التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

59 - ذكر مناشدة عُثْمَان طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = وَهُوَ مَحْصُور
عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ شهِدت عُثْمَان رض = يَوْم حوصر فِي مَوضِع الْجَنَائِز وَلَو ألقِي حجر لم يَقع إِلَّا على رَأس رجل فَرَأَيْت عُثْمَان رض = أشرف من الخوجة الَّتِي تلِي مقَام جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَيهَا النَّاس أفيكم طَلْحَة فَسَكَتُوا ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس أفيكم طَلْحَة فَقَالَ طَلْحَة نعم فَقَالَ عُثْمَان رض = أَلا أَرَاك هَهُنَا مَا كنت أرى أَنَّك تكون مَعَ قوم تسمع ندائي أخر ثَلَاث مَرَّات ثمَّ لَا تُجِيبنِي أنْشدك الله يَا طَلْحَة أَتَذكر يَوْم كنت أَنا وَأَنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا لَيْسَ مَعَه أحد من أَصْحَابه غَيْرِي وَغَيْرك فَقَالَ نعم قَالَ فَقَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا طَلْحَة أَنه لَيْسَ من نَبِي إِلَّا وَمَعَهُ من أَصْحَابه رَفِيق من أمته مَعَه فِي الْجنَّة وَإِن عُثْمَان بن عَفَّان هَذَا يعنيني رفيقي معي فِي الْجنَّة قَالَ طَلْحَة اللَّهُمَّ نعم ثمَّ أنصرف
وروى أَحْمد بأسناده قَالَ أشرف عُثْمَان رض = على الَّذين حصروه فَسلم عَلَيْهِم فَلم يردوا عَلَيْهِ فَقَالَ عُثْمَان رض = أَفِي الْقَوْم طَلْحَة قَالَ طَلْحَة نعم قَالَ فَإنَّا لله وَإِنَّا اليه رَاجِعُون أسلم على قوم أَنْت فيهم فَلَا

(1/166)


تردون قَالَ قد رددت قَالَ مَا هَكَذَا الرَّد أسمعك وَلَا تسمعني يَا طَلْحَة أنْشدك الله أسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يحل دم أمرىء مُسلم إِلَّا بأحدى ثَلَاث أَن يكفر بعد إِيمَان أَو يَزْنِي بعد أحصان أَو يقتل نفسا فَيقْتل بهَا قَالَ اللَّهُمَّ نعم فَكبر عُثْمَان رض = وَقَالَ وَالله مَا أنْكرت الله مُنْذُ عَرفته وَلَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّة وَلَا فِي أسلام وَقد تركته فِي الْجَاهِلِيَّة تكرها وَفِي الأسلام تعففا وَمَا قتلت نفسا يحل بهَا قَتْلِي
وروى أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده أَن عُثْمَان رض = أشرف على النَّاس وَهُوَ مَحْصُور فَقَالَ من يعذرني فِي هذَيْن الرجلَيْن اللَّذين ألبا عَليّ النَّاس يحْتَمل أَن يُرِيد بِالرجلَيْنِ طَلْحَة وَالزُّبَيْر فانهما كَانَا فِي جملَة الَّذين تكلمُوا فِي شَأْن عُثْمَان رض = ثمَّ بَان لَهما الْحق فانصرفا عَنهُ وندما على ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ طَلْحَة لما طعن اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني حَتَّى ترْضى وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِالرجلَيْنِ مَالِكًا الأشتر وعمار بن يَاسر فأنهما كَانَا حنقين عَلَيْهِ يحرضان النَّاس عَلَيْهِ وَالله أعلم
60 - ذكر محاورة عُثْمَان رض = لِأَبْنِ مَسْعُود وعمار
روى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده قَالَ دَعَا عُثْمَان رض = نَاسا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم عمار بن يَاسر فَقَالَ إِنِّي سَائِلكُمْ وَإِنِّي أحب أَن تصدقوني نشدتكم الله أتعلمون أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤثر قُريْشًا على سَائِر النَّاس ويؤثر بني هَاشم على سَائِر قُرَيْش فَسكت الْقَوْم فَقَالَ عُثْمَان رض = لَو أَن بيَدي مَفَاتِيح الْجنَّة لأعطيتها بني أُميَّة حَتَّى يدخلُوا من عِنْد آخِرهم

(1/167)


وَبعث إِلَى طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = فَقَالَ الا أحدثكما عَنهُ يَعْنِي عمارا اقبلت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخذا بيَدي نمشي فِي الْبَطْحَاء حَتَّى أَتَى على أَبِيه وَأمه وَعَلِيهِ يُعَذبُونَ فَقَالَ أَبُو عمار يَا رَسُول الله الدَّهْر هَكَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْبِر اللَّهُمَّ أَغفر لال يَاسر وَقد فعلت
وروى أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده إِن عُثْمَان بن عَفَّان رض قَالَ لِأَبْنِ مَسْعُود رَضِي عَنهُ هَل أَنْت منته عَمَّا بَلغنِي عَنْك فأعتذر بعض الْعذر فَقَالَ عُثْمَان رض = وَيحك أَنِّي قد سَمِعت وحفظت وَلَيْسَ كَمَا سَمِعت إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سيقتل أَمِير وينتزي منتز وَإِنِّي أَنا الْمَقْتُول وَلَيْسَ هُوَ عمر وَإِنَّمَا قتل عمر وَاحِد وَأَنه يجْتَمع عَليّ
وروى أَيْضا بأسناده عَن عباد بن زَاهِر قَالَ سَمِعت عُثْمَان رض يخْطب فَقَالَ إِنَّا وَالله قد صَحِبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر والحضر فَكَانَ يعود مرضانا وَيتبع جنائزها ويغزومعنا ويواسينا بِالْقَلِيلِ وَالْكثير وَإِن نَاسا يعلمونني بِهِ عى أَلا يكون أحدهم رَاه قطّ
وروى أَيْضا بأسناده أَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار قَالَ أَن عُثْمَان بن عَفَّان رض = عَنهُ قَالَ لَهُ يَا بن أخي أدْركْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقلت لَا وَلَكِن خلص الي من علمه مَا يخلص إِلَى الْعَذْرَاء فِي سترهَا قَالَ فَتشهد ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ فَكنت مِمَّن أستجاب لله وَلِرَسُولِهِ ص وآمن بِمَا بعث بِهِ مُحَمَّدًا ثمَّ هَاجَرت الهجرتين وصحبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبايعته فوَاللَّه مَا عصيته وَلَا غششته حَتَّى توفاه الله ثمَّ أَبُو بكر مثله ثمَّ عمر مثله ثمَّ

(1/168)


إستخلفت أفليس لي من الْحق مثل الَّذِي لَهُم قلت بلَى قَالَ فَمَا هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تبلغني عَنْكُم انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ

61 - ذكر خوف عُثْمَان وخشوعه رض =
روى عبد الله بن أَحْمد فِي الْمسند بِإِسْنَادِهِ عَن هانىء مولى عُثْمَان رض = اذا وقف على قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته فَقيل لَهُ أَتَذكر الْجنَّة وَالنَّار فَلَا تبْكي وتبكي من ذَا فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقَبْر أول منَازِل الأخرة فان تنج مِنْهُ فَمَا بعده أيسر مِنْهُ وَإِن لم تنج مِنْهُ فَمَا بعده أَشد مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا رَأَيْت منْظرًا قطّ إِلَّا الْقَبْر أفظع مِنْهُ نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر
62 - ذكر مَا أَشَارَ بِهِ الْمُغيرَة على عُثْمَان رض = روى الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند بأسناده قَالَ دخل الْمُغيرَة بن شُعْبَة على عُثْمَان رض = وَهُوَ مَحْصُور فَقَالَ أَنَّك إِمَام الْعَامَّة وَقد نزل بك مَا ترى وَأَنِّي أعرض عَلَيْك خِصَالًا ثَلَاثًا أختر أحداهن أما أَن تخرج فتقاتلهم فان مَعَك عددا وَقُوَّة وَأَنت على الْحق وهم على الْبَاطِل وَأما أَن تخرق لَك بَابا سوى الْبَاب الَّذِي هم عَلَيْهِ فتقعد على رواحلك فتلحق بِمَكَّة فانهم لن يستحلوك وَأَنت بهَا وَأما أَن تلْحق بِالشَّام فأنهم أهل الشَّام وَفِيهِمْ مُعَاوِيَة فَقَالَ عُثْمَان رض = أما أَن أخرج فأقاتل فَلَنْ أكون أول من خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمته بسفك الدِّمَاء وَأما أَن أخرج إِلَى مَكَّة فأنهم لن يستحلوني بهَا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يلْحد رجل من قُرَيْش بِمَكَّة عَلَيْهِ نصف عَذَاب الْعَالم فَلَنْ أكون أَنا أَيَّاهُ وَأما أَن ألحق

(1/169)


بِالشَّام فأنهم أهل الشَّام وَفِيهِمْ مُعَاوِيَة فَلَنْ أُفَارِق دَار هجرتي ومجاورة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله يلْحد رجل من قُرَيْش بِمَكَّة فان أهل الشَّام كَانُوا يَقُولُونَ هُوَ عبد الله بن الزبير 63 ذكر بِشَارَة لنَبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام لعُثْمَان رض = بِالْجنَّةِ
روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه باسناده عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ أَخْبرنِي أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رض = أَنه تَوَضَّأ فِي بَيته ثمَّ خرج فَقلت لألزمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأكونن مَعَه يومي هَذَا قَالَ فجَاء الْمَسْجِد فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا خرج وَوجه هَهُنَا فَخرجت على أَثَره أسأَل عَنهُ حَتَّى دخل بِئْر أريس فَجَلَست عِنْد الْبَاب وبابها من جريد حَتَّى قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجته فَتَوَضَّأ فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس على بِئْر أريس قد توَسط قفها وكشف عَن سَاقيه ودلاهما فِي الْبِئْر فَسلمت عَلَيْهِ ثمَّ أنصرفت فَجَلَست عِنْد الْبَاب فَقلت لأكونن بواب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَوْم فجَاء أَبُو بكر فَدفع الْبَاب فَقلت من هَذَا فَقَالَ أَبُو بكر فَقلت على رسلك ثمَّ ذهبت فَقلت يَا رَسُول الله هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ فَأَقْبَلت حَتَّى قلت لأبي بكر أَدخل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبشرك بِالْجنَّةِ فَدخل أَبُو بكر فَجَلَسَ عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه فِي القف ودلى رجلَيْهِ فِي الْبِئْر كَمَا صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكشف عَن سَاقيه ثمَّ رجعت فَجَلَست وَقد تركت أخي يتَوَضَّأ ويلحقني فَقلت إِن يرد الله بفلان خيرا يُرِيد أَخَاهُ يَأْتِ بِهِ فاذا أنسان يُحَرك الْبَاب فَقلت من هَذَا فَقَالَ عمر ابْن الْخطاب فَقلت على رسلك ثمَّ جِئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت هَذَا عمر بن الْخطاب يسْتَأْذن فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ فَجئْت فَقلت أَدخل ويبشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ

(1/170)


فَدخل فَجَلَسَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي القف عَن يسَاره ودلى رجلَيْهِ فِي الْبِئْر ثمَّ رجعت فَجَلَست فَقلت أَن يرد الله بفلان خيرا يَأْتِ بِهِ فجَاء انسان يُحَرك الْبَاب فَقلت من هَذَا فَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان فَقلت عل رسلك وَجئْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه فَجِئْته فَقلت لَهُ أَدخل وبشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بلوى تصيبك فَدخل فَوجدَ القف قد ملىء فَجَلَسَ وجاهه من الشق الْأُخَر قَالَ شريك قَالَ سعيد فَأَوَّلتهَا قُبُورهم
وروى البُخَارِيّ أَيْضا باسناده عَن أنس بن مَالك رض = ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد أحدا وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رض = فَرَجَفَ بهم فَقَالَ أثبت أحد فانما عَلَيْك نَبِي وصديق وشهيدان وَفِي رِوَايَة فَضَربهُ بِرجلِهِ وَقَالَ اثْبتْ فَمَا عَلَيْك الا نَبِي وصديق وشهيدان
وروى البُخَارِيّ أَيْضا باسناده عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَائِط من حيطان الْمَدِينَة فجَاء رجل فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ ففتحت لَهُ فاذا أَبُو بكر فبشرته بِمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله ثمَّ جَاءَ رجل فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ ففتحت لَهُ فاذا عمر فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله ثمَّ أستفتح رجل فَقَالَ لي أفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه فاذا عُثْمَان فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله ثمَّ قَالَ الله الْمُسْتَعَان