سيرة عمر بن عبد العزيز

رفق عمر بِالْحَيَوَانِ

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى صَاحب السكَك أَن لَا يحملوا أحدا بلجام ثقيل من هَذِه الرستنية وَلَا ينخس بمقرعة فِي أَسْفَلهَا حَدِيدَة
وَكتب عمر إِلَى حَيَّان بِمصْر إِنَّه بَلغنِي أَن بِمصْر إبِلا نقالات يحمل على الْبَعِير مِنْهَا ألف رَطْل فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فَلَا أَعرفن أَنه يحمل على الْبَعِير أَكثر من سِتّمائَة رَطْل
رَفعه الضرائب عَن الرّعية

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عماله كتابا يقْرَأ على النَّاس أما بعد فاقرأ كتابي هَذَا على أهل الأَرْض بِمَا وضع الله عَنْهُم على لِسَان أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْمَظَالِم والتوابع الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ مِنْهُم فِي النيروز والمهرجان وَثمن الصُّحُف وَأجر الفيوج وجوائز الرُّسُل وأجور الجهابذه وهم القساطرة وأرزاق الْعمَّال وأنزالهم وَصرف الدَّنَانِير الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ مِنْهُم من فضل مَا بَين السعرين فِي الطَّعَام الَّذِي كَانَ يُؤْخَذ مِنْهُم فضل مَا بَين الكيلين وليحمدوا الله عزوجل
إجراؤه الرزق على الْعلمَاء لينشروا الْعلم

وَبعث عمر بن عبد الْعَزِيز بن أبي مَالك والْحَارث بن مُحَمَّد إِلَى الْبَادِيَة أَن يعلمَا النَّاس السّنة وأجرى عَلَيْهِمَا الرزق فَقبل يزِيد وَلم يقبل الْحَارِث وَقَالَ مَا كنت لآخذ على علم علمنيه الله أجرا فَذكر ذَلِك لعمر ابْن عبد الْعَزِيز فَقَالَ مَا نعلم بِمَا صنع يزِيد بَأْسا وَأكْثر الله فِينَا مثل الْحَارِث

(1/141)


كتاب عمر إِلَى الْعمَّال فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر

وَقَالَ عُثْمَان بن كثير بن دِينَار إِن عمر بن عبد العزيزكتب إِلَى بعض عماله أما بعد فَإِنَّهُ لم يظْهر الْمُنكر فِي قوم قطّ ثمَّ لم ينههم أهل الصّلاح مِنْهُم إِلَّا أَصَابَهُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بأيدي من يَشَاء من عباده وَلَا يزَال النَّاس معصومين من الْعُقُوبَات والنقمات مَا قمع فيهم أهل الْبَاطِل واستخفي فيهم بالمحارم فَلَا يظْهر من أحد محرم إِلَّا انتقموا مِمَّن فعله فَإِذا ظَهرت فيهم الْمَحَارِم فَلم ينههم أهل الصّلاح نزلت الْعُقُوبَات من السَّمَاء إِلَى الأَرْض على أهل الْمعاصِي وعَلى المداهنين لَهُم وَلَعَلَّ أهل الإدهان أَن يهْلكُوا مَعَهم وَإِن كَانُوا مخالفين لَهُم فَإِنِّي لم أسمع الله تبَارك وَتَعَالَى فِيمَا نزل من كِتَابه عِنْد مثله أهلك بهَا أحدا نجى أحدا من أُولَئِكَ إِلَّا أَن يَكُونُوا الناهين عَن الْمُنكر ويسلط الله على أهل تِلْكَ الْمَحَارِم إِن هُوَ لم يصبهم بِعَذَاب من عِنْده أَو بأيدي من يَشَاء من عباده من الْخَوْف والذل والنقم فَإِنَّهُ رُبمَا انتقم بالفاجر من الْفَاجِر وبالظالم من الظَّالِم ثمَّ صَار كلا الْفَرِيقَيْنِ بأعمالهما إِلَى النَّار فنعوذ بِاللَّه أَن يجعلنا ظالمين أَو يجعلنا مداهنين للظالمين وَإنَّهُ قد بَلغنِي أَنه قد كثر الْفُجُور فِيكُم وَأمن الْفُسَّاق فِي مدائنكم وجاهروا من الْمَحَارِم بِأَمْر لَا يحب الله من فعله وَلَا يرضى المداهنة عَلَيْهِ كَانَ لَا يظْهر مثله فِي عَلَانيَة قوم يرجون لله وقارا وَيَخَافُونَ مِنْهُ غيرا وهم الأعزون الْأَكْثَرُونَ من أهل الْفُجُور وَلَيْسَ بذلك مضى أَمر سلفكم وَلَا بذلك تمت نعْمَة الله

(1/143)


عَلَيْهِم بل كَانُوا {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم} ولعمري إِن من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله الغلظة على أهل محارم الله بِالْأَيْدِي والألسن والمجاهدة لَهُم فِيهِ وَإِن كَانُوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء والعشائر وَإِنَّمَا سَبِيل الله طَاعَته
وَقد بَلغنِي أَنه بطأ بكثيرمن النَّاس عَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المنكراتقاء التلاوم أَن يُقَال فلَان حسن الْخلق قَلِيل التَّكَلُّف مقبل على نَفسه وَمَا يَجْعَل الله أُولَئِكَ أحاسنكم أَخْلَاقًا بل أُولَئِكَ أسوأكم أَخْلَاقًا وَمَا أقبل على نَفسه من كَانَ كَذَلِك بل أدبر عَنْهَا وَلَا سلم من الكلفة لَهَا بل وَقع فِيهَا إِذْ رَضِي لنَفسِهِ من الْحَال غير مَا أمره الله أَن يكون عَلَيْهِ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقد ذلت أَلْسِنَة كثير من النَّاس بِآيَة وضعوها غير موضعهَا وتأولوا فِيهَا قَول الله عزوجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَصدق الله تبَارك وَتَعَالَى وَلَا يضرنا ضَلَالَة من ضل إِذا اهتدينا وَلَا ينفعنا هدى من اهْتَدَى إِذا ضللنا {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَإِن مِمَّا على أَنْفُسنَا وأنفس أُولَئِكَ مِمَّا أَمر الله بِهِ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَلَا يظهروا محرما إِلَّا انتقموا مِمَّن فعله مِنْهُم من كُنْتُم وَمن كَانُوا وَقَول من قَالَ إِن لنا فِي أَنْفُسنَا شغلا ولسنا من النَّاس فِي شَيْء وَلَو أَن أهل طَاعَة الله رَجَعَ رَأْيهمْ إِلَى ذَلِك مَا عمل لله بِطَاعَة وَلَا

(1/143)


تناهوا لَهُ عَن مَعْصِيّة ولقهر المبطلون المحقين فَصَارَ النَّاس كالأنعام أَو أضلّ سَبِيلا فتسلطوا على الْفُسَّاق من كُنْتُم وَمن كَانُوا فادفعوا بحقكم باطلهم وببصركم عماهم فَإِن الله جعل للأبرار على الْفجار سُلْطَانا مُبينًا وَإِن لم يَكُونُوا وَلَا أَئِمَّة من ضعف عَن ذَلِك بِالْيَدِ أَو اللِّسَان فليرفعه إِلَى أَمَامه فَإِن ذَلِك من التعاون على الْبر وَالتَّقوى قَالَ الله لأهل الْمعاصِي {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات أَن يخسف الله بهم الأَرْض أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم فَمَا هم بمعجزين} ولينتهين الْفجار أَو ليهيننهم الله بِمَا قَالَ {لنغرينك بهم ثمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا}
كتاب عمر إِلَى أُسَارَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة

وَقَالَ بكر بن خُنَيْس كتب عمر إِلَى الْأُسَارَى بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أما بعد فَإِنَّكُم تَعدونَ أَنفسكُم أُسَارَى معَاذ الله بل أَنْتُم الحبساء فِي سَبِيل الله وَاعْلَمُوا أَنِّي لست أقسم شَيْئا بَين رعيتي إِلَّا خصصت أهليكم بأوفر نصيب وأطيبه وَإِنِّي قد بعثت إِلَيْكُم بِخَمْسَة دَنَانِير خَمْسَة دَنَانِير وَلَوْلَا أَنِّي خشيت إِن زدتكم أَن يحْبسهُ طاغية الرّوم عَنْكُم لزدتكم وَقد بعثت إِلَيْكُم فلَان بن فلَان يفادي صغيركم وكبيركم وذكركم وأنثاكم وحركم ومملوككم بِمَا سُئِلَ بِهِ فأبشروا ثمَّ أَبْشِرُوا وَالسَّلَام عَلَيْكُم

(1/144)


كِتَابه فِي قَضَاء الدّين عَن الغارمين

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عماله أَن اقضوا عَن الغارمين فَكتب إِلَيْهِ إِنَّا نجد الرجل لَهُ الْمسكن وَالْخَادِم وَله الْفرس وَله الأثاث فِي بَيته فَكتب عمر لَا بُد للرجل من الْمُسلمين من مسكن يأوي إِلَيْهِ رَأسه وخادم يَكْفِيهِ مهنته وَفرس يُجَاهد عَلَيْهِ عدوه وأثاث فِي بَيته وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ غَارِم فاقضوا عَنهُ مَا عَلَيْهِ من الدّين
سخط بني أُميَّة على عَمْرو سفارة عَنْبَسَة بن سعيد بَينه وَبَين ولي عَهده

وَخرج عَنْبَسَة بن سعيد من عِنْد عمر وَبَنُو امية جُلُوس بِالْبَابِ وَفِيهِمْ يزِيد بن عبد الْملك ولي الْعَهْد من بعد عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَامُوا إِلَى عَنْبَسَة فشكوا إِلَيْهِ عمر فَقَالُوا بعث إِلَيْنَا بِعشْرَة دنانيرعشرة دَنَانِير وَلم يمنعنا من ردهَا إِلَيْهِ إِلَّا خوف من غَضَبه قَالَ يزِيد أعلمهُ أَنِّي قد سخطتها وَكَأَنَّهُ يظنّ أَنِّي لَا أكون من بعده فَأعلمهُ ذَلِك فَدخل عَنْبَسَة على عمر فَكَلمهُ فَقَالَ إِن بني أَبِيك بِالْبَابِ يعتبون عَلَيْك فِي عشرَة دَنَانِير الَّتِي بعثتها إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم وكلموني فِي كلامك أَن أخْبرك أَنهم سخطوها وَقَالَ يزِيد كَأَنَّهُ يظنّ أَنِّي لَا أكون من بعده فَقَالَ عمر فأقرئهم مني السَّلَام وَقل لَهُم إِن عمر يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام وَيَقُول لكم أقسم بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا زلت هَذِه اللَّيْلَة الْمَاضِيَة ساهرا أُنَاجِي الله وأستغفره مِنْهَا حيق أعطيتكموها دون الْمُسلمين فَلَا وَالله الْعَظِيم لَا أُعْطِيكُم درهما إِلَّا أَن يَأْخُذ جَمِيع الْمُسلمين وَأما أَنْت يَا يزِيد فأناشدك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو خلعت نَفسِي وخلعني الْمُسلمُونَ وَوليت هَل كنت فَاعِلا بِي إِلَّا دون مَا فعلت بنفسي إِذا وليت الْأُمُور فشأنك بهَا فَخرج عَنْبَسَة فَقَالَ أَنْتُم فَعلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ تزوجتم إِلَى عمر بن الْخطاب بنت عَاصِم فجئتم بِمثل عمر فَأخْبرهُم الْخَبَر وَقَالَ من كَانَ لَهُ مِنْكُم يَا بني عمي ضَيْعَة فَليقمْ فِيهَا يصلحها

(1/145)


موعظة رجل لعمر بن عبد الْعَزِيز

وأتى عمر رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أذكر بمقامي هَذَا مقامك يَوْم لَا يشغلك عَن الله كَثْرَة من يتخاصم من الْخَلَائق يَوْم تَلقاهُ بِلَا ثِقَة من الْعَمَل وَلَا نجاة من الذَّنب فَقَالَ عمر وَيحك ارْدُدْ عَليّ كلامك فَرد عَلَيْهِ فَجعل عمر يبكي وَيَقُول وَيحك رد عَليّ كلامك
قَول عمر فِي الْعمَّال قبله

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَلِيد بِالشَّام وَالْحجاج بالعراق وَمُحَمّد بن يُوسُف بِالْيمن وَعُثْمَان بن حَيَّان بالحجاز وقرة بن شريك بِمصْر وَيزِيد بن أبي مُسلم بالمغرب امْتَلَأت الأَرْض وَالله جورا
كِتَابه إِلَى عدي بن أَرْطَأَة

وَقَالَ حجاج كتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عدي بن أَرْطَأَة ليكن أمناؤك اوساط النَّاس فهم خِيَار النَّاس لَا يدعونَ حَقًا وَلَا يكتسبون بَاطِلا لَا أَنْت قَارِئ مُسَدّد وَلَا فَاسق مبرز