سيرة ابن
إسحاق الجزء الثالث من
كتاب المغازي رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
(1/127)
بعث النبي صلى الله
عليه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله «1» «2» أخبرنا الشيخ أبو الحسين
أحمد بن محمد النقور البزاز- قراءة عليه وأنا أسمع- قال: أخبرنا أبو طاهر
محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا
أسمع قال: نا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: نا يونس بن بكير عن
محمد بن إسحق قال:
ثم بعث [الله عز وجل محمداً] [صلى الله عليه وسلم] «3» رحمة للعالمين،
وكافة للناس، وكان الله قد أخذ له ميثاقاً على كل «4» نبي بعثه قبله،
بالإيمان به، والتصديق له، والنصر له على من خالفه، وأخذ عليهم أن يؤدوا
ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم، فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه، يقول
الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ
جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ» «5» إلى
آخر الآية. فأخذ الله ميثاق النبيين جميعا
__________
(1) زاد في ع صفحة عنوان كاملة جاء فيها: الجزء الثالث من السير والمغازي،
للإمام رئيس أهل المغازي والسير الشيخ محمد بن إسحق المطلبي، المتوفي سنة
151. رواية الشيخ أبي الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز عن أبي طاهر
المخلص عن رضوان عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد
بن اسحق رضي الله عنهم أجمعين.
(2) زاد في ع: العنوان التالي: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم» .
(3) زيادة من آخر الورقة الماضية.
(4) سقطت «كل» من ع.
(5) سورة آل عمران: 81.
(1/129)
بالتصديق له والنصر له على من خالفه، فأدوا
ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابين، فبعثه الله بعد بنيان
الكعبة بخمس سنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن أربعين سنة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالتنزيل في شهر رمضان. بقول الله تبارك وتعالى: «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ «1» » إلى آخر الآية، وقال الله تعالى: «إِنَّا
أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «2» » إلى آخر السورة، وقال: «حم.
وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ
إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ «3» » ، وقال: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ
بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ
الْتَقَى الْجَمْعانِ «4» » وذلك «التقى» رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمشركين ببدر.
اليوم الذي وقعت فيه معركة بدر.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون يوم بدر صبيحة الجمعة
لسبع عشرة من شهر رمضان.
نا أحمد: نا يونس عن أسباط بن اسماعيل بن عبد الرحمن قال: كان يوم بدر يوم
الجمعة لسبع عشرة من شهر رمضان.
نا أحمد: نا يونس عن أسباط بن إسماعيل بن عبد الرحمن قال: كان يوم بدر يوم
الجمعة لسبع عشرة من شهر رمضان.
نا أحمد: نا يونس عن قرة بن «5» خالد قال: سألت عبد الرحمن بن قاسم عن ليلة
القدر، فقال: كان زيد بن ثابت يعظم سابعة عشر ويقول: هي وقعة بدر.
نا أحمد: نا يونس عن بسر بن أبي حفص الكندي الدمشقي قال: نا مكحول أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: ألا لا يغادرك صيام الإثنين، وأوحي
__________
(1) سورة البقرة: 185.
(2) سورة القدر: 1.
(3) سورة الدخان: 1- 3. وفي الأصل وع: منزلين.
(4) سورة الأنفال: 41.
(5) في ع: عن، وهو تصحيف أنظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 2- 3- 130.
(1/130)
إلى يوم الإثنين، وهاجرت يوم الإثنين،
وأموت يوم الإثنين.
نا أحمد بن عبد الجبار قال: نا محمد بن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن
عبد الله بن عباس قال: كنت عند عمر بن الخطاب رحمه الله وعنده أصحابه،
فسألهم فقال: أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر:
التمسوها في العشر [46] الأواخر وتراً، أي ليلة ترونها؟ فقال بعضهم: ليلة
إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال بعضهم: ليلة خمس، وقال بعضهم: ليلة سبع،
وأنا ساكت، فقال: مالك لا تتكلم؟ فقلت: إنك أمرتني ألا أتكلم حتى يتكلموا،
فقال: ما أرسلت إليك إلا لتكلم، فقال: إني سمعت الله «1» يذكر السبع فذكر
«سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» «2» ، وخلق الإنسان من
سبع، ونبات الأرض من سبع، فقال عمر: هذا، أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا
أعلم قولك نبات الأرض من سبع؟ قال: قلت: قال الله: «شَقَقْنَا الْأَرْضَ
شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً
وَنَخْلًا. وَحَدائِقَ غُلْباً» «فالحدائق غلباً» الحيطان من النخل والشجر،
«وَفاكِهَةً وَأَبًّا» «3» ، قال: الأب ما أنبتت الأرض مما تأكل الدواب
والأنعام ولا يأكله الناس، فقال عمر لأصحابه:
أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع له شؤون رأسه، والله
إني لأرى القول كما قال.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو مؤمن بالله ومصدق لما جاءه، قد تقبله بقول وتحمل منه ما حمله الله
على رضا العباد وسخطهم، وللنبوة أثقالاً ومؤونة لا يحملها ولا يستطيعها إلا
أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس، وما يرد
عليهم مما جاء به من عند الله تعالى.
__________
(1) سقطت «الله» من ع.
(2) سورة الطلاق: 12.
(3) سورة عبس: 26- 31.
(1/131)
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني
ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت ابن منبه «1» وهو في مسجد منى، وذكر له
يونس النبي عليه السلام فقال: كان عبداً صالحاً وكان في خلقه ضيق، فلما
حملت عليه أثقال النبوة- ولها أثقال، فلما حملت عليه تفسخ تحتها تفسخ الربع
«2» تحت الحمل الثقيل، فألقاها عنه وخرج هارباً.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله
وصدق ما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يسمع
شيئاً يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها، إذا
رجع إليها تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رحمها الله.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
أول ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله
كرامته ورحمة العباد به لا يرى شيئاً إلا جاءت كفلق الصبح، يمكث على ذلك ما
شاء الله أن يمكث، وحبب إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو
وحده.
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبي ميسرة عمر بن شرحبيل أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: إني إذا خلوت [47] وحدي أسمع نداء، وقد
والله خشيت أن يكون هذا الأمر، فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك ذلك
فو الله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر
رحمه الله. وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرت خديجة حديثه له،
فقالت: يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم أخذ أبو بكر بيده: فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: ومن أخبرك؟ قال:
خديجة، فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي:
__________
(1) أي وهب بن منبه المؤرخ المعروف.
(2) الجمل الذي بلغ السابعة.
(1/132)
يا محمد، يا محمد، فانطلق هارباً في الأرض،
فقال له: لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني فلما
خلا ناداه يا محمد قل «1» : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» حتى بلغ «وَلَا الضَّالِّينَ» قل:
لا إله إلا الله، فأتى ورقة فذكر ذلك له، فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر، فأنا
أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وأنك على مثل نا موسى موسى، وأنك نبي مرسل،
وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك؛ فلما توفي
ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب
الحرير لأنه آمن بي وصدقني- يعني ورقة.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ساب أخ لورقة، فتناول الرجل ورقة
فسبه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لأخيه: هل علمت أني
رأيت لورقة جنة أو جنتين، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني اسماعيل بن أبي حكيم، مولى
الزبير، انه حدث عن خديجة بنت خويلد أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، فيما تثبتته به، فيما أكرمه الله به من نبوته: يا ابن عم هل تستطيع
أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، فقالت: إذا جاءك
فأخبرني، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها يوماً، إذ جاء جبريل،
فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني،
فقالت أتراه الآن، فقال نعم، قالت: فاجلس إلى شقي الأيسر فجلس، فقالت هل
تراه الآن؟ قال: نعم، قالت: فاجلس إلى شقي الأيمن، فتحول فجلس، فقالت: هل
تراه الآن؟
قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: نعم، فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله صلى
الله عليه وسلم جالس في حجرها، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: لا، قالت: ما هذا
الشيطان، إن هذا لملك يا بن عم فاثبت، وأبشر، ثم آمنت به، وشهدت أن الذي
جاء به الحق.
__________
(1) في ع قال
(1/133)
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فحدثت
[48] عبد الله بن الحسن هذا الحديث، فقال: قد سمعت فاطمة بنت الحسين تحدث
بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله صلى الله عليه
وسلم بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل عليه السلام.
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم متى استنبئت؟ فقال: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه.
نا يونس عن إبراهيم بن اسماعيل بن مجمع الأنصاري عن رجل عن سعيد ابن المسيب
قال: نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين،
فأقام بمكة عشراً، وبالمدينة عشراً.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو ابن أربعين سنة، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشراً.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالصبر لله على رسالته وتبليغ ما أمر به.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية:
«فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» «1» : نوح،
وهود، وإبراهيم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبر هؤلاء،
وكانوا ثلاثة ورسول الله صلى الله عليه وسلم رابعهم، عليهم السلام ورحمة
الله، قال نوح: «يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي
وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ «2» » إلى آخرها، فأظهر لهم المفارقة، وقال
هود حين قالوا: «إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ
قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ» «3» فأظهر لهم المفارقة، وقال إبراهيم: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ «4» » إلى آخر الآية، فاظهر لهم
المفارقة، وقال محمد:
__________
(1) سورة الأحقاف: 35.
(2) سورة يونس: 71.
(3) سورة هود: 54.
(4) سورة الممتحنة: 4.
(1/134)
«إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «1» » فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
الكعبة، فقرأها على المشركين فأظهر لهم المفارقة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه
وسلم فترة مل ذلك حتى شق عليه وأحزنه، ثم قال في نفسه مما أبلغ ذلك منه:
لقد خشيت أن يكون صاحبي قد قلاني وودعني، فجاء جبريل بسورة «والضحى» ، يقسم
له به، وهو الذي أكرمه «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» فقال: «وَالضُّحى
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» يقول: «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» ما صرمك
وتركك، وما قلى: ما أبغضك منذ أحبك، «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ
الْأُولى» أي ما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في
الدنيا، «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» من الفتح في الدنيا
والثواب في الآخرة، «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا
فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى» يعرفه ما ابتدأه به من كرامته في عاجل
أمره ومنه عليه في يتمه [49] وعيلته وضلالته، واستنقاذه من ذلك كله برحمته
«فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» لا
تكون جباراً ولا متكبراً ولا فاحشاً فظاً على الضعفاء من عباد الله
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» أي بما جاءك من الله من كرامته
ونعمته من النبوة، فحدث اذكرها وادع إليها، يذكره ما أنعم الله به عليه
وعلى العباد من النبوة.
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن خديجة أنها قالت: لما أبطأ
على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي جزع من ذلك جزعاً شديداً، فقلت له
مما رأيت من جزعه: لقد قلاك ربك مما يرى من جزعك، فأنزل الله «ما وَدَّعَكَ
رَبُّكَ وَما قَلى» .
نا يونس عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لجبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فانزل
الله تعالى:
__________
(1) سورة الأنعام: 56. وسورة غافر: 66.
(1/135)
«وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ
لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا» إلى قوله: «ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» «1» .
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبة في ناحية الوادي فانفجرت منه
عين ماء مزن، فتوضأ جبريل عليه السلام، ومحمد ينظر إليه، فوضأ وجهه ومضمض
واستنشق ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين، ونضح فرجه، ثم قام فصلى
ركعتين، وسجد أربع سجدات على وجهه، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر
الله عينه وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله، فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها
العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة، ثم كان
هو وخديجة يصليان سراً.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن كيسان عن عروة ابن الزبير
عن عائشة أن الصلاة أول ما افترضت ركعتين، ثم أكملت أربعاً، وأثبتت
للمسافر. قال: فحدثت ذلك عمر بن عبد العزيز، فقال لعروة:
حدثتني أن عائشة كانت تصلي في السفر أربعاً، فجاء عروة فقلت في نفسي لا
يكون هذا بي، فسألته عن الحديث، فحدثه، فقال عمر: ما أدري ما أحاديثكم هذه!
ثم حول وركه ونزل عن سريره ودخل.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: أول ما افترضت الصلاة
ركعتين فأثبت للمسافر وأكملت للمقيم أربعاً.
نا يونس عن سالم مولى أبي المهاجر قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أول
الصلاة مثنى مثنى مثنى، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً فصارت
سنة، وأقرت الركعتين للمسافر وهي تمام.
__________
(1) سورة مريم: 64.
(1/136)
اسلام علي بن أبي
طالب رضي الله عنه
نا أحمد: حدثي يونس عن ابن إسحق قال: ثم [50] إن علي بن أبي طالب جاء بعد
ذلك بيومين فوجدهما يصليان، فقال على: ما هذا يا محمد؟ فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده،
وإلى عبادته، وكفر باللات والعزى، فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل
اليوم فلست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب، فكره رسول الله صلى الله عليه
وسلّم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي إذا لم تسلم
فاكتم، فمكث علي تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب علي الآسلام، فأصبح
غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال: ما عرضت علي يا
محمد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تشهد ألا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد، ففعل علي وأسلم، ومكث
علي يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم علي إسلامه ولم يظهر به.
وأسلم زيد بن حارثة فمكث قريباً من شهر يختلف علي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وكان مما أنعم الله به على علي أنه كان في حجر رسول الله صلى
الله عليه وسلم قبل الإسلام.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح- قال:
أراه عن مجاهد- قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي- من
اهل الكوفة- قال: حدثني اسماعيل بن اياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف أنه
قال: كنت امرءاً تاجراً فقدمت أيام منى، أيام الحج، وكان
(1/137)
العباس بن عبد المطلب امرءاً تاجراً،
فأتيته أبتاع منه وأبيعه؛ قال فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء يصلي فقام تجاه
الكعبة، ثم خرجت امرأة، فقامت تصلي معه، وخرج غلام، فقام يصلي معه، فقلت:
يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟ فقال العباس: هذا محمد
بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه
امراته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن
به؛ قال العفيف: فليتني آمنت يومئذ وكنت أكون ثانياً.
نا يونس عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: أول الرجال إسلاماً علي
بن أبي طالب ثم الرهط الثلاثة: أبو ذر، وبريدة، وابن عم لأبي ذر.
(1/138)
|