|
سيرة عمر بن عبد
العزيز نهي عمر عَن المزاح
وَجمع عمر بن عبد الْعَزِيز أَصْحَابه بالسويداء فَخرج
عَلَيْهِم وأوصاهم فَقَالَ إيَّايَ والمزاح فَإِنَّهُ
يبْعَث الضغن وَيثبت الغل تحدثُوا بِكِتَاب الله وتجالسوا
بِهِ وتسايروا عَلَيْهِ فَإِذا مللتم فَحَدِيث من حَدِيث
الرِّجَال حسن جميل
مَا قَالَه عمر لعامله على مَكَّة حينما شكاه اليه رجل
فأشكاه
وَاسْتعْمل عمر بن عبد الْعَزِيز عُرْوَة بن عِيَاض بن عدي
على مَكَّة فَخرج عمر من مَكَّة وَخرج مَعَه من خرج يشيعه
حَتَّى نزل بمر وَمَعَهُ عُرْوَة فجَاء رجل فَقَالَ أصلح
الله أَمِير الْمُؤمنِينَ ظلمت وَلَا أَسْتَطِيع أَن
أَتكَلّم فَقَالَ عمر ويحه أخذت عَلَيْهِ يَمِين ثمَّ
قَالَ إِن كنت صَادِقا فَتكلم فَقَالَ أصلحك
(1/118)
الله هَذَا وَأَشَارَ إِلَى عُرْوَة سامني
بِمَا ل لي وَأَعْطَانِي بِهِ سِتَّة آلَاف دِرْهَم فأبيت
أَن أبيعه فاستعداه عَليّ غَرِيم لي فحبسني فَلم يخرجني
حَتَّى بِعته مَالِي بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم واستحلفني
بِالطَّلَاق إِن خاصمته أبدا فَنظر عمر إِلَى عُرْوَة ثمَّ
نكت بالخيزران بَين عَيْنَيْهِ فِي سجدته وَقَالَ هَذِه
غرتني مِنْك ثمَّ قَالَ للرجل اذْهَبْ فقد رددت عَلَيْك
مَالك وَلَا حنث عَلَيْك
نصيحة عمر بن عبد الْعَزِيز للوليد بن عبد الْملك وحرج
الْحجَّاج مِنْهَا ورأي عمر فِي سياسة الْخَوَارِج
وَدخل عمر بن عبد الْعَزِيز على الْوَلِيد بن عبد الْملك
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عِنْدِي نصيحة فَإِذا
خلا لَك عقلك وَاجْتمعَ فهمك فسلني عَنْهَا قَالَ مَا
يمنعك مِنْهَا الْآن قَالَ أَنْت أعلم إِذا اجْتمع لَك مَا
أَقُول فَإنَّك أَحَق أَن تفهم فَمَكثَ أَيَّامًا ثمَّ
قَالَ يَا غُلَام من بِالْبَابِ فَقيل لَهُ نَاس وَفِيهِمْ
عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ أدخلهُ فَدخل عَلَيْهِ
فَقَالَ نصيحتك يَا أَبَا حَفْص فَقَالَ عمر إِنَّه لَيْسَ
بعد الشّرك إِثْم أعظم عِنْد الله من الدَّم وَإِن عمالك
يقتلُون ويكتبون إِن ذَنْب فلَان والمقتول كذاوكذا وَأَنت
المسؤول عَنهُ والمأخوذ بِهِ فَاكْتُبْ إِلَيْهِم أَن لَا
يقتل أحد مِنْهُم أحدا حَتَّى يكْتب إِلَيْك بِذَنبِهِ
ثمَّ يشْهد عَلَيْهِ ثمَّ تَأمر بِأَمْرك على أَمر قد وضح
لَك قَالَ بَارك الله فِيك يَا أَبَا حَفْص وَمنع فقدك
عَليّ بِكِتَاب فَكتب إِلَى أُمَرَاء الْأَمْصَار كلهم
(1/119)
فَلم يحرج من ذَلِك إلاالحجاج فَإِنَّهُ
أمضه وشق عَلَيْهِ وأقلقه وَظن أَنه لم يكْتب إِلَى أحد
غَيره فبحث عَن ذَلِك فَقَالَ من أَيْن دهينا اَوْ من
أَشَارَ على أَمِير الْمُؤمنِينَ بِهَذَا فَأخْبر أَن عمر
بن عبد الْعَزِيز هُوَ الَّذِي فعل ذَلِك فَقَالَ هَيْهَات
إِن كَانَ عمر فَلَا نقض لأَمره ثمَّ إِن الْحجَّاج أرسل
إِلَى أَعْرَابِي حروري جَاف من بكر بن وَائِل ثمَّ قَالَ
لَهُ الْحجَّاج مَا تَقول فِي مُعَاوِيَة فنال مِنْهُ
قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي يزِيد فَسَبهُ قَالَ فَمَا تَقول
فِي عبد الْملك فظلمه قَالَ فَمَا تَقول فِي الْوَلِيد
فَقَالَ أُجُورهم حِين ولاك وَهُوَ يعلم عداءك وظلمك قَالَ
فَسكت عَنهُ الْحجَّاج وافترضها مِنْهُ ثمَّ بعث بِهِ
إِلَى الْوَلِيد وَكتب إِلَيْهِ أَنا أحوط لديني وأرعى لما
استرعيتني وأحفظ لَهُ من أَن أقتل أحدا لم يسْتَوْجب ذَلِك
وَقد بعثت إِلَيْك بِبَعْض من كنت أقتل على هَذَا الرَّأْي
فشأنك وإياه فَدخل الحروري على الْوَلِيد وَعِنْده
أَشْرَاف اهل الشَّام وَعمر فيهم فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد
مَا تَقول فِي قَالَ ظَالِم جَائِر جَبَّار قَالَ مَا
تَقول فِي عبد الْملك قَالَ جَبَّار عَاتٍ قَالَ فَمَا
تَقول فِي مُعَاوِيَة قَالَ ظَالِم قَالَ الْوَلِيد
لِابْنِ الريان اضْرِب عُنُقه فَضرب عُنُقه ثمَّ قَالَ
فَدخل منزله وَخرج النَّاس من عِنْده فَقَالَ يَا غُلَام
ارْدُدْ عَليّ عمر فَرده عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا حَفْص
مَا تَقول بِهَذَا أصبْنَا فِيهِ أم أَخْطَأنَا فَقَالَ
عمر مَا أصبت بقتْله ولغير ذَلِك كَانَ ارشد وأصوب كنت
تسجنه حَتَّى يُرَاجع الله عزوجل أَو تُدْرِكهُ منيته
(1/120)
فَقَالَ الْوَلِيد شَتَمَنِي وَشتم عبد
الْملك وَهُوَ حروري أفتستحل ذَلِك قَالَ لعمري مَا استحله
لَو كنت سجنته إِن بدا لَك أَو تَعْفُو عَنهُ فَقَامَ
الْوَلِيد مغضبا فَقَالَ ابْن الريان لعمر يغْفر الله لَك
يَا أَبَا حَفْص لقد راددت أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى
ظَنَنْت أَنه سيأمرني بِضَرْب عُنُقك فَقَالَ عمر وَلَو
أَمرك كنت تفعل وَقَالَ إِي لعمري قَالَ عمر إذهب إِلَيْك
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لرجل يَا فلَان قَرَأت
البارحة سُورَة فِيهَا زِيَادَة {أَلْهَاكُم التكاثر
حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} فكم عَسى الزائر يلبث عِنْد
المزور حَتَّى ينكفئ إماإلى جنَّة وَإِمَّا إِلَى نَار
أرق عمر من الطَّعَام
قَالَ وَدخل زيان بن عبد الْعَزِيز على عمر بن عبد
الْعَزِيز فَتحدث مَعَه سَاعَة فَقَالَ لقد طَالَتْ
اللَّيْلَة عَليّ وَقل نومي فِيهَا فاتهمت عشَاء تعشيت
بِهِ فَقَالَ وَمَا هُوَ قَالَ عدس وبصل فَقَالَ لَهُ زيان
لقد وسع الله عَلَيْك وَلَكِن تضيق على نَفسك وَأكْثر زيان
لائمته فَقَالَ يَا زيان أَخْبَرتك خبري وأطلعتك على سري
فوجدتك غاشا غير نَاصح أم وَالله لَا أَعُود لمثلهَا أبدا
مَا بقيت
اعلانه الجوائز لمن يدله على الْخَيْر
وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أهل المواسم أما بعد
فأيما رجل قدم علينا فِي رد مظْلمَة أوأمر يصلح الله بِهِ
خَاصّا أَو عَاما من أمرالدين فَلهُ مَا بَين مائَة
دِينَار الى ثَلَاثمِائَة دِينَار بِقدر مَا يرى من
الْحِسْبَة وَبعد الشقة رحم الله امْرَءًا لم يتكاءده بعد
سفر لَعَلَّ الله يحيي بِهِ حَقًا أَو يُمِيت بِهِ بَاطِلا
أَو يفتح بِهِ من
(1/121)
وَرَائه خيرا وَلَوْلَا أَنِّي أطيل
عَلَيْكُم وَأَطْنَبَ فيشغلكم ذَلِك عَن مَنَاسِككُم لسمت
أمورا من الْحق أظهرها الله وامورا من الْبَاطِل أماتها
الله وَكَانَ الله هُوَ المتوحد لكم فِي ذَلِك لَا
تَجِدُونَ غَيره فَإِنَّهُ لَو وكلني إِلَى نَفسِي لَكُنْت
كغيري وَالسَّلَام
عمر بن عبد الْعَزِيز والأنصاري
وأتى عمر بن عبد الْعَزِيز رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا
امير الْمُؤمنِينَ احفظ فِي بلَاء أبي قَالَ وَمَا كَانَ
بلاؤه قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن ابي كَانَ أعمى
من الْأَنْصَار وان امْرَأَة من الْمُشْركين كَانَت تؤذي
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبي أما لهَذِهِ
الْمَرْأَة أحد يكفيها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أقعدوني على طريقها فَإِذا مرت فآذنوني فأقعدوه على طريقها
فَلَمَّا مرت آذنوه بهَا فَوَثَبَ عَلَيْهَا فضربها حَتَّى
قَتلهَا
فَقَالَ عمر
(تِلْكَ المثالب لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا
بعد أبوالا) هَكَذَا أنشدنا أَيُّوب بن سُوَيْد فِيمَا
حفظت عَنهُ عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ مُحَمَّد
وأنشدني أبي عبد الله بن عبد الحكم هَذَا الْبَيْت تِلْكَ
المكارم
بِشَارَة الْحجَّاج بخلافة عمر
قَالَ أَبُو عبد الله وَبَلغنِي عَن مَالك بن أنس أَنه
قَالَ نعس الْحجَّاج وَعِنْده عَنْبَسَة بن سعيد بن
الْعَاصِ قَالَ وَقد ذكر الْحجَّاج عمر بن عبد الْعَزِيز
فنلت مِنْهُ لأرضيه فَقَالَ لي مَه إِنَّا نقُول إِنَّه
سيلي هَذَا الْأَمر ويعدل فِيهِ ونعس فَخرجت وَخرج من
عِنْده فانتبه الْحجَّاج فَلم ير أحدا فَقَالَ عجلوا عَليّ
بِعَنْبَسَةَ فَقَالَ أَي شَيْء قلت لَك قَالَ لَا شَيْء
أصلحك الله فَقَالَ بلَى وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن
سمعته من أحد لَأَضرِبَن عُنُقك
(1/122)
|