التمهيد والبيان
في مقتل الشهيد عثمان 67 - ذكر كَلَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي
التَّفْضِيل
قَالَ عبد الله بن أَحْمد سَأَلت أبي عَن الشَّهَادَة لأبي
بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بِأَنَّهُمَا فِي الْجنَّة
فَقَالَ نعم أذهب الى حَدِيث سعيد بن زيد
(1/174)
قَالَ وَكَذَلِكَ أَصْحَاب النَّبِي
الثَّمَانِية وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَصْحَاب الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صنف ثَمَانُون مِنْهَا
من أمتِي فَإِذا لم يكن أَصْحَاب النَّبِي مِنْهُم فَمن
يكون
وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ إِذا رَأَيْت
الرجل يذكر أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِسوء فاتهمه على الأسلام
قَالَ عبد الله بن أَحْمد قلت لأبي من الرافضي الَّذِي
يشْتم ويسب أَبَا بكر وَعمر رض = قَالَ وَسَأَلت أبي عَن
رجل يشْتم رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ مَا أرَاهُ على الأسلام
وَقَالَ الْمروزِي قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله
لما مرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم أَبَا
بكر ليُصَلِّي بِالنَّاسِ وَقد كَانَ فِي الْقَوْم من هُوَ
أَقرَأ مِنْهُ وأنما أَرَادَ الْخلَافَة
وَقَالَ عَبدُوس بن مَالك الْعَطَّار سَمِعت أَحْمد بن
حَنْبَل يَقُول خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر
الصّديق ثمَّ عمر بن الْخطاب ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان رض
= نقدم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَمَا قدمهم أَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِك
ثمَّ بعد هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الشورى الْخَمْسَة عَليّ
وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعبد الرحمان بن عَوْف وَسعد رض =
كلهم يصلح للخلافة وَكلهمْ إِمَام وَنَذْهَب فِي ذَلِك
إلأى حَدِيث أبن عمر رض كُنَّا نعد وَرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَيّ وَأَصْحَابه متوفرون أَبُو بكر ثمَّ
عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ نسكت ثمَّ بعد أَصْحَاب الشورى أهل
بدر من الْمُهَاجِرين ثمَّ أهل بدر من الْأَنْصَار من
أَصْحَاب رَسُول الله على قدر الْهِجْرَة والسابقة أَولا
فأولا ثمَّ أفضل النَّاس بعد هَؤُلَاءِ أَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم االقرن الَّذِي بعث بَينهم
كل من صَحبه سنة أَو شهر أَو يَوْمًا أَو سَاعَة أَو رأه
فَهُوَ من أَصْحَابه لَهُ من الصُّحْبَة على قدر مَا صَحبه
وَكَانَت سابقته مَعَه وَسمع مِنْهُ وَنظر إِلَيْهِ نظرة
فأدناهم صَحبه أفضل من الْقرن الَّذين لم يروه وَلَو لقوا
الله بِجَمِيعِ الْأَعْمَال كَانَ
(1/175)
هاؤلاء الَّذين صحبوا النَّبِي وراوه
وَسعوا مِنْهُ أفضل لصحبتهم من التَّابِعين وَلَو عمِلُوا
كل أَعمال الْخَيْر وَمَا أنتقض أحد من أَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أبغضه لحَدث كَانَ
مِنْهُ أَو ذكر مساوئة كَانَ مبتدعا حَتَّى يترحم
عَلَيْهِم جَمِيعًا وَيكون قبله لَهُم سليما
وَقَالَ صَالح بن أَحْمد سُئِلَ أبي وَأَنا شَاهد عَمَّن
يقدم عليا على عُثْمَان يبدع قَالَ هَذَا أهل أَن يبدع
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا
عُثْمَان
وَعَن عمر بن عُثْمَان الحمقي قَالَ لما حمل أَحْمد بن
حَنْبَل من الْعَسْكَر الى الرّوم نزل هَهُنَا حمص فَدخلت
عَلَيْهِ فَقلت يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول فِي عَليّ
وَعُثْمَان وفقال عُثْمَان ثمَّ عَليّ ثمَّ قَالَ يَا
أَبَا حَفْص من فضل عليا على عُثْمَان فقد أزرى بأصحاب
الشورى
وَعَن مُحَمَّد بن عَوْف قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل
عَن التَّفْضِيل فَقَالَ من فضل عليا على أبي بكر فقد طعن
عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عليا عَليّ
على عمر فقد طعن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وعَلى أبي بكر وَمن قدم عَليّ على عُثْمَان فقد طعن على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر
وعَلى الْمُهَاجِرين وَلَا أَحسب يصلح لَهُ عمل
وَعَن عبد الله قَالَ حدث أبي بِحَدِيث سفينة فَقلت يَا
أَبَت مَا تَقول فِي التَّفْضِيل قَالَ فِي الْخلَافَة
أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَقلت وَعلي بن أبي طَالب
قَالَ يَا بني عَليّ بن أبي طَالب من أهل بَيت لَا يُقَاس
بهم أحد وَقَالَ عبد الله سَمِعت أبي يَقُول مَا لأحد من
الصَّحَابَة من الْفَضَائِل بالأحاديث الصِّحَاح مَا لعَلي
رض =
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل من لم يثبت الإِمَام لعَلي رض =
فَهُوَ أضلّ من حمَار أَهله
(1/176)
قَالَ الْمروزِي قيل لأبي عبد الله وَنحن
فِي الْعَسْكَر وَقد جَاءَ بعض رسل الْخَلِيفَة يَا أَبَا
عبد الله مَا تَقول فِيمَا كَانَ بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة
وفقال مَا أَقُول عَنْهُم الا الْحسنى
قَالَ الْمروزِي وَسمعت أَبَا عبد الله وَذكر لَهُ
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفقال
رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ وَمُعَاوِيَة وَعمر بن الْعَاصِ
وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ والمغيرة كلهم وَصفهم الله
فِي كِتَابه فَقَالَ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر
السُّجُود} الْفَتْح 29 وَسَأَلَ رجل عَمَّا جرى بَين
عَليّ وَمُعَاوِيَة فاعرض عَنهُ وَقيل لَهُ يَا أَبَا عبد
الله هُوَ رجل من بني هَاشم فَأقبل عَلَيْهِ فَقَالَ
أَقرَأ {تِلْكَ أمة قد خلت} الْبَقر 141
68 - ذكر أَن عُثْمَان رض = وَأَصْحَابه برءاء من الْفِتَن
وَأَنه يقتل مَظْلُوما رض =
عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ قَالَ شهِدت خطباء فِي
أول الْفِتْنَة بِالشَّام قَالَ فَقَامَ رجل فِي أخرهم
يُقَال لَهُ مرّة بن كَعْب فَقَالَ لَوْلَا حَدِيث سمعته
من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قُمْت أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر يَوْمًا فتْنَة
فَمر رجل مقنع فَقَالَ هَذَا وَأَصْحَاب على الْحق
فَأَتْبَعته فَإِذا هُوَ عُثْمَان رض = وَعَن أبن عمر رض =
قَالَ ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتْنَة
فَمر رجل مقنع فَقَالَ يقتل هَذَا الْمقنع مَظْلُوما قَالَ
فَنَظَرت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان رض =
وَعَن مُجَاهِد عَن عَائِشَة رض = قَالَت دخل عُثْمَان بن
عَفَّان رض = على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فناجاه
طَويلا فَمَا فجأت الا وَعُثْمَان رض = عَنهُ جاث على
رُكْبَتَيْهِ يَقُول ظلما وعدوانا يَا رَسُول الله قَالَت
عَائِشَة رض = فَظَنَنْت أَنه أخبرهُ بقتْله
عَن يزِيد بن أَرقم قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَنطلق حَتَّى
(1/177)
تَأتي السُّوق فَتلقى عُثْمَان فِيهَا
يَبِيع ويبتاع فَقل لَهُ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول أبشر
بِالْجنَّةِ بعد بلَاء شَدِيد فَانْطَلَقت حَتَّى أتيت
السُّوق فَلَقِيت عُثْمَان رض = يَبِيع ويبتاع كَمَا قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت إِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام
وَيَقُول أبشر بِالْجنَّةِ بعد بلَاء شَدِيد قَالَ
وَأَيْنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت بمَكَان
كَذَا وكذ فَأخذ بيَدي فَجِئْنَا جَمِيعًا حَتَّى
أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
لَهُ عُثْمَان يَا رَسُول الله إِن زيدا أَتَانِي فَقَالَ
لي إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ
عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول أبشر بِالْجنَّةِ بعد بلَاء
شَدِيد فَأَي بلَاء يُصِيبنِي يَا رَسُول الله فوالذي
بَعثك بِالْحَقِّ مَا تَغَنَّيْت وَلَا تمنيت وَلَا مسست
ذكري مُنْذُ بَايَعْتُك فَقَالَ هُوَ ذَاك هُوَ ذَاك
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ زيد بن أَرقم بَعَثَنِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عُثْمَان رض =
فبشرته بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه فَأخذ عُثْمَان بيَدي
فَانْطَلق بِي حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا هَذِه الْبلوى الَّتِي
تصيبني فوَاللَّه مَا تَغَنَّيْت وَلَا تمنيت وَلَا مسست
فَرجي بيميني مُنْذُ أسلمت وبايعت رَسُول الله وَلَا
زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّة ولااسلام فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله عز وَجل مقصمك قَمِيصًا
فَإِن أرادك المُنَافِقُونَ على خلعه فَلَا تخلعه
وَعَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ لَو لم يكن فِي
عُثْمَان رض = الا هَاتَانِ الخصلتان كفتاه بذلة دَمه دون
دِمَاء الْمُسلمين وَجمعه الْمُصحف
وَعَن أَيُّوب السجسْتانِي عَن نَافِع عَن أبن عمر رَضِي
الله عَنْهُمَا أَن عُثْمَان رض = أصبح يحدث النَّاس
فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
يَا عُثْمَان أفطر عندنَا فَأصْبح صَائِما ثمَّ قتل من
يَوْمه رَحمَه الله
69 - ذكر أنكار أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قتل عُثْمَان رض =
لما قتل عُثْمَان رض = عظم ذَلِك على أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنكروه أَشد
(1/178)
الأنكار
فروى عَن عبد الرحمان بن أبي ليلى قَالَ رَأَيْت عَليّ رض
= عِنْد أَحْجَار الزَّيْت رَافعا أصبعيه أَو قَالَ
مَادًّا أصبعيه يَقُول اللَّهُمَّ أَنِّي أبرء إِلَيْك من
دم عُثْمَان وَعَن حبيب بن ثَابت عَن مُحَمَّد بن عَليّ
لما كَانَ يَوْمًا الدَّار أرسل عُثْمَان إِلَى عَليّ رض =
يَدعُوهُ فَأَرَادَ أتيانه فتعلقوا بِهِ ومنعوه فَألْقى
عمام سَوْدَاء عَن رَأسه ونادى ثَلَاثًا اللَّهُمَّ إِنِّي
لَا أرْضى قَتله وَلَا أَمر بِهِ وَعَن مبارك بن فضاله عَن
الْحسن قَالَ كَانَ الْحسن بن عَليّ رض = يرد النَّاس عَن
عُثْمَان رض = يَوْم الدَّار بسيفين يضْرب بيدَيْهِ
جَمِيعًا
وَعَن مَوْلَاهُ حُذَيْفَة قَالَ لما بلغ حُذَيْفَة بن
اليمام قتل عُثْمَان رض = جعل يتَرَدَّد فِي الدَّار
قَائِما وذاهبا كَهَيئَةِ النادم وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ
إِنِّي أَخَاف أَن يكون أَمِير الْمُؤمنِينَ مضى وَهُوَ
عَليّ ساخط
وَعَن زيد بن عَليّ أَن زيد بن ثَابت بكا عُثْمَان رض =
يَوْم الدَّار
وَعَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ سَمِعت سعيد بن زيد بن عمر
بن نفَيْل يَقُول لَو أنقض أحدا فِيمَا فَعلْتُمْ بِابْن
عَفَّان لَكَانَ محقوقا أَن ينْقض وَفِي لفظ قَالَ سعيد بن
زيد للْقَوْم لَو أَن أحد أنقض لما صَنَعْتُم بعثمان
لَكَانَ محقوقا أَن ينْقض وَفِي روايه لَو أرفض أَو أنقض
أحد فِيمَا صَنَعْتُم بإبن عَفَّان لَكَانَ محقوقا أَن
يرفض أَو ينفض بِالْفَاءِ فِي ينفض
وَقد روى بِالْقَافِ وَمَعْنَاهُ زَالَ عَن مَكَانَهُ وَمن
رَوَاهُ بِالْفَاءِ فَمَعْنَاه تهدم وتفرق وتقطع
وَعَن أبن سِيرِين قَالَ بعث عُثْمَان رض = سليط بن سليط
وَعبد
(1/179)
الرحمان بن عتاب أبن أسيد فَقَالَ اذْهَبَا
إِلَى إِبْنِ سَلام فتنكر لَهُ وقولا لَهُ أَنه قد كَانَ
من امْر النَّاس مَا قد ترى فَمَا تَأْمُرنَا قَالَ
فَأتيَا إِبْنِ سَلام فَقَالَا لَهُ نَحوا من مقَالَته
فَقَالَ لأَحَدهمَا أَنْت فلَان بن فلَان وَقَالَ للْآخر
أَنْت فلَان بن فلَان بعثكما أَمِير الْمُؤمنِينَ فأقرئاه
السَّلَام وأخبراه أَنه مقتول فلكيف فَإِنَّهُ أقوى لحجته
يَوْم الْقِيَامَة عِنْد الله عز وَجل فَأتيَاهُ
فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ عُثْمَان رض = عزمت عَلَيْكُم أَن
يُقَاتل معي مِنْكُم أحد
وَعَن قَتَادَة قَالَ عبد الله بن سَلام وَالله لَئِن
كَانَ قتل هدى لتحلبن لَبَنًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَلَئِن كَانَ قَتله ضَلَالَة لتحلبن لبن إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة
وَعَن عبد الْملك بن عُمَيْر أبن أخي عبد الله بن سَلام
قَالَ لما أُرِيد عُثْمَان رض = جَاءَ عبد الله بن سَلام
رض = فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رض مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت
فِي نصرتك قَالَ أخرج إِلَى النَّاس فَخرج عبد الله إِلَى
النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أَنه كَانَ لي أسم فِي
الْجَاهِلِيَّة فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عبد الله وَنزلت فِيهِ الأيه {وَشهد شَاهد من بني
إِسْرَائِيل على مثله فَآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله
لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} الْأَحْقَاف 10 وَنزل فِي
{قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم
الْكتاب} الرَّعْد 43 إِن لله سيف مغمودا عَنْكُم وَأَن
الْمَلَائِكَة جاورتكم فِي بلدكم هَذَا الَّذِي نزل فِيهِ
نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالله الله فِي هَذَا
الرجل أَن تقتلوه فوَاللَّه لَئِن قتلتموة لتطتردن
جِيرَانكُمْ من الْمَلَائِكَة وليسن سيف الله المغمود
عَنْكُم فَلَا يغمد إِلَى يَوْم القيامه
وَعَن حميد بن هِلَال قَالَ قَالَ لَهُم عبد الله بن سَلام
ان الملائكه لم تزل محيطه بمدينتكم مُنْذُ قدمهَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى الْيَوْم فو الله
لَئِن قَتَلْتُمُوهُ ليذهبن ثمَّ لايعودون أبدا وَوَاللَّه
لايقتله مِنْكُم رجل الا بَقِي أَجْذم لَا يَد لَهُ وان
سيف الله لم يزل مغمودا عَنْكُم وانكم وَالله لَئِن
قَتَلْتُمُوهُ ليسلنه الله
(1/180)
ثمَّ لَا يغمد عَنْكُم أبدا مَا قتل نَبِي
قطّ إِلَّا قتل لَهُ سَبْعُونَ الْفَا وماقتل خليفه إِلَّا
قتل بِهِ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ الْفَا وَأَن يجتمعوا وَذكر
أَنه قتل على دم يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام
سَبْعُونَ الف
قلت ولعمري ألقا قتل بِسَبَب عُثْمَان رض = فِي وقْعَة
الْجمل وصفين أَكثر من خمس وَثَلَاثِينَ الف وَلَا أجتمعت
كلمتهم أبدا وَلَا أقتسموا فَيْئا وَلَا غزوا عدوا
جَمِيعًا وَلَقَد أحتلبوا بعده الدَّم لَا اللَّبن
وَقد ذكرنَا أَن أَبَا هُرَيْرَة دخل على عُثْمَان رض =
يَوْم الدَّار لِيَنْصُرهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا
هُرَيْرَة أَيَسُرُّك أَن تقتل النَّاس جَمِيعًا وأياي
قَالَ لَا قَالَ فَإنَّك وَالله لَئِن قتلت رجلا وَاحِدًا
فَكَأَنَّمَا قتلت النَّاس جَمِيعًا قَالَ فَرجع وَلم
يُقَاتل
قَالَ الْأَعْمَش عَن أبي صَالح قَالَ كَانَ أَبُو
هُرَيْرَة إِذا ذكر مَا صنع بعثمان رض = بَكَى فَكَأَنِّي
أسمعهُ يَقُول هاه هاه ينتحب
وَعَن أبي الْمليح عَن إِبْنِ عَبَّاس رض قَالَ لَو
أجتمعوا على قتل عُثْمَان لرجموا بِالْحِجَارَةِ كَمَا رجم
قوم لوط وَعَن أبي صَالح عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ
لاتقتلوا عُثْمَان فوَاللَّه لَئِن قَتَلْتُمُوهُ ليستحلن
الْقَتْل مابين دروب الرّوم الى صنعاء ولتكونن فتن وضغائن
(1/181)
70 - ذكر الأختلاف فِي قتلة عُثْمَان رض =
عَنهُ وخاذلته
وَكَانَ بَنو أُمِّيّه وأتباعهم من أهل الشَّام يتهمون
عليا بالرضى بقتل عُثْمَان رض = حَتَّى كتب مُعَاوِيَة
إِلَى عَليّ رض = يَقُول لَهُ قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ
عُثْمَان مَعَك فِي الْمحلة وَأَنت تسمع الهائعة فَلم
تنصره وَلم تذب عَنهُ بيد وَلَا لِسَان وَكتب عَليّ رض =
أَنِّي مَا قتلت عُثْمَان وَلَا مَلَأت على قَتله وَلَا
رضيت بِهِ
وَقَالَ الجاحظ وَسَأَلت عَن أَمر عَليّ وَعُثْمَان رض
عَنْهُمَا وَقلت إِن النَّاس قدد أَكْثرُوا فِي قاتليه
وخاذليه فِي وَذَلِكَ الْعَصْر وَذَلِكَ الدَّهْر
وَقَالُوا أَن عليا سم أَبَا بكر ودس لعمر حَتَّى قتل
وَأَنه أعلن فِي أَمر عُثْمَان حَتَّى قتل عنوه وجهرة
وأستشهدوا فِي ذَلِك بقول الشُّعَرَاء فِي ذَلِك الزَّمَان
والدهر وأحتجوا بِأَن الشّعْر ديوَان الْعَرَب وتاريخ
الْأُمَم وَأَنه الْحجَّة القاطعة أَكْثرُوا من
الرِّوَايَة الْمُخْتَلف فِيهَا فَمن ذَلِك قَول حسان ...
يَا لَيْت شعري وليت الطير تُخبرنِي
مَا كَانَ شَأْن عَليّ وأبن عَفَّان
لتسمعن وشيكا فِي دِيَارهمْ ... الله أكبريا ثَارَاتِ
عثمانا ...
وَقَالَ حَكِيم بن حزَام ... أيا من ذَا عذيري من عَليّ
... طوى كشحا وَعُثْمَان قَتِيل ... تعاوره السيوف وناصروه
من الْأَحْيَاء كلهم قَلِيل تبر النَّاس مِنْهُ غير رَهْط
أجابوه عزيزهم ذليل ... تواصوا بالحفاظ فأدركتهم
مناياهم وأنفسهم تسيل ...
(1/182)
وَقَالَ يحيى بن الحكم بن مَرْوَان ...
قولا لطلحه وَالزُّبَيْر خطئتما ... بقتلكما عُثْمَان خير
قَتِيل
رميتم أَبَا عَمْرو بِكُل عَظِيمَة
على غير شَيْئا غير قَالَ وَقيل
فإمَّا جدعتم بِابْن أروى أنوفنا ... وَلم تظفروا من قَتله
بقتيل ... وَقَالُوا عَليّ لَازم قَعْر بَيته ... فَمَا
أمره بِمَا أَتَا بجميل
وَلَو قَالَ كفوا عَنهُ شاموا سيوفهم ... وولوا بغم فِي
النُّفُوس بنفوس طَوِيل
وَلكنه أغضى وَكَانَ سَبيله سلبهم وَالظُّلم شَرّ سَبِيل
فَكل لَهُ ذَنْب إِلَيْنَا نعده ... وذنب عَليّ فِيهِ غير
قَلِيل ...
وَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ ... ثَلَاثَة رَهْط شاربو كأس
علقم ... بقتل إِمَام بِالْمَدِينَةِ محرم
هم قتلوا عُثْمَان من غير ردة ... وَلَا رجم أحصان وَلَا
قتل مُسلم
تَعَالَوْا فعايونا فَإِن كَانَ قَتله ... لوَاحِدَة
مِنْهَا فَحل لكم دمي
وَإِلَّا فاعظم بِالَّذِي جئْتُمْ بِهِ ... وَمن يَأْتِ
مَا لم يرضه الله يظلم
فَقَالُوا قتلنَا كَافِرًا حل قَتله ... وَلَا شَيْء أعمى
للقلوب من الدَّم
فَلَا يهنئن الشامتين مصابه
فقصدهم من قَتله حَرْب جرهم ...
وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ ... أَتَتْنِي امور فصدقتها
وَكنت لَهَا إِذْ أَتَت قَائِلا
بِأَن الزبير رمى رمية ... وَطَلْحَة هدا بهَا الكاهلا
وَإِن عليا يُدِير الْأُمُور ... أيقتل أم يمْنَع القاتلا
وَكَيف يؤمل نصر الْقَتِيل ... وَكَانَ لعثماننا خاذلا
سيسحب فِيهَا لَهُم ذيله ... وَيَمْشي لَهُم حافيا ناعلا
...
(1/183)
وَقَالَ مَرْوَان بن الحكم ... أَن تكن يَا
عَليّ لم تصب الْمَقْتُول ... جَهرا أصبته أَنْت سرا
إِن عمارا الَّذِي قتل الشَّيْخ ... وَهَذَا مُحَمَّد قد
أقرا
بِالَّذِي يُوجب الْقصاص على النَّاس ... وَلَو حاذر
الْقصاص لفرا
يَا بن أبي طَالب جدعت بِهِ الْأنف وأبقيت بعد شرا شمرا
قتلوا وَالَّذِي يحجّ لَهُ النَّاس ... بريا من
الْفَوَاحِش برا
أقرب النَّاس بِالْمَدِينَةِ خيرا ... لقريب وَأبْعد
النَّاس شرا
أَن أعش أَو يَعش مُعَاوِيَة الْعَام ... تذق طعم مَا جنوا
لَك مرا ...
وَقَالَ صَفْوَان بن أُميَّة بن صَفْوَان الجُمَحِي
يُخَاطب عليا ... إِن بني عمك عبد الْمطلب
هم قتلوا عُثْمَان من غير كذب
ظلما وعدوانا بِلَا دم طلب ... وَأَنت أولى النَّاس بالوثب
فثب ...
قَالَ والروافص تشهد أَن عليا رض = سم أَبَا بكر ودس لعمر
أَبَا لؤلؤة حَتَّى قَتله وَقَالُوا دجى بِهِ وَقَالُوا
لَهُ سر طوى الله لَك الْبعيد وَإنَّهُ جاهر فِي أمرر
عُثْمَان حَتَّى قتل فيمدحونه بذلك ويجعلونه منقبة وديانة
وفضيلة لعَلي رض =
فَأَما أَصْنَاف الْخَوَارِج والزيدية فأنهم يُنكرُونَ
أَمر أبي بكر وَعمر رض = ويبرئونه مِنْهُمَا ويثبتون قتل
عُثْمَان رض = عَلَيْهِ ويصححونه وَيَقُولُونَ نَحن كُنَّا
أعوانه على قَتله عُثْمَان رض = وإخوانه ويتقلدون دَمه
ويجعلونه أفضل أَعْمَالهم وأعماله وَقَالُوا لَو لم يقْتله
لغلب الدّين وَذهب الأسلام وَقَالُوا هَذَا بعد تحريق
الْمَصَاحِف وتمزيقها وَبعد تَعْطِيل الْحُدُود
وَالْأَحْكَام الَّتِي فِي الْقُرْآن والحمى والقطائع
والجوائز وإيواء الطريد وَأخذ الْفَيْء وَأكله وَمنع
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار حُقُوقهم وتفرقهم خَاصَّة
وَقتل الرِّجَال وتسيير الصَّحَابَة من دِيَارهمْ شَيْء
يخَاف مِنْهُ على الأسلام
(1/184)
وَقَالَت الْخَوَارِج فِي قتال الفئة
الباغية نسير فيهم بالاكفار وَقَالَت المرجئة لَا قتال
بَين الْمُؤمنِينَ وَلَا امْتنَاع بسلاح لأَنهم أهل لَا
إِلَه إِلَّا الله وَقَالَت الْمُعْتَزلَة بِإِيجَاب
الْقِتَال على جِهَة الدّفع لَا على جِهَة الْقَصْد
لِلْقِتَالِ والسبي قَالَ الجاحظ وَهُوَ خير الْأَقَاوِيل
وأعدلها وأرضاها عِنْد الله قَالَ الله {فبشر عباد الَّذين
يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} الزمر 17 18 قَالَ
وَالْأَصْل الَّذِي عندنَا فِيمَن لَيْسَ كعلي رض وسابقيه
وتكامل خصاله بل فِي أدنى رجل أَلا يسْتَحل أَن يظنّ بِهِ
ذَلِك وَإِن كَانَ النَّاس قد قرفوه بقتل عُثْمَان وَأَنه
قد أَوَى قتلته ومنعهم
وَقد أختلف النَّاس فِي الله وَصِفَاته أَشد الأختلاف
فَكيف بعلي وَعُثْمَان رض = الله عَنْهُمَا وعَلى أَن بعض
أهل الْعلم قد قَالَ لقد عجز عَن معرفَة أَمر عُثْمَان رض
= من شهده فَكيف من غَابَ عَنهُ لِأَنَّهُ أَمر مُشكل
قَالَ وَلَو كَانَ مُعَاوِيَة الْقَائِم بثأره الطَّالِب
بدمه هُوَ الْقَائِم بعده بالحجاز وَالْعراق لوجدت من
يَقُول أَنه كَانَ دسيسا مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي أفسد
عَلَيْهِ الْأَمر فَإِن لم تَجِد ذَلِك فاشيا ظَاهرا فَفِي
الْخفية وَهَكَذَا النَّاس مُنْذُ كَانُوا وَأعظم مَا
أَبْتَلِي بِهِ عَليّ دم عُثْمَان والتهمة لَهُ بِهِ فِيهِ
أَن دهماء الْأمة كَانُوا يعظمون شَأْن دَمه ويرئون عليل
رض = مِنْهُ مَا خلا قُريْشًا كلهَا فَإِنَّهَا تلْزمهُ
دَمه وَكَانُوا هم أَكثر أجناد الْخلَافَة والقواد
والرؤساء فَكَانَ رض = أَن هُوَ أظهر الْولَايَة
الصَّحِيحَة فِي البرائت من قَاتله خَافَ أَن يفْسد
عَلَيْهِ جنده ويفارقوه إِلَى غَيره لِأَن أَكْثَرهم كَانَ
مِمَّن فِي قلبه عَليّ عُثْمَان رض = حنق فَكَانَ يكره أَن
يبوح بِهِ وَكَانَ يمسك عَن ذكره مَا أمكنه فَإِذا أضطر
القَوْل قَالَ قولا يحْتَمل رضَا الْفَرِيقَيْنِ ويعلق
قَوْله تَعْلِيقا يحْتَمل التَّأْوِيل نَحْو قَوْله نَحن
دليناه للمقتل
وَكَقَوْلِه أَيهَا السَّائِل عَن دم عُثْمَان دم عُثْمَان
فِي جمجمتي هَذِه وَمَا أمرت بقتْله وَلَا نهيت عَنهُ
وَكَقَوْلِه وَالله مَا سرني قَتله وَلَا سَاءَنِي فِي
كَلَام طَوِيل
(1/185)
وَكَقَوْلِه ويل لي أَن قتلت عُثْمَان وويل لعُثْمَان أَن
قتلته مَعَ أَنه بَرِيء من دَمه |