التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

71 - ذكر عذر عُثْمَان رض = عِنْد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن مسعر بن كدام عَن أبي عون عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ ذكر عُثْمَان رض = عِنْد الْحسن وَالْحُسَيْن رض فَقَالَا هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يأتيكم الأن وَيُخْبِركُمْ عَنهُ فجَاء عَليّ رض = فَسَأَلُوهُ فَقَالَ عُثْمَان من الَّذين أتقوا وأمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ أتقوا وأمنوا ثمَّ أتقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
وَعَن عَطِيَّة عَن أبي أَيُّوب عَن عَليّ رض عَنهُ فِي قَوْله عز وَجل {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب} إِلَى قَوْله {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما} الأسراء من 4 5 قَالَ قتل زَكَرِيَّا {فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة} الأسراء 7 مقتل يحيى عَلَيْهِ السَّلَام وَالْأولَى من فَسَاد هَذِه الْأمة مقتل عُثْمَان والأخرة النَّفس الَّتِي تُبَاح لَهَا قُرَيْش قلت المرادبه مقتل الْحُسَيْن ررض =
وَعَن عَطِيَّة عَن أبي أَيُّوب عَن عَليّ رض = قَالَ أَتَاهُ رجل فَقَالَ إِنِّي أبْغض عُثْمَان فَقَالَ مهلا فأنهم يَعْنِي أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والكافرين الَّذين أنزل الله فيهم {الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله يسبحون بِحَمْد رَبهم ويؤمنون بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا} أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَاغْفِر للَّذين تَابُوا} غَافِر 7 من الشُّكْر وأبتعوا الرَّسُول إِلَى قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا ينادون} غَافِر 10 فإياكم أَن تَكُونُوا ببغضه مِنْهُ
وَعَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ قلت لعَلي أَن هَذَا الرجل مقتول هُوَ أَنه أَن قتل وَأَنت بِالْمَدِينَةِ الحدوا فِيك فَأخْرج فَكُن فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فأنك إِن فعلت فَكنت فِي غَار بِالْيمن طَلَبك النَّاس فَأبى

(1/186)


حصر عُثْمَان رض 22 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين يَوْم ثمَّ قتل وَعَن سعيد إِبْنِ عبد الله الجُمَحِي عَن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن أبي حَاطِب أَن رجل أَتَى عَليّ رض = يسْأَله عَن عُثْمَان رض = وَعِنْده أَصْحَابه فكلهم قَالَ كَافِر فَقَالَ الرجل أَنِّي لست أَسأَلكُم أسأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ عَليّ رض = فِي عُثْمَان رض = وَأَصْحَابه نزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} الْأَنْبِيَاء 101
وروى الأجري بِإِسْنَادِهِ عَن يُوسُف بن سعد قَالَ قدم مُحَمَّد بن عَليّ الْبَصْرَة فَقلت حَدثنِي قَالَ شهِدت عليا رض = وَهُوَ على سَرِير وَعِنْده عمار بن يَاسر وَزيد بن صوحان وصعصعة فَذكر عُثْمَان رض = قَالَ وَعلي رض ينْكث فِي الأَرْض بِعُود مَعَه فَقَرَأَ {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} قَالَ نزلت فِي عُثْمَان فَقلت لمُحَمد بن عَليّ أروي هَذَا عَنْك قَالَ نعمف
وَعَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ لَو كَانَ عَليّ ذَاكِرًا لعُثْمَان بِسوء ذكره يَوْم جَاءَ نَاس يَشكونَ إِلَيْهِ سَعَادَة عُثْمَان فَقَالَ لي عَليّ إذهب بِهَذَا الْكتاب إِلَى عُثْمَان وَأخْبرهُ أَن فِيهِ صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر سعاتك يعْملُونَ بهَا فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ أعنها عَنَّا فَأتيت بهَا عَليّ فَقَالَ لَا عَلَيْك ضعها حَيْثُ وَجدتهَا قَالَ بعض الروَاة عَن سُفْيَان بن عيينه لم يجد عَليّ بدا حِين كَانَ عِنْده علم مِنْهُ أَن ينهيه إِلَيْهِ قَالَ وَيرى عُثْمَان أَنما رده أَن عِنْده علم من ذَلِك فاستغنى عَنهُ حَكَاهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي الْأَطْرَاف وَذكره الْحميدِي فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ وروى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن سَالم بن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ عبد الله بن عمر رض = جَاءَنِي رجل فِي خلَافَة عُثْمَان رض = فكلمني بِكَلَام طَوِيل يُرِيد أَن أعيب على عُثْمَان رض = وَهُوَ أمرؤ فِي لِسَانه ثقل لَا يكَاد يقْضِي كَلَامه فِي سريع فَلَمَّا قضي كَلَامه قلت قد كُنَّا نقُول وَرَسُول الله حَيّ أفضل أمة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان

(1/187)


وَأَنا وَالله مَا نعلم عُثْمَان قتل نفسا بِغَيْر نفس وَلَا جَاءَ من الْكَبَائِر شَيْئا وَلَكِن إِنَّمَا هُوَ هَذَا المَال فَإِن أعطاكموه رَضِيتُمْ وَأَن أعطا أولى قرابتة سخطتم إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَن تَكُونُوا كفارس وَالروم لَا يتركون لَهُم أَمِيرا إِلَّا قَتَلُوهُ قَالَ فَفَاضَتْ عَيناهُ بِأَرْبَع من الدمع ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ لَا نُرِيد ذَلِك
وَعَن سَالم عَن أبن عمر رَضِي الله عَنْهُم قَالَ لقد عابوا على عُثْمَان أَشْيَاء لَو فعل بهَا عمر رض = لما عابوها عَلَيْهِ
72 - ذكر الْأَسْبَاب الَّتِي نقموها على عُثْمَان وَالْجَوَاب عَنْهَا والأعتذار لعُثْمَان رض =
أعلم رَحِمك الله أَن الرافظة والملحدة قد طعنوا على عُثْمَان رض عَنهُ وتعلقوا عَلَيْهِ بأَشْيَاء فعلهَا لَا تثبت لَهُم عَلَيْهِ بهَا حجَّة قد ذكرنَا أَكْثَرهَا فِيمَا مضى وَنَذْكُر الأن مِنْهَا طرفا وَنَذْكُر الْجَواب عَنْهَا بِحَسب الْإِمْكَان فَنَقُول فَإِن قيل فَإِن أبن مَسْعُود رض = أنكر على عُثْمَان رض = فِي امْر الْمَصَاحِف وَتَحْرِيقهَا فَالْجَوَاب أَن أبن مَسْعُود دونه فِي الْفضل والمرتبه فَكَانَ عُثْمَان رض أعلم بِمَا فعل وَلِأَن الرجل كَانَ يَقُول للرجل قراءتنا خير من قرائتك فأزال عُثْمَان رض = هَذَا وجمعهم على شَيْء وَاحِد كَانَ قد ولي زيد بن ثَابت أَمر الْمَصَاحِف وَلَو كَانَ ذَلِك مُتَوَجها إِلَى عُثْمَان رض = لَكَانَ ذَلِك طَعنا على من قبله من الصَّحَابَة وَقد روى أَن عَليّ رض = قَالَ عَن ملأء منا أَصْحَاب رَسُول الله فعل ذَلِك عُثْمَان لَو كَانَ مُنْكرا لَكَانَ عَليّ غَيره لما صَار الْأَمر إِلَيْهِ فَلَمَّا يُغَيِّرهُ علم أَن عُثْمَان رض = كَانَ مصيبا فِيمَا فعل
فَإِن قيل أَنه أعتدى بتولية الْوَلِيد بن عقبَة وَأَنه سكر فصلى بهم الْفجْر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ الْتفت فَقَالَ أَزِيدكُم فَالْجَوَاب أَنه قد ولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/188)


بعض النَّاس على الصَّدَقَة ففسق فَأنْزل الله {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الحجرات 6 فَلَيْسَ يلْحق عُثْمَان رض = إِلَّا مَا لحق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَولي عمر بن الْخطاب رض = قدامَة بن مَظْعُون الْبَحْرين فَشرب الْخمر متأولا فجلده عمر رض وقدامه بَدْرِي من أولى السَّابِقَة وَالْفضل وَكَذَلِكَ عُثْمَان
وَولي عَليّ رض = الْمُخْتَار بن أبي عبيد الْمَدَائِن فَأَتَاهُ بصرة فَقَالَ هَذَا من أجور المومسات قَالَ عَليّ رض = قَاتله الله لَو شقّ عَن قلبه لوجد ملْء حب الأت والعزى وَهُوَ أفسق من الْوَلِيد فَأخذ الْمُخْتَار المَال وَلحق بِمُعَاوِيَة وَكَانَ عَليّ رض = يلقى من ولاته وعماله الْأَمر الشَّديد فَكَانَ يَقُول وليت فلَانا فَأخذ المَال وَوليت فلَانا فخانني إِلَى غير ذَلِك ذكر هَذَا أَبُو نعيم فِي كتاب الْأمة
فَإِن قيل فقد أنكر ابْن مَسْعُود وَأَبُو ذَر إتْمَام عُثْمَان الصَّلَاة بمنى وَأَنه صلى أَرْبعا فَالْجَوَاب أَنه قد إعتذر عَن ذَلِك قَالَ ذَاك رَأْي رَأَيْته ثمَّ لَو كَانَ فعله خلاف الْحق لما تباعه ووافقاه فَقيل لَهما فِي ذَلِك فَقَالَا الْخلاف شَرّ وَقد روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة إتْمَام الصَّلَاة فِي السّفر مِنْهُم عَائِشَة وسلمان وَأَرْبَعَة عشر من الصَّحَابَة رض = وَالَّذِي حمل عُثْمَان رض = على إتْمَام الصَّلَاة أَنه بلغه أَن قوما من الْأَعْرَاب شهدُوا الصَّلَاة مَعَه بمنى فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا الصَّلَاة رَكْعَتَانِ كَذَلِك صليناها مَعَ عُثْمَان بمنى فلأجل ذَلِك صلاهَا أَرْبعا ليعلمهم مَا بنوا بِهِ الْخلاف وألإشتباه وَكَذَلِكَ فعل عمر رض = فِي أَمر الْحَج وَأَن يجمعوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة فِي أشهر الْحَج وَخَالفهُ إبنه عبد الله وَقَالَ سنة رَسُول الله أَحَق أَن تتبع وَتَابعه أَبُو مُوسَى وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة على ترك الْجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة مَعَ علمهمْ بِفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإقامته على ألإحرام حَتَّى دخل

(1/189)


مَكَّة مُعْتَمِرًا حَتَّى فرغ من الْمَنَاسِك وَلم ينكروا ذَلِك على رض = وَلَو كَانَ مُنْكرا لماتابعوه على رَأْيه
فَإِن قيل إِنَّه إعطى من مَال الصَّدَقَة ووفر أقرباءه فَالْجَوَاب أَن عُثْمَان رض = أعلم مِمَّن أنكر عَلَيْهِ وَالْإِمَام إِذا رأى الْمصلحَة فِي فعل شَيْء فعله فَلَا يكون إِنْكَار من جهل الْمصلحَة فِي ذَلِك حجَّة على من عرفهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو زمَان من قوم يجهلون وَيُنْكِرُونَ الْحق من حَيْثُ لَا يعرفونه فقد فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَنَائِم خَيْبَر فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم يَوْم الْجِعِرَّانَة وَترك الْأَنْصَار لما رأى فِي ذَلِك من الْمصلحَة حَتَّى قَالُوا تقسم غنائمنا فِي النَّاس وسيوفنا تقطر من دِمَائِهِمْ وجهلوا مَا رأه النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْمصلحَة وَذَلِكَ أعظم مِمَّا فعله عُثْمَان رض = وَلِأَن مَال الْمُؤَلّفَة من الْغَنِيمَة فَلَا يلْزم عُثْمَان من أنكر عَلَيْهِ إِلَّا مَا لزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رأى الْمصلحَة فِيمَا فعل إقتداء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قيل الَّذِي أعْطى رَسُول الله كَانَ من الْخمس قيل لَهُ لَو كَانَ من الْخمس لما أنْكرت الْأَنْصَار ذَلِك وَلما قَالَت غنائمنا ولقال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أعطيتم من مَال الله أَلا ترَاهُ إستمال قُلُوبهم بقوله أَلا ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بالأموال وَتَذْهَبُونَ برَسُول الله إِلَى بُيُوتكُمْ قَالُوا رَضِينَا والْحَدِيث مَشْهُور
فَإِن قيل بِأَن عُثْمَان رض = ضرب عمارا قيل هَذَا لَا يثبت وَلَو ثَبت فَإِن للْإِمَام أَن يُؤَدب بعض رَعيته بِمَا يرَاهُ وَإِن كَانَ خطأألاترى أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقص من نَفسه وأقاد وَكَذَلِكَ أَبُو بكر وَعمر رض = أدبارعيتهما باللطم والدرة وأقادا من أَنفسهمَا وَذَلِكَ لما أصَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطن رجل بخشبه فجرحه فَرفع قَمِيصه وَقَالَ تعال فاقتص فَعَفَا عَنهُ وَجَاء رجل إِلَى أبي بكر رض = يستحمله فَلَطَمَهُ فَأنْكر ذَلِك النَّاس فَقَالَ أَبُو بكر رض = أَنه إستحملني فحملتة فبلغني أَنه بَاعه ثمَّ قَالَ لَهُ

(1/190)


دُونك فاستقد فَعَفَا عَنهُ وَضرب عمر رض = جَارِيَة لسعد بِالدرةِ فسَاء ذَلِك سَعْدا فَنَاوَلَهُ عمر رض = الدرة وَقَالَ لَهُ اقْتصّ فَعَفَا
فَإِن قيل عُثْمَان رض = لم يقد من نَفسه قيل لَهُ كَيفَ ذَلِك وَقد بذل من نَفسه مَا لم يبذله أحد خُصُوصا يَوْم الدّرّ فَإِنَّهُ قَالَ يَا يقوم إِن وجدْتُم فِي كتاب الله أَن تضعوا رجْلي فِي قيد فضعوهما وَقد ذكرنَا أَن عمارا تقاذف هُوَ وَرجل أخر فجلدهما عُثْمَان رض = حد الْقَذْف
فَإِن قيل أعْطى عُثْمَان رض من بَيت المَال من لَيْسَ لَهُ فِيهِ حق قيل لَا يثبت ذَلِك عَنهُ وَكَيف نقبل هَذَا وَعُثْمَان رض = من أَكثر النَّاس مَالا وَأَكْثَرهم عطيتة ومعروفا مَعَ أَن الْعَصْر لَا يخلوا من جهال يَقُولُونَ مَا لَا يعلمُونَ فقد قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم قسما فَقَالَ لَهُ رجل هَذِه قسْمَة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله فَبلغ ذَلِك النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَغَضب ثمَّ قَالَ رحم الله مُوسَى لقد أوذي بِأَكْثَرَ من ذَلِك فَصَبر وَقسم يَوْم حنين تبرا فَقَالَ لَهُ رجل أعدل يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ وَيحك وَمن يعدل إِذا لم أعدل فَهَذَا رَسُول الله كَانَ يلقى من الْجُهَّال هَذَا فَكيف بعثمان رض =
فَإِنَّهُ قيل إِنَّه ولى أَقْوَامًا لَا يتحقون الْولَايَة مِنْهُم الْوَلِيد بن عقبَة وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عَامر وَغَيرهم قيل فَمن أَيْن لكم أَن هَؤُلَاءِ لم يعدلُوا وَلَئِن جَازَ لكم ادِّعَاء الْفسق فِي وُلَاة عُثْمَان رض = لجَاز ذَلِك فِي وُلَاة عمر وعي رض = فقد ولي عمر الْمُغيرَة الْبَصْرَة فَرمى بِمَا لَا يثبت وَولى أَبَا هُرَيْرَة الْبَحْرين فَقَالُوا خَان مَال الله وَولى قدامَة الْبَحْرين فَشرب الْخمر متأولا وَولى عَليّ الأشتر وَأمره ظَاهر وَولى أبن مخنف فَأخذ المَال وهرب فَلم خصصتم عُثْمَان بالطعن مَعَ النَّبِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولى زيد بن حَارِثَة فطعن النَّاس فِيهِ حَتَّى قَامَ خَطِيبًا مُنْكرا عَلَيْهِم فِيمَا طعنوا عَلَيْهِ وَقَالُوا فِيهِ وَفِي أُسَامَة أبنه والْحَدِيث مَشْهُور وَإِنَّمَا طعن النَّاس على عُثْمَان رض للينه

(1/191)


وحيائه وَكثر فِي أَيَّامه من لم يصحب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن جهل فضل الصَّحَابَة رض =
فَإِن قيل فقد نفى أَبَا ذَر إِلَى الربذَة فَردا قيل لم يكن ذَلِك نفيا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك تخييرا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ كثير الخشونة لم يكن يُدَارِي من النَّاس مَا يُدَارِي غَيره فخيره عُثْمَان رض = بعد أستئذانه فِي الْخُرُوج من الْمَدِينَة فَاخْتَارَ الربذَة ليبعد عَن النَّاس ومعاشرتهم وَذَلِكَ أَنه كَانَ بِالشَّام فَجرى بَينه وَبَين مُعَاوِيَة مناظرة فِي هَذِه الأية {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} التَّوْبَة 34 فَقَالَ مُعَاوِيَة هِيَ فِي أهل الْكتاب وَقَالَ أَبُو ذَر هِيَ فهم وَفينَا فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان رض = فِي ذَلِك فَكتب إِلَى أبي ذَر أَن أقدم عَليّ قَالَ فَقدمت عَلَيْهِ فانثال على النَّاس كَأَنَّهُمْ لم يعرفوني فَشَكا ذَلِك إِلَى عُثْمَان رض = وأستأذنه فِي الْخُرُوج من الْمَدِينَة فخيره فَاخْتَارَ نزُول الربذَة لما يلقى من النَّاس وأجتماعهم عَلَيْهِ فخاف الأفتتان بهم هَذَا هُوَ الصَّحِيح
فَأَما الرافضة فيضعون عَلَيْهِ أَشْيَاء لَا أصل لَهَا فَإِن جعل أشخاص أبي ذَر رض = من الشَّام وحبسه فِي الْمَدِينَة طَعنا على عُثْمَان رض = قيل الْأَئِمَّة إِذْ خَشوا الْفِتْنَة والأختلاف فَلهم أَن يبادروا إِلَى حسمة وَقد فعل عمر رض مثل ذَلِك حبس جمَاعَة من الصَّحَابَة عِنْده بِالْمَدِينَةِ لأجل أَحَادِيث حدثوا بهَا النَّاس ومنعهم من الْخُرُوج ومنعهم من لبس أَشْيَاء كَانَت لَهُم مُبَاحَة خوفًا أَن يتأسى بهم من لَا علم لَهُ وَلَا ورع عِنْده فيرتكب بذلك مَا لَيْسَ لَهُ مَعَ أَن الْأَمَام أَن يَنْفِي أَقْوَامًا إِذا خَافَ الأفتتان بهم فقد رُوِيَ أَن عمر بن الْخطاب رض = نفي نصر بن حجاج لما خَافَ أَن يفتتن بِهِ النِّسَاء لحسن صورته وقصته مَعَ أم الْحجَّاج بن يُوسُف مَشْهُورَة وشعرها فِيهِ

(1/192)


.. هَل من سَبِيل إِلَى خمر فأشربها
أم هَل سَبِيل إِلَى نصر بن الْحجَّاج ...
وَنفى عَليّ رض = النُّعْمَان عَن مَلأ من الصَّحَابَة وَنفى حسأن أَيْضا وَالله أعلم فَإِن قيل إِن جمَاعَة وافقوا على حصره وَقَتله فقد روى أَن حُذَيْفَة وَعمَّارًا قَالَا قَتَلْنَاهُ كَافِرًا وَأَن طَلْحَة كَانَ فِيمَن حصره وَأَن عليا أعَان على قَتله وَأَن النَّاس خذلوه وأسلموه إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور قيل هَذَا لَا يَصح عَن حُذَيْفَة وَإِنَّمَا الْمَنْقُول عَنهُ خلاف ذَلِك وَإِنَّمَا هَذَا من كَلَام الرافضة وَأَن نقل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يخلوا أحد من الصَّحَابَة من حَاسِد وَمِمَّنْ يبغضه فَكيف بعثمان رض = وَهُوَ من أهل السَّابِقَة وَالْفضل والكمال والطعن على عُثْمَان رض = طعن على من تقدمه
وَأما طَلْحَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول يَوْم الْجمل اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني حَتَّى ترْضى
وَأما عَليّ رض = فَإِنَّهُ قَالَ غير مرّة اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك من دم عُثْمَان وَقَالَ وَالله مَا قتلت عُثْمَان وَلَا مالأت على قَتله وَلما بلغه قَتله قَالَ اللَّهُمَّ أَنِّي لم أَرض بقتْله وَلم أَمر وَقَالَ فِيهِ كَانَ عُثْمَان من الَّذين أمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ أتقوا وأمنوا ثمَّ أتقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
وسئلت عَائِشَة عَن عُثْمَان فَقَالَت قتل مَظْلُوما لعن الله قَاتله أقاد الله من أبن أبي بكر وسَاق الله إِلَى أغر بني تَمِيم هوانا وأهرق الله دِمَاء ابْن بديل وسَاق الله إِلَى الأشتر سَهْما من سهامه فوَاللَّه مَا من الْقَوْم أحد

(1/193)


إِلَّا أَصَابَته دعوتها وَأما ترك الصَّحَابَة الْإِنْكَار على من حصره فَلَقَد ناصحوا عَنهُ وَلم يَظُنُّوا أَن الْأَمر يبلغ إِلَى قَتله وَإِنَّمَا ظنُّوا أَنَّهَا تكون معتبة وَمَعَ ذَلِك فَإِن عُثْمَان رض = كَانَ يعزم عَلَيْهِم ليكفوا عَن اقتال وَلَقَد أَنْكَرُوا وبالغوا فِي الأنكار مِنْهُم على وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن سَلام وأبن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة والمغيرة وَالزُّبَيْر وأبن عَامر وَحمل الْحسن بن عَليّ يَوْمئِذٍ جريحا وَلبس أبن الزبير الدرْع مرَّتَيْنِ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَعَن أبن عون لقد قتل عُثْمَان رض = وان فِي الدَّار لسبعمائة رجل مِنْهُم االحسن وأبن الزبير رض = وَلَو أذن لَهُم لضربوهم حَتَّى أخرجوهم من الْمَدِينَة وَأما طَلْحَة فَإِنَّهُ أنصرف وَلم يكن فِيمَن حصره كَيفَ وَهُوَ يلعن قَاتله مَعَ عَائِشَة رض = صباحا وَمَسَاء وَكَانَ هُوَ وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة وَمُعَاوِيَة يطْلبُونَ بدمه فَكيف يعينون عَلَيْهِ وَيطْلبُونَ بدمه هَذَا خلف وَمَعَ هَذَا فَيَنْبَغِي الْكَفّ عَمَّا شجر بَين الصَّحَابَة والأستغفار لَهُم والإمساك عَمَّا نسب إِلَيْهِ من الرذائل وَكَذَلِكَ تبَاع الْأَنْبِيَاء إِنَّمَا تذكر محاسنهم الَّتِي مدحوا عَلَيْهَا ويمسك عَمَّا سواهَا
فَإِن قيل إِن عُثْمَان رض = حمى الْحمى وَمنع مِنْهُ النَّاس قيل روى أَن المصريين جَاءُوا إِلَى عُثْمَان رض = فَقَالُوا أدع بالمصحف فَدَعَا بِهِ ففتحوا سُورَة يُونُس هَذِه الأية {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالا} يُونُس 59 فَقَالُوا لَهُ أَرَأَيْت مَا حميت من الْحمى الله أذن لَك أم على الله تفتري فَقَالَ هَذِه الأية نزلت فِي كَذَا وَكَذَا وَأما الْحمى فقد حمى الْأَئِمَّة قبل لإبل الصَّدَقَة فَلَمَّا زَادَت أبل الصَّدَقَة زِدْت فِي الْحمى فَجعلُوا لَا يأخذونه بِآيَة إِلَّا قَالَ نزلت فِي كَذَا

(1/194)


وَكَذَا حَتَّى أَخذ عَلَيْهِم أَلا يشقوا عَصا الْمُسلمين فَأَقْبَلُوا رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ راضين فَرَأَوْا فِي الطَّرِيق غُلَاما مَعَه كتاب فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي لم أَمر بِهِ وَلَا شَعرت بِهِ فحصروه باغين عَلَيْهِ ظالمين لَهُ وَقد حمى النبيي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَقِيع الْخضمات لخيل الْمُسلمين
وَقَالَ البُخَارِيّ بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمى النقيع وَحمى عمر رض = عَنهُ السَّرف والربذة وأستعمال على الْحمى مولى لَهُ يدعى هَنِيئًا فَلم يثبت على عُثْمَان رض = ذَنْب وَلَو ثَبت لما أستحق بذلك الْقَتْل وأنتهاك الْحَرِيم وشق الْعَصَا وتفريق الْجَمَاعَة وَلَكِن الله أكْرمه بِالشَّهَادَةِ وألحقه بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام وصاحبيه فِي الْجنَّة حَافِظًا لوَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خلع الْقَمِيص
وخطا قَاتلُوهُ بالخزي واللعنة وأنتهاك حُرْمَة الْمَدِينَة فِي الشَّهْر الْحَرَام
فَإِن قيل فقد رويتم عَن االنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر فتْنَة تكون بعده وَقَالَ فِي عُثْمَان رض = فاتبعوا هَذَا وَأَصْحَابه فَإِنَّهُم على هدى فَأخْبرنَا من أَصْحَابه قيل أَصْحَابه أَصْحَاب رَسُول الله الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ الْمَذْكُور بَعضهم فِي التَّوْرَاة والأنجيل الَّذين من أحبهم سعد وَمن أبْغضهُم شقي مثل عَليّ بن أبي طَالب وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَغَيرهم من الصَّحَابَة مِمَّن كَانَ فِي وقتهم رض = فَإِنَّهُم كلهم كَانُوا على هدى كَمَا قَالَ النَّبِي صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَكلهمْ أنكر قَتله وَكلهمْ أستعظم مَا جرى على عُثْمَان رض = وشهدوا على قتلته أَنهم فِي النَّار وهم الَّذين تجمعُوا وتألبوا عَلَيْهِ مثل عبد الله بن سبأ وَأَصْحَابه الَّذين أشقاهم الله بقتْله حسدا مِنْهُم لَهُ وبغيا عَلَيْهِ وَإِرَادَة الْفِتْنَة وَأَن يوقعوا الضغائن بَين أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سبق عَلَيْهِم من الشَّقَاء فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُم فِي الأخرة من الْعَذَاب الْأَلِيم

(1/195)


وأجتهد الصَّحَابَة فِي نصرته والذب عَنهُ وبذلوا أنفسهم دونه فَأَمرهمْ بالكف عَن الْقِتَال وَقَالَ إِنِّي أحب أَن القى الله سالما مَظْلُوما وَلَو أذن لَهُم لقاتلوا عَنهُ
قَالَ إِبْنِ سِيرِين كَانَ مَعَه الدَّار جمَاعَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ فَقَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خل بَيْننَا وَبينهمْ فعزم عَلَيْهِم أَن يقاتلوا
فَإِن قيل فقد علمُوا أَنه مظلوم وَقد أشرف على الْهَلَاك فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَيْهِم أَن يقاتلوا عَنهُ ينصروه وَإِن كَانَ قد مَنعهم قيل أَن الْقَوْم كَانُوا أهل طَاعَة لإمامهم وَقد وفقهم الله تَعَالَى للصَّوَاب من القَوْل وَالْعَمَل وَقد فعلوا مَا يجب عَلَيْهِم بقلوبهم وألسنتهم وعرضهم لنصرته على حِسَاب طاقتهم فَلَمَّا مَنعهم من نصرته علمُوا أَن الْوَاجِب عَلَيْهِم السّمع وَالطَّاعَة لَهُ وَلَا يسعهم مُخَالفَته وَكَانَ الْحق عِنْدهم فِيمَا رَآهُ عُثْمَان رض =
فَإِن قيل فَلم مَنعهم عَن نصرته وَهُوَ مظلوم وَقد علم أَن قِتَالهمْ عَنهُ نهى عَن الْمُنكر وَإِقَامَة حق يقمونه فَالْجَوَاب أَن مَنعه أياهم يحْتَمل وُجُوهًا كلهَا محمودة أَحدهَا علمه بِأَنَّهُ مقتول مَظْلُوما لَا شكّ فِيهِ لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قد أعلمهُ أَنه يقتل مَظْلُوما وَأمره بِالصبرِ فَقَالَ أَصْبِر فَلَمَّا أحاطو بِهِ تحقق أَنه مقتول وَأَن الَّذِي قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ حق لَا بُد أَن يكون ثمَّ علم أَنه قد وعد من نَفسه الصَّبْر فَصَبر كَمَا وعد وَكَانَ عِنْده أَن من طلب الأنتصار لنَفسِهِ والذب عَنْهَا فَلَيْسَ هَذَا بصابر إِذْ وعده من نَفسه الصَّبْر
الْوَجْه الثَّانِي أَنه كَانَ قد علم أَن فِي الصحابه قلَّة عدد وَأَن الَّذين يُرِيدُونَ قَتله كثير عَددهمْ فَلَو أذن لَهُم بِالْقِتَالِ لم يَأْمَن أَن يتْلف من أَصْحَابه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبَبِهِ كثير فوقاهم بِنَفسِهِ إشفاقا مِنْهُ عَلَيْهِم لِأَنَّهُ رَاع عَلَيْهِم والراعي يجب عَلَيْهِ أَن يحفظ رَعيته بِكُل مَا أمكنه وَمَعَ ذَلِك فقد علم مقتول فصانهم بِنَفسِهِ

(1/196)


الْوَجْه الثَّالِث أَنه لما علم أَنَّهَا فتْنَة وَأَن الْفِتْنَة إِذا سل فِيهَا السَّيْف لم يُؤمن أَن يقتل فِيهَا من لَا يسْتَحق الْقَتْل فَلم يخْتَر لأَصْحَابه أَن يسلوا السَّيْف فِي الْفِتْنَة إشفاقا عَلَيْهِم نعم وَتذهب فِيهَا الْأَمْوَال ويهتك فِيهَا الْحَرِيم فصانهم عَن جَمِيع هَذَا
وَوجه رَابِع وَهُوَ أَنه يحْتَمل أَن يكون رض = صَبر عَن لانتصار لتَكون الصَّحَابَة رض = شُهُودًا على من ظلمه وَخَالف أمره وَسَفك دَمه بِغَيْر حق لِأَن الْمُؤمنِينَ شُهَدَاء الله فِي أرضه وَمَعَ ذَلِك فَلم يحب أَن يهرق بِسَبَبِهِ دم مُسلم وَلَا يخلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمته بسفك دم رجل مُسلم وَكَانَ عُثْمَان رض = بِهَذَا الْفِعْل موفقا مَعْذُورًا رشيدا محبورا وَكَانَ الصَّحَابَة فِي عذر وشقي قَاتله وخاذله وَالله أعلم