الاكتفاء
بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة
الخلفاء ذكر غزوة الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية
لمنع أهلها ما صالحوا عليه أهل الإسلام أيام عمر بن الخطاب «1»
ويقال: إنها كانت فى السنة التى بويع فيها عثمان، وقيل: فى سنة خمس وعشرين
بعدها، وقيل: فى سنة ست، ذكر ذلك كله الطبرى.
وحكى «2» أيضا عن أبى مخنف، عن قرة بن لقيط الأزدى ثم العامرى: أن مغازى
أهل الكوفة كانت الرى وأذربيجان، وكان بالبحرين عشرة آلاف مقاتل من أهل
الكوفة، ستة آلاف بأذربيجان، وأربعة آلاف بالرى، وكان بالكوفة إذ ذاك
أربعون ألف مقاتل، وكان يغزو هذين المصرين منهم عشرة آلاف كل سنة، فكان
الرجل تصيبه فى كل أربع سنين غزوة، فغزا الوليد بن عقبة فى أزمانه على
الكوفة فى سلطانه عثمان أذربيجان وأرمينية، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلى،
فبعثه أمامه مقدمة له، وخرج الوليد فى جماعة الناس يريد أن يمعن فى أرض
أرمينية، فمضى حتى دخل أذربيجان، فبعث عبد الله بن شبل بن عوف الأحمسى فى
أربعة آلاف، فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم،
وسبى سبيا يسيرا، وتحرز القوم منه، فأقبل بذلك إلى الوليد.
ثم إن الوليد صالح أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم، وذلك هو الصلح الذى
كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ثم
حبسوها بعد وفاته، فلما وطئهم الوليد بالجيش، انقادوا وطلبوا إليه أن يتم
لهم على ذلك صلح ففعل، وقبض منهم المال، وبث الغارات فيمن حولهم من أعداء
الإسلام، فبعث سلمان ابن ربيعة إلى أرمينية فى إنثى عشر ألفا، فسار فى
أرضها، فقتل وسبى، وغنم وانصرف
__________
(1) انظر الخبر فى: الطبرى (4/ 246، 247) ، البداية والنهاية لابن كثير (7/
149، 150) ، الكامل فى التاريخ لابن الأثير (2/ 43، 44) .
(2) انظر: الطبرى (4/ 246) .
(2/610)
مملوء اليدين إلى الوليد، فانصرف الوليد
وقد ظفر وأصاب حاجته. فلما دخل الموصل راجعا أتاه كتاب من عثمان، رحمه
الله:
أما بعد، فإن معاوية بن أبى سفيان كتب إلىّ يخبرنى أن الروم قد أجلبت على
المسلمين بجموع كثيرة عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة،
فإذا أتاك كتابى هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وسخاءه
وإسلامه فى ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذى
يأتيك فيه رسولى، والسلام.
فقام الوليد فى الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس،
فإن الله قد أبلى المسلمين فى هذا الوجه بلاء حسنا، فرد عليهم بلادهم التى
كفرت، وفتح بلادا لم تكن افتتحت، وردهم سالمين غانمين مأجورين، والحمد لله
رب العالمين. وقد كتب إلىّ أمير المؤمنين أن أندب منكم ما بين العشرة
الآلاف إلى ثمانية آلاف، تمدون إخوانكم من أهل الشام، فإنهم قد جاشت عليهم
الروم، وفى ذلك الأجر العظيم، والفضل المبين، فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان
بن ربيعة، فانتدب الناس، فلم يمض ثلاثة أيام حتى خرج فى ثمانية آلاف من أهل
الكوفة، فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم، فشنوا عليهم الغارات،
وأصابوا ما شاؤا من سبى، وملأوا أيديهم من المغانم، وافتتحوا بها حصونا
كثيرة.
وكان على أهل الشام حبيب بن مسلمة، وسلمان على أهل الكوفة، وزعم الواقدى أن
سعيد بن العاص هو الذى أمد حبيبا بسلمان، وأن سبب ذلك أن عثمان، رضى الله
عنه، أمر معاوية بإغزاء حبيب فى أهل الشام وأرمينية، فوجهه إليها معاوية،
فبلغ حبيبا أن الموريان الرومى قد توجه نحوه فى ثمانين ألفا من الروم
والترك، فأعلم بذلك معاوية فكتب معاوية إلى عثمان، فكتب عثمان إلى سعيد
بإمداد حبيب، فأمده بسلمان فى ستة آلاف، وكان حبيب صاحب كيد، فأجمع على أن
يبيت الموريان، فسمعته امرأته، أم عبد الله بنت يزيد الكلبية، يذكر ذلك،
فقالت له: فأين موعدك؟ قال: سرادق الموريان أو الجنة، ثم بيتهم، فقتل من
اشرأب له، وأتى السرادق فوجد امرأته قد سبقت، فكانت أول امرأة من العرب ضرب
عليها سرادق، ثم مات عنها حبيب، فخلف عليها الضحاك ابن قيس الفهرى، فهى أم
ولد.
(2/611)
ذكر انتقاض فارس، ومسير عبد الله بن عامر
إليها وفتحه إياها «1»
ولما ولى عثمان، رحمه الله، أقر أبا موسى الأشعرى على البصرة ثلاث سنين،
وعزله فى الرابعة، وأمر على خراسان عمير بن عثمان بن سعد، وعلى سجستان عبيد
الله بن عمير الليثى من بنى ثعلبة، فأثخن فيها إلى كابل، وأثخن عمير فى
خراسان حتى بلغ فرغانة، فلم يدع دونها كورة إلا أصلحها، وبعث إلى مكران
عبيد الله بن معمر التيمى، فأثخن فيها حتى بلغ النهر، وبعث على كرمان عبيد
الله بن عنبس، وبعث إلى فارس والأهواز نفرا، وأبو موسى فى كل ذلك على
البصرة.
فلما كان فى السنة الثالثة كفر أهل ايذج والأكراد، فنادى أبو موسى فى
الناس، وحضهم، وذكر من فضل الجهاد فى الرجلة، حتى حمل نفر على دوابهم،
وأجمعوا على ألا يخرجوا إلا رجالة، ثم نشأ بينه وبين أهل البصرة فى هذا
الاستنفار ما نفرهم عنه، وطلبوا إلى عثمان أن يديلهم عنه، فدعا عثمان عند
ذلك عبد الله بن عامر، فأمره على البصرة وصرف عبيد الله بن معمر إلى فارس،
واستعمل مكانه عمير بن عثمان بن سعد، واستعمل على خراسان أمين بن أحمر
اليشكرى، وعلى سجستان عمران بن الفضل البرجمى، وعلى كرمان عاصم بن عمرو،
فمات بها.
فجاشت فارس فانتفضت بعبيد الله بن معمر، واجتمعوا له باصطخر، فالتقوا على
بابها، فقتل عبيد الله، وبلغ الخبر عبد الله بن عامر، فاستنفر أهل البصرة
إليهم، وخرج فى الناس وعلى مقدمته عثمان بن أبى العاص، فالتقى هو وأهل فارس
باصطخر، فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يزالوا منها فى ذل، وكتب بذلك إلى عثمان
بن عفان، فكتب إليه يأمره أن يولى على كور فارس نفرا سماهم له، وفرق خراسان
بين ستة نفر، منهم الأحنف بن قيس على المروين.
ذكر انتقاض خراسان، وخروج سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر إليها وذكر
طبرستان واستيلاء سعيد عليها
ذكر الطبرى أن أدانى أهل خراسان وأقاصيهم اعترضوا زمان عثمان، رضى الله
عنه،
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 264- 266) .
(2/612)
لسنتين خلتا من إمارته، فبدأ بنو كنارى وهم
أخوال كسرى، فأنثروا وألجأوا عبد الرحمن ابن سمرة وعماله إلى مرو الروذ،
وثنى أهل مرو الشاهجان، وثلث بنيزل فاستولى على بلخ، وأرز من بها إلى مرو
الروذ وعليها ابن سمرة، فكتب إلى عثمان بخلع أهل خراسان، فأرسل إلى ابن
عامر أن يسير فى جند البصرة، فخرج ابن عامر فى الجنود حتى يدخل خراسان على
الطبسين من قبل يزدجرد، وبث الجنود فى كورها وأمرهم أن يطأوا فيهم، ووطأ هو
فى أهل هراة بعد ما وهنهم الجزاء، وصالحوه، ثم ثنى بنيسابور ففعلت فعل
هراة، ولقيت الكور من الجنود مثل ذلك، فذلوا لهم، واكتتب منهم أهل مرو
الشاهجان وسائر خراسان، وسار ابن عامر إلى نيزل فقتل تركه قتل الكلاب، ولحق
هو بترك بلاد الشام، وسيأتى بعد هذه المجملات مفصلة بعد.
وذكر الطبرى «1» بإسناد له قال: غزا سعيد بن العاص، وهو على الكوفة سنة
ثلاثين يريد خراسان، ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وابن عمر وعبد الله
بن عمرو وابن الزبير، وخرج عبد الله ابن عامر من البصرة يريد خراسان، فسبق
سعيدا ونزل ابرشهر، وبلغ ذلك سعيدا، فنزل قرمس، وهى صلح، صالحهم حذيفة بعد
نهاوند، فأتى جرجان، فصالحوه على مائتى ألف، ثم أتى طميسة، وهى كلها من
طبرستان متاخمة لجرجان، وهى مدينة على ساحل البحر، فقاتله أهلها حتى صلى
يومئذ صلاة الخوف، وهم يقتتلون، بعد أن سأل حذيفة فأخبره كيف صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وضرب يومئذ سعيد رجلا من المشركين على حيل عاتقه،
فخرج السيف من مرفقه، وحاصرهم، فطلبوا الأمان، فأعطاهم على أن لا يقتل منهم
رجلا واحدا، ففتحوا الحصن، فقتلهم جميعا إلا رجلا واحدا، وحوى ما كان فى
الحصن.
وذكر الطبرى «2» من طريق آخر أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان، ثم امتنعوا
وكفروا، فلم يأت جرجان بعد سعيد أحد، ومنعوا ذلك الطريق، فلم يكن يسلك طريق
خراسان من ناحية قومس إلا على وجل وخوف من أهل جرجان، وكان الطريق إلى
خراسان من فارس إلى كرمان، فأول من صير الطريق من قومس قتيبة بن مسلم حين
ولى خراسان.
وعن بشر بن حنظلة العمى أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان، فكانوا يجبون
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 269، 270) .
(2) انظر: الطبرى (4/ 271) .
(2/613)
أحيانا مائة ألف، ويقولون: صلحنا، وأحيانا مائتى ألف، وأحيانا ثلاثمائة
ألف، وكانوا ربما أعطوا ذلك، وربما منعوه، ثم امتنعوا وكثروا، فلم يعطوا
خراجا حتى أتاهم يزيد بن المهلب، فلما صالح صولا وفتح البحيرة ودهستان صالح
أهل جرجان على صلح سعيد ابن العاص. |