سيرة ابن
إسحاق اسلام أبي بكر
الصديق رضي الله عنه
نا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك
عقولنا وتكفيرك آباءنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إني
رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى [51] الله بالحق، فو الله
إنه للحق أدعوك، إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا يعبد غيره،
والموالاة على طاعته أهل طاعته، وقرأ عليه القرآن، فلم يفر، ولم ينكر،
فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو
مؤمن مصدق.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله
بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما دعوت أحداً إلى
الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له،
وما تردد فيه.
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: فابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا
الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة «1» إسلامهما فكبر ذلك على قريش.
وكان أول من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد، زوجته، ثم
كان أول ذكر آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو
بكر الصديق رضي الله عنهم.
__________
(1) لم يورد خبر اسلام زيد بن حارثة مع أن هشام فعل ذلك انظر الروض/ 682،
وقد جعله قبل اسلام أبي بكر.
(1/139)
فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ودعا إلى
الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مآلفاً لقومه، محببا «1» سهلا، وكان أنسب
قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير أو شر، وكان رجلاً تاجراً، ذا
خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه
وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه
ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان،
وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعهم أبو
بكر، فانطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهم الإسلام،
وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، وبما وعدهم الله من كرامة فآمنوا،
وأصبحوا مقرين بحق الإسلام، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا إلى
الإسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بما جاء من عند
الله تعالى.
__________
(1) في ع مجيبا.
(1/140)
اسلام أبي ذر رضي
الله عنه
نا يونس عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: انطلق أبو ذر وبريدة
معهم ابن عم لأبي ذر يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو بالجبل
مكتتم بطائفة من مكة، وأتوه وهو نائم في الجبل مسجاً بثوبه، خارجة قدميه
«1» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس قدماً، فقال أبو
ذر: إن كان نبي بهذه البلاد فهو هذا النائم، فمشوا حتى قاموا عليه، ومع أبي
ذر عصاً يتوكأ عليها، فقال أبو ذر: أنائم الرجل، وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم نائماً، فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نادى أبو ذر:
أنائم الرجل فلم يجبه، ثم أعاد عليه أبو ذر: أنائم الرجل وغمز «2» بعصاه في
باطن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم [52] فاستيقظ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقعد، فقال له أبو ذر: يا محمد أتيناك لنسمع ما تقول، وإلى ما
تدعو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقول: لا إله إلا الله وأني رسول
الله، فآمن به أبو ذر وصاحباه وكان علي رضي الله عنه في حاجة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم أرسله فيها.
نا يونس عن جعفر بن حيان عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أنتم توفون بسبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم
الدرداء قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في التوراة؟ قال: نجده محمد رسول الله، اسمه المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ،
ولا سخاب في الأسواق، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعيناً عوراً، ويسمع به
__________
(1) في حاشية ع: الظاهر قدماه.
(2) في ع: فرمز.
(1/141)
آذانا وقرأ، «1» ويقيم به ألسناً معوجة،
حتى تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعين المظلوم ويمنعه.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي
موسى قال سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء منها ما حفظنا،
قال: أنا محمد، وأحمد والمقضي، والحاشر، ونبي التوبة والملحمة.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حريث عن عائشة رضي الله عنها قالت:
لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل، لا فظ، ولا غليظ، ولا
سخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن زياد مولى مصعب عن الحسن قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مضت تسع وستون أمة وأنتم توفون سبعين
أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: أخبرني الزهري عن محمد بن جبير ابن مطعم
عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي خمسة أسماء، أنا
محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا العاقب، وأنا
الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه.
__________
(1) الوقر ثقل في الأذن، وقيل هو أن يذهب السمع كله. انظر سورة فصلت: 5.
(1/142)
اسلام المهاجرين رضي
الله عنهم
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم انطلق أبو عبيدة بن الحارث، وأبو
سلمة بن عبد الأسد، وعبد الله بن الأرقم المخزومي، وعثمان بن مظعون حتى
أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن،
فأسلموا وشهدوا أنه على هدى ونور.
ثم أسلم ناس من قبائل العرب منهم: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أخو بني
عدي بن كعب، وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أخت عمر بن
الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة، وقدامة بن
مظعون، وعبد الله بن مظعون الجمحيان، وخباب بن الأرت حليف بني زهرة، وعمير
بن أبي وقاص الزهري [53] وعبد الله بن مسعود حليف بني زهرة، ومسعود بن
القاري وسليط بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، وعياش ابن أبي ربيعة المخزومي
وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخرمة التميمي، وخنيس ابن حذافة السهمي، وعامر
بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب، وعبد الله بن جحيش الأسدي، وأبو أحمد بن
جحش، وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث الجمحي
وامرأته أسماء بنت المحلل أخت بني عامر بن لؤي، والخطاب بن الحارث وامرأته
فكيهة «1» بنت يسار، ومعمر بن الحارث بن معمر الجمحي، والسائب بن عثمان بن
مظعون، والمطالب بن أزهر ابن عبد عوف الزهري وامرأته رملة بنت أبي عوف بن
صبير بن سعد بن سهم،
__________
(1) في ع: فاكهة، وورد عند ابن هشام مثلما جاء في الأصل، انظر الروض: 1/
291.
(1/143)
والنحام واسمه نعيم بن أسد أخو بني عدي بن
كعب، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق، وخالد بن سعيد بن العاصي وامرأته
أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة من خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد
شمس أخو بني عامر بن لؤي، وأبو حذيفة بن عقبة «1» بن ربيعة، وواقد بن فائد
بن عبد الله بن عزيز بن ثعلبة التميمي حليف بني عدي بن كعب، وخالد بن
البكير، وعامر بن البكير، وعاقل بن البكير، وإياس بن البكير بن عبد الله بن
ناشب من بني سعد بن ليث، حلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر حليف بني
مخزوم، وصهيب بن سنان حليف بني تميم.
ثم دخل الناس في الأسلام أرسالا من النساء والرجال حتى فشا ذكر الإسلام
وتحدث به، فلما أسلم هؤلاء النفر وفشا أمرهم بمكة أعظمت ذلك قريش، وغضبت
له، وظهر فيهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم البغي والحسد، وشخص له منهم
رجال فبادوه العداوة، وطلبوا له الخصومة منهم: أبو جهل بن هشام، وأصحابه
وأبو لهب، وعبيد بن عبد يغوث، وعمرو بن الطّلاطلة، والوليد بن المغيرة،
والعاصي بن وائل، وأمية بن خلف، وأبيّ بن خلف، وهو الذي أصاب وجه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمكة، وأبو قيس بن الفاكة بن المغيرة، وأبو قيس بن
الأسلت والحضين أو الحضير بن الحارث بن سعيد بن الحجاج وهو زهير بن أبي
أمية بن المغيرة والسائب بن صيفي بن عائذ، والأسود بن عبد الأسد، والعاصي
بن سعيد، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وأبو العاصي
بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، وأبو الأصد الهذلي، نطحته أروى «2» فسقط
فتقطع، والحكم بن أبي العاصي، وعدي بن جبر الثقفي، وزمعة بن الأسود.
وكان الذين يؤذونه: أبو لهب، وعقبة بن أبي معيط، والحكم بن أبي العاصي،
وعدي بن جبر الثقفي، ورجل آخر.
__________
(1) في ع: عقبة، وجاء عند ابن هشام مثلما ورد في الأصل هنا، انظر الروض: /
293.
(2) انثى الوعل.
(1/144)
قوله عز وجل: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ» «1» [54]
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان الذي تنتهي إليه عداوة رسول الله
صلى الله عليه وسلّم، ويجتمع إليه فيها أبو جهل، حسداً وبغياً، لما خص الله
به رسوله صلى الله عليه وسلم من كرامته.
ثم أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاء به، وأن
ينادي الناس بامره، وأن يدعو إلى الله تعالى، وكان ربما أخفى الشيء، واستسر
به إلى أن أمر بإظهاره، فلبث سنين من مبعثه، ثم قال الله تعالى: «فَاصْدَعْ
بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» «2» . وقال: «وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ» «3» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث ابن
نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما
نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ.
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت
عليها، فجاءني جبريل فقال:
يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك ربك تعالى عذبك ربك، قال علي: فدعاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي
الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فصمت عن ذلك حتى
__________
(1) سورة الشعراء: 214.
(2) سورة الحجر: 94.
(3) سورة الشعراء: 214. 216.
(1/145)
جاءني جبريل فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك، فاصنع لنا يا
علي رجل شاة على صاع من طعام؛ وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع بني عبد المطلب
ففعلت، فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلاً أم ينقصون؛ فيهم أعمامه: أبو
طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث، فقدمت إليهم تلك الجفنة
فأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذية فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في
نواحيها، ثم قال: كلوا باسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، فما رؤي إلا
آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: اسقهم يا علي، فجئت بذلك القعب فشربوا حتى نهلوا جميعاً،
وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال:
لهد، «1» ما سحركم صاحبكم! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي عد لنا بمثل
الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدرني إلى
ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم، ففعلت، ثم جمعهم له، فصنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم «2» سقيتهم
فشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وأيم الله إن الرجل منهم ليأكل مثلها،
ويشرب مثله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (55) يا بني عبد المطلب،
والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بأمر
الدنيا والآخرة. |