التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

26 - ذكر خبر الكميل بن زِيَاد وَعُمَيْر بن ضابىء
عَن المستنير عَن أَخِيه قَالَ لَا وَالله مَا سَمِعت وَلَا علمت بِأحد غزا عُثْمَان رض = وَلَا ركب إِلَيْهِ الا قتل لقد اجْتمع بِالْكُوفَةِ نفر فيهم الأشتر وَزيد بن صوحان وصعصعة وَكَعب بن ذِي الحبكة وَأَبُو زَيْنَب وَأَبُو مورع وكميل بن زِيَاد وَعُمَيْر بن ضابىء فَقَالُوا وَالله لَا يرفع بِنَا رَأس مَا دَامَ عُثْمَان على النَّاس فَقَالَ عُمَيْر بن ضابىء وكميل بن زِيَاد نَحن نَقْتُلهُ فَرَكبْنَا إِلَى الْمَدِينَة فَأَما عُمَيْر فَإِنَّهُ نكل عَنهُ وَأما كميل بن زِيَاد فَإِنَّهُ جسر وثاوره وَكَانَ جَالِسا يرصده حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ عُثْمَان رض = فوجأ عُثْمَان رض = وَجهه فَوَقع على أسته فَقَالَ أوجعتني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أولست بفاتك قَالَ لَا قَالَ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَحلف وَقد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس فَقَالُوا نفتشه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لاقد رزق الله الْعَافِيَة وَلَا أشتهي أَن أطلع مِنْهُ على غير نفتشه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقَالَ ان كَانَ كَمَا قلت يَا كميل فاقتد

(1/78)


مني وَجَثَا فوَاللَّه ماحسبتك الا تريدني وَقَالَ إِن كنت صَادِقا فاجرك الله وَإِن كنت كَاذِبًا فأقادك الله وَقعد لَهُ على قَدَمَيْهِ وَقَالَ دُونك فَقَالَ قد تركت فبقيا حَتَّى اكثر النَّاس فِي نجائهما حَتَّى قدم الْحجَّاج الْعرَاق فَقَالَ من كَانَ من بعث الْمُهلب فليواف مكتبه وَلَا يَجْعَل على نَفسه سَبِيلا فَقَامَ اليه عُمَيْر فَقَالَ اني شيخ ضَعِيف ولي ابْنَانِ قويان فَأخْرج أَحدهمَا مَكَاني أوكليهما فَقَالَ من أَنْت فَقَالَ أَنا عُمَيْر بن ضابىء فَقَالَ وَالله لقدعصيت الله مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة وَوَاللَّه لأنكلن بك الْمُسلمين غضِبت لسارق الْكَلْب ظَالِما ان أَبَاك اذ غل لَهُم وانك هَمَمْت ونكلت واني أهم ثمَّ لَا أنكل ثمَّ أَمر بِهِ فَضربت عُنُقه
قَالَ سيف بن عمر التَّمِيمِي وَحدثنَا رجل من بن أَسد قَالَ من حَدِيثه أَنه كَانَ غزا عُثْمَان رض = فِيمَن غزاه فَلَمَّا قدم الْحجَّاج ونادى بِمَا نَادَى بِهِ دخل عَلَيْهِ فَعرض عَلَيْهِ ماعرض فَقبل مِنْهُ فَلَمَّا ولى قَالَ أَسمَاء بن خَارِجَة لقد كَانَ شَأْن عُمَيْر مِمَّا يهمني فَقَالَ وَمن عُمَيْر فَقَالَ هَذَا الشَّيْخ فَقَالَ الْحجَّاج ذَكرتني الطعْن وَكنت نَاسِيا أَلَيْسَ فِيمَن خرج إِلَى عُثْمَان قَالَ بلَى قَالَ فَهَل بِالْكُوفَةِ أحد غَيره قَالَ كميل قَالَ عَليّ بعمير فَضرب عُنُقه ودعا بكميل فهرب فَأخذ النخع بِهِ فَقَالَ الْأسود بن الْهَيْثَم مَا تُرِيدُ من شيخ قد كفاكه الْكبر قَالَ أما وَالله الْكبر أما وَالله لتحبسن عني لسَانك أَو لأجتثن رَأسك بِالسَّيْفِ فَقَالَ أفعل فَلَمَّا رأى كميل مَا لَقِي قومه وهم ألف مقَاتل قَالَ الْمَوْت خير من الْخَوْف إِذا أخيف الفان فِي سببي وحرموا فَخرج حَتَّى أَتَى الْحجَّاج

(1/79)


فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج أَنْت الَّذِي أردْت مَا أردْت ثمَّ لم يكشفك امير الْمُؤمنِينَ ثمَّ لم ترض حَتَّى أقعدته للْقصَاص إِذا دفعك عَن نَفسه قَالَ على أَي ذَلِك تقتلني على عَفْو أم على عافيتي قَالَ يَا أدهم بن مُحرز أَقتلهُ قَالَ وَالْأَجْر بيني وَبَيْنك قَالَ نعم قَالَ أدهم لَا بل الْأجر لَك وَمَا كَانَ من أَثم فَعَلَيهِ ثمَّ ضرب عُنُقه فَقَالَ مَا لَك بن عبد الله وَكَانَ من المسيرين وَكَانَ سبئيا ... مَضَت لِأَبْنِ أروى فِي كميل ظلامه ... عفاها لَهُ والمستقيد يلام
وَقَالَ لَهُ لَا أفتح الْيَوْم مثله ... عَلَيْك أَبَا عمر وَأَنت إِمَام
ووجئك رَأْسِي وَالَّذِي نسكت لَهُ ... قُرَيْش بِأَعْلَى المكتيين حرَام
وللعفو أَمن يعرف النَّاس فَضله ... وَلَيْسَ علينا فِي الْقصاص أثام
وَلَو علم الْفَارُوق مَا أَنْت صانع ... نهى عَنْك نهيا لَيْسَ فِيهِ كَلَام ...

فَأَجَابَهُ سهم بن طريف ... كذبت وَلَكِن حاول الْمَرْء غيلَة ... وَفِي ذَلِكُم عِنْد الْإِلَه غرام ... وَلَو علم الْمَظْلُوم علمك كُله ... سما لَك أَمر لَيْسَ فِيهِ مرام
وذنبك عمدا وَالَّذِي نسكت لَهُ ... قُرَيْش بِأَعْلَى المكتين حرَام
لقتلك خير النَّاس عَن رَأْي قصَّة ... هتكت وَفِيمَا قد أردْت زحام
وَفِي كل يَوْم للحباري خطية ... تدب بهَا يقْضِي وَنحن نيام
وَلَو علم الْمَظْلُوم مَا أَنْت مصبىء ... عَلَيْهِ لكَانَتْ فِي السنين عقام ...

27 - ذكر حَكِيم بن جبله وحمران بن أبان
عَن عطيه عَن يزِيد الفقعسي قَالَ لما مضى من إِمَارَة عَامر على

(1/80)


البصرى ثَلَاث سِنِين بلغه أَن فِي عبد القيس رجلا نازلا على حَكِيم بن جبلا وَكَانَ حَكِيم رجلا لصا إِذا قفل الجيوش خنس عَنْهُم يسْعَى فِي أَرض فَارس فيغير على أهل الذِّمَّة ويتنكر لَهُم وَيفْسد فِي الأَرْض ويصيب مَا شَاءَ ثمَّ يرجع فَشَكَاهُ أهل الذِّمَّة وَأهل الْقبْلَة إِلَى عُثْمَان رض = فَكتب إِلَى عبد الله بن عَامر أَن أحبسه وَمن كَانَ مثله فَلَا يخْرجن من البصرى حَتَّى تأنسوا مِنْهُ رشدا فحبسه فَكَانَ لَا يخرج مِنْهَا وطبقته مَعَه فَلَمَّا قدم إِبْنِ السَّوْدَاء نزل عَلَيْهِ وَكَانَ هُوَ ذَلِك الرجل وأجتمع إِلَيْهِ ذَلِك النَّفر وَطرح لَهُم إِبْنِ السَّوْدَاء وَلم يُصَرح فقبلوا مِنْهُ واستعظموه فَأرْسل إِلَيْهِ إِبْنِ عَامر فَسَأَلَهُ مَا أَنْت فَأخْبرهُ أَنه رجل من أهل الْكتاب رغب فِي الْإِسْلَام وَرغب فِي جوارك فَقَالَ إِنَّمَا يبلغنِي غير هَذَا أخرج عني فَخرج حَتَّى أَتَا الْكُوفَة فَأخْرج مِنْهَا فاستقر بِمصْر وَجعل يكاتبهم ويكاتبونه وَيخْتَلف الرِّجَال بَينهم وَأما حمْرَان فروا سيف عَن طلحا وَمُحَمّد قَالَا إِن حمْرَان بن أبان تزوج أمرأه فِي عدتهَا فنكل بِهِ عُثْمَان رض = وَفرق بَينهمَا وسيره إِلَى البصرى فَلَزِمَ إِبْنِ عَامر فتذاكروا يَوْمًا الرّكُوب والمرور بعامر إِبْنِ عبد قيس وَكَانَ منقبضا عَن النَّاس فَقَالَ حمْرَان أَلا أسبقكم إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَخرج فَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف فَقَالَ الْأَمِير أَرَادَ أَن يمر بك فَأَحْبَبْت أَن أخْبرك فَلم يقطع قرآنه وَلم يقبل عَلَيْهِ فَقَامَ من عِنْده خَارِجا فَلَمَّا أنْتَهى إِلَى الْبَاب لقِيه إِبْنِ عَامر فَقَالَ جئْتُك من عِنْد رجل لَا يرى لأل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ فضل فَاسْتَأْذن إِبْنِ عَامر وَدخل عَلَيْهِ وَجلسَ إِلَيْهِ فأطبق عَامر الْمُصحف وحدثه سَاعَة فَقَالَ لَهُ إِبْنِ عَامر أَلا تغشانا فَقَالَ إِن سعد بن أبي العرجاء يحب الشّرف فَقَالَ أَلا نستعملك فَقَالَ حُصَيْن بن

(1/81)


أبي الْحر يحب الْعَمَل قَالَ أَلا نُزَوِّجك فَقَالَ ربيعَة بن عسل يُعجبهُ النِّسَاء قَالَ إِن هَذَا يزْعم أَنَّك لَا ترى لأل إِبْرَاهِيم عَلَيْك فضلا فَفتح الْمُصحف فَكَانَ أول مَا وَقع عَلَيْهِ وافتتح مِنْهُ {إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين} ال عمرَان 33 فَلَمَّا رد حمْرَان تتبع ذَلِك مِنْهُ فسعى بِهِ وَشهد لَهُ أَقوام فسيره إِلَى الشَّام فَلَمَّا علمُوا علمه أذنوا لَهُ فأبا وَلزِمَ الشَّام وَقيل أَن عُثْمَان رض = لما سير حمْرَان بن أبان إِلَى البصرى لما تزوج المرأه فِي عدتهَا وَفرق بَينهمَا وضربه فَلبث فِيهَا مَا شَاءَ الله وَأَتَاهُ عَنهُ التَّوْبَة أذن لَهُ فَقدم عَلَيْهِ الْمَدِينَة وَقدم مَعَه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس أَنه لَا يرى التروج وَلَا يَأْكُل اللَّحْم وَلَا يشْهد الْجُمُعَة وَكَانَ من عَامر إنقباض وَكَانَ عمله كُله خُفْيَة فَكتب عُثْمَان رض = إِلَى عبد الله بن عَامر بذلك فألحقه بِمُعَاوِيَة فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ وَافقه وَعِنْده ثريدة فأكلا أكلا غَرِيبا فَعرف أَن الرجل مَكْذُوب عَلَيْهِ وَقَالَ يَا هَذَا أَتَدْرِي فِيمَا أخرجت قَالَ لَا بلغ الْخَلِيفَة أَنَّك لَا تَأْكُل الحم وَقد رَأَيْتُك وَعرفت أَن قد كذب عَلَيْك وَأَنَّك لَا ترى التَّزْوِيج وَلَا تشهد الْجُمُعَة فَقَالَ أما الْجُمُعَة فَإِنِّي أشهدها فِي مُؤخر الْمَسْجِد ثمَّ ارْجع فِي أَوَائِل النَّاس وَأما التَّزْوِيج فَإِنِّي خرجت وَأَنا يخْطب عَليّ وَأما اللَّحْم فقد رَأَيْت وَلَكِنِّي كنت أمرءا لَا أكل ذَبَائِح القصابين مُنْذُ رَأَيْت قصابا يجر شَاة إِلَى مذبحها وَوضع السكين على حلقها فَمَا زَالَ يَقُول النِّفَاق النِّفَاق حَتَّى وَجَبت قَالَ أرجع لَا أرجع إِلَى بلد أستحل أَهله مني مَا إستحلوا وَلَكِنِّي أقيم بِهَذَا الْبَلَد الَّذِي أختاره الله لي وَكَانَ يكون فِي السواحل وَكَانَ يلقى مُعَاوِيه فيكثر وَيكثر مُعَاوِيَة أَن يَقُول حَاجَتك فَيَقُول لَا حَاجَة لي فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ قَالَ لَهُ ترد عَليّ من حر البصره لَعَلَّ الصَّوْم أَن يشْتَد عَليّ شَيْئا فَإِنَّهُ يخف عَليّ فِي بِلَادكُمْ

(1/82)


ذكر خبر أهل اللأحداث عَن أبي حارثه وَأبي عُثْمَان قَالَا لم قدم مسيرَة أهل الْكُوفَة على مُعَاوِيه أنزلهم دَارا ثمَّ خلابهم فَقَالَ لَهُم وَلما فرغوا قَالَ لَهُم لم تُؤْتوا إِلَّا من الْحمق وَالله مَا أرى منطقا سديدا وَلَا عذرا مُبينًا وَلَا حلما وَلَا قُوَّة
وَإنَّك يَا صعصعة لأحمقهم
إصنعوا وقولو مالم تدعوا شَيْئا من أَمر الله فَإِن كل شَيْء يحْتَمل لكم إِلَّا مَعْصِيّة الله
فَأَما فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنكُم فَأنْتم أُمَرَاء أَنفسكُم
فَرَآهُمْ بعد وهم يشْهدُونَ الصَّلَاة ويقفون مَعَ قاص الجماعه فَدخل عَلَيْهِم يَوْمًا وَبَعْضهمْ يقرىء بَعْضًا فَقَالَ إِن فِي هَذَا لخلفا مِمَّا قدمتم بِهِ عَليّ من النزاع إِلَى أَمر الجاهليه إذهبوا حَيْثُ شِئْتُم وَاعْلَمُوا أَنكُمْ إِن لزمتم جماعتكم سعدتم بذلك دونهم وَإِن لم تلزموها شقيتم بذلك دونهم وَلم تضروا أحدا
فجزوه خيرا وأثنوا عَلَيْهِ فَقَالَ يَا إِبْنِ الْكواء أَي رجل أَنا قَالَ بعيد الثرى كثير المرعى طيب البديهة بعيد الْغَوْر الْغَالِب عَلَيْك الْحلم ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام سدت بك فُرْجَة مخوفة قَالَ فَأَخْبرنِي عَن أهل الْأَحْدَاث من أهل الْأَمْصَار فَإنَّك اعقل أَصْحَابك قَالَ كاتبوني وكاتبتهم فأنكروني وعرفتهم
فَأَما أهل الْأَحْدَاث من أهل الْمَدِينَة فهم أحرص الْأمة على الشَّرّ وأعجزه عَنهُ
وَأما أهل الْأَحْدَاث من أهل الْكُوفَة فَإِنَّهُم أَنْضَرُ النَّاس فِي صَغِير وأركبه لكبير
وَأما أهل الْأَحْدَاث من أهل الْبَصْرَة فَإِنَّهُم يردون جَمِيعًا وَيَصْدُرُونَ شَتَّى
وَأم آهل الْأَحْدَاث من أهل مصر فَإِنَّهُم أوفى النَّاس بشر وأسرعه ندامه
وَأما أهل الْأَحْدَاث من أهل الشَّام فأطوع النَّاس لمرشدهم وأعصاهم لمغويهم

29 - ذكر حَدِيث أبي ذَر وَخُرُوجه إِلَى الربذَة وَفِي سنة ثَلَاثِينَ جرى بَين مُعَاوِيه وَأبي ذَر مناظرة فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم}

(1/83)


التوبه (34) فَقَالَ مُعَاوِيَة نزلت فِي أهل الْكتاب وَقَالَ أَبُو ذَر بل نزلت فِينَا وَفِيهِمْ فَكَانَ بَينهمَا فِي ذَلِك كَلَام فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان رض = أَن أَبَا ذَر قد أفسد الشَّام فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان رض = أَن جهزه وَابعث بِهِ إِلَيّ فَفعل فَكَلمهُ عُثْمَان فِي ذَلِك فَقَالَ إيذن لي الْخُرُوج من الْمَدِينَة فَأذن لَهُ فَخرج إِلَى الربذَة وَبنى مَسْجِد وأقطعه عُثْمَان رض = صرمة من الْإِبِل واعطاه مملوكين وأجرى عَلَيْهِ جراية ثمَّ بعث مُعَاوِيَة بأَهْله إِلَى الربذَة
وَأما مَا ذكر فِي سَبَب إِخْرَاجه من الْأُمُور الشنيعة وَسَب مُعَاوِيَة إِيَّاه وتهديده بألقتل وَحمله من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة بِغَيْر وطاء ونفيه فَلَا يَصح النَّقْل بِهِ بل هُوَ من اكاذيب الرافضه قبحهم الله تَعَالَى ثمَّ لَو صَحَّ ذَلِك لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْتَذر عَن عُثْمَان رض = بِأَن للأمام أَن يُؤَدب رعية لسؤء أدبه افتيات عَلَيْهِ وَغير ذَلِك من الاعذار
وروى سيف فِي الْفتُوح عَن عَطِيَّة عَن يزِيد الفقعسي قَالَ لما ورد إِبْنِ السَّوْدَاء الشَّام لَقِي ابا در فَقَالَ يَا أَبَا در أَلا تعجب إِلَى مُعَاوِيَة يَقُول المَال مَال الله عز وَجل أَلا كل شىء لله كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يحتجنه دون الْمُسلمين ويمحو إسم الْمُسلمين فَأَتَاهُ أَبُو ذَر فَقَالَ مَا يَدْعُوك إِلَى أَن تسمي مَال الْمُسلمين مَال الله فَقَالَ مُعَاوِيَة يَرْحَمك الله يَا أَبَا ذَر أَلسنا عباد الله وَالْمَال مَاله والخلق خلقه وألأمر أمره قَالَ فلاتقله قَالَ فَإِنِّي لَا اقول أَنه لَيْسَ لله وَلَكِن سأقول مَال الْمُسلمين وأنوي وأتى إِبْنِ السَّوْدَاء ابا الدَّرْدَاء فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ لَهُ من أَنْت أَظُنك وَالله يَهُودِيّا فَأتى عبَادَة بن الصَّامِت فَتعلق بِهِ فَأتى مُعَاوِيَة فَقَالَ هَذَا وَالله الَّذِي بعث عَلَيْك ابا ذَر وَقَامَ أَبُو ذَر بِالشَّام وَجعل يَقُول يَا معشر الْأَغْنِيَاء وَاسَوْا ألفقراء بشر الَّذين يكنزون الذَّهَب وألفضة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله بمكاو و

(1/84)


من نَار تكوي بهَا جباههم وجنوبهم وظهورهم
فَمَا زَالَ حَتَّى ولع الْفُقَرَاء بِمثل ذَلِك وأوجبوه على الْأَغْنِيَاء حَتَّى شكا الْأَغْنِيَاء مَا يلقون من النَّاس
فَكتب مُعَاوِيه إِلَى عُثْمَان ر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ إِن أَبَا ذَر قد أعضل بِي وَقد كَانَ من الامر ذيت وذيت فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان رض = أَن الْفِتْنَة قد أخرجت خطمها وعينيها وَلم يبْق إِلَّا ان تثب فَلَا تنكأ الْقرح وجهز أَبَا ذَر إِلَى وأبعث مَعَه دَلِيلا وزوده وأرفق بِهِ وكفكف النَّاس ونفسك مَا أستطعت فَإِنَّمَا تمسك مَا أستمسكت
فَبعث بِأبي ذَر وَمَعَهُ دَلِيل
فَلَمَّا قدم المدينه وَرَأى الْمجَالِس فِي أصل سلع قَالَ بشر أهل المدينه بغارة شعواء وَحرب مذكار وَدخل على عُثْمَان رض = فَقَالَ يَا أَبَا ذَر مَا لأهل الشَّام يَشكونَ ذربك فأحبره انه لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال مَال الله وَلَا يَنْبَغِي للأغنياء أَن يقتنوا مَالا فَقَالَ يَا أَبَا ذَر إِنَّمَا عَليّ أَن أَقْْضِي مَا عَليّ وأحذ مَا على الرعيه وَلَا أجبرهم على الزّهْد وان أدعهم والإجتهاد والأقتصاد قَالَ فَأذن لي فِي الْخُرُوج فَإِن الْمَدِينَة لَيست لي بدار فَقَالَ أَو تستبدل بهَا الأشر مِنْهَا قَالَ أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن اخْرُج مِنْهَا إِذْ بلغ الْبناء سلعا قَالَ فانفذ لما أَمرك بِهِ قَالَ فَخرج حَتَّى نزل الربذَة وبنا بهَا مَسْجِدا وأقطعه عُثْمَان رَضِي قطيعا من الْغنم وصرمة من الأبل وَأَعْطَاهُ مملوكين وَأرْسل إِلَيْهِ أَن يعاود الْمَدِينَة حَتَّى لَا يرْتَد أَعْرَابِيًا فَفعل
قَالَ إِبْنِ عَبَّاس رض = كَانَ أَبُو ذَر رض = يخْتَلف من الربذه إِلَى الْمَدِينَة مَخَافَة الأعرابيه وَكَانَ يحب الْوحدَة وَالْخلْوَة فَدخل على عُثْمَان رض = وَعِنْده كَعْب الْأَحْبَار فَقَالَ لَا تضر من النَّاس بكف الْأَذَى حَتَّى يبذلوا الْمَعْرُوف وَقد يَنْبَغِي للمؤدي الزَّكَاة أَلا يقْتَصر عَلَيْهَا حَتَّى يحسن إِلَى الْجِيرَان والأخوان ويصل الْقرَابَات فَقَالَ كَعْب من أدّى الْفَرِيضَة قد قضى مَا عَلَيْهِ فَرفع أَبُو ذَر محجنته فَضَربهُ فَشَجَّهُ فستوهبه مِنْهُ عُثْمَان رض = فوهبه لَهُ وَقَالَ يَا أَبَا ذَر أتقي الله وكفف يدك وَلِسَانك وَقد كَانَ قَالَ لَهُ

(1/85)


يَا إِبْنِ اليهوديه مَا أَنْت وَهَهُنَا وَالله لتسمعن مني إِذا أَدخل عَلَيْك وَالله لَا يسمع أحذ من الْيَهُود إِلَّا فتنوه
وَعَن الْأَشْعَث بن سوار عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ خرج أَبُو ذَر إل الربذه من قبل نَفسه لما رأى عُثْمَان رض = لَا ينْزع لَهُ وَأخرج مُعَاوِيَة أَهله إِلَيْهِ من بعده فَخَرجُوا إِلَيْهِ وَمَعَهُمْ جراب يثقل يَد الرجل فَقَالَ أنظروا إِلَى هَذَا الَّذِي يزهد فِي الدُّنْيَا مَا عِنْده فَقَالَت أمراة أما وَالله مَا فِيهِ دِينَار وَدِرْهَم وَلكنهَا فلوس إِذا خرج عطاؤه إبتاع مِنْهُ فلوس لحوائجنا
وَلما نزل أَبُو ذَر بربذة أُقِيمَت الصَّلَاة وَعَلَيْهَا رجل يَلِي الصدقه فَقَالَ تقدم يَا أَبَا ذَر فَقَالَ لَا تقدم أَنْت فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي أسمع وطع وَإِن كَانَ عَلَيْك عبد مجدع فَأَنت عبد وَلست بأجدع وَكَانَ من رَقِيق الصَّدَقَة وَكَانَ أسود يُقَال لَهُ مجاشع
وَعَن مقسم بن الفضيل عَن جَابر قَالَ أجْرى عُثْمَان رض = على أبي ذَر رض = كل يَوْم عظما وعَلى رَافع بن خديج مثله وَكَانَا تنحيا عَن الْمَدِينَة لشَيْء سمعاه لم يُفَسر لَهما وأبصرا وَقد أوطئا
وَعَن مُحَمَّد بن سوقه عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن سَلمَة بن نباتة قَالَ خرجنَا معتمرين فأتينا الربذَة فطلبنا ابا ذَر فِي منزله فَلم نجده وَقَالُوا ذهب إِلَى المَاء فتنحينا منزلنا قَرِيبا من منزله فَمر بِنَا وَمَعَهُ عظم جزور يحملهُ مَعَه غُلَام فَسلم وَمضى حَتَّى أَتَا منزله فَلم يمْكث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْنَا وَقَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إسمع وأطع وَإِن كَانَ عَلَيْك عبد حبشِي مجدع فَنزلت هَذَا المَاء وَعَلِيهِ رَقِيق من رَقِيق مَال

(1/86)


الله عَلَيْهِم حبشِي وَلَيْسَ بأجدع وَهُوَ مَا علمت وَأثْنى عَلَيْهِ وَلَهُم فِي كل يَوْم جزور وليا مِنْهَا عظم اكله أَنا وَعِيَاله قلت مَالك من المَال قَالَ صرمت من الأبل وقطيع من الْغنم فِي إِحْدَاهمَا غلامي وَفِي الاخر أمتِي وَغُلَامِي حر إِلَى رَأس السّنة قَالَ قلت إِن أَصْحَابك قبلنَا اكثر النَّاس أَمْوَالًا قَالَ أما أَنه لَيْسَ لَهُم فِي مَال الله حق إِلَّا لي مثله