تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
ذكر من مات في هذه السنين.
من العلماء والاعاظم على سبيل الإجمال بحسب الامكان فإني لم أعثر
على شيء من تراجم المتقدمين من أهل هذا القرن ولم أجد شيئا مدونا في
ذلك إلا ما حصلته من وفياتهم فقط وما وعيته في ذهني واستنبطته من بعض
أسانيدهم واجازات اشياخهم على حسب الطاقة وذلك من أول القرن إلى آخر
سنة اثنتين وأربعين ومائة ألف وهي أول دولة السلطان محمود بن عثمان.
وأولهم الإمام العلامة والحبر الفهامة شيخ السلام والمسلمين وارث علوم
سيد المرسلين الشيخ محمد الخرشي المالكي شارح خليل وغيره ويروى عن
والده الشيخ عبدالله الخرشي وعن العلامة الشيخ إبراهيم
ج / 1 ص -114-
اللقاني كلاهما عن الشيخ سالم السنهوري
المالكي عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ بن
حجر العسقلاني بسنده إلى الإمام البخاري توفي سنة أحدى ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن داود بن سليمان العناني نزيل
الجنبلاطية أخذ عن علي الحلبي صاحب السيرة والشهاب الغزي والشمس
البابلي والشهاب الخفاجي والبرهان اللقاني وغيرهم. حدث عنه حسن بن علي
البرهاني والخليفي والبديري وغيرهم توفي سنة ثمان وتسعين وألف.
ومات إمام المحققين وعمدة المدققين صاحب التآليف العديدة والتصانيف
المفيدة السيد أحمد الحموي الحنفي ومن تصانيفه شرح الكنز وحاشية الدرر
والغرر والرسائل وغير ذلك. توفي أيضا في تلك السنة رحمه الله ومن شيوخه
الشيخ علي الاجهوري والشيخ محمد ابن علان والشيخ منصور الطوخي والشيخ
أحمد البشبيشي والشيخ خليل اللقاني وغيرهم كالشيخ عبدالله بن عيسى
العلم الغزي.
ومات علامة الفنون الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن أحمد بن
أمير الدين محمد الضرير بن شرف الدين حسين الحسيني الشهير بالشرنبابلي
شيخ مشايخ الأزهر في عصره كذا ذكر نسبه شيخنا السيد مرتضى نقلا عن سبطه
العلامة محمد بن بدر الدين أخذ عن شيوخ عدة كالشيخ سلطان المزاحي
والشيخ علي الشبراماسي وأجازه البابلي وأخذ عنه اليليدي والملوي
والجوهري والشبراوي بواسطة الشيخ عبد ربه الديوي توفي سنة اثنتين ومائة
وألف.
ومات الشريف المعمر أبو الجمال محمد بن عبد الكريم الجزائري روى عن أبي
عثمان سعيد قدورة وابي البركات عبد القادر وابي الوفاء الحسن ابن مسعود
البوسي وابي الغيث القشاشي واجازه البابلي والاجهوري.
ج / 1 ص -115-
ومحمد الزرقاني وعبدالعزيز بن محمد الزمزمي
والشبراملسي والشهاب القيلوني والغنيمي والشهاب الشلبي ومحمد حجازي
الواعظ ومفتي تعز محمد الحبشي والتجم الغزي والقشاشي والشهاب السبكي
والمزاحي توفي سنة اثنتين ومائة وألف.
ومات الإمام العالم العلامة أبو الامداد خليل بن إبراهيم اللقاني
المالكي أخذ عن والده وعن إخويه عبدالسلام ومحمد اللقانيين والنور
الاجهوري والشبراماسي والشيخ عبدالله الخرشي والشمس البابلي وسلطان
المزاحي والشيخ عامر الشبراوي والشهاب القليوبي والشمس الشوبري الشافعي
وأحمد الشوبري الحنفي وعبد الجواد الجنبلاطي ويس العليمي الشامي وأحمد
الدواخلي وعلي النبتيتي وعقد دروسا بالمسجد الحرام وأخذ بها عن محمد بن
علان الصديقي والقاضي تاج الدين المالكي وبالمدينة عن الوجيه الخياري
وغرس الدين الخليلي وأجازوه توفي سنة خمس ومائة وألف.
ومات الإمام أبو سالم عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي
الإمام الرحالة قرأ بالمغرب على شيوخ منهم اخوه الأكبر عبد الكريم ابن
محمد والعلامة أبو بكر بن يوسف الكتاني وإمام المغرب سيدي عبد القادر
الفاسي والعلامة أحمد بن موسى الأبار ورحل إلى المشرق فقرأ بمصر على
النور الاجهوري والشهاب الخفاجي وإبراهيم المأموني وعلي الشبراملسي
والشمس البابلي وسلطان المزاحي وعبدالجواد الطريني المالكي وجاور
بالحرمين عدة سنين فأخذ عن زين العابدين الطبري وعبد الله بن سعيد
باقشير وعلي بن الجمال وعبدالعزيز الزمزمي وعيسى الثعالبي والشيخ
إبراهيم الكردي وأجازوه ورجع إلى بلاده وأقام بها إلى أن توفي سنة
تسعين وألف وله رحلة مجلدات وذكر فيها أنه اجتمع بالشيخ حسن العجمي
وأجاز كل صاحبه.
ج / 1 ص -116-
ومات الإمام الحجة عبدالباقي بن يوسف بن
أحمد بن محمد بن علوان الزرقاني المالكي الوفائي ولد سنة عشرين وألف
بمصر ولازم النور الاجهوري مدة وأخذ عن الشيخ يس الحمصي والنور
الشبراملسي وحضر في دروس الشمس البابلي الحديثية وأجازه جل شيوخه وتلقى
الذكر من أبي الاكرام توفي سنة خمس وأربعين وألف وتصدر للاقراء بالأزهر
وله مؤلبفات منها شرح مختصر خليل وغيره توفي في رابع عشرين رمضان سنة
تسع وتسعين وألف وصلى عليه إماما بالناس الشيخ محمد قوشي.
ومات عالم القدس الشيخ عبدالرحيم بن أبي اللطف الحسيني الحنفي المقدسي
قرأ بمكة على الإمام زين العابدين بن عبدالقادر الطبري وبمصر على الشيخ
الشبراملسي والشمس البابلي والشمس الشوبري والفقه على الشهاب الشوبري
الحنفي وحسن الشرنبلالي وعبدالكريم الحموي الطرابلسي وبدمشق على السيد
محمد بن علي بن محمد الحسيني المقدسي الدمشقي توفي غريبا بأدرنة سنة
أربع ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة شمس الدين محمد بن قاسم بن إسمعيل البقري المقرىء
الشافعي الصوفي الشناوي أخذ علم القراآت عن الشيخ عبدالرحمن اليمني
والحديث عن البابلي والفقه عن المزاحي والزيادي والشوبري ومحمد
المنياوي والحديث أيضا عن النور الحلبي والبرهان اللقاني والطريقة عن
عمه الشيخ موسى بن إسمعيل البقري والشيخ عبدالرحمن الحلبي الأحمدي
وغالب علماء مصر أما تلميذه أو تلميذ تلميذه وألف واجاد وانفرد ومولده
سنة ثماني عشرة وألف وتوفي في رابع عشرى جمادى الثانية سنة أحدى عشرة
ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة.
ومات الأديب الفاضل الشاعر أبو بكر بن محمود بن أبي بكر بن أبي الفضل
العمري الدمشقي الشافعي الشهير بالصفوري ولد بدمشق وبها
ج / 1 ص -117-
نشأ ورحل إلى مصر وتوطنها وأخذ بها عن
الشمس البابلي ونظم سيرة الحلبي ولم يتمه وجمع ديوان شعره باسم الأستاذ
محمد بن زين العابدين البكري وكان من الملازمين له توفي سنة اثنتين
ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ فرج خارج بولاق عند قصر الأستاذ البكري.
ومات السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد كريشه
بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن السقاف ترجمة صاحب المشرع فقال
ولد بمكة وتربى في حجر والده وادرك شيخ الإسلام عمر ابن عبد الرحيم
البصري وصحب الشيخ محمد بن علوي وألبسه الخرقة وكذا أبو بكر بن حسين
العيدروس الضرير وزوجة ابنته وأخذ عنه العلوم الشرعية وزار جده وعاد
إلى مكة وبها توفي ليلة الجمعة سنة أربع ومائة وألف.
ومات الأستاذ زين العابدين محمد بن محمد بن محمد ابن الشيخ أبي المكارم
محمد ابيض الوجه البكري الصديقي ولد سنة ستين وألف وكان تاريخ ولادته
أشرق الافق بزين العابدين توفي سنة سبع ومائة وألف في الفصل ودفن عند
اسلافه بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه.
ومات السند شيخ الشيوخ برهان الدين إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين
الكوراني المدني ولد بشهران في شوال سنة خمس وعشرين وألف وأخذ العلم عن
محمد شريف الكوراني الصديقي ثم ارتجل إلى بغداد وأقام بها مدة ثم دخل
دمشق ثم إلى مصر ثم إلى الحرمين والقى عصا تسيارة بالمدينة المنورة
ولازم الصيفي القشاشي ويه تخرج وأجازه الشهاب الخفاجي والشيخ سلطان
والشمس البابلي وعبد الله بن سعيد اللاهوري وأبو الحسين علي بن مطير
الحكمي وقد أجاز لمن ادرك عصره وتوفي ثامن عشرين جمادي الأولى سنة أحدى
ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي المالكي.
ج / 1 ص -118-
تفقه على الشيخ الاجهوري والشيخ يوسف
الفيشي وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل في مجلدات وشرح على العشماوية
وشرح على الأربعين النووية وشرح على الفية السيرة للعراقي مات غريقا
بالنيل وهو متوجه إلى رشيد سنة ست ومائة وألف.
ومات الأستاذ أبو السعود بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي المولد
والمنشأ الشافعي الفاضل البارع ولد سنة ألف ةوستين وجود القرآن على
العلامة بن المسعودي أبي النور الدمياطي ثم قدم مصر ولازم دروس الشهاب
البشبيشي وجد في الأشتغال وقدم مكة وتوفي وهو راجع من الحج بالمدينة في
أوائل المحرم سنة تسع ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة مفتي المسلمين الشيخ حسن بن علي بن محمد ابن
عبدالرحمن الجيرتي الحنفي وهو جد الشيخ الوالد أخذ عن أشياخ عصره من
أهل القرن الحادي عشر كالبابلي والاجهوري والزرقاني وسلطان المزاحي
والشبراملسي والشهاب الشويري وتفقه على الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير
ولازمه ملازمة كلية وكتب تقاريره على نسخ الكتب التي حضرها عليه ومنها
كتاب الأشباه والنظائر للعلامة بن نجيم وكتاب الدرر شرح الغرر لملاخسرو
وكلا النسختين بخطه الأصلي وما عليهما من الهوامش ثم جرد ما عليهما
فصارا تأليفين مستقلين وهما الحاشيتان المشهورتان على الدرر والاشباه
للعلامة الشرنبلالي وكلتا النسختين وما عليهما من الهوامش موجودتان
عندي إلى الآن بخط المترجم ومن تآليفه رسالة على البسملة. ولما توفي
الأستاذ الشرنبلالي في سنة تسع وستين وألف تصدر بعده للافادة والتدريس
والافتاء واقرأ ولده الشيخ حسن وتقيد به حتى ترعرع وتمهر وتوفي المترجم
في سنة ست وتسعين وألف وترك الجد إبراهيم صغيرا فربته والدته الحاجة
مريم بنت المرحوم الشيخ محمد المنزلي حتى بلغ رشده فزوجته ببنت عبد
الوهاب افندي الدلجي.
ج / 1 ص -119-
وعقد عقده عليها بحضرة كل من الشيخ جمال
الدين يوسف أبي الارشاد ابن وفي والشيخ عبدالحي الشرنبلالي الحنفي
وشهاب الدين أحمد المرحومي والشيخ شهاب الدين أحمد البرماوي والشيخ زين
الدين أبي السعود الدنجيهي الشافعي الدمياطي شيخ المدرسة المتبولية
والشيخ شمس الدين محمد الارمناوي وغيرهم المثبتة اسماؤهم في حجة العقد
في كاغد كبير رومي محرر ومسطر بالذهب وعليه لوحة مموهة بالذهب مؤرخة
بغاية شعبان سنة ثمان ومائة وألف وهي محفوظة عندي إلى الآن بامضاء موسى
افندي بمحكمة الصالحية النجمية وبني بها في ربيع أول وحملت منه
بالمرحوم الوالد فات الحد بعد ولادة الوالد بشهر واحد وذلك في سنة عشر
ومائة وألف وعمره ست عشرة سنة لا غير.
ومات الإمام العلامة نور الدين حسن بن أحمد بن العباس بن أحمد ابن
العباس بن أبي سعيد المكناسي ولد بها سنة ألف واثنتين وخمسين وقر
الفاسي وكثيرين وقدم مصر سنة أربع وسبعين وألف وحضر دروس علي محمد بن
أحمد الفاسي نزيل مكناس وحضر دروس سيدي عبد القادر الشبراملسي ومنصور
الطوخي وأحمد البشبيشي ويحيى الشهاوي وحج واجتمع على السيد عبد الرحمن
المحجوب المكناسي وكانت له مشاركة في سائر العلوم مات بمصر سنة أحدى
ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام العلامة إبراهيم ابن محمد بن شهاب الدين بن خالد
البرماوي الأزهري الشافعي الأنصاري الأحمدي شيخ الجامع الأزهر قرأ على
الشمس الشوبري والمزاحي والبابلي والشبراملسي ثم لازم دروس الشهاب
القليوبي واختص به وتصدر بعده بالتدريس في محله توفي سنة ست ومائة وألف
روى عنه محمد بن خليل العجلوني وعلي ابن علي المرحومي نزيل مخا ورافقه
المليحي في دروس القليوبي وترجمة واثنى عليه وله تآليف عديدة.
ج / 1 ص -120-
ومات عالم المغرب الشيخ الإمام نور الدين
حسن بن مسعود اليوسي قدم مكة حاجا سنة اثنتين ومائة وألف وله مؤلفات
عديدة مشهورة توفي بالمغرب سنة أحدى عشرة ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ شاهين بن منصور بن عامر ابن حسن
الأرمناوي الحنفي ولد ببلده سنة ثلاثين وألف وحفظ القرآن والكنز
والالفية والشاطبية والرجبية وغيرها ورحل إلى الأزهر فقرأ بالروايات
على العلامة المقرىء عبد الرحمن اليمني الشافعي ولازم في الفقه العلامة
أحمد الشوبري وأحمد المنشاوي الحنفيين وأحمد الرفاعي ويس الحمصي ومحمد
المنزلاوي وعمر الدفري والشهاب القليوبي وعبد السلام اللقاني وإبراهيم
الميموني الشافعي وحسن الشرنبلالي الحنفي وفي العلوم العقلية شيخ
الإسلام محمد الشهير بسيبويه تلميذ أحمد بن قاسم العبادي ولازمه كثيرا
وبشره باشياء حصلت له وأخذ عن العلامة سري الدين الدروري والشيخ علي
الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي واجازه جل شيوخه وتصدر
للاقراء في الأزهر في فنون عديدة وعنه أخذ جمع من الأعيان كمحمد ابن
حسن الملا والسيد علي الحنفي وغيرهما توفي سنة أحدى ومائة وألف.
ومات العلامة الشيخ أحمد بن حسن البشتكي أخذ عن البناء وعن الشيخ محمد
الشرنبابلي وتوفي سنة عشر ومائة وألف.
ومات السيد الشريف عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن
عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه التريمي الإمام الفقيه المحدث أخذ عن
مصطفى بن زين العابدين العيدروس والسيد محمد سعيد وعنه ولده عبد الرحمن
والسيد شيخ بن مصطفى العيدروس واخواه زين العابدين وجعفر توفي ببندر
الشحرفي آخر جمادى سنة أربع ومائة وألف.
ج / 1 ص -121-
ومات خاتمة المحدثين بمصر شمس السنة محمد
بن منصور الاطفيحي الوفائي الشافعي ولد سنة اثنتين وأربعين وألف وأخذ
عن أبي الضياء علي الشبراملسي وعن الشمس البابلي والشيخ سلطان المزاحي
والشمس محمد عمر الشوبري الصوفي والشهاب أحمد القليوبي توفي سنة خمس
عشرة ومائة وألف تاسع عشر شوال.
ومات إمام المحققين الشيخ عبد الحي بن عبد الحق بن عبد الشافي
الشرنبلالي الحنفي علامة المتأخرين وقدوة المحققين ولد ببلده ونشأ بها
ثم ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم وأخذ عن الشيخ حسن الشرنبلالي
والشهاب أحمد الشوبري وسلطان المزاحي والشمس البابلي وعلي الشبراملسي
والشمس محمد العناني والسري محمد بن إبراهيم الدروري والسراج عمر بن
عمر الزهري المعروف بالدفري وتفقه بهم ولازم فضلاء عصره في الحديث
والمعقول وأخذ أيضا عن الشيخ العلامة يس بن زين الدين العليمي الحمصي
والشيخ عبد المعطي البصير والشيخ حسين النماوي وابن خفاجي واجتهد وحصل
واشتهر بالفضيلة والتحقيق وبرع في الفقه والحديث وأكب عليهما آخرا
واشتهر بهما وشارك في النحو والأصول والمعاني والصرف والفرائض مشاركة
تامة. وقصدته الفضلاء وانتفعوا به وانتهت إليه رياسة مصر. توفي سنة سبع
عشرة ومائة وألف ودفن عند معبد السيدة نفيسة.
ومات الشيخ الإمام الفقيه الفرضي الحيسوب صالح بن حسن بن أحمد بن علي
البهوتي الحنبلي أخذ عن اشياخ وقته وكان عمدة في مذهبه وفي المعقول
والمنقول والحديث وله عدة تصانيف وحواش وتعليقات وتقييدات مفيدة
متداولة بايدي الطلبة أخذ عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي ومحمد
الخلوتي وأخذ الفرائض عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد الدلجموني وهو من
مشايخ الشيخ عبد الله الشبراوي ولازم عمه
ج / 1 ص -122-
الشمس الخلوني وأخذ الحديث عن الشيخ عامر
الشبراوي وله الفية في الفقه والفية في الفرائض ونظم الكافي. توفي يوم
الجمعة ثامن وعشرين ربيع الأول سنة أحدى وعشرين ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة محمد فارس التونسي من ذرية سيدي حسن الششتري
الاندلسي وهو والد الشيخ محمد ابن محمد فارس من أكابر الصوفية كان يحفظ
غالب ديوان جده أقام بدمياط مدة ثم رجع إلى مصر ومات بها سنة أربع عشرة
ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف
ابن أحمد بن علوان الزرقاني المالكي خاتمة المحدثين مع كمال المشاركة
وفصاحة العبارة في باقي العلوم ولد بمصر سنة خمس وخمسين وألف وأخذ عن
النور الشبراملسي وعن حافظ العصر البابلي وعن والده وحدث عنه العلامة
السيد محمد بن محمد ابن محمد الاندلسي وعبد الله الشبراوي والملوي
والجوهري والسيد زين الدين عبد الحي ابن زين العابدين بن الحسن البهنسي
وعمر بن يحيى بن مصطفى المالكي والبدر البرهاني وله المؤلفات النافعة
كشرح الموطأ وشرح المواهب واختصر المقاصد الحسنة للسخاوي ثم اختصر هذا
المختصر في نحو كراسين باشارة والده وعم نفعها وكان معيدا لدروس
الشبراملسي وكان يعتني بشأنه كثيرا وكان إذا غاب يسأل عنه ولا يفتتح
درسه إلا إذا حضر مع أنه أصغر الطلبة فكان محسودا لذلك في جماعته وكان
الشيخ يعتذر عن ذلك ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني به.
توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ رضوان إمام الجامع الأزهر في غرة رمضان سنة خمس عشرة ومائة
وألف.
ومات الشيخ المجذوب أحمد أبو شوشة خفير باب زويلة وكانت
ج / 1 ص -123-
كراماته ظاهرة وكان يضضع في فمه نحو المائة
ابرة ويأكل ويشرب وهي في فمه لا تعوقه عن الأكل والشرب والكلام مات في
يوم الثلاثاء سابع عشري جمادي الآخرة سنة خمس عشرة ومائة وألف.
ومات السند العمدة الشيخ حسن أبو البقاء بن علي ابن يحيى بن عمر العجمي
المكي الحنفي صاحب الفنون ولد سنة تسع وأربعين وألف كما وجدته بخط
والده بمكة وبها نشأ وحفظ القرآن وعدة متون وأخذ عن الشيخ زين العابدين
الطبري وعلي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير والسيد محمد صادق
وحنيف الدين المرشدي والشمس البابلي وبالمدينة علي القشاشي ولبس منه
الخرقة وأخذ عن جمع من الوافدين كعيسى الجعفري ومحمد بن محمد العيثاوي
الدمشقي وعبد القادر بن أحمد الفضي الغزي وعبد الله بن أبي العياشي
واجازه جل شيوخه وكتب إليه بالاجازة غالب مشايخ الأقطار كالشيخ أحمد
العجلي وهو من المعمرين والشيخ علي الشبراملسي وعبد القادر الصفوري
الدمشقي والسيد محمد بن كمال الدين بن حمزة الدمشقي والشيخ عبد القادر
الفاسي واعتنى باسانيد الشيوخ بالحرم وافاد وانتفع به جماعة من الأعلام
كالشيخ عبد الخالق الزجاجي الحنفي المكي وأحمد بن محمد بن علي المدرس
المدني وتاج الدين الدهان الحنفي المكي ومحمد بن الطيب بن محمد الفاسي
والشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي توفي ظهر يوم الجمعة ثالث شوال سنة
ثلاث عشرة ومائة وألف بالطائف ودفن بالقرب من ابن عباس.
ومات السيد عبد الله الإمام العلامة الشيخ أحمد المرحومي الشافعي وذلك
سنة اثنتي عشرة ومائة وألف.
ومات الأستاذ المعظم والملاذ المفخم صاحب النفحات والإشارات الشيخ يوسف
بن عبد الوهاب أبو الإرشاد الوفائي وهو الرابع عشر من خلفائهم تولى
النجادة يوم وفاة والده في ثاني رجب سنة ثمان وتسعين وألف
ج / 1 ص -124-
وسار سيرا حسنا بكرم نفس وحشمة زائدة
ومعروف وديانة إلى أن توفي في حادي عشر المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة
وألف ودفن بحوطة اسلافه رضي الله عنهم.
ومات الفقيه محمد بن سالم الحضرمي العوفي أخذ عن سليمان بن أحمد النجار
وعنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس توفي بالهند سنة أحدى عشرة
ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة المفيد الشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الأصل
القاهري الأزهري المعروف بابن الفقي الشافعي ولد سنة أربع وستين وألف
وأخذ القراءات عن الشمس البقري والعربية عن الشهاب السندوبي وبه تفقه
والشهاب البشبيشي ولازمه السنين العديدة في علوم شتى وكذا أخذ عن النور
الشبراملسي وحضر دروس الشهاب المرحومي وكان إماما عالما بارعا ذكيا حلو
التقرير رقيق العبارة جيد الحافظة يقرر العلوم الدقيقة بدون مطالعة مع
طلاقة الوجه والبشاشة وطرح التكلف ومن تآليفه حاشية علي الأشموني لم
تكمل واخرى على شرح أبي شجاع للخطيب ورسالة في بيان السنن والهيئات هل
هي داخلة في الماهية أو خارجة عنها واخرى في اشراط الساعة وشرح البدور
السافرة ومات قبل تبييضه فاختلسه بعض الناس وبيضة ونسبه لنفسه وكتمه.
توفي فجأة قيل: مسموما صبيحة يوم الإثنين سابع عشري شوال سنة ثمان عشرة
ومائة وألف.
ومات الإمام العالم العلامة الشيخ محمد النشرتي المالكي وهو كان وصيا
على المرحوم الشيخ الوالد بعد موت الجد توفي يوم الأحد بعد الظهر وآخر
دفنه إلى صبيحة يوم الإثنين وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل وحضر جنازته
الصناجق والأمراء والأعيان وكان يوما مشهودا وذلك سنة عشرين ومائة
وألف.
ومات السيد أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن
ج / 1 ص -125-
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن
علي بن محمد بن أحمد ابن الفقيه المقدم ولد بتريم وأخذ عن أحمد بن عمر
البيتي والفقيه عبد الرحمن بن علو بلفقيه وابي بكر بن عبد الرحمن ابن
شهاب العيدروس والقاضي أحمد بن الحسين بلفقيه وأحمد بن عمر عبديد
وغيرهم واجازوه وتميز في العلوم وتمهر ودرس وصنفذ في الفقه والفرائض
وممن روى عنه شيخ وجعفر وزين العابدين أولاد مصطفى بن زين العابدين بن
العيدروس ومصطفى بن شيخ بن مصطفى العيدروس وغيرهم توفي بالشحر سنة ثمان
عشرة ومائة وألف.
ومات الأديب الاريب الشيخ أحمد الدلنجاوي شاعر وقته له ديوان في مجلد.
ومات الشيخ العلامة المفيد سليمان الجنزوري الأزهري توفي سنة أربع
وعشرين ومائة وألف.
ومات الإمام المحدث الأخباري مصطفى بن فتح الله الحموي الحنفي المكي
أخذ عن العجمي والبابلي والنخلي والثعالبي والبصري والشبراملسي
والمزاحي ومحمد الشلبي وإبراهيم الكوراني وشاهين الارمناوي والشهاب
أحمد البشبيشي وأكثر عن الشاميين وله رحلة إلى اليمن توسع فيها في
الاخذ عن أهلها وألف كتابا في وفيات الأعيان سماه فوائد الارتحال
ونتايج السفر في اخبار أهل القرن الحادي عشر توفي سنة أربع وعشرين
ومائة وألف حدث عنه السيد عمر بن عقيل العلوي.
ومات السيد السند صاحب الكرامات والإشارات السيد عبد الرحمن السقاف
باعلوى نزيل المدينة. قال الشيخ العيدروس في ذيل المشرع: ولد بالديار
الحضرمية ورحل إلى الهند فأخذ بها الطريقة النقشبندية عن الأكابر
العارفين واشتغل بها حتى لاحت عليه أنوارها وورد الحرمين فقطن بالمدينة
المنورة وبها تزوج الشريفة العلوية العيدروسية من ذرية.
ج / 1 ص -126-
السيد عبد الله صاحب الرهط وممن أخذ عليه
بها الطريقة الشيخ محمد حياة السندي باشارة بعض الصالحين وكان المترجم
يخبر عن نفسه أنه لم يبق بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاب
وأنه لم يعط الطريقة النقشبندرية لاحد إلا باذن من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وانه اعطى سيف أبي بكر بن العيدروس الأكبر الذي يشير إليه
بقوله:
وسيفي في غمده
لدفع الشدائد معدود
وقوله:
بسيفي يلاقي المهند
وقائع تشيب الولود
ولم يزل على طريقة حميدة حتى توفي بها سنة أربع وعشرين ومائة وألف.
ومات الإمام الهمام عمدة المسلمين والإسلام الشيخ عبد ربه بن أحمد
الديوي الضرير الشافعي أحد العلماء مصابيح الإسلام ولد ببلده ونشأ بها
ثم ارتحل إلى دمياط وجاور بالمدرسة المتبولية فحفظ القرآن وعدة متون
منها البهجة الوردية واشتغل هناك على أفاضلها كالشمس ابن أبي النور
ولازمه في الفنون وتفقه به وقرأ عليه القرآن بالروايات وأخذ عنه الطريق
وتهذب به ثم ارتحل إلى القاهرة فحضر عند الشهاب البشبيشي قليلا ثم لازم
الشمس الشرنبابلي في فنون إلى أن توجه إلى الحج فأمره بالجلوس موضعه
والتقييد بجماعته فتصدى لذلك وعم النفع وبرعت طلبته وقصدته الفضلاء من
الآفاق وكان إماما فاضلا فقيها نحويا فرضيا حيسوبا عروضيا نحريرا ماهرا
كثير الأستحضار غريب الحافظة صافي السريرة مشتغل الباطن بالله جميل
الظاهر بالعلم توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة ودفن يوم الأحد بعد
الصلاة عليه بالأزهر بمشهد حافل عظيم اجتمع فيه الخاص والعام وذلك سنة
ست وعشرين ومائة وألف.
ج / 1 ص -127-
ومات الشيخ الإمام والعمدة الهمام عبد
الباقي القليوبي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ العلامة أبو المواهب محمد بن الشيخ تقي الدين عبد الباقي
ابن عبد القادر الحنبلي البعلي الدمشقي مفتي السادة الحنابلة بدمشق ولد
بها وأخذ عن والده وعمن شاركه ثم رحل إلى مصر وقرأ بالروايات على
مقرئها الشيخ البقري والفقه على الشيخ محمد البهوتي الخلوتي والحديث
على الشمس البابلي والفنون على المزاحي والشبراملسي والعناني توفي في
شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف عن ثلاث وثمانين سنة حدث عنه الشيخ أبو
العباس أحمد بن علي بن عمر الدمشقي كتابه وهو عال والشيخ محمد ابن أحمد
الحنبلي والسيد مصطفى بن كمال الدين الصديقي وغيرهم.
ومات الإمام العلامة المحقق المعمر الشيخ سليمان بن أحمد بن خضر
الخربتاوي البرهاني المالكي وهو والد الشيخ داود الخربتاوي الآتي ذكر
ترجمته توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن مائة وست عشرة سنة.
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا
النفراوي شارح الرسالة وغيرها ولد ببلدة نفرة ونشأ بها ثم حضر إلى
القاهرة فتفقه في مبادىء امره بالشهاب اللقاني ثم لازم العلامة عبد
الباقي الزرقاني والشمس محمد بن عبد الله الخرشي وتفقه بهما وأخذ
الحديث عنهما ولازم الشيخ عبد المعطي البصير وأخذ العربية والمعقول عن
الشيخ منصور الطوخي والشهاب البشبيشي واجتهد وتصدر وانتهت إليه الرياسة
في مذهبه مع كمال المعرفة والاتقان للعلوم العقلية لا سيما النحو وأخذ
الأعيان وانتفعوا به ومن مؤلفاته شرح الرسالة وشرح النورية وشرح
الآجرومية توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن اثنتين وثمانين سنة.
ج / 1 ص -128-
ومات الإمام العلامة الشهير الشيخ أبو
العباس أحمد بن محمد بن عطية ابن عامر بن نوار بن أبي الخير الموساوي
الشهير بالخليفي الضرير أصله من الشرق وقدم جده أبو الخير وكان صالحا
معتقدا وأقام بمنية موسى من اعمال المنوفية فحصل له بها الاقبال ورزق
الذرية الصالحة واستمروا بها وولد الشيخ بها ونشأ بها وحفظ القرآن ثم
ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم على فضلاء عصره فتفقه على الشمس
العناني والشيخ منصور الطوخي وهو الذي سماه بالخليفي لما ثقل عليه نسبة
الموسوي فسأله عن أشهر أهل بلده فقال أشهرها من أولياء الله تعالى سيدي
عثمان الخليفي فنسبه إليه ولازم الشهاب البشبيشي وأخذ عنه فنونا وحضر
دروس الشهاب السندوبي والشمس الشرنبابلي وغيرهما واجازه الشيخ العجمي
واجتهد وبرع وحصل واتقن وتفنن وكان محدثا فقيها أصوليا نحويا بيانيا
متكلما عروضيا منطقيا آية في الذكاء وحسن التعبير مع البشاشة وسعة
الصدر وعدم الملل والسآمة وحلاوة المنطق وعذوبة الألفاظ انتفع به كثير
من المشايخ. توفي في عصر يوم الأربعاء خامس عشر صفر ودفن صبيحة يوم
الخميس سادس عشره بالمجاورين سنة سبع وعشرين ومائة وألف عن ستة وستين
سنة.
ومات الإمام العمدة الفهامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي
الحنفي توفي فجأة بعد صلاة العشاء ليلة الأحد سادس عشر المحرم سنة ثلاث
وثلاثين ومائة وألف.
ومات في تلك السنة أيضا الشيخ العلامة أحمد الشرفي المغربي المالكي.
ومات الشيخ العلامة شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد شنن المالكي وكان
مليئا متمول أغنى أهل زمانه بين اقرانه وجعل الشيخ محمد الجداوي وصيا
على ولده سيدي موسى فلما بلغ رشده سلمه ماله فكان من صنف الذهب البندقي
أربعون الفا خلاف الجنزرلي والطرلي وانواع الفضة.
ج / 1 ص -129-
والأملاك والضياع والوظائف والجماكي والرزق
والاطيان وغير ذلك بدده جمعية ولده موسى وبنى له دارا عظيمة بشاطيء
النيل ببولاق انفق عليها أموالا عظيمة ولم يزل حتى مات مديونا في سنة
اثنتين وتسعين ومائة وألف وترك ولدا مات بعده بقليل وكان للمترجم
مماليك وعبيد وجوار ومن مماليكه أحمد بك شنن الآتي ذكره توفي المترجم
سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف عن سبع وسبعين سنة.
ومات العمدة العالم الشيخ أحمد الوسيمي توفي سنة أحدى وثلاثين ومائة
وألف.
ومات الجناب المكرم السيد حسن افندي نقيب السادة الأشراف وكانت لأبيه
وجده وعمه من قبله وبموته انقرضت دولتهم. واقيم في منصب النقابة عوضه
السيد مصطفى بن سيدي أحمد الرفاعي قائمقام إلى حين ورود الأمر توفي يوم
الجمعة تاسع عشر رجب سنة أحدى وعشرين ومائة وألف ثم ورد في شهر جمادى
سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف السيد عبد القادر نقيبا ونزل ببولاق
بمنزل أحمد جاويش الخشاب وهو إذ ذاك باشجاويش الأشراف وبات هناك فوجد
في صبحها مذبوحا في فراشه وحبس باشجاويش بسبب ذلك بالقلعة ولم يظهر
قاتله وتقلد النقابة محمد كتخدا عزبان سابقا لامتناع السيد مصطفى
الرفاعي عن ذلك ووافى تاريخه ذبح عبد القادر.
ومات العلامة الفقيه المحدث الشيخ منصور بن علي بن زين العابدين
المنوفي البصير الشافعي ولد بمنف ونشأ بها يتيما في حجر والدته وكان
بارا بها فكانت تدعو له فحفظ القرآن وعدة متون ثم ارتحل إلى القاهرة
وجاور بالأزهر وتفقه بالشهابين البشبيشي والسندوبي والشمس الشرنبابلي
والزين منصور الطوخي ولازم النور الشبراملسي في العلوم وأخذ عنه الحديث
وجد واجتهد وتفنن وبرع في العلوم العقلية والنقلية.
ج / 1 ص -130-
وكان إليه المنتهى في الحذق والذكاء وقوة
الأستحضار لدقائق العلوم سريع الادراك لعويصات المسائل على وجه الحق
نظم الموجهات وشرحها وانتفع به الفضلاء وتخرج به النبلاء وافتخرت
بالاخذ عنه الأبناء على الآباء. توفي حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمس
وثلاثين ومائة وألف وقد جاوز التسعين.
ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ الشيخ محمد الصغير المغربي سلخ رجب سنة
ثمان وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأجل الفاضل العمدة العلامة رضوان افندي الفلكي صاحب الزيج
الرضواني الذي حرره على طريق الدر اليتيم لابن المجدي على أصول الرصد
الجديد السمرقندي وصاحب كتاب اسنى المواهب وغير ذلك تآليف وحسابيات
وتحقيقات لا يمكن ضبطها لكثرتها وكتب بخطه ما ينوف عن حمل بعير مسودات
وجداول حسابيات وغير ذلك وكان بسكن بولاق منجمعا عن خلطة الناس مقبلا
على شأنه وكان في أيامه حسن افندي الروزنامجي وله رغبة ومحبة في الفن
فالتمس منه بعض آلات وكرات فاحضر الصناع وسبك عدة كرات من النحاس
الأصفر ونقش عليها الكواكب المرصوده وصورها ودوائر العروض والميول وكتب
عليهما طلاها بالذهب وصرف عليها أموالا كثيرة وذلك في سنة اثنتي عشرة
أو ثلاث عشرة ومائة وألف. واشتغل عليه الجمالي يوسف مملوك حسن افندي
المذكور وكلارجيه وتفرغ لذلك حتى انجب وتمهر وصار من المحققين في الفن
واشتهر فضله في حياة شيخه وبعده وألف كتابا عظيما في المنحرفات جمع فيه
ما تفرق من تحقيقات المتقدمين واظهر ما في مكنون دقائق الأوضاع
والرسومات والأشكال من القوة إلى الفعل وهو كتاب حافل نافع نادر الوجود
وله غير ذلك كثير ومن تآليف رضوان افندي المترجم النتيجة الكبرى
والصغرى وهما مشهورتان متداولتان.
ج / 1 ص -131-
بأيدي الطلبة بآفاق الأرض وطراز الدرر في
رؤية الأهلة والعمل بالقمر وغير ذلك. توفي يوم السبت ثالث عشري جمادي
الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ الصالح قطب الوقت المشهور بالكرامات معتقد أرباب الولايات
الشيخ عبد الله النكاري الشافعي الشهير بالشرقاوي من قرية بالشرقية
يقال لها النكارية أخذ عن الشيخ عبد القادر المغربي وكان يحكى عنه
كرامات غريبة وأحوال عجيبة. وممن كان يعتقده الشيخ الحفني والشيخ عيسى
البراوي والشيخ علي الصعيدي وقد خص كل واحد باشارة نالها كما قال له:
وشملتهم بركته وانه تولى القبطانية وكان بينه وبين الشيخ محمد كشك مودة
ومؤاخاة. توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ العمدة المنتقد الفاضل الشاعر البليغ الصالح العفيف حسن
البدري الحجازي الأزهري وكان عالما فصيحا مفوها متكلما منتقدا على أهل
عصره وابناء مصره سمعت من الشيخ الوالد قال: رأيته ملازما لقراءة الكتب
الستة تحت الدكة القديمة منجمعا عن خلطة الناس معتكفا على شأنه قانعا
بحاله وله في الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة على غيره رفيعة وقلما تجد
في نظمه حشوا أو تكلمه. وله ارجوزة في التصوف نحو ألف وحمسمائة بيت على
طريق الصادح والباغم ضمنها أمثالا ونوادر وححكايات وديوان على حروف
المعجم سماه باسمين تنبيه الافكار للنافع والضار واجماع الاياس من
الوثوق بالناس شرح فيه حقيقة شرار الخليفة من الناس المنحرفة طباعهم عن
طريقة قويم القياس استشهدت بكثير من كلامه في هذا المجموع بحسب
المناسبة وفي بعض الوقائع والتراجم وله مزدوجة سماها الدرة السنية في
الأشكال المنطقية ونظم رسالة الوضع للعلامة العضد ونظم لقطة العجلان في
تعريف النقيضين والضدين والخلافين.
ج / 1 ص -132-
والمثلين وفي حكم المضارع صحيحا كان أو
معتلا ورموز الجامع الضغير وختم ديوانه باراجيز بديعة ضمنها نصايح
ونوادر وامثالا واستغاثات وتوسلات للقبول موصلات.
ومن كلامه في قافية الباء:
كن جار كلب وجار الشرة اجتنب
ولــو أخـــالك مــن ام يرى وأب
وجانب الدار أن ضاقت مرافقهـــا
والمرأة السوء لو معروفة النسب
ومركبا شرس الاخلاق لا سيما
أن كـــان ذا قصــر أو ابتر الـذنب
وله غير ذلك كثير اقتصرنا منه على هذا البعض. توفي سنة أحدى وثلاثين
ومائة وألف رحمه الله.
ومات الشيخ الإمام خاتمة المحدثين الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى
البصري منشئا المكي مولدا الشافعي مذهبا ولد يوم الأربعاء رابع شعبان
سنة ثمان وأربعين ومائة وألف كما ذكره الحموي وحفظ القرآن وأخذ عن علي
بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الجعفري ومحمد بن محمد بن
سليمان والشمس البابلي والشهاب البشبيشي ويحيى الشاوي وعلي بن عبد
القادر الطبري والشمس محمد الشرنبابلي والبرهان إبراهيم ابن حسن
الكوراني ومحدث الشام محمد بن علي الكاملي ولبس الخرقة من يد السيد عبد
الرحمن الادريسي والمسلسل بالأولية عن الشهاب أحمد ابن محمد بن عبد
الغني الدمياطي. وتوفي يوم الإثنين رابع رجب سنة أربع وثلاثين ومائة
وألف عن أربع وثمانين سنة ودفن بالمعلاة بمقام الولي سيدي عمر العرابي
قدس سره. حدث عنه شيوخ العصر ابن أخته السيد العلامة عمر ابن أحمد بن
عقيل العلوي والشهاب أحمد الملوي والجوهري وعلاء الدين بن عبد الباقي
المزجاجي الزبيدي والسيد عبد الرحمن بن السيد عبد الرحمن بن السيد اسلم
الحسيني والشبراوي والشيخ الوالد حسن الجبرتي وعندي سنده واجارته له
بخطة والسيد المجدد محمد بن إسمعيل الصنعاني المعروف بابن الأمير ذي
الشرفين كتابة من صنعاء والسيد
ج / 1 ص -133-
العلامة حسن بن عبد الرحمن باعيديد العلوي
كتابة من المخنا والشيخ المعمر صبغة الله بن الهداد الحنفي كتابة من
خير آباد ومحمد بن حسن ابن همان الدمشقي كتابة من القسطنطينية والشهاب
بن أحمد بن عمر بن علي الحنفي كتابة من دمشق كلهم عنه وحدث عنه أيضا
شيوخ المشايخ الشيخ المعمر محمد بن حيوة السندي نزيل المدينة المنورة
والشيخ محمد طاهر الكوراني والشيخ محمد ابن أحمد بن سعيد المكي والشيخ
العلامة إسمعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الدمشقي
والشيخ عيد بن علي النمرسي الشافعي والشيخ عبد الوهاب الطندتائي والشيخ
أحمد باعنتر نزيل الطائف والشهاب أحمد بن مصطفى بن أحمد الأسكندرية
وغيرهم كذا في المربي الكايلي فيمن روى عن البابلي. ومات الرجل الصالح
المجذوب الصاحى أحد صلحاء فقراء السادة الأحمدية بدمياط الشيخ ربيع
الشبيال كان صالحا ورعا ناسكا حافظا لأوقاته ورعا ناسكا حافظا لا وقاته
مداوما على الصلوات والعبادات والاذكار دائم الإقبال على الله لا يرى
إلا في طاعة إذا احرم في الصلاة يصفر لونه وتأخذه رعدة فإذا نطق
بالتكبير يخيل لك بان كبده قد تمزق وكان يتكسب بحمل الامتعة للناس
بالاجرة مع صرفه جميع جوارحه واعضائه لما خلق لأجله. توفي سنة أحدى
وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ المقري الصوفي محمد ابن سلامة بن عبد الجواد الشافعي ابن
العارف بالله تعالى الشيخ نور الدين ساكن الصخرية من اعمال فارسكور
فارسكور الصخري الدمياطي المعروف بابي السعود بن أبي النور أستاذ من
جمع بين طريقي أهل الباطن والظاهر من أهل عصره ولد بدمياط ونشأ بها بين
صلحائها وفضلائها فحفظ القرآن واشتغل بالعلوم فتفقه بالشيخ حلال الدين
الفارسكوري وتلقى المنهج تسع مرات في تسع سنين عن العلامة مصطفى
التلباني وأخذ الطريق عن جمع من أكمل العارفين ثم ارتحل إلى.
ج / 1 ص -134-
القاهرة فلازم الضياء المزاحي فتفقه به
وأخذ عنه فنونا وقرأ القارءات السبع والعشر عليه وأخذ عن العلامة يس
الحمصي فنونا واجتهد ودأب واتقن وألف في القراءات وغيرها وعم النفع به
وأخذ عنه جمع من الأفاضل. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف.
ومات أحد الأئمة المشاهير الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد
النخلي الشافعي المكي ولد بمكة وبها نشأ وأخذ عن علي بن الجمال وعبد
الله بن سعيد باقشير وعيسى الثعالبي ومحمد بن سليمان والشمس البابلي
وسليمان بن أحمد الضيلي القرشي والسيد عبد الكريم الكوراني الحسيني
والشمس الميداني والشهاب أحمد المفلجي الوفائي والشيخ شرف الدين موسى
الدمشقي والشيخ إبراهيم الحلبي الصابوتي والشيخ عبد الرحمن العمادي
ومحمد بن علان البكري والصفي القشاشي والشيخ خير الدين الرملى وابى
الحسن البازوري. توفي بمكة سنة ثلاثين ومائة وألف عن تسعين سنة. روى
عنه السيد عمر بن أحمد والسيد عبد الرحمن ابن أسلم الحسيني والسيد عبد
الله بن إبراهيم بن حسن الحنفي والشهاب أحمد بن عمر بن علي الدمشقي
والملوي والجوهري والشبراوي والحنفي وحسن الجبرتي والسيد سليمان بن
يحيى بن عمر الزبيدي والسيد عبد الله ابن علي الغرابي وإسمعيل بن عبد
الله الأسكداري والشهاب أحمد بن مصطفى الصباغ.
ومات الشيخ الإمام أبو العز محمد بن شهاب أحمد بن أحمد بن محمد ابن
العجمي الوفائي القاهري خاتمة المسندين بمصر سمع على الشمس البابلي
المسلسل بالأولية وثلاثيات البخاري وجملة من الصحيح والجامع الصغير
وغير ذلك وذلك بعد عوده من مكة المشرفة كما رأيت ذلك بخط والده الشهاب
في نص اجازته لنادرة العصر محمد بن سليمان المغربي.
حدث عنه العلامة محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشيخ أحمد بن.
ج / 1 ص -135-
الحسن الخالدي وابو العباس الملوي وابو علي
المنطاوي وولده المعمر أبو العز أحمد.
ومات أبو عبد الله العلامة محمد بن علي الكاملي الدمشقي الشافعي الواعظ
انتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا روى عن الشبراملسي وعبد العزيز بن
محمد الزمزمي والمزاحي والبابلي والقشاشي وخير الدين الرملي. توفي في
خامس عشر ذي القعدة سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف عن سبع وقيل: عن تسع
وثمانين روى عنه أبو العباس أحمد بن علي بن عمر العدوى وهو عال والشيخ
محمد بن أحمد الحنبلي.
ومات العلامة صاحب الفنون أبو الحسن بن عبد الهادي السندي الاثري شارح
المسند والكتب الستة وشارح الهداية ولد بالسند وبها نشأ وارتجل إلى
الحرمين فسمع الحديث على البابلي وغيره من الواردين. وتوفي بالمدينة
سنة ست وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأجل العمدة بقية السلف الشيخ عبدالعظيم بن شرف الدين بن زين
العابدين بن محيي الدين بن ولي الدين أبي زرعة أحمد بن يوسف بن زكريا
بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي الأزهري من بيت العلم
والرياسة جده زكريا شيخ الإسلام عمر فوق المائة وولده يوسف الجمال روى
عن أبيه والحافظ السخاوي والسيوطي والقلقشندي وحفيده محيي الدين روى عن
جده وحفيده شرف الدين والد المترجم روى عن أبيه وعنه الأئمة أبو حامد
البديري وغيره نشأ المترجم في عفاف وتقوى وصلاح معظما عند الأكابر وكان
كثير الاجتماع بالشيخ أحمد بن عبد المنعم البكري ومن الملازمين له على
طريقة صالحة وتجارة رابحة حتى مات سنة ست وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه
بالأزهر ودفن عند آبائه.
ومات الشيخ العلامة حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي أبو محفوظ
حفيد أبي الاخلاص شيخ الجماعة ووالد الشيخ عبد الرحمن الآتي
ج / 1 ص -136-
ترجمته في محله كان فقيها فاضلا محققا ذا
تؤدة في البحث عارفا بالأصول والفروع. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة
وألف.
ومات العمدة الفاضل السيد محمد النبتيتي السقاف باعلوي وهو والد السيد
جعفر الآتي ذكره أحد السادة الافراد أعجوبة زمانه ولد باليمن ودخل
الحرمين وبها أخذ عن السيد عبد الله باحسين السقاف وكان يأخذه الحال
فيطعن نفسه بالسلاح فلا يؤثر فيه وكان يلبس الثياب الفاخرة ويتزيا بزي
اشراف مكة. توفي بمكة سنة خمس وعشرين ومائة وألف.
ومات الأجل الأوحد السيد سالم بن عبد الله بن شيخ بن عمر بن شيخ ابن
عبد الله بن عبد الرحمن السقاف ولد بجدة سنة أحدى وثلاثين وألف تقريبا
ثم رحل به والده إلى المدينة وبها حفظ القرآن وغيره ثم إلى مكة وبها
سكن واشتغل على علي بن الجمال وعلى محمد بن أبي بكر الشلبي في سنة
اثنتين وسبعين وألف إلى وقت تأليف الكتاب وجد في تحصيل المكارم
والفضائل حتى بلغ الغايات ولبس الخرقة عن والده وعن المحبوب ولازمه
وصحبه مدة وله نظم حسن. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف.
ومات الحسيب النسيب السيد محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن
عبد الله بن شيخ بن عبدالله بن شيخ العيدروس ولد بتريم وبها نشأ وأخذ
عن السيد عبد الله بافقيه وعن والده وعنه أخذ السيد شيخ العيدروس
وغيره. توفي ثامن عشر شوال سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن عبد الرحمن المغربي ناظم
كتاب الشفا والمنظومة المسماة درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان. توفي
سنة أحدى وأربعين ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة الشيخ علي العقدي الحنفي ولد سنة
سبع وخمسين وألف أدرك الشمس البابلي وشملته اجازته وأخذ الفقه عن السيد
الحموي وشاهين الارمناوي وعثمان النحراوي والمعقول
ج / 1 ص -137-
عن الشيخ سلطان المزاحي وعلي الشبراملسي
ومحمد الحبار وعبد القادر الصفوري ولازم عمه العلامة عيسى بن علي
العقدي وتفقه به وبالبرهان الوسيمي والشرف يحيى الشهاوي وعبد الحي
الشرنبلالي ولازمه في الحديث والعلوم العقلية أكابر عصره كالشهاب أحمد
بن عبد اللطيف اليشبيشي والشمس محمد بن محمد الشرنبابلي والشهاب أحمد
بن علي السندوبي وأخذ عنه الشمائل وغيرها واجتهد وبرع واتقن وتفنن
واشتهر بالعلم والفضائل وقصدته الطلبة من الاقطار وانتفعوا به وكان
كثير التلاوة للقرآن وبالجملة فكان من حسنات الدهر ونادرة من نوادر
العصر. توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن ست
وسبعين سنة وأشهر.
ومات الإمام العلامة الشيخ محمد الحماقي الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين
وألف وتوفي بنخل وهو متوجه إلى الحج في شهر القعدة سنة أربع وثلاثين
ومائة وألف.
ومات الإمام المحدث العلامة والبحر الفهامة الشيخ إبراهيم بن موسى
الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله
الخرشي قرأ عليه الرسالة وشرحها وكان معيدا له فهيما وتلبس بالمشيخة
بعد موت الشيخ محمد شنن ومولده سنة اثنتين وستين وألف أخذ عن
الشبراملسي والزرقاني والشهاب أحمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي
وعلي الجزايرلي الحنفي وأخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد القادر الواطي
وعبد الرحمن الاجهوري والشيخ إبراهيم البرماوي والشيخ محمد الشرنبابلي
وآخرين وله شرح على العزية في مجلدين. توفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف
عن خمس وسبعين سنة.
ومات الجناب المكرم والملاذ المفخم محمد الدادة الشرايبي وكان إنسانا
كريم الاخلاق طيب الاعراق جميل السمات حسن الصفات يسعى في قضاء
ج / 1 ص -138-
حوايج الناس ويؤاسي الفقراء ولما ثقل في
المرض قسم ماله بين أولاده وبين الخواجا عبد الله بن الخواجا محمد
الكبير وبين ابن أحمد أخي عبد الله كما فعل الخواجا الكبير فإنه قسم
المال بين الدادة وبين عبد الله واخيه أحمد وكان المال ستمائة كيس
والمال الذي قسمه الدادة بين أولاده وبين عبد الله وابن أخيه وهم قاسم
وأحمد ومحمد جربجي وعبد الرحمن والطيب وهؤلاء أولاده لصلبه وعبد الله
بن الخواجا الكبير وابن أخيه الذي يقال له ابن المرحوم ألف وأربعمائة
وثمانون كيسا خلاف خان الحمزاوي وغيره من الاملاك وخلاف الرهن الذي تحت
يده من البلاد وفائظها ستون كيسا والبلاد المختصة به أربعون كيسا وذلك
خلاف الجامكية والوكائل والحمامات وثلاث مراكب في بحر القلزم وكل ذلك
أحداث الدادة وأصل المال الذي استلمه الدادة في الأصل من الخواجا محمد
الكبير سنة أحدى عشرة ومائة وألف تسعون كيسا لما عجز عن البيع والشراء
ولما فعل ذلك وقسم المال بين الدادة وبين عبد الله وأخيه بالثلث غضب
عبدالله وقال: هو أخ لنا ثالث فقال أبو عبدالله لا يقسم المال إلا
مناصفة له النصف ولك ولاخيك النصف وهذا الموجود كله لسعد الدادة ومكسبه
فإني لما سلمته المال كان تسعين كيسا وها هو الآن ستمائة كيس خلاف ما
حدث من البلاد والحصص والرهن والأملاك. فكان كما قال: وكان جاعلا لعبد
الله مرتبا في كل يوم ألف نصف فضة برسم الشبرقة خلاف المصروف والكساوي
له ولأولاده ولعياله إلى أن مات يوم السبت سادس عشر رجب سنة سبع
وثلاثين ومائة وألف وحضر جنازته جميع الأمراء والعلماء وأرباب السجاجيد
والوجاقات السبعة والتجار وأولاد البلد وكان مشهده عظيما حافلا بحيث أن
أول المشهد داخل إلى الجامع ونعشه عند العتبة الزرقاء وكان ذكيا فهيما
دراكا سعيد الحركات وعلى قدر سعة حاله وكثرة ايراده ومصرفه لم يتخذ
كاتبا ويكتب ويحسب لنفسه.
ج / 1 ص -139-
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة مفرد
الزمان ووحيد الأوان محمد ابن محمد بن محمد الولي شهاب الدين أحمد بن
العلامة حسن بن العارف بالله تعالى علي بن الولي الصالح سلامة بن أولي
الصالح العارف بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين أبو حامد البديري
الحسيني الشافعي الدمياطي مات جده بدير بن محمد سنة ستمائة وخمسين في
وادي النسور وحفيده حسن ممن أخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أخذ أبو
حامد المترجم عن الشيخ الفقيه العلامة زين الدين السلسلي إمام جامع
البدري بالثغر وهو أول شيوخه قبل المجاورة ثم رحل إلى الأزهر فأخذ عن
النور أبي الضياء علي بن محمد الشبراملسي الشافعي والشمس محمد بن داود
العناني الشافعي قراءة على الثاني بالجنبلاطية خارج مصر القاهرة وإمام
شرف الدين بن زين العابدين بن محي الدين بن ولي الدين بن يوسف جمال
الدين بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والمحدث المقري شمس الدين محمد بن
قاسم البقري شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الأزهر والشيخ عبد المعطي
الضرير المالكي وشمس الدين محمد الخرشي والشيخ عطية القهوقي المالكي
والشيخ المحدث منصور بن عبد الرزاق الطوخي الشافعي إمام الجامع الأزهر
والشيخ المحدث العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد
الغني الدمياطي الشافعي النقشبندي والمحقق شهاب الدين أحمد بن عبد
اللطيف البشبيشي الشافعي وحيسوب زمانه محمود بن عبد الجواد بن العلامة
الشيخ عبد القادر المحلي والعلامة الشيخ سلامة الشربيني والعلامة
المهندس الحيسوب الفلكي رضوان افندي ابن عبد الله نزيل بولاق ثم رحل
إلى الحرمين فأخذ بهما عن الإمام أبي العرفان إبراهيم بن حسن بن شهاب
الدين الكوراني في سنة أحدى وتسعين وألف والسيدة قريش واختها بنت
الإمام عبد القادر الطبري في سنة اثنتين وتسعين وألف روى وحدث وافاد
واجاد أخذ عنه الشيخ
ج / 1 ص -140-
محمد الحنفي وبه تخرج واخوه الجمال يوسف
والشيخ العارف بالله تعالى السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وهو من
اقرانه والفقيه النحوي الأصولي محمد بن يوسف الدنجيهي الشافعي والعلامة
عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن البشبيشي الشافعي الدمياطي ومصطفى بن
عبد السلام المنزلي. توفي المترجم أبو حامد بالثغر سنة أربعين ومائة
وألف.
ومات العلامة الهمام محمد بن أحمد بن عمر الأسقاطي الأزهري نزيل ادلب
كان جل تحصيله بمصر على والده وبه تخرج وتفنن وصار له قدم راسخ وله
مشايخ آخرون ازهريون وحصل بينه وبين والده نزاع في أمر اوجب خروجه إلى
بر الشام فلما نزل ادلب تلقاه شيخ العلماء بها أحمد ابن حسين الكاملي
فانزله عنده وأكرمه غاية الاكرام وأرشد الطلبة إليه فانتفعوا به جدا
ولم يزل مفيدا على أكمل الحالات حتى مات سنة تسع وثلاثين ومائة وألف.
ومات الشيخ العلامة الزاهد الياس بن إبراهيم الكوراني الشافعي ولد
بكوران سنة أحدى وثلاثين وألف وأخذ العلم بها عن عدة مشايخ وحج ودخل
مصر والشام وألقى بها عصا التسيار عاكفا على اقراء العلوم العقلية
والنقلية وكان على غاية من الزهد وروى عنه شيوخ العصر كالشيخ أحمد
الملوي والشهاب أحمد بن علي المنيني وله المؤلفات والحواشي. توفي بدمشق
بمدرسة جامع العراس بعد العصر من يوم الأربعاء لاربع عشرة ليلة بقين من
شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من
قبر الشيخ نصر المقدسي رحمه الله.
ومات الإمام العالم العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن علي المعمر
الكاملي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وأربعين وألف وأخذ العلم عن
جماعة كثيرين وروى وحدث وانتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا وإذا عقد
مجلس الوعظ تحت قبة النسر غصت اركانها الأربعة بالناس.
ج / 1 ص -141-
وكان يحضره في دروس الجامع الصغير كثير من
الافاضل وتزدحم عليه الناس العوام لعذوبة تقريره روى عنه ولده عبد
السلام ومحمد بن أحمد الطرطوسي والشيخ أبو العباس أحمد المنيني. توفي
في منتصف القعدة سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأستاذ بقية السلف الشيخ مصلح الدين بن أبي الصلاح عبد الحليم بن
يحيى بن عبد الرحمن بن القطب سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس سره جلس على
سجادة أبيه وجده وكان رجلا صالحا مهيبا مجذوبا. توفي يوم الثلاثاء تاسع
ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وألف ولم يعقب إلا ابنته وابن عمة له
وهو سيدي عبد الرحمن استخلف بعده وابن اخت له من إبراهيم جربجي
باشجاويش الجاويشية جعلوا لكل منهم الثلث في الوقف وحرر الفائظ اثني
عشر كيسا.
ومات الأستاذ المجذوب الصاحي الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الروحي الضماطي
الشناوي الجمال كان والده جمالا من اتباع المشايخ الشناوية وحفظ القرآن
بالذكر والعبادة إلى أن حصل له جذبة وربما اعتراه استغراق وكان من
أكابر الأولياء أصحاب الكرامات. توفي في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة
وألف.
ومات الأستاذ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي
الشافعي الشهير بالبناء خاتمة من قام باعباء الطريقة النقشبندية
بالديار المصرية ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية ولد بدمياط ونشأ
بها وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على علماء عصره ثم ارتحل إلى القاهرة
فلازم الشيخ سلطان المزاحي والنور الشبراملسي فأخذ عنهما القراءات
وتفقه بهما وسمع عليهما الحديث وعلى النور الاجهوري والشمس الشوبري
والشهاب القليوبي والشمس البابلي والبرهان الميموني وجماعة آخرين
واشتغل بالفنون من الدقة والتحقيق غاية قل أن يدركها
ج / 1 ص -142-
أحد من أمثاله ثم ارتحل إلى الحجاز فأخذ
الحديث عن البرهان الكوراني ورجع إلى دمياط وصنف كتابا في القراءات
سماه اتحاف البشر بالقراءات الأربعة عشر ابان فيه عن سعة اطلاعه وزيادة
اقتداره حتى أن الشيخ أبو النصر المنزلي يشهد بانه ادق من ابن قاسم
العبادي واختصر السيرة الحلبية في مجلد وألف كتابا في اشراط الساعة
سماه الذخائر المهمات فيما يجب الايمان به من المسموعات وارتحل أيضا
إلى الحجاز وحج وذهب إلى اليمن فاجتمع بسيدي أحمد بن عجيل ببيت الفقيه
فأخذ عنه حديث المصافحة من طريق المعمرين وتلقن منه الذكر على طريق
النقشبندية وحل عليه أكسير نظره ولم يزل ملازما لخدمته إلى أن بلغ مبلغ
الكمال من الرجال فاجازه وأمره بالرجوع إلى بلده والتصدي للتسليك
وتلقين الذكر فرجع وأقام مرابطا بقرية قريبة من البحر المالح تسمى
بعزبة البرج واشتغل بالله وتصدى للارشاد والتسليك وقصد للزيارة والتبرك
والاخذ والرواية وعم النفع به لا سيما في الطريقة النقشبندية وكثرت
تلامذته وظهرت بركته عليهم إلى أن صاروا ائمة يقتدى بهم ويتبرك
برؤيتهم. ولم يزل في اقبال على الله تعالى وازدياد من الخير إلى أن
ارتحل إلى الديار الحجازية فحج ورجع إلى المدينة المنورة فادركته
المنية بعد شيل الحج بثلاثة أيام في المحرم سنة سبع عشرة ومائة وألف
ودفن بالبقيع مساء رحمه الله.
واما من مات في هذه الاعوام من الأمراء المشاهير فلنقتصر على ذكر بعض
المشهورين مما يحسن ايراده في التبيين إذ الأمر اعظم مما يحيط به
المجيد فلنقتصر من الحلى على ما حسن بالجيد ما وصل علمه إلي وثبت خبره
لدي إذ ! في أحوالهم متعذر والدواء من غير حمية غير متيسر ولم اخترع
شيئا من تلقاء نفسي والله مطلع على أمري وحدسي.
ج / 1 ص -143-
مات الأمير ذو الفقار بك تابع الأمير حسن
بك الفقاري تولى الصنجقية وامارة الحج في يوم واحد وطلع بالحج أحدى
عشرة مرة وتوفي سنة اثنتين ومائة وألف.
ومات ابنه الأمير إبراهيم بك تولى الإمارة بعد أبيه وطلع اميرا على
الحج سنة ثلاث ومائة وألف وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة
فكانت معركة عظيمة وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين فركب عليهم هو
ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الاحمر وساقوا منهم نحو ألف
بعير ونهب بيوتهم واحضر الجمال إلى قراميدان واحضر أيضا بدنة اخرى
شالوا معهم الغلال والقافلة. وولى من طرفه إبراهيم اغا الصعيدي زعيم
مصر اخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في
أمن وامان. وتاقت نفسه للرئاسة ولا يتم له ذلك إلا بملك باب مستحفظان
وكان بيد القاسمية فاعمل حيلة بمعاضدة حسن اغا بلغيه واغراء علي باشا
والي مصر حين ذاك فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم افندي صناجق ثم عملوا
دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الأمر على حبسه وقتله. فلما راى
رجب بك ذلك ذهب إلى إبراهيم بك واستعفى من الإمارة فقلدوه سردار جداوي
وسافر من القلزم وتوفي بمكة وخلف ولدا اسمه باكير حضر إلى مصر بعد ذلك
ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال
وأخذوا جميع ما في بيته الذي بالازبكية المجاور لبيت الدادة أبي القاسم
الشرايبي وهو الذي اشتراه القاضي مواهب أبو مدين جربجي عزبان في سنة
أربع ومائة وألف. وقتلوا أيضا خليل كتخدا المعروف بالجلب وقلدوا كجك
محمد باش اوده باشا وصار له كلمة وسمعة ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي إلى
أرض الحجاز. وصفا الوقت لإبراهيم بك وكجك محمد من طرفه في باب مستحفظان
فعزم على قطع بيت القاسمية فاخرج ايواظ
ج / 1 ص -144-
بك إلى اقليم البحيرة وقاسم بك إلى جهة بني
سويف وأحمد بك إلى المنوفية. وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار
منزله بدرب الجماميز مفتوحا ليلا ونهارا لقضاء الحوايج مع مشاركة
الأمير حسن اغا بلغيه ثم أنه عزم على قتل إبراهيم بك أبي شنب واتفق مع
الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه فلم يتم ذلك ولم يزل
المترجم اميرا على الحج إلى أن مات في فصل الشحاتين سنة سبع ومائة وألف
وطلع بالحج خمس مرات.
ومات الأمير إسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن
اغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة أشهر ثم عزل وسافر أميرا
على عسكر السفر إلى الروم ورجع إلى مصر واعيد إلى الدفتردارية ثانيا
ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة وألف فجأة ليلة السبت تاسع عشري
المحرم وكانت جنازته حافلة وخلف ولده محمد بك تولى بعده الإمارة وطلع
بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأمير حسن اغا بلغيه الفقاري اغات ككللويان واصله رومي الجنس
تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثماني وألف ثم عمل
متفرقة باشا سنة تسع وثمانين وألف ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة
ثلاث وتسعين وألف وكان أميرا جليلا ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة
بارض مصر صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير ولا يكاد يتم أمر من الأمور
الكلية والجزئية إلا بعد مراجعته ومشورته وكل من انفرد بالكلمة في مصر
يكون مشاركا له وتزوج بابنه إسمعيل بك الكبير المذكور آنفا وولد له
منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى إمارة الحج في سنة وثلاثين
ومائة وألف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان أصله سراجا عنده
وهو الذي رقاه حتى صار إلى ما صار إليه. وتفرعت عنه شجرة القازدغلية
وغالب أمراء مصر
ج / 1 ص -145-
وحكامها يرجعون في النسبة إلى أحد البيتين
وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين وألف.
ولم يترك أولادا بل ترك حسن بك أمير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم
الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة إليه وأحمد بك اباظه وشعبان بك أبا
سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك هؤلاء قتلوا
بعده في فتنة القاسمية بالطرانة. واما أمراؤه الذين يقتلوا واستمروا
أمراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي
الكبير وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة تولى إمارة الحج
عدة سنين وكان رجلا صالحا ملازما للصوم والعبادة والذكر وهو الذي عمر
القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته ووقف وقفا على عتقائه وعلى
جهات بر وخيرات وكان من الفقارية. واما رضوان بك أبو الشوارب القاسمي
وهو سيد ايواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر
مع مشاركة قاسم بك جركس وأحمد بك بشناق الذي كان بقناشر السباع وهو
قاتل الفقارية بالطراثة وهو أيضا عم إبراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب
سيد محمد جركس الآتي ذكره. ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين وألف
وهو دفتردار بعد عزله من إمارة الحج وانفرد بعد رضوان بك أبي الشوارب
أحمد بك. ثم مات رضوان بك عن ولده ازبك بك وانفرد أحمد بك بشناق بامارة
مصر نحو سبعة أشهر فطلع يوم عرفه يهني شيطان إبراهيم باشا بالعيد فغدره
وقتلوه بالخناجر أواخر سنة اثنتين وسبعين وألف ولم يزل حسن اغا بلغيه
المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه وعمره نحو تسعين
سنة. ولما مات حسن اغا انفرد بالكلمة بعده صهره إسمعيل بك وخضعت له
الرقاب مشاركة إبراهيم بك أبي شنب بضعف.
ومات الأمير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع لامير حسن اغا بلغيه أصله
ج / 1 ص -146-
رومي الجنس حضر إلى مصر وخدم عند حسن اغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى
تقلد كتخدا مستحفظان فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش اوده باشا
بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد إلى الحجاز
فأقام بها سنتين إلى أن ترجى حسن إنما عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك
محمد في رجوعه فردوه إلى مصر فأقام مع كجك محمد خاملا فاغرى به رجلا
سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشابا فضرب كجك محمد من شباك الجامع
بالمحجر فاصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل
وفرق من يخشى طرفه وصفا له الوقت إلى أن مات على فراشه سنة خمس عشرة
ومائة وألف.
ومات كجك محمد المذكور باش اوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة.
ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة وألف وشرقت البلاد وكان القمح بستين
نصفا فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة نزل كجك محمد إلى
بولاق وجلس بالتكية واحضر الامناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم
وحذرهم واجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين أو ثلاثة
مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون أن كجك محمد ببولاق فلا
يمنكهم زيادة في الغلة. فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة
نصف فضة ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة. ومما اتفق له أن بعض
التجار بسوق الصاغة أراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات
واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمة ووضعه في صندوق وأودعه عند صاحب له بسوق
مرجوش يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة اخذها معه مع مفتاح
الصندوق وسافر إلى الحجاز وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه
احبابه وأصحابه للسلام عليه. وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته
فسأل عنه فقيل له: إنه طيب بخير فأخذ شيئا من التمر واللبان والليف
ووضعه في
ج / 1 ص -147-
منديل وذهب إليه ودخل عليه ووضع بين يديه
ذلك المنديل فقال له: من أنت فإني لا اعرفك قبل اليوم حتى تهاديني.
فقال له: أنا فلان صاحب الصندوق الامانة فجحد معرفته وانكر ذلك بالكلية
ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك فطار عقل الجوهري وتحير في امره
وضاق صدره فأخبر بعض أصحابه فقال له: اذهب إلى كجك محمد اوده باشه.
فذهب إليه واخبره بالفضة فأمره أن يدخل إلى المكان الداخل ولا يأتي
إليه حتى يطلبه وأرسل إلى علي الفيومي. فلما حضر إليه بش في وجهه ورحب
به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان فأخذها من يده يقلبها
ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة واعطاها لخادمه وقال له: خذ خادم
الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم إلى
بيته وقف عند باب الحريم واعطهم السبحة إمارة وقل لهم أنه اعترف
بالصندوق والامانة. كلما رأوا الإمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك
وعندما رجع كجك محمد إلى مجلسه قال للخواجا: بلغني أن رجلا جواهرجي
اودع عندك صندوقا امانة ثم طلبه فأنكرته. فقال: لا وحياة راسك ليس له
أصل وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان وذهلان ولا اعرفه قبل ذلك ولا
يعرفني. ثم سكتوا وإذا بتابع الأوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار
فوضعوه بين ايديهما فامتنع وجه الفيومي واسفر لونه فطلب الأودة باشه
صاحب الصندوق فحضر فقال له: هذا صندوقك قال له: نعم. قال له: عندك
قائمة بما فيه قال: معي.
وأخرجها من جيبه مع المفتاح فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما
فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام. فقال له: خذ متاعك واذهب.
فأخذه وذهب إلى داره وهو يدعو له ثم التفت إلى الخواجا علي الفيومي وهو
ميت في جلده ينتظر ما يفعل به فقال له: صاحب الامانة اخذها وأيش جلوسك
فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب.
ج / 1 ص -148-
واتفق أن أحمد البغدادي أقم مدة يرصد
المترجم يمر من عطفه النقيب ليضربه ويقتله إلى أن صادفه فضربه
بالبندقية من الشباك فلم تصبه وكسرت زاوية حجر واخبروه انها من يد
البغدادلي فاعرض عن ذلك وقال: الرصاص مرصود والحي ماله قاتل. وتقلد باش
اوده باشه سنة خمس وثمانين وألف فتحركت عليه طائفته وارادوا قتله فخرج
من وجاقه إلى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو
الفقار كتخدا وشريف أحمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي إذ ذاك
خفية فقتل الباشا الشريف أحمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع
وثمانين وألف وهرب ذو الفقار إلى طندتا فأرسلوا خلفه فرمانا خطابا
لاسمعيل كاشف الغربية بقتله فركب إلى طندتا وقتله وأرسل دماغه وذلك بعد
موت أحمد جاويش بعشرة أيام ورجع كجك محمد إلى مكانه كما كان واستمر
مسموع الكلمة ببابه إلى أن ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان في
سنة أربع وتسعين وألف. ونفى كجك محمد إلى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس
وتسعين وألف بسعاية بعض أكابر البلكات بشرط أن يرجع إلى لبس الضلمة ولا
يقارش في شيء فاستمر خامل الذكر إلى أن مات جربجي سليمان على فراشه
فعند ذلك ظهر أمر المترجم وعمل باش اوده باشا كما كان ولم يزل إلى سنة
سبع وتسعين وألف فاستوحش من سليم افندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا
فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه
سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري واتفق معه على
هلاك سليم افندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان
سليم افندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ
الحرمة إلى أن قتل غيلة كما ذكر في طريق المحجر في يوم الخميس سابع
المحرم سنة ست ومائة وألف.
ج / 1 ص -149-
ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار تولى الدفتردارية سنة ثلاث
ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يوما وسافر اميرا على
العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا
السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك
المترجم من الدفتردارية واستمر اميرا إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة
وألف على فراشه.
ومات الأمير سليمان بك الارمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة
اثنتين ومائة وألف وكان وجيها ذا مال وخدم ومماليك وتولى كشوفيات
المنوفية والغربية مرارا عديدة ولم يزل في إمارته إلى أن توفي على
فراشه سنة أحدى وعشرين ومائة وألف وخلف ولدا يسمى عثمان جلبي تقلد
إمارة والده بعده وكان جميلا وجيها حاذقا يحب مطالعة الكتب ونشد
الأشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة وكان فارسا شجاعا ولم
يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة سبع وعشرين ومائة
وألف فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفيا إلى أن مات بالطاعون سنة
ثلاثين ومائة وألف وخرجوا بمشهده جهارا ومات وعمره سبع وثلاثون سنة.
ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة
ومائة وألف فمكث خمس سنوات اميرا ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست
عشرة ومائة وألف ومات قبله سيده الأمير يوسف بك القرد تولى الصنجقية
سنة ثلاث وسبعين وألف وتولى إمارة الحج ولم يزل حتى توفي سنة عشر وألف.
ومات الأمير رمضان بك تولى الإمارة سنة سبع وسبعين وألف وعمل قائمقام
عندما عزل أحمد باشا الدفتردار وسبب ذلك أنه لما ورد أحمد باشا المذكور
واليا على مصر في سنة ست وثمانين وألف واشيع عنه بأن
ج / 1 ص -150-
قصده أحداث مظالم على البيوت والدكاكين
والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها فاجتمع العسكر في خامس
الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح افندي الشعراوي
كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان. وكان قبل تاريخه ذهب إلى
الديار الرومية وحضر صحبته أحمد باشا فاتهموه بانه هو الذي اغرى الباشا
على ذلك. ولما نزل الأمراء وأرباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة
وقالوا لهم لا بد من نزول الباشا وإلا طلعنا إليه وقطعناه قطعا. فطلعوا
إلى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد
اجتماعهم إلى قريب العصر فلم يسعه إلا النزول بالقهر عنه إلى بيت حاجي
باشا بالصليبة وولوا رمضان بك هذا قائمقام. فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن
باشا في سادس جمادي الآخرة من سنة سبع وثمانين وألف ولم يزل المترجم
اميرا حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة وألف.
ومات الأمير درويش بك الفلاح تولى الإمارة سنة خمس وتسعين وألف ومات
سنة ثمان ومائة وألف.
ومات الأمير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد أيوب بك تولى الإمارة سنة
ثمان وتسعين وألف ومات سنة خمس ومائة وألف.
ومات الأمير كتخدا عزبان البيرقدار وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة
وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي وكان المترجم شهير الذكر وبيته
مفتوح وتسعى إليه الأمراء والأعيان ويقضي حوائج الناس ويسعى في
اشغالهم. وظهر في أيامه أحمد اوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش
عزبان. مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة وألف على فراشه
بمنزله ناحية المظفر.
ومات أيضا محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف
بمنزله بسوق السلاح وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا
ج / 1 ص -151-
عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة وألف.
ومات الأمير أحمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي
أن سيده حسن جربجي كان أصله صائغا ويقال له باللغة التركية قيومجي
فاشتهر بذلك وكان سيده في باب مستحفظان وأحمد هذا عزبان وكان المشارك
لأحمد جربجي في الكلمة على جاويش المعروف بظالم علي وإلى إلى أن لبس
ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة وألف ومضى عليه نحو سبعة أشهر
فانتبذ أحمد جربجي وملك الباب على حين غفلة وانزل علي كتخدا إلى
الكشيدة فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ إلى وجاق تفكجيان فسعى إليه
جماعة منهم ومن اعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بان يكون اختياريا
وضمنوه فيما يحدث منه فاستمر مع أحمد كتخدا معززا إلى أن مات ظالم علي
على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة وألف
وانفرد بالكلمة أحمد كتخدا ولم يزل إلى أن مات على فراشه بمنزله ببولاق
سنة عشرين ومائة وألف وكان سخيا يضرب بكرمه المثل وكان به بعض عرج
بفخذه الايسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو اوده باشا.
ومات الأمير الكبير المقدام ايواظ بك والد الأمير إسمعيل بك وأصل اسمه
عوض فحرفت باعوجاج التركية إلى ايواظ فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد
فابدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت ايواظ وهو جركس الجنس قاسمي
تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع ازبك بك
أمير الحاج سابقا ابن رضوان بك أبي الشوارب المشهور المتقدم ذكره تولى
الإمارة عوضا عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة وألف
وفي سنة عشر ومائة وألف. ورد مرسوم من الدولة خطابا لحسين باشا والي
مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة
قبلي ومن معه من العربان واجلائهم عن البلاد.
ج / 1 ص -152-
وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون
ويتظلمون من المذكورين فجمع حسين باشا الأمراء والاغوات وأمرهم بالتهيؤ
للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعا وأما أنت فتقيم بالقلعة لأجل تحصيل
الأموال السلطانية. ثم وقع الاتفاق على اخراج تجريدة واميرها ايواظ بك
وصحبته ألف نفر من الوجاقات ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف
نصف فضة والصغيرة ألف وخمسمائة فأجابهم إلى ذلك وجعلوا لكل نفر ثلاثة
آلاف فضة وللامير عشرة أكياس وخلع عليه الباشا قفطانا وخرج في يوم
السبت سابع عشر جمادي الأخرة بموكب عظيم ونزل بدير الطين. فبات به
وأصبح متوجها إلى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع
ويطلب الامداد فعمل الباشا ديوانا وجمع الأمراء واتفقوا على ارسال خمسة
من الأمراء الصناجق وهم أيوب بك أمير الحاج حالا وإسمعيل بك الدفتردار
وإبراهيم بك أبو شنب وسليمان بك قيطاس وأحمد بك ياقوت زاده واغوات
الأسباهية الثلاثة واتباعهم وانفارهم. فتهيأوا وسافروا ونزلوا بالجيزة
وأقاموا بها أياما فورد الخبر أن ايواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم
وفروا إلى الوجه البحري من طريق الجبل ورجع الأمراء إلى مصر. وفي شوال
نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكسبهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم
أربعة وسبعين رجلا وطلع برؤوسهم إلى الديوان ثم ورد الخبر بان جمع أبي
زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه
من الرجال واحتاط بالاموال والمواشي ولما بلغ بقية العربان ما حصل لأبي
زيد ضاقت بهم الأرض ففروا إلى الواحات وأقاموا بها مدة حتى اخربوها
واغلوها وانقطعت السيارة فالجأتهم الضرورة إلى أن هبطوا في صعيد مصر
بمحاجر الجعافرة بالقرب من اسنا وصحبتهم علي أبو شاهين شيخ النجمة.
وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك اغرى بهم عربان هوارة
فاحتاطوا بهم
ج / 1 ص -153-
ونهبوهم وأخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال
وغيرها ففروا فتبعهم خيل هوارة إلى حاجز منفلوط فتبعهم عبد الرحمن بك
ومن معه من الكشاف فاثخنوهم قتلا ونهبا وأخذوا منهم الفا وسبعمائة جمل
باحمالها. وهرب من بقي. وما زالوا كلما هبطوا ارضا قاتلهم أهلها إلى أن
نزلوا الفيوم بالغرق وافترق منهم أبو شاهين بطائفة إلى ولاية الجيزة
فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم إلى الجسر الأسود فوجدوهم عدوا إلى
المنوفية. واما ايواظ بك فإنه من حين نزوله إلى الصعيد وهو يجاهد
ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم فتلقاهم عبد الرحمن بك
فإذاقهم اضعاف ذلك وحضر ايواظ بك إلى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس
محمولة معه وطلعوا إلى القلعة وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع
السنية ونزلوا إلى منازلهم في ابهة عظيمة وتولى كشوفية الأقاليم
الثلاثة على ثلاث سنوات ورجع إلى مصر. وحضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلاد
الحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله واميرها ايواظ بك
فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز إلى العادلية وصحبته
السدادرة وسار برا في غير أوان الحج ولما وصل إلى مكة جمع السدادرة
القدم والجدد وحاربوا الشريف سعدا وهزموه وملك دار السعادة واجلس
الشريف عبد الله عوضه وقتل في الحرابة رضوان اغا ولده وكان خازنداره
وأقام بمكة إلى أيام الحج أتى إليه مرسوم بانه يكون حاكم جدة وكانت
إمارة جدة لأمراء مصر أقام بجدة وحاز منها شيئا كثيرا. وكان الوكيل عنه
بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر.
وتولى المترجم إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة وذلك
أنه اشتدت الفتنة بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا
للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة
فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه نزل ببيت
ج / 1 ص -154-
آقبراي وحارب المتترسين بجامع السلطان حسن
وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من انضم إليه من اتباع
إبراهيم بك وأيواظ بك ومماليكه فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور
وحروب. وانتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها
مشهورة من قتل ونهب وخراب اماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا
بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والاشراف واتفقوا على عزل خليل
باشا وأقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب واغوت ووالي. ووصل الخبر
إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم افرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن
معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام وصار قانصوه بك
يرسل بيولديات وتنابيه وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى
ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية فعندما وصل إليه
البيورلدي قام وقعد واحتد واشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء
والصناجق والاغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل
أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه وخرج أيوب بك هاربا وكذلك منزل
أحمد اغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضا محمد اغا الشاطر وعلي جلبي
الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام وخرج
محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين وبيت محمد بك
الكبير وأحمد جربجي القنيلي واحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت
والحوانيت والرباع. وفي اثناء ذلك خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج
محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى ايواظ بك فركب مع
من معه ورفع القواس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر
فقالوا للصنجق كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال لعل بموتي ينصلح
الحال. وطلب مزراقا آخر وسار إلى جهة القبر الطويل فظهر
ج / 1 ص -155-
محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم فانهزم
رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق فطمع فيهم ايواظ بك ورمح خلفهم
وكان محمد بك اجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند
الانهزام فرموا عليهم رصاصا فأصيب ايواظ بك وسقط من على جواده. وحصل
بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل
الباشا ودفن ايواظ بك بتربة أبي الشوارب وكان اميرا خيرا شهما حزن عليه
كثير من الناس. وخلف ولده السعيد البشهيد إسمعيل بك الشهير السابق ذكره
والآتي ترجمته وما وقع له ولاخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك
وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار وغيره.
ومات الأمير أيوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في اثارة الفتننة
المذكورة وتولى كبرها مع افرنج أحمد وأرسل إلى محمد بك جرجا فحضر إليه
معينا ومعه من ذكر من اخلاط العالم وحصل ما حصل وأصله جركس الجنس ومن
الفقارية تولى إمارة الحج بعد موت إبراهيم بك ذي الفقار سنة سبع ومائة
وألف وطلع بالحج عشر مرات وعزل سنة سبع عشرة ومائة وألف وتولى
الدفتردارية ثم عزل عنها وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هاربا مع
من هرب إلى جهة الشام وذهب إلى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة أربع
وعشرين ومائة وألف طريدا غريبا وحيدا بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر
وخلف من الأولاد الذكور الإناث اثني عشر لم ينتج منهم أحد عاشوا وماتوا
فقراء لأن ماله انتهب في الفتنة.
ومات الأمير قيطاس بك وهو مملوك إبراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس تولى
إمارة الحج سنة سبع عشرة ومائة وألف واستمر فيها إلى سنة أحدى وعشرين
ومائة وألف طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى
ج / 1 ص -156-
الدفتردارية واستمر فيها إلى سنة أربع
وعشرين ومائة وألف ثم عزل عنها وتولى إمارة الحج سنة تاريخه ثم عزل
وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها إلى أن قتل في سنة ست وعشرين ومائة
وألف قتله عابدي باشا وذلك أنه لما حضر عابدي باشا إلى مصر وقدم له
الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك ابن ايواظ تقدمة عظيمة وكان إذ ذاك
امين السماط فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل أبيه فقالوا هذه قضية
ليس لاحد فيها جنية وإنما قيطاس بك وأيوب بك من بيت واحد وكان أيوب بك
اعظم فالتجأ قيطاس بك إلى المرحوم ايواظ بك إلى أن قتل بسببه وقتل أيضا
كثير من رجاله. وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا واراد قتلنا عند ام
اخنان وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم اذنابها. فقال الباشا
يكون خيرا. ولما استقر الباشا وتقلد إسمعيل بك إمارة الحج وقلدوا مناصب
الأقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار ايواظ بك الصنجقية
وأرسلوا بقتل الأمير حسن كاشف اخميم. ثم أن قيطاس بك أرسل كور عبد الله
سرا إلى الباشا وكلمه في ادارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة فقال
له: هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات فاطمأن بذلك
وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني فأجاب لذلك وذهب مع القاضي
وإبراهيم بك الدفتردار وأرباب الخدم وقدم لهم تقادم وخلع عليه الباشا
فروة سمور وركبوا أواخر النهار وذهبوا إلى منازلهم. ومضى على ذلك أيام
وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام فحضر في بعض
الأيام إلى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له: اين كنت ولم تحضر
معنا عزومة سيدك. فقال أنا في الخفر بسبيل علام. فقال الباشا وسبيل
علام هذا بلد والاقلعة فعرفه أنه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الأمراء.
فقال الباشا احب أن ارى ذلك. فقال حبا وكرامة تشرفونا يوم السبت. فقال:
كذلك
ج / 1 ص -157-
شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير
زيادة وادع أنت من شئت. وقال الباشا لقيطاس بك: تنزل في صبح يوم السبت
إلى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبته. فقال كذلك. فأرسل إبراهيم أبو
شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك أقبل النصيحة ولا تذهب إلى قراميدان.
فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخداه محمد اغا الكور فقال هذا عدو فلا
تأخذ منه نصحية فإنه لا يحب قربك من الباشا. وفي الصباح ركب في قلة
وذهب إلى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك وأوقف اتباعه وعسكره.
فلما حضر قيطاس بك قال له: الباشا من الشباك اطلع حتى يأتي القاضي
ونركب سوية وخل الطوائف راكبين. فنزل وطلع وجلس فهجم عليه اتباع الباشا
وقتلوه بالخناجر وقطعوا راسه ورموه لطائفته من الشباك. وركب الباشا في
الحال وطلع إلى القلعة. فشاله اتباعه وذهبوا إلى بيته وذهبت طائفة إلى
سبيل علام اخبروا محمد بك بقتل سيده فركب من ساعته وصحبته عثمان بك
فاتوا صيوان قيطاس بك الاعور وكان طالعا بالخزينة فعرفوه أن سيده قتله
القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم ياخذون بثأره فأتى وقال: إنه قتل
بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وانتم فيكم البركة فساروا إلى بيت
أستاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد
الله جاويش واحضروا راس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل
المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وعثمان بك سليمان
بك بارم ذيله ولم يتم له أمر وهرب محمد بك إلى بلاد الروم وسيأتي خبره
في ترجمته واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان إبراهيم بك
أبو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفا وثارت فتنة عظيمة بعد قتل قيطاس بك
بين الينكجرية والعزب وهو أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد
الله جاويش أغراض
ج / 1 ص -158-
قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم
في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين وإبراهيم باش اوده باشه
المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك. ثم في أواخر رمضان ملك
باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثأر أخيه حسين وقتل
حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وانزلوا رممهما في صبحها إلى
بيوتهم وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام واحضروه وهو راكب
على حصان وفي عنقه جنزير وعلى راسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى
الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق
السلاح وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف.
ومات الأمير عبد الرحمن بك وكان أصله كاشف الشرقية وكان مشهورا
بالفروسية والشجاعة قلده الإمارة إسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة
وألف هو ويوسف بك المسلماني. فانه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم
الباشا أموالا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات فلما انقضى الفصل
عمل عرسا عظيما لختان أولاده في سنة ثمان ومائة وألف وهادنه الأعيان
والأمراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهما عظيما استمر عدة أيام لم
يتفق نظيره لاحد من ولاة مصر نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الاحمال
والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وانواع الزينة
ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية وعلقوا التعاليق بها وخيام
تركية واتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر ووقف
أرباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية واغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش
الينكجرية والعزب والاغا والوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة
وملاقاة المدعوين وفي اوسلعهم الحازم الزردخان وابو اليسر الجنكي ملازم
بديوان الغوري ليلا ونهارا وجنك اليهود بديوان قايتباي
ج / 1 ص -159-
وأرباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة
بالحيشان وابواب القلعة مفتوحة ليلا ونهارا وأصناف الناس على اختلاف
طبقاتهم واجناسهم أمراء واعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة
ليلا ونهارا. وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من أولاد
الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم ودعوا في أول يوم المشايخ والعلماء
وثاني يوم أرباب السجاجيد والرق وثالث يوم الأمراء والصناجق ثم الأغوات
والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الأبواب كل طائفة يوم
مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين
والقوافين ومغاربة طيلون وأرباب الحرف ومجاوري الأزهر والعميان بوسط
حوش الديوان غدوا وعشيا. ثم خلع الخلع والفراوي وانعم بحصص وعتامنة على
أرباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وأرباب الملاهي والبهلوانيين
والطباخين والمزينين وانعامات وبقاشيش. ولما تم وانقضى المهم قال
الباشا لإبراهيم بك وحسن افندي وكانا خصيصين به: أريد أقلد إمارة
صنجقين لشخصين يكونان اشراقين ويكونان شجاعين قادرين. فوقع الاتفاق على
يوسف اغا المسلماني وعبد الرحمن اغا كاشف الشرقية. هذا وكان ضرب هلباسو
يد قبل تاريخه واشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد وعملوا لهما
رنك وسعاة ونزلت لهما الأطواغ والبيارق والتوبة وحضرت لهما التقادم
والهدايا ولبسا الخلع. ثم إن الباشا أنشأ له تكية في قراميدان ووقف سبع
بلاد من التي أخذها من المحاليل في اقليم البحيرة وهي امانة البدرشين
وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة أبي صبر الصدر وناحية
شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز وجعل
الناظر على ذلك خازنداره وارخى لحيته واعطاه قائظ وعتامنة في دفتر
العزب وقلده جربجي تحت نظر أحمد كتخدا القيومجي وأرسل كتخداه قرا محمد
اغا إلى اسلامبول لتنفيذ
ج / 1 ص -160-
ذلك وسافر على الفور. وعندما وصل إلى
اسلامبول أرسل مقررا لمخدومه على سنة تسع ومائة وألف صحبة أمير اخور
فوصل إلى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر إلى الديوان. وبعد انفضاض
الديوان دخل الأمراء الكبار وهم إبراهيم بك أبو شنب وأيواظ بك وقانصوه
بك وإسمعيل بك الدفتردار للتهنئة ولم يدخل حسن اغا بلغيه والاغوات وعبد
الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك أبو يدك
وكامل الفقارية فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية
وقال لإبراهيم بك: أنا أكثر عتابي على اشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك
وحيث انهما فعلا ذلك أنا اطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية وأربعين
كيسا. فلاطفه إبراهيم بك وحسن افندي فلم يرجع وأمر بكتابة فرمانين
وأرسلهما إلى الأميرين المذكورين بطلب أربعة وعشرين كيسا من كل امير.
فقال عبد الرحمن بك أنا لم اطلب هذه البلية حتى ياخذ مني عليها هذا
القدر. ولما حضر الأغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب إلى عبد
الرحمن بك معا إلى حسن اغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا. وكانوا
تخيلوا منه الغدر بهم ونزل إلى بيت كان اشتراه من عتقي عثمان جربجي مطل
على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد
التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال
والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد.
وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر
بعضه في ترجمة ايواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر
إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا واغوات
ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك باتباعه
ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور
وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة
ج / 1 ص -161-
المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو
قرا محمد كتخدا إسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره وفي نفسه من المترجم
ما فيها بسبب مخدومه فإنه هو الذي سعى في عزله وابطال وقفه وانسلخ من
الفقارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه ذلك وسعوا في
عزله من جرجا ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا
لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه
الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن اغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم
بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب
لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد
الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري ووكلوا وجاق الينكجرية في
خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه القازدغلي
وحسن اغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما
أرادوا من الرابطة والتعصيب فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع
وقال للاغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف اطلع بعد الديوان أقابله.
فنزل إليه كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم
فقال أنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير
حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئا أخذه وسوف أتوجه للدولة
بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن اغا بلغيه والقازدغلي واضمن لهم
فتوح مصر وقطع الجبابرة فلاعفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع
مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم واثباتهم
وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله
بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة.
فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: أنا
لست
ج / 1 ص -162-
بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت
القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار
فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. واجتمع عند عبد الرحمن بك
اغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره
وخرج من منزله ماشيا واراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء
فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الحازندار فرده وقالا
له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا
بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع
الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى
المنارة ورموا بالرصاص فاصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان
الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان
يحبه فطلع إلى المقعد فاصيب أيضا ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة
وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من
طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا إلى
المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم
للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا
الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت
امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا
فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش
وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع
الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد
الروم.
ومات الأمير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية مستحفظان في
ج / 1 ص -163-
سنة ثمان ومائة وألف وفي سنة اثنتي عشرة
وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا أمر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود
الديواني وإن وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال
الناس. فاجتمع أهل الأسواق ودخلوا الجامع الأزهر وشكوا أمرهم للعلماء
وألزموهم بالركوب إلى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه إلى
محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الأشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية
في بيت حسن أغا بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب
وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الأمراء
الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب الأشراف وكبار العلماء. وطلب جوابا
كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية تلك
الليلة. واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على ابطال
المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن
من الصيارف وإن صرف الكلب بثلاثة وأربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي
بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك
الأسعار. وشرط عليهم ابطال. الحمايات وعدم معارضته في شيء. وكل من مسك
ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون ويركب
بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الأبواب. وأخبروا
الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا
واعطوهما لعلي آغا فطلع إلى الباب واحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ
الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة أوراق
بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات
بأثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة وأربعة جدد والمكرر الشفاف
بثمانية فضة وأربعة جدد والشمع االسكندري باربعة عشر فضة
ج / 1 ص -164-
والعسل الشهد بستة انصاف والسقر بثلاثة
وأربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد
بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة وأربعة والمزهر
بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين وأربعة
جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف
وأربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد
والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة
انصاف فضة والوادي بنصفين وأربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد
والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين
الرطل والجبن المصلوق بنصف وأربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد
الرطل والعيش العلامة خمسة أواق بجديدين والكشكار ستة أواق بجديدين.
وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الأغا بقفل الصاغة ومسبك
النحاس وأمر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر
شيخ الصيارفة وأمرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها
بفضة وجدد نحاس وأعلمهم أنه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من
وجد حانوته خاليا من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره. وكتب القائمة
بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها. وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة
أربع عشرة ومائة وألف وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة
وإمامه القابجية والملازمون والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة
بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء
عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل
حارة يقف مقدار نصف ساعة. وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة
زياتين وجرار لحم خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ
ج / 1 ص -165-
القبانية بان لا أحد يزن في بيت زيات سمنا
ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار
المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو
تاجرا أو قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف أو يموت وغالبهم
لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد. ولم يقف أحد في طريقه سواء
كان خيالا أو حمارا أو قرابا إلا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت
لم تستطع امرأة أن تطل من طاقة واتفق أن إسمعيل بك الدفتردار صادفه
بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الأغا فقيل له: أنت
صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى
يعتبر خلافنا. وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا
كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في
جمادى الأولى سنة تسع عشرة ومائة وألف وتولى أحمد اغا ابن باكير أفندي
ثم تولى في أيام الواقعة الكبيرة في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين
ومائة وألف ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة
وذلك أنه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من
السجود فلما أبطأ حركوه فإذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب
الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وتولى بعده في اغاوية
مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب
بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة أشهر. ولما مات
علي اغا وتولى هذا الأغا عملوا تسعيرة أيضا وجعلوا صرف الذهب البندقي
بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة
وأربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال
والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وإن لاتباع الأبرار الضرب
وقفل دكاكين الصواغين.
ج / 1 ص -166-
ومات الأمير الكبير إبراهيم بك المعروف
بأبي شنب وأصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الإمارة
والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الأمراء الكبار المعدودين تولى إمارة
الحج سنة تسع وتسعين وألف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه
لامور وقعت له مع العرب باغراء بعض أمراء مصر. وسافر أميرا على العسكر
المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة أربع وألف. ولما ركب بالموكب خرج
إمامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لأنه كان محسنا لهم ويعرفهم
بالواحد. وكان إذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة اخرى
يقول له: أخذت نصيبك في المحل الفلاني. ثم رجع إلى مصر في شهر ذي الحجة
وطلع إلى الأسكندرية ووصل خبر قدومه إلى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم
دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا
وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون ألف فضة ولما وصل إلى الحلي
قدموه له فقبله منهم وركبه إلى داره وذهبت إليه الأمراء والأعيان
وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد
جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق
عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت
إبراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك إلى
اقليم البحيرة وقانصوه بك إلى بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. ولما
حضر إبراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق إبراهيم بك ذو الفقار مع علي
باشا المتولي إذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في
غيبته وقدرها اثنا عشر ألف إردب وأربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل إليه
الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا أنذره من
الطلوع فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله. ففات
العصر ولم يطلع فأرسل الباشا إلى درويش بك وكان خفيرا بمصر القديمة
وامره
ج / 1 ص -167-
بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين
العابدين وإلى الوالي والعسس وأوده باشا البوابة يجلس عند بيت إبراهيم
أبي شنب. واشبع ذلك وضاق خناق إبراهيم بك أبي شنب واغتنم جيرانه وأهل
حارته لاحسانه في حقهم وحضر إليه بعض أصحابه يؤانسه مثل إبراهيم جربجي
الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا وأحمد افندي روزنامجي
سابقا. فهم على ذلك وإذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء
فأخبره أن مسلم إسمعيل باشا أمير الحاج الشامي ورد إلى العادلية وأرسل
جماعة جوخدارية بقائمقامية إلى إبراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا
واعطوه التذكرة فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم. وفي التذكرة أن كان
غدا أول توت ندخل وإلا بعد غد وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان
الباشا أتى له مقرر من السلطان أحمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل
علي باشا عن مصر وولى إسمعيل باشا حاكم الشام وأرسل مسلمه بقائمقامية
إلى إبراهيم بك فسأل الصنجق أحمد افندي عن أول توت فأخبره أن غدا أول
توت. فقال لأحمد كاشف الاعسر: خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة
والجوخدارية ومشعلين واذهبوا إلى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر.
ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار:
دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا: لا حول
ولا قوة إلا بالله أن الصنجق اختل عقله عارف أنه ميت ويدق النوبة. ولما
طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه
وصحبته الأغا وطلع إلى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر إليهم كتخدا
الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال
لا اله إلا الله. وتعجب في صنع الله ثم قال: هذا الرجل يأكل رؤوس
الجميع. ودخلوا إليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل إلى داره ووصل الخبر
إلى إسمعيل بك الدفتردار فركب
ج / 1 ص -168-
اسمعيل بك إلى إبراهيم ذي الفقار أمير
الحاج فركب معه بباقي الأمراء وذهبوا إلى إبراهيم بك يهنوه وكذلك بقية
الأعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط. وتولى المترجم
الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها إلى 1121 ثم عزل وتقلد إمارة الحج ثم
أعيد إلى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل إلى أن مات بالطاعون سنة
1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره.
ومات افرنج أحمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة
والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة. وحاصلها
على سبيل الاختصار هو أن افرنج أحمد أوده باشا المذكور لما ظهر امره
بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا فلما
مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور أمر المترجم ونفذت كلمته على
أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة
وسجنوه بالقلعة وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن
اخت القازدغلي وكور عبد الله ثم أخرجوه من مصر منفيا. فغاب أياما ورجع
بنفسه ودخل إلى مصر والتجأ إلى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان
فلم يرضوا بذلك وقالوا: لا بد من خروجه إلى محل ما كان. ووقع بينهم
التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وإن يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على
كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش. وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك
فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف
كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرا إسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا
الشريف وأحمد جربجي تابع باكير أفندي وإبراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين
اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم إلى قرى الأرياف
ورمى المترجم الصنجقية ورجع إلى بابه وركب الحمار
ج / 1 ص -169-
ثانيا وصار أوده باشا كما كان. وهذا لم
يتفق نظيره ابدا وكان يقول: عندما استقر صنجقا الذي جمعه الحمار أكله
الحصان. ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم أن المنفيين المتقدم
ذكرهم حضروا إلى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع إلى
بابهم وذلك أن الوجاقات الستة وبعض الأمراء الصناجق أرادوا رجوع
المذكورين إلى باب مستحفظان وإن افرنج أحمد يلبس حكم قانونهم أو يعمل
جربجي وإن كور عبد الله اوده باشا يرجع إلى بابه ويلبس باش كما كان
فعاند افرنج أحمد وعضده أيوب بك وانضم إليهم من انضم من الاختيارية
والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وامراؤها
فرقتين وجرى ما لم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور. وطالت مدة
ذلك قريبا من ثلاثة أشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية.
وقتل في اثنائها الأمير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفا في ترجمة
المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب أيوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت
دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت
العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس
من معه وفيهم حسن كتخدا وإسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا
برؤوسهم إلى بيت قانصوه بك قائمقام ثم طافوا بها على بيوت الأمراء ثم
وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم أرسلوهم عند الغروب إلى منازلهم وذلك
في أوائل جمادى الأولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف به الذي
كان بطريق بولاق ونهبه في أيام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من
الغلال والابقار والأغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والأوز
والحمام حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه. ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله
يوسف بك الجزار في.
ج / 1 ص -170-
غيظ افرنج أحمد عمد هو أيضا إلى غيظ حسن
كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج أحمد ووقع غير
ذلك أمور يطول شرحها.
ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة 1122 ومات
ببلاد الروم ووصل خبر موته إلى مصر فقلدوا ابنه إسمعيل بك في الإمارة
عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات
متفرقة ثم اغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات
بالديار الرومية كما ذكر.
ومات الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان إنسانا خيرا له بر ومعروف
وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره أنه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة
اماكن بماله وأضافها إليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف
مضببا بالفضة وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش. ولما تمموا
صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر
من الفضة مطليات بالذهب ومشت إمامه طائفة الرفاعية بطبولهم واعلامهم
وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون
منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر
على المقام. توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من
بيته بمشهد عظيم حافل. وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده
زيادة عن عشرة آلاف إنسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين
رحمه الله.
ومات الأمير إبراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا ضرغاما وبطلا
مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف وشارك في الكلمة
أحمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل أكنجي
أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان
ج / 1 ص -171-
ألبس المترجم باش أوده باشه وذلك في 1123
فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127
خمدت بموته كلمة أحمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه
إبراهيم جربجي الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن
أرباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وادرك
من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الأكابر والأصاغر
الغاية وكان يخشاه أمراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية
مع جلالة قدره. وسبب تسميته بالصابونجي أنه كان متزوجا بابنة الحاج عبد
الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة
عظيمة ومماليك وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل
في سيادته إلى أن مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى
محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره. وسعى له عثمان كاشف مملوك والده
وخلص له البلاد من غير حلوان وكان عثمان إذ ذاك جربجيا بباب عزبان.
ومات الأمير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الأمير الكبير ايواظ
بك تقلد الإمارة والصنجقية في سنة 1123 أيام الواقعة الكبيرة بعد موت
أستاذه من قانصوه بك قائمقام إذ ذاك. وكانت له اليد البيضاء في الهمة
والاجتهاد والسعي لأخذ ثأر سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين.
وجمع الناس ورتب الأمور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته
إسمعيل بن أستاذه واتباعهم وطلع إلى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف
دينار وأرسل إلى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم
إليه إلى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى
هزمهم واجلاهم عن الميدان إلى السواقي. واستمر يخرج إلى الميدان في كل
يوم ويكر ويفر ويدبر الأمور وينفق
ج / 1 ص -172-
الأموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم
لهم الأمر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض
التراجم. وتقلد المترجم إمارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد
قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا. ولما حقدوا على إسمعيل بك بن سيده
ودبروا على ازالته في أيام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد أن
اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر
وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الأمر واختفى إسمعيل بك ودخل
منهم من دخل إلى مصر سرا ووزع المماليك والأمتعة على أرباب المناصب
والسدادرة وأشاع ذهابهم إلى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم
أموره ولم يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال أرباب الحل والعقد
وانفق الأموال سرا وضم إليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل أحمد بك
الأعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم على اظهار إسمعيل بك واخيه إسمعيل
بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي أرباب الحل
والعقد وأبرز لهم إسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة
وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر إسمعيل بك وظهر
أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من إمارة الحج
ثم عزل عنها واستمر أمير مسموع الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات في سنة
1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار.
ولما مات قلدوا مملوكه إبراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه.
ومات الأمير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار
الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه وسافر معه
إلى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الإمارة والصنجقية
بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر إلى
ج / 1 ص -173-
مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات
وكشوفية البحيرة ثلاث مرات. ولما حصلت الفتنة في أيام خليل باشا كعب
الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار
إليهم من فرقة القاسمية فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا
ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا واستمر هو
يتعاطى الاحكام أحدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا إلى مصر فعزل وكف
بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته
لتابعه الأمير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره
من بعده.
ومات الأمير إسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية وأصله جلبي بن
كتخدا ابري بك وهو من اشراقات إسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة
1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله
رجب باشا هو وإسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على
قتل إسمعيل بك بن ايواظ وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف
بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا
عن مصر طلع المترجم وصحبته إسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان أصله كتخدا
ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدرا باغراء محمد بك
جركس. وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان إسمعيل بك المذكور ونزل إلى
بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله.
ومات الأمير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الإمارة
والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وكان مصاهر لسليمان بك بارم
ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان.
ج / 1 ص -174-
الا أنه كان قليل المال ولما قتل قيطاس بك
الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش إلى الديار الرومية اختفى
المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الإمارة أربعا وعشرين
سنة. ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين
إسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس. فلما هرب جركس هو أيضا
فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره
سببا لقتله وذلك في سنة 1131.
ومات الأمير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جراكسة ثم
تقلد الصنجقية وكشوفيات الأقاليم مرارا عديدة وسافر إلى الروم أميرا
على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر
إلى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة. فكانت مدة إمارته ثلاثا وعشرين
سنة. واستمر مجاورا بالمدينة أربع سنوات ومات هناك سنة 1134 دفن
بالبقيع.
ومات الأمير يوسف بك المسلماني وكان أصله اسرائيليا وأسلم وحسن اسلامه
ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية
سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم إمارة جدة ومشيخة الحرم وجاور
بالحجاز عامين. ثم رجع وسافر بالعسكر إلى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك
دمياط وذهب إليها وأقام بها إلى أن مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي
عشرة سنة وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان.
ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد الإمارة عوضا عن سيده
سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116.
ومات الأمير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الإمارة بعد سيده سنة 1117
وتولى إمارة جرجا وحكم الصعيد مرتين. وكان من أخصاء أيوب
ج / 1 ص -175-
بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة
وأرسل إليه أيوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر إلى مصر ومعه الجم
الغفير من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل
المدينة وخارجها كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا
ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ بك إلى بلاد الروم فقلدوه الباشوية
وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133.
ومات الأمير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الأمير ايواظ بك الجرجي
مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة
1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك
عرف بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد
الصنجقية سنة 1081 وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم
يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات
والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم مات ريحان اغا
فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف أموال أبيه وكانت كثيرة جدا وكان
المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا إلى أن لبس سردارية
المتفرقة في سفر الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح
في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع إلى مصر اميرا
واستمر في إمارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال.
ومات الأمير أحمد بك الدالي تابع الأمير ايواظ بك الكبير القاسمي تقلد
الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الأولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان
الإمارة على العسكر المسافر إلى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف
بك الجزار وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك
ورجع إلى مصر صنجقا وهو علي بك المعروف بالهندي.
ج / 1 ص -176-
ومات كل من الأمير حسين كتخدا الينكجرية
المعروف بحسين الشريف وإبراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك أنه
لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة
1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك أن حسن كتخدا
النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل
خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين
وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك.
ومات أيضا كل من الأمير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور
عبد الله وذلك أنه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف
وإبراهيم الباش كما تقدم وذلك في أواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد
كتخدا كدك لأخذ ثأر أخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء
ثالث عشري رمضان وتعصب معه طائفة من أهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل
في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وانزلوهما إلى بيوتهما في
صبح تلك الليلة في توابيت. وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس
بعد ستة أيام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس
وطلع به إلى عابدي باشا. فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه إلى
بابه فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة. وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه
إلى بيته بسوق السلاح.
ومات أيضا محمد كتخدا كدك المذكور فإنه اشتهر صيته بعد هذه الحوادث
ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132.
ومات الأمير أحمد بك المسلماني ويعرف أيضا باسكي نازي وكان أصله كاتب
جراكسة وكان يسمى بأحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة.
ج / 1 ص -177-
وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال وكان أغنى
الناس في زمانه وكان بينه وبين إسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن ايواظ
يكرهه ويريد قتله فالتجأ إلى محمد بك جركس. فلما هرب جركس في المرة
الأولى اختفى أحمد افندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس
ثانيا ظهر أحمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا فقيرا ثم ورد
مرسوم بان يتوجه المترجم إلى مكة لاجراء الصلح بين الأشراف فتوجه ومكث
هناك سنة ثم رجع إلى مصر ومكث بها مدة إلى 1136 فأرسلوه إلى ولاية جرجا
ليشهل غلال المبري وكان ذلك حيلة عليه. فلما توجه إلى جرجا أرسل محمد
باشا فرمانا إلى سليمان كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه
فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي
عشرى شهر القعدة سنة 1136.
ومات الأمير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان من اعيان باب
الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الأعيان
المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات على فراشه
في جمادى الاخرة سنة 1133.
ومات الأمير إبراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان مستحفظان وكان
أيضا من الأعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع
شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا
بشناق لما خرجهما إسمعيل بك بن ايواظ إلى الكشيدة كما تقدم الأشارة إلى
ذلك. فلما قتل إسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانيا إلى
الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل إبراهيم افندي المذكور
إلى دمياط وأهين ومكث هناك أشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع
الحج ومات هناك في سنة 1137.
ج / 1 ص -178-
ومات النبيه الفطن الذكي حسن افندي
الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر إسمعيل باشا
واليا على مصر في سنة ست ومائة وألف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع
إبراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض
كسر الخزينة من اشغال العشرين ألف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل
للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات ويوسف الكلارجي الفلكي
الماهر هو تابع المذكور ومملوكه. وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج
والمعارف وكان كثير العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات
وكرات من نحاس مطلية بالذهب واحضر المتفنين من أرباب الصنائع صنعوا له
ما أراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف على ذلك أموالا عظيمة وباقي
اثر ذلك إلى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم رضوان افندي وذلك
سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي.
ومات الأمير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا
القزلاردار السعادة تولى الإمارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية
بعد عزل إسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل
كشوفية جرجا وغيرها ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين
لبسه الدفتردارية والقائمقامية أربع وعشرون سنة وبعد عزله من
الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا إلى أن توفي سنة 1142.
ومات الأمير المعظم والملاذ المفخم الأمير إسمعيل بك بن الأمير الكبير
ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والإمارة نشأ في حجر والده في
صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الإمارة الصنجقية بعد موت
والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها أهلا ومحلا وكان
عمره إذ ذاك ست عشرة سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة
ج / 1 ص -179-
بك فإنه لما أصيب والده في المعركة بالرملة
تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة
ودفن والده فلما أصبحوا ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك وأحمد كاشف
وأخذوا معهم المترجم وذهبوا إلى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده
إبراهيم بك أبا شنب وأحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم
ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا مثل الغنم
بلا راع متحيرين في أمرهم وما يؤول إليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس
نظر يوسف الجزار إلى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له: لأي شيء تبكي هذه
القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة وأصل الدعوى فيكم معشر الفقارية
والآن انحرجنا وقتل منا واحد وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وأمير
الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده فيكون عوضا عنه
ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من
الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء.
ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته إسمعيل بك ومن معهم إلى بيت المرحوم
ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا أمورهم وركبوا في صبحها إلى باب العزب
وأخذوا معهم الأموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا
احوالهم في الثلاثة أيام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها
بعد موت ايواظ بك. وكان الفاعل لذلك أيوب بك وقصده حتى يرتب أموره في
الثلاثة أيام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك
في اليوم الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الأمر ولكن ليقضي الله أمرا
كان مفعولا. ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا
للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد
وأنفقوا الأموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم
أيوب
ج / 1 ص -180-
بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج أحمد وباب
الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في
البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر
أميرا بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر
الحرمة محتشم المكانة مشاركا لإبراهيم بك أبي شنب وقيطاس بك في الأمر
والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا
وسلط حبيب وابنه سالم على خيول إسمعيل بك فجم اذنابها ومعارفها كما ذكر
ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما ولم يزل
على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية إلى أن حضر عابدي باشا
وأرسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده إسمعيل بك
وجعله امين السماط. ولما وصل الباشا إلى العادلية وقدمت له الأمراء
التقادم وقدم له إسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط
أحبه عابدي باشا ومال بكليته إليه ثم أنه اختلى معه ومع يوسف بك
وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه أن مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه
الحال وإن قيطامس بك وأيوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك
أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ إليه فقام بنصرته
وفاداه وأنفق بسببه أموالا وتجندلت من رجاله أبطال إلى أن مات وقتل
وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا
الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا.
وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان وورد أمر
بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد إبراهيم بك الدفتردارية وألبسهما
عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث
القومانية والغلال إلى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار
المردومة وتنقية الاحجار من طريق الحجاج.
ج / 1 ص -181-
وضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك
أبي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه وأصلان وقبلان وأمثالهم وأخذوا
يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له
طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع إلى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم
يصب منهم سوى رجل قواس ورمح إسمعيل بك وأمراؤه إلى باب القلعة ونزل
بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله إلى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار
مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد ويريدون اثارة
الفتن في البلد. فكتب الباشا فرمانات إلى الوجاقات باحضار محمد بك جركس
وإن أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين إليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد
ابائه وعصيانه فصادف المتوجهين إليه فحاربهم بالرميلة وآل الأمر إلى
انهزامه وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول إلى داره وخرج هاربا من مصر
وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال
فكساه وأكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه أحمد كتخدا امين البحرين
وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك. وقال: إنه دخل إلى بيتي
وحل في ذمامي فلا يصح أن أقتله ثم نفاه إلى قبرص. ولما سافر محمد بك بن
أبي شنب إلى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال إلى
جركس واحضاره إلى مصر ففعل وحضر إلى مصر سرا واختفى عنده ولما وصل محمد
بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس إليه كلاما في حق المترجم وقال
له: إن أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع
الخزينة فإن الأمراء والدفتردارية وكبار الأمراء والوجاقات صاروا كلهم
أتباعه ومساليكه ومماليك أبيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا
المتولى لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به. وأخرج من مصر وأقصى كل
ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير
ج / 1 ص -182-
أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك
والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة
السلطان أحمد فأجابوه إلى ذلك وعينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي
ورسموا له رسوما باملاء محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا وإسمعيل بك
وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ولما حضر رجب باشا إلى مصر وقد كان قاسم
بك أحضر محمد جركس واخفاه وكان إسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة
1131 فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا إلى العريش ووصل المسلم إلى مصر كان
خروج إسمعيل بك بالحج من مصر وأرسل رجب باشا مرسوما إلى أحمد بك الاعسر
وجعله قائمقام وأمره بانزال علي باشا إلى قصر يوسف والاحتفاظ به ففعلوا
ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي
وأمرهم بعمل حسابه ثم أمر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها إلى
الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ.
وأما ما كان من أمر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فإنه لما سافر يوسف بك
الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا إسمعيل بك
الدفتردار وإسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من
القلعة إلى بيته وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك
الأعسر دفتردار. ولما وصل المتوجهون إلى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار
وترك محمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق
وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له: لأي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل
صحبتي اخوك محمد بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه. فقال لا إله
إلا الله كيف أنكم تتركون البلد وتأتون إما تعلموا أن لنا أعداء
والعثمانية ليس لهم أمان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا العدة
وسافروا إلى مصر وبعد أيام وصل مرسوم بالأمان والرضا
ج / 1 ص -183-
لاسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد
باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب
وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن
يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن
مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك
أنه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس
ويكلم جركس يشفع له عند إسمعيل بك فيقول له: اطرد الصيفي من عندك وأرسل
الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي إلى أن ضاق خناق ذي
الفقار من الفشل والاعدام فطلع إلى كتخدا الباشا وشكا إليه حاله فقال
له: وما الذي تريد نفعله قال: اريد أن أقتل ابن ايواظ عندما يأتي إلى
هنا واعطوني صنجقية وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل
الكتخدا واخبر مخدومه بذلك فأجابه إلى مطلوبه على شرط أن لا يدخلنا في
دمه. فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب أن يكون ذلك بحضوره هو
وإبراهيم بك فارسكور فأجابه إلى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند
كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال إلى إسمعيل بك فأخذه وشرع
يقرأ فيه وإذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه
قاسم بك الصغير واصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب
إسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا أيضا إسمعيل بك جرجا فقتلوه فهرب صاري
علي وكتخدا الجاويشية مشاة إلى باب الينكجرية وقطعوا راس الأميرين
وشالوا جثثهما إلى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن أبي
الشوارب الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136. ثم
أرسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما أيضا وانقضت دولة إسمعيل بك ابن
ايواظ. وكانت
ج / 1 ص -184-
أيامه سعيدة وافعاله حميدة والاقليم في أمن
وأمان من قطاع الطريق وأولاد الحرام وله وقائع مع حبيب وأولاده يطول
شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير
وسياسة في الأحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الأمور وله عدة عمائر ومآثر
منها أنه جدد سقف الجامع الأزهر وكان قد آل إلى السقوط وانشأ مسجد سيدي
إبراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة
التي هما عليها الآن. ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر إليه ليراه
وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135. ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال
الحرمين في أوانها ويرسل القومانية إلى البنادر ويجعل في بندر السويس
والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في
أوانها ويرسل خلافها على هذا النسق. ولما بلغ خبر موته لأهل الحرمين
حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك أهل المدينة صلوا
عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع أمير
بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب
الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه
بأنواع الرخام الملون وصرف عليه أموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا
ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة إلى البركة ويسمونها الخرابة
ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في
سريتين ولدت أحداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة أشهر ومات وولدت
الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت.
ومات الأمير إسمعيل بك جرجا وكان أصله خازندار ايواظ بك الكبير وأمره
إسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع
ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان
ج / 1 ص -185-
بك أبي الشوارب.
ومات كل من الأمير عبد الله بك والأمير محمد بك بن ايواظ والأمير
إبراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك أنه
لما قتل الأمير إسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد
بك جركس في الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الأمراء
المقتولين ومماليكهم إلى عبد الله بك لكونه زوج اخت المرحوم إسمعيل بك
ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير. وكان كتخداه في حياته وقلده إسمعيل
بك الإمارة والصنجقية وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة
خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين. فلما وقع ذلك انضموا إليه لكونه أرأس
الموجودين واعقلهم واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده إسمعيل بك
وازدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون أنه أن استمر موجودا ظهر شأنه
وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل أمرائهم. وطلع في ثاني يوم ذو
الفقار قاتل المرحوم إسمعيل بك إلى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده
الأمرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية. ونزل إلى بيت جركس ومعه تذكرة
من كتخدا الباشا مضمونها أنه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ
وإبراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في قتلهم. فكتب جركس تذكرة إلى عبد
الله بك وأرسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في
قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس إلى بيت عبد الله بك بالتذكرة
وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه
وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف كتخدا تابع
محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم
قال لعلي بك الهندي: خذ محمد بك وإبراهيم بك واذهبوا إلى بيت محمد بك
جركس وانظروا كلامه وارجعوا فأخبروني بما يقول.
ج / 1 ص -186-
فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا
عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم إلى تنهة المجلس وأرسل
في الحال إلى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له: أرسل
إلى عبدالله بك واطلبه فإن طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي
الجماعة. فأرسل الكتخدا يقول لجركس أن لا يتعرض لعلي بك الهندي لأن
السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لأنه امين العنبر
وناصح في الخدمة. وأرسل في الحال تذكرة إلى عبد الله بك ياخذ خاطره
ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه أمر هذه
القضية وقتل قاتل المرحوم. فراج عليه ذلك الكلام والتمويه. وركب في
الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا: اجلس هنا ولا تفارق حتى ارجع
وطلع إلى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط ودخل على
كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام إلى العصر وعندما
بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه إلى القلعة صرف علي بك
الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار وربط
خيولهما بالاسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا
الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه إلى قبيل الغروب حتى قلق عبد
الله بك وأراد الانصراف فقال له: كتخدا الباشا لا بد من ملاقاتك الباشا
ومحادثتك معه. وقام يستأذن له ودخل ورجع إليه وقال له: إن الباشا لا
يخرج من الحريم إلا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث
مع الباشا في الليل. وحسن له ذلك وتركه إلى الصباح فطلع محمد بك جركس
وابن سيده محمد بك ابن أبي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وإبراهيم بك
فرسكور وأحمد بك الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك إسمعيل
وقلده أمير الحاج وقلد عمر اغا كتخدا
ج / 1 ص -187-
جاويشية عوضا عن عبد الله اغا وقلد محمد
اغا لهلوبة والي ونزلوا إلى بيوتهم. وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه
وانتظروه حتى انقضى أمر الديوان ولم ينزل. فاستمروا في انتظاره إلى بعد
العصر ثم سألوا عنه فقالوا له:م أنه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا
وأرسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي إلى بيت كتخدا الباشا فقعد به إلى
بعد العشاء فدخلت الجو خدارية إلى عبد الله بك فأخذوا ثيابه وما في
جيوبه وانزلوه وسلموه إلى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به من باب
الميدان وساروا به إلى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا
بمحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم
إبراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب
وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم إلى البحر ورجعوا وانقضى
أمرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم أياما. وكانت قتلتهم في شهر ربيع الأول
سنة 1136.
ومات عبد الله بك وهو متقلد إمارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان
حليما سموح النفس صافي الباطن.
ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان أصغر من أخيه
المرحوم.
ومات الأمير قاسم بك الكبير وهو مملوك إبراهيم بك أبي شنب وخشداش محمد
بك جركس تقلد الإمارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في أيام
عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه إلى إسمعيل بك
ونفاه إلى قبرص اتفق محمد بك ابن أبي شنب مع قاسم بك سرا على أحضاره
إلى مصر وسافر محمد بك إلى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل
إسمعيل بك وأرسل في الخفية واحضره إلى مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا
وفعلوا ما تقدم
ج / 1 ص -188-
ذكره. ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت
حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر
فقتل قاسم بك المذكور في بيته أصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم
وعندما علم جركس بموته حضر إليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك
سنة 1138.
ومات الأمير قاسم بك الصغير وهو أيضا من اتباع إبراهيم بك أبي شنب وكان
فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع ذي
الفقار على قتل إسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه أيضا وفي إسمعيل بك
جرجا ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137.
ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة
ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس.
ومات الأمير إبراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان اغا أبو
دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي
الفقار كما تقدم ذكر ذلك في أيام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب
العزب وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج
من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس.
ومات الأمير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع ايواظ بك الكبير
القاسمي وأمره ابنه إسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة
1135 وقتل إسمعيل بك في غيابه فلما حضر إلى مصر خلع عليه محمد بك ابن
أبي شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر
إلى قبلي فقضى اشغاله وبرز خيامه إلى ناحية الآثار وخرجت الأمراء
والاغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في
ج / 1 ص -189-
موكبه على العادة ونزلوا بصيوانه وشربوا
القهوة والشربات وودعوه ورجعوا إلى منازلهم. ثم أنه قال للطوائف
والأتباع: اذهبوا إلى منازلكم واحضروا بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب
ونسير على بركة الله تعالى. ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على
الخيول والجمال وركب وسار راجعا من خلف القلعة إلى جهة سبيل علام إلى
الشرقية ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى بلاد الشام ومنها إلى بلاد الروم
هذا ما كان من امره. واما جركس فإنه أحضر علي بك وقاسم بك وعمر بك أمير
الحاج وأمرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند
السواقي ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على
حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم
يجدوا غير الخيام فأخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل إلى اسلامبول
واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان وأخذ مكتوبا من أغات دار السعادة
خطابا إلى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له
الفائظ كل سنة واستمر هناك إلى أن مات.
ومات الأمير الشهير محمد بك جركس وأصله من مماليك يوسف بك القرد وكان
معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107
اخذه إبراهيم بك أبو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى
كشوفية البحيرة عدة مرار ثم إمارة جرجا وسافر إلى الروم سر عسكر على
السفر في سنة 1128 فضم إليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا
على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة وضربوا عليه
بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع إسمعيل بك وصناجقة إلى باب العزب وطلب
جركس إلى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال فقوتل
وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه أسيرا إلى إسمعيل بك
فاشاروا عليه بقتله
ج / 1 ص -190-
فأبى وقال: إنه دخل حيا إلى بيتي فلا سبيل
إلى قتله. وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته وأكرمه واعطاه
ملابس وخلع عليه فروة سمور وألف دينار ونفاه إلى قبرص حسما للشر.
واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن أبي شنب ابن أستاذهم
واتفقوا على أحضار جركس سرا إلى مصر. وسافر ابن أبي شنب بالخزينة إلى
دار السلطنة فاغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم أربعة آلاف كيس على
ازالة إسمعيل بك وعشيرته. ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا. وحضر
جركس إلى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما
دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة إسمعيل بك. ونجا إسمعيل بك
أيضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على
ازالتهم. ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا وخانوه
وقتلوه بالديوان وازالوا دولته. وصفا. وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك
جركس وعشيرته فلم يحسن السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور
واتخذ له سراجا من أقبح خلق الله واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص
له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول أحد واتخذ له اعوانا من جنسه وخدما
وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الأشياء من الباعة ولا
يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء
والأولاد. وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى
ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب
فرامانات وأرسلها إلى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات
ونقيب الأشراف بالاخبار بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه أو دخول منزله.
ووصل الخبر إلى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وأرسلها إلى اختيارية
الوجاقات والمشايخ بالحضور
ج / 1 ص -191-
ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب إليه
الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس
اوقف طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم: تكونوا معي أو أقتلكم
جميعا. فلم يسعهم إلا أنهم قالوا: له جميعا نحن معك على ما تريد. فقال
اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار. ثم إنهم كتبوا
فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان أراد الإفساد في المملكة وتسليط
البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم وأخذ أموالهم فم إذا يلزم في
ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء. فأخذ
الفتوى منهم وقام وأخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وإبراهيم كتخدا
عزبان ودخل إلى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس
وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما أصبح صباح يوم الجمعة عاشر
القعدة أرسل أحمد بك الاعسر إلى الباشا يقول له: أنت تنزل أو تحارب
وكان أرسل قاسم بك الكبير إلى ناحية الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل
انزل وانظروا إلى مكانا انزل فيه. ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة إلى
بيت محمد اغا الدالي بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا أحد من المعوقين
سوى قاسم بك وأحمد بك. ثم أنه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه
المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه أنه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع
من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين ألف اردب وختم عليه القاضي
أيضا وأرسله صحبة ستة انفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137. ولما
فعل ذلك أقام محمد بك الدفتردار ابن أستاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين
في منزله ولم يطلع إلى القلعة إلا في يوم نزول الجامكية. ولما فعل جركس
ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه
جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن أخي قاسم بك الصغير.
ج / 1 ص -192-
صنجقية عمه واعطاه بلاده وماله وجواره وقلد
على المحرمجي مملوكه الصنجقية أيضا وكذلك أحمد الخازندار مملوك أحمد بك
الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع أحمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع
قائمقام في بيته. ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع إلى القلعة
فلم يقابله جركس إلا في قصر الحلي وكمل له من الأمراء ثلاثة عشر صنجقا
واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات. ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل
إسمعيل بك انضم إليه كثير من الفقارية وسافر إلى المنوفية فاراد أن
يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا
واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي
الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر إلى أن حضر علي باشا والي جريد
واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا.
وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت اتباعه وعشيرته
فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى أنه وجد به من صنف الحديد
أكثر من ألف قنطار ومن الغنم ازيد من الألف خروف. وبعدما احاطوا بما
فيه من المواشي والأمتعة ونهبوها هدموه وأخذوا اخشابه وشبابيكه
وأبوابه. ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره. ولم يبق به مكان قائم
الاركان وقد أقام يعمر فيه نحو أربع سنوات فخرب جميعه من الظهر إلى
قبيل المغرب. وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن
ظهر بعد ذلك قتلوه أيضا ونهبوا دياره. واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم
يدركوه وذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنه فصادف مركبا من مراكب
الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الأمراء بالبلاد
القبلية وسافر المترجم إلى بلاد الافرنج فاكرموه وتشفعوا فيه عند
العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه وأخذوا له
ج / 1 ص -193-
مرسوما بالعودة إلى مصر واخذها أن قدر على
ذلك بعد أن عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل. ولم
يرض إلا بالعودة إلى مصر فوصل إلى مالطة وانشأ له سفينة وشحنها
بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع إلى درنة فطلع من هناك وأمر الرؤساء
بالذهاب بالسفينة إلى ثغر اسكندرية. وحضر إليه بعض أمرائه واتباعه
المتفرقين فركب معهم وذهب إلى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب
من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب إلى الأسكندرية وكانت سفينته قد وصلت
فأخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع إلى قبلي على حوش ابن
عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار إلى الفيوم فهجم على دار
السعادة وهربت الصيارف فأخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان
هناك علي بك المعروف بالوزير فنزل إليه وقابله ثم سار إلى القطيعة
بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وأرسل إلى سليمان بك وطلبه
للحضور إليه بمن عنده من القاسمية فعدى إليه سليمان بك ومن معه وقابله
واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو. وحضر إليه أحمد بك
الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وانحدر إلى جهة بحري فتعرض لهم
حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج
منهم إلا من دخل تحت بيارق العسكر. ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا
مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم إلى
ذي الفقار بك فعمل جمعية وأخذ فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك
تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم فقضوا اشغالهم
وعدوا إلى ام خنان وصحبتهم الخبيري. وساروا إلى وادي البهنسا فتلاقوا
مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من
الزيدية والهوارة وعرب نصف
ج / 1 ص -194-
حرام فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى
محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جنديا
وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك أن لم
تتداركوا امركم وإلا دخلوا عليكم البيوت. فجمع ذو الفقار بك الأمراء
واتفقوا على تشهيل تجريدة اخرى واحتاجوا إلى مصروف فطلبوا من الباشا
فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري أو من مال البهار على السنة
القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا محمد بك
قطامش قائمقام وأخذوا منه فرمانا وجهزوا أمر التجريدة فاخرجوا فيها
مدافع كبار وأحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش
القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب
ورتبوا أمورهم واشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت
بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك ونزلت القرابة
المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين. وسار عثمان جاويش القازدغلي
خلف قرا مصطفى جاويش ليلا ونهارا حتى ادركه عند أبي جرج فقبض عليه ومعه
ثلاثة وأخذ ما وجده معه وانزلهم في المركب وأتى بهم إلى مصر وقطعوا
رؤوسهم وأرسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك
والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه. فسافروا خلفه أياما ثم عدى
إلى جهة الشرق ومعه عرب خويلد وأقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر
وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك فعدى إليه علي بك قطامش
والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن
انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر. وأما جركس فإنه خلع
لجام الحصان واراد أن يعدي به بمفرده إلى البر الاخر فانغرز الحصان في
روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق
ج / 1 ص -195-
بجانبه وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان
من الفلاحين ينقلان الماء إلى المزرعة فنزلا إليه فوجدا الحصان ميتا
وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه
وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة. ومر بهما قارب صياد فطلباه
ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم
إلى القارب وهو مقبل فقال ما هذا إلا سمكة عظيمة وأصلة الينا فأوقفوا
القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين إلى الصنجق وباس يده فقال
له: ما خبرك قال: وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من
المطلوبين وإلا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع إلى الصنجق فأمر
باخراجه من القارب ووضع أحد الرجلين في الحديد وقال للثاني: اذهب فآت
بكامل ما أخذتماه وأنا أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه
ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا إلى مصر. وكان القاسمية الذين بمصر
فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب
والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة وعلى كل باب أمير من
الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الأسلحة. فلما
وصل علي بك قطامش إلى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل خرج إليه
عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس إمامهم محمولة في صينية فكان ذلك
اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية. فطلعوا بالرأس
إلى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا إلى منازلهم وأتتهم
التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة أيام ولم يشعر
أحدهما بموت الآخر. ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا. وبهذه
الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم
وابن أستاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث
ج / 1 ص -196-
نياتهما فإن جركس هذا كان من أظلم خلق الله
واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت أيامه شر
الأيام وحصل منهم من أنواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته
في أواخر رمضان سنة 1142.
ومات الأمير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك أحمد بك تابع أيواظ بك
الكبير جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك أنه
لما قلد إسمعيل بك بن ايواظ أستاذ أحمد بك الصنجقية والامارة على السفر
إلى بلاد مورة في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه
فلما توجهوا إلى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور
العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وانهزم العدو واستشهد أحمد
بك أمير العسكر المصري. فلما رجعوا إلى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال
الدولة فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية أستاذه أحمد بك واعطوه
مرسوما بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع إلى مصر ولم يزل
معدودا في الأمراء الكبار مدة دولة إسمعيل بك ابن سيد أستاذه حتى قتل
إسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الارمني المعروف بأبي
العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال: إن الهندي منظور مولانا السلطان
والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا
في إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية
المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده
خمسة وستين يوما ثم انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس
واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر
علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا القاذرغلي.
ج / 1 ص -197-
وأحضروا إليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه
بالمال وفتح بيته وجمع إليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا
أمرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم. وظهر أمر ذي
الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد
بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتردارية من
الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه إلى ذي
الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني إلى أن حضر
المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن
معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال: لذلك
المملوك اذهب إلى ذي الفقار بك فأخبره. فذهب إليه فعرفه صورة الحال
فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار
له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو
واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه أمر الدفتردارية وعدم
نزول علي بك عنها وقال: لا بد من قتلي اياه فقال له: ذو الفقار لا أدخل
معك في دمه فإن له في عنقي جميلا فإن كنت ولا بد فاعلا فاذهب إلى يوسف
كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد
ولكن أن قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه.
فقال محمد قطامش أن ابن الجزار له في عنقي جميل فإنه صان بيتي وحريمي
في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك: وأنا كذلك أقمت في الاختفاء
بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه. وانحط الأمر بينهم على الخيانة والغدر
وذهب محمد بك فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك. فاحضر
يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالإكرام
فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف
ج / 1 ص -198-
بهم عند باب االعزب. فلما أقبل علي بك في
طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم: اما
تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة وضربها في صدر الصنجق علي
بك جواده إلى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب إلى داره بحارة
عابدين وحضر إليه طوائفه واغراضه وأصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا
تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب
معه إلى جامع السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي
ويوسف كتخدا البركاوي وباقي الأغوات فأرسلوا من طرفهم جاسوسا إلى بيت
الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان اغا أنا أذهب إليه واحضره
بحيلة إلى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان فيأخذه اليكم. فركب
رضوان اغا وأرسلوا إلى ذي الفقار بك وقانصوه أتى عندهم أيضا. فلما دخل
رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال
له: بلغني أن ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك وبينه عهد
وميثاق فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم
منه ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود اليهم. فطلب الحصان فاشار عليه
علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته
مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار
ليأتي إليه بذي الفقار بك ذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار.
فأرسلوا إليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك
وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له أكديشا عريانا فقام عثمان تابع
صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال
له: هذا جزاء من يقص جناحه بيده. واركبوه عليه وذهبوا به إلى السلطان
حسن.
ج / 1 ص -199-
فلما رآه ذو الفقار بك قال: خذوا هذا أيضا
واشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة وعليه
هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما
ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون
في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في
جنازته وذهبوا إلى منازلهم وانفض الجميع. وركب ذو الفقار ومن معه
وطلعوا إلى القلعة وتمموا اغراضهم. وكان المترجم سليم الصدر وعنده
الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف
ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد حياته. فلما ترأس محمد بك جركس وابن
أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من
الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية والبسه محمد باشا قفطانا بذلك
فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك
بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث إلى محمد بك يطلب منه
المفاتيح فوعده بذلك. ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش
الداودية فاعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن
كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك. وكان
موت المترجم في أوائل سنة 1140. ومات الأمير ذو الفقار بك قانصوه وهو
تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في
سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف
والبحيرة. ولما حصلت الحوادث وقتل إسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في بيته
ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الأمور فلما تعصب ذو الفقار بك
ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية
عزم على قتل ذي الفقار قانصوه أيضا وأرسل إليه واحضره إلى جامع السلطان
حسن
ج / 1 ص -200-
وهو لم يخطر بباله أنهم يغدرونه لأنجماعه
عنهم. فلما أحضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه إلى القتل
فقال ذو الفقار بك خذوا هذا أيضا واشار إلى المترجم لحزازة قديمة
بينهما أو لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم. فقال لهم:
وما ذنبي خذوا عني الأمرية والبلاد ولا تقتلوني ظلما. فلم يمهلوه ولم
يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن
بالرميلة وكان إنسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله
تعالى.
ومات الأمير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الإمارة والصنجقية في
شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر. ولما قتل علي بك
الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له
تجريدة وعليها إسمعيل بك قيطاس وأخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل
إليه الخبر فأخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل إلى جسر سديمة. فلحقوه
هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه إلى
الليل. ثم أحضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش واخراج
وذهب إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين. فأخذوا الهجن
وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك. وتخلف منهم شخص فحضر
إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس فاخبره فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم
عنده فخدموه إلى أن مات. ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة
فنمي خبره إلى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر إليه وقبض عليه وسجنه مع
أحد المملوكين وكان الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر إلا بعد مدة
وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري ولم يعرفه أحد. وأرسل حسين جربجي
الخبر إلى مصر مع الساعي إلى ذي الفقار بك ويستأذن في امره بشرط أن
يجعلوه صنجقا
ج / 1 ص -201-
ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140. فأجيب
إلى ذلك وأرسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه وإن يأتي
هو إلى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه. ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا
فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما. ورجع بهما الأغا المعين
إلى مصر.
ومات الأمير محمد بك ابن إبراهيم بك أبي شنب القاسمي وتقلد الإمارة
والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل إلى بيته
الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات
بالأقاليم في أيام المرحوم إسمعيل بك ابن ايواظ. وكان يحقده ويحسده
ويكرهه باطنا هو ومماليك أبيه وخصوصا محمد بك جركس. وارادوا اغتياله
وأوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم واخرج جركس
منفيا إلى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فاغرى به رجال
الدولة وأوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وأيده الله عليهم أيضا في تلك
المرة. ولما قتل إسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتردار
وصار اميرا كبيرا يشار إليه ويرجع إليه في جميع الأمور ولما عزلوا محمد
باشا النشنجي تقلد المترجم أيضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم
يطلع إلى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والأمريات في
منزله وصار كأنه سلطان. وكان على نسق مملوك أبيه محمد جركس في العسف
وسوء التدبير ولا يخرج أحدهما عن مراد الآخر. ولم يزل على ذلك حتى وقعت
حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى
المترجم. ثم أن جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الأزهر.
ومات أيضا عمر بك أمير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره
انطوى إلى محمد بك جركس وأمره وجعله أمير الحاج في أيامه.
ج / 1 ص -202-
وكان غنيا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة
جركس.
ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار
قلده الصنجقية وأخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له. وتنافس
بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة. ولما وقع لجركس ما
وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه
سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن.
ومات الأمير علي بك المعروف بالارمني ويعرف أيضا بالشامي وهو من اتباع
ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف أيضا بابي العدب تقلد الصنجقية في
عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما أراد إسمعيل بك تأميره لم يجدوا له
امرية في المحلول. فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن
ايواظ. ومات أيضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو إسمعيل بك تقلد الإمارة
والصنجقية أيام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الأمراء القاسمية
المعدودين فلما أحضر الباشا علي بك الارمني وقتله وأمر بالقبض على باقي
الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم
تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين.
ومات الأمير صاري علي بك ويقال له علي بك الأصغر لأن صاري بمعنى الأصغر
وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135
ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن أستاذه إسمعيل بك استعفى من الصنجقية
وعمل جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في أمر من الأمور ثم
اعيد وسافر اميرا بالعسكر إلى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141.
ومات الأمير أحمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين وكان من
ج / 1 ص -203-
الأعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر
الحرمة. وكان بينه وبين الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرههه
فلما ظهر إسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم إلى
إسمعيل بك وتحابب له وصار من أكبر أصدقائه. وعمل باش اوده باشه ثم تولى
الكتخدائية وعمل امين البحرين ثالث مرة. وسمعت كلمته ونمي صيته فلما
قتل إسمعيل بك رجع إلى خموله. ثم نفي إلى أبي قير بمعرفة اختيارية
الباب وتعصب إبراهيم كتخدا افندي عليه وكان إذ ذاك ضعيف المزاج فأرسلوا
له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله
بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة واركبوه من ساعته وهم
حوله إلى بولاق وأرسلوه إلى أبي قير. ثم أرسلوا له فرمانا بالسفر إلى
سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه
الأمر له بان يجهز نفسه ويسافر من أبي قير إلى الأسكندرية. توفي في سنة
1141.
ومات الأمير علي قاسم وهو ابن أخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما
مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية
عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه. ولم يزل اميرا حتى خرج
محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى
ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به.
ومات الأمير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك أنه لما انقضى أمر جركس
قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا أمورهما
واحمالهما وخرجا إلى البركة ليذهبا إلى السويس فخرج اليهما صنجق من
الأمراء وصحبته جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا
رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب.
ج / 1 ص -204-
ومات الأمير أحمد افندي كاتب الروزنامة ابن
محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي
الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه إلى وردان وكان جسيما
فانقطع مع بعض المنقطعين واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه
وفيهم أحمد افندي الروزنامجي واتوا بهم إلى مصطفى تابع رضوان اغا وكان
في الطرانة قائمقام. فاخذهم وقتل منهم اناسا وأرسل رؤوسهم وأرسل أحمد
افندي بالحياة فحضرواا به إلى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار
سوقي فأرسله علي بك الهندي الدفتردار إلي ذي الفقار لم يلتفت إليه ولم
يخاطبه وأرسله إلى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد
الواقعة بخمسة أيام فأرسله الباشا إلى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم
أرسله إلى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وانزلوه إلى
بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه.
ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة الفي كيس ولم
يعقب أولادا إلا أولاد سيده وزوجته بنت أستاذه وأوصى لشخص يقال له عمر
اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه
ألف دينار ولمجاوري الأزهر خمسمائة دينار. توفي في عشرين رمضان سنة
1138.
ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد خروج محمد بك
جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب إليه الجدد
الداودية. وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين ضربخانة
وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وإن
يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة وأربعة وثلاثون
نصفا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة
الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم
ج / 1 ص -205-
على سكة الجنزرلي في كيس وأودعها في خزانة
الديوان. وعندما سمع داود بهذه الأخبار قبل حضورهم إلى مصر تدارك امره
وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين ألف
دينار. فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا: سمعنا واطعنا في أمر السكة
وأما صاحب عيار فإن لا يتغير فقال الباشا: كذلك لكن يكون الأغا ناظرا
على الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الأمر على ذلك. فلما عزل الباشا
اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي
لأنهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب. وتعطل الشغل فرشا
قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فأخذها إلى داره بالجيزة
وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوما
وليلة تسعمائة وثمانين ألف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا ودفع المصلحة
وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب. فصارت
الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة انصاف فضة فنقمها محمد
باشا على داود فلما عاد إلى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه
وقتله وذلك في أواخر جمادي الاخرة سنة 1138.
ومات الأمير أحمد بك الأعسر وهو من مماليك إبراهيم بك أبي شنب القاسمي
تقلد الإمارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل
جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه
من مصر ولما ذهب جركس إلى بلاد الافرنج تخلف عنه وأقام عند العرب ونزل
عند ابن غازي بناحية درنه. فلما وصل الحاج المغربي أرسل معهم ثلاثة من
مماليكه وأرسل معهم مكاتيب ومفاتيح إلى ولده وذكر له أنه يتوجه إلى رجل
سماه له. فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار
مستحفظان فقبض عليهم.
ج / 1 ص -206-
وأرسل بخبرهم إلى باب مستحفظان فأخبروا
الباشا فاحضروا إلى الشرطة وأمره باحضار ابن أحمد بك الاعسر فاحضره
فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش
المزين وهو كان مزين إبراهيم بك أبي شنب فأرسلوا إليه وهجموا عليه ليلا
وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك
ابن أحمد بك إلى دمياط ولم يزل أحمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة
عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع إليهم
جركس وخرجت إليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142.
ومات الأمير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب
محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل إلى جرجا
وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك إلى البر الشرقي تجاهه وصار
كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان
غالب اتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان
بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا وأخذوا
خزانته وما أمكنهم من متاعه وعدوا إلى سليمان بك وانضموا إليه. فلما
أصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه وكفنوه ودفنوه. وكتب
كتخداه بذلك إلى ذي الفقار بك فلما وصل إليه الجواب أرسل إليه بالحضور
بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه
الصنجقية وولاية جرجا فأرسل قائمقامه ثم جهز أموره ونزل إلى منصبه.
ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك أنه لما رجع محمد بك جركس
وسار إلى ناحية القطيعة ثم انتقل إلى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل إلى
المتجرم يطلب للحضور إليه بمن معه من القاسمية فعدى إليه
ج / 1 ص -207-
بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى اوده باشا
فقابلوه وارتحل معهم إلى بحري فبرز إليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى
جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه إلى بحري وخرجت
إليهم التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي
البهنسا ووقعت بينهم الحروب. وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم
وانجلت الحرب عن هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل
جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع
المنهزمون إلى مصر وزحف جركس ومن معة إلى ناحية دهشور وخرجت لهم
التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه
جركس وقال له: هدا اليوم ليس لنا فيه حظ. فقال له: كيف أصبر على القعاد
والراية البيضاء إمامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا
وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا إليه مرتين وهزمهم
وفي الثالثة أصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط إلى الأرض فتحلقت به
طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي إليه بمركوب آخر وتابع الاخصام
الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب
هو والطائفة فوقعا. فهجم عليه سالم بن حبيب وأخذوهما إلى الصيوان
وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل
جركس وسار نحو الجبل.
ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة في أيام رجب
كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من الوجه
القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي
فالتجأ إلى سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل
سليمان بك اجتمع إليه الطوائف
ج / 1 ص -208-
العرابة ونزل بهم المراكب وساروا إلى قبلي
فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت أبي
جرج وكانت الأجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم
القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان
جاويش ما وجده في المراكب وحضر إلى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور
ومن معه.
ومات الأمير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من اتباع بلغية
قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة. لما طلع الأمير إسمعيل بك
أثر ذلك باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور
فقتلوه عند باب القلعة وأمر بقتل المترجم أيضا وكان إذ ذاك خازنداره
فالتجا إلى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه وخاصم
أستاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لأستاذه فأخرج له تقسيطها
وأخذ النصف الثاني إسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن
كتخدا الجلفي فانطوى المترجم إلى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة
من إسمعيل بك وكلمة بسببه مرارا فلم ينجع. وكلما خاطبه في امره قطب
وجهه وقال له: أما يكفيك أني تاركه حياء لاجل خاطرك فإن أردت قبول
شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وأرسل الي بعد ذلك المذكور يحاسبني
واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والاعدام
فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه
بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس
واخرج من مصر ونفي إلى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع
جركس وظهر امره ثانيا وعاد إلى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو
يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له.
ج / 1 ص -209-
إلى أن ضاق خناقه وعاد إلى حالة الغدر
الأولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا
الباشا وكان إذ ذاك من آحاد الأجناد ولم يتقدم له إمارة ولا منصب
فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية وأخذ من فائظ إسمعيل بك عشرين
كيسا وانضم إليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب
كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند جركس وتذاكروا أمر ذي الفقار وإنهم
نظروه وهو خارج بالموكب إلى كشوفية المنوفية ومعة عصبة الفقارية
وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك أمير الحاج
وإسمعيل بك الد إلى وقيطاس بك الاعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك
قزلار وغيرهم وقالا له أن غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا
فيه حمية الجاهلية وقتلا أصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا
فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال: رجل خاطر
بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف أعطيكم فرمانا بقتله. فتحامل جركس
على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن أستاذه قائمقام وأخذ منه فرمانا
وجهز التجريدة إلى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه إلى ذي الفقار
يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر إلى مصر واختفى أحمد
أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له
ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية
وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر
وذهابه إلى بلاد الافرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد إليه
وهزمها وزحفه على مصر. وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه
من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من أرض مصر راسل القاسمية
سرا ومنهم سليمان اغا أبو دفية وهم إذ ذاك خاملون ومتغيبون
ج / 1 ص -210-
ومختفون وذو الفقار بك يخص عنهم ويأمر
الوالي والاغا والأوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من
القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور. وقرب ركاب جركس من مصر
بعد ما كسر التجاريد وعدى إلى جهة الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد
في تحصين المدينة واجلس أمراءه وصناجقه على الأبواب وفي النواحي
والجهات ولازم أرباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا بالليل
وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون
الفرصة والوثوب من داخل البلدة. فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه
الوثوب واعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما
بينهم على وقت معين واجتمع أبو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش
وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي
وإن يضم كل واحد منهم إليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جة باب الخرق
وجامع الحين وقت إذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من
القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الأسلحة
وبايديم النبابيت. ولبس خليل اغا هيئة الأودة باشا وزيه وكان شبيا به
في الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده
القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على
أبي دفية وكان المترجم جالسا بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون
وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على
أقدامه وقال: أين هو؟ فقال خليل أغا: ها هو وكشفوا رأسه فأراد أن يكلمه
ويوبخه فاطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما
معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من
المقعد إلى الحوش ونزلوا على
ج / 1 ص -211-
الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه
في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضا وهو داخل يظنوه
مصطفى بك بلغيه وإذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا
السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض
القاسمية إلى آخر الدهر. ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فإنهم لما سمعوا
قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم
وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان
يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم
اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في
انتظار إذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا
فلو قدر الله أنه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في
صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك. ثم
أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه وإذا برجل
سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك
وجاهة عندهم فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف
كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة
فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك
فإن القاتل لاستاذنا مملوكك خليل اغا فقال أنا طارده من يوم عزل من
اغاوية العزب ووقت ما تجدوه أقتلوه ثم أحضروا ذلك السراج بين ايديهم
وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجري فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على
اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين
ودفنوه بالقرافة وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضا صالح
ج / 1 ص -212-
كاشف تابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من
إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته. وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من
التجريدة وسكن ببيت أستاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع إسمعيل
باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم
الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد
موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار
بك بخمسة أيام. وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى
افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان
الأمير ذو الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة
ايراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع
الأمراء والأعيان والوجاقات ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم
تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر ومن انشائه الجنينة والحوض ببركة
الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها.
ومات الأمير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله
بك وأصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الإمارة والصنجقية إسمعيل بك
وعرف بالخائن لأنه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس أخبر عنه وخفر
ذمة نفسه وسلمه إليهم فقتلوه فسماه أهل مصر الخائن. ولما حصل ما تقدم
ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل
عنهم المملوك مجلسهم إلى علي بك الهندي وأرسله علي بك إلى الأمير ذي
الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني ومصطفى بك
ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه إلى أن حضر
رجل عطار إلى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي إلى الجزار
ج / 1 ص -213-
بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة
أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته أن لا يأخذ سوى رطلين ونصف في
يومين ولا بد لذلك من سبب بأن يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الأغا
والوالي إلى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع
ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا إلى أعلى المكان ونزلوا أسفله
فلم يجدوا شيئا فنزل الأغا وهو يشتم العطار واراد ضربه وإذا بشخص من
الأجناد أراد أن يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس إنسان في مكان متسفل
مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى إلى داخل فاخبر الأغا
فأوقدوا الطلق وإذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق
فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق إلى أسفل فوجدوا يوسف بك المترجم
ومعه شخصان فقبضوا عليهم وانعم الأغا علي العطار وأخذهم إلى الباشا
فأرسلهم إلى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد.
ومات كل من الأمير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك الكبير وذلك أنه
لما انقضى أمر محمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا إلى مصر
متنكرين واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما
مملوكان. فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد وأتى إلى اغات
الينكجرية فاخبره فأرسل الأغا والوالي والأوده باشا وحضروا إليهم فرموا
عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم إلى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك
بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت إلى بيت حتى وصل إليهم وأوقد نارا من
أسفل المكان الذي هم فيه فأحسوا بذلك فقرأ أحد المملوكين وهرب وقتل
الثاني برصاصة وقبضوا على الإثنين وقتلوهما ودفنوهما.
ومات الأمير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب سابقا وهو
ج / 1 ص -214-
الذي انتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة
ودخل إلى بيت الأمير ذي الفقار وقت إذان العشاء ومعه سليمان أبو دفية
وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم. ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا
بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره
فقبضوا على خليل اغا من المكان الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف
بك الشرايبي وسليمان اغا أبو دفية. ففي ذلك الوقت قال أبو دفية: قوموا
من هذا المكان فإن قلبي يختلج. فقال يوسف الشرايبي وأنا كذلك. فتقنعا
وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا إليه في ذلك اليوم وقتل كما
ذكر واخذه الأغا إلى بيت علي بك ذي الفقار فأرسله إلى الباشا وأرسله
الباشا إلى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز
وغيره. واما أبو دفية فإنه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا
فذهب أبو دفية إلى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له
أوراقا في عمامته وخرج في وقت الفجر إلى جهة الشرقية وذهب مع القافلة
إلى غزة ثم إلى الشام وسافر منها إلى اسلامبول. وخرج في السفر وذهب إلى
عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى
مات. واما يوسف بك الشرايبي فذهب إلى دار بالازبكية وخفى امره ومات بعد
مدة ولم يعلم له خبر.
ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم أنه تقلد في أيام ابن ايواظ
اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه أن حسن افندي
والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم إلى مصر
يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق أنه اهدى إلى السلطنة
عبدا طواشيا فترقى هناك وأرسل إلى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة
وذلك في سنة 1135 بعد موت والده
ج / 1 ص -215-
والبسه الباشا قفطانا بذلك وعند ذلك من
النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع
يذكر بعضها والتجأ المترجم إلى ابن ايواظ وهرب من الباب. ولحديث قتلة
نبأ غريب وذلك أنه في اثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا
الوزير إلى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار اغا فقال
الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم إنسان يسمى عبد الغفار اغا قال له: نعم
كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل. فقال أرسل إليه بالحضور. فخرج
كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار فقال أرسل إليه واطلبه
للحضور. وطلب الوالي فقال له: إذا انقضى أمر الديوان فأنزل إلى باب
العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب
وسر خلفه حتى يدخل إلى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه. فلما أحضر المترجم
صحبة الجاويش ودخل إلى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه
وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار إلى عبد الغفار اغا فجلس
وأكل صحبته وحادثه الباشا فقال له: أنت لك صاحب في الدولة قال: نعم كان
لأبي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني أنه الآن كتخدا
الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا
ولما عزل عابدي باشا اخذها وسافر فهو إلى الآن يودنا ويراسلنا بالسلام.
فقال له: الباشا أنه أرسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من الحوايج أو
المناصب. فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم. واخذ خاطر الباشا
ونزل إلى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في اثره ولم يزل
سائرا خلفه حتى دخل إلى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان
بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه وأخذوا عمامته وفروته وثيابه
وسحبوه إلى باب الأسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي
ج / 1 ص -216-
مع الحصان وأتى بهما إلى بيت محمد بك قطامش
فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن إلى القلعة صارخات فقال
الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث أن الباشا أراد قتله كان
يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج إلى ديوان
قايتباي واستخبرهن فاخبرته بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وأمر
برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل
ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الأغوات والنساء فأخذوا الرأس
والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. ولما طلع محمد بك قطامش إلى
الديوان قال له: الباشا تقتلون الأغوات في بيوتها من غير فرمان. فقال
لم نقتله إلا بفرمان فإنه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل
اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان
المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم
سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن أبي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش
فأرسل من اخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية أيام. |