|
سيرة عمر بن عبد
العزيز حِكْمَة فِي عُقُوبَة من شَتمه
وَحكم رجل فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد فِي صلَاته فَقطع عَلَيْهِم
الصَّلَاة وَشهر السَّيْف فَكتب أَبُو بكر إِلَى عمر فَأتي
بِكِتَاب عمر فقرئ عَلَيْهِ فشتم عمر وَالْكتاب وَمن جَاءَ
بِهِ فهم أَبُو بكر بِضَرْب عُنُقه ثمَّ رَاجع عمر
وَأخْبرهُ أَنه شَتمه وَأَنه هم بقتْله فَكتب إِلَيْهِ عمر
لَو قتلته لقتلتك بِهِ فَإِنَّهُ لَا يقتل أحد إِلَّا أَن
يشْتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أَتَاك
كتابي
(1/146)
هَذَا فاحبس عَن الْمُسلمين شَره وادعه
إِلَى التَّوْبَة فِي كل هِلَال فَإِذا تَابَ فَخَل سَبيله
فَلم يزل فِي الْحَبْس حَتَّى هلك عمر فَضرب يزِيد بن عبد
الْملك عُنُقه
محاورة عمر رجلَيْنِ من الْخَوَارِج
وَدخل رجلَانِ من الْخَوَارِج على عمر بن عبد الْعَزِيز
فَقَالَا السَّلَام عَلَيْك يَا إِنْسَان فَقَالَ وعليكما
السَّلَام يَا إنسانان قَالَا طَاعَة الله أَحَق مَا اتبعت
قَالَ من جهل ذَلِك ضل قَالَا الْأَمْوَال لَا تكون دولة
بَين الْأَغْنِيَاء قَالَ قد حرموها قَالَا مَال الله يقسم
على أَهله قَالَ الله بَين فِي كِتَابه تَفْصِيل ذَلِك
قَالَا تُقَام الصَّلَاة لوَقْتهَا قَالَ هُوَ من حَقّهَا
قَالَا إِقَامَة الصُّفُوف فِي الصَّلَوَات قَالَ هُوَ من
تَمام السّنة قَالَا إِنَّا بعثنَا إِلَيْك قَالَ بلغا
وَلَا تهابا قَالَا ضع الْحق بَين النَّاس قَالَ الله أَمر
بِهِ قبلكما قَالَا لَا حكم إِلَّا لله قَالَ كلمة حق إِن
لم تَبْتَغُوا بهَا بَاطِلا قَالَا ائْتمن الْأُمَنَاء
قَالَ هم أعواني قَالَا احذر الْخِيَانَة قَالَ السَّارِق
مَحْذُور قَالَا فالخمر وَلحم الْخِنْزِير قَالَ أهل
الشّرك أَحَق بِهِ قَالَا فَمن دخل فِي الْإِسْلَام فقد
أَمن قَالَ لَوْلَا الْإِسْلَام مَا أمنا قَالَا أهل عهود
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم عهودهم
قَالَا لَا تكلفهم فَوق طاقتهم قَالَ {لَا يُكَلف الله
نفسا إِلَّا وسعهَا} قَالَا خرب الْكَنَائِس قَالَ هِيَ من
صَلَاح رعيتي قَالَا ذكرنَا بِالْقُرْآنِ قَالَ {وَاتَّقوا
يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} قَالَا تردنَا إِلَى من
أرسلنَا قَالَ مَا أحبسكما قَالَا فَمَا نقُول
لإِخْوَانِنَا قَالَ مَا رَأَيْتُمَا وسمعتما قَالَا
تردنَا على دَوَاب الْبَرِيد قَالَ لَا هُوَ من مَال الله
لَا نطيبه لَكمَا قَالَا فَلَيْسَ مَعنا نَفَقَة قَالَ
أَنْتُمَا إِذن ابْنا سَبِيل عَليّ نفقتكما
موعظة عمر لأبي خَالِد
قَالَ وَكَانَ رجل من قُرَيْش وَكَانَت الْخُلَفَاء لَا
ترده عَن حَاجَة فَأتي إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز
فَسَأَلَهُ حَاجته فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لَا يجوز
هَذَا ورده
(1/147)
عَنْهَا فَخرج مغضبا فناداه عمر فَظن أَنه
قد بدا لَهُ فِي قَضَاء حَاجته فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا
خَالِد فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِذا رَأَيْت شَيْئا
من الدُّنْيَا فأعجبك فاذكر الْمَوْت فَإِنَّهُ يقلله فِي
نَفسك وَإِذا كنت فِي شَيْء من أَمر الدُّنْيَا قد غمك
وَنزل بك فاذكر الْمَوْت فَإِنَّهُ يسهله عَلَيْك وَهَذَا
أفضل من الَّذِي طلبت
إنذار عمر ملك الرّوم ليرسل إِلَيْهِ رجلا من الْمُسلمين
وَمَا فعله ملك الرّوم حِين بلغه نعي عمر
قَالَ وَأرْسل عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى صَاحب الرّوم
رَسُولا فَأَتَاهُ وَخرج من عِنْده يَدُور فَمر بِموضع
فَسمع فِيهِ رجلا يقْرَأ الْقُرْآن ويطحن فَأَتَاهُ فَسلم
عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام مرَّتَيْنِ أَو
ثَلَاثًا ثمَّ سلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ وأنى
بِالسَّلَامِ فِي هَذَا الْبَلَد فَأعلمهُ أَنه رَسُول عمر
إِلَى صَاحب الرّوم فَقَالَ لَهُ مَا شَأْنك فَقَالَ
إِنِّي أسرت من مَوضِع كذاوكذا فَأتي بِي إِلَى صَاحب
الرّوم فَعرض عَليّ النَّصْرَانِيَّة فأبيت فَقَالَ لي إِن
لم تفعل سملت عَيْنَيْك فاخترت ديني على بَصرِي فسمل
عَيْني وصيرني إِلَى هَذَا الْموضع يُرْسل إِلَيّ كل يَوْم
بحنطة فأطحنها وبخبزه فآكلها فَلَمَّا سَار الرَّسُول
إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَأخْبرهُ خبر الرجل قَالَ
فَمَا فرغت من الْخَبَر حَتَّى رَأَيْت دموع عمر قد بلت
مَا بَين يَدَيْهِ ثمَّ أَمر فَكتب إِلَى صَاحب الرّوم أما
بعد فقد بَلغنِي خبر فلَان بن فلَان فوصف لَهُ صفته وَأَنا
أقسم بِاللَّه لَئِن لم ترسله إِلَيّ لَأَبْعَثَن إِلَيْك
من الْجنُود جُنُودا يكون أَولهَا عنْدك وَآخرهمْ عِنْدِي
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُول قَالَ مَا أسْرع مَا
رجعت فَدفع إِلَيْهِ كتاب عمر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا
قَرَأَهُ قَالَ مَا كُنَّا لنحمل الرجل الصَّالح على هَذَا
بل نبعث إِلَيْهِ بِهِ فأقمت أنْتَظر مَتى يخرج بِهِ
فَأَتَيْته ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ قَاعد قد نزل عَن
سَرِيره أعرف فِيهِ الكآبة فَقَالَ تَدْرِي
(1/148)
لما فعلت هَذَا فَقلت لَا وَقد أنْكرت مَا
رَأَيْت فَقَالَ إِنَّه قد أَتَانِي من بعض أطرافي أَن
الرجل الصَّالح قد مَاتَ فَلذَلِك فعلت مَا رَأَيْت ثمَّ
قَالَ إِن الرجل الصَّالح إِذا كَانَ بَين الْقَوْم السوء
لم يتْرك بَينهم إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يخرج من بَين
أظهرهم فَقلت لَهُ أتأذن لي أَن أنصرف وأيست من بَعثه
الرجل معي فَقَالَ مَا كُنَّا لنجيته إِلَى مَا أَمر فِي
حَيَاته ثمَّ نرْجِع فِيهِ بعد مماته فَأرْسل مَعَه
بِالرجلِ
قدوم امْرَأَة من الْعرَاق على عمر وتخيره لَهَا الْعِنَب
وفرضه الرزق لبناتها
قَالَ وقدمت امْرَأَة من الْعرَاق على عمر بن عبد
الْعَزِيز فَلَمَّا صَارَت إِلَى بَابه قَالَت هَل على
أَمِير الْمُؤمنِينَ حَاجِب فَقَالُوا لَا فلجي إِن
أَحْبَبْت فَدخلت الْمَرْأَة على فَاطِمَة وَهِي جالسة فِي
بَيتهَا وَفِي يَدهَا قطن تعالجه فَسلمت فَردَّتْ
عَلَيْهَا السَّلَام وَقَالَت لَهَا ادخلي فَلَمَّا جَلَست
الْمَرْأَة رفعت بصرها فَلم تَرَ فِي الْبَيْت شَيْئا لَهُ
بَال
خراب بَيت عمر بعمارة بيُوت الْمُسلمين
فَقَالَت إِنَّمَا جِئْت لأعمر بَيْتِي من هَذَا الْبَيْت
الخرب فَقَالَت لَهَا فَاطِمَة إِنَّمَا خرب هَذَا
الْبَيْت عمَارَة بيُوت أمثالك فَأقبل عمر حَتَّى دخل
الدَّار فَمَال إِلَى بِئْر فِي نَاحيَة الدَّار فَانْتزع
مِنْهَا دلاء صبها على طين كَانَ بِحَضْرَة الْبَيْت
وَهُوَ يكثر النّظر إِلَى فَاطِمَة فَقَالَت لَهَا
الْمَرْأَة استتري من هَذَا الطيان فَإِنِّي أرَاهُ يديم
النّظر إِلَيْك فَقَالَت لَيْسَ هُوَ بطيان هُوَ أَمِير
الْمُؤمنِينَ قَالَ ثمَّ أقبل عمر فَسلم وَدخل بَيته
فَمَال إِلَى مصلى كَانَ لَهُ فِي الْبَيْت يُصَلِّي فِيهِ
فَسَأَلَ فَاطِمَة عَن الْمَرْأَة فَقَالَت هِيَ هَذِه
فَأخذ مكتلا لَهُ فِيهِ شَيْء من عِنَب فَجعل يتَخَيَّر
لَهَا خَيره يناولها إِيَّاه ثمَّ أقبل عَلَيْهَا فَقَالَ
مَا حَاجَتك فَقَالَت امْرَأَة من أهل الْعرَاق لي خمس
بَنَات
(1/149)
كسل كسد فجئتك أَبْتَغِي حسن نظرك لَهُنَّ
فَجعل يَقُول كسل كسد ويبكي فَأخذ الدواة والقرطاس وَكتب
إِلَى وَالِي الْعرَاق فَقَالَ سمي كبراهن فسمتها فَفرض
لَهَا فَقَالَت الْمَرْأَة الْحَمد لله ثمَّ سَأَلَ عَن
الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَالْمَرْأَة
تحمد الله فَفرض لَهَا فَلَمَّا فرض للأربع استفزها
الْفَرح فدعَتْ لَهُ فجزته خيرا فَرفع يَده وَقَالَ قد
كُنَّا نفرض لَهُنَّ حِين كنت تولين الْحَمد أَهله فمري
هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع يفضن على هَذِه الْخَامِسَة فَخرجت
بِالْكتاب حَتَّى أَتَت بِهِ الْعرَاق فَدَفَعته إِلَى
وَالِي الْعرَاق فَلَمَّا ذهبت إِلَيْهِ بِالْكتاب بَكَى
وَاشْتَدَّ بكاؤه وَقَالَ رحم الله صَاحب هَذَا الْكتاب
فَقَالَت أمات قَالَ نعم فصاحت وولولت فَقَالَ لَا بَأْس
عَلَيْك مَا كنت لأرد كِتَابه فِي شَيْء فَقضى حَاجَتهَا
وَفرض لبناتها
حَدِيث فَاطِمَة بنت عبد الْملك عَن عمر بعد وَفَاته
وَقَالَ أرسل عَطاء إِلَى فَاطِمَة بنت عبد الْملك
أَخْبِرِينِي عَن أَحْوَال عمر قَالَت أفعل إِن عمر
رَحْمَة الله عَلَيْهِ كَانَ قد فرغ للْمُسلمين نَفسه
ولأمورهم ذهنه فَكَانَ إِذا أَمْسَى مسَاء لم يفرغ فِيهِ
من حوائج يَوْمه وصل يَوْمه بليلته إِلَى أَن أَمْسَى
مسَاء وَقد فرغ من حوائج يَوْمه فَدَعَا بسراجه الَّذِي
كَانَ من مَاله فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أقعى وَاضِعا رَأسه
على يَدَيْهِ تسيل دُمُوعه على خديه يشهق الشهقة يكَاد
ينصدع قلبه لَهَا وَتخرج لَهَا نَفسه حَتَّى برق الصُّبْح
فَأصْبح صَائِما فدنوت مِنْهُ فَقلت يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ أَلَيْسَ كَانَ مِنْك مَا كَانَ قَالَ أجل
فَعَلَيْك بشأنك وخليني وشأني قَالَت فَقلت إِنِّي أَرْجُو
أَن أتعظ قَالَ إِذن أخْبرك إِنِّي نظرت فوجدتني قد وليت
أَمر هَذِه الْأمة أسودها وأحمرها ثمَّ ذكرت الْفَقِير
الجائع والغريب الضائع والأسير
(1/150)
المقهور وَذَا المَال الْقَلِيل والعيال
الْكثير وَأَشْبَاه ذَلِك فِي أقاصي الْبِلَاد وأطراف
الأَرْض فَعلمت أَن الله سائلي عَنْهُم وَأَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيجي فيهم فَخفت أَن لَا يقبل
الله مني معذرة فيهم وَلَا تقوم لي مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة فرحمت وَالله يَا فَاطِمَة
نَفسِي رَحْمَة دَمَعَتْ لَهَا عَيْني ووجع لَهَا قلبِي
فَأَنا كلما ازددت لَهَا ذكرا ازددت مِنْهَا خوفًا فاتعظي
إِن شِئْت أَو ذري
حث عمر على الْعلم
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز تعلمُوا الْعلم فَإِنَّهُ
زين للغني وَعون للْفَقِير لَا أَقُول إِنَّه يطْلب بِهِ
وَلكنه يَدْعُو إِلَى القناعة
تمت سيرة عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن
أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف على مَا
رَوَاهُ مَالك بن أنس وَأَصْحَابه رَحْمَة الله عَلَيْهِم
أَجْمَعِينَ بعون الله وتأييده فرغ من نسخه فِي صفر سنة
ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَصلى الله على سيدنَا
مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
هَذَا مَا جَاءَ فِي آخر نُسْخَة دمشق
وَجَاء فِي آخر نُسْخَة باريس مَا نَصه
تمت أَحَادِيث عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم
بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف على
مَا رَوَاهُ مَالك بن أنس وَأَصْحَابه رَحْمَة الله
عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله كتبه
لنَفسِهِ مُسلم بن أَحْمد بن الشَّيْخ أَحْمد الصطيحة بن
عَليّ بن أَحْمد أَبُو مُسلم بتاريخ ثامن عشر من رَمَضَان
من شهور سنة سبع عشرَة وَألف أحسن الله ختامها آمين
نقل وقوبل على نُسْخَة صَحِيحَة مضبوطة تاريخها الثَّالِث
من جُمَادَى الاخر سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
(1/151)
|