الطبقات الكبرى متمم التابعين، محققاً

مقدمة

الطبقات الكبرى لابن سعد تحقيق زياد بن منصور
تقديم بقلم فضيلة الدكتور عبد الله بن عبد الله الزّايد
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة.
الحمد لله الموفق لكل خير، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصبحه ومن تبع سُنته إلى يوم الدين.
وبعد: فإن إحياء التراث القديم من أولى ما ينبغي السعي إليه والاهتمام به، لأمور يدركها الباحثون وذوو التخصص.
وإن كتاب الطبقات الكبرى للإمام محمد بن سعد كاتب الواقدي هو من هذا الثرات القديم الأم، وقد سبق المستشرقون إلى طباعته منذ أكثر من مائة عام، ثم طبع في بيروت -مرتين- ومصر عن تلك الطبعة.
وجاءت مطبوعة المستشرقين ناقصة من مواضع متعددة، ولم يوفقوا آنذاك لاستكمال الكتاب وسد ثغراته، لنقص في النسخ الخطية التي اتمدوها، وقد نبهوا إلى وجود هذه الثغرات والأسقاط -وهي متعددة قي ثنايا الكتاب-. ومع ذلك فإن كثيراً من الناس كان مغتراً بنسختهم زاعماً أنه عمل استشراقي لا يدخله خلل!!.
وقد وجد المحدَّثون والمؤرخون بغيتهم في هذا الكتاب من قديم الزمن ثم طبع الكتاب فتداوله المحدَثون والباحثون ووجدوا فيه ضالتهم، لغزارة مادته، وترتيبها وحسن عرضها وتوثيقها بالرواية والإسناد.

(1/5)


وإن كتاباً. بهذه المثابة لجدير بالاهتمام كل الاهتمام: طباعة محققة تحقيقاً علمياً دقيقاً، وفنياً أنيقاً. بأقلام مسلمة أمينة خبيرة، مع السعي الجّاد الحثيث وراء بقاياه وتتماته، ليكون الكتاب ماثلاً بين أيدي ورّاده كما صنفه مؤلفه وأرداه له.
وإن من نعم الله تعالى علينا أن وفقنا لسد قسم من هذه الأسقاط والثغرات، بنشر هذه القطعة التي تتم الجزء الخامس من الطبعة البيروتية، من آخر ترجمة عمر بن عبد العزيز فما بعدها، وهو هذا الجزء النفيس الذي نقدمه للقراء اليوم، ضمن سلسلة مطبوعتنا التي صدر منها:
1- (الإيمان) لابن منده، بتحقيق فضيلة الدكتور علي ناصر الفقيهي.
2- (منتخب كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) لمحمد بن الحسن بن زبالة، تحقيق فضيلة الدكتور أكرم ضياء العمري. وكلاهما طبع بمطبعة الجامعة الإسلامية.
3- أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، مع تحقيق كتابه (أسامي الضعفاء) و (وأجوبته عن أسئلة البزدعي) لفضيلة الدكتور سعدي مهدي الهاشمي.
4- (البيهقي وموقفه من الإلهيات) لفضيلة الدكتور أحمد عطية الغامدي.
5- (مرويات غزوة بني المصطلق) لأستاذ الشيخ إبراهيم القريبي. وكتابنا هذا هو الحلقة السادسة من هذه السلسة.
والكتاب السابع فيها هو (سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني) تحقيق الأستاذ الشيخ محمد علي قاسم العمري.
يرى القارئ لهذا القسم الذي نقدمه من طبقات ابن سعد أنه فوت كبير من الطبقات السابقة، فقد حوى سبع ترجمات وأربعمائة ترجمة، هي تراجم

(1/6)


لخيرة رجالات المدينة المنوّرة من كبار التابعين وصغارهم، لعل أقدمهم وفاة هو عبد الرحمن بن مسور (90هـ) وآخرهم وفاة هو شعيب بن طلحة (174أو 175هـ) .
ويجد فيه من تراجم الأئمة: ترجمة ابن شهاب الزهري –وهي أطول ترجمة فيه- وابن أبي ذئب، وربيعة الرأي.
ومن تراجم العُبّاد الصالحين: تراجم الأخوة الثلاثة النجوم الزواهر من آل المنكدر محمد وعمر وأبي بكر، وغيرهم كثير.
ومن تراجم الأشراف: ترجمة عبد الله بن حسن وولديه محمد النفس الزكية، وإبراهيم، ووقائعهم مع بني العباس مشهورة.
وفيه من التراجم النادرة التي لم يقف المحقق على ذكر لصاحبها في موضع آخر: ترجمة قُرين بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي وداعة، وأبوه المطلب هو الذي زوجّه سعيد بن المسيب، ابنته، في قصة مشهورة له، فأنجبا هذا الرجل (قرين) .
فهو -إذاً- جزء تتجلى أهميته من حيث أنه متمم لكتاب أصيل في بابه ومادته، ومن حيث احتواؤه لتراجم عدد كبير من رجالات أعظم مركز إسلامي علماً وحضارة في تلك الفترة.
ولذلك كان إخراجه لزاماً على عارفيه، وقد جعل الله تعالى لجامعتنا قصب السبق لذلك، والحمد لله. كما كان من توفيق الله عز وجل أن هيأ لتحقيقه شاباً جلداً نفاذاً من مشكلاته، دؤوباً على العمل والتحقيق، فقدم في أوله ترجمة للمؤلف، ودراسة عن هذا القسم خاصة، وفكرة موجز عن الطبعات السابقة.
ثم قدم للقراء نص الكتاب نصاً سليماً بالرغم من أن نسخته وحيدة غير متعددة، وحققه وضبط أعلامه وشرح غريبه، وخرج أحاديثه وتتبع حال المترجم عند أئمة الجرح ونقل أقوالهم في موافقة ابن سعد أو مخالفته عندما يتكلم عن

(1/7)


من بادر إلى نشره، طائفة من المستشرقين، غير أنهم لم يعطوا المؤلف حقه في الترجمة، ولا الكتاب حقه في التحقيق. وعلى هذه الصورة طبع الكتاب في (ليدن) ولكن يبقى لهم فضل السبق في نشره على ضخامة حجمه. وقد فقدت صفحات كثيرة من تابعي أهل المدينة، في المجلد الخامس من الكتاب. لفت نظري وأرشدني إلى هذا السقط –مشكوراً- (الدكتور أكرم ضياء العمري) فوقفت على قطعة الساقطة، وحددت بدايتها ونهايتها، ورغبت في تحقيقها لأمور منها:
1- أنها تكمل كتاباً هاماً اعتمده أصحاب المغازي والسير، والمؤرخون والنسابون وأئمة الجرح والتعديل.
2- أنها من أقدم وأوفى ما كتب في التاريخ الثقافي للمدينة المنورة في القرنين الأولين من الهجرة، وقد فقدت المؤلفات المبكرة التي تناولت التاريخ الثقافي للمدينة، مما يجعل لهذه القطعة أهمية خاصة.
ولما شرعتُ بتحقيق واجهتني بعض الصعوبات التي أمكنني التغلب على بعضها، وهي:
1- كون النسخة الفريدة. إذ كانت الصعوبة تمكن في مقابلة النصوص بالكتب اللاحقة.
2- طول النسخة الخطية، البالغة اثنتين وثلاثين ومائتي صفحة.
3- وجود أسماء مبهمة لبعض الأعلام، الذين لا يمكن تمييزهم إلا بعد تعب ودقة فحص، وإمعان نظر. فالمؤلف يذكر مثلاً، أبا سلمة الذي يروي جعفر بن سليمان، وعنه أحمد ابن أبي إسحاق العبدي، والمُكَنَّوْن بأبي سلمة كثيرون، فلم أستطيع تمييزه لو لم يصرح أبو نعيم باسمه في الحلية.
4- وقد ترد بعض الأسماء المختصرة، التي تتعب الباحث في معرفة الاسم الكامل للحصول على المعلومات المتعلقة به والتي يحتاجها الباحث. فصاحب الترجمة 161 (محمد بن حلحلة الدَّيلي) بحثت عنه في الكتب

(1/8)


المختلفة، فلم أعثر على ترجمته، وبعد مُضِيّ فترة، وجدته في أحد الكتب وأنا أبحث عن راوٍ آخر، فوقع نظري على كلمة (حلحلة) فتذكرت صاحبي الذي كنت أبحث عنه، وإذ هو (محمد بن عمرو بن حلحلة) .
5- وجود عدد لا بأس به من أصحاب التراجم في هذه القطعة لم أعثر على تراجمهم في الكتب الأخرى.
ولا يسعني في خاتمة هذا التقديم إلا التوجه بفائق الاحترام والتقدير، للرعاية الأبوية والعناية العلمية، اللتين حباني بهما فضيلة الدكتور (أكرم ضياء العمري) طيلة فترة إشرافه على هذه الرسالة.
وأتقدم بجزيل الشكري، للأستاذين الفاضلين: الدكتور (السيد محمد الحكيم) ، والشيخ (حماد الأنصاري، تقديراً للجهد الذي بذلاه في إعدادي خلال السنة التحضيرية.
ولا يفوتني التنزيه بفضل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة علَّي، حيث أحاطتني بالرعاية خلال مراحلة الدراسة، وتولت نشر رسالتي هذه، التي تقدمت بها لنيل مرتبة الماجستير من قسم الدراسات العليا فيها. وفق الله القائمين عليها لما يحبه ويرضاه.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

(1/9)


الرجل جرحاً وتعديلاً، أو في الزيادة عليه حينما يقتصر ابن سعد على قوله (قليل الحديث) أو (كثير الحديث) مثلاً ولا يقول: ثقة، أ, ضعيف. فيبين محققه حال الرجل من هذه الجهة، كل ذلك لييسر للقارئ الاستفادة من الكتب، وليزيده منها.
جزاه الله خيراً وأثابه على ما بذل من جهد وعناء.
وختاماً: نحمد الله الكريم على أفضاله علينا، ثم نزجي شكرنا لجلالة الملك خالد وسمو ولي العهد على سعيهما قدماً بالجامعة الإسلامية لتكون في مقدمة زميلاتها من جامعات المملكة، في ميدان العلوم الإسلامية والعربية والإعلامية، زادهما الله توفيقاً لكل خير.
والحمد لله رب العالمين ...

(1/11)


بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن من فضل الله على الأمة الإسلامية خاصة، وعلى الناس عامة، أن حفظ لهم هذا الدين. وذلك بحفظ الكتاب والسنة، وتسخير العلماء لخدمتهما عبر عصور طويلة.
ولما كانت السنة النبوية هي المصدر التشريعي الثاني بعد كتاب الله، إذ جاءت مفصلة لمجمله، وموضحة لمشكله، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه لذلك عظمت منزلتها، فهي المصدر الثاني للتشريع، ولا يمكن فهم الإسلام بدونها.
ومن هذا المنطلق سار موكب العلماء، للحفاظ على دينهم القويم، ونزلوا في معترك العمل الدائب، لتمحيص الروايات التي تصلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة، وفتاوى الفقهاء، والروايات التاريخية ... الخ.
وكان جلُّ اهتمامهم منصباً على دراسة الحديث في نقله بالأسانيد، وهي مزية للأمة الإسلامية لم تعرفها الأمم الأخرى، فأمعنوا النظر في هذه الأسانيد، وقوّموا رجالها لتمييز صحيح الحديث من سقيمه، ومنقطعه من موصوله، فنشأت

(1/12)


علوم الحديث المختلفة، منها ما يتعلق بهذه الأسانيد، كعلم الطبقات والجرح والتعديل والكنى والألقاب وغيرها، ومنها ما يتعلق بدراسة المتون. والمهم في دراستي علم الطبقات وعلم الجرح والتعديل، اللذان استقلا بمصنفات خاصة، ونبغ فيهما نقاد أفذاذ تكلموا في الرواة وأحوالهم، وحكموا على كل راوٍ بالحكم الذي يستحقه، أمثال: يحي القطان، وابن معين، وابن المديني، وابن حنبل، وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين، والبخاري مسلم وغيرهم من النقاد الأوائل. وكان من بين هؤلاء النقاد المتقدمين، محمد بن سعد مؤلف (الطبقات الكبرى) أهم كتب الطبقات المبكرة، وقد استعمل فيه ألفاظ الجرح والتعديل عند إرادته الحكم على الرجل. فاشتمل على مادة جيدة في علم الجرح والتعديل، واعتبر السخاويّ كلام ابن سعد في نقد الرجال كلاماً جيداً مقبولاً1. إلاَّ أن المعلومات المتعلقة بمادَتْيَ النسب، والتاريخ الثقافي والحضاري، طغت لسعتها وغزارتها على مادة الجرح والتعديل، فاشتهر الكتاب في أوساط المؤرخين أكثر من المحدثين.
ويعتبر كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد من أقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات، لأن كتب التي دونت قبله على نظام الطبقات مازالت مفقودة2.
كما تظهر أهمية الكتاب في تنوع مادته، وفي دقة المؤلف بذكر الأسانيد –وفق منهج المحدثين- للروايات الحديثية، والتأريخية، وحتى الأخبار المتعلقة بالأوصاف الشخصية.
ولعل أهمية تكمن أيضاً في حسن اختيار المؤلف لمعلوماته المتنوعة من مصادرها المتخصصة، بأمانة علمية متناهية.
ومع هذا كله فلم يحظ الكتاب بالعناية العلمية التي يستحقها. فكان أول
__________
1 انظر: الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ 342.
2 انظر: بحوث في تاريخ السنة المشرفة للدكتور / أكرم ضياء العمري 75-76.

(1/13)


المقَدّمَة
تشتمل على:
أولاً- حياة المؤلف؛ ودراسة تحليلية لهذا القسم الساقط من كتاب (الطبقات الكبرى) من تابعي أهل المدينة
ثانيا- دراسة الكتاب
أولاً حياة المؤلّف
أولاً حياة المؤلّف
إسمه ونسبه:
هو محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بابن سعد1، وبكاتب الواقدي، لكونه لازم شيخه محمد بن عمر الواقدي زمناً طويلاً، وكتب له2.
وقد ظهر بين المصادر خلاف في نسبه، فورد في بعضها أن ولاءه لبني هاشم3، حيث كان مولَّى للحسين بْنُ عَبْدِ اللَّهِ4 بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ العباس5، أو أن أحد أجداده مولى الحسين6، وذكرت بعض المصادر أنه زُهريّ
__________
1 انظر هدية العارفين 2/11.
2 انظر: تاريخ بغداد 5/321. ووفيات الأعيان ى4/351. والأعلام للزركلي 7/6. والرسالة المستطرفة 138.
3 انظر: تاريخ بغداد 5/321. وتهذيب الكمال للمزّي 6/600. وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/425. وتذهيب التهذيب له3/206أ. والوافي بالوفيات الصفدي 3/88. وتهذيب التهذيب لابن حجر 9/182. والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/258. والرسالة المستطرفة 138.
4 ستأتي ترجمته رقم133.
5 انظر: طبقات ابن سعد 7/364. وتاريخ بغداد 5/351.
6 انظر: المغازي الأولى ومؤلفوها لهورفتس 126. ومقدمة طبقات ابن سعد –دار صادر- لإحسان عباس 1/6.

(1/17)


الولاء1. كما جردته مصادر أخرى من عهدة الولاء على أنه زُهري النسب2 وعندما وُصف بصفة الولاء للحسين بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ العباسي الهاشمي، فإن ذلك لا يعني أنه هو نفسه كان مولًى له، وإنما جده، وربما أبوه أيضاً3. لأن حسين بن عبد الله توفي سنة أربعين ومائة، أو إحدى وأربعين ومائة4أو إحدى وأربعين ومائة5. وكان مولد محمد بن سعد سنة ثمان وستين ومائة6 -أي بعد وفاة الحسين بن عبد الله ابن عبد الله العباسي بسبع وعشرين سنة- وبالإضافة إلى أن الحسين بن عبد الله لم يكن له ولد غير عبد الله الذي مات ولم يعقب، فورثته زوجته أُمَّ عِيسَى بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن العباس7. ومن ذلك يتضح أن هذا الفرع الهاشمي الذي كان ابن سعد ينتمي بالولاء إليه قد انقرض، ولعله قد انتسب هو أو أبوه قبله إلى بني زُهرة من قريش8.
وعلى العموم فإن هذا الخلاف الذي أوردته المصادر حول نسبه لا يهمنا كثيرا بقدر ما تهمنا تلك المعلومات التي تعطينا صورة واضحة عن حياة ابن سعد، فلم نجد مصدراًً من المصادر الكثيرة التي ترجمت له يعطينا معلومات غزيرة نستطيع من خلالها إبراز حياة المؤلف إبرازا يتناسب مع سعة علمه.
والحق أن هذه الملاحظة تنطيق أيضاً على الكثيرين من المؤلفين المعاصرين له أو القريبين من عصره 9.
__________
1 انظر: الأعلام للزركلي 7/6. ومعجم المؤلفين 10/21.
2 انظر: وفيات الأعيان 4/351. وكشف الظنون 2/1099. وهدية العارفين 2/11. وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/19. وتاريخ الثرات لسزكين 1/480.
3 انظر: المغازي الأولى ومؤلفوها 126.
4 انظر: الترجمة 133.
5 انظر: تقريب التهذيب 298. والأعلام للزركلي 7/6. وتاريخ التراث لسزكين 1/480.
6 انظر: الترجمة 133.
7 انظر: المغازي الأولى ومؤلفوها لهورفتس 126.
8 من لمسات المشرق.
9 من لمسات المشرق.

(1/18)


ولادته:
لقد أجمعت المصادر التي ذكرت ولادته أنها كانت في البصرة سنة ثمان وستين ومائة من الهجرة1، لكن بعض المصادر ترجمته سكتت عن تاريخ ولادته2.
نشأته ورحلاته العلمية:
ولد ابن سعد ونشأ في البصرة، التي كانت مركزاً علمياً هاماً في ذلك العصر وقد ازدانت بعدد كبير من العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء، فشًبَّ في تلك البيئة العلمية، وأفاد من علماء عصره، فسمع من الكثرين منهم.
ثم قدم بغداد وسكن فيها ملازماً لشيخه محمد بن عمر الواقدي (ت 207هـ) ، يكتب له مدة طويلة من الزمن فعُرف به3.
كما قدم الكوفة سعياً في طلب العلم4.
وكانت له رحلة إلى المدينة المنورة، وأخرى إلى مكة، غير أن الترتيب الزمني لهذه الرحلات كان غامضاً، فلم أقف على دراسة بحثت رحلاته العلمية
__________
1 انظر: تاريخ بغداد 5/322. والأنساب للسنعاني 470. ووفيات الأعيان 4/352. وتهذيب الكمال للمزي 6/600. والعبر للذهبي 1/407. وتذكرة الحفاظ 2/425. وتقريب التهذيب 298. وشذرات الذهب 2/69.
2 انظر: الجرح والتعديل 3/2/262. والكامل في التاريخ لابن الأثير 7/18. وكشف الظنون 2/1099. وطبقات الحفاظ للسيوطي 183.
3 انظر: ص 17 تعليق 2 من هذه المقدمة.
4 انظر: مقدمة ساخاو لطبقات ابن سعد 3/25 (طبعة دار التحرير) . ومقدمة إحسان عباس للطبقات 1/6 (تصوير بيروت) .

(1/19)


بحثاً تفصيليا إلاَّ ما ذكره كل من ساخاو وإحسان عباس، أن، رحلته إلى المدينة كانت قبل سنة مائتين من الهجرة، إذ أن بعض شيوخه المدنين أدركتهم المنيَّة قبل بداية القرن الثالث، فمعن بن عيسى مثلاً توفي سنة ثمان وتسعين ومائة1.
أما طبيعة تنقله بين المدن الخمس-البصرة، وبغداد، والكوفة والمدينة المنورة ومكة المكرمة-من حيث التسلسل الزمني، فمازالت مبهمة ولإيضاح لا بد ذلك من دراسة شاملة لشيوخ المؤلف، والوقوف على تواريخ وفياتهم لضبط أوقات حِلِّه وترحاله.
وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى الحركة العلمية التي شهدتها هذه المدن، لتتعرف على البيئة العلمية التي نشأ فيها ابن سعد، وعلى الأوساط الثقافية التي ارتحل إليها.
لقد شهدت مدن الحجاز والمدن الهامة في الأمصار الإسلامية الأخرى كالمدينة المنورة والكوفة والبصرة وبغداد ودمشق والفسطاط، حركة فكرية واسعة، شملت العلوم الإسلامية واللغوية، كما شملت العلوم والعقلية أيضاً، ومن الصعب الإحاطة بجوانب هذه الحركة في هذا التمهيد، لأن القصد التعريف بالأوساط الفكرية التي تأثر بها ابن سعد.
وفيما يلي عرض سريع لهذه الحركة في تلك المراكز:
1- الحركة العلمية في البصرة:
قبل أن نستعرض الحركة العلمية المعاصرة لابن سعد في البصرة لابد من الإشارة إلى النواة الأولى التي بدأت منها هذه الحركة بعد أنَّ مُصِر البلد2 و.
__________
1 انظر: المصدرين السابقين.
2 فتحت البصرة سنة أربع عشرة، على يد عتبة بن غزوان، أيام عمر بن الخطاب، والمشهور أنها مُصَّرت في نفس السنة. وقيل غير ذلك.
(انظر: طبقات ابن سعد 5/7. والكامل في التاريخ 2/485. ومعجم البلدان 1/430-4/490) .

(1/20)


فقد بعث عمر بن الخطاب عدداً من الصحابة إليها ليفقهوا أهلها من بينهم عمران بن الحصين (ت 52هـ) 1، وغيره. وكان ممن عُرف من الصحابة القائمين على هذه المدرسة أيضاً: أبو موسى الأشعري (ت بعد سنة 60هـ) 2 وعبد الله بن عباس (ت 68 هـ) 3 وأنس بن مالك (ت 93هـ) 4 وغيرهم من الصحابة الذين وفدوا إليها وأقاموا فيها5 ووضعوا البذور الأولى، التي كانت فيما بعد بدء انطلاقة قوية لحركة فكرية تمثلت بالدروس القرآنية أولاً، وبالحديث ثانياً، ثم بالأبحاث اللغوية ثالثاً6.
وهكذا تربى شباب البصرة على أيدي من تربوا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا غرابة إذن أن تنشط الحركة العلمية، وتنتقل دفتها إلى أيدي التابعين، أمثال الحسن البصري (ت 110هـ) 7، ومحمد بن سيرين (ت 110هـ) 8.
ثم تتابعت الأيام وتوالت السنون، وأشرف القرن الأول على النهاية وقد نضجت بذور المتكلمين، الذين لم يقتنعوا بالمنقول، واضطروا خضوعاً لموقفهم الفكري إلى التأويل9. وقد قال ابن قتيبة في حديثه عنهم: يقولون على الله ما لا يعلمون ويفتون الناس بما يأتون، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون
__________
1 انظر: طبقات ابن سعد 7/9.
2 واسم أبي موسى: عبد الله بن قيس. (انظر: الإصابة 2/360) .
3 المصدر السابق 2/334.
4 وكان أنس آخر من مات من الصحابة في البصرة. (انظر: طبقات ابن سعد 7/26) .
5 انظر: القائمة التي ذكرها ابن سعد في طبقاته 7/5-89 من الصحابة الذين نزلوا البصرة.
6 انظر: الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء لشارل بلات 121.
7 انظر: طبقات ابن سعد 7/177.
8 المصدر السابق 7/206.
9 انظر: حياة الأدبية في البصرة لأحمد زكي 153.

(1/21)


آراءهم في التأويل....الخ1. فكثرت الخصومات، وعُقدت المناظرات التي تغلغلت في الحياة العامة بين الناس. وتصدى المحدثون لهؤلاء المتكلمين، وضعفوا منهجهم في الاعتماد على الرأي. فكان ذلك من أسباب نشاط العلم والعلماء2. ويظهر هذا النشاط جلياً في النصف الأخير من القرن الثاني، حيث كثر التدوين، واهتم العلماء بالتأليف (كما يشير إلى ذلك السيوطي) فيما ينقله عن الذهبي: "منذ عام ثلاث وأربعين ومائة كثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية، والتاريخ وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة) 3.
فنبغ في البصرة عدد كبير من العلماء الذين اشتغلوا في مختلف العلوم. فقد اشتهر من القراء: يعقوب بن إسحاق الحضرمي (ت 205هـ) صاحب كتاب (الجامع) في القراءات، وكان عالماً بالنحو4.
ومن المفسرين: أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس (ت 215هـ) صاحب كتاب (لغات القرآن) 5.
ومن المحدثين: إسماعيل بن عُليَّة (ت 193هـ) ، صاحب كتابي (التفسير) و (الطهارة) وغيرهما6. وعفان بن مسلم (ت 220هـ) 7. وأبو الوليد الطيالسي (ت 227هـ) 8، والثلاثة من شيوخ ابن سعد.
__________
1 أنظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة 12 وما بعدها.
2 انظر: الجاحظ حياته وآثاره للحاجري 41. والحياة الأدبية في البصرة لأحمد زكي 156.
3 انظر: الحياةالأدبية في البصرة لأحمد زكي 146.
4 انظر: تاريخ التراث لسزكين 1/23.
5 انظر: طبقات المفسرين للداودي 1/179.
6 انظر: الفهرست لابن النديم 317.
7 انظر: طبقات ابن سعد 7/298.
8 واسم أبي الوليد: هشام بن عبد الملك. (انظر: المصدر السابق 7/300) .

(1/22)


ومن الفقهاء: عيسى بن أبان القاضي (ت 221هـ) صاحب كتاب (اجتهاد الرأي) 1. وإسماعيل بن عُليَّة، وشيخ ابن سعد، تقدم آنفاً.
ومن أصحاب السير والمغازي: عبد الملك بن هشام (ت 208 أو 213هـ) . صاحب السيرة، وكان مؤرخاً ونسابةً ونحوياً2.
ومن المؤرخين: سهل بن هارون البصري (ت 215هـ) سكن بغداد3.
ومن أئمة اللغة والنحو: الخليل بن أحمد (ت 170هـ) صاحب كتاب (العين) 4 وسيبويه عمرو بن عثمان (ت 183هـ) صاحب (الكتاب) في النحو5. والأخفش (ت 221هـ) صاحب الكتاب (الأوسط) في النحو، وغيره6.
وعلى هذا المحيط الحافل بالعلماء والمؤلفات، فتح ابن سعد عينيه، فارتوى من معينه، وتعلق بالعلم والمعرفة، مما دفع به إلى العواصم العلوم الأخرى وصاحبة الريادة فيه، كالكوفة، وبغداد، والمدينة، ومكة.
2ـ الحركة العلمية في الكوفة:
لم تكن الكوفة7 أقل أهمية من شقيقتها البصرة، في الدور الذي لعبته في النهضة العلمية عبر العصر العباسي الأول. فهذه توأم تلك، من حيث المجتمع
__________
1 انظر: فهرست 289. وتاريخ التراث لسزكين 2/75.
2 انظر: تاريخ التراث 1/475.
3 المصدر السابق.
4 انظر الفهرست 63-76-77. على الترتيب.
5 انظر الفهرست 63-76-77. على الترتيب.
6 انظر الفهرست 63-76-77. على الترتيب.
7 كان تمصيرها سنة سبع عشرة وقيل بعدها، في عهد عمر بن الخطاب. (انظر: معجم البلدان 4/490. وبلدان الخلافة الشرقية 101) .

(1/23)


البشري الذي نزلها، والأساس العلمي الذي قامت عليه. فنفس القبائل التي نزلت في الأولى نزلت في الثانية1، وعلى يدي خريجي مدرسة واحدة -مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم- بُني الأساس العلمي للبلدين، فكما أرسل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عدداً من الصحابة إلى البصرة لتعليم الناس أمور دينهم، أرسل عدداً آخر إلى الكوفة لنفس الغرض. كسعد بن أبي وقاص (ت 55هـ) 2وعبد الله بن مسعود (ت 32هـ) 3، والبراء بن عازب (ت 72هـ) 4 وغيرهم5 ممن علموا الناس القرآن والحديث، والفقه فنبغ على أيديهم عدد كبير من أئمة التابعين، من بينهم، سعيد بن جبير (ت 94هـ) 6، وإبراهيم النخعي (ت 96هـ) 7 وغيرهم. فكثر العلماء، في العصر الأموي، ونشط العلم الذي كانت نواته القرآن والحديث، واستنباط الأحكام الفقهية منهما8، اعتماداً على الجانب العقلي أكثر من الجانب النقلي، حتى عُرفت بمدرسة أهل الرأي، إضافة إلى شهرتها النحوية التي نافست بها مدرسة البصرة التي سبقتها إلى ذلك بمائة عام. وفي العصر العباسي نزلت بغداد إلى الميدان العلمي فاشتد التنافس بين الأمصار الثلاثة وكثرت المناظرات، والمفاخرات بين علماء الأمصار9، مما أدى إلى نهضة علمية واسعة النطاق، فأصاب الكوفة حظ وافر من هذه النهضة على أكتاف علمائها المشتغلين في ميادين القرآن والحديث والفقه، واللغة والنحو، وغيرها.
__________
1 انظر: الجاحظ حياته وآثاره للحاجري6 /13.
2 انظر: طبقات ابن سعد 6/13.
3 انظر: المصدر السابق 6/13.
4 انظر: المصدر السابق 6/13.
5.انظر: قائمة الصحابة الذين نزلوا الكوفة في المصدر السابق جـ/6.
6 المصدر السابق 6/256.
7 المصدر السابق 6/270.
8 انظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين 2/11.
9 انظر: ضحى الإسلام 2/78-284.

(1/24)


فمن أعلامها في القراءات: أبو بكر بن عياش (ت 193هـ) ، وكان من المحدثين1. وإسحاق بن محمد المسيبي (ت 206هـ) 2، وعنه محمد بن سعدان الضرير (ت 231هـ) 3، الذي أخذ ابن سعد القراءة عنه4.
وفي التفسير: محمد بن يوسف الفريابي (ت 212هـ) 5. وغيره.
وفي الحديث: وكيع بن الجراح: "ت 197هـ) صاحب (كتاب الزهد) و (المصنف) و (التفسير) وله كتب كثيرة في الحديث6. والفضل بن دكين (ت 219هـ) صاحب كتاب (التفسير) و (الصلاة) و (التاريخ) وغيرها7 وكلاهما من شيوخ ابن سعد.
وفي الفقه: الإمام أبو حنيفة النعمان (ت 150هـ) 8 وأبو يوسف القاضي (ت 182هـ) 9 ومحمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ) 10 وعلي بن الحسن بن الحسن بن زياد اللؤلؤي 204 صاحب الكتاب (أدب القاضي) 11 وغيره.
__________
1 انظر: طبقات ابن سعد 6/386. ومعرفة القراء للذهبي 1/110.
2 انظر: معرفة القراء للذهبي 1/121.
3 المصدر السابق 1/177.
4 انظر: غاية النهاية في طبقات القراء للجزري 2/142.
5 انظر: طبقات المفسرين للداودي 2/292.
6 انظر: طبقات للداودي 2/357.
7 انظر: المصدر السابق 2/29. وتاريخ التراث لسزكين 1/147.
8 انظر: المعارف لابن قتيبة 499.
9 انظر: تهذيب التهذيب 11/123.
10 انظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين 3/180. حيث يرسم جدولاً يرتب فيه طبقات الفقهاء من الكوفين.
11 انظر تاريخ التارث لسزكين 2/73.

(1/25)


وفي السيرة والمغازي: إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري (ت 188هـ) صاحب كتاب (السير في الأخبار) وكان قد قدم بغداد1. وسعيد بن يحي بن سعيد الأموي صاحب كتاب (المغازي) الذي سكن بغداد وتوفي بها سنة (249هـ) 2.
وفي التاريخ والنسب: لقيط المحاربي (ت 190هـ) 3، وهشام بن محمد ابن السائب الكلبي (ت 204 أو 206هـ) صاحب (النسب الكبير ـ الجمهرة) وله كتب كثيرة في الأخبار4.
أما اللغة والنحو: فقد ظهر فيهما أمثال علي بن حمزة الكسائي (ت 189هـ) صاحب كتاب (مختصر النحو) وغيره5. ويحي بن زياد الفراء (ت 207هـ) صاحب كتاب (معاني القرآن) و (اللغات) و (المذكر والمؤنث) وغيرها6.
ويتضح مما تقدم الدور الذي لعبته الكوفة، بنشاطها المشترك مع البصرة في النهضة العلمية التي أتت أكلها في بغداد أيام الرشيد (170-193هـ) والمأمون (198-218هـ) .
3- الحركة العلمية في بغداد:
بعد أن أتم المنصور (136-158هـ) بناء مدينة بغداد7، جمع إليه المترجمين، وعُني بترجمة الكتب إلى العربية8 وكان عهده قد أظل عدداً من العلماء الذين لم يألوا جهداً في الميدان العلمي والأدبي.
__________
1 المصدر السابق 1/467.
2 انظر: تذكرة الحفاظ 1/325. وتقريب التهذيب 127.
3 انظر: تاريخ التراث 430.
4 انظر: الفهرست لابن النديم 140، وتاريخ بغداد 14/45.
5 انظر: المصدرين السابقين 97 و11/413.
6 انظر: المصدرين السابقين 99 و14/419.
7 بدأ في بنائها سنة خمس وأربعين ومائة، وأئمة في السنة التالية (انظر: تاريخ الطبري 7/614، 650،وفتوح البلدان للبلاذري 2/361. تاريخ بغداد 1/66) .
8 انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 269.

(1/26)


فشهدت بغداد في عهد مؤسسها نشاطاً علمياً كان أساساً للنهضة العلمية التي شهدتها فيما بعد.
ولما صارت الخلافة إلى المهدي (158-169هـ) 1 لم تفقد الحركة العلمية نشاطها، إلاَّ أن اهتمامه الأكبر كان منصرفاً إلى النواحي المعمارية2، وتتبع الزنادقة3. وسار الهادي على سياسة أبيه في تتبع الزنادقة، ولم يُعمَّر في الخلافة طويلاً حتى أدركته المنيَّة بعد سنة وشهر من تولَّيه الخلافة4.
ولم يتجلّ النشاط في عهده بوضوح إلى أن جاء عهد الرشيد (170-193هـ) 5 فكثرت الفتوحات، وزادت العناية بترجمة الكتب التي عُثر عليها أثناء الحروب. كما أسس الرشيد بيت الحكمة، وزوده بالكتب المختلفة وأنشأ المدارس والمكتبات6، فبلغت بغداد درجة لم تصل إليها من قبل واحتضنت عدداً كبيراً من العلماء في مختلف العلوم.
فمن المفسرين: هُشيم بن بشير السلمي الوسطي (ت 183هـ) وكان محدثاً وفقهياً، وله من الكتب (القراءات) و (المغازي) و (السنن في الفقه) 7.
ومن المحدثين: هُشيم بن بشير الواسطي المتقدم. وإسماعيل بن عُليَّة البصري (ت 193هـ) المحدث الفقيه المفسر، صاحب كتاب (التفسير) و (الطهارة) و (الصلاة) و (المناسك) 8. وكلاهما من شيوخ ابن سعد.
__________
1 المصدر السابق 270.
2 انظر: التاريخ الإسلامي العالم لعلي إبراهيم حسن 362.
3 انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 271.
4 انظر: المعارف لابن قتيبة 380، وتاريخ الخلفاء 279.
5 انظر: المصدرين السابقين 381-283.
6 انظر: تاريخ الإسلام السياسي لحسن إبراهيم حسن 2/346، 348.
7 انظر الفهرست لابن النديم 318. وتاريخ التراث لسزكين 1/64.
8 انظر: الفهرست 317 تكرار العَلَم في الحركات العلمية المختلفة يدل على مساهمته في النشاط العلمي لتلك البلد التي يذكر فيها.

(1/27)


ومن الفقهاء: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي (ت 182هـ) صاحب كتاب (الخراج) وغيره1.
ومن أصحاب السير والمغازي: الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي (ت 188هـ) صاحب كتاب (السير في الأخبار) 2.
ومن أصحاب النحويين: سيبويه عمرو بن عثمان البصري (ت 183هـ) 3، والكسائي علي بن حمزة الكوفي (ت 189هـ) 4.
فأصبحت بغداد مقصد رجال العلم، ومكتبة لمؤلفاتهم، ومركزاً تجارياً هاماً. ولما آلت الخلافة إلى أمين بن الرشيد (193-198) نشبت الفتنة بينه وبين أخيه المأمون، واحتدم الصراع بينهما، إلى أن أخمدت الفتنة بقتل الأمين5. وانتقل زمام الأمر إلى المأمون (198-218هـ) 6 فعاد إلى بغداد نشاطها، وأصبحت مهد الحضارة في ذلك الوقت.
فقد اهتم المأمون بحركة الترجمة، فأرسل المترجمين إلى بلاد الروم لنقل ما فيها من العلوم إلى العربية، فأحضروا طرائف الكتب في مختلف الفنون7.
كما طوّر بيت الحكمة الذي أسسه الرشيد، وقسمه إلى الأجنحة للترجمة والتأليف، والدرس والنسخ8. فزخرت بغداد بجمٍّ غفير من العلماء الذين
__________
1 المصدر السابق 286.
2 انظر: تاريخ التراث 1/467.
3 انظر: الفهرست 76. وتاريخ بغداد 12/198.
4 انظر المصدريين السابقين 97، 11/414.
5 انظر: التاريخ الإسلامي العام 370-371.
6 انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 306.
7 انظر: الفهرست لابن النديم 339-340.
8 انظر: ضحى الإسلام 2/61. وتاريخ الإسلام السياسي 2/348. والعصر العباسي الأول لشوقي ضيف 113.

(1/28)


ساهموا في نشر العلم، وتربية الأجيال ثقافة وأخلاقاً، حتى صار لبغداد شهرتها العلمية في مختلف الميادين.
فنبغ فيها من القراء: شيخ ابن سعد رُويم بن يزيد المقرئ البغدادي (ت 211هـ) 1. وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم البغدادي (ت 224هـ) صاحب كتاب (القراءات) ، و (مجاز القرآن) ، و (غريب القرآن) ، و (غريب الحديث) ، و (الأموال) ، و (الطهارة) وغيرها2.
ومن المحدثين: أبو زكريا السيلحيني (ت 210هـ) 3. وعفان بن مسلم البصري (ت 220هـ) 4. والفضل بن دُكين الكوفي (218هـ، وقيل غير ذلك) 5. والثلاثة من شيوخ ابن سعد.
ومن الفقهاء المعلَّى بن منصور الرازي (ت 211هـ) صاحب كتاب (النوادر في الفقه) 6. وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، المتقدم.
ومن أصحاب المغازي والسير يحيى بن سعد الأموي الكوفي ت 194هـ صاحب كتاب المغازي الواقدي ت 307هـ صاحب كتاب (المغازي) 7 وكان من أهل المدينة8. ومعمر بن المثنىَّ البصري (ت 209هـ) صاحب (مجاز القرآن) ، وصاحب التصانيف الكثيرة في التاريخ، وغريب الحديث وغير ذلك9.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد 8/430.
2 انظر: الفهرست 106، ومعرفة القراء الكبار 1/141.
3 انظر طبقات ابن سعد 7/340. وتاريخ بغداد 14/158. واسمه يحي بن إسحاق البجلي.
4 انظر: تاريخ بغداد 12/277.
5 المصدر السابق 12/355-357.
6 انظر: تاريخ التراث لسزكين 2/74.
7 المصدر السابق 1/468.
8 انظر: الفهرست 144. وتاريخ بغداد 3/3.
9 انظر: الفهرست 79. وتاريخ بغداد 13/353.

(1/29)


ومن المؤرخين: سهل بن هارون البصري (ت 215هـ) 1.
ومن النسابين: هشام بن محمد بن السائب الكلبي الكوفي (ت 204أو206 هـ) صاحب كتاب (النسب الكبير) وغيره2. ومصعب بن عبد الله بن مصعب بن الزبيري (ت 233هـ) صاحب كتاب (النسب الكبير) ، و (نسب قريش) 3.
ومن اللغويين: مؤرج بن عمر السدوسي البصري (ت 195هـ) صاحب كتاب (المعاني) وغيره4.
ومن النحويين: يحي بن زياد الفراء الكوفي (ت 207هـ) 5.
وإلى جانب هؤلاء العلماء، ظهر المتكلمون، وتكلم الناس في مسألة خلق القرآن، وتدخل المأمون في ذلك، وعقد المجالس للمناظرة، فتحولت مجالس المأمون إلى ندوات علمية، مما ساعد على نشاط الحياة العلمية في عصره6، رغم الآثار السيئة التي تركتها هذه الفتنة في الحياة الإسلامية.
هكذا فتحت بغداد أبوابها لاستقبال العلماء من كل حدب وصوب حتى مسرحاً واسعاً للترجمة والتأليف، ولانتشار المؤلفات المتنوعة.
__________
1 انظر: تاريخ التراث لسزكين 1/439.
2 انظر: الفهرست 140. وتاريخ بغداد 14/45.
3 انظر: الفهرست 160.
4 انظر: الفهرست 71. وتاريخ بغداد 13/258.
5 تقدم ذكره في آواخر الحديث عن الحركة في الكوفة.
6 انظر: تاريخ التمدن الإسلامي 159. وعصر الإسلام الذهبي لعلي محمد راضي 59-63. والعصر العباسي الأول لشوقي ضيف 133. وسأتعرض لهذه المسألة أثناء الكلام عن العقيدة المؤلف، ص 36.

(1/30)


وكان عصر المأمون من أزهى عصور العلم في الدولة العباسية، حتى وصف بأنه (عصر الإسلام الذهبي) 1.
ونهج المعتصم (218-227) نهج أخيه في حمل الناس على القول بخلق القرآن تنفيذاً لوصية أخيه المأمون له بذلك عند موته2. ولم تُعدم بغداد كيانها العلمي في أيامه الأولى، حتى انتقل إلى سامراء (سنة 221هـ) بسبب الإضطربات الداخلية3. ومن ثم بدأت الحركة العلمية نحو الانحدار، وبالتالي فقدت نشاطها أيام الواثق (227-232هـ) وران عليها الركود، وعلى ذلك انتهى العصر العباسي الأول4.
هذا عرض سريع للحركة العلمية الشريعة الخطا التي عايشها ابن سعد في عنفوان قوتها. وشارك في القيام بنهضتها منذ أن بدأت تخطو خطاها الواسعة المديدة.
4- الحركة العلمية في المدينة المنوّرة:
لا شك أن المدينة المنورة هي الأم التي أنجبت تلك المراكز الإسلامية الثلاثة -البصرة، الكوفة، بغداد- بل مراكز العالم الإسلامي كله. حيث إليها هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأنشأ مدرسته العظمى التي ربى فيها أصحابه رضوان الله عليهم، ومنها زحفت الجيوش الإسلامية لإعلاء كلمة الله، فهي مركز الإشعاع الذي انبثق منه نور الإسلام إلى البلدان المختلفة.
ومنها خرج ابن عباس إلى البصرة وابن مسعود إلى الكوفة، وغيرهم إلى الأمصار المختلفة لتعيلم الناس أمور دينهم. فأخذوا عنهم القراءات والتفسير والحديث، والفقه.
__________
1 ألّف علي محمد راضي كتاباً بهذا العنوان"عصر الإسلام الذهبي المأمون العباسي". طبع في مصر بالدار القومية للطباعة.
2 انظر: تاريخ الطبري 9/648.
3 انظر: التاريخ الإسلامي العام 408 وما بعدها.
4 انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 340. والتاريخ الإسلامي العام 416-418.

(1/31)


إلا أن من بقى فيها من الصحابة أكثر بكثير ممن خرج منها1. فلا غرابة إذا ما حافظت على كيانها العلمي الذي زخرت به في أيامها الأولى حتى بداية العصر العباسي (132هـ) حيث بدأت الخلافات السياسية بين الخلفاء العراق والخارجين عليهم في المدينة. فأخذ العباسيون ينكَّلون بالمدينة وأهلها، وبالتالي أرخت الجفوة أسدالها بين الطرفين حتى بدأ النشاط العلمي في المدينة يخبو قليلاً، بسبب إهمال الخلفاء لها، وتكريس جهودهم للنهوض ببغداد عاصمة الخلافة. ومع هذا كله فقد كان لوجود الأعداد الهائلة من التابعين ومن بعدهم في المدينة أكبر الأثر في الحفاظ على هذه الثقافة التي تناقلوها عن آبائهم آنذاك.
كما كانت فريضة الحج الدائمة سبباً هاماً في اتصالهم بعلماء الأمصار لتبادل العلوم فيما بينهم. فكانت الثقافة في المدينة ترتكز على الحديث وما يبني عليه من فقه، وما يتصل بذلك من أخبار وسير2،بالإضافة إلى تعليم القرآن وغيره.
وقد اشتهر من القراء: أبو جعفر القارئ يزيد بن القعقاع (ت 132هـ) 3. وأبو رُويم نافع بن عبد الرحمن (ت 169هـ) ، أحد أصحاب القراءات السبع الصحيحة4. وقالون عيسى بن مينا (ت 220هـ) 5 وغيرهم.
واشتهر من المفسرين: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت182هـ) ، صاحب كتاب (الناسخ والمنسوخ) و (التفسير) 6.
__________
1 انظر: ضحى الإسلام 2/151. وذكر أن ألفي صحابي تفرقوا في الأمصار، وعشرة آلاف ماتوا في المدينة.
2 انظر: ضحى الإسلام 2/75.
3 انظر ترجمته رقم 60.
4 انظر: ترجمته رقم 382. ومعرفة القراء الكبار 1/89.
5 انظر: معرفة القراء الكبار 1/128.
6 انظر: الفهرست 57. وطبقات المفسرين للداودي 1/265.

(1/32)


ومن المحدثين: الزهري (ت 124هـ) 1. ويحي بن سعيد الأنصاري (ت 144هـ) 2. ومالك ابن أنس (ت 179هـ) ، صاحب (الموطأ) 3. وشيخا ابن سعد: يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الزهري (ت 208هـ) 4، وله نسخة في الحديث تُعرف بـ (نسخة إبراهيم) 5 ومعن بن عيسى القزاز (ت 198هـ) 6.
وأما الفقه، فكانت مدرسته تعتمد على الحديث7، بخلاف ما كانت عليه العراق وعلى وجه الخصوص الكوفة، مدرسة أهل الرأي8. ولهذا كان إذا تجادل الحجازيون والعراقيون في هذا الباب كان الحجازيون أقوى وأقهر9. فكان في المدينة من الفقهاء: السبعة المشهورون، ومن جاء بعدهم أمثال الزهري، ويحي الأنصاري، ومالك بن أنس10، ويحي بن يحي الليثي (ت 234هـ11) .
وكان ممن اهتم بالسيرة ومغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحمد بن إسحاق (ت 150هـ) ، صاحب (السيرة) 12. والواقدي (ت 207هـ) ، صاحب
__________
1 انظر تراجمهم على الترتيب 70-244-372.
2 انظر تراجمهم على الترتيب 70-244-372.
3 انظر تراجمهم على الترتيب 70-244-372.
4 انظر تاريخ بغداد 14/269.
5 انظر: تاريخ التراث لسزكين 1/138.
6 انظر: تقريب التهذيب 344.
7 انظر: التراجم 16-72-77-113.
8 انظر: تاريخ الإسلام السياسي 1/331.
9 انظر: ضحى الإسلام 2/152.
10 ستأتي تراجم الثلاثة رقم 70-244-372 على الترتيب.
11 انظر: ضحى الإسلام 2/208. حيث يرسم جدولاً "لطبقات الفقهاء" والفقهاء السبعة هم: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عروة بن الزبير، والقاسم بن أبي بكر، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد، وسالم بن عبد الله.
12 انظر: ترجمته رقم 330. والفهرست لابن النديم 136.

(1/33)


كتاب (المغازي) ،وهو شيخ ابن سعد1.
هذه نماذج من التابعين، ومن بعدهم، ممن احتضنتهم المدينة ونهضت بهم، لتزويد الأمصار المختلفة، العلوم الإسلامية المتنوعة التي زخرت بها من مدرستها الأولى.
والمجلد الخامس بما فيه هذا القسم من طبقات ابن سعد -تُرجم فيه لسبعة وثمانين وثمانمائة رجل من أهل العلم- يعكس نشاط الحركة العلمية التي عايشتها المدينة، ومدى تأثيرها على الأقطار الأخرى إلى نهاية العصر العباسي الأول تقريباً.
5- الحركة العلمية في مكة المكرمة:
وقد انحدر ابن سعد في ترحاله إلى مكة، والحركة العلمية فيها محدودة النشاط إذا قيست بزميلاتها من المراكز العليمة الأخرى، لأن نشاط البلد كان يتناسب طرداً مع مقر الخلافة، فحيث وجد الخليفة وجد النشاط. فالبلد الذي يستقر فيه الخليفة، هو الذي يكون صاحب الحظ الأوفر ثقافياً، واقتصادياً، وعسكرياً ... الخ.
ففي فجر الإسلام، كان الحجاز -مكة والمدينة- صاحب الريادة العلمية ولما انتقلت الخلافة إلى الشام في العهد الأموي، نشطت الحركة العلمية فيها أكثر منها في الأمصار الأخرى. وعندما صار زمام الأمر بيد العباسيين انتقلت الريادة العلمية إلى العراق -البصرة، الكوفة، وبغداد- معقل بني العباس.
وعلى كل حال كانت مكة وإلى جانبها من أغنى مصادر روايات التشريع الإسلامي لأن الأولى دار نشأة النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية دار هجرته، وكلاهما منشأ المهاجرين والأنصار، الذين عاشروا النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثوا عنه، وتناقل التابعون ومن بعدهم ما سمعوا منه2.
__________
1 انظر: الفهرست لابن النديم 144. وتاريخ التراث 1/470-475.
2 انظر ضحى الإسلام لأحمد أمين 2/75.

(1/34)


بالإضافة إلى حركة الحج الدائمة التي كانت تصل العالم الإسلامي بعلماء الحرمين الشريفين، فكان أناس يذهبون للحج ويقصدون لقاء العلماء أيضاً وفي ذلك يقول الداودي: "فقد كان خلق يحجون والباعث لهم لقي ابن عيينة فيزدحمون عليه أيام الحج"1.
وكان سفيان بن عيينة محدثاً ومفسراً وفقيهاً، ولد بالكوفة (107هـ) ، ونشأ وتوفي في مكة (196هـ) . له كتاب (التفسير) ، وكتب في الحديث2. وكان من شيوخ ابن سعد3
وممن قدم مكة وسكنها ومات فيها من العلماء: العلاء بن عبد الجبار البصري (ت212هـ) المحدث الثقة، شيخ ابن سعد4. وسعيد بن منصور المروزي (ت 227هـ) رواية إسماعيل بن عُليَّة، كما أخذ عن ابن عيينة5. وله كتاب (السنن) وأحاديث (العوالي) و (التفسير) 6.
وكان فيها من المؤرخين: أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي (ت 217هـ أو 222هـ) ، صاحب كتاب (تاريخ مكة) ، روى عن ابن سعد7، وروى عنه ابن سعد8، وكان محدثاً ثقةً، وقد أخرج له البخاري9.
__________
1 انظر: طبقات المفسرين للداودي 1/190.
2 انظر: المصدر السابق، وتاريخ التراث لسزكين 1/139.
3 انظر: تهذيب التهذيب 9/182.
4 انظر طبقات ابن سعد 5/501. وتهذيب التهذيب 8/185.
5 انظر: المصدرين السابقين 5/502. و4/89-90.
6 انظر: تاريخ التارث لسزكين 1/153 وقد طبع مجلدان من سننه.
7 انظر: تاريخ التراث لسزكين 1/553.
8 انظر: ترجمة "محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان" رقم 141 حيث ينقل ابن سعد عنه فيها.
9 انظر: تقريب التهذيب 16.

(1/35)


لقد كانت المدرسة الثقافية في مكة ترتكز على الكتاب والسنة، وما يؤخذ منهما من أحكام فقهية. بالإضافة إلى الأخبار التاريخية. وكان أكثر أخذ ابن سعد في مكة عن سفيان بن عيينة. كما أفاد من الأزرقي في الأخبار التاريخية.
وكان آخر مطاف ابن سعد في تجواله أن عاد إلى بغداد واستقر فيها إلى أن مات.
عقيدته:
عاصر ابن سعد انتعاش حركة المعتزلة في خلافتي المأمون والمعتصم (218-227هـ) إلى أن ضعفت هذه الحركة في أواخر عصر الواثق بالله بن المعتصم (227-232هـ) 1 وخلفه المتوكل إذ بذل الأخير جهداً في قمعها والقضاء عليها.
ففي سنة ثمان عشرة ومائتين كتب الخليفة العباسي المأمون بن الرشيد إلى أبي الحسين إسحاق بن إبراهيم ببغداد، في إمتحان القضاة والشهود والمحدثين بخلق القرآن، فمن أقرَّ أنه مخلوق مُحْدَث خلَّى سبيله، ومن أبى أعلمه به ليأمره فيه برأيه، وطول كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن، وترك الإستعانة بمن امتنع عن القول بذلك، وكان الكتاب في ربيع الأول، وأمره أن يحضر سبعة أشخاص إلى الرقة لأنهم امتنعوا عن الإجابة، منهم محمد بن سعد، ويحي بن معين، وأحمد بن إبراهيم الدورقي. فامتحنهم في خلق القرآن، وهددهم بالقتل إن لم يستجبوا لرغبته، فأجابوه جميعاً بخلق تالقرآن، فأعادهم إلى بغداد، وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم أن يشهر أمرهم ويشهد عليهم فأحضرهم إسحاق إلى داره، وشهر قولهم بحضرة المشايخ من أهل الحديث وغيره، فأقروا بذلك، فخلَّى سبيلهم2.
__________
1 انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 308-341.
2 انظر: تاريخ الطبري 8/634. وتاريخ الموصل للأزدي 412. وتاريخ بغداد 14/15 ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 470. والكامل في التاريخ لابن الأثير 6/423. والبداية والنهاية لابن كثير 10/272. وطبقات الشافعية الكبرى 2/39.

(1/36)


وكان ممن أجاب بخلق القرآن في هذه المحنة أيضاً: علي بن المديني وأبو نصر التمار، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وغيرهم1.
ولو قارنا بين هذا الموقف والموقف المشهور للإمام أحمد بن حنبل في تلك المحنة، فإننا نجد أن عقيدته الراسخة قد حالت بينه وبين الباطل. ولم يستجب لقول المأمون بخلق القرآن، بل ناظر خصومه حتى ضُرب وعُذب في عهد المعتصم ثم لزم بيته أيام الواثق، صابراً على ما لاقاه منهم. ثابتاً على الحق لا يخاف في الله لومة لائم2.
إنه نموذج من النماذج الحية التي تعطينا صورةً واضحة عن تلك المواقف النبيلة التي كان يقفها أسلافنا لنصرة الحق، وتطبيق عملي لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) 3.
ولما كان الإيمان يزيد وينقص، فإننا لا نشك في سلامة عقيدة ابن سعد وأقرانه، لأن ثمة حالات تنتاب الإنسان أحياناً تهز شخصيته وتضعفه أمام حد السيف خوفاً من الموت.
__________
1 انظر: مناقب الإمام أحمد 470.
2 انظر: حلية الأولياء للأصبهاني 9/204-206. ومناقب الإمام أحمد 387-393-397-408، 429.
3 أخرج الحديث كل من:
(أ) ـ البخاري في صحيحه 4/165. كتاب الأحكام. باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية. عن عبد الله بن عمر. وبألفاظ مقاربة. وفي 4/179. كتاب التمني. باب ما جاء في إجازة خبر الواحد. عن علي بن أبي طالب.
(ب) ومسلم في صحيحه 3/1469.كتاب الإمارة 33. باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية 8. حديث 39. عن علي أبي طالب.
(ج) وأبو داود في سننه 3/93. كتاب الجهاد 9. باب في الطاعة 96. حديث 2625. عن علي بن أبي طالب أيضاً.

(1/37)


فلم يستجب هؤلاء الحفاظ لقول المأمون إلا تقيَّة وهم كارهون، يخشون على أنفسهم الموت، فكان يحي بن معين، وغيره يقولون: أجبنا خوفاً من السيف1.
وهكذا فإن الإمام أحمد أخذ بالعزيمة وكثير من أقرانه أخذوا بالرخصة رغم أن مكانتهم العلمية واحتمال متابعة العامة لهم تقتضي أن يأخذوا بالعزيمة وذلك خوف أن يفتن الناس بسببهم2.
وقد أنكر الإمام أحمد بن حنبل عليهم موقفهم وحلف أن لا يكلم أحداً ممن أجاب في المحنة حتى يلقى الله عز وجل، وكره الكتابة عنهم3، وأنكر هذا الإنكار الشديد عليهم4 لأنه رأى فيهم قدوة لهذه الأمة، باعتبارهم من العلماء المتصدرين لرواية العلم، وتنقية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دسائس الوضع، وتمييز صحيحه من سقيمه، لطول باعهم في علم الرجال، كما شهد لهم واعتمد عليهم من بعدهم ممن عُني بهذا الفن.
ولو نظرنا في ترجمة ابن سعد عن بعض أئمة الجرح والتعديل -كابن أبي حاتم5، والخطيب البغدادي6، والمزّي7، وابن عبد الهادي8، والذهبي9،
__________
1 انظر: البداية والنهاية 10/273. وتاريخ الخلفاء للسيوطي 308-309.
2 من لمسات المشرف.
3 انظر: ميزان الاعتدال 4/410.
4 انظر: مناقب الإمام أحمد 473-475.
5 انظر الجرح والتعديل 3/2/262.
6 انظر: تاريخ بغداد 5/321.
7 انظر: تهذيب الكمال 6/600.
8 انظر: مختصر في طبقات علماء الحديث 138.
9 انظر: تذكرة الحفاظ 2/445. وميزان الإعتدال 3/560. وتذهيب تهذيب الكمال 3/2/206أ. وسير أعلام النبلاء 7/285ب.

(1/38)


وابن حجر1، والسخاوي2- لم نجد ذكراً لتلك المحنة. ولعل في ذلك دليلاً على أنه تاب ورجع عن تلك القولة، وإلا كانوا بينوا ذلك، لأن الأمر خطير، ويتعلق بعدالة الرجل والحكم عليه. ثم إن اهتمام النقاد بأقواله في الجرح والتعديل، وتدوين أقواله في بطون كتبهم دليل آخر على سلامة عقيدته.
مكانته الاجتماعية:
لا تتوفر المعلومات الكثيرة التي توضح مكانته الاجتماعية ولكن يظهر من بعض الروايات أنه كان معروفاً في المجتمع، مبرزاً في فنه. حيث يروي الخطيب البغدادي عن إبراهيم الحربي3، قوله (كان أحمد بن حتبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن إسحاق4 إلى ابن سعد، يأخذ منه جزأين من حديث الواقدي5، ينظر فيهما إلى الجمعة الأخرى، ثم يردهما ويأخذ غيرهما"6. وهذا يدل على الصلة العلمية بينهما.
وكذلك فإن ابن سعد كان أحد المحدثين السبعة الذين طلب المأمون إشخاصهم إليه، ثم طلب الإشهاد عليهم بعد إجابتهم، مما يدل على مكانتهم وأثرهم في مجتمعهم. فقد كان ابن سعد من وجهاء مدينة بغداد، بل ومن نخبة علمائها.
وقد عاشر الشيوخ فأفاد منهم، وخالطه التلاميذ فأفادوا منه، ولم يكن منطوياً على نفسه. نقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: "رأيته جاء إلى
__________
1 انظر: تهذيب التهذيب 9/182. وتقريب التهذيب 298.
2 انظر: فتح المغيث 3/354.
3 هو إبراهيم بن إسحاق بن بشير أبو إسحاق الحربي (198-285هـ) ، الفقيه المحدث صاحب التصانيف. (انظر: تاريخ بغداد 6/27) .
4 هو ابن عم الإمام أحمد بن حنبل. (ت 273هـ) . (انظر: تاريخ بغداد 8/286) .
5 هو: محمد بن عمر بن واقد الواقدي. شيخ ابن سعد.
6 انظر: تاريخ بغداد 5/322. وسير أعلام النبلاء للذهبي 7/215. ومختصر في طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي ق 138.

(1/39)


القواريري وسأله عن أحاديث فحدّث"1. ولو تصفحنا مجلداً واحداً من طبقاته الكبرى، لتعرفنا على عدد كبير من شيوخه، ومروياته عنهم. ولو لم يحسن العشرة، ويجيد الخلطة ويرتحل سعياً في طلب العلم، لقلَّت مشيخته وتقلصت مدرسته، وبالتالي ما كانت لتتوفر لديه هذه المعلومات المتنوعة التي ألف منها كتابه الحافل بمواد مختلفة من أنساب، وأخبار، وحديث، ونقد للرجال.
ثقافته:
أفاد ابن سعد من علماء عصره في البصرة وبغداد والكوفة والمدينة ومكة، هذه المدن التي كانت صاحبة الريادة العلمية في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها. فلا شك أنه نهل من معينها الصافي، ورشف من تراثها الإسلامي العريق، وظهر أثر ذلك في كتابه (الطبقات الكبرى) الذي يوضح كثيراً من جوانب ثقافته. ولقد شهد له من عاصره، ومن بعده من العلماء بالعلم والفضل، وبمعرفته بالحديث وغيره.
فقال عنه تلميذه وراوي كتابه (الطبقات) الحسين بن فَهُم2: "كان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه"3.
وقال ابن النديم (ت 385هـ) : "كان عالماً بأخبار الصحابة والتابعين) 4.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل 3/2/262.
2 هو الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فَهُم -بفتح الفاء، وضم الهاء- وقصة تسمية فَهُم: ذكرها الخطيب. قال الحاكم والدارقطني: ليس بالقوي. وقال الخطيب: ثقة عسر في الرواية متمنع إلا لمن أكثر ملازمته. وقال ابن كامل: كان حسن المجلس متفنناً في العلوم، حافظاً للحديث والأخبار والأنساب والشعر، عارفاً بالرجال، متوسطاً في الفقه. مات سنة تسع وثمانين ومائتين وله ثمان وسبعون سنة.
(انظر: تاريخ بغداد 8/92. والعبر للذهبي 5/83. وميزان الاعتدال 1/545) .
3 انظر: طبقات ابن سعد 7/364. وتاريخ يغداد 5/321.
4 انظر: الفهرست لابن النديم 145.

(1/40)


وقال الخطيب البغدادي (ت 463هـ) : "كان من أهل العلم والفضل) .
ثم روى بسنده عن محمد بن موسى1، حيث قال: "الذين اجتمعت عندهم كتب الواقدي أربعة أنفس؛ محمد بن سعد الكاتب أولهم) 2.
وقال الصفدي ظهرت فضائله ومعارفه وهو كثير العلم ... الخ. وذكر نحواً مما نقله الخطيب عن ابن فَهُم3.
وقال ابن تغري بردي (ت 874هـ) : "كان إماماً فاضلاً عالماً حسن التصانيف، ونقلنا عنه كثيراً في الكتب4.
ولم تقتصر دراسة ابن سعد على الحديث، والأخبار، والسير، والفقه والغريب-كما تقدم-بل شملت الأنساب بإتقان ودقة متكاملين، حيث ينتهي بنسب صاحب الترجمة إلى ما قبل الإسلام، مما يدل على تضلعه العميق في هذا الفن. بالإضافة إلى تمتعه بقسط وافر من المعرفة بعلم الرجال، فكثيراً ما تجده يصدر حكمه على الرجل من جرح أو تعديل.
كما وجه اهتمامه إلى دراسة القراءات، وكان من شيوخه المشهورين في هذا المجال: رُويم بن يزيد المقرئ أبو الحسن البصري نزيل بغداد (ت 211هـ) ، وكان يُقرئ في مسجده ببغداد، وكان ثقة في الحديث5.
ومحمد سعدان الكوفي الضرير النحوي المقرئ (ت 231هـ) ، صاحب كتاب (القراءات) وآخر في النحو. وقد وثقه الخطيب وغيره6.
__________
1 هو محمد بن محمد بن موسى بن حماد أبو أحمد، المعروف بالبربري. كان إخبارياً، عارفاً بأيام الناس توفي سنة أربع وتسعين ومائتين.
(انظر: تاريخ بغداد 3/243) .
2 انظر: تاريخ بغداد 5/321.
3 انظر: الوافي بالوفيات 3/88.
4 انظر: النجوم الزاهرة 2/258.
5 انظر: تاريخ بغداد 8/429. ومعرفة القراء الكبار 1/176.
6 انظر: المصدرين السابقين 5/324. و1/177.

(1/41)


وقال ابن الجزري (ت 833هـ) : إن ابن سعد روى الحروف عن محمد ابن عمر الواقدي، ورواها عن ابن سعد، الحارث بن أبي أسامة1.
ربما دلت صلته بالنحويين واللغويين، مثل أبي زيد الأنصاري النحوي (ت 215هـ) صاحب التصانيف اللغوية والنحوية، وكان يُعد أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة في النحو2.
ومثل محمد بن سعدان الضرير المتقدم، ربما دل ذلك على اهتمامه بالنواحي النحوية واللغوية.
وخلاصة القول: أن دراسة ابن سعد قد شملت، القرآن، والحديث والفقه، والأنساب، والتاريخ، وعلم الرجال، والغريب، واللغة، والنحو، إلاَّ أنه لم يؤلف سوى كتابه (الطبقات الكبرى) الذي حوى مادة علمية نفيسة في الحديث والأنساب، والتاريخ، ونقد الرجال.
ويبدو أن هذه العلوم هي التي استأثرت باهتمام ابن سعد وغلبت على ثقافته3.
أقوال النقاد فيه ومناقشتها:
كاد ابن سعد يسلم من جرح النقاد لولا أن ابن معين كذَّبه، وذلك فيما يرويه الخطيب البغدادي بسنده عن الحسين بن فَهُم، قال:
(كنت عند مصعب الزبيري فمر بنا يحيى بن معين فقال له مصعب: يا أبا زكريا حدثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا -وذكر حديثاً- فقال له يحيى: كذب"4. إلا أن الخطيب اعتذر عن ابن سعد، وصرف نقد ابن معين
__________
1 انظر: غاية النهاية في طبقات القراء 2/142.
2 انظر: الفهرست 81. وتاريخ بغداد 9/77.
3 من لمسات المشرف.
4 انظر: تاريخ بغداد 5/321.

(1/42)


عنه ووجهه إلى الواقدي، بقوله: "ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعباً الزبيري ذكر ليحيى عنه حديث من المناكير التي يرويها الواقدي فنسبه إلى الكذب"1.
وكذا اعتذرا عنه عبد الكريم السمعاني (ت 562هـ) فقال: "حُكي أن ابن معين رماه بالكذب. ولعل الناقل عنه غلط أو وهم لأنه من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته"2. وقال الذهبي (ت 748هـ) : "هذه لفظة ظاهرها عائد إلى الشيء المحكي، ويحتمل أن يقصد بها ابن سعد، ولكن ثبت أنه صدوق"3. ولذا قال ابن تغري بردي (ت874هـ) بعد أن وصفه بالإمامة والفضل والعلم: "ووثقه غالب الحفاظ إلا يحيى بن معين"4.
ويظهر من أقوال النقاد أنهم لم يلمزوه في عدالته، بل عاب بعضهم عليه روايته عن الضعفاء. ويتضح ذلك في قول ابن صلاح (ت 213هـ) : "هو ثقة غير أنه كثير الرواية في الطبقات عن الضعفاء، ومنهم الواقدي محمد بن عمر"5.
وقال أبو حاتم (ت 327هـ) : "يصدق"6.
وقال ابن النديم (ت 385هـ) : "كان ثقة مستوراً عالماً بأخبار الصحابة والتابعين"7.
__________
1 المصدر السابق.
2 نظر: الأنساب للسمعاني 470.
3 انظر: ميزان الاعتدال 3/560.
4 انظر: النجوم الزاهرة 2/258.
5 انظر: مقدمة ابن صلاح 599.
6 انظر: الجرح والتعديل 3/2/262. وقد طرأ تغيير على هذه اللفظة فصارت "صدوق" وتنسب إلى أبي حاتم.
(انظر: ميزان الاعتدال 3/560. والعبر للذهبي 1/407. وغاية النهاية لابن الجزري 2/142. وشذرات الذهب 2/69.)
7 لعله أراد بقوله "مستوراً" أي أنه عفيف، لأن حملها على الجهالة الحال يتنافى مع توثيقه له والله أعلم
(انظر: الفهرست لابن النديم 145. والمعجم الوسيط 1/416. مادة: سَتَرَ) .

(1/43)


وقال ابن خلكان (ت 681هـ) : كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلاء وكان صدوقاً ثقة"1.
وقال عنه الذهبي (ت 748هـ) (الحافظ العلامة) 2 ووصفه مرة بـ "الحجة"3 وبأنه "أحد الحفاظ الكبار4" وبأنه "صدوق، وقاله أبو حاتم وغيره"5.
وقال الصفدي (ت764هـ) : "وكان صدوقاً ثقة"6.
وقال اليافعي (ت768هـ) : "الإمام الحبر الحافظ"7.
وقال ابن الجزري (ت833هـ) : "حافظ مشهور"8.
وقال ابن حجر (ت852هـ) : "أحد الحفاظ الكبار، والثقات المتحرين"9.
وقال أيضاً: "صدوق فاضل"10.
ووصفه السيوطي (ت911هـ) بأنه حافظ11.
__________
1 انظر: وفيات الأعيان 4/351.
2 انظر: تذكرة الحفاظ 2/425.
3 انظر: سير أعلام النبلاء 7/285ب.
4 انظر: تذهيب تهذيب الكمال 3/2/206أ.
5 انظر: ميزان الاعتدال 3/560.
6 انظر: الوافي بالوفيات 3/88.
7 انظر: مرآة الجنان 2/100.
8 انظر: غاية النهاية في طبقات القراء 2/142.
9 انظر: تهذيب التهذيب 9/182.
10 انظر: تقريب التهذيب 298.
11 انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي 183.

(1/44)


ونقل ابن العباد الحنبلي (ت 1089هـ) ، عن ابن الأهدل1، قوله: "قيل إنه مكث ستين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً"2.
وبعد سرد هذه الأقوال يتضح انفراد يحيى بن معين تكذيب ابن سعد ودفاع الخطيب البغدادي، والمسمعاني، وابن تغري بردي، يُبعد عنه ذلك بالإضافة إلى أن الحفاظ عدُّوا ابن معين في طبقة المتشددين من بين طبقات النقاد، فلا يُقبل قوله إذا انفرد بالجرح وخالفه بقية النقاد.
قال اللكنوي (ت1304هـ) أثناء تعداده لموانع قبول الجرح والتروي فيه: ومنها -أي من موانع قبول الجرح-: "أن يكون الجارح من المتعنتين المشددين فإن هناك جمعاً من أئمة الجرح والتعديل لهم تشدد في هذا الباب، فيجرحون الراوي بأدنى جرح، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أولي الألباب، فمثل هذا الجارح توثيقه معتبر، وجرحه لا يعتبر إلا إذا وافقه غيره ممن ينصف ويعتبر فمنهم. أبو حاتم، والنسائي، وابن معين ... ، وغيرهم. فإنهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنت فيه، فليتثبت العاقل في الرواة الذين تفردوا بجرحهم وليتفكر فيه"3.
هذا وإن كثيراً من جهابذة الحفاظ لم يسلموا من جرح بعض النقاد، فهذا ابن معين الذي تكلم في ابن سعد قد تُكلم فيه. فقال: الذهبي، قال إبراهيم بن هانيء:4 رأيت أبا داود5 يقع في يحيى بن معين، فقلت: تقع في مثل يحيى فقال: من جرَّ ذيول الناس جروا ذيله. قال الذهبي: "إنما ذكرته -أي يحي بن معين-) عبرة ليُعلم أن ليس كل كلام وقع في حافظ كبير بمؤثر فيه بوجه 6.
__________
1 لم أعثر عليه.
2 انظر: شذرات الذهب 2/69.
3 انظر: الرفع والتكميل في الجرح والتعديل 176.
4 هو النيسابوري، نزيل بغداد. ثقة في الحديث، توفي سنة خمس وستين ومائتين. (انظر: تاريخ بغداد 6/204.)
5 هو سليمان بن الأسعث أبو داود السجستاني صاحب السنن المتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين. (انظر: تقريب التهذيب 132) .
6 انظر: ميزان الاعتدال 4/410.

(1/45)


فلا عبرة إذن في تجريح ابن معين لابن سعد. فقد وثقه أبو حاتم الرازي وهو من المتشددين أيضاً. وكفى لتوثيقه الذهبي، وابن حجر العسقلاني، فإنهما من أهل الاستقراء في نقد الرجال، وعليهما التعويل في الموازنة والترجيح بين أقوال قدامى النقاد والوصول إلى الأحكام المتزنة والأقوال المعتدلة.
كما لا تعتبر رواية ابن سعد عن الواقدي وغيره من الضعفاء سبباً في الطعن إليه، فقد شاركه في هذا كبار الحفاظ، وَمَنْ أَسْنَدَ فَقَدْ أَحَالَ، وابن سعد يسوق الروايات عن الضعفاء والثقات بالأسانيد ويبرأ من العهدة، ولم يقل إنَّ شرطه ذكرُ الروايات الصحيحة، فلا حجة عليه في ذلك1.
شيوخه:
إنه لمن الصعب حصر بجميع شيوخه لكثرتهم، لذلك سأقتصر على ذكر شيوخه الذين صرّحتْ بهم الكتب الرجال خلال ترجمة ابن سعد. بالإضافة إلى الشيوخ الذين روى عنهم في هذا القسم، مرتبين على الحروف المعجم، وهم:
1ـ أحمد بن أبي إسحاق العبدي: أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي البغدادي2 (168-246هـ) . نقل عند ابن سعد في عشرة مواضع من هذا القسم من كتابه الطبقات.
أبو أحمد الزبيري: محمد بن عبد الله بن الزبير.
2ـ أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي (ت 227هـ) 3. نقل عنه في موضعين.
3ـ أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي المكي (ت 217 أو 222هـ) 4. نقل عنه في موضع واحد.
__________
1 من توجيهات المشرف.
2 انظر: ص 188.
3 انظر: آخر تتمة ترجمة عمر بن عبد العزيز. بداية هذا القسم
4 انظر: الترجمة 141.

(1/46)


4ـ إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر المروزي نزيل بغداد (151-245هـ) 1.
5ـ إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الكوفي ثم البصري نزيل بغداد المعروف بابن عُلية2 (110-193هـ) .
6ـ إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني (ت 226هـ) 3. نقل عنه في أحد عشر موضعاً نقلاً مباشراً.
7ـ أنس بن عياض أبو ضمرة المدني (104- 200هـ) . نقل عنه في موضع واحد4.
ابن أبي أويس إسماعيل بن عبد الله.
8ـ حجاج بن محمد المِصَّيصي الأعور، سكن بغداد ومات فيها (206هـ) 5. نقل عنه في موضع واحد.
9ـ حجاج بن منهال الأنماطي البصري (ت 216 أو 217هـ) 6. نقل عنه في موضع واحد.
10ـ الحسين بن أبي السري الحسين بن المتوكل.
- الحسين بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني (ت 240هـ) 7. نقل عنه في موضع واحد.
__________
1 انظر: ص 169.
2 انظر: تاريخ بغداد 5/321. وتذكرة الحفاظ 2/425. وتهذيب التهذيب 9/182.
3 انظر: ص 126.
4 انظر: ص 173. والأنساب للسمعاني 470. وتهذيب الكمال في معرفة أسماء الرجال للمزَّي 6/600 وتذهيب تهذيب الكمال للذهبي 3/2/206أ.
5 انظر: ص 188.
6 انظر: ص 163.
7 انظر: ص 186.

(1/47)


- أبو ضمرة المدني- أنس بن عياض.
11ـ خالد بن مخلد القَطوَاني الكوفي (ت 213هـ) 1. نقل عنه في موضع واحد.
- الدورقي- أحمد بن أبي إسحاق.
12ـ سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري البغدادي (138-201هـ) 2. نقل عنه في موضع واحد.
- سعدويه- سعيد بن سليمان.
13ـ سعيد بن سليمان الضبي الواسطي البزاز، المعروف بسعدويه. سكن بغداد وتوفي فيها (225هـ) 3.
14ـ سعيد بن عامر الضبعي البصري (112- 208هـ) 4. نقل عنه في موضع واحد.
15ـ سفيان بن عيينة الكوفي ثم المكي (107-198هـ) 5. نقل عنه في ستة مواضع.
16ـ سليمان بن حرب البجلي البصري (140هـ- 224هـ) قاضي مكة. قدم بغداد وحدث فيها6. نقل عنه في موضع واحد.
__________
1 انظر: ص 447.
2 انظر: ص 205.
3 انظر: ص 136.
4 انظر: ص 90.
5 انظر: ص 167. وتاريخ بغداد. والعبر للذهبي 1/407. ونهذيب التهذيب 9/182. وفتح المغيث 3/354.
6 انظر: ص 163.

(1/48)


17ـ شعيب بن حرب الخراساني البغدادي، ثم المدائني، نزيل مكة (ت 197هـ) 1. نقل عنه في موضع واحد.
- أبو ضمرة - أنس بن عياض.
- عارم بن الفضل السدوسي - محمد بن الفضل.
18ـ عبد الرحمن بن مقاتل القشيري، أو التستري البصري. نقل عنه في موضع واحد2.
19ـ عبد الرحمن بن مهدي البصري صاحب اللؤلؤ (135-198هـ) 3. نقل عنه في ثلاثة مواضع.
20ـ عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن الأويسي المدني الفقيه. توفي في آواخر القرن الثاني4. ونقل عنه ابن سعد في أربعة مواضع.
21ـ عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي (ت 220هـ) 5. نقل عنه في موضع واحد.
22ـ عبد الله بن صالح المصري (ت 220هـ) كاتب الليث بن سعد6. نقل عنه في ثلاثة مواضع.
23ـ عبد الله بن محمد بن عمارة القدَّاحي الأنصاري المدني، النسَّابة سكن بغداد (ت آخر القرن الثاني) 7. نقل عنه في موضع واحد.
__________
1 انظر: ص 179.
2 انظر: ص 197.
3 انظر: ص 165.
4 انظر: ص 166.
5 انظر: ص 265.
6 انظر: ص 180.
7 انظر: ص 284.

(1/49)


24ـ عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي (ت 220 أو 221هـ) 1. نقل عنه في ثلاثة مواضع.
25ـ عبد الله بن وهب بن مسلم المصري الفقيه (125-197هـ) 2. نقل عنه في ثلاثة مواضع.
26ـ عفان بن مسلم بن عبد الله البصري (ت 134-220هـ) نزيل بغداد3. نقل عنه في موضعين.
27ـ العلاء بن عبد الجبار البصري العطار نزيل مكة (ت 212هـ) 4. نقل عنه في موضع واحد.
28ـ عمرو بن عاصم الكلابي البصري نزيل بغداد (ت 213هـ) 5. نقل عنه في موضع واحد.
29ـ عمرو بن الهيثم بن قطن البصري أبو قطن، قدم بغداد (ت 198 أو بعد 200هـ) 6. نقل عنه في موضع واحد.
- ابن أبي فُديك - محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك.
30ـ الفضل بن دُكين الكوفي (130- 219هـ) قدم بغداد 7. نقل عنه ابن سعد في موضع واحد.
31ـ قَبيصة بن عقبة بن محمد السُوائي8 (ت 215) .
__________
1 انظر: ص 126.
2 انظر: ص 315.
3 انظر: ص 165.
4 انظر: ص 192.
5 انظر: ص 230.
6 انظر: 204.
7 انظر: ص 137.
8 انظر: بحوث في تاريخ السنة 78.

(1/50)


- ابن القداح - عبد الله بن محمد بن عمارة.
- أبو قطن - عمرو بن الهيثم.
- القعنبي - عبد الله بن مسلمة.
32ـ محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك المدني ت 199هـ1. نقل عنه في موضع واحد.
33ـ محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم أبو أحمد الزبيري2 (ت 203هـ) .
34ـ محمد بن عُبيد الطنافسي الكوفي (127-204هـ) نزيل بغداد3. نقل عنه في موضع واحد.
35ـ محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني (130-207هـ) نزيل بغداد4. نقل عنه في ثلاثة وأربعين ومائة موضع.
36ـ محمد بن الفضل السدوسي المعروف بعارم بن الفضل البصري (ت 224هـ) 5. نقل عنه في ثلاثة مواضع.
37ـ محمد بن يزيد بن خُنَيس المكي (ت بعد 220هـ) 6. نقل عنه في موضع واحد.
38ـ مسلم بن إبراهيم الأزدي7 البصري (ت 222هـ) .
__________
1 انظر: ص 134. وتاريخ بغداد 5/321. وتذهيب التهذيب 3/2/206أ. وتهذيب التهذيب 9/182.
2 انظر: فتح المغيث 3/354.
3 انظر: ص 136.
4 انظر: ص 94. تاريخ بغداد 3/3. وتهذيب الكمال 6/600. وتذكرة الحفاظ 2/425.
5 انظر: ص 143.
6 انظر: ص 89.
7 انظر: بحوث في تاريخ السنة 78.

(1/51)


39ـ مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري النسابة المدني، نزيل بغداد1. (ت 236هـ) . نقل عنه في خمسة مواضع.
40ـ مطرَّف بن عبد الله اليساري الأصم المدني2 (137-220هـ) . نقل عنه في ثمانية عشر موضعاً.
41ـ المعلََّى بن أسد العمي أبو الهيثم البصري3 (ت 218) . نقل عنه في موضع واحد.
42ـ معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي القزاز المدني (ت 198هـ) 4. نقل عنه في ثمانية عشر موضعاً.
- الواقدي - محمد بن عمر بن واقد.
43ـ وكيع بن الجراح بن مُليح الرؤاسي الكوفي (ت 196 أو أول 197هـ) 5. نقل عنه في موضعين.
- أبو الوليد الطيالسي - هشام بن عبد الملك.
44ـ الوليد بن مسلم مولى بني أمية الدمشقي، اشتهر بعلم المغازي (ت آخر 194هـ) بعد أداء فريضة الحج في طريقه إلى دمشق6. نقل عنه في موضع واحد.
45ـ هشام بن عبد الملك الباهلي أبو الوليد الطيالسي البصري (ت 227هـ) 7.
__________
1 انظر: ص 112.
2 انظر: ص 167.
3 انظر: ص 121.
4 انظر: ص 111. وتاريخ بغداد 5/321. وتهذيب الكمال للمزي 6/600. وتهذيب التهذيب 2/182.
5 انظر: ص 121. وفتح المغيث 3/354.
6 انظر: ص 179. وتاريخ بغداد 5/321. تذهيب التهذيب 3/2/206أ. وفتح المغيث 3/154.
7 انظر: تهذيب الكمال 6/600. وتهذيب التهذيب 9/182. وفتح المغيث 3/354.

(1/52)


46ـ هُشيم بن بشير الواسطي (103-183هـ) نزل بغداد ومات فيها1.
47ـ يحيى بن سعيد القطان البصري (120-198هـ) نزيل بغداد اشتهر بمعرفة الحديث ونقد الرجال2. نقل عنه في موضعين
48ـ يزيد بن هارون مولى بني سُليم الواسطي، قدم بغداد، وكان فقيهاً عابداً (ت 206هـ) 3. نقل عنه في موضعين.
49ـ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الزهري المدني، نزيل بغداد (ت 208هـ) 4. نقل عنه في ثلاثة مواضع.
تلاميذه:
أحمد بن عبيد5 بن ناصح البغدادي النحوي المعروف بأبي عصيدة (ت بعد 270هـ) . وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذُري6 (ت 279هـ) المؤرخ المعروف، صاحب (فتوح البلدان) و (أنساب الأشراف) 7. وأبو بكر بن أبي دنيا عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان البغدادي (ت 281هـ) 8. صاحب المصنفات الكثيرة في الزهد والرقائق9. والحارث بن محمد بن
__________
1 انظر: الجرح والتعديل 3/2/262. وتاريخ بغداد 5/321، 14/85. وتذكرة الحفاظ 2/425.
2 انظر: ص 125.
3 انظر: ص 122.
4 انظر: ص 168.
5 انظر: تهذيب التهذيب 9/182.
6 انظر: تذكرة الحفاظ 2/425. وتهذيب التهذيب 9/182.
7 انظر: الفهرست 164. وتاريخ التراث لسزكين 1/513.
8 انظر: تاريخ بغداد 10/89.
9 انظر: الفهرست لابن نديم 262.

(1/53)


أبي أسامة1البغدادي (ت 282هـ) صاحب المسند. وراوي الطبقات الكبرى عنه2. والحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فَهُم البغدادي (ت 289هـ) 3 راوية الطبقات الكبرى عنه4أيضاً.
من أخرج له من أصحاب الكتب الستة:
ذكرت بعض المصادر، أن أبا داود أخرج لابن سعد في (سننه) 5. وقال المزَّي وابن حجر: قال أبو داود: "حدثنا أحمد بن عبيد، عن محمد بن سعد، عن أبي الوليد الطيالسي، قال: يقولون قبيصة بن وقاص6 له صحبة7". وزاد ابن حجر: "وما له في الكتب غير هذا، والله أعلم"8.
ومع أن ابن سعد اهتم بالإسناد اهتماماً بالغاً ودقيقاً، فلم يحظ باهتمام أصحاب الكتب الستة، ربما لأنه عاصر بعض مؤلفيها وهم يطلبون الإسناد العالي ولأن جل اهتمامه كان متجهاً إلى دراسة الأخبار والأنساب، ومعرفة الرواة
__________
1 انظر: تاريخ بغداد 5/321. وتذكرة الحفاظ 2/425. وتهذيب التهذيب 9/182.
2 لقد رواها الذهبي من طريق الحارث. وقال فؤاد سزكين: وصل إلينا هذا الكتاب برواية الحارث بن أبي أسامة اهـ. وطبعة دار صادر للكتاب. بروايته أيضاً. (أنظر: طبقات ابن سعد 1/19. طبعة دار صادر. و1/1/1. طبعة دار التحرير وتذكرة الحفاظ 2/619. والعبر 5/83. وتاريخ التراث1/481) .
3 انظر تاريخ بغداد 8/92.
4 انظر: العبر للذهبي 5/83.
5 انظر: تهذيب الكمال 6/600. وتذهيب تهذيب الكمال 3/2/206أ. وميزان الاعتدال 3/560. وتهذيب التهذيب 9/183. وتقريب التهذيب 298. وفتح المغيث 3/354.
6 هو قبيصة بن وقاص السلمي، ويقال الليثي. ذكره ابن حجر في عداد الصحابة. سكن المدينة ويعد في البصريين. (انظر: الإصابة 3/223) .
7 انظر: تهذيب الكمال 6/600. وتهذيب التهذيب 9/183.
8 انظر: تهذيب التهذيب 9/183.

(1/54)


مما قلل من اهتمامه بالمتون والتدقيق فيها. ومثل كتابه في طبقات يُتَساهل فيه عادة في قبول الروايات1.
مؤلفاته:
1ـ الطبقات الكبرى: أجمعت المصادر على نسبة هذا الكتاب لابن سعد2. وأصله يقع في خمسة عشر مجلداً3. وقد طبع في ليدن بثمان مجلدات وأضيفت إليه الفهارس في مجلد تاسع، ثم طبع في بيروت على ضوء طبعة ليدن4، وجرد من التحقيقات والشروح. كما طبع في دار التحرير بمصر اعتماداً على الطبعة الأولى أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الطبعات الثلاث لم تشتمل على هذه القطعة التي أحققها.
ويذكر ابن النديم (ت 385هـ) ، وإسماعيل البغدادي (ت 1339هـ) ، أن لابن سعد كتاب (أخبار النبي صلى الله عليه وسلم) 5. وهذا الكتاب ليس إلاَّ المجلد الأول والقسم الأكبر من المجلد الثاني من كتاب (الطبقات الكبرى) ، حيث يختمه ابن سعد بقوله: "آخر خبر النبي صلى الله عليه وسلم"6،
__________
1 من توجيهات المشرف.
2 انظر: طبقات ابن سعد 7/364. ذكر ذلك رواي الكتاب. وكشف الظنون 2/1099. وهدية العارفين 2/11. والرسالة المستطرفة للكتاني 138. والأعلام للزركلي 7/6. ودائرة المعارف الإسلامية 1/190. وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/19. والمغازي الأولى ومؤلفوها لهورفتس 127. ومعجم المؤلفين 10/21. وتاريخ التراث لسزكين 1/481. ونشأة علم التاريخ عند العرب للدوري 32.
3 انظر: المصدرين السابقين الأولين.
4 انظر: تاريخ التراث لسزكين 1/481.
5 انظر: الفهرست لابن النديم 145. وهدية العارفين 2/11.
6 انظر: طبقات ابن سعد 2/333. (تصوير دار صادر بيروت) . و 2/98. (طبعة دار التحرير) .

(1/55)


ويتكلم فيه عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مفصل. وقد انتشر على أنه كتاب مستقل1.
ثم جمعه أحمد بن معروف بن بشر بن موسى الخشاب إلى باقي أجزاء الطبقات الكبرى -التي تبدأ بطبقات الصحابة- في كتاب واحد2.
وصرح حاجي خليفة بوجود كتاب (إنجاز الوعد المنتقى من طبقات ابن سعد) للسيوطي3.
2ـ الطبقات الصغرى4: يقول فؤاد سزكين أثناء وصفه لهذا الكتاب إنه يشتمل على نفس التراجم الموجودة في الكبير، غير أنها مختصرة، ويبدو أنه ألفه قبل الكبير. وهو مخطوط في متحف الآثار باستنبول، تحت رقم 435، مكون من (139 ورقة. تاريخه في القرن السادس الهجري) 5.
3ـ الزخرف القصري في ترجمة أبي الحسن البصري: أي الحسين بن يسار6.
4ـ القصيدة الحلوانية في افتخار القحطنيّين على العدنانيين: تنسب له7 وتوجد في مخطوط بالقاهرة، ثاني 3/2838.
__________
1 انظر: دائرة المعارف الإسلامية 1/190. وتاريخ الأدب العربي 3/19. والمغازي الأولى ومؤلفوها 127. ونشأة علم التاريخ للدوري 32.
2 انظر: المغازي الأولى ومؤلفوها 127.
3 انظر: كشف الظنون 2/1099.
4 انظر: تذكرة الحفاظ 2/425. ووفيات الأعيان 4/351. والوافي بالوفيات 3/88. وكشف الظنون 2/1099. وهدية العارفين 2/11 والرسالة المستطرفة للكتاني 138. وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/481.
5 انظر: تاريخ التراث العربي 1/481.
6 انظر: هدية العارفين 2/11. ومعجم المؤلفين 10/21.
7 انظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/19. وتاريخ التراث العربي 1/481.
8 انظر: تاريخ الأدب العربي 3/19.

(1/56)


وهناك شرح لهذه القصيدة كتبه غازي بن يزيد1. يوجد في دار الكتب بالقاهرة (2) 5/44 أنساب2.
5ـ التاريخ: ذكر الذهبي والكتاني أن لابن سعد (مصنف في التاريخ) 3، بالإضافة إلى ما كتبه تلميذ ابن سعد وراوي كتابه الطبقات الكبرى الحسين بن فُهَم في ترجمة عقدها لشيخه ابن سعد في الطبقات الكبرى قال فيها: "كان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه". ونقل ذلك عنه الخطيب4.
وأهم هذه التصانيف، أولها (الطبقات الكبرى) ، الذي نال ثناء العلماء، لشموله وحسن تصنيفه. فقال الخطيب البغدادي وغيره: صنف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتابعين، والخالفين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن5.
وقال حاجي خليفة: "كتاب الطبقات أعظم ما صُنف في طبقات الرواة"6.
وورد في دائرة المعارف: "أهم تصانيفه الطبقات"7.
وهكذا حظي الكتاب بقسط وافر من ثناء العلماء حتى عُرف ابن سعد به فقال الذهبي: "صاحب الطبقات والتاريخ"8. وقال أيضاً: "مصنف الطبقات
__________
1 انظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/19. وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/481.
2 انظر: تاريخ التراث العربي 1/481.
3 انظر: تذكرة الحفاظ 2/425. والرسالة المستطرفة للكتاني 138.
4 انظر: طبقات ابن سعد 7/364. وتاريخ بغداد 5/322.
5 انظر: المصدرين السابقين. ووفيات الأعيان 4/351. والنجوم الزاهرة 2/258. والأنساب للسمعاني 470. وتهذيب الكمال للمزي 6/600.
6 انظر: كشف الظنون 2/1099.
7 انظر: دائرة المعارف الإسلامية 1/190.
8 انظر: العبر في خبر من غبر 1/407. وتذهيب التهذيب 3/2/206أ.

(1/57)


الكبير، والصغير، والتاريخ"1. وقال ابن حجر: "صاحب الطبقات"2.
وفاته:
اختلفت المصادر في تأريخ وفاة ابن سعد على ثلاثة أقوال:
الأول: ما ذكره الصفدي بقوله: "توفي ببغداد يوم الأحد رابع جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين ومائتين، على اختلاف في ذلك، وهو ابن اثنين وستين عاماً"3.
الثاني: ما قاله ابن أبي حاتم: إنه (مات سنة ست وثلاثين ومائتين"4.
الثالث: ما أرخه الحسين بن فَهُم. حيث قال: "توفي ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين، ودفن في مقبرة باب الشام وهو ابن اثنتين وستين سنة"5. كما رواه الخطيب بسنده عن ابن فَهُم أيضاً.
بالإضافة إلى أن أكثر المصادر على أنه توفي في تلك السنة6 أي سنة ثلاثين ومائتين. وهذا هو الراجح في وفاته. لأن تلميذه الحسين بن فَهُم هو أعرف
__________
1 انظر: تذكرة الحفاظ 2/425.
2 انظر: تهذيب التهذيب 9/182.
3 انظر: الوافي بالوفيات 3/88.
4 انظر: الجرح والتعديل 3/2/262.
5 انظر: طبقات ابن سعد 7/364. وتاريخ بغداد 5/322. والكامل في التاريخ لابن الأثير 7/18. ووفيات الأعيان 4/352. وتهذيب الكمال 6/600. والعبر للذهبي 1/407. وتذكرة الحفاظ له 2/425. ومرآة الجنان 2/100. والبداية والنهاية 10/303. وتقريب التهذيب 298. والنجوم الزاهرة 2/258. وطبقات الحفاظ للسيوطي 183.وشذرات الذهب 2/69.
6 انظر: طبقات ابن سعد 7/364.

(1/58)


الناس بتأريخ وفاة شيخه، لكثرة ملازمته له باعتباره أحد رواة كتاب الطبقات الكبرى1.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى بعض التراجم الموجودة في طبقات ابن سعد، والتي تواريخ وفيات أصحابها بعد وفاة المؤلف مثل:
- إبراهيم بن محمد بن عرعرة البغدادي، المتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين2.
- والحكم بن موسى البزاز البغدادي، المتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين3.
- وعبد الجبار بن عاصم البغدادي المتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين4.
- ومحمد بن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، المتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين5.
- وعبيد الله بن عمر القواريري البغدادي، المتوفي سنة خمس وثلاثين ومائتين6.
- وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام الهروي البغدادي، المتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين7.
- ويحيى بن عثمان أبو زكريا الخراساني البغدادي، المتوفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين8.
__________
1 انظر: كلمة ساخاو أثناء كلامه عن الجزء السابع (7/238 -طبعة دار التحرير بمصر- والمغازي الأولى ومؤلفوها لهورفتس 127) .
2 انظر: طبقات ابن سعد 7/359 تصوير دار صادر بيروت.
3 المصدر السابق 7/346.
4 المصدر السابق 7/350.
5 انظر: المصدر السابق 6/413.
6 انظر: المصدر السابق 7/350.
7 المصدر السابق 7/359.
8 المصدر السابق 7/351.

(1/59)


لا شك أن مثل هذه التراجم التي وردت في كتاب الطبقات الكبرى ليست من تصنيف المؤلف، خاصة عندما نجد فيه ترجمة للمؤلف نفسه قد وردت في الكتاب، وأن تأريخ وفاته سنة ثلاثين ومائتين. وورد فيها أيضاً: "وهو الذي ألف هذا الكتاب كتاب الطبقات واستخرجه وصنفه ورُوي عنه"1.
وقد قال ادوارد ساخاو: وبعد موته -ابن سعد- قام المؤلف آخر وهو على الأرجح ابن فَهُم المتوفي سنة 289هـ بكتابة ملحوظة عنه هو نفسه، كما أضاف بعض الملحوظات عن رجال آخرين في السنوات الثمانية التالية لموته2.
كما روى الخطيب بسنده عن ابن فَهُم، فقال: "محمد بن سعد صاحب الواقدي، وهو مولى الحسين بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن عبد المطلب، توفي ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين ودفن في مقبرة باب الشام، وهو ابن اثنتين وستين سنة، وكان كثير الحديث والرواية وكثير الطلب وكثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه"3. وهذه الرواية استوعبت تقريباً كل ترجمة ابن سعد التي وردت في الطبقات الكبرى4. وهي من رواية الحارث بن أبي أسامة عن ابن سعد. مما يجعل ترجيح ساخاو فيه نظر، ويبقى الأمر محتملاً، ولا تترجح الإضافة على يد ابن فَهُم. بل لعل ابن فَهُم أو غيره ممن روى الطبقات عن ابن سعد، سجل تلك الإضافات على نسخته، فجاء ناسخ لا يجيد التفريق بين الحاشية والأصل، فأدخلها في صلب الكتاب. أو أنه أضاف تراجم وهو يعرف ويعتبر ذلك لا بأس به باعتباره راوي الكتاب، كما فعل رواة تاريخ ابن معين
__________
1 انظر: طبقات ابن سعد 7/364 -تصوير دار صادر، بيورت- و 7/2/96 -طبعة دار التحرير-.
2 انظر: المصدر السابق 7/2/238. -طبعة دار التحرير بمصر-.
3 انظر: تاريخ بغداد 5/322. وتهذيب التهذيب 9/183.
4 انظر: طبقات ابن سعد 7/364. -تصوير دار صادر بيروت-و 7/2/96. -طبعة دار التحرير-.

(1/60)


كالدوري؛ إذ يتعقب ابن معين، أو يعلق، أو يذكر أشياء، والناس يعرفون أنه من تعليقات التلميذ وليس الشيخ. فهذا مثل ذاك لأن الاثنين متعاصران، والله أعلم.
فيتضح مما تقدم أن هناك تراجم قد أدخلها أحد رواة الطبقات فيه بعد وفاة شيخه ابن سعد.
وليُعلم أن كل ترجمة وردت في هذا الكتاب -طبقات ابن سعد- وتأريخ وفاة صاحبها بعد سنة ثلاثين ومائتين، فإنهما قطعاً ليست من تصنيف المؤلف وإنما أدخلت مؤخراً بعد وفاته.
لقد ذكرتُ هذا التفصيل في تأريخ وفاته، كي لا يلتبس الأمر على من وقف في الطبقات على ترجمة لأحد الأعلام المتوفين بعد وفاة المؤلف، فيظن من رأى ترجمة من هذا القبيل، أن تأريخ وفاة المؤلف سنة ثلاثين ومائتين غير صحيح خاصة وأن الخلاف قائم في تأريخ وفاته.

(1/61)


ثانيا: دراسة الكتاب
ثانياً: دراسة هذا القسم من الطبقات الكبرى
منهج ابن سعد في هذا القسم
يهتم ابن سعد في ترجمة الرجل بذكر نسبه لأبيه وأمه، وبتعداد أولاده من بنين وبنات، مع ذكر أمهاتهم وسرد نسبهن، فتجده يرجع بسلسلة النسب إلى ما قبل الإسلام، لذلك كان كتابه غنياً بعلم الأنساب، مما يدل على تضلعه بهذا الفن.
وإضافة إلى ذلك فإنه غالباً ما يذكر كنية رجل، ولقبه. كما قد يذكر المهنة التي يزاولها. وفي كثير من الأحيان يقدم معلومات دقيقة عن الشخص مبيناً فيها بعض الجوانب المتعلقة بصفاته الخُلُقية، أو بأحواله الدالة على مكانته العلمية أو على عقيدته. وقد يستعرض الأحداث الهامة التي وقعت له. ويهتم بوصف المظهر الخارجي لصاحب الترجمة ليتمكن القارئ من تصوره قدر الإمكان، فيبين نوع الخضاب الذي يخضب به شعره ولحيته، ويتحدث عن نوع ولون الثياب التي يرتديها، والعمامة التي يعتم بها. وعن نوع الخاتم الذي يتختم به، وعن صيغة نقشه إن وجد.
وكذلك يشير أحياناً إلى الوظائف الإدارية التي كان يشغلها الرجل من ولاية أو قضاء.
وقد يحدد المكان الذي سكن فيه من المدينة، أو من ضاحيتها، فيعطي بذلك معلومات مشتتة عن خطط المدينة. ثم يتتبع خطاه في رحلاته إلى الأمصار

(1/65)


الأخرى، مما جعله يكرر الترجمة في عدة مواضع من كتابه حسب تنقل الشخص. ولعله في بعض الأحيان يذكر نموذجاً من شيوخه، أو تلاميذه، وكلما كان صاحب الترجمة مشهوراً بعلمه وفضله برزت هذه التفصيلات وطالت الترجمة والعكس صحيح.ومن خلال هذه التفصيلات التي يذكرها ابن سعد تتضح مادته الغريزة بالأخبار التي كانت موضع اهتمام المؤرخين فيما بعد، والتي أوقفتنا على معالم الحياة العلمية والاجتماعية في النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
كما التزم بذكر إسناد الروايات المختلفة التي ساقها في كتابه، مما يدل على أمانته العلمية، وصدق إخلاصه.
وإذا أراد أن ينهي الترجمة، فإنه يختمها بما يظهر له من حال الرجل جرحاً أو تعديلاً، وإلاَّ يسكت عن ذلك، ويشير إلى كثرة حديثه، أو قلته، وقلما يحيد عن هذه الطريقة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد اهتم بذكر الموالي الذين عنُوا برواية الحديث. وتظهر تراجمهم قصيرة في الغالب.
موارده في هذا القسم:
لا يمكن الكلام بدقة عن طبيعة معلوماته التي نقلها عن كل شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين ينيفون على الأربعين شيخاً، ولكن ابن سعد في هذا القسم اعتمد بصورة رئيسية على شيخه محمد بن عمر الواقدي الذي اعترف العلماء بغزارة معلوماته التاريخية، لكن المحدثين ضعفوه في الحديث1. وحكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه (متروك) 2، ولكنهم مع ذلك استمروا في النقل عنه،
__________
1 انظر: الضعفاء الصغير للبخاري 104. والضعفاء والمتروكين للنسائي 93. وتهذيب التهذيب 9/363.
2 انظر: تقريب التهذيب 312.

(1/66)


خاصة في السيرة وتاريخ صدر الإسلام. وقد نقل عنه ابن سعد في ثلاثة وأربعين ومائة موضع في هذا القسم وحده. ممل يدل على أنه مصدره الرئيسي في معلوماته المتعلقة بطبقات أهل المدينة. وبعض هذه الروايات عبر عنها ابن سعد بلفظ (قال) ، وعبر عن بعضها الآخر بألفاظ صريحة في السماع عن شيخه الواقدي، ومعظم هذه الروايات يتعلق بسني الوفيات، أو بفضل وورع صاحب الترجمة وجرأته في الحق، أو بمكانته الاجتماعية، أو بذكر المناصب الإدارية التي شغلها -ولاية أو قضاء-، أو بنشاطه الثقافي، أو بنوع اللباس الذي يلبسه والخضاب الذي يخضب به. وقد أشارت بعض هذه النصوص إلى بعض الحوادث التأريخية المشهورة. أو إلى بعض الأقوال المتعلقة بنقد الرجال وربما ورد فيها روايات حديثية.
ويلي الواقدي في كثرة الاقتباسات عنه في هذا القسم اثنان:
الأول- هو معن بن عيسى الأشجعي القزاز.
والثاني- مطرف بن عبد الله اليساري. وكلاهما من أهل المدينة. ومطلعان على أحوال علمائها ورواتها.
فأما معن بن عيسى، فقد نقل عنه ابن سعد في ثمانية عشر موضعاً نقلاً مباشراً، نصوصاً تتناول: عبادة صاحب الترجمة وانعكاس أثر ذلك عليه، وتسلمه لوظيفة القضاء، أو نوع اللباس، ونوع الخاتم وبأي يد يضعه، ونوع العمامة ومتى يضعها، ونوع الخضاب.
وأما مطرف بن عبد الله اليساري، فقد نقل عنه في ثمانية عشر موضعاً نقلاً مباشراً أيضاً، وسائر هذه النصوص يرويها مطرف عن مالك بن أنس عدا روايتين وتتعلق هذه النصوص بالمكانة العلمية لصاحب الترجمة، وبدرجة ورعه وتقواه وقد تتعلق بوصف شخصه، أو بوضع العمائم ونوعها. كما ورد في أحد

(1/67)


النصوص بعض المصطلحات الحديثية عن مالك، كالعرض والمشافهة وغيرها1.
ويليها في أهمية إثنان، هما: إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس وأحمد بن أبي إسحاق إبراهيم الدورقي.
فأما إسماعيل الأويسي، فقد نقل عنه ابن سعد في أحد عشر موضعاً نقلاً مباشراً، نصوصاً تتناول الصباغ والخواتيم وأنواعها. كما ورد في بعضها قول مالك: بعدم الفرق بين سماع الحديث وعرضه2. وقوله: بزيادة الإيمان ونقصانه3. وانفرد نص من هذه النصوص بتأريخ وفاة الإمام مالك.
وأما الدورقي، فقد نقل عنه في عشرة مواضع نقلاً مباشراً. نصوصاً تتناول كثرة عبادة وورع آل المنكدر بن عبد الله بن الهُدَيْر، ومكانتهم الإجتماعية في المدينة المنورة آنذاك.
أما بقية الشيوخ الأربعين فقد نقل عن كل منهم ما بين رواية واحدة إلى خمس روايات4. وهي تكفي للحكم على نوع اهتمامهم وطبيعة مروياتهم، ولكنها تدل على كثرة مصادر ابن سعد في هذا القسم من طبقاته، وأنه لم يقتصر على معلومات شيخه الواقدي بل أضاف إليه روايات من شيوخ آخرين.
وهناك روايات مختلفة نقلها ابن سعد تعليقاً عن عدد من التابعين فهو ينقل عن سعيد بن أبي مريم (144-224هـ) في موضع واحد بصيغة (أُخبرت) .
وعن عبد الرزاق بن هَّمام الحِمْيَري (ت 211هـ) -صاحب المصنف- في موضعين بنفس الصيغة.
__________
1 انظر: ص 438.
2 المصدر السابق.
3 انظر: ص 439-440.
4 راجع قائمة شيوخه لمعرفة توزيع هذه النقول.

(1/68)


وعن الليث بن سعد المصري (ت 175هـ) في موضع واحد بنفس الصيغة أيضاً.
وعن مالك بن أنس (ت 179هـ) في موضع واحد، بلفظ (قال) .
وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (ت 158هـ) في موضع واحد بنفس اللفظ أيضاً.
أهمية هذا القسم:
لا شك أن أهمية هذا القسم داخلة في أهمية الكتاب -كتاب الطبقات الكبرى- ككل، باعتباره من أقدم ما وصل إلينا من كتب (الطبقات) ، ولاحتوائه على السيرة مفصلة للنبي صلى الله عليه وسلم، اعتمد عليها المؤلفون الذين كتبوا في تاريخ السيرة فيما بعد، والذي يهمنا من هذا الكتاب باقي المجلدات التي تناولت طبقات المحدثين، من الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى عصر المؤلف.
(وتُلقي هذه المعلومات التي قدمها ابن سعد، أضواء على الحياة الثقافية والحضارية في القرنين الأول والثاني الهجريين، مما يجعل لكتابه أهمية كبيرة من الناحية التأريخية) 1. وكذلك من الناحية النقدية إذ اعتبر العلماء كلام ابن سعد في الجرح والتعديل جيداً مقبولاً2. أضف إلى ذلك ما لقيه الكتاب من ثناء العلماء على فوائده، الكثيرة وحسن تصنيفه3.
وطالما اقتصرت دراستي على هذا القسم غير المطبوع من (الطبقات الكبرى) فإنني سأبرز أهمية هذا القسم بالذات من خلال دراستي له.
__________
1 انظر: بحوث في تاريخ السنة المشرفة 76/78.
2 انظر: الإعلان بالتوبيخ 342.
3 انظر: مقدمة ابن صلاح 599. وكشف الظنون 2/1099. ونشأة علم التاريخ عند العرب 32.

(1/69)


لقد استقى ابن سعد روايات هذا القسم من عدد كبير ينيف على أربعين شيخاً، من مشاهير العلماء، أفاد منهم حسب الفنون التي تميزوا بها، مما يدل على حسن اختياره لمرويات كتابه من مظانها المتخصصة.
وتعظم أهمية هذا القسم من كتاب الطبقات بسبب فقدان المؤلفات الأولى من التواريخ التي تناولت تاريخ علماء ورواة المدينة المنورة في القرنين الأولين.
وتتضح أهميته أيضاً بنقول المؤلفين عنه في كتبهم المختلفة. فقد نقل عنه الطبري (ت 310هـ) في (تاريخ الأمم والملوك) . ووكيع بن حيان (ت 306هـ) في (أخبار القضاة) . والأصبهاني (ت 430هـ) في (حلية الأولياء) . وابن ماكولا (ت 475هـ) في الإكمال. والخطيب البغدادي (ت 463هـ) في (تاريخ بغداد) . وابن عساكر (ت 571هـ) في (تاريخ مدينة دمشق) . والذهبي (ت 748هـ) في (تاريخ الإسلام) و (سير أعلام النبلاء) و (تذكرة الحفاظ) و (ميزان الاعتدال) . وابن حجر (ت 852هـ) في (تهذيب التهذيب) و (تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة) ، و (تبصير المنتبه) . وابن تغري بردي (ت 874هـ) 1. والسخاوي (ت 902هـ) في (التحفة اللطيفة) . والسيوطي (ت 911هـ) في (طبقات الحفاظ) . كما يتضح من الحواشي التحقيقات التي ذيلت بها هذا القسم من الطبقات.
ومما يزيد في أهمية هذا القسم، احتواؤه على بعض التراجم التي لا وجود لها في كتب التراجم التي بين أيدينا، وهذا يعطينا إضافة علمية جديدة قدمها لنا ابن سعد.
أضف إلى ذلك، أن هذا القسم سيكمل مصدراً من أقدم المصادر التي كتبت عن تاريخ المدينة المنورة، وهو كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد.
__________
1 يقول في (النجوم الزاهرة) 2/258، عند كلامه عن ابن سعد: (كان إماماً) فاضلاً عالماً حسن التصانيف، ونقلنا عنه كثيراً في الكتب.

(1/70)


نماذج من أقواله في الجرح والتعديل في هذا القسم:
(ثقة مأمون ثبت حجة) 1، (ثقة ثبت الحجة) 2 (ثقة ثبت) وربما أضاف: "وكان في عُسْر) 3، (ثبت في الحديث) 4. (ثقة مأمون) 5، (ثقة) 6، (ثقة في الحديث) 7، (ثقة يرسل) 8، (صاحب المراسيل) 9، (ثقة له أحاديث صالحة) 10، (ثقة حدث نفسه في آخره) 11، (ثقة ليس بحجة) 12، (له أحاديث صالحة) 13.
(ليس بذاك، وهو صالح الحديث) 14، (ليس بذاك) 15، (يستضعف) 16، (ضعيف) 17 (رأيتهم يهابون حديثه) 18، (لم أرهم يحتجون
__________
انظر التراجم التالية:
1: 372.
2: 108.
3: 323-387.
4: 328.
5: 16.
6: تتمة ترجمة عمر بن عبد العزيز وهي بداية هذا القسم.
7: 359.
8: 252.
9: 25.
10: 334.
11: 255.
12: 339.
13: 59.
14: 266.
15: 327.
16: 283.
17: 256.
18: 57.

(1/71)


بحديثه) 1، (لا يحتج بحديثه) 2، (لا يحتج به) 3، (ليس بحجة) 4، (له أحاديث منكرة) 5، (يروي أحاديث منكرة ولا يحتجون بحديثه) 6، (منكر الحديث لا يحتجون بحديثه) 7. وقد تصحب هذه الأقوال عبارة (كثير الحديث) أو (قليله) .
ابن سعد ونقده للرجال:
لا شك أن هذه النماذج الآنفة الذكر، التي أوردها ابن سعد في هذا القسم من الطبقات الكبرى، تدل على طوَل باعه في هذا المجال، خاصة إذا ما قورنت بأقوال النقاد الآخرين الذي يعول عليهم في نقد الرجال.
فقد ترجم لسبع وأربعمائة راو من تابعي أهل المدينة في هذا القسم، وثق منهم اثني عشر ومائة راوٍ، وافق حكمه حكم الجمهور في سبعة وثمانين راوياً منهم، وواثق بعض النقاد في توثيقه لسبعة عشر راوياً، ولو وازنَّا بين هذه الأقوال التي حكم فيها ابن سعد على هؤلاء السبعة عشر، وبين حكم ابن حجر العسقلاني عليهم، لوجدنا أن ابن سعد وثق الجميع بلفظ (كثير الحديث أو قليله) ، -وهذه الدرجة من التوثيق اعتبرها ابن حجر المرتبة الثالثة من مراتب قبول الرواية8، وهي عند البعض المرتبة الثانية9، وعند البعض الآخر
__________
1: 133.
2: 21.
3 357.
4: 389.
5: 324.
6: 145.
7: 262.
8 لأن الأولى عنده هي الصحابة، والثانية ما جاء بصيغة أفعل التفصيل. (انظر: مقدمة تقريب التهذيب 9) .
9 اعتبرها العراقي والذهبي المرتبة الثانية، لأن الأولى عندهما ما كرر لفظها. (انظر: تدريب الراوي 1/342) .

(1/72)


الأولى1- ونجد أن ابن حجر قد أصدر حكمه على ستة عشر رجلاً ثلاثة منهم أطلق عليهم لفظ (صدوق) 2 وواحد لفظ (لا بأس به) 3. وكلا اللفظين يُعدَّان عنده في المرتبة الرابعة من مراتب القبول4. ويقول في الباقين: "صدوق ربما وهم5 أو-له أوهام6، أو يهم7، أو ربما أخطأ8، أو يخطئ9، أو تغير في آخره10، أو سيئ الحفظ11، أو فيه لين"12. وجميع هذه الألفاظ عند ابن حجر في المرتبة الخامسة13
وقد خالف ابن سعد الجمهور النقاد في حكمه على ستة رواة، فقد وثق ثلاثة منهم. قال البخاري في أحدهم: "حديثه منكر"14. وفي الثاني: "منكر الحديث"15، أما الثالث فقد أجمع النقاد على ضعفه16. وقال ابن سعد في الرابع (ثقة كثير الحديث يرسل) . والجمهور على أنه ضعيف. وزاد ابن حجر: "كثير الإرسال"17.
__________
1 وهي الأولى باعتبار ابن أبي حاتم. (انظر: مقدمة الجرح والتعديل 10) .
2 انظر: التراجم 236 و 255 و 364.
3 انظر: الترجمة 189.
4 انظر: مقدمة التقريب 9.
5 انظر: الترجمة 235 و 339 وزاد: رمي بالقدر.
6 انظر: الترجمة 148 و 323 قال ابن سعد فيه: ثقة ثبت فيه عسر.
7 انظر: الترجمة 304 و 325.
8 انظر: الترجمة 259.
9 انظر: الترجمة 163 و 375.
10 انظر: الترجمة 255. زاد ابن سعد: حدث نفسه في آخره.
11 انظر: الترجمة 246.
12 انظر: الترجمة 241.
13 انظر: مقدمة تقريب التهذيب 9.
14 انظر: الترجمة 278.
15 انظر: الترجمة 280.
16 انظر: الترجمة 312.
17 انظر: الترجمة 252.

(1/73)


وقال في الخامس: "ثبت في الحديث". وقال أبو حاتم والذهبي: "مجهول) 1.
وقال في السادس: "ثقة كثير الحديث ليس بحجة". والجمهور على أنه ضعيف2.
بقي راويان ممن وثقهم ابن سعد، أحدهما ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه3. والثاني لم أعثر على ترجمة له في عدد من المصادر4. وبهذا نكون قد أكملنا الموازنة بين أقوال ابن سعد في أصحاب التراجم الذين وثقهم، وبين أقوال النقاد الآخرين فيهم.
أما أصحاب التراجم الذين جرحهم في هذا القسم، فعددهم ثلاثون راوياً. وافق حكمه حكم الجمهور في ثمانية عشر راوياً. كما وافق بعض النقاد وخالف بعضهم في حكم على تسعة رواة. فضعف خمسة منهم بقوله (يُستضعف) .
قال البخاري في أحدهم: "منكر الحديث" وقال ابن المديني: "ليس بشيء". وقال الذهبي: "صالح الحديث"، وقال ابن حجر: "لين الحديث". ووثقه ابن معين وأبو داود، والساجي، والأزدي5.
أما الثاني، فقد لينه يحيى القطان. ويحيى الأنصاري. وقال ابن معين: "كانوا يتقون حديثه"، وقال مرة: "ثقة". وقال الذهبي: "شيخ مشهور حسن الحديث". وقال ابن حجر: "صدوق له أوهام"6.
__________
1 انظر: الترجمة 328.
2 انظر: الترجمة 339.
3 انظر: الترجمة 210.
4 انظر: الترجمة 280.
5 انظر: الترجمة 254.
6 انظر: الترجمة 283.

(1/74)


وقال ابن حجر في الثالث: "صدوق يهم"1. وفي الرابع: "صدوق له أوهام ورمي بالتشيع"2.
وأما الخامس فهو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، قال ابن سعد: كتب عنه العلماء، ومنهم من يستضعفه، ووثقه عندما عده في البغداديين. وهو عند أكثر النقاد ثبت في حديث، وقد لينه البعض. وقال الذهبي: "صدوق قوي الحديث". وقال ابن حجر: "صدوق يدلس، رُمي بالتشيع والقدر"3.
أما بالنسبة للأربعة الباقين من التسعة، فقد قال ابن سعد عن أحدهم: "لا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ لِأَنَّهُ يُرْسِلُ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم كَثِيرًا، وَلَيْسَ لَهُ لُقي وعامة أصحابه يدلسون". وقال عنه ابن حجر: "صدوق كثير التدليس والإرسال"4.
وقال عن الثاني: "رأيتهم يهابون حديثه". وقد اختلفت فيه أقوال النقاد وصرحت بعض الأقوال بأنه اختلط في آخره. وخلاصة الأقوال: أنه ثقة قبل الاختلاط، متروك بعده5.
وقال عن الثالث والرابع: "لا يحتج بحديثه"6. و"منكر الحديث لا يحتجون بحديثه"7. وقال ابن حجر: "صدوق يخطئ" و"صدوق في حديثه لين"، ويقال (تغير بآخره) .
بقي ثلاثة رواة، خالف حكمه حكم الجمهور فيهم.
__________
1 انظر: الترجمة 326.
2 انظر: الترجمة 374.
3 انظر: الترجمة 330.
4 انظر: الترجمة 21.
5 انظر: الترجمة 57.
6 انظر: الترجمة 113.
7 انظر: الترجمة 145.

(1/75)


قال في أحدهم: "لا يحتجون بحديثه". وقد وثقه العجلي، وصحح له الترمذي وابن خُزيمة وغيرهما. وقال أبو الحسن القطان: "لا يعرف حاله".وقال ابن حجر: "صدوق"1.
وقال في الثاني: "ليس بذلك". وثقه غير واحد. وقال ابن حجر: صدوق رُمي برأي الخوارج2.
وقال في الثالث: "وكان ثبتاً، ولا يحتجون بحديثه". بل احتج به مسلم وأبو داود والنسائي وأخرج له البخاري متابعة. ووثقه النسائي، والذهبي وابن حجر3.
يتضح من هذه النماذج أن ابن سعد كان متشدداً في التجريح أكثر منه في التعديل. وبذلك نكون قد كشفنا الستار عن مدى رسوخ قدم ابن سعد في نقد الرجال، لأن مثل هذه الأقوال، لا تصدر إلا عن إنسان عارف بالرجال وأحوالهم، متتبع لهم في حلَّهم وترحالهم، دارس لأخبارهم، واقف على سني وفياتهم، إلى آخر ما هنالك من أمور تتعلق في نقد الرجال ومعرفة أحوالهم.
فالموضوع صعب المنال، شائك الطريق، لا يناله إلا من كانت له قدم راسخة في هذا المجال.
فقد أتقن ابن سعد هذا الفن، وأفاد فيه وأجاد، وحسبه في ذلك شهادة النقاد له4، ونقولهم عنه أقواله في نقد الرجال، كالخطيب البغدادي، وابن حجر وغيرهما5.
__________
1 انظر: الترجمة 196.
2 انظر: الترجمة 327.
3 انظر: الترجمة 341.
4 انظر: أقوال النقاد فيه في هذه المقدمة ص 42.
5 انظر: دراسة أهمية هذا القسم في هذه المقدمة ص 69.

(1/76)


مرتبة ابن سعد بين النقاد:
قسم الذهبي النقاد إلى ثلاثة أقسام:1.
1ـ قسم متشدد، متعنت في الجرح متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، كابن معين، وأبي حاتم.
2ـ وقسم متساهل، كالترمذي، والحاكم.
3ـ وقسم معتدل، كأحمد، والدارقطني، وابن عدي.
ولو أمعنا في الموازنة السابقة، بين أقواله وبين أقوال النقاد في هذه المجموعة من الرجال الذين تكلم فيهم جرحاً أوتعديلاً، في هذا القسم. نجد أن الاعتدال يهيمن على غالبية أقوله، خاصة في التوثيق. أما الرواة الذين جرحهم ووافق فيهم بعض النقاد، وخالف البعض الآخر، فقد كان حكمه عليهم أشد نوعاً ما من حكم أكثر النقاد، غير أنه خالف الجمهور في حكمه على عدد قليل من الرواة، شأنه في ذلك شأن أئمة النقاد ولم يكن الرجل معصوماً عن الخطأ. واعتبر العلماء كلامه مقبولاً في الجرح والتعديل. فقال السخاوي: "وكذا تكلم في الجرح والتعديل أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته بكلام جيد مقبول"2.
وبعد هذه الموازنة، والاستقراء التام، لأقواله الواردة في هذا القسم من الكتاب أرى -حسب ما ظهر لي من دراسة هذا القسم- أن يُعد ابن سعد في مصاف المعتدلين من بين مراتب النقاد، والله أعلم.
وصف النسخة:
اعتمدت في التحقيق على صورة محفوظة في المكتبة العامة للجامعة
__________
1 انظر: الإعلان بالتوبيخ للسخاوي 353-355.
2 انظر: المصدر السابق 342.

(1/77)


الإسلامية بمجلدين تحت رقم 736، 737، ومسحوبة عن ميكروفيلم صوره الدكتور أكرم ضياء العمري من معهد المخطوطات بالقاهرة.
تشكل هذه النسخة قسماً كبيراً من تابعي أهل المدينة، كان قد سقط من المجلد الخامس في الطبقات المختلفة لكتاب (الطبقات الكبرى) 1.
يشتمل هذا السقط على ثلاثة أرباع تراجم الطبقة الثالثة، وكامل الطبقتين،والرابعة والخامسة، ونصف الطبقة السادسة تقريباً.
يبدأ هذا القسم بتتمة ترجمة عمر بن عبد العزيز، بما لا يزيد عن صفحة واحدة من الطبقة الثالثة، التي تتضمن 69 ترجمة، من أصل 92 ترجمة، وينتهي قبل نهاية ترجمة مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رافع بن خديج بسطرين وهو من الطبقة السادسةـ التي تتضمن 36 ترجمة، من أصل 76 ترجمة. أما الطبقة الرابعة والخامسة فعدد تراجم الرابعة 174، وعدد تراجم الخامسة 128.
وتقع هذه النسخة في 116 ورقة ذات وجهين، تبدأ بالورقة 144، وتنتهي بالورقة 259. وقد سقطت منها الورقة 234. ومعدل عدد الأسطر في الورقة 34 سطراً، وفي كل سطر 12 كلمة تقريباً. وقد كتبت بخط نسخي واضح مشكول بالحركات، لا غموض فيه ولا طمس إلا نادراً، ولعل ذلك يعود إلى اهتزاز الصورة أثناء السحب. ونسجت بأسلوب جزل واضح يفهمه القاصي والداني، وقد يحتاج أحياناً إلى إمعان النظر نوعاً ما.
أما بالنسبة للتعليقات في الحواشي، فهي نادرة جداً، ولا يوجد في الحواشي غالباً سوى توزيع أجزاء الكتاب، التي سجلها الناسخ في الزاوية اليسرى من أعلى الورقة، وتم توزيع الأجزاء بصورة منتظمة لكل عشر ورقات -بمعنى أن كل جزء منه يحتوي على عشرين صفحة- يبدأ هذا القسم من منتصف الجزء الخامس عشر، حيث سجل في زاوية الورقة 149: "سادس عشر تابع الطبقات) ثم تزيد الأجزاء جزءاً آخر في ورقة 159، هكذا حتى ينتهي
__________
1 انظر: مقدمة تحقيق المجلد الخامس من الطبقات لتسترستين: 69. طبعة دار التحرير.

(1/78)


آخر هذا القسم من المخطوط بنهاية الجزء السادس والعشرين، في الورقة الأخيرة 259.
ولم أقف على أصل النسخة الخطية لمعرفة اسم الناسخ، وتحديد تاريخ النسخ، وضبط السماعات، ونسبة الكتاب إلى المؤلف إِنْ وجد عليها ذلك. غير أن كثرة الاقتباسات المدونة في بطون الكتب بتصريح من ناقيلها، بأنهم أخذوها عن، أو من كتاب ابن سعد، دليل واضح على نسبة هذا القسم لصاحبه وعلى أنه من كتابه (الطبقات الكبرى) . بالإضافة إلى وحدة المادة بين القسم المطبوع وهذا القسم المخطوط من الكتاب. وإلى وحدة الأسلوب في التأليف بينهما أيضاً.
طريقة التحقيق:
1ـ قابلت مادة النسب بالكتب التالية: "نسب قريش) لمصعب الزبيري (ت 236هـ) و (الطبقات) لخليفة بن خياط (ت 240هـ) -لأنه قوبل بدوره بكتاب (النسب الكبير) لابن الكلبي (ت 204هـ) -، و (جمهرة نسب قريش) للزبير بن بكار (ت 256هـ) ، و (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم الأندلسي (ت 456هـ) . وقد أشير أحياناً إلى كتاب (المعارف) لابن قتيبة (ت 276هـ) . وثبت الاختلافات في الحواشي وأشرت إلى أماكن وجودها في هذه المصادر. وكذلك إذا وجدت بعض النقول عنه في الأنساب، أشير إلى ذلك المصدر الذي نقل عنه بالحواشي.
2ـ كما قابلت النسخة بما ورد عنها من نقول-خاصة في الجرح والتعديل والأخبار، وسني الوفيات- في الكتب المتأخرة، وذكرت مواضع هذه النقول في الحاشية، وإذا كان هناك اختلافات ثبتها بالحاشية أيضاً، مما يفيد في إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه.
3ـ وقد تكرر بعض التراجم في عدة مواضع من كتاب (الطبقات) -حسب تنقل صاحب الترجمة بين الأمصار المختلفة- كأن يذكر الرجل مع

(1/79)


تابعي أهل المدينة ثم يعقد له ترجمة مع الشاميين أو الكوفيين أو البصريين أو البغداديين، ولما حصل هذا التكرار لبعض التراجم، قارنتها ببعضها وثبت الاختلافات في الحواشي.
4ـ كما وضحت ما فيها من إشكالات، وفسرت ما فيها من غريب، وحددت الأماكن والبقاع، وذلك حسب المستطاع.
5ـ وعزوت الآيات القرآنية، إلى القرآن الكريم وخَّرجت الأحاديث النبوية على الكتب الستة، وغالباً ما أتجاوز هذا الشرط بتخريجها على الكتب الأخرى -كسنن الدارمي، وموطأ مالك، ومسند أحمد ومصنف عبد الرزاق وغيرها-، ثم أدرس أسانيدها الواردة في هذه النسخة وأحكم عليها. وقد أشرح الحديث مع بيان بعض ما يستفاد منه. بالإضافة إلى تخريج الأبيات الشعرية، والروايات الأخرى المتعلقة بثقافة الراوي أو مكانته الاجتماعية، أو تقواه وورعه. وذلك بقدر الإمكان.
6ـ وقد ترجمت ترجمة وجيزة لكل علم ذكر في سند حديث، أو خبر أو مَرَّ عرضاً-بصرف النظر عن الأعلام الواردين خلال النسب-، معتمداً في تعريفه على (تقريب التهذيب) . وكذلك اعتمد عليه في بعض الإضافات الهامة، المتعلقة بالتعريف بصاحب الترجمة، الذي سكت عنه ابن سعد ولم يتكلم فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقد أتعدى (التقريب) إلى غيره عند الضرورة. ولا أُعرف بالعلم إلا عند وروده للمرة الأولى في أصل الكتاب، ويعتبر فهرس الأعلام دليلاً للوقوف على تلك الأماكن.
7ـ أما أصحاب التراجم الذين يتكلم فيهم ابن سعد، فإنني أعقد مقارنة بين قوله في الرجل وبين أقوال النقاد فيه، وإذا كان هناك ثمة إضافات هامة قد أغفلها ابن سعد، فإنني أضيفها بعد إنهاء هذه المقارنة أو في أي مكان مناسب آخر.

(1/80)


8ـ وبالنسبة لسني الوفيات، لقد قارنتها مع المصادر التاريخية وغيرها وثبتُّ الخلاف إن وجد، وإلا أبقيت ما ورد في النسخة دون الإشارة إلى شيء مما يدل على صحته. أما إذا أُغفل تاريخ الوفاة، فإنني أعمل جاهداً على ذكره في الحاشية.
9ـ وأخيراً سلكت في ترتيب المصادر بالحاشية الواحدة التسلسل الزمني لوفيات مؤلفيها. إلا حاشية التخريج فرتبت مصادرها حسب قوتها الحديثية.

(1/81)