الاكتفاء
بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة
الخلفاء ذكر مقتل يزدجرد «1»
قال الطبرى «2» : اختلف فى سبب قتله، كيف كان؟ فذكر عن ابن إسحاق أن يزدجرد
هرب من كرمان فى جماعة ليسير إلى مرو، فسأل مرزبانها مالا فمنعه، فخافوا
على أنفسهم، فأرسلوا إلى الترك يستنصرون بهم عليه، فأتوه فبيتوه، وقتلوا
أصحابه، وقيل: بل أهل مرو هم الذين بيتوه لما خافوه، ولم يستجيشوا عليه
الترك، فقتلوا أصحابه، وخرج هاربا على رجليه، معه منطقته وسيفه وتاجه، حتى
أتى إلى منزل نقار على شط المرغاب، فلما غفل يزدجرد، وقيل: لما نام، قتله
النقار وأخذ متاعه، وألقى جسده فى المرغاب، فأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره،
حتى خفى عليهم عند منزل النقار، فأخذوه لهم بقتله، وأخرج متاعه، فقتلوا
النقار وأهل بيته، وأخذ متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب فجعلوه فى
تابوت خشب، فزعم بعضهم أنه حمل إلى اصطخر فدفن بها فى أول سنة إحدى
وثلاثين.
وكان يزدجرد قد وطئ امرأة بمرو، فولدت منه بعد مقتله غلاما ذاهب الشق، فسمى
المخدج، وعاش حتى ولد له أولاد بخراسان، فوجد قتيبة حين افتتح الصغد أو
غيرها جاريتين فقيل له: إنهما من ولد المخدج، فبعث بهما أو بإحداهما إلى
الحجاج بن يوسف فبعث بها إلى الوليد بن عبد الملك، فولدت له يزيد بن الوليد
بن عبد الملك الناقص.
وذكر عن المدائنى أن يزدجرد أتى خراسان، ومعه خرزادمهر أخو رستم، فقال
لمرزبان مرو واسمه ماهويه: إنى قد أسلمت إليك الملك، ثم أقام بمرو وهم بعزل
ماهويه، فكتب ماهويه إلى الترك يخبرهم بمكانه وعاهدهم على المؤازرة عليه
وخلى لهم الطريق،
__________
(1) انظر الخبر فى: الطبرى (4/ 293- 300) ، البداية والنهاية لابن كثير (7/
158، 159) ، الكامل فى التاريخ لابن الأثير (3/ 59- 61) .
(2) انظر: الطبرى (4/ 293، 294) .
(2/614)
فأقبلوا إلى مرو وخرج إليهم يزدجرد فى
أصحابه، فقاتلهم ومعه ماهويه فى أساورة مرو، فأثخن فى الترك حتى خشى ماهويه
أن ينهزموا، فتحول إليهم فى أساورة مرو، فانهزم جند يزدجرد وقتلوا، وعقر
عند المساء فرس يزدجرد، فمضى ماشيا هاربا حتى انتهى إلى بيت فيه رحى على شط
المرغاب، فمكث فيه ليلتين، فطلبه ماهويه فلم يقدر عليه إلى أن دخل صاحب
الرحى بيته فى اليوم الثانى، فرأى يزدجرد، فقال: ما أنت؟ إنسى أم جنى؟ قال:
إنسى، فهل عندك طعام؟ قال: نعم، فأتاه به، فقال: إنى مزموم، فأتنى بما
أزمزم به.
فذهب الطحان إلى بعض الأساورة، فطلب منه ما يزمزم به، قال: وما تصنع به؟
فقال: عندى رجل لم أر مثله قط، وقد طلب هذا منى، فجاء الأسوار بالطحان إلى
ماهويه، فأخبره فقال: هذا يزدجرد، اذهبوا فجيئونى برأسه، فقال له الموبذ:
ليس ذلك إليك، قد علمت أن الدين والملك مقترنان، لا يستقيم أحدهما إلا
بالآخر، ومتى فعلت انتهكت الحرمة العظيمة، وتكلم الناس فأعظموا ذلك، فشتمهم
ماهويه وقال للأساورة:
من تكلم فاقتلوه، وأمر عدة فذهبوا مع الطحان ليقتلوا يزدجرد، فانطلقوا،
فلما رأوه كرهوا قتله، وتدافعوا ذلك، وقالوا للطحان: ادخل فاقتله، فدخل
عليه وهو نائم ومعه حجر فشدخ به رأسه، ثم اجتزه فدفعه إليهم، وألقى جسده فى
المرغاب، فخرج قوم من أهل مرو فقتلوا الطحان وهدموا أرحاءه.
وذكر الطبرى «1» حديثين مختلفين مطولين، وأحدهما أطول من الآخر يتضمن ضروبا
من الاضطرابات تقلب فيها، وأنواعا من الدوائر دارت عليه، حتى كانت منيته
آخرها، وفيه أن رجال ماهويه الذين وجههم لطلب يزدجرد وأمرهم بقتله لما
انتهوا إلى الطحان، فسألوه عنه، فأنكره، فضربوه ليدل عليه فلم يفعل، فلما
أرادوا الانصراف قال أحدهم:
إنى أجد ريح المسك، ونظر إلى طرف ثوب من ديباج فى الماء، فاجتذبه، فإذا هو
يزدجرد، فسأله ألا يقتله ولا يدل عليه، وجعل له سواره وخاتمه ومنطقته، فأبى
عليه إلا أن يعطيه دراهم ويخلى عنه، ولم يكن ذلك عند يزدجرد، فقال: قد كنت
أخبر أنى سأحتاج إلى أربعة دراهم، وقال للرجل: ويحك، خاتمى لك، وثمنه لا
يحصى، فأبى وأنذر أصحابه، فأتوه، فطلب إليهم يزدجرد ألا يقتلوه، وقال:
ويحكم، إنا نجد فى كتبنا أن من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق فى
الدنيا، مع ما هو قادم عليه، فلا تقتلونى وائتوا بى إلى الدهقان، أو سرحونى
إلى العرب، فإنهم يستحيون مثلى من
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 298) ، الأخبار الطوال (ص 139، 140) .
(2/615)
الملوك، فأخذوا ما كان عليه من الحلى،
فجعلوه فى جراب وختموا عليه، ثم خنقوه بوتر، وطرحوه فى نهر مرو.
وفى آخر الحديث «1» : أنه لما بلغ مقتله رجلا من أهل الأهواز كان مطرانا
على مرو، جمع من كان قبله من النصارى، وقال لهم: إن ملك الفرس قد قتل، وهو
ابن شهريار بن كسرى، ولهذا الملك عنصر فى النصرانية، وإنما شهريار ولد
شيرين التى قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملتها فى غير وجه، مع ما نال
النصارى فى مملكة جده كسرى من الشرف، وقبل ذلك فى مملكة ملوك من أسلافه،
حتى بنى لهم بعضهم البيع، وسدد لهم بعضهم، يعنى للنصارى، ملتهم فينبغى لنا
أن نحزن لقتل هذا الملك ونظهر من كرامته بقدر ما كان من إحسان سلفه وجدته
إلى النصارى، وقد رأيت أن أبنى له ناووسا، وأحمل جثته فى كرامة حتى
أواريها.
فقال له النصارى: أمرنا لأمرك تبع، ونحن لك على رأيك هذا مواطئون، فأمر
المطران ببناء ناووس فى جرف بستان المطارنة بمرو، ومضى بنفسه ومعه نصارى
مرو حتى استخرج جثة يزدجرد من النهر وكفنها وجعلها فى تابوت وحملها هو
وأولئك النصارى على عواتقهم حتى أتوا به الناووس الذى بنى له وواروه فيه،
وردموا بابه، فكان ملك يزدجرد عشرين سنة، منها أربع سنين فى دعة وست عشرة
فى تعب من محاربة العرب إياه.
وكان آخر ملك من آل أردشير بن بابك، وصفا الملك بعده للعرب، فسبحان ذى
العظمة والملكوت، الملك الحق الدائم الذى لا يموت، لا إله إلا هو، كل شىء
هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون.
ذكر فتح أبرشهر، وطوس، وبيورد، ونسا، وسرخس، وصلح مرو
ذكر الطبرى «2» أن ابن عامر لما فتح فارس قام إليه أوس بن حبيب التميمى،
فقال:
أصلح الله الأمير إن الأرض بين يديك، ولم تفتح من ذلك إلا القليل، فسر فإن
الله ناصرك، قال: أو لم نأمرك بالمسير؟ وكره أن يظهر له أنه قبل رأيه.
وذكر فى بعض ما ذكره عن المدائنى أن ابن عامر لما فتح فارس رجع إلى البصرة
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 300) .
(2) انظر: تاريخ الملوك والرسل للطبرى (3/ 300- 303) .
(2/616)
واستعمل على اصطخر شريك بن الأعور الحارثى،
فدخل على ابن عامر رجل من بنى تميم يقال له: الأحنف، وقيل غيره، فقال له:
إن عدوك منك هارب، ولك هائب، والبلاد واسعة، فسر فإن الله ناصرك ومعز دينه.
فتجهز ابن عامر وأمر الناس بالتجهيز للمسير، واستخلف على البصرة زيادا،
وسار إلى كرمان، ثم أخذ إلى خراسان.
قال: وأشياخ كرمان يذكرون أنه نزل العسكر بالسيرجان، وسار إلى خراسان،
واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود، وأخذ ابن عامر على مفازة رابر، وهى
ثمانون فرسخا، ثم سار إلى الطبسين يريد أبرشهر، وهى مدينة نيسابور، وعلى
مقدمته الأحنف ابن قيس، فأخذ إلى قهستان، وخرج إلى أبرشهر فلقيته الهياطلة
فقاتلهم الأحنف فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور، وافتتح ابن عامر مدينة
أبرشهر، قيل: صالحا، وقيل:
عنوة، وفتح ما حولها: طوس وبيورد ونسا وحمران وسرخس.
ويقال: إنه بعث إلى سرخس عبد الله بن خازم ففتحها، وأصاب جاريتين من آل
كسرى.
ويروى أن أهل أبرشهر لما فتحها ابن عامر صالحا فى قول من قال ذلك، أعطوه
جاريتين من آل كسرى.
وعن أشياخ من أهل خراسان: أن ابن عامر سرح الأسود بن كلثوم، من عدى الرباب،
إلى بيهق، وهى من أبرشهر، بينهما ستة عشر فرسخا، ففتحها، وقتل الأسود، وكان
فاضلا فى دينه ومن أصحاب عامر بن عبد قيس، وكان عامر يقول بعد ما خرج من
البصرة: ما آسى من العراق على شىء إلا على ظماء الهواجر وتجاوب المؤنين،
وإخوان مثل الأسود بن كلثوم.
ويروى أن ابن عامر لما غلب على من بنيسابور أرسل إله أهل مرو يطلبون الصلح،
فبعث إليهم حاتم بن النعمان، فصالح مرزبان مرو على ألفى ألف ومائتى ألف.
وقال مقاتل بن حيان: على ستة آلاف ألف ومائتى ألف.
قال الطبرى «1» : وفى سنة اثنتين وثلاثين كانت غزوة معاوية بن أبى سفيان
مضيق القسطنطينية، ومعه زوجته عاتكة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد
مناف،
__________
(1) انظر: الطبرى (3/ 304، 305) .
(2/617)
وقيل: فاختة. واستعمل سعيد بن العاص، سلمان
بن ربيعة على فرج بلنجر، وأمد الجيش الذى كان به مقيما مع حذيفة بأهل
الشام، عليهم حبيب بن مسلمة.
وكان عثمان، رحمه الله، قد أمر سعيدا بإغزاء سلمان، فيما ذكره سيف عن بعض
رجاله، وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة، الذى يقال له: ذو النور، وهو على
الباب: أن الرعية قد أبطر كثيرا منها البطنة، فقصر ولا تقتحم بالمسلمين،
فإنى خاش أن يبتلوا، فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته، فغزا فى السنة
التاسعة من إمارة عثمان حتى إذا بلغ بلنجر حصرها ونصب عليها المجانيق
والعرادات، فجعل لا يدنو منها أحد إلا أعنتوه أو قتلوه، وأسرعوا فى الناس.
ثم إن الترك اتعدوا يوما، فخرج أهل بلنجر، وتوافى إليهم الترك فاقتتلوا
فأصيب عبد الرحمن، ذو النور، فانهزم المسلمون وتفرقوا.
وقد تقدم ذكر مقتله قبل، وأن المشركين احتازوه إليهم فجعلوه فى سفط، فكانوا
يستسقون به بعد ويستنصرون به.
وذكر سيف من بعض طرقه»
: أنه لما تتابعت الغزوات على الخزر تذامروا وتعايروا وقالوا: كنا أمة لا
يقوم لها أحد حتى جاءت هذه الأمة القليلة فصرنا لا نقوم لها، فقال بعضهم:
إنهم لا يموتون، ولو كانوا يموتون لما افتتحوا علينا. ثم كمنوا فى الغياض
ليجربوا، فرموا بعض من مر بهم فى ذلك الكمين من جند المسلمين فقتلوهم، فعند
ذلك تداعوا إلى الحرب وتواعدوا يوما، فاقتتلوا فقتل عبد الرحمن وتفرق الناس
فرقتين، فرقة نحو الباب فحماهم سلمان الفارسى حتى أخرجهم، وفرقة نحو الخزر،
فطلعوا على جيلان وجرجان، فيهم سلمان الفارسى وأبو هريرة.
وقال بعضهم: غزا أهل الكوفة ثمان سنين من إمارة عثمان، رضى الله عنه، لم
تئم فيهن امرأة، ولم ييتم فيهن صبى من قتل حتى كان، يعنى فى السنة التاسعة،
فكان ما ذكر من قتل عبد الرحمن بن ربيعة ومن أصيب معه.
ذكر فتح مرو الروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان
ذكر الطبرى «2» بإسناده عن ابن سيرين قال: بعث ابن عامر، الأحنف بن قيس إلى
__________
(1) انظر: الطبرى (3/ 305، 306) .
(2) انظر: الطبرى (4/ 310- 313) .
(2/618)
مرو الروذ، فحصر أهلها، فخرجوا إليهم
فقاتلوهم، فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصونهم، فأشرفوا عليهم، فقالوا:
يا معشر العرب، ما كنتم عندنا كما نرى، لو علمنا أنكم كما نرى لكاتب لنا
ولكم حال غير هذه، فأمهلونا ننظر فى يومنا، وارجعوا إلى عسكركم، فرجع
الأحنف.
فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له، فخرج من المدينة رجل من العجم معه كتاب،
فقال: إنى رسول فأمنونى، فأمنوه، فإذا هو ابن أخى مرزبان مرو ومعه كتابه
إلى الأحنف، وإذا فيه: إلى أمير الجيش، إنا نحمد الله الذى بيده الدول،
يغير ما شاء من الملك، ويرفع من شاء بعد الذلة، ويضع من شاء بعد الرفعة،
إنى دعانى إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدى، وما كان رأى من
صاحبكم من الكرامة والمنزلة، فمرحبا بكم فأبشروا، وأنا أدعوكم إلى الصلح
على أن أؤدى إليكم خراجنا ستين ألف درهم، وأن تقروا بيدى ما كان ملك الملوك
كسرى أقطع جد أبى حيث قتل الحية التى أكلت الناس وقطعت السبيل من الأرض
والقرى بما فيها من الرجال، ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتى شيئا من الخراج،
ولا تخرجوا المرزبة من أهل بيتى إلى غيرهم، فإن جعلت ذلك لى خرجت إليك، وقد
بعثت إليك ابن أخى ماهك ليستوثق منك بما سألت.
فكتب إليه الأحنف:
بسم الله الرحمن الرحيم، من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مرو
الروذ ومن معه من الأساورة والأعاجم، سلام على من اتبع الهدى وآمن واتقى،
أما بعد، فإن ابن أخيك ماهك قدم علىّ، فنصح لك جهده، وأبلغ عنك، وقد عرضت
ذلك على من معى من المسلمين، وأنا وهم فيما عليك سواء، وقد أجبناك إلى ما
سألت، وعرضت علىّ أن تؤدى عن كورتك وفلاحيك والأرضين ستين ألف درهم إلىّ
وإلى الوالى بعدى من أمراء المسلمين، إلا ما كان من الأرضين التى ذكرت أن
كسرى الظالم لنفسه أقطعها جد أبيك، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده،
وإن عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة إن أحب المسلمون
ذلك، وإن لك على ذلك نصر المسلمين على من يقاتل من ورائك من أهل ملتك، جار
لك بذلك منى كتاب يكون لك بعدى، ولا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من
ذوى الأرحام، وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك ما للمسلمين من العطاء
والمنزلة والرزق وأنت أخوهم، ولك بذلك ذمتى وذمة أبى وذمة المسلمين وذمم
آبائهم.
(2/619)
وعن مقاتل بن حيان: أن ابن عامر صالح أهل
مرو، وبعث الأحنف فى أربعة آلاف إلى طخارستان، فأقبل حتى نزل موضع قصر
الأحنف من مرو الروذ، وجمع له أهل طخارستان، وأهل الجوزجان، والطالقان،
والفارياب، وكانوا ثلاثة زحوف، ثلاثين ألفا، وأتى الأحنف خبرهم، فاستشار
الناس فاختلفوا، فمن قائل: نرجع إلى مرو، وقائل:
نرجع إلى أبرشهر، وقائل: نقيم ونستمد، وقائل: نلقاهم فنناجزهم.
قال: فلما أمسى الأحنف خرج يمشى فى العسكر، ويسمع حديث الناس، فمر بأهل
خباء ورجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن، وهم يتحدثون ويذكرون العدو، فقال بعضهم:
الرأى للأمير إذا أصبح أن يسير حتى يلقى القوم حيث لقيناهم، فإنه أرعب لهم،
فنناجزهم، فقال صاحب الخزيرة أو العجين: إن فعل ذلك فقد أخطأ، أتأمرونه أن
يلقى حد العدو مصحرا فى بلاده، فيلقى جميعا كثيرا بعدد قليل، فإن جالوا
جولة اصطلموا؟
ولكن الرأى له أن ينزل بين المرغاب والجبل، فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل
عن يساره فلا يلقاه من عدوه وإن كثروا إلا عدد أصحابه، فرجع الأحنف وقد
اعتقد ما قال، فضرب عسكره، وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن
يقاتلوا معه، فقال: إنى أكره أن أستنصر بالمشركين، فأقيموا على ما
أعطيناكم، فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا لكم، وإن ظفروا بنا وقاتلوكم
فقاتلوا عن أنفسكم.
قال: فوافوا المسلمين صلاة العصر، فعاجلهم المشركون، فناهضوهم وقاتلوهم
فصبر الفريقان حتى أمسوا، والأحنف يتمثل:
أحق من لم يكره المنية ... حزور ليست له ذرية
وفى غير حديث مقاتل أن الأحنف لقيهم فى المسلمين ليلا فقاتلوهم حتى ذهب
عامة الليل، ثم هزمهم الله، فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى رسكن، وهى على
أثنى عشر فرسخا من قصر الأحنف، وكان مرزبان مرو الروذ قد تربص بحمل ما كان
صالح عليه، لينظر ما يكون من أمرهم، فلما ظفر الأحنف سرح رجلين إلى
المرزبان، وأمرهما أن لا يكلماه حتى يقبضاه ففعلا، فعلم أنهما لم يصنعا ذلك
به إلا وقد ظفروا، فحمل ما كان عليه.
وبعث الأحنف إلى الجوزجان الأقرع بن حابس فى جريدة خيل إلى بقية كانت بقيت
من الزحوف التى هزمهم الأحنف، فقاتلهم الأقرع بخيله، فجال المسلمون جولة،
فقتل بعض فرسانهم، ثم أظفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم، وأولئك
القتلى من فرسان
(2/620)
المسلمين عنى أبو كثير النهشلى إذ قال:
سقى مزن السحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رستاق خوط ... أقادهم هناك الأقرعان
وهى طويلة. |