الرياض النضرة
في مناقب العشرة الباب السادس: في مناقب الزبير بن العوام
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب السادس: في مناقب الزبير
بن العوام
وفيه عشرة فصول على نحو من فصول طلحة
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة في ذكر الشجرة، يجتمع
نسبه ونسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قصي بن كلاب،
وينسب إلى أسد بن عبد العزى بن قصي, فيقال: القرشي الأسدي,
أمه صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أسلمت وهاجرت، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابن
خاله.
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال له: يا بني، كانت
عندي أمك1 وعند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالتك
عائشة، وبيني وبينه من الرحم والقرابة ما قد علمت، وعمة
أبي أم حبيبة بنت أسد جدته وأمي عمته، وأمه آمنة بنت وهب
بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت وهب بن عبد مناف، وزوجته
خديجة بنت خويلد عمتي. أخرجه البغوي في معجمه.
__________
1 أسماء بنت أبي بكر.
(4/271)
الفصل الثاني: في
اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام الزبير، ويكنى أبا عبد
الله.
(4/272)
الفصل الثالث: في
صفته
قال الواقدي: كان الزبير ليس بالطويل ولا بالقصير، إلى
الخفة, ما هو خفيف اللحية، أسمر اللون، أشعر، وكان لا
يغير1 شيبه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير كان طويلا، تخط رجلاه
في الأرض إذا ركب الدابة، أزرق, أشعر، وربما أخذت وأنا
غلام شعر كنفيه حين أقوم. ذكره ابن قتيبة والبغوي في معجمه
وصاحب الصفوة.
__________
1 ارتياحًا منه لنور الشيب.
(4/272)
الفصل الرابع: في إسلامه, وسنه يوم أسلم
عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن أنه بلغه أن عليا
والزبير أسلما, وهما ابنا ثماني سنين.
وعن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة. أخرجه أبو
عمر والبغوي.
قال أبو عمر: وقول عروة أصح من قول أبي الأسود.
وقد روي من طريق آخر عن عروة أن الزبير أسلم وهو ابن اثنتي
عشرة سنة. أخرجه أبو عمر.
وعن أبي الأسود قال: أسلم الزبير بعد أبي بكر رابعا أو
خامسا،
وعنه لما أسلم الزبير كان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه
بالنار، ويقول له: ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر
أبدًا. أخرجهما في الصفوة.
وأسلم أخواه1 شقيقاه السائب وأم حبيب ابنا العوام وأمهما
صفية، وأسلم أخواه لأبيه عبد الرحمن وزينب ابنا العوام:
أمهما أم الخير أميمة بنت مالك بن عميلة بن السباق بن عبد
الدار بن قصي ولهم إخوة عدد لهم يوقف على إسلامهم وهم:
مالك والحارث وصفوان وعبيد الله وبعكل وملك وأصرم وأسد
الله وبجير والأسود ومرة وبلال، ومنهم من قتل كافرًا ذكر
ذلك الدارقطني, وذكر أن السائب جاهد مع النبي -صلى الله
عليه وسلم- واستعمله أبو بكر وقتل يوم اليمامة شهيدًا ولا
عقب له ولا رواية، وأن عبد الرحمن بن العوام كان اسمه في
الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- عبد الرحمن؛ وحسن إسلامه، واستشهد يوم اليرموك ولم
يسند شيئا، وأم حبيب تزوجها خالد بن حزام أخو حكيم بن حزام
فولدت له أم حسين بنت خالد, وزينب بنت العوام تزوجها حكيم
بن حزام، فولدت له عبد الله وخالدًا ويحيى وأم شيبة وفاختة
بنت حكيم بن حزام، ولا رواية لها ولا لأختها.
__________
1 أخوه وأخته, ففي التثنية تغليب الذكر على الأنثى.
(4/273)
الفصل الخامس: في
هجرته
عن أبي الأسود قال: أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين وهاجر
وهو ابن ثماني عشرة سنة. ذكره صاحب الصفوة وذكر الدارقطني
أنه هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وأنه من المهاجرين
الأولين.
(4/274)
الفصل السادس: في
خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أول من سل سيفًا في سبيل الله -عز وجل-
ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لسيفه:
عن سعيد بن المسيب قال: كان الزبير أول من سل سيفا في سبيل
الله -عز وجل- فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- له بخير.
وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن أول رجل سل سيفه في سبيل
الله -عز وجل- الزبير، وذلك أنه نفحت نفحة من الشيطان وأخذ
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل الزبير يشق الناس
بسيفه والنبي -صلى الله عليه وسلم- بأعلى مكة فقال له رسول
الله -صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا زبير?" فقال: أخبرت
بأنك أخذت. قال: فصلى عليه ودعا لسيفه. أخرجه أبو عمر،
وأخرج الفضائلي معناه عن سعيد بن المسيب، ولفظه: بينا
الزبير بمكة إذ سمع نغمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد
أخذ, فخرج عريانا ما عليه شيء، بيده السيف مصلتا، فتلقاه
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما لك يا زبير?" قال:
سمعت أنك قد قتلت قال: "فما كنت صانعا?" قال: أردت والله
أن أستعرض أهل مكة, فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه صاحب الصفوة كذلك وأخرجه الملاء وزاد بعد قوله
"أستعرض أهل مكة": وأجري دماءهم كالنهر, لا أترك أحدًا
منهم إلا قتلته حتى أقتلهم عن آخرهم. قال: فضحك النبي -صلى
الله عليه وسلم- وخلع رداءه وألبسه، فنزل جبريل وقال: "إن
الله يقرئك السلام، ويقول لك: أقرئ مني على الزبير السلام،
وبشره أن الله أعطاه ثواب كل من سل سيفا في سبيل الله منذ
بعثت إلى أن تقوم الساعة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا؛
لأنه أول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل".
(4/274)
"شرح" نفحت نفحة: يجوز أن يكون من نفحت
الريح إذا هبت, أو من نفح العرق ينفح إذا نزل منه الدم، أو
من نفحت الناقة: ضربت برجلها، ونفحه بالسيف: تناوله من
بعيد كل هذا يناسبه نفحة الشيطان؛ ويقال: نفح الطيب ينفح
إذا فاح، وله نفحة طيبة، ولا يزال لفلان نفحات من المعروف,
ونفحة من العذاب: قطعة منه، ونغمة: كلام خفي، يقال منه:
نغم ينغم وينغم نغما، وفلان حسن النغمة إذا كان حسن الصوت,
مصلتًا: مجردًا وأصلت سيفه: إذا جرده من غمده فهو مصلت
بفتح اللام, أستعرض أهل مكة أي: أقتل من جانب، ولا أسأل عن
واحد من العرض الجانب, يقال للخارجي: إنه يستعرض الناس أي:
يقتلهم ولا يسأل عن مسلم ولا كافر.
ذكر اختصاصه بأنه حواري النبي -صلى الله عليه وسلم:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم: "إن لكل نبي حواريًّا، وحواريي الزبير" أخرجه
البخاري والترمذي ومسلم بزيادة ولفظه: ندب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- الناس يوم الخندق فندب الزبير ثم ندبهم,
فانتدب الزبير فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي
حواري, وحواريي الزبير" وأخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالب
وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد عن عبد الله بن الزبير بزيادة
ولفظه: "لكل نبي حواري والزبير حواريي وابن عمتي" وأخرجه
أبو معاوية ولفظه: "الزبير ابن عمتي, وحواريي من أمتي".
وسمع ابن عمر رجلا يقول: أنا ابن الحواري، فقال: إن كنت
ابن الزبير وإلا فلا. أخرجه أبو عمر.
"شرح" الحواري تقدم شرحه في فضائل طلحة, وندب أي: دعا،
فانتدب أي: أجاب.
(4/275)
ذكر اختصاصه بنزول الملائكة يوم بدر, عليها
عمائم على لون عمامة الزبير:
عن هشام بن عروة عن عبادة بن حمزة بن الزبير قال: كانت على
الزبير عمامة صفراء، معتجرًا بها يوم بدر، ونزلت الملائكة
عليها عمائم صفراء يوم بدر. أخرجه أبو عمر.
وروي أنه كان يوم بدر على الميمنة وعليه ريطة صفراء، فنزلت
الملائكة على سيماه. أخرجه أبو الفرج في مشكل الصحيحين.
"شرح" الاعتجار: لفّ العمامة على الرأس، والمعجر: ما تشده
المرأة على رأسها، يقال: اعتجرت المرأة بالمعجر، والمعجرة
بالكسر: نوع من العمة، يقال: فلان حسن المعجرة. والريطة:
الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين, والسيما:
العلامة. ويجوز أن يكون والله أعلم إنما نزلت على سيماه؛
لأنه أول حربها فنزلت على سيما أول محارب لله -عز وجل- وفي
سبيله، وقد تقدم ذلك في هذا الفصل.
ذكر اختصاصه بالقتال بعنزة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يوم بدر:
عن الزبير -رضي الله عنه- قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد
بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وكان يكنى أبا
ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة،
فطعنته في عينه فمات، قال هشام بن عروة: فأخبرت أن الزبير
قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطيت، وكان الجهد أن نزعتها
وقد انثنى طرفها، قال عروة: فسأله إياها رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فأعطاه إياها، فلما قبض صلى الله عليه
وسلم أخذها، فطلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أخذها،
ثم سألها عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم سألها
عثمان فأعطاه إياها، فلما قتل وقعت
(4/276)
إلى آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير,
فكانت عنده حتى قتل. أخرجه البخاري.
"شرح" قوله: مدجج: يروى بكسر الجيم وفتحها أي: عليه سلاح
تامّ, فسمي به لأنه يدج أي: يمشي رويدًا لثقله بالسلاح،
وقيل: لأنه يتغطى به من دججت السماء: إذا تغيمت. وقوله:
تمطيت أي: تمددت, ومددت مطاي, المطا: الظهر.
ذكر اختصاصه بجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- له أبويه
يفديه بهما يوم الأحزاب:
عن عبد الله بن الزبير قال: كنت عند الأحزاب أنا وعمر بن
أبي سلمة مع النساء في أطم حسان، فنظرت فإذا الزبير على
فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت:
يا أبة، رأيتك تختلف، فقال: رأيتني يا بني? قلت: نعم، قال:
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يأتي بني
قريظة فيأتيني بخبرهم?" فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه فقال: "فداك أبي وأمي"
أخرجاه وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.
وهذا القول لم ينقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله
يوم الأحزاب لغيره.
وأخرج أحمد عنه قال: جمع لي رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أبويه يوم أحد. والمشهور في ذلك يوم أحد أنه كان
لسعد، وسيأتي في خصائصه، ويحتمل أن يكون جمعهما لهما،
واشتهر في سعد لكثرة ترديد القول له بذلك.
وقد روي عنه أنه قال: جمع لي رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أبويه مرتين، في أحد وفي قريظة.
"شرح" أطم حسان أي: حصنه، تضم وتسكن؛ والجمع آطام، والأجم
مثله.
(4/277)
ذكر اختصاصه بالقتال مع النبي -صلى الله
عليه وسلم- وهو ابن اثنتي عشرة سنة:
عن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان يحمل
على القوم ويقول له: ههنا بأبي أنت وأمي، ههنا بأبي أنت
وأمي. أخرجه البغوي في معجمه، وصاحب الصفوة ولم يقل: بأبي
وأمي.
ذكر اختصاصه بمرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى وفد
الجن:
عن الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم
يتبعني إلى وافد الجن الليلة?" فأسكت القوم فلم يتكلم منهم
أحد، قال ذلك ثلاثًا، فلم يتكلم منهم أحد، فمر بي يمشي
وأخذ بيدي, فجعلت أمشي معه وما أجد من مس، حتى خنس عنا نخل
المدينة كله وأفضينا إلى أرض بوار, فإذ رجال طوال كأنهم
رماح مستثفرو ثيابهم بين أرجلهم فلما رأيتهم غشيتني رعدة
شديدة حتى ما تمسكني رجلاي من الفرق، فلما دنونا منهم خط
لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجله في الأرض خطا
وقال لي: "اقعد في وسطها" فلما جلست فيها ذهب كل شيء كنت
أجده، ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلا عليهم
القرآن حتى طلع الفجر، ثم أقبل حتى مر بي، فقال: "الحق"
فجعلت أمشي معه، فمضينا غير بعيد فقال لي: "التفت فانظر هل
ترى حيث كان أولئك من أحد?" فقلت: يا رسول الله أرى سوادًا
كثيرًا، قال: فخفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده
الأرض، وأخذ بروثة ثم رمى بها إليهم، وقال: "رشد أولئك من
وفد قوم" أخرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.
(4/278)
ذكر اختصاصه بكسوة رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- في طريق الهجرة:
عن عروة بن الزبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما
هاجر لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين
من الشام، فكسا الزبير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأبا بكر ثيابًا بيضاء. أخرجه الحميدي في جامعه من
الصحيحين.
ذكر اختصاصه بنزول قرآن بسببه:
عن عبد الله بن الزبير أن رجلًا خاصم الزبير في شراج الحرة
التي يسقون بها النخل، فقال للأنصاري: سرح الماء يمر, فأبى
عليه فاحتكموا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي
-صلى الله عليه وسلم- للزبير: "اسق يا زبير، ثم أرسل إلى
جارك" فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله, أن كان ابن عمتك?
فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "يا
زبير, اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر" فقال الزبير:
والله إني لأحسب هذه نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}
1 الآية, أخرجاه, وعند البخاري: فاستوعى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- للزبير حينئذ حقه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ
اللَّهِ} 2 الآية, وذلك أن خبيبًا أخرجه المشركون ليقتلوه
فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فتركوه حتى صلى ركعتين، ثم
قال: لولا أن يقولوا: جزع لزدت، وأنشأ يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله
مصرعي
فصلبوه حيا، فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس حوالي أحد يبلغ
رسولك مقامي، فأبلغه سلامي، ثم رموه بسهم وطعنوه برمح،
فبلغ
__________
1 سورة النساء الآية 65.
2 سورة البقرة الآية 207.
(4/279)
النبي -صلى الله عليه وسلم- خبره فقال:
"أيكم يحتمل خبيبًا من خشبته وله الجنة?" فقال الزبير: أنا
وصاحبي المقداد. فخرجا يسيران الليل والنهار حتى وافيا
المكان، فإذا حول الخشبة أربعون رجلا نياما، وإذا هو رطب
لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوما، فحمله الزبير على فرسه
وسار فلحقه سبعون منهم، فقذف خبيبًا فابتلعته الأرض، وقال:
ما جرأكم علينا يا معشر قريش? ثم رفع العمامة عن رأسه،
وقال: أنا الزبير بن العوام، وأمي صفية بنت عبد المطلب،
وصاحبي المقداد الأسود، أسدان رابضان، إن شئتم ناضلتم وإن
شئتم نازلتم، وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا، فقدموا على رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده جبريل فقال: يا محمد إن
الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك، ونزل قوله تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِ اللَّهِ} هذا أحد خمسة أقوال في سبب نزولها، وهو
قول ابن عباس والضحاك. الثاني: نزلت في الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر, وروي عن علي وعمر. الثالث: في صهيب
الرومي. الرابع: في المهاجرين والأنصار، قاله قتادة.
الخامس: في المهاجرين خاصة, قاله الحسن.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ} نزلت في سبعين منهم أبو بكر والزبير, وقد
سبق ذكر ذلك. أخرجه أبو الفرج في أسباب النزول.
(4/280)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله
عليه وسلم- له بالجنة
وقد تقدم ذلك في باب العشرة من حديث عبد الرحمن بن عوف
وسعيد بن زيد, وتقدم في فصل الشهادة لطلحة بالجنة قوله
-صلى الله عليه وسلم: "طلحة والزبير جاران في الجنة".
(4/280)
الفصل الثامن: في
ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد الزبير بدرًا والحديبية والمشاهد
كلها، لم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل
الشورى الذين قال عمر فيهم: توفي رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وهو عنهم راض، وهاجر الهجرتين1، وفيه يقول حسان بن
ثابت:
أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه ... يوالي ولي الحق والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم
محجل
له من رسول الله قربى قريبة ... ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل
فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل
إذا كشفت عن ساقها الحرب هشَّها ... بأبيض سباق إلى الموت
يرقل
فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام
يذبل
ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يابن الهاشمية أفضل
"شرح" الهدي بفتح الهاء وإسكان الدال: السيرة، يقول: ما
أحسن هديه أي: سيرته, والحواري: تقدم تفسيره, مؤثل أي:
مؤصل والتأثيل والتأصيل بمعنًى، يقال: مجد أثيل أي: أصيل,
وكشفت الحرب عن ساقها أي: اشتدت, ومنه: {يُكْشَفُ عَنْ
سَاقٍ} أي: عن شدة، وكذلك قامت على ساق, هشها لعله من
الهش: الجمع والكسب، والهياشة مثل الحياشة، وهو ما جمع من
المال واللباس فكأنه يجمع الناس ويكشفهم بسيفه, والأبيض:
السيف والجمع: البيض, والإرقال: ضرب من السير نحو الخبب,
ويذبل: اسم جبل.
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشهادة:
تقدم حديث هذا الذكر بطرقه في باب ما دون العشرة وهو حديث
__________
1 الهجرة إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة المنورة.
(4/281)
تحرك حراء, وقوله -صلى الله عليه وسلم:
"اثبت؛ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" خرجه مسلم.
وخرج صاحب الكوكب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض, فلينظر إلى
الزبير" وعلم عليه بعلامة ابن أبي شيبة.
ذكر شهادة عمر أنه ركن من أركان الإسلام:
عن سطيع بن الأسود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الزبير
ركن من أركان الإسلام. أخرجه ابن السري.
ورفعه ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولفظه قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الزبير بن العوام ركن
من أركان المسلمين" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر شهادة عثمان بأنه خيرهم, وأحبهم إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم:
عن مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان رعاف شديد حتى حبسه عن
الحج وأوصى, فدخل رجل من قريش فقال: استخلف، فقال: نعم,
قال: ومن؟ قال: فسكت، فدخل عليه رجل أحسبه الحارث فقال:
استخلف، فقال عثمان: وقالوا? قال: نعم قال: فمن هو? قال:
فسكت، قال: فلعلهم قالوا الزبير؟ قال: نعم قال: أما والذي
نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت, وإن كان لأحبهم إلى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية أنه قال: والله إنكم لتعلمون أنه خيركم. أخرجه
البخاري والبغوي وقال: أما والذي نفسي بيده ... إلى آخره،
وزاد ثلاث مرات.
(4/282)
ذكر ما جاء عن سعد بن مالك وسعيد بن المسيب
في الحث على محبته والزجر عن بغضه, تقدم حديثهما في نظيره
من فصل فضائل عثمان, ذكر ثناء ابن عباس عليه:
تقدم في فضائل طلحة؛ لأن الثناء كان عليهما جميعا، والله
أعلم.
ذكر إبلائه يوم اليرموك:
عن عروة أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا
للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك? فحمل عليهم فضربوه
ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة:
فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة:
وكان معه عبد الله وهو ابن خمس سنين, فحمله على فرس ووكل
به. أخرجه البخاري.
واليرموك: موضع بناحية الشام.
ذكر أنه من الذين استجابوا لله والرسول:
عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت لي: أبوك -والله-
من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
أخرجه مسلم، وزاد في رواية: تعني أبا بكر والزبير.
وعنها قالت: يابن أختي، كان أبوك -تعني أبا بكر- والزبير
من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
قالت: لما انصرف المشركون من أحد، وأصاب أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ما أصابهم فخاف صلى الله عليه وسلم
أن يرجعوا، فقال: "من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا
أن بنا قوة" فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين, فخرجوا في
آثار القوم، فسمعوا بهم فانصرفوا, قالت: فانقلبوا بنعمة من
الله وفضل لم يقاتلوا عدوا. أخرجه البخاري.
(4/283)
ذكر ما كان في جسده من الجراح:
عن عروة قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل،
فقال: يا بني ما من عضو إلا وقد جرح مع رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- حتى انتهى ذلك إلى فرجه. أخرجه الترمذي
وقال: حسن غريب.
وعن علي بن زيد قال: أخبرني من رأى الزبير, وإن في صدره
لأمثال العيون من الطعن والرمي. أخرجه صاحب الصفوة
والفضائلي.
وعن بعض التابعين قال: صحبت الزبير في بعض أسفاره، فأصابته
جنابة وكنا بأرض قفر، فقال لي: استرني حتى أغتسل، قال:
فسترته، فحانت مني التفاتة فرأيته مجدعا بالسيوف, فقلت له:
والله لقد رأيت بك آثارا ما رأيتها بأحد قط، قال: أوقد
رأيتها? قلت: نعم, قال: أما والله ما فيها جراحة إلا مع
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي سبيل الله. أخرجه
الملاء في سيرته.
ذكر ذَبِّه عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو
نائم, وما ترتب على ذلك:
عن عمر بن الخطاب قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال
له: "يا أبا عبد الله لم تزل?" قال: لم أزل، أنت بأبي وأمي
قال: "هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة
حتى أذب عن وجهك شرر جهنم" أخرجه الحافظ الدمشقي في
الأربعين الطوال.
ذكر قوله -صلى الله عليه وسلم- لابن الزبير: "يابن أخي"
فأثبت له وصف الأخوة:
عن سليمان قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده
عبد الله بن الزبير, ومعه طشت يشرب ما فيه فقال له النبي
-صلى الله عليه وسلم: "ما شأنك يابن
(4/284)
أخي?" ثم ذكر باقي الحديث, وسيأتي في
مناقبه من حديث ابن الغطريف.
ذكر ورعه:
عن عبد الله بن الزبير قال: قلت للزبير: ما يمنعك أن تحدث
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يحدث عنه أصحابه?
قال: أما والله لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول:
"من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه
البخاري.
وفي رواية: والله لقد كان لي منه منزلة ووجهة، ولكني سمعته
يقول, وذكر الحديث.
وفي رواية: لقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحد، ولكني
سمعته يقول: "من قال عليَّ ما لم أقل تبوأ مقعده من النار"
فلا أحب أن أحدث عنه. أخرجهما البغوي في معجمه.
"شرح" الوجهة: الجاه والعز, "فليتبوأ مقعده من النار" أي:
لينزل منزلته منها, قال: بوأه الله منزلا أي: أسكنه إياه,
والمباءة: المنزل.
ذكر صلته وصدقته:
وعن أم درة قالت: بعث الزبير إلى عائشة بغرارتين, تبلغ
الواحدة منهما ثمانين ومائة ألف درهم.
وعن كعب قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما
كان يدخل منها بيته درهم واحد؛ كان يتصدق بذلك كله. أخرجه
أبو عمر وأخرجه الفضائلي وقال: فكان يتصدق بقسمه كل ليلة،
ويقوم إلى منزله ليس معه منه شيء.
وأخرج الطائي عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال: كان للزبير
(4/285)
وذكره. وعن جويرية قالت: باع الزبير دارًا
له بستمائة ألف، قال: فقيل له: يا أبا عبد الله غبنت قال:
كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن؛ هي في سبيل الله. أخرجه في
الصفوة.
ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله -صلى الله
عليه وسلم:
عن ابن إسحاق السبيعي قال: سألت مجلسا فيه أكثر من عشرين
رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: من كان أكرم
الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم? قالوا:
الزبير وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما. أخرجه الفضائلي.
ذكر سماحته في بيعه:
قال أبو عمر: كان الزبير تاجرًا مجدودًا في التجارة، فقيل:
بم أدركت في التجارة? قال: لأني لم أشتر معيبا, ولم أرد
ربحا, والله يبارك لمن يشاء.
"شرح" مجدودا أي: محظوظًا، والجد: الحظ، والجديد: الحظيظ،
فعيل بمعنى مفعول.
ذكر شهادة الحسن بن علي بكفاءة نسبه لنسبهم:
عن هشام بن عروة عن أبيه أن حسن بن علي أوصى في وصيته: أن
تزوجوا إلى آل الزبير وزوجوهم، فإنهم أكفاؤكم من قريش.
أخرجه أبو معاوية.
وفيه دليل على اعتبار الكفاءة في النسب، وأن قريشا ليسوا
أكفاء لبني هاشم، وإلا لما كان في التخصيص فائدة.
ذكر إثبات رخصة عامة للمسلمين بسببه:
عن أنس -رضي الله عنه- أن الزبير وعبد الرحمن بن عوف شكيا
إلى
(4/286)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القمل في
غزاة لهما؛ فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيت على كل واحد
منهما قميص حرير.
وعنه رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن
عوف والزبير في قميص الحرير في السفر؛ لحكة كانت بهما.
أخرجهما مسلم, ويشبه أن تكون الرخصة للحكة والقمل جمعًا
بين الحديثين.
ذكر من أوصى إلى الزبير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه
وسلم:
عن عروة بن الزبير أن ابن مسعود وعثمان والمقداد بن الأسود
وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود أوصوا إلى الزبير بن
العوام. أخرجه ابن الضحاك.
(4/287)
الفصل التاسع: في
مقتله وما يتعلق به, ذكر كيفية
قتله ومن قتله وأين قتل
قال أبو عمر: شهد الزبير يوم الجمل فقاتل فيه ساعة، فناداه
علي وانفرد به فذكره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال له وقد وجدهما يضحكان بعضهما إلى بعض: "أما إنك ستقاتل
عليا وأنت له ظالم" فذكر الزبير ذلك وانصرف عن القتال
راجعًا إلى المدينة, قادمًا مفارقا للجماعة التي خرج فيها،
فأتبعه ابن جرموز عبد الله ويقال: عمير ويقال: عمر ويقال:
عميرة السعدي فقتله بموضع يعرف بوادي السباع، وجاء برأسه
إلى علي، فقال علي رضى الله عنه: بشر قاتل ابن صفية
بالنار.
وعن أبي الأسود الدؤلي قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة
والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي على بغلة رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فنادى: ادعوا الزبير, فأقبل حتى
اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا
(4/287)
زبير نشدتك بالله, أتذكر يوم مر بك رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في مكان كذا وكذا وقال: "يا
زبير أتحب عليا?" قلت: ألا أحب ابن خالي وعلى ديني؟! فقال:
"يا علي، أتحبه?" قلت: يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى
ديني?! فقال: "يا زبير لتقاتلنه, وإنك له ظالم"؟ قال: نعم،
والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك. فرجع الزبير على
دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله وقال: ما لك?
قال: قد ذكرني علي حديثًا سمعته من رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يقول: "لتقاتلنه وأنت له ظالم" ولا أقاتله، ثم
رجع منصرفا إلى المدينة، فرأى عبد الله بن جرموز، فقال: أي
ها تورش بين الناس ثم تتركهم? والله لا نتركه، فلما لحق
بالزبير ورأى أنه يريده، أقبل عليه الزبير فقال له ابن
جرموز: اذكر الله، فكف عنه الزبير حتى فعل ذلك مرارًا،
فقال الزبير: قاتله الله، يذكر بالله وينساه، ثم غافصه ابن
جرموز فقتله. أخرجه الفضائلي وغيره.
"شرح" أي ها بمعنى كيف, والتوريش: التحريش، تقول: ورشت بين
القوم وأرشت, وغافصه أي: أخذه على غرة.
قال أبو عمر: ويروى أن الزبير لما انصرف لقيه النغر -رجل
من بني مجاشع- فقال: أين تذهب يا حواري رسول الله -صلى
الله عليه وسلم? إليَّ فأنت في ذمتي لا يوصل إليك، فأقبل
معه، فلحقه عميرة بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع في غزاة
من غزاة بني تميم، فلقوه مع الثغر، فأتاه عمير بن جرموز من
خلفه وهو على فرس له ضعيفة، فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه
الزبير وهو على فرس يقال له: ذو الخمار، حتى ظن أنه قاتله,
نادى صاحبيه: يا نفيع، يا فضالة فحملوا عليه حتى قتلوه.
قال أبو عمر: وهذا أصح مما تقدم.
(4/288)
وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف
الزبير يوم الجمل سمعته يقول:
ولقد علمت لو أن علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب
فلم ينشب أن قتله ابن جرموز. أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر تاريخ مقتله, وسنه يوم قتل:
قيل: كان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة
ست وثلاثين، وفي ذلك اليوم كانت وقعة الجمل، وسنه يومئذ
سبع وستون سنة، وقيل: ست وستون, ذكره أبو عمر. وقيل: أربع
وستون، وقيل: ستون، وقيل: إحدى وستون, ذكره البغوي في
معجمه. وقيل: خمس وسبعون، وقيل: بضع وخمسون, ذكره صاحب
الصفوة والرازي.
ذكر ما قاله علي -عليه السلام- لقاتل الزبير:
تقدم في كيفية قتله طرف منه.
قال أبو عمر: روي أنه لما جاء قاتل الزبير عليًّا برأس
الزبير، لم يأذن له وقال للآذن: بشره بالنار.
وعن زر قال: استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده، فقال:
بشر قاتل ابن صفية بالنار. أخرجه صاحب الصفوة.
ذكر وصيته:
عن عبد الله بن الزبير قال: جعل الزبير يوم الجمل يوصيني
بدينه ويقول: إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي. قال:
فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبة من مولاك? قال:
الله تعالى، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا
مولى الزبير اقض عنه، فيقضيه, وإنما كان دينه الذي عليه أن
الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه فيقول
(4/289)
الزبير: لا ولكنه سلف، فإني أخشى عليه
الضيعة قال عبد الله: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي
ألف ومائة ألف؛ فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين
بعتهما وقضيت دينه، فقال بنو الزبير: ميراثنا؛ قلت: والله
لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له
على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنة ينادي؛ فلما
انقضت أربع سنين قسم بينهم، وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب
كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجمع مال الزبير خمسون ألف
ألف ومائتا ألف.
وعن عبد الله أنه لقيه حكيم بن حزام فقال: يابن أخي، كم
على أخي? فكتمه، وقلت: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى
أموالكم تسع هذا، قال: فقال عبد الله: أرأيت إن كانت ألفي
ألف ومائتي ألف? قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن
شيء منه فاستعينوا بي، وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين
ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قال:
من كان له على الزبير شيء فليوافنا على الغابة. قال: فأتاه
عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف؛ قال
لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا قال: إن
شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم؛ قال عبد الله: لا،
قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: من ههنا إلى ههنا،
قال: فباع عبد الله منها فقضى دينه وأوفاه، وبقي منها
أربعة أسهم ونصف قال: فقدم على معاوية, وعنده عمر بن عثمان
والمنذر بن الزبير وابن ربيعة, قال: فقال له معاوية: كم
قومت الغابة? قال: كل سهم بمائة ألف، قال: كم بقي منه?
قال: أربعة أسهم ونصف، قال المنذر بن الزبير: أخذت منها
سهما بمائة ألف، وقال عمر بن عثمان: أخذت منها سهما بمائة
ألف؛ وقال ابن ربيعة: أخذت منها سهما بمائة ألف, فقال
معاوية: كم بقي؟ قال: سهم ونصف، قال: قد أخذته بخمسين
ومائة ألف، قال: فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو
الزبير: اقسم بيننا، قال: لا والله، ثم ذكر معنى ما تقدم.
أخرجهما البخاري, وذكر القلعي أن تركته بعد قضاء دينه سبعة
وخمسون ألف ألف وستمائة ألف.
وعن عروة بن الزبير أن الزبير أوصى بثلث ماله ولم يدع
دينارا ولا درهما. أخرجه البغوي في معجمه.
(4/290)
الفصل العاشر: في
ذكر ولده
وكان له عشرون ولدًا، أحد عشر ذكرًا وتسع إناث.
ذكر الذكور:
عبد الله، وكان يكنى أبا بكر، ويكنى أيضًا أبا خبيب بابنه
خبيب.
عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: أول مولود ولد في الإسلام
عبد الله بن الزبير، أتوا به النبي -صلى الله عليه وسلم-
فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- تمرة فلاكها ثم أدخلها في
فيه, فأول ما دخل بطنه ريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وعن فاطمة بنت المنذر وهشام بن عروة بن الزبير قالا: خرجت
أسماء بنت أبي بكر حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير
فقدمت قباء فنفست عبد الله بقباء، ثم خرجت حتى أتت به رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ليحنكه, فأخذه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- منها فوضعه في حجره، قالا: قالت عائشة:
فمكثنا ساعة نلتمسها -يعني تمرة- قبل أن نجدها، فمضغها1 ثم
بصقها في فيه؛ فإن أول شيء دخل بطنه ريق رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قالت أسماء: ثم مسحه وصلى2 عليه، وسماه
عبد الله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمانٍ ليبايع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وأمره بذلك الزبير, فتبسم
__________
1 وهذا هو التحنيك.
2 المراد: دعا له بالبركة.
(4/291)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآه
مقبلًا، ثم بايعه. أخرجهما البخاري.
وقال أبو عمر: كناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكنية
جده أبي أمه، وسماه باسمه ودعا له، وبارك عليه، وشهد1
الجمل مع أبيه وخالته، وكان فصيحًا ذا أنفة، أطلس، لا لحية
له، ولا شعر في وجهه، وكان كثير الصوم والصلاة, شديد
البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات, وبويع له بالخلافة
سنة أربع وستين، وقتل سنة خمس وستين بعد موت معاوية بن
يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق
وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج؛ وذكر صاحب الصفوة في صفته
أنه كان إذا صلى كأنه عود من الخشوع. قال مجاهد: وكان إذا
سجد يطول حتى تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذما,
قاله يحيى بن ثابت.
"شرح" الجذم: أصل الشيء، والجذمة: القطعة من الجبل ونحوه.
وقال ابن المنكدر: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة,
تصفقه الريح.
وعن عمر بن قيس عن أمه قالت: دخلت على ابن الزبير بيته وهو
يصلي فسقطت حية من السقف على ابنه، ثم تطوقت على بطنه وهو
نائم فصاح أهل البيت، ولم يزالوا بها حتى قتلوها، وابن
الزبير يصلي ما التفت ولا عجل، ثم فرغ بعدما قتلت الحية
فقال: ما بالكم? فقالت زوجته: رحمك الله أرأيت إن كنا
هُنَّا عليك, يهون عليك ابنك?!
وعن محمد بن حميد قال: كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهر
أجمع
__________
1 وقعة الجمل المشهورة في التاريخ بين طلحة والزبير ومن
كان معهما، وبين علي -كرم الله وجهه.
(4/292)
ليلة قائمًا حتى يصبح، وليلة راكعًا حتى
يصبح، وليلة ساجدًا حتى يصبح.
وعن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يومًا ركعة,
فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه.
وعن محمد بن الضحاك وعبد الملك بن عبد العزيز: كان ابن
الزبير يصوم يوم الجمعة، فلا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى،
ويصوم بالمدينة فلا يفطر إلا بمكة، ويصوم بمكة فلا يفطر
إلا في المدينة, وأول ما يفطر عليه لبن لقحه بسمن بقر.
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان ابن الزبير صواما بالنهار
قواما بالليل, وكان يسمى خادم المسجد.
وعن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام.
وعن وهب بن كيسان قال: ما رأيت ابن الزبير يعطي كلمة قط
-لرغبة ولا لرهبة- سلطانا ولا غيره. أخرجه أبو معاوية
الضرير.
وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي
-صلى الله عليه وسلم- وإذا عبد الله بن الزبير معه طشت
يشرب ما فيه, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما شأنك
يابن أخي?" قال: إني أحببت أن يكون من دم رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- في جوفي، فقال: "ويل لك من الناس، وويل
للناس منك، لا تمسك النار؛ إلا قسم اليمين" أخرجه ابن
الغطريف.
وعن عروة قال: عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد
النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد أبي بكر, وكان أبر الناس
بها. أخرجه البخاري.
وعنه, وعن وهب بن كيسان قال أهل الشام يعيرون الزبير،
يقولون: يابن ذات النطاقين، فقالت أسماء: يا بني، يعيرونك
بالنطاقين!! هل تدري ما النطاقين? إنما كان نطاقي شققته
نصفين فأكيت قربة رسول الله
(4/293)
-صلى الله عليه وسلم- بأحدهما وجعلت في
سفرته آخر. قال: وكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول:
إيها والإله؛ تلك شكاة ظاهر عنك عارها. أخرجه البخاري.
قال الدارقطني: روى عبد الله عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن أبيه الزبير، وروى
عنه أخوه عروة وبنوه، والجم الغفير.
ذكر مقتله:
قتل في أيام عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين، وعمره
ثلاث وسبعون سنة, صلب بعد قتله بمكة وبدأ الحجاج في حصاره
من أول ذي الحجة، وحج الحجاج بالناس ذلك العام، ووقف بعرفة
وعليه درع، ولم يطوفوا بالبيت في تلك الحجة، وحاصروه ستة
أشهر وسبعة عشر يومًا.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما كان قبل قتل ابن الزبير
بعشرة أيام, دخل على أمه أسماء وهي شاكية فقال لها: كيف
تجدينك يا أماه? قالت: ما أجدني إلا شاكية؛ فقال لها: إن
هم الموت راحة؛ فقالت: لعلك تمنيته لي! ما أحب أن أموت حتى
تأتي على أحد طرفيك إما قتلت فأحتسبك, وإما ظفرت بعدوك
فقرت عيني، وقال عروة: فالتفت إلى عبد الله وضحك قال: فلما
كان في اليوم الذي قتل فيه، دخل عليها في المسجد، فقالت:
يا بني لا تقبل منهم خطة تخاف منها على نفسك الذل مخافة
القتل؛ فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة،
فأتاه رجل من قريش فقال: ألا نفتح لك الكعبة فتدخلها؟ فقال
عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من حتفه، والله لو
وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وهل حرمة المسجد إلا
كحرمة البيت? قال: ثم شد عليه أصحاب الحجاج؛ فقال: أين أهل
مصر? فقالوا: هم هؤلاء
(4/294)
من هذا الباب -لأحد أبواب المسجد- فقال
لأصحابه: اكسروا غماد سيوفكم ولا تميلوا عني؛ قال: فأقبل
الرعيل الأول، فحمل عليهم وحملوا معه وكان يضرب بسيفين
فلحق رجلا فضربه فقطع يده، وانهزموا وجعل يضربهم حتى
أخرجهم من باب المسجد. قال: ثم دخل عليه أهل حمص، فشد
عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، ثم دخل عليه
أهل الأردن من باب آخر، فقال: من هؤلاء? فقيل: من أهل
الأردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف؛
قال: فأقبل عليه حجر من ناحية الصف، فوقع بين عينيه، فنكس
رأسه، قال: ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه, حتى قتلوه
ومواليه جميعا.
ولما قتل كبر عليه أهل الشام، فقال عبد الله بن عمر:
المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل, وقال
يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعدما قتل عبد الله بن الزبير
بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب؛ فجاءت أمه -امرأة عجوز كبيرة
طويلة مكفوفة البصر- تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا
الراكب أن ينزل? فقال لها الحجاج: المنافق? قالت: والله ما
كان منافقا، ولكنه كان صواما قواما، فقال: انصرفي، فإنك
عجوز قد خرفت, قالت: لا, والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يخرج من ثقيف كذاب
ومبير" أما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت المبير.
قال أبو عمر: الكذاب فيما يقولون: المختار بن عبيد الثقفي.
وعن ابن أبي مليكة قال: لما نزل عبد الله دعت أسماء بمركن؛
وأمرتني بغسله فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا
نغسل العضو ونضعه في الأكفان ثم نتناول الذي يليه فنغسله
ونضعه في أكفانه، حتى فرغنا منه؛ ثم قامت فصلت عليه، وكانت
تقول قبل ذلك: اللهم لا
(4/295)
تمتني حتى تقر عيني بجثته, فما أتت عليها
جمعة حتى ماتت. أخرج ذلك كله أبو عمر.
وعن ابن نوفل معاوية بن مسلم بن أبي عقرب قال: رأيت عبد
الله بن الزبير على عقبة مكة قال: فجعلت قريش تمر عليه
الناس، حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه، فقال:
السلام عليك أبا خبيب -ثلاثا- أما والله لقد كنت أنهاك عن
هذا، والله إن كنت -ما علمت- صواما قواما وصولا للرحم. ثم
نفد عبد الله بن عمر فبلغ ذلك الحجاج فأرسل إليه فأنزل عن
جذعه، فألقي في قبور الشهود. ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت
أبي بكر، فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول: إما أن تأتيني
أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت وقالت: والله
لا آتينك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال: فقالت:
أروني سبتيتي، فأخذ نعليه، ثم انطلق حتى دخل عليها فقال:
كيف رأيتني صنعت بعدو الله? قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه
وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يابن ذات النطاقين،
أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة
الذي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا, فأما الكذاب
فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا أياه, قال: فقام عنها
ولم يراجعها. أخرجه مسلم.
وعن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فمر على ابن الزبير، فوقف
عليه فقال: رحمك الله، فإنك كنت صواما وصولا للرحم؛ وإني
أرجو أن لا يعذبك الله -عز وجل.
قال الواقدي: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة
اثنتين وسبعين ستة أشهر وسبع عشرة ليلة؛ ونصب الحجاج عليه
المنجنيق، وألح عليه بالقتال من كل جهة، وحبس عنهم المير،
وحصرهم أشد
(4/296)
الحصار فقامت أسماء يوما فصلت ودعت فقالت:
اللهم لا تخيب عبد الله بن الزبير، اللهم ارحم ذلك السجود
والنحيب والظمأ في تلك الهواجر. وقتل يوم الثلاث لست عشرة
ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين
وسبعين سنة. أخرجه صاحب الصفوة.
عودة إلى ولد الزبير: "والمنذر بن الزبير" وكان يكنى أبا
عثمان، وكان سيدا حليما؛ قتل مع عبد الله بمكة قتله أهل
الشام، ويقال: إنه قتل وله أربعون سنة، وله عقب، وعروة كان
فقيها فاضلا يكنى أبا عبد الله وأصابته الأكلة في رجله
بالشام فقطعت رجله وعاش بعد ذلك ثماني سنين؛ توفي في ضيعة
له بقرب المدينة وله عقب, وهو أحد الفقهاء السبعة
المدنيين، وكان حين قتل عثمان بن عفان غلاما لم يبلغ
الحلم؛ قال الدارقطني: وروى عن أبيه الزبير، وأمه أسماء،
وخالته عائشة، وأخيه عبد الله، وروى عن عبد الله بن عمر
وعبد الله بن عمرو، وحكيم بن حزام وعبد الله بن عباس،
وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وأبي حميد الساعدي،
وسفيان بن عبد الله الثقفي، وزيد بن ثابت, وغيرهم, وروى عن
عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف مرسلا. و"المهاجر" أمهم أسماء
بنت أبي بكر و"مصعب" كان يكنى أبا عبد الله وقيل: أبا
عيسى، وكان أجود العرب، وكان أسمح الناس كفا، وأحسنهم
وجها، كريما، شجاعا، جوادا، ممدحا وجمع بين أربع عقائل لم
يكن في زمانه أجمل منهن فيما يقال. روي عن عبد الملك بن
مروان أنه قال يوما لجلسائه: من أشجع العرب؟ قالوا: ابن
فلان شبيب فلان. فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع
بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة وأمة الحميد بنت عبد
الله بن عامر بن كريز وابنة زيان بن أنيف الكلبي سيد ضاحية
العرب, ذكره الدارقطني. وولاه أخوه عبد الله العراقين،
فسار إليه، وقام به خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف
ألف وأعطي الأمان فأبى، ومشى بسيفه حتى مات. ذلك مصعب بن
الزبير، وقتل مصعب
(4/297)
سنة اثنتين وسبعين. سار إليه عبد الملك بن
مروان من الشام وكاتب أصحابه فخذلهم عنه، فأسلموه ووجه
إليه أخاه محمد بن مروان في مقدمته، فلقيه مصعب فقاتله
فقتل مصعب وله عقب، وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد
بن ظبيان، وجاء برأسه إلى عبد الملك فخر عبد الملك ساجدا،
قتل وهو ابن خمس وأربعين سنة، وقيل: ست وأربعين، وقيل:
اثنتين وأربعين، وقيل: خمس وثلاثين, حكاه الدارقطني.
و"حمزة" قتل مع عبد الله بمكة, أمهما الرباب بنت أنيف بن
عبيد الكلبية و"عبيدة" له عقب و"جعفر" أمهما زينب بنت بشر
من بني قيس بن تغلب وكان عبيدة يشبه بأبيه, وشهد جعفر مع
أخيه حروبه واستعمله على المدينة وقاتل يوم قتل أخوه قتالا
شديدا, حتى جمد الدم على سيفه في يده، وله شعر كثير في كل
فن وروى عن أبيه. و"عمر" وكان يكنى أبا الزبير، وكان له
قدر كبير, وكان من أجمل أهل زمانه وقتل أيضًا وله عقب.
و"خالد" له عقب أيضًا, وكان استعمله أخوه عبد الله على
اليمن, أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص.
ذكر الإناث:
"خديجة الكبرى" وأم الحسن و"عائشة" أمهن أسماء, و"حبيبة"
و"سودة" و"هند" أمهن أم خالد و"رملة" أمها الرباب و"زينب"
أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وإخوتها لأمها محمد
وإبراهيم وحميد وإسماعيل بنو عبد الرحمن بن عوف. و"خديجة
الصغرى" أمها الجلال بنت قيس من بني أسد بن خزيمة وأخواها
لأمها الزبير بن مطيع بن الأسود وعبد الرحمن بن الأسود بن
أبي البختري بن هشام بن أسد بن عبد العزى بن قصي, ذكره
الدارقطني. فأما خديجة الكبرى فتزوجها عبد الله بن أبي
ربيعة بن المغيرة المخزومي ثم خلف عليها جبير بن مطعم, ثم
خلف عليها السائب بن أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد
العزى. وأما أم الحسن فتزوجها عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام, فولدت له أولادا ذكورًا وإناثًا.
(4/298)
وأما عائشة بنت الزبير فتزوجها الوليد بن
عثمان بن عفان فولدت له عبد الله بن الوليد. وأما حبيبة
فتزوجها يعلى بن أمية السهمي, ثم خلف عليها عبد الله بن
عباس بن علقمة من بني عامر بن لؤي. وأما سودة فتزوجها
الأشدق عمرو بن سعيد بن العاص, ثم خلف عليها عبد الرحمن بن
الأسود بن البختري. وأما هند فتزوجها عبد الملك بن عبد
الله بن عامر بن كريز فولدت له رجلين وهلكا, ثم خلف عليها
عباس بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب فولدت له عون بن
العباس. وأما رملة فتزوجها عثمان بن عبد الله بن حكيم بن
حزام فولدت له, ثم خلف عليها خالد بن زيد بن معاوية بن أبي
معاوية. وأما زينب فتزوجها عتبة بن أبي سفيان بن حرب فولدت
له أولادا. وأما خديجة الصغرى فتزوجها أبو يسار عمر بن عبد
الرحمن بن عبد الله بن شيبة بن ربيعة، فولدت له الزبير
ومصعبا ابني أبي يسار, وليس لبنات الزبير رواية. ذكر ذلك
الدارقطني، وذكر منهن "حفصة" قال: وماتت بعد أبيها ولم
تتزوج.
(4/299)
|