الرياض النضرة
في مناقب العشرة المجلد الرابع
تابع القسم الثاني: في مناقب
الأفراد
الباب الخامس: في مناقب أبي
محمد طلحة بن عبد الله
الفصل الأول: في ذكر نسبه
...
تابع القسم الثاني: في مناقب الأفراد
الباب الخامس: في مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله, وفيه
عشرة فصول
الفصل الأول: في ذكر نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة, يجتمع نسبه مع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في مرة بن كعب، وينسب إلى تيم
بن مرة، فيقال: القرشي التيمي. ويجتمع مع أبي بكر في كعب
بن سعد بن تيم, أمه الصعبة بنت عبد الله بن عباد بن مالك
بن ربيعة الحضرمي، أخت العلاء بن الحضرمي, أسلمت. ذكره ابن
الضحاك، في الآحاد والمثاني.
(4/245)
الفصل الثاني: في اسمه وكنيته
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام طلحة، ويكنى أبا محمد،
وكان يلقب بطلحة الخير، لقبه1 به رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يوم أحد2، وقيل: في وقعة بدر حين غاب عنها في حاجة
المسلمين، وطلحة الفياض، لقبه به رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يوم غزوة ذات العشيرة1، وطلحة الجود، لقبه به رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين2. حكاه ابن قتيبة
وصاحب الصفوة ومشكل
__________
1 لا ريب في إفادة كثرة ألقابه عظم فضله، وكل لقب يدل على
فضيلة خاصة.
2 يوم غزوة أحد التي انتهت بقتل سبعين من المسلمين، وعزى
الله تعالى المسلمين بقوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ
فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ
الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} وكان
طلحة في غزوة أحد يتلقى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ضربات السيوف، وطعنات الرماح، ورميات السهام؛ حرصًا على
الخير للأمة بحياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وسلامته, وقد شلت يده -رضي الله عنه- بدفعه سهمًا بها عنه
-صلى الله عليه وسلم- وسيأتي هنا مزيد بيان للمؤلف في هذا
الأمر, فلا عجب أن لقبه صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة
بطلحة الخير، وما أعظم فوزه -رضي الله عنه- بمثوبته.
والقول بأن تلقيبه بذلك كان في غزوة بدر ضعيف, كما أشار
المؤلف إلى ذلك بقوله: وقيل: في وقعة بدر.
وكانت غزوة بدر في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة،
وكانت غزوة أحد في شوال من السنة الثالثة من الهجرة.
وروى الترمذي، والحاكم في مستدركه عن جابر -رضي الله عنه-
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب أن ينظر
إلى شهيد يمشي على الأرض, فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله".
3خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهذه الغزوة في جمادى
الأولى من السنة الثانية للهجرة من أجل عير لقريش عظيمة
جمعوا فيها أموالهم، ولم يزل سائرا بمن معه من الصحابة حتى
بلغ العشيرة، فوجد العير قد مضت، فرجع إلى المدينة ينتظرها
حينما ترجع.
4 بعد فتح مكة الأعظم وسقوط دولة الأوثان والأصنام، دخل
الناس في دين الله أفواجًا، ودانت للإسلام جموع العرب.
ولكن قبيلتي هوازن وثقيف أدركتهما حمية الجاهلية، واجتمع
أشرافهم يتشاورون وقالوا: قد فرغ محمد من قتال قومه ففرغ
لنا، فلنغزُه قبل أن يغزونا، فأجمعوا أمرهم على ذلك، وولوا
رياستهم مالك بن عوف النصري، فاجتمع له جموع كثيره فيهم
بنو سعد بن بكر، الذين كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
مسترضعا فيهم، وكان في القوم دريد بن الصمة المشهور بأصالة
الرأي وشدة البأس في القتال، ولكن لم يكن له في هذه الحرب
إلا الرأي، ثم إن مالك بن عوف أمر الناس أن يأخذوا معهم
نساءهم وذراريهم وأموالهم ليكون خلف كل رجل أهله وماله
يقاتل عنهم، فتمتلئ نفسه زيادة وحماسة وإقداما, فقال دريد:
وهل يرد المنهزم شيء؟ إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه
ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، فلم يقبل مالك
مشورته، وجعل النساء صفوفًا وراء المقاتلة، ووراءهم
(4/246)
الصحيحين والفضائلي والطائي وغيره.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: سماني رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يوم أحد طلحة
__________
الإبل ثم البقر ثم الغنم؛ لكيلا يفر أحد من المقاتلة.
وقد سار صلى الله عليه وسلم إليهم في اثني عشر ألف مقاتل,
حين بلغه استعدادهم لحربه وقد أعجب المسلمون بكثرتهم فلم
تغن عنهم شيئًا، فإن مقدمة المسلمين توجهت جهة العدو, فخرج
لهم كمين كان مستترا في شعاب الوادي ومضايقه، وقابلهم بنبل
كأنه الجراد المنتشر، فلووا أعنة خيلهم متقهقرين، ولما
وصلوا إلى من قبلهم تبعوهم في الهزيمة, لما لحقهم من
الدهشة.
وقد ثبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلته في
ميدان القتال، وثبت معه قليل من المهاجرين والأنصار، وكان
العباس آخذا بلجام البغلة، وأبو سفيان بن الحارث آخذا
بالركاب، وكان عليه الصلاة والسلام ينادي: "أيها الناس" لا
يلوي عليه أحد وضاقت بالمنهزمين الأرض بما رحبت.
وأما رجال مكة الذين هم حديثو عهد بالإسلام والذين لم
ينزعوا عنهم ربقة الشرك، فمنهم من فرح، ومنهم من ساءه هذا
الإدبار. قال أخ لصفوان بن أمية: الآن بطل السحر، فقال له
صفوان وهو على شركه: اسكت، فض الله فاك، والله لأن يربيني
رجل من قريش خير من أن يربيني رجل من هوازن, وقد بلغت
هزيمة بعض الفارين مكة, كل هذا ورسول الله -صلى الله عليه
وسلم- واقف مكانه يقول:
"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" ثم قال للعباس وكان
جهوري الصوت: "ناد بالأنصار يا عباس" فنادى: يا معشر
الأنصار، يا أصحاب بيعة الرضوان فأسمع من في الوادي، وصار
الأنصار يقولون: لبيك لبيك، ويريد كل واحد منهم أن يلوي
عنان بعيره، فيمنعه من ذلك كثرة الأعراب المنهزمين، فيأخذ
درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه، وينزل عن بعيره،
ويخلي سبيله، ويؤم الصوت حتى اجتمع حول رسول الله جمع عظيم
منهم، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل
جنودا لم يروها، فكر المسلمون على عدوهم على قلب رجل واحد،
فتفرق المشركون في كل وجه لا يلوون على شيء من الأموال
والنساء والذراري، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فأخذوا
النساء والذراري وأسروا كثيرًا من المحاربين، وهرب من هرب
وجرح في هذا اليوم خالد بن الوليد جراحات بالغة، وأسلم ناس
كثيرون من مشركي مكة لما رأوه من عناية الله بالمسلمين وأن
في الذي حصل في هذه الغزوة لعبرة بالغة، فقد دخل جيش
المسلمين أخلاط كثيرون من أعراب ومشركين وحديثي عهد
بإسلام، وهولاء يستوي لديهم نصر الإسلام وخذلانه، ولذلك
بادروا
(4/247)
الخير، وفي غزوة العشيرة طلحة الفياض، ويوم
حنين طلحة الجود.
أخرجه ابن الضحاك.
__________
لأول صدمة إلى الهزيمة، ولولا فضل الله لانتهى أمر
المسلمين وعزهم. فلا ينبغي إذًا أن يكون في الجيش إلا من
يقاتل خالصًا مخلصًا من قلبه؛ ليكون مدافعًا حقا عن دينه
ولا يتجه إلى الفرار أبدًا فرارًا من أليم العقاب الذي
أعده الله للفارين؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ
مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
وفي غزوة حنين، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {لَقَدْ
نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ
الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وحنين: اسم
موضع بين مكة وبين الطائف وإليه سار صلى الله عليه وسلم
حين خرج من مكة لقتال هوازن وثقيف, ولقد كان رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- جالسًا يقسم غنائم هوازن بحنين، فوقف
عليه رجل من الناس، فقال: إن لي عندك موعدا يا رسول الله،
فقال: "صدقت, فاحتكم ما شئت " أي: لك الحكم في طلب ما
تريد، فقال: أحتكم ثمانين ضائنة -أي: نعجة، فالذكر ضائن-
وراعيها -أي: معها الخادم الذي يرعاها- فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم: "هي لك"، ولقد احتكمت يسيرًا،
ولصاحبة موسى -عليه السلام- وهي العجوز من عجائز مصر، التي
دلته على عظام يوسف عليه السلام، أي: جسده الشريف، وكان في
صندوق من رخام في قعر النيل تتلاطم عليه الأمواج، أحزم
منك، أي: أكثر حزمًا منك، وأجزل حكما حين حكمها موسى عليه
السلام, فإنه لما سأل عن يوسف -عليه السلام- لم يجد عند
أحد علمًا لتقادم العصر ومرور الأزمنة، وأجمع رأيهم على
عجوز كانت من بقايا القبط وقد أتت عليها سنون، فطلبها
سيدنا موسى -عليه السلام- وسألها، فقالت: عندي علم من ذلك،
فقال: أخبرينا ولك ما تريدين، فقالت: حكمي أن تردني شابة
كأحسن ما كنت عليه من الشباب, وأدخل معك الجنة. فأخبرته عن
محله، فدعا الله تعالى أن يردها شابة فارتدت في الحال شابة
ورجع إليها حسنها وجمالها, ودعا الله تعالى أن يجعلها معه
في الجنة فاستجيب له، ودلته على محله في قعر النيل، فأتى
إليه وأشار بعصاه فانفرق البحر وظهر الصندوق, فحمله موسى
عليه السلام إلى بيت المقدس، فدفنه عند آبائه الكرام
-عليهم السلام- فكان الناس يصفون ما احتكم به حتى جعل مثلا
يقولون: هو أشح من صاحب الثمانين والراعي يعنون به ذلك
الرجل الدنيء الهمة". قال العراقي في تخريج هذا الحديث:
رواه ابن حبان، والحاكم في المستدرك؛ من حديث أبي موسى
الأشعري -رضي الله عنه- مع اختلاف.
(4/248)
ودعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
الصبيح المليح الفصيح. ذكره الطائي في الأربعين.
وعن موسى بن طلحة أن طلحة نحر جزورًا، وحفر بئرًا يوم ذي
قرد فأطعمهم وسقاهم؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"الفياض" وقال: اشترى طلحة بئرًا فتصدق بها ونحر جزورًا،
فأطعمهم وسقاهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا
طلحة، أنت الفياض" فسمي طلحة الفياض. أخرجه ابن الضحاك.
وأما طلحة الطلحات الذي قيل فيه:
رحم الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
فهو رجل من خزاعة، ذكره ابن قتيبة.
"شرح" إنما لقب بطلحة الجود وطلحة الفياض؛ لسعة عطائه
وكرمه، وكان جوادًا؛ وسيأتي من وصف جوده طرف في بابه إن
شاء الله تعالى, وغزوة ذات العشيرة، ويقال: العشيرة، وهو
موضع ببطن ينبع.
(4/249)
الفصل الثالث: في
صفته
قال بعضهم: كان آدم، كثير الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد
القطط, حسن الوجه، دقيق العرنين، إذا مشى أسرع، وكان لا
يغير شعره. هكذا ذكره أبو عمر، وقيل: ولم يحك البغوي غيره،
كان أبيض إلى الحمرة، مربوعًا إلى القصر أقرب منه إلى
الطول، رحب الصدر، عريض المنكبين، إذا التفت التفت جميعًا،
ضخم القدمين لا أخمص لهما. والقولان حكاهما ابن قتيبة.
"شرح" آدم: أسمر والأدمة بالضم: السمرة، والأدمة أيضًا:
الوسيلة إلى الشيء؛ قاله الفراء. والسبط بكسر الباء
وإسكانها: الشعر المسترسل، والجعد ضده، والقطط: الشديد
الجعودة. وعرنين الأنف: أوله تحت مجتمع الحاجبين، وقد يطلق
على الأنف, وعرنين كل شيء: أوله.
(4/249)
الفصل الرابع: في
إسلامه
عن إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله قال: قال طلحة: حضرت بسوق
بصرى فإذا راهب1 في صومعة يقول: سلوا أهل هذا الموسم:
أفيهم أحد من الحرم2? قال طلحة: نعم أنا. قال: هل ظهر أحمد
بعد? قال: قلت: ومن أحمد? قال: ابن عبد الله بن عبد
المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، ومخرجه
من الحرم ومهاجره إلى نخل3 وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق
إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت مسرعًا حتى
قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث? قالوا: نعم، محمد بن عبد
الله الأمين تنبَّأ، وقد تبعه ابن4 أبي قحافة. قال: فخرجت
حتى دخلت على أبي بكر فقلت: اتبعت هذا الرجل? قال: نعم،
فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق، وأخبره
طلحة بما قال الراهب، فسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
بذلك, فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد،
وشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم؛ فلذلك سمي أبو
بكر وطلحة "القرينين" أخرجه الفضائلي، وصاحب فضائل أبي
بكر.
وأسلم أخو طلحة عثمان بن عبيد الله، أمه كريمة بنت موهب من
كندة، وقيل: بنت جندب من بني سواة بن عباس بن صعصعة، ولده
عبد الرحمن بن عثمان، له صحبة ورواية عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- ولهما أخ ثالث قتل يوم بدر كافرًا.
__________
1 منقطع من النصارى للعبادة وفق تعاليم النصرانية في زعمه.
2 حرم مكة.
3 يعني: يثرب "المدينة".
4 أبو بكر -رضي الله عنه.
(4/250)
الفصل الخامس: في
ذكر هجرته 1
لم أظفر بشيء يخصها, ولا شك في أنه -رضي الله عنه- هاجر
ولم يزل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ملازما له, حتى
توفي2 وهو عنه راض، وقضاياه في أحد وغيرها مما يشهد له
بذلك.
__________
1 أي: من مكة إلى المدينة المنورة.
2 أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنه أي: عن طلحة
راض, فإنه -رضي الله عنه- توفي شهيدًا يوم وقعة الجمل ستة
ست وثلاثين من الهجرة في خلافة سيدنا علي -رضي الله عنه.
(4/251)
الفصل السادس: في
خصائصه
ذكر اختصاصه بالبروك يوم أحد للنبي حتى صعد على ظهره إلى
صخرة
عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان على رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يوم أحد درعان، فذهب لينهض على صخرة
فلم يستطع، فبرك طلحة بن عبيد الله تحته وصعد رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- على ظهره حتى صعد على الصخرة؛ قال
الزبير: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أوجب
1 طلحة". أخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وأبو حاتم
واللفظ للترمذي.
وعن طلحة -رضي الله عنه- قال: لما كان يوم أحد وحملت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- على ظهري حتى استقل, وصار على
الصخرة فاستتر من المشركين، قال لي هكذا, وأومأ بيده إلى
وراء ظهره: "هذا جبريل يخبرني أنه لا
__________
1 أي: لنفسه الخير, ببروكه.
(4/251)
يراك يوم القيامة في هول, إلا أنقذك منه"
أخرجه الفضائلي.
ذكر اختصاصه برفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد, حتى
استوى قائما:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن عتبة بن أبي وقاص
رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فكسر رباعيته1
اليمنى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري
شجه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته, فدخلت حلقتان من
حلق الدرع في وجنته، ووقع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في حفرة من الحفر التي عمل عامر ليقع المسلمون وهم لا
يعلمون، فأخذ علي بيد رسول الله، ورفعه طلحة بن عبيد الله
حتى استوى قائما, ومص مالك بن أبي سعيد الخدري الدم من وجه
رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:
"من مس دمه دمي 2 لم تمسه النار" أخرجه ابن إسحاق.
ذكر اختصاصه بحمل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد,
والقتال دونه:
عن عائشة بنت طلحة قالت: لما كان يوم أحد كسرت رباعية
النبي -صلى الله عليه وسلم- وشج وجهه، وخلاه الغشي، فجعل
طلحة يحمله ويرجع القهقرى, وكلما أدركه أحد من المشركين
قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب. أخرجه الفضائلي.
ذكر اختصاصه بيوم أحد 3:
عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك كله
يوم طلحة، قال أبو بكر: كنت أول من جاء يوم أحد، فقال لي
رسول
__________
1 السن من المفلجتين والناب, على وزن ثمانية.
2 مما اختص به -صلى الله عليه وسلم- طهارة دمه.
3 وما أعظم هذه المنقبة لطلحة -رضي الله عنه.
(4/252)
الله -صلى الله عليه وسلم- ولأبي عبيدة بن
الجراح: "عليكما 1 " يريد طلحة وقد نزف، فأصلحنا من شأن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أتينا طلحة في بعض تلك
الحفار، فإذا فيه بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة
وضربة ورمية، وإذا قد قطعت أصبعه، فأصلحنا من شأنه. أخرجه
صاحب الصفوة، وأخرج أبو حاتم معناه ولفظه: قال: قال أبو
بكر: لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- كنت أول من جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
فجعلت أنظر إلى رجل بين يديه يقاتل عنه ويحميه، فجعلت
أقول: كن طلحة فداك أبي وأمي, مرتين؛ ثم نظرت إلى رجل خلفي
كأنه طائر، فلم أنشب أن أدركني، فإذا أبو عبيدة بن الجراح
فدفعنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا طلحة بين
يديه صريع؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "دونكم أخاكم"
فأهويت إلى ما رمي به في جبهته ووجنته لأنزعه؛ قال لي أبو
عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني. قال: فتركته،
فأخذ أبو عبيدة السهم بفمه فجعل ينضنضه، ويكره أن يؤذي
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم استله بفمه؛ ثم أهويت
إلى السهم الذي في وجنته لأنزعه؛ فقال أبو عبيدة: نشدتك
بالله يا أبا بكر إلا تركتني. فأخذ السهم بفمه، وجعل
ينضنضه، ويكره أن يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم
استله؛ وكان طلحة أشد
__________
1 أي: ارمياه بما يصلح شأنه، وتلك العناية بطلحة منه -صلى
الله عليه وسلم- دليل رحمته -صلى الله عليه وسلم- ووفائه
وحسن صنيعه وتقديره، وصدق الله العظيم إذ قال لصلاح
المجتمع، وحسن حال الفرد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
.
والدنيا اليوم في حاجة ملحة إلى الاقتداء به -صلى الله
عليه وسلم- في هذين الخلقين العظيمين: الرحمة والوفاء،
وهما من أظهر شعب الإيمان وصفات المؤمنين, قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم
وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
بالسهر والحمى" رواه الإمام أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير
-رضي الله عنهما- والوفاء من حسن العهد، وقد قال صلى الله
عليه وسلم: "إن حسن العهد من الإيمان" رواه الحاكم في
مستدركه عن عائشة -رضي الله عنها.
(4/253)
نهكة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد1 منه، وكان قد2
أصاب طلحة بضع وثلاثون من طعنة وضربة ورمية.
"شرح" ينضنضه أي: يحركه؛ يقال بالصاد والضاد معا. ونهكة من
قولهم: نهكته الحمى بالكسر تنهكه نهكا إذا أجهدته، ونهكته
بالفتح نهكا، لغتان والمعنى أشد جراحة وجهدا وألما.
وعن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء؛
وقى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد, أخرجه
البخاري وأبو حاتم، واللفظ له. وعن أبي عثمان قال: لم يبق
مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض تلك الأيام التي
قاتل فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير طلحة وسعد.
أخرجاه3.
ذكر اختصاصه بمسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جسده
بيده الكريمة يوم أحد, فقام صحيحًا:
عن أبي هريرة أن طلحة لما جرح يوم أحد, مسح صلى الله عليه
وسلم بيده على جسده، وقال: "اللهم اشفه وقوه" فقام صحيحًا
فرجع إلى العدو. أخرجه الملاء.
ذكر اختصاصه بالمبادرة إلى تسوية رحل رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- حين دعا إلى ذلك:
عن عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ليلة وقد سقط رحله، يقول: "من يسوي رحلي وله الجنة?" فبدر
طلحة بن عبيد الله فسواه حتى ركب؛ فقال له النبي -صلى الله
عليه وسلم: "يا طلحة هذا جبريل يقرئكالسلام، ويقول: أنا
معك في أهوال يوم القيامة حتى أنجيك منها" أخرجه الحافظ
أبو القاسم الدمشقي.
__________
1 أقوى منه.
2 بيان لسبب أن طلحة أشد نهكة من رسول الله -صلى الله عليه
وسلم.
3 يعني: البخاري ومسلم.
(4/254)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله
عليه وسلم- له بالجنة
تقدم في باب العشرة طرف من ذلك.
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت أذني من رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وهو يقول: "طلحة والزبير جاراي في الجنة"
أخرجه الترمذي، وقال: غريب.
وعن الزبير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم
أحد يقول: "أوجب طلحة الجنة" أخرجه البغوي في معجمه.
وعن طلحة قال: كان بيني وبين عبد الرحمن بن عوف مال،
فقاسمته إياه فأراد شربا في أرضي فمنعته، فأتى النبي -صلى
الله عليه وسلم- فشكاني إليه، فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "أتشكو رجلا قد أوجب?" فأتاني فبشرني، فقلت: يا
أخي أبلغ من المال ما تشكوني فيه إلى رسول الله -صلى الله
عليه وسلم? قال: قد كان ذلك؛ قال: فإني أشهد الله وأشهد
رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنه لك. أخرجه الفضائلي.
(4/255)
الفصل الثامن: في
ذكر نبذ من فضائله
قال ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما: شهد طلحة أحدا وما بعدها.
وقال الزبير بن بكار وغيره: أبلى طلحة يوم أحد بلاء حسنا،
وثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقاه بيده فشلت،
وشهد الحديبية والمشاهد1 كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم
بالجنة, وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد
الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى2 وأخبر أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- توفي وهو عنهم راضٍ, وأحد الخمسة الذين
أسلموا على يد أبي بكر.
ذكر إثبات سهمه من غنيمة بدر وأجره, ولم يحضر:
عن ابن شهاب قال: لم يشهد طلحة بدرا، وقدم من الشام بعد
مرجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بدر، فكلم رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في سهمه3، فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم: "لك سهمك" قال: وأجري يا رسول الله? قال:
"وأجرك" فلذلك كان معدودا في البدريين. أخرجه ابن إسحاق
وابن الضحاك, وحكاه أبو عمر عن موسى بن عقبة قال الزبير بن
بكار: كان طلحة بن عبيد الله بالشام في تجارة حين كانت
وقعة بدر وكان من المهاجرين الأولين, فضرب له رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بسهمه، فلما قدم قال: وأجري يا رسول
الله? قال: "وأجرك" أخرجه أبو عمر.
وقال الوقدي: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن
يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد
إلى طريق الشام يتجسسان4 الأخبار, ثم رجعا إلى المدينة
فقدماها يوم وقعة بدر.
__________
1 مشاهد القتال في سبيل الله تعالى.
2 لاختيار الخليفة بعده، وكان من الستة الذين جعل عمر فيهم
الشورى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي اختير خليفة كما
هو مشهور، وكان ابن عمر مع أهل الشورى في الرأي فقط، ولم
يرض عمر رضي الله عنه له أن يكون خليفة لتبعات الخلافة
الثقيلة، فما أرحم عمر بابنه، وهكذا يكون الآباء الرحماء
حقا.
3 السهم: النصيب.
4 وتجسسهما الأخبار عون على كسب المعركة، فهو ضرب من
الجهاد، فلا عجب أن عُدَّا في البدريين.
(4/256)
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له
بالشهادة 1:
تقدم في باب ما دون العشرة حديث: "تحرك حراء 2 " وقوله
-صلى الله عليه وسلم: "اثبت حراء؛ فما عليك إلا نبي أو
صديق 3 أو شهيد" وكان طلحة ممن كان معه -صلى الله عليه
وسلم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سره أن ينظر إلى شهيد
يمشي على وجه الأرض, فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" أخرجه
الترمذي وقال: غريب.
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له أنه ممن قضى
نحبه:
عن موسى بن معاوية قال: دخلت على معاوية فقال: ألا أبشرك?
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "طلحة ممن قضى
نحبه" أخرجه الترمذي وقال: غريب.
وعن طلحة: أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا
لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو? وكانوا لا يجترئون
على مسألته يوقرونه ويهابونه, فسأله الأعرابي فأعرض عنه،
ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض, ثم إني طلعت من باب
المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال: "أين السائل عمن قضى نحبه?" قال الأعرابي: أنا
يا رسول الله. قال: "هذا ممن قضى نحبه" أخرجه الترمذي،
وقال: حسن غريب.
وعنه قال: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحد
صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ هذه الآية:
{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ
__________
1 الشهادة: الموت في سبيل الله تعالى.
2 حراء وزان كتاب: جبل بمكة, يذكر ويؤنث, قاله الجوهري.
3 ملازم للصدق، وذلك الوصف من أوصاف سيدنا أبي بكر -رضي
الله عنه.
(4/257)
مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} 1 الآية، فقام إليه
رجل, فقال: "أيها السائل, هذا منهم" أخرجه في الصفوة.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: نظر رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إلى طلحة فقال: "من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي
على وجه الأرض وقد قضى نحبه, فلينظر إلى وجه طلحة بن عبيد
الله" أخرجه الملاء.
"شرح" نحبه: نذره، كأنه ألزم نفسه أن يموت على وصف فوفى
به، هذا أصله؛ لأن النحب النذر، تقول: نحبت أنحب بالضم،
والنحب: الوقت والمدة، يقال: فلان قضى نحبه أي: مدته فمات،
والمعنى: أن طلحة التزم أن يصدق الله في الحرب لأعدائه
فوفى له ولم يفسخ، وتناحب القوم: إذا تواعدوا للقتال أو
غيره، وناحبت الرجل: فاخرته أيضًا، ومنه حديث طلحة أنه قال
لابن عباس: هل لك أن أناحبك ونرفع النبي -صلى الله عليه
وسلم? أي: أفاخرك ونرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- من رأس
الأمر، لا تذكره في فضائلك وقرابتك منه. ذكره الهروي.
ذكر شهادته -صلى الله عليه وسلم- بالمغفرة له, وإثبات اسمه
في ديوان المقربين:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- لطلحة بن عبيد الله: "أبشر يا أبا محمد، إن الله قد
غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وقد أثبت اسمك في ديوان
المقربين" أخرجه الملاء.
ذكر أنه في حفظ الله -عز وجل- وفي نظره:
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
لطلحة: "أنت في حفظ الله, ونظره إلى أن تلحق به" أخرجه
الملاء.
__________
1 سورة الأحزاب الآية 23.
(4/258)
ذكر أنه سلف 1 النبي -صلى الله عليه وسلم-
في الدنيا والآخرة:
عن علي -عليه السلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- لطلحة بن عبيد الله: "أنت سلفي في الدنيا، وأنت سلفي
في الآخرة" أخرجه الملاء في سيرته، وذلك أن طلحة تزوج حمنة
بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-
وأمهما أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي -صلى الله عليه
وسلم.
ذكر أنه حواري النبي -صلى الله عليه وسلم:
عن زيد بن أبي أوفى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال
لطلحة والزبير: "أنتما حوارياي كحواريي عيسى ابن مريم"
أخرجه الحافظ الدمشقي والبغوي في معجمه.
"شرح" الحواري: الناصر، والحواريون: أنصار عيسى -عليه
السلام- ومنه قول الأعور الكلابي:
ولكنه ألقى زمام قلوصه2 ... ليحيي كريمًا أو يموت حواريا
قال يونس بن حبيب: الحواري: الخالصة، وقيل: إن أصحاب عيسى
إنما سموا حواريين؛ لأنهم كانوا يغسلون الثياب ويخلصونها
من الأوساخ، ويحورونها أي: يبيضونها، والتحوير: التبييض،
والحور: البياض، وقال محمد بن السائب: الحواري: الخليل،
وقال معمر عن قتادة: الحواريون كلهم من قريش: أبو بكر وعمر
وعلي وعثمان وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن
مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير.
وعن قتادة أيضًا أنه قال: الحواريون الذين تصلح
__________
1 السلف: هو المعروف بالعديل الآن.
2 ناقته.
(4/259)
لهم الخلافة. ذكره جميعه أبو بكر، وذكر
الهروي طائفة منهم، وكذلك الجوهري.
ذكر إثبات الرجاء بأنه ممن قال الله تعالى فيه:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} :
عن علي -عليه السلام- أنه قال: إني والله لأرجو1 أن أكون
أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1 أخرجه أبو عمر.
وعن أبي حبيبة عن مولى طلحة قال: دخلت على علي مع عمران بن
طلحة بعدما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وأدناه، وقال: إني
لأرجو أن يجعلني وأباك من الذين قال الله تعالى فيهم:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ... } الآية
وقال: يابن أخي كيف فلان? وكيف فلان? وسأله عن أمهات أولاد
ابنه، ثم قال: لم نقبض أرضكم هذه إلا مخافة أن ينهبها
الناس. يا فلان، انطلق به إلى ابن قرطة مرة فليعطه غلته
وليدفع إليه أرضه، فقال رجلان جالسان ناحية أحدهما الحارث
الأعور: الله أعدل من ذلك أن يقتلهم ويكونوا إخواننا في
الجنة. فقال: قوما، وأبعدهما وأسحقهما، فمن هو إذا لم أكن
أنا وطلحة أخوين? يابن أخي إذا كان لك حاجة فأتنا. أخرجه
الفضائلي الرازي.
"شرح" أسحقهما: أبعدهما، ومنه: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي:
بعيد، وكرر لاختلاف اللفظ، والسحق بالضم: البعد، تقول:
سحقًا له، ومنه
__________
1 ومن أراد أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم هذا القول
الكريم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} فليقتد بأولئك
المذكورين في سيرهم وسلوكهم, وروى ابن ماجه بإسناد صحيح عن
عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قيل: يا رسول
الله, أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب, صدوق اللسان"
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "التقي
النقي, لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد".
(4/260)
الحديث: "فأقول: سحقًا سحقًا" والسحق بضم
الحاء لغة فيه، نحو: عسر وعسر، وسحق الشيء: بعده وأسحقه
الله: أبعده.
ذكر جوده 1 وسماحة نفسه, وكثرة عطائه وصلة رحمه:
عن سعدى بنت عوف امرأة طلحة قالت: لقد تصدق طلحة يومًا
بمائة ألف.
وعنها قالت: دخل علي طلحة فرأيته مغمومًا، فقلت: ما شأنك?
قال: المال الذي عندي قد كثر وأكربني، فقلت: وما عليك?
اقسمه، فقسمه حتى ما بقي منه درهم؛ قال طلحة بن يحيى: فقلت
لخازن طلحة: كم كان المال? قال: أربعمائة ألف.
وعن الحسن قال: باع طلحة أرضًا له بسبعمائة ألف، فبات
أرقًا من مخافة ذلك المال، حتى أصبح ففرقه.
"شرح" الأرق: السهر، وأرقت بالكسر: سهرت، وكذلك ايترقت على
افتعلت فأنا أرق؛ وأرقني كذا تأريقا أي: أسهرني.
وعنه أن طلحة باع أرضًا من عثمان بسبعمائة ألف فحملها
إليه، فلما جاء بها قال: إن رجلا تبيت هذه عنده في بيته
-لا يدري ما يطرقه من أمر الله- لغرير بالله, فبات ورسله
تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم. أخرجهن
صاحب الصفوة.
"شرح" غرير أي: مغرور؛ فعيل بمعنى مفعول كقتيل وطريح،
وأسحر أي: دخل في السحر.
__________
1 وبالنظر إلى ما تضمنه هذا الباب، قلت في ختام مدح له
-رضي الله عنه وأرضاه:
عليك رضا الرحمن يا طلحة الندي ... ولا زلت بين الأكرمين
إماما
(4/261)
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صحبت طلحة،
فما رأيت رجلًا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه.
وعن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله ويتقرب
إليه برحم فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي
أرضًا أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف؛ فإن شئت فاغدُ
فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان، ودفعت إليك الثمن فقال
الأعرابي: الثمن. فباعها من عثمان, ودفع إليه الثمن.
وعن بعض ولد طلحة قال: لبس طلحة رداءً نفيسًا، فبينا هو
يسير إذا رجل قد استله، فقام الناس فأخذوه منه، فقال طلحة:
ردوه عليه، فلما رآه الرجل خجل ورمى به إلى طلحة، فقال
طلحة: خذه بارك الله لك فيه؛ إني لأستحي من الله أن يؤمل
في أحد أملا فأخيب أمله.
وعن محمد بن إبراهيم قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين
أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالشراة عشرة آلاف
دينار أو أكثر أو أقل، وكان لا يدع أحدًا من بني تيم
عائلًا إلا كفى مئونة عياله، ويزوج أياماهم ويخدم عائلهم
ويقضي دين غارمهم, وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل
سنة عشرة آلاف، ولقد قضى عن صبيحة ثلاثين ألف درهم. أخرج
الأربعة الفضائلي.
"شرح" العائل: الفقير ومنه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً}
أي: فقرًا والأيامى: جمع أيم وهي التي لا زوج لها بكرًا
كانت أو ثيبًا، ويقال للذي لا زوجة له: أيم أيضا. قال أبو
عبيد: يقال: رجل أيم وامرأة أيم؛ ولا يقال: أيمة، والغارم:
المديون1.
وعن الزبير بن بكار أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: كانت غلة
طلحة
__________
1 يقال في المقترض: مديون، ومدين.
(4/262)
ابن عبيد الله كل يوم ألفًا وافيًا، قال:
والوافي وزنه وزن الدينار وقال: وعلى ذلك وزن دراهم فارس
التي تعرف بالبغلية.
وسمع علي -عليه السلام- رجلًا ينشد:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده
الفقر
قال: ذلك أبو محمد طلحة.
ذكر أنه كان من خطباء الصحابة:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن عمر شاور الناس في الزحف
إلى قتال ملوك فارس التي اجتمعت بنهاوند، فقام طلحة بن
عبيد الله وكان من خطباء الصحابة، فتشهد ثم قال: أما بعد
يا أمير المؤمنين، فقد أحكمتك الأمور، وعجنتك البلايا،
وأحنكتك التجارب، فأنت وشأنك، وأنت ورأيك، إليك هذا الأمر،
فمرنا نطع، وادعُنا نُجِب، واحملنا نركب، وقدنا ننقد، فإنك
ولي هذه الأمور، وقد بلوت واختبرت فلم ينكشف لك عن شيء من
عواقب قضاء الله -عز وجل- إلا عن خيار, ثم جلس. أخرجه في
فضائل عمر.
ذكر ثناء ابن عباس عليه, وعلى الزبير:
عن ابن عباس -وقد سئل عن طلحة والزبير- فقال: رحمة الله
عليهما، كانا والله مسلمين مؤمنين بارين، تقيين خيرين
فاضلين طاهرين, زلالتين والله غافر لهما؛ للصحبة القديمة
والعشرة الكريمة والأفعال الجميلة، فأعقب الله من يبغضهما
بسوء الغفلة إلى يوم الحشر. أخرجه الأصبهاني.
وقد تقدم في مناقب علي عليه السلام عن سعد بن أبي وقاص وعن
سعيد بن المسيب ما يدل على الحث على محبتهما, والزجر عن
بغضهما.
(4/263)
الفصل التاسع: في
مقتله وما يتعلق بذلك, ذكر كيفية
قتله وسببه ومن قتله
كان رضي الله عنه حربا لعلي -رضى الله عنه- وزعم بعضهم أن
عليا دعاه فذكره أشياء من سوابقه وفضله، فخرج طلحة عن قتله
واعتزل في بعض الصفوف، فجاءه سهم عزب، فقطع من رجله عرق
النسا، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات. ويقال: إن السهم
أصاب ثغرة نحره، فقال: بسم الله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ
قَدَرًا مَقْدُورًا} 1.
"شرح" سهم عزب بفتح الزاي: هو الذي لا يعرف راميه، قاله
الأزهري. وعن أبي زيد: يقال: أصابه سهم عزب، بإسكانها إذا
أتاه من حيث لا يدري، وبفتحها إذا رمى غيره فأصابه, والنسا
بالفتح والقصر: عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر
بالعروق حتى يبلغ الحافر، فإذا سمنت الدابة انفلت فخذاها
بلحمتين عظيمتين ويجري النسا بينهما ويستبين، وإذا هزلت
الدابة اضطرب الفخذان وخفي النسا, وثغرة النحر بالضم:
النقرة التي بين الترقوتين.
قال الأحنف بن قيس: لما التقوا كان أول قتيل طلحة،
والمشهور أن مروان بن الحكم هو الذي قتله، رماه بسهم؛
وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم؛ وذلك أن طلحة زعموا أنه
كان ممن حاصر عثمان واشتد عليه.
وعن يحيى بن سعيد قال: قال طلحة يوم الجمل:
ندمت ندامة الكسعي لما ... شريت رضى بني حزم برغمي
__________
1 سورة الأحزاب الآية 38.
(4/264)
اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى؛ فرماه مروان
بن الحكم بسهم في ركبته فجعل الدم يسيل، فإذا أمسكوا فم
الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه فإنما هو سهم أرسله الله
تعالى. قال: فمات، فدفناه على شاطئ الكلأ فرأى بعض أهله
أنه أتاه في المنام فقال: ألا تريحونني من هذا الماء, فإني
قد غرقت? ثلاث مرات يقولها، قال: فنبشوه، فإذا هو أخضر
كأنه السلق فنزحوا عنه الماء، ثم استخرجوه فإذا ما يلي
الأرض من لحيته ووجهه قد أكله الأرض، فاشتروا له دارا من
دور بني بكرة بعشرة آلاف، فدفنوه فيها. أخرجه أبو عمر؛
وأخرج بعضه ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
وذكر أبو عمر من طريق آخر أن مروان بن الحكم رماه بسهم في
فخذه، فشكه بسرجه، فانتزع السهم، وكان إذا أمسك الجرح
انتفخ الفخذ وإذا أرسلوه سال. فقال طلحة: دعوه, فإنه سهم
من سهام الله أرسله، فمات ودفن، فرآه مولى له ثلاث ليال في
المنام كأنه يشكو إليه البرد، فنبش عنه فوجد ما يلي الأرض
من جسده مخضرا وقد تحاص شعره، فاشتروا له دارا, وذكر ما
تقدم.
وعن المثنى بن سعد قال: لما قدمت عائشة بنت طلحة أتاها
رجل، فقال: أنت عائشة بنت طلحة? قالت: نعم قال: إني رأيت
طلحة في المنام, فقال: قل لعائشة حتى تحولني من هذا المكان
فإن البرد قد آذاني, فركبت في مواليها وحشمها فضربوا عليه
بيتا، واستثاروه فلم يتغير منه إلا شعرات في أحد شقي لحيته
-أو قال: رأسه- حتى حول إلى هذا الموضع, وكان بينهما بضع
وثلاثون سنة. أخرجه ابن قتيبة والفضائلي.
"شرح" قوله: ندمت ندامة الكسعي: البيت، هكذا رواه أبو عمر
والمشهور:
(4/265)
ندمت ندامة الكسعي1 لما ... رأت عيناه ما
صنعت يداه
وهو رجل كان ربى نبعة، وهو شجر ينبت في الصخر، واتخذ منها
قوسا فرمى به الوحش ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ، فكسر القوس،
فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد، فندم، فقال الشاعر:
ندمت ندامة الكسعي ... البيت
وقوله: برغمي: في الرغم ثلاث لغات ضم الراء وفتحها وكسرها،
تقول: رغم أنفي لله بكسر الغين وفتحها رغمًا ورغمًا، إذا
انقدت على كره من نفسك، وفعلت ذلك على الرغم من أنفه ورغم
فلان بالفتح: إذا لم يقدر على الانتصاف, وأصله من الرغام
بالفتح وهو التراب، يقال: أرغم الله أنفه أي: ألصقه
بالرغام، فكأن الفاعل للشيء على كره ملصق أنفه بالرغام لما
اتصف به من إذلال نفسه, والشاطئ: الجانب وكذلك الشطء,
وتحاص شعره أي: سقط, ورجل أحص بين الحصص: قليل الشعر.
ذكر تاريخ مقتله:
قتل رضي الله عنه يوم الجمل، وكان يوم الخميس لعشر خلون من
جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين.
ذكر سنه يوم قتل:
وكان له يوم قتل ستون سنة، وقيل: اثنتان وستون، وقيل: أربع
__________
1 رجل يضرب به المثل عند الندم، واسمه كما ذكر صاحب
القاموس: غامد بن الحارث الكسعي، الذي اتخذ قوسا وخمسة
أسهم، وكمن في فترة -في ناحية- فمر قطيع, فرمى عيرًا أي
حمارًا، وغلب على الوحشي, فأمخطه -أي أنفذه- السهم، وصدم
الجبل، فأورى نارا، فظن أنه أخطأ، فرمى ثانيا، وثالثا إلى
آخرها، وهو يظن خطأه، فعمد إلى قوسه فكسرها ثم بات، فلما
أصبح نظر، فإذا الحمر مطرحة مصرعة وأسهمه بالدم مضرجة،
فندم فقطع إبهامه، وأنشد:
ندمت ندامة لو أن نفسي ... تطاوعني إذًا لقطعت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي
(4/266)
وستون، وقيل غير ذلك. أخرجه ابن قتيبة وأبو
عمر وغيرهما.
ذكر ما روي عن علي -عليه السلام- من القول عند موت طلحة:
عن طلحة بن معروف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن
دابته وأجلسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ولحيته وهو يترحم
عليه ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. أخرجه
الفضائلي.
(4/267)
الفصل العاشر: في
ذكر ولده
وكان له أربعة عشر ولدا؛ عشرة بنين وأربع بنات.
ذكر البنين:
"محمد" وهو السجاد, سمي بذلك لكثرة عبادته, ولد في عهد
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسموه محمدًا وكنوه أبا
القاسم، فقيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه محمدًا
وكناه أبا سليمان، وقال: "لا أجمع له بين اسمي وكنيتي"
أخرجه الدارقطني, قتل مع أبيه يوم الجمل، وله عقب؛ وكان
علي ينهى عنه ويقول: إياكم وصاحب البرنس، فقتله رجل وأنشأ
يقول:
وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
أمكنه بالرمح حضني مقبلًا ... فخر صريعًا لليدين وللفم
على غير شيء غير أن ليس تابعًا ... عليا ومن لا يتبع الحق
يظلم
يناشدني حم والرمح شاجر ... فهلا تلاحم قبل التقدم
"شرح" الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح، وحضنا الشيء: جانباه
ونواحي كل شيء: أحضانه, شاجر أي: ملابس له، وتشاجر القوم:
تطاعنوا، وتشاجروا: تنازعوا، وشجر الأمر بينهم: اختلف.
(4/267)
وروي أن عليا مر به قتيلا فقال: هذا
السجاد، قتله1 بره بأبيه, ذكره الدارقطني. وهو وعمران بن
طلحة: أمهما حمنة بنت جحش, أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا عقب له، وأختهما لأمهما
زينب بنت مصعب بن عمير العبدري. قاله الدارقطني، وذكر أن
عمران هذا هو الذي قدم على علي بعد الجمل، وسأله أن يرد
عليه أموال أبيه، فقربه وترحم على أبيه، وقال: لم نقبض
أموالكم إلا لتحفظ عليكم, ثم أمر بتسليمها وتسليم جميع ما
استغل منها إليه و"عيسى بن طلحة" وكان ناسكا له عقب، ويحيى
وكان من خيار ولده، وله عقب، أمهما سعدى بنت عوف المرية،
أخوهما لأمهما المغيرة بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الله
بن المغيرة؛ وإسماعيل، وإسحاق, وله عقب, ويعقوب وكان جوادا
ممدحا قاله الدارقطني. قتل يوم الحرة، وله عقب، أمهم أم
أبان بنت عتبة بن ربيعة وهم بنو خالة معاوية بن أبي سفيان
قاله الدارقطني، وموسى: من خيارهم أيضًا، وله نبل وقدر،
ووجهه عبد الملك بن مروان إلى شبيب فقتله شبيب بالكوفة,
وله عقب, أمه خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة, أخوه
لأمه محمد بن أبي جهم بن حذيفة العدوي قاله الدارقطني؛
وزكريا، ويوسف أمهما: أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق،
وإخوتهما لأمهما عمار وإبراهيم وموسى بنو عبد الرحمن بن
عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي؛ وصالح, أمه الفرعة
التغلبية.
ذكر الإناث:
"عائشة" شقيقة زكريا ويوسف, وتزوجها مصعب بن الزبير بن
العوام بعد أن كانت حلفت2: إن تزوجته فهو عليَّ كظهر أمي،
فأمرت
__________
1 ويا له من مثل أعلى تحيا به في النفس عاطفة البر بالأب,
وبر الأم أعظم.
2 ذكر الإمام ابن العربي في أحكام القرآن أن التحليل
والتحريم في النكاح بيد الرجل وأن هذا إجماع, فالظهار بيد
الرجل، وليس للمرأة ظهار كما أنها ليس لها طلاق, فإنه لمن
أخذ بالساق.
(4/268)
بكفارة الظهار، فكفرت ثم تزوجته، وأم إسحاق
تزوجها الحسن بن علي و"الصعبة" أمها أم ولد وذكر الدارقطني
أن أم أم إسحاق أم الحارث الجرباء بنت قسامة بن حنظلة
الطائية، و"مريم" أمها أم ولد. وذكر ذلك كله ابن قتيبة
وصاحب الصفوة، وذكره الدارقطني، غير أنه ذكر في أولاده
"صالحا" و"عثمان" ولم يثبت ذلك.
(4/269)
|