سيرة ابن
إسحاق القطعة الثانية من كتاب المغازي (أوراق
خزانة الظاهرية بدمشق)
(1/301)
الجزء الثالث من كتاب المغازي
عن أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني رواية أبي شعيب عبد
الله بن الحسن الحراني مما رواه عنه أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف
رواية الشيخ الفاضل أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس مما حدثنا به
الشيخ الجليل الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الخطيب البغدادي.
رضي الله عنه سماع طاهر بن بركات بن ابراهيم بن علي بن محمد بن علي الخشوعي
القرشي. نفعه الله به.
يتلوه غزوة السويق غزوة ذي أمر إلى نجد سنة ثلاث وقف قرأ فيه اسماعيل بن
إبراهيم بن سالم الأنصاري عفا الله عنه
(1/303)
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله
أخبرنا الشيخ الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي
بدمشق في شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وأربع مائة قال: أخبرنا أبو نعيم
الحافظ قال: نا: أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال: أنا أبو شعيب
الحراني: نا النفيلي: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحق قال:
ثم قال تبارك وتعالى «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ
وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ»
الآية.
وذكر استدراج إبليس إياهم بتشبهه بسراقة بن «1» جعشم لهم حين ذكر لهم ما
بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم وبينه
يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: «فلما تراءت الفئتان» ونظر عدو
الله إلى جنود الله من الملائكة قد أمد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم
«نكص على عقبية وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون» وصدق عدو الله إنه
رأى ما لا يرون فقال: «إني أخاف الله والله شديد العقاب» فأوردهم ثم
أسلمهم، فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه،
حتى إذا كان يوم بدر، والتقى الجمعان، وكان الذي رآه حين نكص على عقبيه
الحارث بن هشام، وعمير ابن وهب الجمحي، قد ذكر أحدهما فقال: أين يا سراقة
ومثل عدو الله فذهب
__________
(1) في ابن هشام، ط. الحلبي: 1/ 663 «سراقة بن مالك بن جعشم» ولسراقة خبر
مشهور تعلق بهجرة الرسول الى المدينة، وقد أسلم سراقة بعد فتح مكة.
(1/305)
ثم ذكر الله أهل الكفر وما يلقون عند موتهم
فوصفهم بصفتهم فأخبر نبيه عنهم حتى انتهى إلى قوله «فَإِمَّا
تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» أي فنكل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون.
«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ «1» » إلى قوله:
«وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ
وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ» (1- ظ) أي لا يضيع لكم أجره عند الله في
الآخرة، وعاجل خلفه في الدنيا ثم قال: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ
فَاجْنَحْ لَها» أي أن دعوك إلى السلم، يعني الاسلام فصالحهم عليه
«وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» أن الله كافيك إن الله «هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ» «وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ»
هو من وراء ذلك «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ» بعد الضعف
«وَبِالْمُؤْمِنِينَ» «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» على الهدى بالذي بعثك
إليهم «لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ» بدينه الذي جمعهم عليه
«إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» . وقال: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ
اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ
صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا
يَفْقَهُونَ» أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا شر.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
«نصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مساجداً وطهوراً، وأعطيت جوامع الكلم، وأحلت
لي المغانم ولم تحل لنبي كان قبلي، وأعطيت الشفاعة، خمس لم يؤتهن نبي قبلي»
، «ما كانَ لِنَبِيٍّ» قبلك «أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى» من عدوه «حَتَّى
يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» أي يثخن عدوه حتى ينفيه من الأرض «تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيا» أي المتاع، الفداء بأخذ الرجال «وَاللَّهُ يُرِيدُ
الْآخِرَةَ» «2» أي بقتلهم بظهور الدين
__________
(1) سوره الأنفال: 48، 57، 60.
(2) سورة الأنفال: 6- 65، 67.
(1/306)
الذي يريدون اظهاره الذي تدرك به الآخرة
«لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ» من
الأساري والمغانم «عذاب عظيم أي لولا [2- و] أن سبق أن لا أعذب إلا بعد
النهي، ولم يكن نهاهم، لعذبكم فيما صنعتم، ثم أحلها لهم رحمة ونعمة وعائدة
من الرحمن الرحيم فقال: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1» فكان العباس بن عبد المطلب يقول: في
والله نزلت حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي «وسألته أن
يقاصني «2» بالعشرين الأوقية التي أخذ مني، فأبي علي، فعوضني الله منها
عشرين عبداً كلهم تاجرا يضرب بمالي، مع ما أرجو من رحمته ومغفرته «3» . ثم
حض المسلمين على التواصل وجعل المهاجرين والأنصار ولاية في الدين دون من
سواهم، ثم جعل الكفار بعضهم أولياء بعض «4» قال: «إلا تفعلوه تكن فتنة في
الأرض وفساد كبير» أي ليتولى المؤمن المؤمن دون الكافر وإن كان ذا رحم،
«تكن فتنة» أي شبهة في الحق والباطل، في ظهور الفساد في الأرض، بتولي
المؤمن الكافر من دون المؤمن، ثم رد المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد
الولاية من المهاجرين والأنصار وردهم إلى الأرحام التي بينهم فقال:
«وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ
فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي
كِتابِ اللَّهِ» أي بالميراث «أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» «5» .
جميع من شهد بدراً من المسلمين من المهاجرين والأنصار الأوس والخزرج ومن
(2- ظ) ضرب له سهمه وأجره (تلاثمائة وأربعة عشر رجلاً) من المهاجرين
__________
(1) سورة الأنفال: 68- 69.
(2) تقاص القوم قاصّ كل واحد منهم صاحبه في حساب، أي طلب منه القود.
(3) لا شك أن هذا التفسير يشير بشكل واضح الى انحراف ابن اسحق نحو
العباسيين واستجابته الى دعوتهم.
(4) يريد هنا ما جاء في الآيتين: 72 و 73 من سورة الأنفال.
(5) سورة الأنفال: 73، 75.
(1/307)
دون الأنصار ثلاثة وثمانون رجلاً، ومن
الأوس واحد وستون رجلاً، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلاً، واستشهد مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم عليه من قريش ثم من بني المطلب بن عبد مناف:
عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، قطع رجله عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
فمات بالصفراء «1» .
ومن بني زهرة بن كلاب: عمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وذو
الشمالين عبد عمرو بن نضله «2» حليف لهم، من بني غبشان.
ومن بني عدي بن كعب: عاقل بن البكير «3» حليف لهم، من بني سعد بن ليث بن
بكر بن عبد مناة بن كنانة، ومهجع مولى عمر بن الخطاب.
ومن بني الحارث بن فهر: صفوان بن بيضاء.
ومن الأنصار، ثم من بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة ومبشّر بن عبد المنذر بن
زنبر.
ومن بني الحارث بن الخزرج: يزيد بن الحارث، وهو الذي يقال له فسحم «4» .
ومن بني سلمة، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة:
عمير بن الحمام.
ومن بني حبيب أو خبيب بن عبد حارثة بن مالك: رافع بن المعلى «5» .
ومن بني النجار، ثم من بني عدي بن النجار: حارثة بن سراقة بن الحارث.
__________
(1) واد من ناحية المدينة بينه وبين بدر مرحلة- ياقوت.
(2) في مغازي الواقدي: 1/ 145 «عمير بن عبد عمرو» .
(3) في مغازي الواقدي: 1/ 145 «عاقل بن أبي البكير» .
(4) في الأصل «قشحم» صوابه ما أثبتنا عن مغازي الواقدي: 1/ 146، وابن هشام:
1/ 707، والاشتقاق لابن دريد: 454 وعنده هو «أحمر بن حارثة» وفسحم اسم أمه.
(5) هو عند الواقدي: 1/ 146 «من بني زريق» ومن المفيد التنويه به أن هناك
خلافا بين رواية ابن اسحق عموما وما جاء عند الواقدي فلينظر.
(1/308)
ومن بني غنم بن مالك بن النجار: عوف ومعوذ
ابنا الحارث بن سواد، وهما ابنا عفراء، ثمانية نفر.
وكان الفتية الذين قتلوا مع قريش يوم بدر فنزل فيهم القرآن فيما ذكر لنا.
«إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا
فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ
جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً» [3- و] «1» . وذلك أنهم كانوا أسلموا (ولما
هاچر) «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حبسهم آباءهم وعشائرهم
بمكة وفتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعاً فهم
فتية مفتنون.
ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الحارث بن ربيعة (وعقيل) «3» بن الأسود
بن المطلب بن أسد.
ومن بني مخزوم أبو قيس بن الفاكة بن المغيرة وأبو قيس بن الوليد بن
المغيرة.
ومن بني جمح: علي بن أمية بن خلف.
ومن بني سهم: العاص بن منبه بن الحجاج.
«4» فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة وكان فراغه
من بدر في عقب رمضان أو في أول شوال، فلم يقم بالمدينة إلا سبع ليال حتى
غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر «5» ، فأقام
عليه ثلاث
__________
(1) سورة النساء: 97.
(2) زيد ما بين الحاصرتين كيما يستقيم الكلام، هذا وحذف الخبر من رواية ابن
هشام كما أنه لم يرد عند الواقدي.
(3) زيد ما بين الحاصرتين من مغازي الواقدي 1/ 148، وابن هشام: 1/ 709.
(4) الحديث الآن عن غزوة بني سليم بالكدر، وليس في الأصل عنوان.
(5) روى ياقوت عن الواقدي أن بين الكدر وبين المدينة ثمانية برد، هذا وهناك
خلاف بين المؤرخين حول زمن هذه الغزوة وترتيبها بين المغازي، انظر مغازي
الواقدي: 1/ 182- 184. الروض الأنف: 3/ 142. ابن سعد، ط. بيروت: 2/ 31.
الطبري: 2/ 482. السيرة الحلبية: 2/ 217. البداية والنهاية لابن كثير: 3/
344.
(1/309)
ليال، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً،
فأقام بقية شوال وذا القعدة وفادى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش.
غزوة السويق
ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة، وولي تلك الحجة المشركون
من تلك السنة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة
عن محمد بن إسحاق قال: (3- ظ) فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن
الزبير، ويزيد بن رومان، ومن لا أتهم، عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان من
أعلم الأنصار، حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر حلف ألا يمس رأسه ماء
من جنابة «1» حتى يغزو محمدا- صلى الله عليه- فخرج في مائتي راكب من قريش
ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جانب جبل يقال له تيت: «2»
من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير من تحت
الليل فأتى حيي بن اخطب فضرب عليه بابه فخاف فلم يفتح له فانصرف إلى سلام
بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم «3» ، فاستأذن
عليه، فأذن له وقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس، ثم خرج من عقب ليلته حتى
أتى أصحابه، فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها
العريض
__________
(1) علق السهيلي على هذا في روضه: 3/ 142- 143 «في هذا الحديث إن الغسل من
الجنابة كان معمولا به في الجاهلية» .
(2) في ابن هشام: 2/ 44 «ثيب» وعند الطبري: 2/ 484 «تيب» وفي البداية
والنهاية 3/ 344 «نيب» وظبطها ياقوت «تيت» وكما ورد في النص نقلا عن ابن
إسحق.
(3) المال الذي كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم، وكان حليا
يعيرونه لأهل مكة- السيرة الحلبية: 2/ 223.
(1/310)
فحرقوا في أصوار «1» من نخل بها، ووجدوا
رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين،
ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه في طلبهم حتى انتهى إلى
قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعاً وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا
أزواداً من أزواد القوم قد طرحها، في الحرث يتخففون منها للنجاء، فقال
المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه: اتطمع لنا أن تكون لنا
غزوة؟ قال: نعم، فقال أبو سفيان وهو يتجهز غازياً من مكة إلى المدينة
أبياتاً من الشعر:
كروا على يثرب وجمعهم ... فإنّ ما جمعوا لكم نفل (4- و)
إن يك يوم القليب كان لهم ... فإن ما بعده لكم دول
واللات لا أقرب النساء ولا ... يمس رأسي وجلدي الغسل
حتى تبيروا قبائل الأوس وال ... خزرج إن الفؤاد مشتعل
فأجابه كعب بن مالك:
يا لهف أم المشجعين على ... جيش ابن حرب في الحرة الفشل
إذ يطرحون الرمال من نسم الط ... ير ترقوا بقية «2» الجبل
جاؤوا بجمع لو قيس منزله ... لم يك إلا كمعرس الدؤل
الدؤل دويبة أصغر من القطا ع ط «3»
وبة سمي أبو الأسود الدؤلي.
وقال أبو سفيان بن حرب حين انصرف من المدينة إلى مكة:
إني تخيرت المدينة واحداً ... لحلف فلم أندم ولم اتلوم
سقاني فرواني كميتاً مدامة ... على عجل مني سلام بن مشكم
فلما تولى الجيش قلت ولم أكن ... لأترحه «4» أبشر بعز ومغنم
__________
(1) قال السهيلي في روضه: 3/ 142 «أصوار نخل هي جمع صور، والصور نخل
مجتمعة» .
(2) في الطبري: 2/ 484 «لقنة» هذا ولم يرد الشعر في طبقات ابن سعد ولا عند
ابن هشام ولا في السيرة الحلبية.
(3) أي من الذئب.
(4) المترح: الذي أثقله الدين- الروض الأنف: 3/ 142.
(1/311)
تأمل فإن القوم في سرواتهم ... صريح لؤي لا
شماطيط جرهم «1»
فما كان إلا بعض ليلة راكب ... أتى ساعياً من غير حلة معدم
غزوة ذي أمر إلى نجد سنة ثلاث
فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق «2» أقام بالمدينة
ذا الحجة والمحرم، أو قريباً منه ثم غزا نجداً يريد بني غطفان وهي غزوة ذي
أمر «3» ، فأقام بنجد صفراً كله، أو قريباً من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم
يلق كيداً.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني [4- ظ] قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد
بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور
عن عمه قال: حدثني عمي عن عامر الرام أخي النضر قال: إني لببلادنا إذ رفعت
إلي ألوية ورايات فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لواء رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأتيته وهو تحت شجرة قد بسط له تحتها كساء وهو جالس عليه، وقد اجتمع
إليه أصحابه رضي الله عنهم فجلست إليهم، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأسقام فقال: إن المؤمن إذا أصابه السقم، ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما
مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل به، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان
كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه ولم يدر لم أرسلوه، فقال رجل ممن حوله: وما
الأسقام، والله ما مرضت قط؟ قال: قم عنا فلست منا، قال: فبينا نحن عنده إذ
أقبل
__________
(1) الشماميط: الأخلاط من الناس- الروض الأنف: 3/ 142. وجرهم احدى قبائل
العرب البائدة كانت تسكن منطقة مكة أيام النبي ابراهيم وقد أجلتها خزاعة عن
مكة.
(2) السويق: هو قمح وشعير يقلى ثم يطحن ليسف تارة بماء، وتارة بسمن وتارة
بعسل وسمن.
(3) ذي أمر موضع معروف وراء بطن نخل، وبطن نخل قرية قريبة من المدينة على
طريق البصرة- التنبيه والاشراف ط الصاوي: 210 ومراصد الاطلاع.
(1/312)
رجل عليه كساء معه شيء في يده قد التف
عليه، فقال: يا رسول الله لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة من شجر فسمعت فيها
أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فأقبلت أمهن حتى استدارت على
رأسي، فكشفت لها عنهن فوقعت معهن فلففتهن، فهن الآن معي، فقال: ضعهن عنك،
قال:
فوضعتهن بكسائي وأبيت إلا لزومهن فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتعجبون لرحمة أم الأفراخ فراخها؟ قالوا: نعم، قال: فو الذي بعثني بالحق
لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن
وأمهن معهن، قال: فرجع بهن «1» .
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم [5- و] إلى المدينة ولم يلق كيداً
فلبث بها شهر ربيع الأول كله إلا قليلاً منه «2» ، ثم غزا يريد قريشا وبني
سليم حتى بلغ بحران معدن بالحجاز في ناحية الفرع، وذلك المعدن للحجاج بن
علاظ البهزي فأقام به شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى «3» ثم رجع إلى المدينة
ولم يلق كيداً.
وقد «4» كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع
وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في سوق بني
قينقاع فقال لهم:
يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، واسلموا فإنكم قد
عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم، قالوا: يا محمد
__________
(1) لم يرد هذا الخبر عند ابن هشام، كما أن الواقدي لم يذكره.
(2) سقط عنوان هذه الغزوة وهو «غزوة الفرع من نجران» من الأصل، وهو عند ابن
هشام: 2/ 46، ابن سعد: 2/ 35. الواقدي: 1/ 196. الطبري: 2/ 487. السيرة
الحلبية: 2/ 224.
(3) لم يرد اسم صاحب المعدن عند الواقدي وابن هشام، وذكر الواقدي: 1/ 197
أن غيبة النبي عن المدينة كانت عشر ليال، والفرع- بضمتين- قرية من ناحية
المدينة وفيها عينان يقال لهما الربض والنجف يسقيان عشرين ألف نخلة، وبحران
موضع بالحجاز معروف بينه وبين المدينة ثمانية برد.
(4) سقط عنوان هذه الغزوة وهو «أمر بني قينقاع» من الأصل، انظر ابن هشام:
2/ 47. الواقدي: 1/ 176- 180. الطبري: 2/ 479- 483.
(1/313)
إنك ترانا كقومك، يغرك «1» إنك لقيت قوماً
لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة! إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن
الناس.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة
عن محمد بن اسحاق قال: حدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو
عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم «قُلْ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ»
إلى قوله «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا» أي في أصحاب
بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ» إلى قوله: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً
لِأُولِي الْأَبْصارِ» «2» .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال حدثنا النفيلي قال: نا محمد ابن سلمة
عن محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع كانوا أول
يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وحاربوا [5-
ظ] فيما بين بدر وأحد «3» فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا
على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا
محمد أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: يا محمد أحسن في موالي، فأعرض عنه رسول الله، فأدخل يده في
جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال رسول الله، وغضب رسول
الله، ثم قال.
أرسلني: فقال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، اربع مائة حاسر
وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غواة واحدة، إني الله
أمرءاً أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: حدثني أبي اسحاق بن يسار عن عبادة ابن
__________
(1) في ابن هشام: 2/ 47 «لا يغرنك أنك لقيت» وعند الواقدي: 1/ 176 «لا
يغرنك من لقيت» .
(2) سورة آل عمران: 12- 13.
(3) قطع ابن هشام: 2/ 47- 48 خبر ابن اسحق ليذكر سبب حصار الرسول يهود بني
قينفاع وهو اعتداءهم على احدى نساء المسلمين، انظر أيضا مغازي الواقدي: 1/
176.
(1/314)
الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت
بنو قينقاع تشبث بأمرهم عبد الله ابن أبي بن سلول وقام دونهم ومشى عبادة بن
الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف بن الخزرج،
ولهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي فخلعهم إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم فقال:
يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ إلى الله وإلى رسوله من
حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، قال: ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت القصة في
المائدة:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى
أَوْلِياءَ» إلى قوله: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
يُسارِعُونَ فِيهِمْ» يعني عبد الله بن أبي لقوله: أخشى الدوائر
«يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ» (6- و) إلى قوله: «وَهُمْ
راكِعُونَ» وذلك لقول عبادة بن الصامت:
أتولى الله ورسوله وأبرأ من بني قينقاع من حلفهم وولايتهم. «وَمَنْ
يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ
هُمُ الْغالِبُونَ «1» » .
وسرية زيد بن حارثة التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، حين
أصابت عير قريش، فيها أبو سفيان بن حرب على القردة «2» ، ماء من مياه نجد.
وكان من حديثها أن قريشاً كانت قد أخافت طريقها التي تسلك إلى الشام، حين
كان من وقعة بدر ما كان، فسلكوا طريق العراق «3» ، وخرج منهم تجار فيهم أبو
سفيان بن حرب ومعه فضة كثيرة، وهو عظم تجارتهم، واستأجروا من بني بكر بن
وائل رجلاً يقال له: فرات بن حيان يدلهم على الطريق، وبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم زيد بن حارثة في ذلك الوجه، فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك
العير وما فيها، وأعجزه الرجال، فقدم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة المائدة: 51- 56.
(2) بين الربذة والغمر وذات غرض من جادة العراق- التنبيه والأشراف. ط.
الصاوي: 210.
(3) انظر شروحا أو فى لهذه المسألة عند الواقدي: 1/ 197- 198. ابن هشام: 2/
50.
(1/315)
فقال «1» حسان بن ثابت يذكر قريشاً وأخذها
على ذلك الطريق بعد أحد في غزوة بدر الآخرة، وذلك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم خرج لميعاد أبي سفيان منصرفه من أحد، فسار حتى نزل بدراً، فأقام
بها ثمان ليال، واخلفه أبو سفيان، فقال حسان بن ثابت «2» :
دعوا، فلجات الشام قد حار «3» دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقاً وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من رمل عالج «4» ... فقولا لها ليس الطريق هنالك
أقمنا على الرس النزوع ثمانياً ... بأرعن جرار عريض المبارك
بكل كميت جوزه نصف خلقه ... وقب طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العاديّ تذري أصوله ... مناسم أخفاف المطي الرواتك (6- ظ)
فإن نلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيان يكن رهن هالك
وإن نلق قيس بن امرىء القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك
وقتل «5» كعب بن الأشرف، وكان من حديثه أنه لما أصيب أهل بدر، وقدم زيد بن
حارثة إلى أهل السافلة، وقدم عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية مبشرين،
بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة من المسلمين بفتح
الله وقتل من قتل من المشركين، كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة
الطفري، وعبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعاصم بن عمر بن
قتادة، وصالح بن أبي
__________
(1) بدأ الحديث الآن عن غزوة بدر الموعد، انظر الواقدي: 1/ 384- 391.
(2) انظر ديوان حسان. ط. دار صادر: 1/ 85. مغازي الواقدي: 1- 390- 391.
الروض الأنف: 3- 249. مع خلاف بالرواية من حيث الكلمات وتعداد الأبيات
وترتيبها
(3) في جميع الروايات الأخرى «حال» . والفلجات جمع فلج وهي العين الجارية،
والمخاض الحوامل من الإبل، والأوارك التي أكلت الأراك فدميت أفواهها.
(4) عالج مكان به رمل كثير.
(5) سقط من الأصل عنوان هذا الخبر وهو «مقتل كعب بن الأشرف» . انظر مغازي
الواقدي: 1- 184- 193. ابن هشام: 2- 51. ابن سعد: 2- 31. الطبري: 2- 487.
(1/316)
أمامة بن سهل كل قد حدثني بعض حديثه
(قالوا:) «1» قال كعب بن الأشرف، وكان رجلاً من طيء، ثم أحد بني نبهان،
وكانت أمه من بني النضير حين بلغه الخبر: ويحكم أحق هذا؟ أترون أن محمداً
قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان- يعني زيداً وعبد الله- فهؤلاء أشراف
العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمداً أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير
من ظهرها! فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن
أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة ابنة أبي العاص «2» بن أمية بن عبد
شمس فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد
الأشعار ويبكي على اصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا «3» ؛ ثم رجع كعب بن
الأشرف «4» فشبب بأم الفضل ابنة الحرث «5» ، ثم شبب بنساء المسلمين، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما حدثني عبد الله ابن مغيث-: من لي بابن
الأشرف؟ فقال: محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل أنا لك به يا رسول الله،
أنا اقتله، قال: افعل إن قدرت على ذلك، فرجع محمد فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا
(7- و) يشرب إلا ما يعلق نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال «6» : لم تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول الله إني قلت لك قولاً لا
أدري هل أقر به أم لا، قال: إنما عليك الجهد، قال: يا رسول الله أنه لا بد
لنا أن نقول، قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك، فأجمع في قتله
محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل،
«7» ، والحارث بن أوس بن معاذ احد بني عبد الأشهل،
__________
(1) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: 2- 51.
(2) في مغازي الواقدي: 1- 185 «بنت أسيد بن أبي العيص» .
(3) هنا ذكر ابن هشام: 2- 52 عن ابن إسحق شعر كعب في بكاء أصحاب القليب
وأورد رد حسان وسواه عليه، وكذلك فعل الواقدي في مغازيه: 1- 185- 187.
(4) أي إلى المدينة.
(5) زوج العباس عم الرسول، وفي الطبري: 2- 488 بعض ما قاله فيها.
(6) في ابن هشام: 2- 54 «فدعاه فقال له» .
(7) زاد ابن هشام: 2- 55 «وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة» .
(1/317)
ثم قدموا إلى عدو الله ابن الأشرف قبل أن
يأتوه سلكان بن سلامة أبا نائلة فجاءه، فتحدث معه ساعة وتناشدا، وكان أبو
نائلة يقول الشعر ثم قال:
ويحك يابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتمها عني، قال: أفعل،
قال: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس
واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، فأصبحنا وقد جهدنا
وجهد عيالنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة
أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول لك، فقال سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا
طعاماً ونرهنك. ونوثق لك ونحسن في ذلك، قال: ترهنوني أبناءكم؟ قال: أردت أن
تفضحنا إن لي أصحاباً على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم لتبيعهم وتحسن في
ذلك ونرهنك من الحلقة مالك فيه وفاء، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا
جاؤوا به، قال: إن في الحلقة لوفاء، فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره،
وأمرهم أن يأخذوا [7- ظ] السلاح، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند
رسول الله صلى الله عليه.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني ثور عن عكرمة مولي ابن عباس عن ابن عباس قال: مشى
معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد «1» ، ثم وجههم وقال:
انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم ثم رجع إلى بيته في ليلة مقمرة، فانتهوا
إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت
امرأته بناحيتها وقالت: إنك رجل محارب وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه
الساعة، قال «2» : أبو نائلة لو وجدني نائماً ما أيقظني، قالت: فو الله إني
لأعرف في صوته الشر، قال: يقول «3» لها: لو يدعى الفتى لطنعة لأجاب.
__________
(1) مقبرة أهل المدينة، وهي داخل المدينة- ياقوت-.
(2) في ابن هشام: 2- 56 «إنه أبو نائلة» .
(3) أي كعب.
(1/318)
(قال أبو شعيب: حدثنا التوزي أبو محمد قال
قال الأصمعي ما تكلم لهذه الكلمة لو وجدني نائماً ما أيقظني أحد في جاهلية
ولا إسلام إلا قتل) قال: فنزل فتحدث معه ساعة، وتحدثوا معه، ثم قال: هل لك
يابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز «1» فنتحدث بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن
شئتم، فخرجوا يتماشون ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم
يده، ثم قال ما رأيت كالليلة طيباً أعطر قط، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى
اطمأن، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودي رأسه، ثم قال اضربوا عدو الله
فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً، قال محمد بن مسلمة فذكرت
مغولاً «2» في سيفي حين رأيت أسيافنا لم تفن شيئاً، فأخذته وقد صاح عدو
الله صيحة لم تبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه النار فوضعته في ثنته «3» ثم
تحاملت عليه حتى بلغت (8- و) عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس
بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله أصابه بعض أسيافنا، قال: فخرجنا حتى سلكنا
على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، ثم على بعاث حتى اسندنا في حرة
العريض «4» وقد أبطأ عنا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة،
ثم أتانا يتبع آثارنا، فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل على
جرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود تبعتنا، فليس بها
يهودي الا وهو يخاف على نفسه.
وقال «5» رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه،
فوثب محيصة بن مسعود على أبي سنينة «6» ، رجل من تجار يهود- وكان يلابسهم
ويبايعهم
__________
(1) قرب المدينة.
(2) المغول: حديدة دقيقة لها حد ماض.
(3) في مغازي الواقدي: 1- 190 «في سرته» والسنة ما بين أسفل البطن إلى
العانه.
(4) جميع هذه الأماكن في ضواحي المدينة.
(5) سقط عنوان هذا الخبر من الأصل وهو «أمر محيصة وحويصة» .
(6) في مغازي الواقدي: 1- 191 «ابن سنينة» .
(1/319)
فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم
فقال لمحيصة، وكان أسن منه- لما قتله، وجعل يبصره «1» : يا عدو الله أقتلته
أما والله لرب شحم في بطنك من ماله! فقال محيصة: والله لقد أمرني بقتله من
لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال: فقال: والله إن ديناً بلغ بك هذا لدين له
شأن، انطلق إلى صاحبك حتى أسمع منه، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليه، فكان أول إسلام حويصة فقال محيصة:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه «2» بابيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما اصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعاً ... وأن لنا ما بين بصري فمأرب «3»
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام في قتل ابن الأشرف:
عرفت ومن يعتدل يعرف ... وأيقنت حقاً فلم أصدف
عن الكلم المحكمات التي ... من الله ذي الرأفة الأراف [8- ظ]
رسائل تدرس في المؤمنين ... بهن اصطفى أحمد المصطفى
فأصبح أحمد فينا عزيزاً ... عزيز المقامة والموقف
فيا أيها الموعدوه سفاها ... ولم يأت حوباً ولم يعنف
ألستم تخافون أدنى العذاب ... وما أمن الله كالأخوف
وأن تصرعوا تحت أسيافه ... كمصرع كعب أبي الأشرف
غداة رأى الله طغيانه ... فأعرض كالجمل الأحنف
فأنزل جبريل في قتله ... بوحي إلى عبده ملطف
فدس الرسول رسولاً إليه ... بأبيض ذي هبّة مرهف
__________
(1) في ابن هشام: 2- 58 «جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله» .
(2) لطبقت: لقطعت، والذفرى عظم نائي وراء الأذن.
(3) مغازي الواقدي: 1- 192 مع بعض الخلاف.
(1/320)
فباتت له عيون مغولا ... ت ومن دمع كعب لها
تذرف
فقلنا لأحمد ذرنا قليلاً ... فإنا من القوم لم نشتف
فأجلاهم ثم قال اظعنوا ... دحوراً على رغم الآنف
فأجلى النضير إلى غربة ... وكانوا بدار ذوي زخرف
إلى أذرعات رد أفاوهم ... على كل ذي دبر أعجف «1»
وكانت أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد قدومه من بحران
جمادى الآخرة ورجباً وشعبان ورمضان وغزته قريش غزوة أحد في شوال سنة ثلاث.
__________
(1) لم يرد هذا الشعر في مغازي الواقدي ولا عند ابن هشام أو الطبري.
(1/321)
غزوة أحد
«1» أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي عن محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال: وكان من حديث أحد كما حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله
الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد
الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كل قد حدثني بعض الحديث
عن يوم أحد، فاجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد، قال:
لما أصيبت قريش؛ أو من قاله منهم ببدر وأصحاب القليب من (9- و) كفار قريش؛
فرجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب (بعيره) «2» مشى عبد الله بن أبي
ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم
وأبناؤهم واخوانهم ببدر وكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير
تجارة فقالوا: يا معاشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل رجالكم وخياركم
فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرنا بما أصاب منا؛ ففيهم
فيما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» «3» .
فلما فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب تلك العير أجمعت قريش لحرب رسول
__________
(1) الخبر الآن عن غزوة أحد، وقد سقط العنوان من الأصل، وخبر أحد مشهور
انظره في مغازي الزهري في مصنف عبد الرزاق: 5- 363- 367. مغازي الواقدي: 1-
199- 334 ابن هشام 2- 1060 ابن سعد: 2- 36. الطبري: 2- 499. السيرة
الحلبية: 2- 228.
(2) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: 2- 60.
(3) سورة الأنفال: 36.
(1/322)
الله صلى الله عليه وسلم بأحابيشها ومن
أطاعهم من قبائل بني كنانة وأهل تهامة، كل أولئك قد استغووا على حرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو عزيز بن عمرو بن عبد الله الجمحي «1» قد
من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهده أن لا يظاهر عليه، فأجمعت
قريش السير إلى أحد، قال صفوان بن أمية: يا أبا عزيز إنك امرؤ شاعر فأعنا
بلسانك واخرج معنا، فقال: إن محمدا قد من علي، ولا أريد أن أظاهر عليه
أحداً، قال: بلى فأعنا بنفسك، فلك إن رجعت أن أغيثك، فإن أصبت أجعل بناتك
مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزيز يسير في تهامة يدعو
بني كنانة يقول:
يا بني عبد مناه الزرام «2» ... أنتم بنو الحرب ضرابو الهام
أنتم حماة وأبوكم حام ... لا تعدوني نصركم بعد العام
لا تسلموني لا يحل إسلام «3»
ثم دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف غلاما له يقال له وحشي،
وكان حبشياً يضرب (9- ظ) بحربة له قذف الحبشة قلّ ما يخطىء بها فقال: اخرج
مع الناس فإن أنت قتلت عم محمد- يعني حمزة- بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق-
وكان طعيمة ممن قتل الله يوم بدر- فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن
تبعها من كنانة وأهل تهامة وخرجوا بالظعن التماس الحفيظة لئلا يفروا، فخرج
أبو سفيان وهو قائد الناس معه بهند إبنة عتبة بن ربيعة، وخرج صفوان بن أمية
بن خلف ببرزة إبنة مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وهي أم عبد الله بن
صفوان؛ وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منية بن الحجاج وهي أم عبد الله بن
عمرو، وكانت هند بنت عتبة كلما
__________
(1) في مغازي الواقدي: 1- 201 «أبو عزة» وعند ابن هشام 2- 61 «أبو عزة عمرو
بن عبد الله» وكذلك عند ابن سعد: 2- 43. والطبري: 2- 500، والبداية
والنهاية: 4- 10. والسيرة الحلبية: 2- 229.
(2) الذين يثبتون في الحرب ولا يفرون.
(3) مغازي الواقدي 1- 201. طبقات ابن سلام: 213. ابن هشام: 2- 61 مع خلاف
في الرواية حيث ترتيب الأبيات وبعض الألفاظ وكمية الشعر.
(1/323)
مرت بوحشي أو مر بها قالت: أبا دسمة إشف
واشتف، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة، فأقبلوا حتى نزلوا ببطن السبخة من قناة
على شفير الوادي مما يلي المدينة. فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للمسلمين: إني قد رأيت نفراً، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أني أدخلت
يدي في درع حصينة. فتأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا وتدعوهم حيث قد
نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها.
ونزلت قريش منزلها بأحد يوم الأربعاء فأقاموا بها ذلك اليوم، ويوم الخميس
ويوم الجمعة، وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلاة الجمعة فأصبح
بالشعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال سنة ثلاث، وكان رأي عبد
الله بن أبي ابن سلول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك
«ألا يخرج إليهم» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكره الخروج من
المدينة فقال رجال (10- و) من المسلمين، ممن أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد،
وغيرهم ممن كان فاتته بدر وحضروه:
يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم أو ضعفنا، قال
عبد الله ابن أبي بن سلول: يا رسول الله أقم بالمدينة فإن أقاموا أقاموا
بشر مجلس، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤا، وإن دخلوها قاتلهم الرجال في
وجوههم، ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة من فوقهم فلم يزل الناس برسول
الله صلى الله عليه وسلم، الذين كان من أمرهم حب لقاء الله، حتى دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم بيته فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من
الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني
النجار، فصلى عليه رسول الله ثم خرج وقد ندم الناس وقالوا: استكرهنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله استكرهناك، اقعد، ولم يكن
لنا ذلك صلى الله عليك، فقال: رسول الله عليه السلام: ما ينبغي إذا النبي
لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل، فخرج رسول الله في ألف من أصحابه حتى إذا
كان بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عنه عبد الله ابن أبي بن سلول بثلث
الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا أيها
الناس، ثم رجع بمن معه من قومه من أهل النفاق وأهل
(1/324)
الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام
أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر
من عدوكم قالوا: لو نعلم (10- ظ) أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن
يكون، فقال فلما استصعبوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله
أعداء الله فسيغنني الله عنكم، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك
حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله «1» فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ولا يعتاق) ،
لصاحب السيف: شم «2» سيفك فإني أرى أن السيوف ستسل اليوم، ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من رجل يخرج بنا على القوم من كثب- أي قريب-
من طريق لا يمر بنا عليهم؟ فقال أبو خيثمة، أخو بني حارثة بن الحارث: أنا
يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة، وبين أموالهم حتى يسلك به في مال
«3» لربعي بن قيطي، وكان رجلاً منافقاً ضرير البصر، فلما حس برسول الله ومن
معه قام يحثو في وجوههم التراب وهو يقول:
إن كنت رسول الله فلا أحل لك أن تدخل حائطي، وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من
تراب بيده ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لضربت بها وجهك،
فابتدره القوم ليقتلوه فقال لهم: هذا الأعمى، أعمى القلب والبصر «4» ، وقد
بدر إليه سعد «5» أخو بني عبد الأشهل قبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فضربه بالقوس في رأسه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه حتى نزل
بالشعب (11- و) من أحد من عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى
أحد، وقال: لا يقاتل أحد حتى نأمره بالقتال؛ وقد سرحت قريش الظهر والكراع
«6» في زروع كانت بالصمغة «7» من قناة، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول
الله
__________
(1) كلاب السيف هي الحديدة العقفاء التي تلي الغمد.
(2) أي أغمد سيفك.
(3) في ابن هشام: 2- 65 «لمربع» .
(4) زاد ابن هشام: 2- 65 «لا تقتلوه» .
(5) في ابن هشام: 2- 65 «سعد بن زيد» .
(6) الظهر: الابل والكراع: الخيل.
(7) أرض قرب أحد.
(1/325)
صلى الله عليه وسلم عن القتال: أترعى زروع
بني قيلة «1» ولما تضارب؟! وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال في
سبع مائة رجل، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها،
فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل،
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة وهم خمسون رجلاً عبد الله بن
جبير أخا بني عمرو بن عوف، وهو يومئذ معلم بثياب بياض، وقال: إنضح عنا
الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، اثبت مكانك لا
نؤتين من قبلك، وظاهر رسول الله عليه السلام بين درعين، وقال:
من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو
دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟
قال أن تضرب به القوم حتى ينثني، قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه
إياه وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب إذا كانت، وكان إذا علم
بعصابة له حمراء يعصبها على رأسه علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من
يد رسول الله أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه، فجعل يتبختر بين الصفين. (11-
ظ) .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب عن
رجل من الأنصار من بني سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين
رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا ابن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر (عبد عمرو بن)
«2» صفي بن مالك بن النعمان بن أمية أحد بني ضبيعة قد كان خرج حين خرج من
مكة مباعداً لرسول الله عليه السلام بخمسين غلاما من الأوس منهم عثمان بن
حنيف، وبعض الناس يقول كانوا خمسة عشر، فكان أبو
__________
(1) بنو قيلة هم الأوس والخزرج، وقيلة أم من أمهاتهم نسبوا إليها.
(2) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: 2- 67. وابن سعد: 2- 40. والطبري:
2- 511- 512. والبداية والنهاية 4- 16.
(1/326)
عامر يعد قريش، أن لو قد لقي قومه لم يتخلف
منهم رجلان، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش
وعبدان أهل مكة فنادى: يا معاشر الأوس أنا أبو عامر، فقالوا: لا نعم الله
بك عيناً يا فاسق، وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول الله
صلى الله عليه وسلم الفاسق، فلما سمع ردهم عليه، قال: لقد أصاب قومي بعدي
شر، ثم قاتلهم قتالاً شديداً، وأضمخهم بالحجارة، فلما التقى الناس ودنا
بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن
بها خلف الرجال ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:
نحن بنات طارق ... إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق (12- و) ... وإن تدبروا نفارق
فراق غير وامق «1»
فاقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة سماك بن خرشة حتى أمعن في
العدو، وحمزة، وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين؛ فأنزل الله نصره
وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم، وكانت الهزيمة لا يشك فيها.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: نا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد
الله بن الزبير عن الزبير قال: لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة
وصواحبها مشمرات هو ارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة عن
العسكر، حين كشفنا القوم عنه، يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من
أدبارنا، وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأوا علينا، بعد أن
أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنوا منه أحد من القوم، فانكشف
__________
(1) الأبيات مشروحة في الروض الأنف فلينظر.
(1/327)
المسلمون فأصاب منهم العدو، فكان يوم بلاء
وتمحيص أكرم الله من أكرم بالشهادة، وكان من المسلمين في ذلك اليوم لما
أصابهم فيه من شدة البلاء ثلاثاً:
فثلث قتيل، وثلث جريح وثلث منهزم، قد لقيته الحرب حتى ما يدري ما يصنع، حتى
خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقذف بالحجارة حتى وقع لشقة،
وأصيبت رباعيته وشج في وجنتيه، وكلمت شفتاه، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي
وقاص.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم: من يشتري لنا نفسه كما
حدثني حصين (12- ظ) بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمد بن عمرو
«1» ابن يزيد بن السكن، فقام زياد بن السكن في خمسة نفر من الأنصار، وبعض
الناس يقول إنما هو عمارة بن زياد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجلا فرجل فيقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد بن السكن أو
عمارة بن زياد، فقاتل حتى أثبتته الجراح، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم
«2» عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنوه مني، فوسده رسول الله
صلى الله عليه وسلم قدمه، فمات وخده فوق قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وترس أبو دجانة رسول الله بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن حتى كثر فيه
النبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سعد:
فلقد رأيته يناولني النبل ويقول: ارم فداك أبي وأمي، حتى أنه ليناولني
السهم ما له من نصل فيقول ارم به.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم [رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده،
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته.
قال ابن اسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم] «3»
__________
(1) في ابن هشام: 2- 81 «محمود بن عمرة» . وسقطت عنده فقرة «يزيد بن السكن»
.
(2) أي ازالوهم وغلبوهم.
(3) أضيف ما بين الحاصرتين من ابن هشام: 2- 82.
(1/328)
ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما.
وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى فتل،
فكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فرجع إلى قريش فقال: قد قتلت محمداً، فلما قتل مصعب أعطى رسول الله
صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب اللواء، وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى
قتل أرطاه بن «1» شرحبيل (13- و) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي،
وكان أحد النفر الذين يحملون لواء قريش، ثم مر به سباع بن عبد العزى
الفيشاني وكان يكنى بأبي نيار فقال له حمزة: هلم إلي يا ابن مقطعة البظور
فضربه فكأن ما أخطأ رأسه، وكانت أم نيار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي
ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله، وقال وحشي غلام جبير بن مطعم:
والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق «2» شيئاً مثل الجمل
الأورق «3» إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم إلي يابن
مقطعة البظور فضربه فكأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها
ذففتها عليه حتى وقعت في ثنته «4» حتى خرجت من بين رجليه، وأقبل فقلب،
فأمهلته حتى إذا ما مات جئت إليه فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم
يكن لي بشيء حاجة غيره. وقد قتل عاصم بن ثابت بن الأقلح أخو بني عمرو بن
عوف مسافع بن طلحة وأخاه جلاساً، كلاهما يشعره سهماً، فيأتي أمه سلافة فيضع
رأسه في حجرها، فتقول: يا بني ما أصابك؟ فيقول: سمعت رجلاً حين رماني يقول:
خذها إليك وأنا ابن الأقلح فتقول أقلحي هو؟ فنذرت إن الله أمكنها من رأس
عاصم أن تشرب فيه الخمر، وكان عاصم قد أعطى الله
__________
(1) في ابن هشام: 2- 69 «ارطاة بن عبد شرحبيل» .
(2) اي ما يبقي.
(3) الاورق: الذي لونه إلى الغبرة.
(4) ما بين اسفل البطن والعانة.
(1/329)
عهداً ألا يمس مشركاً ولا يمسه أبداً «1» .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن
النجار قال: انتهى أنس بن النضر- وهو عم أنس بن مالك، وبه سمي أنس أنساً-
إلى عمر بن (13- ظ) الخطاب، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم في رجال من
المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا:
قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فما تضنون «2» بالحياة بعده؟ قوموا
فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم
فقاتل حتى قتل.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لقد وجدنا بأنس
بن النضر يومئذ سبعين ضربة ما عرفته إلا أخته، عرفت بنانه «3» .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال: كان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
الهزيمة، وقول الناس قتل رسول الله، كما حدثني ابن شهاب الزهري عن عبد الله
بن كعب بن مالك أخو بني سلمة قال: قال كعب: عرفت عينيه تزهران من تحت
المغفر فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأشار إلي أن أنصت، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشعب، معه: أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن
الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث
بن الصمة رضي الله عنهم أجمعين، في رهط من المسلمين، فلما أسند رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الشعب،
__________
(1) استشهد عاصم يوم بئر الرجيع، واراد قاتلوه اخذ رأسه ليبيعوه من سلافة
بنت سعد «فمنعته الدبر فلما حالت بينه وبينهم قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه،
فنأخذه، فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصما فذهب به» ابن هشام: 2- 170- 172.
(2) في المصادر الاخرى «تصنعون» .
(3) البنان: الأصابع وقيل أطرافها- النهاية لابن الأثير: 1- 157. وفي ابن
هشام «ببناته» وهو تصحيف.
(1/330)
أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين يا محمد
أين يا محمد لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: أيعطف عليه يا رسول الله رجل
منا؟ فقال: دعوه فلما دنا تناول رسول الله الحربة من الحارث بن الصمة، يقول
بعض القوم فيما ذكر لي (14- و) . فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم
انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر «1» من ظهر البعير إذا انتفض
بها، ثم استقبله فطعنه بها طعنة تردى بها عن فرسه مرارا.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عؤف قال: كان
آبي بن خلف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول: يا محمد إن عندي
العوز أعلفه كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليه فيقول: بل أنا أقتلك إن شاء
الله، فرجع إلى قريش وقد خدشه خدشا في عنقه غير كبير فاحتقن الدم فقال:
قتلني والله محمد، قالوا: ذهب والله فؤادك إن كان بك بأس، قال: أنه قد كان
قال لي بمكة: بل أنا أقتلك، فو الله لو بصق عليّ لقتلني، فمات عدو الله
بسرف «2» وهم قافلون به إلى مكة. فقال حسان بن ثابت في قتل رسول الله أبيا
وقوله له بمكة ما قال:
لقد ورث الضلالة عن أبيه ... أبي حين بارزه الرسول
«3» فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي
طالب رحمة الله عليه بالدرقة حتى ملأها ماء من المهراس. ثم جاء به إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فوجد له ريحاً فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه
الدم وصب على رأسه وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عمن (14- ظ) حدثة عن
__________
(1) في ابن هشام: 2- 84 «تطاير الشعراء عن ظهر البعير» والشعراء ذباب له
لدغ.
(2) موضع على ستة أميال من مكة وقيل: سبعة وتسعة واثني عشر- ياقوت-.
(3) ديوان حسان: 1- 158. مع خلاف بالرواية وتعداد الابيات.
(1/331)
سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول: ما حرصت على
قتل أحد ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمت لسيء الخلق
مبغضاً في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله: اشتد غضب الله على من دمى
وجه رسوله، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب معه أولئك النفر
من أصحابه إذ علت عالية «1» على الجبل، فقال رسول الله: إنه لا ينبعي لهم
أن يعلونا، فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم عن
الجبل، ونهض رسول الله إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان قد بدن «2» وظاهر
رسول الله بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد
الله، فنهض به حتى استوى عليها.
أخبرنا عبد الله بن الحسن قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد
ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير (عن الزبير) «3»
قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة حين صنع ما صنع برسول
الله، وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى
بعضهم إلى المنقى «4» دون الأعوص، وفر عثمان بن عفان، وعقبة بن عثمان، وسعد
بن عثمان رجلان من الأنصار، ثم من بني زريق حتى بلغوا الجلعب جبلاً بناحية
المدينة، فأقاموا به ثلاثاً ثم رجعوا إلى رسول الله عليه السلام، فقال رسول
الله فيما زعموا لقد ذهبتم فيها عريضة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن حنظلة
بن أبي عامر أخو بنى عمر بن عوف أنه التقى هو وأبو (15- و) سفيان ابن حرب،
فلما استعلاه حنظلة، رأه شداد بن الأسود، وكان يقال له ابن شعرب قد علا أبا
سفيان، فضربه شداد فقتله، فقال رسول الله إن كان صاحبكم- يعني
__________
(1) اي من قريش.
(2) بدن: اسن وضعف.
(3) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: 2- 86.
(4) مكان بين احد والمدينة- انظر ياقوت حبث نقل عن ابن اسحق.
(1/332)
حنظلة لتغسله الملائكة- فسلوا أهله ما
شأنه؟ فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة «1» ، فقال رسول
الله: لذلك غسلته الملائكة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحق قال: قد وقفت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة
الآتون معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن
الآذان والآناف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنافهم خذماً وقلائداً،
وأعطت خذمها وقلائدها وقرطيها وحشياً غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة
فلاكتها فلم تستطيع أن تسيغها، ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها
وقالت، من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
نحن جزيناكم بيوم بدر
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف فقالت:
خزيت في بدر وبعد بدر «2»
ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف علا الجبل ثم صرخ بأعلى صوته:
أنعمت فعال «3» ... إن الحرب سجال
يوم بيوم بدر ... أعل هبل
أي ظهر دينك- فقال رسول الله لعمر رحمة الله عليه قم فأجبه (15- ظ)
الله أعلا وأجل ... لا سواء
قتلانا في الجنة ... وقتلاكم في النار
فلما أجاب أبا سفيان قال: هلم إلي يا عمر، فقال له رسول الله: إئته فانظر
ما شأنه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمداً؟ قال: اللهم
لا، وإنه
__________
(1) اي الصيحة، صيحة النفير.
(2) انظر ابن هشام: 2/ 91- 92 ففيه من الشعر وخبره كمية اوفى مما ورد هنا.
(3) قاله يخاطب نفسه ويعني به «بالغت في هذه الوقيعة وأحسنت» . أنظر شرح
السيرة النبوية لأبي ذر. 2/ 230- 231.
(1/333)
ليسمع كلامك الآن. قال فأنت والله أصدق
عندي من ابن قميئة وأبر، لقول ابن قميئة: قتلت محمداً، ثم نادى أبو سفيان:
أنه قد كان في قتلاكم مثل «1» والله ما رضيت وما سخطت وما أمرت ولا نهيت،
ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال رسول
الله لرجل من أصحابه: قل:
نعم هي بيننا وبينك موعداً، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن
أبي طالب فقال:
أخرج في إثر القوم فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون، فإن كانوا قد جنبوا
الخيل وامتطوا الابل [فإنهم يريدون مكة، وان ركبوا الخيل وساقوا الابل] «2»
فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم
لأناجزنهم، قال علي رحمه الله عليه: فخرجت في إثرهم أنظر ماذا يصنعون، فلما
جنبوا الخيل، وامتطوا الابل، ووجهوا إلى مكة، أقبلت أصيح ما أستطيع أن أكتم
ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بي من الفرح إذ رأيتهم
انصرفوا عن المدينة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحق قال: وفزع الناس لقتلاهم، فقال رسول الله- كما حدثني محمد بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن [أبي] «3» صعصعة المازني أخو بني النجار: من رجل
ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع (16- و) أخو بلحارث بن الخزرج في الأحياء أو
في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل، فنظر
فوجده جريحاً في القتلى، به رمق، فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر له
في الأحياء أنت أم في الأموات، قال: فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله عني
السلام، وقل له: أن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا
__________
(1) يقصد عمليات التمثيل يحثث قتلى المسلمين.
(2) زيادة من ابن هشام: 2/ 94.
(3) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: 2/ 94، وانظر أيضا التاريخ الكبير
للبخاري: 5/ 130- 131.
(1/334)
عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل: إن
سعد بن ربيع يقول لكم: أنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى نبيكم ومنكم
عين تطرف، قال: ثم لم أبرح حتى مات رحمة الله عليه، فجئت رسول الله فاخبرته
خبره، فخرج رسول الله- فيما بلغني- يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن
الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به وجدع أنفه وأذناه.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال حين رأى ما رأى: لولا ان تحزن صفية «1» أو تكون سنة من بعدي
ما غيبته ولتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني
الله على قريش في موطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فلما رأى المسلمون حزن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على ما فعل بعمه، قالوا: والله لئن
أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثله لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن
محمد بن اسحاق قال حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب
القرظي، وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس إن الله أنزل في ذلك من قول رسول
الله وقول أصحابه «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو
(16- ظ) خير للصابرين» إلى آخر القضية فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصبر ونهى عن المثل.
أخبرنا عبد الله بن الحسن قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد
بن إسحاق قال: حدثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة بن جندب أنه قال: ما قام
فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ففارقه حتى يأمرنا بالصدقة
وينهانا عن المثلة.
__________
(1) عمة الرسول وأخت حمزة.
(1/335)
يتلوه إن شاء الله الجزء الرابع ... محمد
بن سلمة عن محمد بن اسحاق
قال: حدثني من لا أتهم عن مقسم
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما وحسبنا
الله ونعم الوكيل، وكتبه طاهر بن بركات الخشوعي في شهر رمضان من سنة أربع
وخمسين وأربع مائة والله المعين على كل حال إن شاء الله.
(1/336)
|