جمع
الوسائل في شرح الشمائل (بَابُ صَلَاةِ
الضُّحَى)
أَيْ : صَلَاةُ وَقْتِ الضُّحَى ، وَهُوَ صَدْرُ النَّهَارِ حِينَ
تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى عِنْدَ مُضِيِّ
رُبُعِ النَّهَارِ إِلَى الزَّوَالِ كَذَا قِيلَ ، وَالتَّحْقِيقُ
أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الضُّحَى إِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ ،
وَآخِرُهُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ ، وَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي أَوَائِلِهِ
يُسَمَّى صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ أَيْضًا ، وَمَا وَقَعَ فِي أَوَاخِرِهِ
يُسَمَّى صَلَاةَ الزَّوَالِ أَيْضًا ، وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْتَصُّ
بِصَلَاةِ الضُّحَى ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ إِضَافَةَ الصَّلَاةِ إِلَى
الضُّحَى بِمَعْنَى : «فِي» كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ
، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ ، وَقِيلَ مِنْ
بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَبِّبِ إِلَى السَّبَبِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ ،
وَقِيلَ هِيَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرُ لُغَةٌ ، فُوَيْقَ الضَّحِيَّةِ
كَعَشِيَّةٍ ، وَالضَّحْوَةُ كَطَلْحَةٍ الَّتِي هِيَ ارْتِفَاعُ
النَّهَارِ ، وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الضُّحَى ، فَالْإِضَافَةُ
بَيَانِيَّةٌ ، وَقِيلَ الضُّحَى مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّحْوَةِ ،
وَضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ بَعْدَهُ
الضُّحَى ، وَهُوَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ
النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ
الصِّحَاحِ ، وَفِي الْقَامُوسِ : الضَّحِيَّةُ كَعَشِيَّةٍ :
ارْتِفَاعُ النَّهَارِ ، فَالْمُرَادُ بِالضُّحَى وَقْتُ الضُّحَى ،
وَهُوَ صَدْرُ النَّهَارِ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ ، وَتُلْقِي
شُعَاعَهَا ، وَقَالَ مِيرَكُ : الضُّحَى يُذَكَّرُ ، وَيُؤَنَّثُ
فَمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ جَمْعُ ضَحْوَةٍ ، وَمَنْ ذَكَّرَ
ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ عَلَى فِعْلٍ ، وَهُوَ ظَرْفٌ غَيْرُ
مُتَمَكِّنٍ مِثْلُ سَحَرٍ ، يُقَالُ : لَقِيتُهُ ضُحًى ، إِذَا
أَرَدْتَ بِهِ ضُحَى يَوْمِكَ ، وَهُوَ بِالضَّمِّ ، وَالْقَصْرِ
شُرُوقُهُ ، وَبِهِ سُمِّيَ صَلَاةُ الضُّحَى ، وَأَمَّا الضَّحَاءُ
بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ فَهُوَ إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلَى رُبُعِ
النَّهَارِ ، فَمَا بَعْدَهُ .
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ ، أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (شُعْبَةُ
عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ)
(2/85)
بِكَسْرِ
الرَّاءِ ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ
الْمُصَحَّحَةِ فَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ ضَمِّ
الرَّاءِ لُغْزَةُ قَلَمٍ ، أَوْ زَلَّةُ قَدَمٍ ، وَفِي الْقَامُوسِ :
الرِّشْكُ بِالْكَسْرِ : الْكَبِيرُ اللِّحْيَةِ ، وَلَقَبُ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي يَزِيدَ الضُّبَعِيِّ ، أَحْسَبُ أَهْلِ زَمَانِهِ ،
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ : الرِّشْكُ بِالْفَارِسِيَّةِ :
الْكَبِيرُ اللِّحْيَةِ وَلُقِّبَ بِهِ لِكِبَرِ لِحْيَتِهِ . وَقَالَ
الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الرِّشْكَ بِلُغَةِ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ هُوَ الْقَسَّامُ فَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ الدُّورَ
، وَكَانَ يُقَسِّمُهَا بِمَكَّةَ قُبَيْلَ الْمَوْسِمِ بِالْمِسَاحَةِ
لِيَتَصَرَّفَ الْمُلَّاكُ فِي أَمْلَاكِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ ،
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ : دَخَلَ عَقْرَبٌ لِحْيَتَهُ
فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ لِكِبَرِ
لِحْيَتِهِ ، وَاسْتَشْكَلَ كَوْنُ مَعْرِفَتِهَا ثَلَاثًا ، وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَانًا كَثِيرَ الْعَقَارِبِ
ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ،
فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ
أَنَّ أَحَدًا رَآهَا حِينَ دَخَلَتْ ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهَا إِلَّا
بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِيَعْلَمَ هَلْ يُحِسُّ بِهَا أَوْ لَا ،
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْعَقْرَبِ قَدْ يَقَعُ
لِخَفِيفِ اللِّحْيَةِ ، فَلَا وَجْهَ لِتَسْمِيَتِهِ لِلرِّشْكِ
بِذَلِكَ لِكِبَرِ لِحْيَتِهِ ، فَمُكَابَرَةٌ فَإِنَّ الْوُجُودَ
قَاضٍ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ لِكَبِيرِ اللِّحْيَةِ جِدًّا
عَلَى أَنَّ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مُمْكِنِ الْوُقُوعِ
مَعَ أَنَّ فِي وَجْهِ التَّسْمِيَةِ لَا يَلْزَمُ نَفْيُ مَا عَدَاهُ
، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الرِّشْكَ
بِالْفَارِسِيَّةِ الْعَقْرَبُ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ أَصْلًا هَذَا ،
وَقَالَ شَارِحٌ : يَزِيدُ الرِّشْكُ ثِقَةٌ مُتَعَبِّدٌ تُوُفِّيَ
سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (قَالَ) أَيِ : الرِّشْكُ (سَمِعْتُ
مُعَاذَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّةَ
(قَالَتْ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ : نَعَمْ أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ) أَيْ : يُصَلِّي أَرْبَعًا غَالِبًا (وَيَزِيدُ) عَطْفٌ
عَلَى يُصَلِّي مُقَدَّرًا بَعْدَ نَعَمْ أَيْ : وَيَزِيدُ عَلَيْهِ
أَحْيَانًا (مَا شَاءَ اللَّهُ) أَيْ : مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ مِنْ
غَيْرِ حَصْرٍ ، وَلَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ
رَكْعَةً ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَأُمِّ
سَلَمَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي الصِّرَاطِ
الْمُسْتَقِيمِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
«كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَبِهِ
يَنْدَفِعُ»
قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهَا : «وَيَزِيدُ مَا شَاءَ
اللَّهُ» أَنَّ لَا حَصْرَ لِلزِّيَادَةِ لَكِنْ بِاسْتِقْرَاءِ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَالضَّعِيفَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ
يَزِدْ عَلَى الثَّمَانِ ، وَلَمْ يَرْغَبْ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ انْتَهَى .
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ ذَرٍّ قَالَتْ : رَأَيْتُ عَائِشَةَ
تُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى ، وَتَقُولُ : «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إِلَّا
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ هُوَ الْأَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ مُوَاظَبَتِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ
أَحْيَانًا ، وَبِهِ يَضْعُفُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ
الثَّمَانِ أَفْضَلُ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ
لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ قَطْعًا وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ
أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَى فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي صَلَاةِ
الضُّحَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا
يَخْتَارُونَ أَنْ يُصَلَّى الضُّحَى أَرْبَعًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ، وَكَحَدِيثِ أَبِي
الدَّرْدَاءِ ، وَأَبِي ذَرٍّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا عَنِ
اللَّهِ تَعَالَى .
«ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوَّلَ النَّهَارِ
أَكْفِكَ آخِرَهُ» ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ : أَنَّ
جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى ، وَأَنَّ
أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَوَابَهَا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا عَنِ السُّؤَالِ وَقَعَ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّهُ
جَوَابٌ مَعَ زِيَادَةِ إِفَادَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى جَوَابِ سُؤَالٍ
آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمْ
صَلَّى ؟ عَلَى أَنَّ فِيهِ إِشْعَارًا إِلَى كَمَالِ حِفْظِهَا فِي
الْقَضِيَّةِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى
أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِهِ ،
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَافَظَ
عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ
مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» .
(حَدَّثَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنِي (مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ،
حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزِّيَادِيُّ) بِكَسْرِ الزَّايِ
قَبْلَ التَّحِيَّةِ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ)
(2/86)
بِالتَّصْغِيرِ
، وَفِي نُسْخَةٍ : عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ الرَّبِيعِ الزِّيَادِيُّ ،
عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وَكَذَا رُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَخْلُو
إِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ
رَكَعَاتٍ) أَيْ : بَعْضَ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ
مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ عَنْهَا أَيْضًا أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الضُّحَى ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ .
وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
مِنْ قَوْلِهِ «أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ» ، وَمِنْ
قَوْلِهِ : «لَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَا
أَحَدٌ يُسَبِّحُهَا» ، «وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا أَحَبَّ
إِلَيَّ مِنْهَا» ، فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ
الْأَحَادِيثُ ، وَبِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا أَوْ بِأَنَّ
التَّجَمُّعَ لَهَا فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ هُوَ الْبِدْعَةُ ،
وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ
مَشْرُوعِيَّتِهَا ; لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ لِتَضَمُّنِهِ زِيَادَةُ
عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى النَّافِي مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ ، أَوْ
أَرَادَ نَفْيَ رُؤْيَتِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ :
«قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَتُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ :
فَعُمَرُ ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ : فَأَبُو بَكْرٍ ؟ قَالَ : لَا .
قُلْتُ : فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ
: لَا . قَالَ : لَا إِخَالُهُ أَيْ : لَا أَظُنُّهُ وَهُوَ بِكَسْرِ
الْهَمْزَةِ ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ
نَفْيَ أَصْلِهَا ; لِأَنَّ أَحَادِيثَهَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ
مُتَوَاتِرَةً ، كَيْفَ وَقَدْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ تِسْعَةَ
عَشَرَ نَفْسًا كُلُّهُمْ شَهِدُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهَا كَمَا بَيَّنَهُ الْحَاكِمُ ،
وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو زُرْعَةَ :
وَرَدَ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ
صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ
الطَّبَرِيُّ : أَنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ ، وَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ تُفْعَلَ فِي
الْمَسْجِدِ لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ ، فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ أَنَّ
الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ أَنْ تُفْعَلَ بِالْبَيْتِ ، وَلَوْ فِي
الْكَعْبَةِ .
فَمَدْفُوعٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ
أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ
ثُبُوتِهِ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يُفِيدُ
كَوْنَهَا أَفْضَلَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ
مُعَارِضًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ .
» أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا
الْمَكْتُوبَةَ «.
ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَقَلَّهَا
رَكْعَتَانِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ بَلْ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ
فِي الْبَابِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ مِنَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ،
وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا تَقَدَّمَ وَلِخَبَرِ
:» مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ
لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ «.
قَالَ الْمُصَنِّفُ هُوَ غَرِيبٌ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ ،
وَالْحُسْنَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ : ضَعِيفٌ ، وَفِيهِ
نَظَرٌ ; لِأَنَّ لَهُ طُرُقًا تُقَوِّيهِ وَتُرَقِّيهِ إِلَى دَرَجَةِ
الْحُسْنِ ، وَقِيلَ : أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
أَرْبَعٌ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِقْدَارِ مُوَاظَبَتِهِ ، وَقَدْ
يُفَضَّلُ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَزِيدِ
فَضْلِ اتِّبَاعٍ عَلَى الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ .
قَالَ مِيرَكُ : وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى مَا
يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا قَالَتْ :
مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا ، وَسَيَأْتِي
قَرِيبًا عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا ، فَفِي الْأَوَّلِ أَعْنِي مِنْ حَدِيثِ
الْبَابِ الْإِثْبَاتُ مُطْلَقًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ نَفْيُ
رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مُطْلَقًا ، وَفِي الثَّالِثِ تَقْيِيدُ
النَّفْيِ بِغَيْرِ الْمَجِيءِ مِنْ مَغِيبِهِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَجَمَاعَةٌ
إِلَى تَرْجِيحِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ ، وَقَالُوا :
إِنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُقُوعِ
، فَيُقَدَّمُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْإِثْبَاتُ ،
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَحَادِيثِهَا .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا :» مَا
رَأَيْتُهُ سَبَّحَهَا «أَيْ مَا دَامَ عَلَيْهَا . وَقَوْلِهَا :»
وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا «أَيْ أُدَاوِمُ عَلَيْهَا . قَالَ وَفِي
قَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : وَأَنَّهُ كَانَ لَيَدَعُ
الْعَمَلَ ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَهُ
النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ» إِشَارَةً إِلَى ذَلِكَ ، وَحَكَى
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ
مُعَاذَةَ عَنْهَا ، وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
عَنْهَا يَعْنِي الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُخَرَّجِينَ
فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ إِيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَحَدِيثُ
مُعَاذَةَ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْبَيْتِ ، قَالَ :
وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُهَا الثَّالِثُ يَعْنِي حَدِيثَ : «مَا
رَأَيْتُهُ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى» الْمُخَرَّجَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ
الْمَنْفِيَّ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ ، وَأُخِذَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ
مِنْ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ ، وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفَتْ صَلَاةَ الضُّحَى الْمَعْهُودَةَ
حِينَئِذٍ مِنْ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ فِي وَقْتٍ
مَحْصُورٍ ، وَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا
كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لَا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ
لَا يُغَيَّرُ كَمَا قَالَتْ : يُصَلِّي أَرْبَعًا ، وَيَزِيدُ مَا
شَاءَ اللَّهُ أَيْ : مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ ، وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى
اثْنَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا رُوِيَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ
عَنْهَا ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ تَدُلُّ عَلَى
ضَعْفِ مَا رُوِيَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَّهَا لِذَلِكَ جَمَاعَةٌ
مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ خَصَائِصِهِ
وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ
فِي الْحَاوِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ
عَلَيْهَا بَعْدَ
(2/87)
الْفَتْحِ
إِلَى أَنْ مَاتَ ، يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ،
لَا يُقَالُ نَفْيُ أُمِّ هَانِئٍ لِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ
الْعَدَمُ ، لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَاجُ مَنْ أَثْبَتَهُ إِلَى دَلِيلٍ
، وَلَوْ وُجِدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ
أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ
الْمُوَاظَبَةَ مَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَيْهِ .
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ ، أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (شُعْبَةُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى)
اسْمُهُ ، وَقِيلَ : بِلَالٌ ، وَقِيلَ : دَاوُدُ بْنُ بِلَالٍ (قَالَ
: مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ) أَيْ : مِنَ الصَّحَابَةِ (أَنَّهُ رَأَى
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى
إِلَّا أُمُّ هَانِئٍ) بِالرَّفْعِ ؛ فَإِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ
أَحَدٌ قَالَ مِيرَكُ : وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : أَدْرَكْتُ النَّاسَ ، وَهُمْ
مُتَوَافِرُونَ ، فَلَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الضُّحَى إِلَّا أُمُّ هَانِئٍ ،
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ
الْهَاشِمِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ
النَّاسِ يُخْبِرُنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى ، فَلَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ
غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْنِي فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ هَذَا هُوَ ابْنُ
نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَذْكُورٌ فِي
الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ ابْنُ مَاجَهْ فِي رِوَايَتِهِ
وَقْتَ سُؤَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ذَلِكَ ،
وَلَفْظُهُ : سَأَلْتُ ، فِي زَمَنِ عُثْمَانَ ، وَالنَّاسُ
مُتَوَافِرُونَ أَنَّ أَحَدًا يُخْبِرُنِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى ، فَلَمْ أَجِدْ
غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ (فَإِنَّهَا حَدَّثَتْ) وَفِيهِ أَنَّهُ إِنَّمَا
نَفَى عِلْمَهُ ، فَلَا يُنَافِي مَا حَفِظَهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ
يَكْفِي إِخْبَارُ أُمِّ هَانِئٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ
فَاغْتَسَلَ) ، وَرَوَاهُ عَنْهَا كَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ ، وَفِي
رِوَايَةٍ ، وَذَلِكَ ضُحًّى لَكِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يُخَالِفُ
رِوَايَةَ الشَّيْخَيْنِ عَنْهَا قَالَتْ : «ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ ،
فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ»
الْحَدِيثَ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ وَيُقَالَ :
فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ فِي بَيْتِي ، أَوْ يُقَالُ كَانَ لَهَا
بَيْتَانِ أَحَدُهُمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَكَنُهُ فِيهِ وَالْآخَرُ سُكْنَاهَا ، فَالْإِضَافَةُ بِاعْتِبَارِ
مَالِكِيَّتِهَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ ،
فَمَرَّةً كَانَ فِي بَيْتِهَا ، وَأُخْرَى ذَهَبَتْ إِلَيْهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِهَا فِي نَاحِيَةٍ عَنْهَا
وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ فَذَهَبَتْ إِلَيْهِ وَكَانَ ذَهَابُهَا إِلَيْهِ
لِشَكْوَى أَخِيهَا عَلِيٍّ إِذْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ
أَجَارَتْهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ
أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ، وَقَالَ مِيرَكُ :
ظَاهِرُهُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَقَعَ فِي بَيْتِهَا . وَوَقَعَ فِي
الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ
هَانِئٍ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ ،
وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ تَكْرَارٌ مِنْهُ ،
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ
عَنْ أُمِّ هَانِئٍ ، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَتَرَهُ لَمَّا
اغْتَسَلَ ، وَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُرَّةَ عَنْهَا أَنَّ
فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ سَتَرَتْهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ
فِي بَيْتِهَا بِأَعْلَى مَكَّةَ ، وَكَانَتْ هِيَ فِي بَيْتٍ آخَرَ
بِمَكَّةَ ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ فَيَصِحُّ
الْقَوْلَانِ ، وَأَمَّا السَّتْرُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
أَحَدُهُمَا سَتَرَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ ، وَالْآخَرُ فِي
أَثْنَائِهِ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَسْقَلَانِيُّ لَكِنَّهُ
لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ : أَخَذَ مِنْهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ
لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوَّلَ يَوْمٍ لِصَلَاةِ
الضُّحَى اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
انْتَهَى ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ نُدِبَ لِعَدَمِ
تَكَرُّرِ فِعْلِهِ ، وَتَأْكِيدُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (فَسَبَّحَ) أَيْ : صَلَّى ، مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ
الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى
التَّسْبِيحِ ، وَقَدْ يُطْلَقُ التَّسْبِيحُ عَلَى صَلَاةِ
التَّطَوُّعِ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ : فَصَلَّى
(ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) وَلِمُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي بَيْتِهَا عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ
فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَرَوَى
النَّسَائِيُّ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ
وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ ، فَسَلَّمَتْ فَقَالَ مَنْ هَذَا
قُلْتُ أُمُّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى
ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَالثَّمَانِي
فِي الْأَصْلِ مَنْسُوبٌ إِلَى الثُّمُنِ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي
صَيَّرَ السَّبْعَةَ
(2/88)
ثَمَانِيَةً
فَهُوَ ثُمُنُهَا ، ثُمَّ فَتَحُوا أَوَّلَهُ لِأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ
فِي النَّسَبِ ، وَحَذَفُوا مِنْهَا إِحْدَى يَائَيِ النِّسْبَةِ ،
وَعَوَّضُوا مِنْهَا الْأَلِفَ ، وَقَدْ يُحْذَفُ مِنْهُ الْيَاءُ ،
وَيُكْتَفَى بِكَسْرِ النُّونِ أَوْ يُفْتَحُ تَخْفِيفًا كَذَا
حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ ، وَزَادَ كُرَيْبٌ عَنْ
أُمِّ هَانِئٍ فَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَفِي
الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ صَلَّى
الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ ، فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ : إِنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ
الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ
صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ ،
وَأَنَّ أُمَّ هَانِئٍ رَأَتْ بَقِيَّةَ الثَّمَانِ ، وَهَذَا يُقَوِّي
أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً كَذَا إِفَادَةُ الْحَافِظِ
الْعَسْقَلَانِيِّ ، وَقَالَ مِيرَكُ : كَوْنُهُ مُقَوِّيًا لَيْسَ
بِظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَأَى الرَّكْعَتَيْنِ
الْأَخِيرَتَيْنِ تَأَمَّلْ . قُلْتُ : كَلَامُ الْعَسْقَلَانِيِّ هُوَ
الظَّاهِرُ ، وَإِلَّا فَيُنَافِي رِوَايَتَهُ عَنْهَا ، فَسَلَّمَ
مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ، تَدَبَّرْ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ
عَنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ
الْفَتْحِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ ، وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ صَلَّى
ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ :
وَبِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَبْطُلُ قَوْلُ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ :
حَدِيثُهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي قَصْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سُنَّةَ الضُّحَى ، قُلْتُ بَلِ الصَّوَابُ قَوْلُ عِيَاضٍ
وَمَنْ تَبِعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّاوِي
أَنَّهُ - صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اقْتِرَانُ
وَقْتِ الضُّحَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ
صَلَاةَ الضُّحَى وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُهُ أَيْضًا ، وَأَمَّا
قَوْلُ مَنْ قَالَ : لَا تُفْعَلُ صَلَاةُ الضُّحَى إِلَّا لِسَبَبٍ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا صَلَّاهَا
يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَجْلِ الْفَتْحِ ، فَيُبْطِلُهُ مَا مَرَّ مِنَ
الْأَحَادِيثِ انْتَهَى .
وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْفَتْحَ لَيْسَ سَبَبًا لِهَذِهِ الصَّلَاةِ ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ
يَكُونَ سَبَبًا لِإِنْشَائِهَا ثُمَّ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَدَائِهَا
مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى سَبَبٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ
فَضَائِلِهَا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهَا قَالَتْ :
لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ ؟
قَالَ : «صَلَاةُ الضُّحَى» ، وَلِمَا صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :
«أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ» ،
وَذَكَرَ مِنْهُنَّ الضُّحَى ، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ رُوِيَ
عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ دَرْسَ الْحَدِيثِ بِاللَّيْلِ عَلَى
الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِالضُّحَى بَدَلًا عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ
وَلِهَذَا أَمَرَهُ دُونَ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ أَنْ لَا يَنَامَ
إِلَّا عَلَى وَتْرٍ فَمَعَ كَمَالِ بُعْدِهِ يَرُدُّهُ أَنَّ هَذِهِ
الْوَصِيَّةَ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِهِ بَلْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ . (مَا رَأَيْتُهُ) أَيِ : النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صَلَّى صَلَاةً) أَيْ :
فَرِيضَةً وَلَا نَافِلَةً (قَطُّ) أَيْ : أَبَدًا (أَخَفَّ مِنْهَا)
أَيْ : مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمَّ الرُّكُوعَ
وَالسُّجُودَ) نُصِبَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ
بِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِشَأْنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
خَفَّفَ سَائِرَ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقِيَامِ ، وَالْقِرَاءَةِ
وَالتَّشَهُّدِ ، وَلَمْ يُخَفِّفْ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ ، وَفِيهِ
أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّخْفِيفُ فِي حُصُولِ أَصْلِ
طُمَأْنِينَتِهِمَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ ،
فَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ نَشَأَ مِنْ
قَوْلِهَا : مَا رَأَيْتُهُ إِلَى آخِرِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا
يُتِمُّ الرُّكُوعَ ، وَالسُّجُودَ فَالتَّخْصِيصُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ
كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّسَاهُلُ فِيهِمَا ثُمَّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ
نَدْبُ التَّخْفِيفِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ
مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ سُنَّةِ
الْفَجْرِ بَلِ الثَّابِتُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى فَطَوَّلَ فِيهَا وَإِنَّمَا خَفَّفَ يَوْمَ
الْفَتْحِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ التَّفَرُّغَ لِمُهِمَّاتِ
الْفَتْحِ لِكَثْرَةِ شُغْلِهِ بِهِ ، قَالَ مِيرَكُ : وَاسْتُدِلَّ
بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الضُّحَى وَحَكَى عِيَاضٌ
عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ
دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا : وَإِنَّمَا هِيَ صَلَاةُ الْفَتْحِ
وَقَدْ صَلَّى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ لِذَلِكَ
، وَقِيلَ أَنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً عَمَّا شُغِلَ عَنْهُ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ مِنْ حِزْبِهِ فِيهَا لَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ
مَرْفُوعًا : «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ
الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنَ
الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ،
وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ ، وَمَنْ صَلَّى
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي
الْجَنَّةِ» ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ
ضَعْفٌ أَيْضًا قُلْتُ لَكِنْ يَتَقَوَّى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ أَنَّ
الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ
اتِّفَاقًا وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ أَصَحُّ
شَيْءٍ وَرَدَ فِي الْبَابِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ ، وَلِذَا قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَفِي الرَّوْضَةِ أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ ، وَأَكْثَرُهَا
عَشْرَةً ، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ،
وَبِهِ جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ ، وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ
إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا ، فَرُوِيَ عَنْ طَرِيقِ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ الْأَسْوَدَ بْنَ
يَزِيدَ كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ وَيُؤَيِّدُهُ .
مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ
اللَّهُ .
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا
كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ :
قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ : لَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ
مِنْ غَيْبَتِهِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ثُمَّ هَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ :
يَقْدِمُ
(2/89)
مِنْ
غَيْبَتِهِ بِسَفَرٍ ، وَسُمِّيَ السَّفَرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ
يَسْتَلْزِمُ الْغَيْبَةَ عَنِ الْأَهْلِ ، وَالْوَطَنِ وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ : «عَنْ مَغِيبِهِ» بِكَلِمَةِ «عَنْ» بَدَلِ «مِنْ» ،
فَالْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حَالِ غَيْبَتِهِ ، وَزَمَانِ
غُرْبَتِهِ ، وَفِي نُسْخَةٍ : مِنْ سَفَرٍ ، وَأَمَّا قَوْلُ شَارِحٍ
أَنَّ قَوْلَهُ : «مَغِيبَةٍ» بِتَاءِ التَّأْنِيثِ فَمَرْدُودٌ
بِأَنَّ الَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ هُوَ الْأَوَّلُ ،
فَهُوَ الْمُعَوَّلُ ، فَفِيهِ تَقْيِيدُ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلضُّحَى بِحَالِ الْمَجِيءِ مِنَ السَّفَرِ
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِمَّا يُحْتَاجُ الرُّجُوعُ
إِلَيْهِ .
أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا
يَقْدِمُ مِنْ سَفَرِهِ إِلَّا نَهَارًا مِنَ الضُّحَى ، فَإِذَا
قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَصَلَّى فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ ، فَالْأَوْلَى فِي الْجَمْعِ بَيْنَ
حَدِيثَيْ عَائِشَةَ أَنَّ نَفْيَهَا مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ
لِلضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ ،
فَمَا رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - : مَا صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ ، عَلَى مَا رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ عَنْهَا مُقَيَّدٌ نَفْيُهَا بِالْمَسْجِدِ ،
فَيَنْدَفِعُ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ لِسُنِّيَّةِ صَلَاةِ
الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ
لِلْمُسَافِرِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ ،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ
يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ
إِلَّا وَقْتَ مَجِيئِهِ مِنْ سَفَرٍ ، وَقُدُومِهِ فِي حَضَرٍ
وَيُلَايِمُهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْفَتْحِ حِينَئِذٍ ، وَأَمَّا مَا
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ : «أُمِرْتُ بِصَلَاةِ الضُّحَى ، وَلَمْ
تُؤْمَرُوا بِهَا» فَضَعِيفٌ .
(حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ) بِالدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ أَوْ بِالْمُعْجَمَةِ ثَانِيًا هُوَ الْأَفْصَحُ مِنَ
الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحْتَمَلَةِ فِيهِ الْمُجَوَّزَةِ عَلَى
مَا فِي الْقَامُوسِ ، وَغَيْرِهِ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ رَبِيعَةَ
، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى) أَيْ : أَيَّامًا مُتَوَالِيَةً ،
وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِحَالِ السَّفَرِ ،
وَيُمْكِنُ تَقْيِيدُهَا بِهِ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحَضَرِ إِنَّمَا
كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ ، فَلَا يَتَرَتَّبُ قَوْلُهُ (حَتَّى
نَقُولَ) أَيْ : فِي أَنْفُسِنَا أَوْ يَقُولَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ (لَا
يَدَعُهَا) أَيْ لَا يَتْرُكُهَا أَبَدًا بَعْدَ هَذِهِ الْمُوَاظَبَةِ
(وَيَدَعُهَا) أَيْ : يَتْرُكُهَا أَحْيَانًا (حَتَّى نَقُولَ لَا
يُصَلِّيهَا) أَيْ : لَا يَعُودُ إِلَى صَلَاتِهَا أَبَدًا لِنَسْخِهَا
أَوْ لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهَا ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا
خَشْيَةَ تَوَهُّمِ فَرْضِيَّتِهَا أَوْ دَلَالَةِ وُجُوبِهَا أَوْ
تَأْكِيدِ سُنِّيَّتِهَا ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ صَلَاةِ
الضُّحَى أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي تُصْبِحُ عَلَى
مَفَاصِلِ الْإِنْسَانِ الثَّلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَفْصِلًا ،
كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، وَقَالَ : «وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ
رَكْعَتَا الضُّحَى» ، وَرَوَى الْحَاكِمُ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ الضُّحَى بِسُوَرٍ
مِنْهَا وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى» ، وَمُنَاسَبَتُهَا
ظَاهِرَةٌ كَالشَّمْسِ ، وَالْأَنْسَبُ إِذَا صَلَّاهَا أَرْبَعًا أَنْ
يَقْرَأَ فِيهَا بِالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالضُّحَى ، وَأَلَمْ
نَشْرَحْ ، وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّهُ
اشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَامِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ
قَطَعَهَا يَعْمَى ، فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُهَا أَصْلًا
لِذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِمَا قَالُوهُ أَصْلٌ ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ
مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لِيَحْرِمَهُمُ
الْخَيْرَ الْكَثِيرَ ، لَا سِيَّمَا إِجْزَاؤُهَا عَنْ تِلْكَ
الصَّدَقَةِ ، قُلْتُ : وَكَذَا اشْتُهِرَ هَذَا الْقَوْلُ بَيْنَ
النِّسَاءِ فَتَوَهَّمْنَ أَنَّ تَرْكَهَا حَالَةَ الْحَيْضِ
وَالنِّفَاسِ مِمَّا يَقْطَعُهَا فَتَرَكْنَ مِنْ أَصْلِهَا ، وَقُلْنَ
: إِنَّمَا يُصَلِّي الضُّحَى الْمَرْأَةُ الْمُنْقَطِعَةُ . .
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) بِفَتْحِ مِيمٍ فَكَسْرِ نُونٍ
(عَنْ هُشَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ ، وَفِي نُسْخَةٍ : حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ (أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا ، وَفِي أُخْرَى
حَدَّثَنَا (عُبَيْدَةُ) بِالتَّصْغِيرِ ، وَهُوَ ابْنُ مُعَتِّبٍ
الضَّبِّيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ)
(2/90)
أَيِ :
النَّخَعِيِّ (عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ) بِكَسْرِ مِيمٍ ، فَسُكُونِ
نُونٍ فَجِيمٍ فَأَلِفٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ (عَنْ قَرْثَعٍ)
بِفَتْحِ قَافٍ وَسُكُونِ رَاءٍ فَمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَعَيْنٍ
مُهْمَلَةٍ (الضَّبِّيِّ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ ، وَمُوَحَّدَةٍ
مُشَدَّدَةٍ (أَوْ عَنْ قَزَعَةَ) بِفَتْحِ قَافٍ وَزَاءٍ ، وَعَيْنٍ
مُهْمَلَةٍ (عَنْ قَرْثَعٍ) قَالَ مِيرَكْ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ :
هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِ ، وَسَيَأْتِي مِنْ
طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ : عَنْ قَزَعَةَ عَنِ الْقَرْثَعِ ، مِنْ
غَيْرِ شَكٍّ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدْمِنُ) مِنَ
الْإِدْمَانِ بِمَعْنَى الْمُدَاوَمَةِ أَيْ : يُلَازِمُ (أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) أَيْ : عِنْدَ تَحَقُّقِهِ
وَبَعْدَ وُقُوعِهِ لِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ
، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ بَعْدَ زَوَالِهَا لِيُفِيدَ أَنَّ
الْمَقْصُودَ أَوَّلُ وَقْتِ زَوَالِهَا بِلَا تَرَاخٍ ، كَأَنَّهُ
عِنْدَ زَوَالِهَا ، وَلِذَا تُسَمَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ
الزَّوَالِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ قَالَ :
الْمُرَادُ بِهَا سُنَّةُ الظُّهْرِ ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ
السُّنَنَ الْقَبْلِيَّةَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي أَوَائِلِ
أَوْقَاتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ ، وَالْمُخْتَارُ
التَّفْصِيلُ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحِلِّهِ ، وَيَدُلُّ
عَلَى مَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا قَرَّرْنَاهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ السَّائِبِ ، وَكَذَا حَدِيثِ الْبَزَّارِ نَحْوَهُ مِنْ
حَدِيثِ ثَوْبَانَ ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ نِصْفِ
النَّهَارِ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ
تَسْتَحِبُّ الصَّلَاةَ هَذِهِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : «يُفْتَحُ
فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ
بِالرَّحْمَةِ ، وَهِيَ صَلَاةٌ كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا آدَمُ ،
وَنُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ» ،
انْتَهَى .
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدْمِنُ أَيْ : تُوَاظِبُ
(هَذِهِ الْأَرْبَعَ الرَّكَعَاتِ) وَفِي نُسْخَةٍ تُكْثِرُ مِنْ
هَذِهِ الرَّكَعَاتِ (عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَقَالَ : إِنَّ
أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ
زَوَالِ الشَّمْسِ فَلَا) بِالْفَاءِ ، وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا
(تُرْتَجُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ ،
وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ أَيْ : لَا تُغْلَقُ (حَتَّى تُصَلَّى الظُّهْرُ)
أَيْ : صَلَاةُ الظُّهْرِ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ عَلَى أَنَّ
الظُّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ فَاعِلِهِ (فَأُحِبُّ) بِالْفَاءِ دَخَلَتْ
عَلَى الْمُسَبِّبِ لِأَنَّ فَتْحَ أَبْوَابِ السَّمَاءِ سَبَبٌ لِأَنْ
يُحِبَّ صُعُودَ الْعَمَلِ فِيهَا فَالْمَعْنَى : أَوَدُّ وَأَتَمَنَّى
(أَنْ يَصْعَدَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ، وَيَجُوزُ ضَمُّهُ أَيْ :
يَطْلُعَ وَيُرْفَعَ (لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ) أَيْ : عَمَلُ
خَيْرٍ مِنَ النَّوَافِلِ زِيَادَةً عَلَى مَا كُتِبَ عَلَيَّ ؛
لِيَدُلَّ عَلَى كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَنِهَايَةِ الرَّغْبَةِ
إِلَى الْعِبَادَةِ الرُّبُوبِيَّةِ . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا
لِشَارِحٍ قَبْلَهُ : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرٌ
مَوْضُوعٌ كَمَا ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
حَدِيثٍ آخَرَ انْتَهَى .
وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْ أَنَّ خَيْرًا هُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى أَخْيَرَ
بَلْ وَاحِدُ الْخُيُورِ (قُلْتُ أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ ؟) أَيْ
بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وُجُوبًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا مِنْ
ضَمِّ سُورَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ (قَالَ : نَعَمْ ،
قُلْتُ : هَلْ فِيهِنَّ) أَيْ : فِيمَا بَيْنَهُنَّ مِنَ الشَّفْعَيْنِ
(تَسْلِيمٌ فَاصِلٌ) أَيْ : لِلْخُرُوجِ عَنِ الصَّلَاةِ احْتِرَازًا
مِنَ السَّلَامِ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ (قَالَ : لَا) ، وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ فِي النَّهَارِ عَلَى مَا
ذَهَبَ إِلَيْهِ أَئِمَّتُنَا الثَّلَاثَةُ ، وَإِنْ خَالَفَ
الْإِمَامُ صَاحِبَاهُ فِي اللَّيْلِ .
ثُمَّ فِي قَوْلِهِ لَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى سُنِّيَّةِ الْوَصْلِ
فِي سُنَّةِ الزَّوَالِ ، وَكَذَا سُنَّةِ الظُّهْرِ ، وَالْعَصْرِ
مَعَ جَوَازِ الْفَصْلِ إِجْمَاعًا ، وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ
قَالَ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازٍ نَحْوَ سُنَّةِ الزَّوَالِ ،
وَالظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةً ، وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى
لِتَصْرِيحِ جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا
الدَّالَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ : وَلَا يُشْكِلُ
عَلَيْهِ امْتِنَاعُ سُنِّيَّةِ أَرْبَعٍ مِنَ التَّرَاوِيحِ
بِتَسْلِيمَةٍ ; لِأَنَّ تِلْكَ لِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا
أَشْبَهَتِ الْفَرَائِضَ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا
بِخِلَافٍ
(2/91)
نَحْوَ سُنَّةِ
الظُّهْرِ عَلَى أَنَّ الْوَارِدَ فِيهَا كَمَا عَلِمْتَ الْفَصْلَ ،
وَالْوَصْلَ . وَسَتَرَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْفَرْقِ قُلْتُ ،
وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِي صَلَاةِ الزَّوَالِ عَلَى
الْوَارِدِ فِيهَا الْمُؤَكِّدِ لِوَصْلِهَا بِالنَّهْيِ عَنْ
فَصْلِهَا ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ
نَهَارِيَّةٍ ، وَيُحْمَلَ مَا وَرَدَ مِنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ إِنْ
صَحَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَالَ مِيرَكُ شَاهْ قَوْلُهُ قُلْتُ أَفِي
كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي
أَيُّوبَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ قَرْثَعٍ سَأَلَ أَبَا
أَيُّوبَ لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ ، أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ
تَسْلِيمٌ يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَعِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي
قَدْ أَدَّيْتَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَخْ . وَفِي آخِرِهِ
أَتَقْرَأُ فِيهِنَّ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : يُفْصَلُ فِيهِنَّ ،
قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ يُفْصَلُ فِيهِنَّ بِسَلَامٍ قَالَ : لَا ،
وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يُسَمِّيَ سُنَّةَ الظُّهْرِ صَلَاةَ
الضُّحَى كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ حَجَرٍ ، وَطَعَنَ طَعْنًا بَلِيغًا
عَلَى قَائِلِهِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ
الْمُرَادُ بِالضُّحَى فِي عُنْوَانِ الْبَابِ أَعَمُّ مِنَ
الْحَقِيقِيِّ ، وَمَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ .
ثُمَّ مُنَاسِبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ لِعُنْوَانِ الْبَابِ الْمَوْضُوعِ لِصَلَاةِ الضُّحَى
غَيْرُ ظَاهِرَةٍ بَلْ كَانَتْ مُلَائِمَةً لِلْبَابِ السَّابِقِ ،
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ أَنَّهَا لِقُرْبِهَا مِنْ صَلَاةِ
الضُّحَى أُدْرِجَتْ مَعَهَا ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ جَرِّ الْجِوَارِ
مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى
تَمْتَدُّ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الصَّلَاةُ
النَّافِلَةُ بَعْدَهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الظُّهْرِ ، وَأَمَّا
قَوْلُ مَنْ قَالَ أَنَّ الضُّحَى فِي التَّرْجَمَةِ الْمُرَادُ بِهَا
أَعَمُّ مِنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَجَازِ الْمُشَارَفَةِ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ عَلَى
وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ .
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
أَنْبَأَنَا) ، وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (عُبَيْدَةُ)
بِالتَّصْغِيرِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ (عَنْ
إِبْرَاهِيمَ) أَيِ : النَّخَعِيِّ (عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ عَنْ
قَزَعَةَ عَنِ الْقَرْثَعِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ) أَيْ : مِثْلَهُ
مَعْنًى لَا مَبْنًى .
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ)
بِتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قُبَيْلَ الظُّهْرِ)
أَيْ : قَبْلَ فَرْضِهِ فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ هِيَ
سُنَّةُ الظُّهْرِ الَّتِي وَاظَبَ عَلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَالِبًا وَقَدْ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : هِيَ
سُنَّةُ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهُ (وَقَالَ أَنَّهَا) أَيْ : مَا
بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّثَ
الضَّمِيرَ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ (سَاعَةُ تُفْتَحُ)
بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ مَجْهُولًا (فِيهَا) أَيْ : فِي تِلْكَ
السَّاعَةِ (أَبْوَابُ السَّمَاءِ) أَيْ : لِنُزُولِ الرَّحْمَةِ ،
وَطُلُوعِ الطَّاعَةِ (فَأُحِبُّ) بِالْفَاءِ ، وَفِي نُسْخَةٍ
صَحِيحَةٍ ، وَأُحِبُّ (أَنْ يَصْعَدَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ، وَيُضَمُّ
أَيْ : يُرْفَعَ (لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ) أَيْ : إِلَى اللَّهِ
فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قَبُولِهِ أَوْ إِلَى مَحَلِّ إِجَابَتِهِ مِنْ
عِلِّيِّينَ ، وَنَحْوَهُ قَالَ الْمُؤَلِّفُ : فِي جَامِعِهِ هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا
الْكِتَابِ ، وَلَفْظُهُ ، أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَبَعْدَ
الزَّوَالِ تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ فِي السَّحَرِ ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ
إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ تِلْكَ السَّاعَةِ ثُمَّ قَرَأَ
يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا
لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ أَيْ : خَاضِعُونَ صَاغِرُونَ .
وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ : وَهَذِهِ الْأَرْبَعُ وِرْدٌ
مُسْتَقِلٌّ سَبَبُهُ انْتِصَافُ النَّهَارِ ، وَزَوَالُ الشَّمْسِ ;
لِأَنَّ انْتِصَافَهُ مُقَابِلٌ لِانْتِصَافِ اللَّيْلِ ، وَبَعْدَ
زَوَالِهَا يُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، فَهُوَ نَظِيرُ النُّزُولِ
الْإِلَهِيِّ الْمُنَزَّهِ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ ، إِذْ
كُلٌّ مِنْهُمَا وَقْتُ قُرْبٍ وَرَحْمَةٍ انْتَهَى .
وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى إِذْ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُدَاوَمَةُ عَلَى سُنَّةٍ غَيْرِ سُنَّةِ
الظُّهْرِ حِينَئِذٍ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِدْمَانَ فِي
الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْمُوَاظَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ ، وَلِهَذَا
لَمْ يَعُدَّ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَلَاةَ سُنَّةِ الزَّوَالِ لَا
مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ، وَلَا مِنَ الْمُسْتَحَبَّةِ ، نَعَمْ
لَا مَنْعٌ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْعِبَادَةِ ، لِمَنْ أَرَادَهَا
مِنْ أَرْبَابِ الرِّيَاضَةِ فَمَنْ زَادَ زَادَ اللَّهُ فِي
حَسَنَاتِهِ .
(حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ ، وَاللَّامِ (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ
الْمُقَدَّمِيُّ) بِضَمِّ مِيمٍ ، وَفَتْحِ قَافٍ وَتَشْدِيدٍ لِدَالٍ
مَفْتُوحَةٍ (عَنْ مِسْعَرِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ (بْنِ
كِدَامٍ) بِكَسْرٍ كَافٍ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ ، فَسُكُونٍ (عَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ
الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَذَكَرَ) أَيْ : عَلِيٌّ (أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهَا) أَيْ : تِلْكَ
الصَّلَاةَ (عِنْدَ الزَّوَالِ)
(2/92)
أَيْ : عَقِبَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا (وَيَمُدُّ
فِيهَا) مِنَ الْمَدِّ بِمَعْنَى الْإِطَالَةِ أَيْ : وَيُطِيلُ فِي
تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ يَزِيدُ الْقِرَاءَةَ فِيهَا يَعْنِي
بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ ; فَإِنَّهُ كَانَ يُخْفِيهَا ،
وَأَغْرَبَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ دَلِيلٌ
لِاسْتِحْبَابِ طُولِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى اللَّهُمَّ
إِلَّا أَنْ يُتَكَلَّفَ ، وَيُرَادُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ
صَلَاةُ الضُّحَى قَرِيبُ الزَّوَالِ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِهَا حِينَ
تَرْمَضُ الْفِصَالُ ; فَإِنَّهُ قِيلَ هُوَ أَفْضَلُ أَوْقَاتِهَا ;
لِأَنَّهُ وَقْتُ غَفْلَةِ النَّاسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ
بِالْقَيْلُولَةِ وَنَحْوِهَا |