سيرة ابن
إسحاق كشف قبر عبد الله بن
الثامر.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن ابن اسحق قال: نا عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال:
ذهب رجل بصنعاء يحفر خربة من خربها لبعض ما ينتفع به الناس، فكشف عن عبد
الله بن التامر، قاعداً يده على شجة برأسه موضوعة، إذا أخروا يده عنها،
نبعت دماً، وإذا أرسلوها ردها فوضعها عليها، في يده خاتم، نقشه «ربي الله»
، فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب أن: ارددوا عليه ما كان عليه،
وأقروه- حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال:
وكان على دين عيسى عليه السلام.
كشف جثة دانيال النبي.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار قال:
نا أبو العالية قال: لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان «1» سريراً
عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب،
فدعا له كعباً، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما
أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال: سيرتكم وأموركم،
ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال:
حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا
القبور كلها، لنعميه على الناس، لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت
السماء إذا حبست عليهم، برزوا بسريره فيمطرون، قلت: من كنتم تظنون الرجل؟
قال: رجل يقال له دانيال، فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال:
__________
(1) هزم الهرمزان إثر معركة نهاوند في خلافة عمر بن الخطاب، وجيىء
بالهرمزان الى المدينة حيث بقي فيها، وهناك من يرى أنه شارك في مؤامرة
اغتيال عمر.
(1/66)
منذ ثلاثمائة سنة «1» ، قلت: ما كان تغير
بشيء؟ قال: لا، إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا
تأكلها السباع.
زعامة مكة بعد وفاة عبد المطلب.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: لما حضرت عبد المطلب
الوفاة، قال لبناته: ابكين حتى أسمع كيف تقلن، وكن ست نسوة، وهن: أميمة،
وأم حكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى، فقالت أميمة:
ألا هلك راعي العشيرة ذو العقد ... وساقي الحجيج المحامي عن الحمد
ومن يؤلف الجار الغريب لبيته ... إذا ما سماء البيت تبخل بالرعد
وقالت عاتكة:
أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام
أعيني واسحو فزا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بالندام
على الجحفل الغمر في النائبا ... ت كريم المساعي وفي الذمام
على شيبة الحمد واري الزناد ... وذي مصدق بعد ثبت المقام
وقالت صفية:
أرقت لصوت نائحة بليل ... على رجل بقارعة الصعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي ... على خدي كمنحدر الفريد
على الغياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير وارث كل جود
طويل الباع أروع شيظمي ... مطاع في عشيرته حميد
عظيم الحلم من نفر كرام ... خضارمة ملاوثة أسود
وقالت البيضاء أم حكيم، والبيضاء جدة عثمان بن عفان، أم أمه، وكانت البيضاء
عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فولدت له عامراً وأروى:
ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات
__________
(1) كذا والأقرب الى الصحة ابدال المئة بألف.
(1/67)
ألا يا عين ويحك أسعفيني ... بدمع من دموع
هاطلات
فبكى خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات «1»
طويل الباع شيبة ذا المعالي ... كريم الخيم محمود الهبات
وصولاً للقرابة هبرزيا ... وغيثاً في السنين الممحلات
فبكيه ولا تسمى بحزن ... وبكى ما بكين الباكيات
وقالت بره:
أعيني جودا بدمع درر ... على طيب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزنا ... د جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرما ... ت وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الفضل والحلم في النائبا ... ت كثير المكارم جم الفخر
له فضل مجد على قومه ... مبين يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تسوءه ... بصرف الليالي وريب القدر
وقالت أروى:
بكت عيني وحق لها البكاء ... على سمح سجيته الحياء
على سهل الخليفة أبطحي ... كريم الجد نيته العلاء
على الغياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظمى ... أغر كأن غرته ضياء
ومعقل مالك وربيع فهر ... وفاصلها إذا التبس القضاء
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ومات عبد المطلب، ورسول الله صلى
الله عليه وسلم ابن ثماني سنين، فلم يبك أحد كان قبله بكاه.
وولي زمزم والسقاية من بني عبد المطلب بعده العباس بن عبد المطلب، وهو
يومئذ أحدث إخوته سنا، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده، فأقرها
__________
(1) جاء في حاشية الأصل قال العطاردي: تيار الترات.
(1/68)
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما مضى،
فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها إلى هذا اليوم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ولما هلك عبد المطلب، كانت
الرئاسة بعده والشرف والسن في قومه بني عبد مناف لحرب بن أمية بن عبد شمس
بن عبد مناف، فأطعم الناس، وحاط العشيرة، وشرف قومه، ونصب قبة بمكة للضيف،
يطعم فيها من جاءه، وكان عبد المطلب- فيما يزعمون- يوصي أبا طالب برسول
الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عبد الله وأبا طالب لأم، فقال عبد
المطلب- فيما يزعمون- فيما يوصيه به، واسم أبي طالب عبد مناف:
أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بموحد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيع المهد «1» ... فكنت كالأم له في الوجد
تدنيه من أحشائها والكبد ... حتى إذا خفت مداد الوعد
أوصيت أرجى أهلنا للتوفد ... بابن الذي غيبته في اللحد
بالكره مني ثم لا بالعمد ... فقال لي والقول ذو مرد
ما ابن أخي ما عشت في معد ... إلا كأدنى ولدي في الود
عندي أرى ذلك باب الرشد ... بل أحمد قد يرتجى للرشد
وكل أمر في الأمور ود ... قد علمت علام أهل العهد
ان ابني سيد أهل نجد ... يعلو على ذي البدن الأشد
وقال عبد المطلب أيضاً:
أوصيت من كنيته بطالب ... عبد مناف وهو ذو تجارب
بابن الذي قد غاب غير آئب ... بابن أخ والنسوة الحبائب
بابن الحبيب أقرب الأقارب ... فقال لي كشبه المعاتب
لا توصني ان كنت بالمعاتب ... بثابت الحق علي واجب
__________
(1) تبعا لبعض الروايات الشاذة ولد النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاة أبيه
بعدة أشهر.
(1/69)
محمد ذو العرف والذوائب ... قلبي إليه مقبل
وائب
فلست بالآيس غير الراغب ... بأن يحق الله قول الراهب
فيه وأن يفضل آل غالب ... إني سمعت أعجب العجائب
من كل حبر عالم وكاتب ... هذا الذي يقتاد كالجنائب
من حل بالأبطح والأخاشب ... أيضاً ومن ثاب إلى المثاوب
من ساكن للحرم أو مجانب
آخر الجزء الأول من كتاب المغازي لابن إسحق- يتلوه في الثاني إن شاء الله
حديث بحيرا الراهب والحمد لله حق حمده، وصلواته على محمد خير خلقه، وعلى
آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(1/70)
|