سيرة عمر بن عبد العزيز

عَزله أُسَامَة عَن مصر وحبسه إِيَّاه

وَكتب بعزل أُسَامَة بن زيد التنوخي وَكَانَ على خراج مصر وَأمر بِهِ أَن يحبس فِي كل جند سنة ويقيد وَيحل عَن الْقَيْد عِنْد كل صَلَاة ثمَّ يرد فِي الْقَيْد وَكَانَ غاشما ظلوما معتديا فِي الْعُقُوبَات بِغَيْر مَا أنزل الله عز وَجل يقطع الْأَيْدِي فِي خلاف مَا يُؤمر بِهِ ويشق أَجْوَاف الدَّوَابّ فَيدْخل فِيهَا القطاع ويطرحهم للتماسيح فحبس بِمصْر سنة ثمَّ نقل إِلَى أَرض فلسطين فحبس بهَا سنة ثمَّ مَاتَ عمر رَحمَه الله وَولي يزِيد بن عبد الْملك فَرد أُسَامَة على مصر
عَزله يزِيد بن أبي مُسلم عَن إفريقية

وَكتب بعزل يزِيد بن أبي مُسلم عَن إفريقية وَكَانَ عَامل سوء يظْهر التأله والنفاذ لكل مَا أَمر بِهِ السُّلْطَان مِمَّا جلّ أَو صغر من السِّيرَة بالجور والمخالفة للحق وَكَانَ فِي هَذَا يكثر الذّكر وَالتَّسْبِيح وَيَأْمُر بالقوم فيكونون بَين يَدَيْهِ يُعَذبُونَ وَهُوَ يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله شدّ يَا غُلَام مَوضِع كذاوكذا لبَعض مَوَاضِع الْعَذَاب وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر شدّ يَا غُلَام مَوضِع كذاوكذا فَكَانَت حَالَته تِلْكَ شَرّ الْحَالَات فَكتب بعزله فَهَذَا سَبَب الثَّلَاثَة الَّتِي عجل بهَا
انصراف عمر عَن مظَاهر الْخلَافَة وإقباله على إحْيَاء الْكتاب وَالسّنة

قَالَ وَلما دفن سُلَيْمَان وَقَامَ عمر بن عبد الْعَزِيز فقربت إِلَيْهِ المراكب فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا مراكب لم تركب قطّ يركبهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي فَتَركهَا وَخرج يلْتَمس بغلته وَقَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين ونصبت لَهُ سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ كَانَت تضرب للخلفاء أول مَا يلون فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ يجلس فِيهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذِه إِلَى أَمْوَال الْمُسلمين ثمَّ ركب بغلته وَانْصَرف إِلَى الْفرش والوطاء الَّذِي لم يجلس عَلَيْهِ أحد يفرش للخلفاء أول مَا يلون فَجعل يدْفع ذَلِك بِرجلِهِ حَتَّى يُفْضِي إِلَى الْحَصِير ثمَّ قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا لأموال الْمُسلمين
وَبَات عِيَال سُلَيْمَان يفرغون الدهان وَالطّيب من هَذِه القارورة إِلَى هَذِه القارورة وَيلبسُونَ مَا لم يلبس من الثِّيَاب حَتَّى تتكسر وَكَانَ الخليقة إِذا مَاتَ فَمَا لبس من الثِّيَاب أَو مس من الطّيب كَانَ لوَلَده وَمَا لم يلبس من الثِّيَاب وَمَا لم يمس من الطّيب فَهُوَ للخليفة بعده فَلَمَّا أصبح عمر قَالَ لَهُ أهل سُلَيْمَان هَذَا لَك وَهَذَا لنا قَالَ وَمَا هَذَا وَمَا هَذَا قَالُوا هَذَا مِمَّا لبس الْخَلِيفَة من الثِّيَاب وَمَسّ من الطّيب فَهُوَ لوَلَده وَمَا لم يمس وَلم يلبس فَهُوَ للخليفة بعده وَهُوَ لَك قَالَ عمر مَا هَذَا لي وَلَا لِسُلَيْمَان وَلَا لكم وَلَكِن يَا مُزَاحم ضم هَذَا كُله إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين فَفعل فتوامر الوزراء فِيمَا بَينهم فَقَالُوا أما المراكب والسرادقات وَالْحجر والشوار والوطاء فَلَيْسَ فِيهِ رَجَاء بعد أَن كَانَ مِنْهُ فِيهِ مَا قد علمْتُم وَبقيت خصْلَة

(1/37)


انصراف عمر عَن مظَاهر الْخلَافَة وإقباله على إحْيَاء الْكتاب وَالسّنة

قَالَ وَلما دفن سُلَيْمَان وَقَامَ عمر بن عبد الْعَزِيز فقربت إِلَيْهِ المراكب فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا مراكب لم تركب قطّ يركبهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي فَتَركهَا وَخرج يلْتَمس بغلته وَقَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين ونصبت لَهُ سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ كَانَت تضرب للخلفاء أول مَا يلون فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ يجلس فِيهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذِه إِلَى أَمْوَال الْمُسلمين ثمَّ ركب بغلته وَانْصَرف إِلَى الْفرش والوطاء الَّذِي لم يجلس عَلَيْهِ أحد قطّ يفرش للخلفاء أول مَا يلون فَجعل يدْفع ذَلِك بِرجلِهِ حَتَّى يُفْضِي إِلَى الْحَصِير ثمَّ قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا لأموال الْمُسلمين
وَبَات عِيَال سُلَيْمَان يفرغون الأدهان وَالطّيب من هَذِه القارورة إِلَى هَذِه القارورة وَيلبسُونَ مَا لم يلبس من الثِّيَاب حَتَّى تتكسر وَكَانَ الْخَلِيفَة إِذا مَاتَ فَمَا لبس من الثِّيَاب أَو مس من الطّيب كَانَ لوَلَده وَمَا لم يلبس من الثِّيَاب وَمَا لم يمس من الطّيب فَهُوَ للخليفة بعده فَلَمَّا أصبح عمر قَالَ لَهُ أهل سُلَيْمَان هَذَا لَك وَهَذَا لنا قَالَ وَمَا هَذَا وَمَا هَذَا قَالُوا هَذَا مِمَّا لبس الْخَلِيفَة من الثِّيَاب وَمَسّ من الطّيب فَهُوَ لوَلَده وَمَا لم يمس وَلم يلبس فَهُوَ للخليفة بعده وَهُوَ لَك قَالَ عمر مَا هَذَا لي وَلَا لِسُلَيْمَان وَلَا لكم وَلَكِن يَا مُزَاحم ضم هَذَا كُله إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين فَفعل فتوامر الوزراء فِيمَا بَينهم فَقَالُوا أما المراكب والسرادقات وَالْحجر والشوار والوطاء فَلَيْسَ فِيهِ رَجَاء بعد أَن كَانَ مِنْهُ فِيهِ مَا قد علمْتُم وَبقيت خصْلَة

(1/38)


هِيَ الْجَوَارِي نعرضهن عَلَيْهِ فَعَسَى أَن يكون مَا تُرِيدُونَ فِيهِنَّ فَإِن كَانَ وَإِلَّا فَلَا طمع لكم عِنْده فَأتي بالجواري فعرضن عَلَيْهِ كأمثال الدمى فَلَمَّا نظر إلَيْهِنَّ جعل يسألهن وَاحِدَة وَاحِدَة من أَنْت وَلمن كنت وَمن بعث بك فتخبره الْجَارِيَة بأصلها وَلمن كَانَت وَكَيف أخذت فيأمر بردهن إِلَى أهليهن ويحملن إِلَى بلادهن حَتَّى فرغ مِنْهُنَّ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك أيسوا مِنْهُ وَعَلمُوا أَنه سيحمل النَّاس على الْحق
واحتجب عَن النَّاس ثَلَاثًا لَا يدْخل عَلَيْهِ أحد ووجوه بني مَرْوَان وَبني أُميَّة وأشراف الْجنُود وَالْعرب والقواد بِبَابِهِ ينظرُونَ مَا يخرج عَلَيْهِم مِنْهُ فَجَلَسَ للنَّاس بعد ثَلَاث وَحَملهمْ على شَرِيعَة من الْحق فعرفوها فَرد الْمَظَالِم وَأَحْيَا الْكتاب وَالسّنة وَسَار بِالْعَدْلِ ورفض الدُّنْيَا وزهد فِيهَا وتجرد لإحياء أَمر الله عزوجل فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى قَبضه الله عزوجل فرحمه الله
نَهْيه عَن الْقيام لَهُ وَمَا شَرطه فِي صحبته

قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز قَامَ النَّاس بَين يَدَيْهِ فَقَالَ يَا معشر النَّاس إِن تقوموا نقم وَإِن تقعدوا نقعد فَإِنَّمَا يقوم النَّاس لرب الْعَالمين إِن الله فرض فَرَائض وَسن سننا من أَخذ بهَا لحق وَمن تَركهَا محق وَمن أَرَادَ أَن يصحبنا فليصحبنا بِخمْس يُوصل إِلَيْنَا حَاجَة من لَا تصل إِلَيْنَا حَاجته ويدلنا من الْعدْل إِلَى مَا لَا نهتدي إِلَيْهِ وَيكون عونا لنا على الْحق وَيُؤَدِّي الْأَمَانَة إِلَيْنَا وَإِلَى النَّاس وَلَا يغتب عندنَا أحدا وَمن لم يفعل فَهُوَ فِي حرج من صحبتنا وَالدُّخُول علينا

(1/39)


ابتداؤه بِالسَّلَامِ

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يتَقَدَّم إِلَى الحرس إِذا خرج عَلَيْهِم أَن لَا يقومُوا إِلَيْهِ وَيَقُول لَهُم لَا تبتدئوني بِالسَّلَامِ إِنَّمَا السَّلَام علينا وَلكم
عزم عمر فِي الإعتصام بِالْكتاب وَالسّنة

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولاة الْأَمر من بعده سننا الْأَخْذ بهَا اعتصام بِكِتَاب الله وَقُوَّة على دين الله وَلَيْسَ لأحد تبديلها وَلَا تغييرها وَلَا النّظر فِي أَمر خالفها من اهْتَدَى بهَا فَهُوَ مهتد وَمن استنصر بهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمن تَركهَا وَاتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ ولاه الله مَا تولى وأصلاه جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا
قَالَ عبد الله بن عبد الحكم فَسمِعت مَالِكًا يَقُول وأعجبني عزم عمر فِي ذَلِك
خطْبَة عمر فِي أَنه منفذ لله

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ بعد نَبِيكُم نَبِي وَلَيْسَ بعد الْكتاب الَّذِي أنزل عَلَيْكُم كتاب فَمَا أحل الله على لِسَان نبيه فَهُوَ حَلَال إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَا حرم الله على لِسَان نبيه فَهُوَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَلا إِنِّي لست بقاض وَإِنَّمَا أَنا منفذ لله وَلست بِمُبْتَدعٍ وَلَكِنِّي مُتبع أَلا إِنَّه لَيْسَ لأحد أَن يطاع فِي مَعْصِيّة الله عز وَجل لست بِخَيْرِكُمْ وَإِنَّمَا أَنا رجل مِنْكُم أَلا وَإِنِّي أثقلكم حملا يَا أَيهَا النَّاس إِن أفضل الْعِبَادَة أَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمَحَارِم أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم

(1/40)


خطبَته فِي التَّقْوَى

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بتقوى الله فَإِن تقوى الله خلف من كل شَيْء وَلَا خلف من التَّقْوَى أَيهَا النَّاس إِنَّه قد كَانَ قبلي وُلَاة تجترون مَوَدَّتهمْ بِأَن تدفعوا بذلك ظلمهم عَنْكُم يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي لست بخازن وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَضَع حَيْثُ أمرت أَلا وَلَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم
خطبَته فِي الْبَعْث

وَقَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس بعد أَن جمعهم فَقَالَ إِنِّي لم أجمعكم لأمر أحدثته وَلَكِنِّي نظرت فِي أَمر معادكم وَمَا أَنْتُم إِلَيْهِ صائرون فَوجدت الْمُصدق بِهِ أَحمَق والمكذب بِهِ هَالكا ثمَّ نزل