرفُون عربا أَو عجما أَو سُودًا أَو حمرا الا قد أَصَابَهُ الدَّهْر فِي حرمته وبده بذلة الا مَا كَانَ من قُرَيْش فانه لم يردهم أحد من النَّاس بكيد الا جعل الله خَدّه الْأَسْفَل حَتَّى أَرَادَ الله أَن ينقذ من أكم وأتبع دينه من هوان الدُّنْيَا وَسُوء مرد الأخرة فارتضى لذَلِك خير خلقه ثمَّ ارتضى لَهُ أصحابا فَكَانَ خيارهم قُرَيْش ثمَّ بنى هَذَا الْملك عَلَيْهِم وَجعل هَذِه الْخلَافَة فيهم فَلَا يصلح ذَلِك إِلَّا عَلَيْهِم فَكَانَ الله يحوطهم فِي الْجَاهِلِيَّة وهم على غير دينه فأترى أَنه لَا يحوطهم وهم على دينه أُفٍّ لَك وأف لأصحابك وَلَو أَن متكلما غَيْرك تكلم لَهُ وَلَكِنَّك أبتدأت فَأَما أَنْت يَا صعصعة فلإن قريتك شَرّ قرى عَرَبِيَّة أنتنها نبتا وأعمقها وأدواها بِالشَّرِّ والأمها جيرانا أَنه لم يسكنهَا شرِيف وَلَا وضيع إِلَّا سبّ بهَا وَكَانَت عَلَيْهِ هجنة ثمَّ كَانُوا أقبح الْعَرَب ألقابا وأجلفه اسْما وألأمة أصهارا نزاع الْأُمَم وَأَنْتُم جيران النبط وفعلة فَارس حَتَّى أَصَابَتْكُم دَعْوَة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ونكبتك دَعوته وَأَنت نزيع شطير فِي عمان لم تسكن الْبَحْرين فتشركهم فِي دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنت شَرّ قَوْمك حَتَّى إِذا أبرزك الأسلام وخلطك بِالنَّاسِ وحملك على الْأُمَم الَّتِي كَانَت عَلَيْك أَقبلت تبتغي دين الله

(1/70)


عوجا وتنزع إِلَى الآمة والقلة وَلنْ يضر ذَلِك قُريْشًا وَلنْ يمنعهُم من تأدية مَا عَلَيْهِم إِن الشَّيْطَان عَنْكُم غير غافل وَقد عرفكم بِالشَّرِّ من بَين أمتكُم فأغرى بكم النَّاس وَهُوَ صارعكم وَقد علم أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يرد بكم قَضَاء قَضَاهُ الله وَلَا آمرا أَرَادَهُ الله وَلَا تدركون بِالشَّرِّ أمرا أبدا إِلَّا فتح الله عَلَيْكُم شرا مِنْهُ وأخزى ثمَّ قَامَ وتركهم فتذامروا وتقاصرت اليهم أنفسهم وَلما كَانَ بعد ذَلِك أَتَاهُم فَقَالَ إِنِّي قد أَذِنت لكم فاذهبوا حَيْثُ شِئْتُم لَا وَالله لَا ينفع الله بكم أحدا وَلَا يضرّهُ ولستم بِرِجَال مَنْفَعَة وَلَا مضرَّة وَلَكِنَّكُمْ رجال نَكِير وَصد عَن سَبِيل الله فان اردتم النجَاة فالزموا الْجَمَاعَة وَلْيَسَعْكُمْ مَا وسع النَّاس وَلَا يبطرنكم الابقاء فان البطر لَا يعتري الْخِيَار أذهبوا حَيْثُ شِئْتُم فَانِي كَاتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيكُم ثمَّ كتب إِلَى عُثْمَان رض = أَنه قد قدم عَليّ أَقوام لَيست لَهُم عقول وَلَا أَدْيَان أثقلهم الْإِسْلَام وأضجرهم الْعدْل لَا يُرِيدُونَ الله تَعَالَى بِشَيْء وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِحجَّة أمانيهم الْفِتْنَة وأموال أهل الذِّمَّة وَالله مبتليهم ومختبرهم ثمَّ قاضحهم ومخزيهم وَلَيْسوا بالذين ينكون أحدا الا مَعَ غَيرهم فانه سعيدا وَمن قبله عَنْهُم فانهم لَيْسُوا الْأَكْثَر من شغب أَو نَكِير
وَخرج الْقَوْم من دمشق فَقَالُوا لَا ترجعوا إِلَى الْكُوفَة فَإِنَّهُم يشمتون بكم وميلوا بِنَا إِلَى الجزيرة ودعوا الْعرَاق وَالشَّام فأووا إِلَى الجزيرة وَسمع بهم عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد وَكَانَ مُعَاوِيَة قد ولاه حمص وَولى عَامل الجزيرة حران والرقة دَعَا بهم فَقَالَ يَا إخْوَان الشَّيْطَان لَا مرْحَبًا بكم وَلَا أَهلا قد رَجَعَ الشَّيْطَان محسورا وَأَنْتُم بعد نشاط خسر الله عبد الرَّحْمَن إِن لم يؤدبكم حَتَّى يحسركم يَا معشر من لَا أَدْرِي أعرب هم أم عجم وَلَكِن لَا تقولو لي مَا يبلغنِي أَنكُمْ تَقولُونَ لمعاوية أَنا إِبْنِ خَالِد بن

(1/71)


الْوَلِيد وَأَنا إِبْنِ من قد عجمته العاجمات أَنا إِبْنِ فاقيء الرِّدَّة وَالله لَئِن بَلغنِي يَا صعصعة بن ذل أَن أحد مِمَّن معي دق أَنْفك ثمَّ أمصك لأطيرن بك طيره بعيدَة المهوى فأقامهم أشهرا كلما ركب أَمْشَاهُم فَإذْ مر بِهِ قَالَ يَا إِبْنِ الحطئية أعلمت أَن من لم يصلحه الْخَيْر أصلحه الشَّرّ مَالك لَا تَقول كَمَا كَانَ يبلغنِي أَنَّك تَقول لسَعِيد وَمُعَاوِيَة فَيَقُول وَيَقُولُونَ نتوب إِلَى الله أقلنا أقالك الله فَمَا بِهِ حَتَّى قَالَ تَابَ الله عَلَيْكُم وسرح الأشتر إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ لَهُم مَا شِئْتُم فَفَعَلُوا إِن شِئْتُم ماخرجوا وَإِن شِئْتُم فأقيموا وَخرج الأشتر فَأتى عُثْمَان رض = بِالتَّوْبَةِ والندم والنزوع عَنهُ وَعَن أَصْحَابه فَقَالَ سلمكم الله وَقدم سعيد بن الْعَاصِ فَقَالَ عُثْمَان رض = للأشتر أحلل حَيْثُ شيئت فَقَالَ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد وَذكر من فَضله وَقَالَ ذَلِك إِلَيْكُم فَرَجَعَا إِلَى عبد الرحمان
22 - ذكر خبر يزِيد بن قيس وَالْأَشْتَر كَانَ قد وَفد سعيد بن الْعَاصِ على عُثْمَان رض = سنة إِحْدَى عشر من إِمَارَة عُثْمَان رض = وَقبل مخرج سعيد من الْكُوفَة بِسنة وَبَعض أُخْرَى بعث الْأَشْعَث بن قصعلى أذربيجان وَسَعِيد بن قيس على الرّيّ وَكَانَ يزِيد بن قيس على همذان فعزل وَجعل عَلَيْهَا النسير الْعجلِيّ وعَلى أَصْبَهَان السَّائِب بن الْأَقْرَع وعَلى ماه مَالك بن حبيب الْيَرْبُوعي وعَلى الْموصل حَكِيم بن سَلامَة الجذامي وَكَانَ جرير بن عبد الله على قرقيسياء وسلمان بن ربيعَة على الْبَاب وعَلى الْحَرْب الْقَعْقَاع بن عَمْرو وعَلى حلوان عتيبة بن النهاس وخلت الْكُوفَة من الرؤساء إِلَّا منزوع أَو مفتون فَخرج يزِيد إِبْنِ قيس وَهُوَ يُرِيد خلع عُثْمَان رض = فَدخل الْمَسْجِد وَجلسَ فِيهِ وثاب

(1/72)


إِلَيْهِ الَّذين كَانَ إِبْنِ السَّوْدَاء يكاتبهم فنقض عَلَيْهِم الْقَعْقَاع فَأخذ يزِيد بن قيس فَقَالَ إِنَّمَا أستعي من سعيد فَقَالَ هَذَا مَا لَا يعرض لكم فِيهِ لَا تعرض لهَذَا وَلَا يجتمعنا إِلَيْك واطلب حَاجَتك فلعمري لتعطينها فَرجع إِلَى بَيته واستأجر رجل وَأَعْطَاهُ دَرَاهِم وبغلا على ان يَأْتِي المسيرين وَكتب إِلَيْهِم لَا تضعن كتابي من أَيْدِيكُم حَتَّى تجيؤوا فَإِن أهل الْمصر قد جامعونا فَانْطَلق الرجل حَتَّى أَتَا إِلَيْهِم وَقد رَجَعَ الأشتر فَدفع إِلَيْهِم الْكتاب فَقَالُوا مَا أسمك قَالَ بعثر قَالُوا مِمَّن قَالَ من كلب قَالُوا سبع ذليل يبعثر النُّفُوس لَا حَاجَة لنا فِيك وَخَالفهُم الأشتر وَرجع عَاصِيا فَلَمَّا خرج قَالَ لَهُ أَصْحَابه أخرجنَا أخرجه الله لَا نجد بدا مِمَّا صنع إِن علم بِنَا عبد الرحمان لم يصدقنا وَلم يستقلنا فتبعوه فَلم يلحقوه وَبلغ عبد الرحمان أَنهم قد اخلوا فطلبهم إِلَى السوَاد فَسَار الأشتر سبع وَالْقَوْم عشرا فَلم يفجأ النَّاس يَوْم جُمُعَة إِلَّا وَالْأَشْتَر على بَاب الْمَسْجِد يَقُول أَيهَا النَّاس قد جِئتُكُمْ من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان وَتركت سعيدا يُريدهُ على نُقْصَان نِسَائِكُم إِلَى مائَة دِرْهَم ورد أهل الْبلَاء مِنْكُم إِلَى أَلفَيْنِ وَيَقُول مَا بَالا أشرف النِّسَاء وَهَذِه العلاوة بَين هذَيْن العدلين وَيَزْعُم أَن فيئكم بُسْتَان لقريش فقد سايرته مرحلة فَمَا زَالَ يرتجز بذلك حَتَّى فارقته يَقُول ... ويل لأشرف النِّسَاء مني ... صمحمح كأنني من جن ...

فاستخف النَّاس وَجعل أهل الحجى ينهونهم فَلَا يسمع مِنْهُم وَخرج يزِيد فَأمر مناديا فَنَادَى من شَاءَ أَن يلْحق بِيَزِيد بن قيس لرد سعيد وَطلب أَمِير غَيره فَلْيفْعَل وَبَقِي حلماء النَّاس وأشرافهم ووجوههم فِي

(1/73)


الْمَسْجِد وَذهب من سواهُم وَعمر بن حُرَيْث يَوْم إِذن الْخَلِيفَة وَصعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ أذكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا بعد إِن كُنْتُم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا فَلَا تعودوا فِي شَرّ قد أستنقذكم الله مِنْهُ أبعد الْإِسْلَام وهدية لَا تعرفُون حَقًا وَلَا تصيبون بَابه فَقَالَ قعقاع بن عَمْرو أترد السَّيْل عَن عبابه فأردد الْفُرَات عَن أدراجه هَيْهَات وَالله لَا يسكن الغوغاء إِلَّا المشرفية ويوشك أَن تنتضي ويعجون عجيج القعدان ويتمنون مَا هم فِيهِ الْيَوْم فَلَا يردهُ الله عَلَيْهِم أبدا فاصبر فَقَالَ أَصْبِر وتحول إِلَى منزله
وَخرج يزِيد بن قيس حَتَّى نزل الجرعة وَمَعَهُ الأشتر وَقد كَانَ سعيد تلبث فِي الطَّرِيق وطلع عَلَيْهِم سعيد وهم مقيمون لَهُ معسكرون فَقَالُوا لَا حَاج لنا بك فَقَالَ أما أختلفتم إِلَّا بِي إِنَّمَا كَانَ يكفيكم أَن تبعثوا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ رجلا أَو تضعوا لَهُ رجلا وَهل يخرج الْألف لَهُم عقول إِلَى رجل وَانْصَرف عَنْهُم فَقَالَ مولى لَهُ وَالله مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يرجع فَضرب الأشتر عُنُقه وَمضى سعيد فَقدم على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ مَا يُرِيدُونَ أخلعوا يدا من طَاعَة قَالَ أظهرُوا أَنهم يُرِيدُونَ الْبَدَل قَالَ فَمن يُرِيدُونَ قَالَ ابا مُوسَى قَالَ أثبتنا أَبَا مُوسَى عَلَيْهِم وَالله لَا نجْعَل لأحد عذرا وَلَا نَتْرُك لَهُم حجَّة ولنصبرن كَمَا أمرنَا حَتَّى يبلغ الله مَا يُرِيد وَرجع من قرب عمله من الْكُوفَة وَرجع جليل من قرقيسياء وعتيبة من حلوان وَقَامَ أَبُو مُوسَى فَتكلم بِالْكُوفَةِ وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس لَا تنفرُوا فِي مثل هَذَا وَلَا تعودوا لمثله والزموا الطَّاعَة وَالْجَمَاعَة وَإِيَّاكُم والعجلة اصْبِرُوا فكأنكم بأمير قَالُوا فصل بِنَا قَالَ لَا على السّمع وَالطَّاعَة لعُثْمَان رض = قَالُوا على السّمع وَالطَّاعَة لعُثْمَان رض =

(1/74)


وَعَن يحيى بن مُسلم عَن عبد الله بن عُمَيْر الْأَشْجَعِيّ أنة قَامَ فِي الْمَسْجِد فِي الْفِتْنَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس اسْكُتُوا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {من خرج وعَلى النَّاس إِمَام جَامع وَالله مَا قَالَ عَادل ليشق عصاهم وَيفرق جَمَاعَتهمْ فاقتلوة هـ كَائِنا من كَانَ} وَعَن عبد الله بن عُمَيْر قَالَ قَامَ جرير بِالْكُوفَةِ فَقَالَ يَا أهل الْكُوفَة أما إِذا فَعلْتُمْ مَا فَعلْتُمْ فَاصْبِرُوا واطمئنوا فَإِنِّي لاالوكم نصحا إِنِّي جِئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت ابْسُطْ يَد لَا أَبَا يعك فَقَالَ على أَي شيئ فَقلت على الاسلام وعَلى النصح لكل مُسلم فو الله ماالوتكم نصحا فَاصْبِرُوا واطمئنوا إنة يُوشك أَن يأتيكم أَمِير
وَعَن المجالد بن سعيد عَن أبي السّفر عَن رجل من قيس عيلان قَالَ لماخرجالناس إِلَى عُثْمَان رض = أَخذنَا نتجهز فَقَالَ لنا حذيفه مَا تُرِيدُونَ قُلْنَا نُرِيد أَن نخرج مَعَ النَّاس قَالَ إِن أول من يذل السُّلْطَان لَا يقوم لَهُ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد الله وزن وَمَا مَشى قوم وَلَا سَارُوا مسيرًا ليذلوا سُلْطَانا أَلا أذلّهم الله فَمَا خرج منا رجل
23 - ذكر عزل سعيد بن الْعَاصِ عَن الْكُوفَة وَولَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
عَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا لما أستغوى يزِيد بن قيس النَّاس على سعيد إِبْنِ الْعَاصِ خرج مِنْهُ ذكر العثمان رض = فَأقبل عَلَيْهِ الْقَعْقَاع بن عمر فَأَخذه فَقَالَ مَا تُرِيدُ أَلَك علينا فِي أَن نستعفي سَبِيل قَالَ فَهَل إِلَّا ذَاك قَالَ لَا قَالَ فاستعف مَا شيئت واستجلب يزِيد أَصْحَابه من حَيْثُ كَانُوا فَردُّوا سعيد وطلبوا أَبَا مُوسَى فَكتب إليكهم عُثْمَان رض = أما بعد فقد أمرت عَلَيْكُم من أخترتم وأعفيتكم من سعيد وَالله لأفرشنكم عرضي ولأبذلن

(1/75)


لكم صبري ولأستصلحنكم بجهدي فانظروا لَا تدعوا شَيْئا مِمَّا أحببتموه لَا يَعْصِي الله فِيهِ إِلَّا سألتموه وَلَا شَيْء مِمَّا كرهتموه لَا يَعْصِي الله فِيهِ إِلَّا أستعفيتم مِنْهُ أنزل فِيهِ عِنْدَمَا أَحْبَبْتُم حَتَّى لَا تكون لكم على الله حجَّة وَكتب بِمثل ذَلِك فِي الْأَمْصَار فَقدمت إِمَارَة أبي مُوسَى وغزو حُذَيْفَة نَحْو الْبَاب فتأمر أَبُو مُوسَى وَرجع الْعمَّال إِلَى أَعْمَالهم وَمضى حُذَيْفَة إِلَى الْبَاب
24 - ذكر خُرُوج إِبْنِ مَسْعُود رض = من الْكُوفَة وَكتب عُثْمَان رض الله عَنهُ إِلَى إِبْنِ مَسْعُود رض = فَأذن لَهُ فِي الْخُرُوج فَخرج لسِتَّة أشهر بقيت من إِمَارَة عُثْمَان رض = وَكَانَ عبد الله يستعفيه أَيَّام قدم سعيد إِلَى أَن أذن لَهُ فَلَا يَأْذَن لَهُ وَكَانَ عبد الله قد كره الْمقَام بِالْكُوفَةِ للَّذي رأى من تمرد النَّاس واختلافه وَكَانَ عُثْمَان رض = قد عَزله عَن بَيت المَال وَجعل عَلَيْهِ عقب فَلم يكن فِي عمل وَلم يوله مقَاما وَعَن عَطِيَّة عَن أبي سيف قَالَ كَانَ إِبْنِ مَسْعُود رض = قد ترك عطائه حِين مَاتَ عمر رض = فَفعل ذَلِك رجال من أهل الْكُوفَة أَغْنِيَاء وأتخذ ضَيْعَة بزاذان فَمَاتَ عَن تسعين ألف مِثْقَال سوى رَقِيق وعروض وماشية بالسيليحين فَلَمَّا رأى الشَّرّ ودنوا الْفِتْنَة أَسْتَأْذن عُثْمَان رض = فَلم يَأْذَن لَهُ إِلَّا قرب مَوته فَقدم على عُثْمَان رض = فَلم يلبث أَن مَاتَ وَبَينهمَا أشهر وَعَن زيد بن وهب قَالَ لما خرج إِبْنِ مَسْعُود رض = قَالُوا لَا تخرج من بَين أظهرنَا فَقَالَ أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {يأزر الأسلام إِلَى الْمَدِينَة سأترككم والفتنة وأزر إِلَى بلدي وَمَعِي ديني}
25 - ذكر خبر كَعْب بن ذِي الحبكه وضابىءبن الْحَارِث عَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا بلغ عُثْمَان رض = أَن ابْن ذِي الحبكة

(1/76)


النَّهْدِيّ يعالج نيرنجا فَأرْسل إِلَى الْوَلِيد بن عقبه ليسأله عَن ذَلِك فَإِن أقرّ بِهِ أوجعهُ فَدَعَا بِهِ فَسَأَلَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ رفق وَأمر يعجب مِنْهُ فَأمر بِهِ فعزر وَأخْبر النَّاس خَبره وَقَرَأَ عيهم = كتاب عُثْمَان رض = انه قد جد بكم فَعَلَيْكُم بالجد وَإِيَّاكُم والهزل فَكَانَ النَّاس عَلَيْهِ وتعجبوا من وُقُوع عُثْمَان رض = على مثل خَبره فَغَضب وَنَفر فِي الَّذين نفروا وَضرب مَعَهم فَكتب فِيهِ الى عُثْمَان رض = فَلَمَّا سير الى الشَّام من سير كَعْب ابْن ذِي البكه وَمَالك بن عبد الله وَكَانَ ذَنبه كذنبه الى دنيا وندلأنها ارْض شَجَرَة فَقَالَ فِي ذَلِك كَعْب بن ذِي الحبكة للوليد ... لعمري لَئِن أطردتني مَا الى الَّتِي ... طمعت بهَا من سقطي لسبيل ... رَجَوْت رجوعي يَا ابْن أروى ورجعي ... الى الْحق رهوا غال حلمك غول ... وان اغترابي فِي الْبِلَاد وجفوتي ... وشتمي فِي ذَات اللإله قَلِيل ... وان دعائي كل يَوْم وَلَيْلَة ... عَلَيْك بدنيا وندكم لطويل ...
فَلَمَّا ولي سعيد إقفله وَأحسن إِلَيْهِ واستصلحه مكفره وَلم يَزْدَدْ إِلَّا فَسَادًا واستعار ضابىء بن الْحَارِث البرجمي وَالِد عُمَيْر فِي زمَان الْوَلِيد بن عقبه من قوم من الأ نصار كَلْبا يدعى قرحان يصيد الضباء فحبسه عَنْهُم فنافره الْأَنْصَارِيُّونَ واستعانوا عَلَيْهِ بقَوْمه فكاثروه فانتزعوه مِنْهُ وردوه على الْأنْصَارِيّ فهاجمهم فَقَالَ فِي ذَلِك ... تجشم دوني وفدقرحان خطة ... تضل لَهَا الوجناء وَهِي حسير
فَبَاتُوا شباعا ناعمين كَأَنَّمَا ... حباهم بِبَيْت الْمَرْزُبَان أَمِير
فكلبكم لَا تتركوه وأمكم ... فَإِن عقوق الْأُمَّهَات كَبِير ...

(1/77)


فَاسْتَعدوا عُثْمَان رض = فَأرْسل إِلَيْهِ فعززه وحبه كَمَا يصنع بِالْمُسْلِمين فاستثقل ذَلِك فَمَا زَالَ فِي الْحَبْس حَتَّى مَاتَ فِيهِ وَقَالَ فِي الفتك معتذرا إِلَى أَصْحَابه ... هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله
وقائلة قد مَاتَ فِي السجْن ضابىء ... أَلا من لخصم لم يجد من يجادله ...

فَكَذَلِك صَار عُمَيْر بن ضابىء سبئيا والسبئية قوم يسبون عُثْمَان رض = وينسبون إِلَى عبد الله بن سبأ