تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
ج / 1 ص -217-
الفصل الثاني في ذكر حوادث مصر
وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143.
ووجهه أن بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية
وظهور أمر الفقارية وخلع السلطان أحمد من السلطنة وولاية السلطان محمود
خان ووالي مصر إذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة
إلى كبور بلدة بالروم وحضر إلى مصر في السنة الخالية وكان من أرباب
الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله
وميله إلى الأدب وكان إنسانا خيرا صالحا منقادا إلى الشريعة ابطل
المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون
ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك في كل شهر كيسا من
كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع
ذلك. ووصل الأمر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير
قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة.
عزل عبد الله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي.
وعزل عبد الله باشا المذكور أواخر سنة أربع وأربعين ومائة وألف وأمراء
مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش
القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبدالله كتخدا القازدغلي وسليمان
كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا
ج / 1 ص -218-
الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو
الفقار خشداشة. ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا
السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبدالله باشا إلى بيت شكريره
واستمر محمد باشا واليا على مصر إلى سنة ست وأربعين ثم عزل وتولى عثمان
باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية إلى علي بك ذي الفقار فطلع إلى
الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل إلى بيته وحضر إليه الأمراء
وهنوه وخلع علي إسمعيل بك أبي قلتج امين السماط ووصل عثمان باشا إلى
العريش وتوجهت إليه الملاقاة وأرباب الخدم وحضر إلى العادلية وعملوا له
شنكا وطلع إلى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة
الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف
وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود
بايدي الناس اثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة وأربعين نصفا.
وحضر مرسوم أيضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى واليهود وما
عليهم من الجزية في كل بلد العال أربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط
مائتان وسبعون والدون مائة. فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الأغا والكاتب
من الأمراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب أنا مسافر
بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الأغا المعين وانظروا من يذهب إلى بحري. فقال
محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولى عليه ومعه الأغا
والكاتب فاتفق الرأي على ذلك.
وفي أيامه عمل إسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان
باشا إلى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس
وضع بين يديه منديلا فيه ألف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم
وأرباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان
سنة 1147.
ج / 1 ص -219-
ومن الحوادث في أيامة أن في أوائل رمضان
سنة تاريخه ظهر بالجامع الأزهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين
يدي الشيخ أحمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره أنه كان في شربين فنزل
عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة
ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له:
أنت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة واظهر المعجزات. فلما سمع الشيخ كلامه
قال له: أنت مجنون فقال لست بمجنون وإنما أنا نبي مرسل فأمر بضربه
فضربوه وأخرجوه من الجامع. ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال
مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله إلى المارستان فاجتمع عليه الناس
والعامة رجالا ونساء ثم إنهم أخفوه عن اعين الناس. ثم طلبه الباشا
فسأله فأجابه بمثل كلامه الأول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم
أنه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه
بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه بحوش
الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه
بالرميلة ثلاثة أيام.
من الحوادث الغريبة.
في أيامه أيضا في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في
الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا
الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف وودع الناس بعضهم بعضا
ويقول الإنسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس
والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع
الدنيا قبل أن تقوم القيامة. وطلع أهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا
يغتسلون في البحر. ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار
يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا
ج / 1 ص -220-
ذلك ووقع صدقه في نفوسهم. ومن قال لهم:
خلاف ذلك أو قال: هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقاله
فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا
يكذبان في شيء يقولانه. وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في
يوم كذا وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له: احبسني إلى
يوم الجمعة وإن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم
الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور. فلم يقع شيء. ومضى يوم
الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد
البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم. فيقول
الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل
حظا ونحو ذلك من الهديانات. واقدم عثمان باشا في ولاية مصر إلى سنة
1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة أشهر.
ولاية باكير باشا.
وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة إلى السويس من
القلزم لأنه كان واليا بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى
شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه نحو الثلاثين خيالا
ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الأولاد خمسة ركبوا إمامه في الموكب
وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي
والمقصوص والفندقلي فإن الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر
والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي
بمائتين وغلت بسبب ذلك الأسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم
يلتفت الباشا لذلك.
وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري
لمحافظة بغداد وإن يكون العسكر من أصحاب العتامنة ولا
ج / 1 ص -221-
يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة
والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا أمير السفر مصطفى بك اباظة حاكم
جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف
شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في أوائل رجب. فاقام خارج القاهرة نحو
خمسة أشهر وثمانية عشر يوما وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس
خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان وأربعين.
وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل إذان العصر خرجت ريح سوداء غريبة اظلمت
منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها
شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة
بديوان مصر القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك أمير
سفر العجم وطلع إلى الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة
وأصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر.
وفي أيامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال مرتبات الأولاد
والعيال ومنها ابطال التوجيهات وإن المال يقبض إلى الديوان ويصرف من
الديوان وإن الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية إلى بيوتهم.
فلما قرىء ذلك قال القاضي: أمر السلطان لا يخالف ويجب اطاعته. فقال
الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان
وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك
المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد
وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر
المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وإن أمر
ولي الأمر بابطاله لا يسلم له ويخالف أمره لأن ذلك مخالف للشرع ولا
يسلم للإمام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه
ج / 1 ص -222-
أيضا. فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج
إلى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان: وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح
وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا
في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم
إنهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي
وحضروا المرتبات في قائمقامية إبراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش
وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية وأربعين
ألف عثماني فكانت أربعة وعشرين ألف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا إلى
عثمان بك ورضوان بك ألف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء
والمساكين فلا نأخذ منها شيئا فإن رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة
وإن جاء بعدم القبول كانت مظلمتين.
الطاعون.
ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى أيضا الفصل العائق يأخذ على
الرائق ومات به كثير من الأعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا
القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في
المشاعل. ووقع في أيامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الأمراء وسببها أن
صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا إلى عثمان بك ذي الفقار
وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على
طلب الإمارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن
ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو إذ ذاك
كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له: تريد أن تفتح بيتا للقاسمية
فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون أبدا ما دمت حيا. وكان عثمان بك المذكور
أخذ كشوفية
ج / 1 ص -223-
المنصورة فأنزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت
الهمة إلى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع
محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الأغوات والاختيارية فلم يجب ولم
يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح
كاشف إلى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له:
اعمل تدبيرا في قتلهم فذهب إلى رضوان بك أمير الحاج سابقا وسليمان بك
الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع
باكير باشا. وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت
الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة. فركبوا بعد العصر إلى بيت محمد بك
قطامش وركبوا معه إلى بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل
افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الأسباهية ويوسف كتخدا
البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا
الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان. فلما
تكاملت الجمعية أمر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب أكتب كذا
وكذا فطلع إلى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في
العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا
شربات. وكان ذلك القول هو الأشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك
سليمان بك. ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون
السلاح. فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه الضارب
بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام
الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية أول ضربة
وهو جالس مع الافندي الكاتب نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه
ج / 1 ص -224-
من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه
فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه إلى اسفل وركب حصان بعض
الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة
قوية فأرسلوه إلى منزله ومات بعد ثلاثة أيام. ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا
المقتولين وإذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك
كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل
افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة عشرة وباش اختيار
الذي مات بعد ذلك في بيته. فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا
بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق
السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من
التبن وظنوا أنهم غالبون. وطلع صالح كاشف إلى الباشا من باب الميدان
فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين إليه
فقال له: انزل لاشغالك وأنا أرسل إليك ما تطلب. فنزل إلى السلطان حسن
فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن أنهم غالبون
وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع
إلى باب العزب وكان كتخدا الوقت إذ ذاك أحمد كتخدا اشراق يوسف كتخدا
البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا
قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وأن الباب لا يفتح بعد
الغروب فإن كان له حاجة يأتي في الصباح. وأما عثمان بك فإنه لما خرج من
باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر إلى باب الينكجرية فوجده ملآن
جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه
حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به إلى الباشا بعد نزول صالح كاشف
فخلع عليه صنجقية أبيه.
ج / 1 ص -225-
وأعطاه فرمانا بالخروج من حق الذين قتلوا
الأمراء وحرقوا باب المسجد. ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش
النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية
وبيت الحصري وزاوية الرفاعي. وكانت ليلة مولده وهي أول جمعة في شهر رجب
سنة 1149 فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا
عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الأغا وكان اغات العزب عبد
اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا. وأما صالح بك فإنه انتظر وعد الباشا
فلم يرسل له شيئا فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا
في خان الخليلي واختفى أيضا محمد بك إسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم
على ما فعل فركب بجماعته وذهب إلى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا.
فطرق الباب فلم يجبه أحد فذهب إلى بيت إبراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما
بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع
النهار ذهبوا إلى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا أيضا بيت رضوان بك
وذهبوا إلى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا إلى الباب.
ثم أن السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له: أنت
بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا إلا باطلاعك وعندك خبر بقتل
أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب
بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك
ولا بمجيء سليمان كتخدا إلى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا
الداودية إلى السلطان حسن. ثم إنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا
عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار.
فحضر مصطفى اغا أمير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات
المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد أمر بولايته على مصر وتوجيه باكير
باشا إلى جده.
ج / 1 ص -226-
تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي.
فتولى مصطفى باشا فأقام واليا بمصر إلى سنة 1152.
وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما استقر في ولاية
مصر أراد ايقاع فتنة بين الأمراء فضم إليه عمر بك ابن علي بك قطامش
فأرسل إليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار
وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم إذ
ذاك أصحاب الرياسة بمصر. ووعده نظير ذلك إمارة مصر والحاج وإن يعطيه من
بلادهم فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان
وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا
بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا. وإذا انفرد إبراهيم بك أخذوه بعد ذلك
بحيلة وقتلوه في الديوان. ثم أن أحمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ
إبراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع إلى الديوان وبلغ الخبر
عثمان بك فتدارك الأمر وفحص عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله
وقتل أحمد كتخدا. وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد أن
يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم
مستعدون بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من
أعيانهم يسألهما عن مرادهم. فقالا أن الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا
علائقنا. فأرسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية
والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده. ثم أن حسين بك الخشاب طلع
إلى باب العزب وتحيل في نزول أحمد كتخدا من الباب وملك هو الباب.
واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول إلى قصر يوسف. فركب وأراد
ج / 1 ص -227-
أن يدخل إلى باب الينكجرية فرفعوا عليه
البنادق فدخل إلى قصر يوسف فوجده خرابا فأخذ حسن جاويش النجدلي خاطر
الينكجرية على نزوله ببيت الأغا وانتقل الأغا إلى السرجي فأقام الباشا
إلى أن نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر إلى شهر
جمادى الأولى سنة 1153.
تولية الوزير علي باشا.
ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الأولى بمصر فدخل
مصر في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين ومكث إلى عاشر جمادى الأولى
سنة 1154 ونزل سليمان باشا إلى بيت البيرقدار وعمل علي باشا أول ديوان
بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع. ثم قال
الباشا: أنا لم آت إلى مصر لاجل اثارة فتن بين الأمراء واغراء ناس على
ناس وإنما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني المقاطعات
وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم
حجة بذلك. وانفض المجلس. ثم أنه سلم على الشيخ البكري وقال له: أنا بعد
غد ضيفك ثم ركب وطلع إلى السراية وأرسل إلى الشيخ البكري هدية وأغناما
وسكرا وعسلا ومربات ونزل إليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي
في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته
منقولة عنه مشهورة. وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والأحوال
مطمئنة. ثم عزل ونزل إلى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر
العيني.
تولية يحيى باشا.
ثم تولى يحيى باشا ودخل إلى مصر وطلع إلى القلعة في موكبه على العادة
وطلع إليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي
ج / 1 ص -228-
باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل
له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما
تقدم أن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء في دعوة وإنما الأمراء
يعملون لهم الولائم بالقصور في الخلاء مثل قصر العينى أو المقياس.
واقام يحيى باشا في ولاية مصر إلى أن عزل في عشرين شهر رجب سنة 1156.
توليةمحمد باشا اليدكشى.
وتولى بعده محمد باشا اليدكشى وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعه وفي
أيامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وابواب
البيوت. ونزل الأغا والو إلى فنادوا بذلك وشددوا في الانكار والنكال
بمن يفعل ذلك من عال أو دون وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم
ثلاث مرات. وكل من راى في يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر الذى
يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي. وفى أيامه أيضا قامت العسكر بطلب
جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون أردب واحد فكتب الباشا
فرمانا بعمل جمعية في بيت علي بك الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال في
ذمة أي من كان يخلصونها منه. فلما كان في ثانى يوم اجتمعوا وحضر
الروزنامجى وكاتب الغلال والقلقات واخبروة أن بذمة إبراهيم بك قطامش
أربعين ألف اردب والمذكور لم يكن في الجمعيه وانتظروه فلم يات. فأرسلوا
له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال
الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال. فقال العسكر
نذهب إليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة وأخذ معه من كل
بلك اثنين اختيارية وذهبوا إلى إبراهيم بك قطامش. فقال له: الوكيل أي
شيء هذا الكلام والعسكر قائمة علىاختيارتها قال: والمراد أى شيء وليس
عندى غلال. قال له: الوكيل نجعلها مثمنة
ج / 1 ص -229-
بقدر معلوم. فثمنوا القمح بستين نصف فضة
الأردب والشعير باربعين. فقال إبراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من
البلاد. قال الوكيل العسكر: لا يصبروا ويحضل من ذلك أمر كبير. فجمعوا
ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل بلدين لاجل معلوم. وكتب
بذلك تمسك وأخذ التقاسيط ورجع الوكيل إلى محل الجمعية واحضر مبلغ
الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت أول بدعة ظهرت
في تثمين غلال الأنبار للمستحقين. واستمر محمد باشا في ولاية مصر حتى
عزل سنة 1158.
تولية محمد باشا راغب.
ووصل مسلم محمد باشا راغب وتقلد إبراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه
محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين السماط. ثم وردالساعى من
الأسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا راغب إلى ثغر الأسكندرية فنزل
أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته إلى مصر وطلع إلى القلعة وحصل
بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له أنه لا يخونه ثم أسر إليه
أن حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب إلى ذلك. واختلى
بإبراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له: الجاويش عندك توابع عثمان بك قرقاش
وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان. فقال
له: يحتاج أن يكون صحبتهم أناس من طرفك وإلا فليس لهم جسارة على ذلك.
فقال له: أنا اتكلم مع عثمان أغا أبي يوسف بطلب شرهم لأنه من طرفي.
فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته
وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير الحاج
وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند
خليل بك فقال له: لم إذا لم تدخل عند
ج / 1 ص -230-
الباشا. فقال له: قد تركناه لك. فقال كأني
لم اعجبك. واتسع بينهما الكلام فسحب أبو يوسف النمشة وضرب خليل بك وإذا
بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط. قتلوه ودخلوا برأسيهما إلى
الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا إلى نوبة
الجاويشية فأرسل الباشا للاختيارية يقول لهم: إنهما مطلوبان للدولة.
وأخذهما وقطع رأسيهما أيضا. وكتبوا فرمانا إلى الصناجق والاغوات
واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع إلى إبراهيم بك
وعمر بك وسليمان بك الالفي وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة.
فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر فحمل
الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم إلى جهة قبلي ودخل العساكر إلى
بيت إبراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا إلى بيت علي بك فوجدوا
فيه صنجقيا من الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع
الأزهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت سته أيضا وذهب إلى طندتا
وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي. ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم
رفعوا صنجقيته وأمروه بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك
كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية
مصر. وانقضت تلك الفتنة. ثم أن الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي: أن
نعمل تدبيرا في قتل إبراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير
أنت مقدام مصر وعظيمها. فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا
وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار
القال والقيل وسعت المنافقون وعلم إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد
بهما. فحضر إبراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب الينكجرية وباب
العزب بالعسكر والأودة باشية.
ج / 1 ص -231-
واجتمعت الصناجق والاغوات االسبعة في سبيل
المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب
على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا.
فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه
فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ أمر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم
ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون.
فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية
بالعرضحال وقالوا لهم أن أبي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن نعرف
خلاصنا مع بعضنا. فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة
أراد أن ينزل علي شيخون إلى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه وإذا
بعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل
إلى بيت آقبردي إلى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فأرسلوا له إبراهيم بك
بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع إلى بيته
وأخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبية. وسارت
الصناجق يقدمهم عمر بك أمير الحاج ومحمد بك الدالي وإبراهيم بك بلغيه
ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك أبو سيف وأحمد بك ابن كجك محمد
وإسمعيل بك جلفي وعثمان بك وأحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان
كتخدا قازدغلي واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع
جهات. فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل
أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب إلى جهة الصعيد فدخل
العسكر إلى بيته. فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم. وهرب أيضا إبراهيم بك
قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا
إلى أرض الحجاز وكان ذلك أواخر سنة
ج / 1 ص -232-
1161 فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار إلى
الديار الرومية وتولى الصدارة. وكان إنسانا عظيما عالما محققا وكان
أصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم.
ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر والعظماء.
مات الإمام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الأسرار والانوار الشيخ عبد
الغنى بن إسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى. ولد سنة 1050 واحواله شهيرة
وأوصافه ومناقبة مفردة بالتأليف. ومن مؤلفاتة المقصود في وحدة الوجود
وتحفة المسألة بشرح التحفه المرسلة والأصل للشيخ محمد فضل الله الهندى
والفتح الربانى والفيض الرحمانى وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف
جليل في مجلد ضخم في فقه الحنيفة نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب
الصبح في ازالة القبح والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية واالفتح
الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى في النفس
اليمنى وبدبعيتان أحداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية
التزمه فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر. توفي رضي الله عنه سنة
1143 عن ثلاث وتسعين سنة.
ومات إمام الأئمة شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة عمدة المحققين والمدققين
الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير أخذ عن
الشيخ أحمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبدالله التحريري
الحنفين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم. وسبب تلقيبه
باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبا في
الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ العلامة محمد
السجيني إذا مر بحلقة
ج / 1 ص -233-
درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن
تقريره وكان كثير الأكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل
يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا أكل كثيرا واحفظ
كثيرا. وسافر مرة إلى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه
المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال
والتكريم وعاد إلى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي
القعدة سنة 1148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور أخذ عنه كثير من الأشياخ
كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ
الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم. وكان يقول بحرمة القهوة واتفق أنه
عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث إليه عثمان كتخدا القازدغلي
فردين فامر بطرحه في الكنيف لأنه يرى حرمة الانتفاع بثمنه أيضا مثل
الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة في قوله تعالى: {لا
فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} بأن الغول ما يعتري شارب
الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك. توفي إلى
رحمة الله تعالى سنة 1146.
ومات الإمام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد
العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي عن
العلامة البابلي وأخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد
والدمياطي وغيرهم توفي في أواخر ربيع الأول سنة 1148.
ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي
الحنفي أخذ عن الشيخ إبراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي
الشافعي وعن الشيخ أحمد الاهناسي وعن الشيخ أحمد ابن إبراهيم التونسي
الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير
باسكندر والشيخ محمد بن عبد العزيز بن
ج / 1 ص -234-
إبراهيم الزيادي ثلاثتهم عن الشيخ شاهين
الارمناوي وأخذ أيضا عن الشيخ العقدي والشيخ إبراهيم الشرنبلالي والشيخ
حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن
الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير. توفي المترجم في سنة 1143.
ومات الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن
الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ أيضا عن الشيخ عبد ربه الديوي
وأهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان إماما عظيما فقيها
نحويا أصوليا منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم. توفي سنة
1158.
ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة إمام المحققين شيخ الشيوخ عبد
الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة
محققي العلماء وواسطة عقد نظام الأولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال
المحلة الكبرى واشتغل علي علمائها بعد أن حفظ القرآن ولازم ولي الله
تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم
واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي
وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم وأكتسى من أنوارهم ثم ارتحل إلى القاهرة
سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل اللقاني
والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله
ودرس وأفاد وانتفع به أهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول
والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش
والعزلة والانقطاع إلى الله وعدم مسايرة أحد من طلبة عمه والتكلم معهم
بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان
يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا إلى أن توجه عمه إلى
ج / 1 ص -235-
الديار الحجازية حاجا سنة 1094 وجاور هناك
فأرسل له بان يقرأ موضعه. فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة
والنحو والمعاني والفقه. ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني
الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره أشهى من الماء عند الظمآن وانتفع
به غالب مدرسي الأزهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم
الافادة وملازمة الافتاء والتدريس والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة
1143.
ومات الأستاذ الإمام صاحب الأسرار وخاتمة سلسلة الفخار الشيخ أحمد بن
عبد المنعم بن محمد أبو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة
البكرية بمصر اجازه أبو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن
الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الأشارة إلى ذلك وعندما ذهب الأستاذ
للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم
الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن
نفسه. فقيل له: هو المشار إليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة
بعد الغد وأرسل إليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا. توفي سنة 1153 ودفن
بمشهد اسلافه عند ضريح الإمام الشافعي.
ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن المتبحر الشيخ
محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي أخذ عن الشيخ أحمد
النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى
عن البصري والنخلي وعنه أخذ الأشياخ المعتبرون. توفي ليلة الخميس سابع
عشر صفر سنة 1154.
ومات الإمام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر
المدرسين الشيخ أحمد بن أحمد بن عيسى العماوي المالكي أخذ عن الشيخ
محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي
ج / 1 ص -236-
والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور
المنوفي والشيخ أحمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور له
عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم
والموطأ وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة
لبعضها دارية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من أولها
إلى آخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفيه المصطلح من أولها
إلى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء والإفادة في محله وانتفع به
الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا للاصول والفروع
والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر
وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم. ولم يزل
مواظبا وملازما على الأقراء والإفادة واملاء العلوم حتى وافاه الأجل
المحتوم. وتوفي سابع جمادي الأولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه أستاذنا
الإمام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد
المنعم ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين.
ومات الإمام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف
وكنز الأسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي
الدانرانكوي السوداني كان إماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع
واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الأسرار والأنوار. تلقى العلوم
والمعارف ببلاده عن الشيخ الإمام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي
البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ
هاشم محمد فودو ومعناه الكبير. قال: وهو أول من حصل لي على يديه الفتح
وعليه قرأت أكثر كتب الأدب ولازمته حضرا وسفرا نحو أربع سنوات فأخذ عنه
الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه. وكان
يلقبه قبل
ج / 1 ص -237-
ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره
لألفاظها استحضارا شديدا بحيث إذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة
وعدم الكلفة. وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والأوفاق وعلم الحساب
والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية
والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية. وحصلت له منه المنفعة التامة
قال: وقرأت عليه الأصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع
عقائد السنوسي الستة. وسمع عليه البخاري وثلاثة أرباع مختصر الشيخ خليل
من أول البيوع إلى آخر باب السلم ومن أول الإجارة إلى آخر الكتاب ونحو
الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في
ألف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه إلى غير ذلك. قال:
وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والاخبار
والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم. ذكر ذلك في برنامج شيوخه
المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف
عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه أن مما من الله علي به إني لم أقرأ
قط من كتاب مستعار وإنما ادنى مرتبتي إذا حاولت قراءة كتاب لم يكن
موجودا عندي أن أكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه أو
ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها أن أكتب شرحه وحاشيته
بدليل أنه لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت أهلي
وانسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع أهلي
في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الأوطار.
ولما أستاذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك واجتمع
بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك وأخذ عنه
اشياء كثيرة من علوم الأسرار والرمل.
ج / 1 ص -238-
وأقام هناك خمسة أشهر وعنده قرأ كتاب
الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو
الرجراجي وبعض كتب من الحساب. وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج
سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر
المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل
رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه
بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست وأربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق
وأيضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والأوفاق رتبه على مقدمة ومقصد
وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على
مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة. وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس
وشرحها شرحا عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل
نحو ستين كراسا. وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الآفاق.
ومن تآليفه بلوغ الأرب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك. توفي
سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا على تركته وكتبه وكان
يسكن أولا بدرب الأتراك وهو الذي أخذ عنه علم الأوفاق وعلم الكسر
والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى
على قبره تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه.
ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والأوصاف السيد علي افندي
نقيب السادة الأشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى
عليه وكان مختصا بصحبته. وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد إلى مصر ولم يزل
على احسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153.
ومات الأستاذ العارف الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد العربي
ج / 1 ص -239-
الأندلسي التلمساني الأزهري المالكي أخذ
الحديث عن الإمام أبي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس
أحمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر
والمغرب أخذ عنه الشيخ أبو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي
الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب. وتوفي سنة 1151.
ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير
الأسكندري المكي البليغ الماهر أخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني
والشهاب أحمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني
والشبرخيتي والابيذري وهو الشهاب أحمد الذي روى عن البرهان اللقاني
والبابلي وأخذ أيضا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب أحمد البشبيشي وله
تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظما في نحو عشر مجلدات. وقد
اجاز الشيخ أبا العباس أحمد بن علي العثماني واملي عليه نظما وذلك
بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن أحمد بن عقيل ومحمد بن
علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في
سنة 1131 في الطائف وإسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم. توفي في ذي الحجة
سنة 1149.
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات
المفيدة أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري أخذ عن عمه
الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية وأخذ عن
الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية
وعلى الأزهرية وعن الشيخ أبي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري
المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض وأخذ عن الشيخ الشنشوري ومن
مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي
والشيخ محمد النفراوي المالكي وأخوه
ج / 1 ص -240-
الشيخ أحمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني
والشيخ منصور الطوخي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ إبراهيم المرحومي
والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد
الحموي والشيخ أبو بكر الدلجي والشيخ أحمد المرحومي والشيخ أحمد
السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي
المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ أبو الحسن
البكري خطيب الأزهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته وافاد وألف وصنف.
فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب حاشية عليه مع
زيادة احكام وأيضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن
يتعاطى العقود على مذهب الأئمة الأربعة والختم الكبير على شرح التحرير
المسمى فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية
المراد لمن قصرت همته من العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك
الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري وختم على شرح
الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع
العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها.
وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة
ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة
تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق
بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الإمام الشافعي وتحفة المريد
في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على
بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة
في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى
وأربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن أرادها من الانام وجاشية على شرح ابن
قاسم
ج / 1 ص -241-
الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة
والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان
واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك. توفي سابع عشرين شعبان
سنة 1151.
ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر
الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ
محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر
كذا سنة ست وأربعين وذلك في أيام الأستاذ زاهد العصر الفخر الرازي
الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهذه الشهادة. وسمعت وصفه من لفظ الشيخ
الوالد وغيره من مشايخ العصر من أنه كان ازهد أهل زمانه في الورع
والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الأخلاق ولا يرى لنفسه مقاما.
وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الأكابر والأعيان لزيارته ويرغبون
في مهاداته وبره فلا يقبل من أحد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا
كثيرا ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج. وكان يقرأ
دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الأزهر
ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضي للناس بتقبيل يده ويكره
ذلك فإذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل إلى محل جلوسه
بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله أحد. وعندما يجلس يقرأ المقري وإذا تم
الدرس قام في الحال وذهب إلى داره وهكذا كان دأبه. توفي سنة أربع
وخمسين وأقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على ابنته.
ومات الإمام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي
الخانكي الفلكي الحيسوني أخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ محمد
البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة
مسكين وغيرهم واجتهد وحسب وحرر وكتب
ج / 1 ص -242-
بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد
المقومات على أصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون
وإذا نسخ شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل
نسخة صفحة بحيث يكمل الأربع نسخ أو الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع
في دفعة واحدة. وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات
الخمسة ودقائقها إلى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء
يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره. ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس
بالمركز والوسط فقط والعلامة باقرب طريق واسهل ما أخذ واحسن وجه مع
الدقة والأمن من الخطا وحرر طريقة أخرى على طريق الدر اليتيم يدخل
إليها بفاضل الأيام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق
لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل. واختصرها الشيخ
الوالد في قالب النصف ويحتاج إليها في عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال
الدقيقة يوما يوما. ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب
في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف
والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الأول وعصر أبي حنيفة وبغية الوطر
في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها
وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على أصول الرصد الجديد
وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة
والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة
بالرصد الجديد بالاطوال والأبعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139
والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة
استخراج قوس مكث الهلال بطريقي الحساب والجدول. واما كتاباته وحسابياته
في أصول الظلال واستخراج
ج / 1 ص -244-
حضره بعض الأعيان من أمراء مصر فيسبهم جهرا
ويشير إلى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك
ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم. مات في حادي عشري
الحجة سنة 1161.
ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر باعلوى نزيل
مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه إلى الهندي ومكث في دهلي
مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد إلى الحرمين وأخذ عن والده واخيه
العلامة علوي ومحمد بن أحمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين. وعنه
أخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس. وله مؤلفات نفيسة
منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور
واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والأصل أربعة أبيات
للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ
بن إسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا
بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات
شهيرة. توفي بمكة سنة 1160.
ومات السيد الأجل عبد الله بن مشهور بن علي بن أبي بكر العلوي أحد
السادة أصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد
عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض
كرامات. توفي سنة 1144.
ومات الأستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله
الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا. قرأ القرآن وجود
الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم
فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي وأخذ عنه واجتهد وتمهر.
ج / 1 ص -245-
وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات
وساعده على إدراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به
وألف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة
جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية
والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال وألف كتابا أيضا في منازل
القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك.
واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج
السمرقندي بخط العجم وغير ذلك. توفي سنة 1153.
ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ أحمد بن عمر
الأسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي
الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه
لابن فرشته وغيره والشيخ أحمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد
الباقي الزرقاني والشيخ أحمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي
والشيخ أحمد الشهير بالبناء وأحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير
بالخليفي والشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه
والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن
صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في
العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى وألف واجاد
وانتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159.
ومات الأستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والأنوار
المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد أوانه وكان
على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز
السنية وكان يحب سماع الآلات. توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة
1161.
ج / 1 ص -246-
ومات الأستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدرة
السالكين ومربي المريدين الإمام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين
المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد
الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ
ببيت المقدس على أكرم الاخلاق وأكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف
الحلبي وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الأصل وظهرت
به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما وابدع نثرا ونظما ورحل إلى
جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من أكتساب
المعالي والشرف. ولما ارتحل إلى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث
فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال. فلما كان آخر السنة
قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب أن
تكون روحانية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس ثم روحانية
خلفائه الأربعة والأئمة الأربعة والاقطاب الأربعة والملائكة الأربعة.
فبينما هو في اثنائه إذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله كأنه يتخطى اناسا
في المجلس حتى انتهى إلى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل
فسلم عليه ثم قال: ماذا صنعت يا مصطفى فقال له: ما صنعت شيئا. فقال له:
الم ترني اتخطى الناس قال: بلى إنما وقع لي إني احببت أن تكون روحانية
من ذكرناهم حاضرة. فقال له: لم يتخلف أحد ممن اردت حضوره وما اتيتك إلا
بدعوة والآن أذن لك في الرحيل. وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو
الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو
السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة. ورحل أيضا إلى جبل لبنان وإلى
البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه
وأوراده أكثر من ستين واجلها ورده السحري إذ هو باب الفتح وله عليه
ثلاثة شروح أكبرها في مجلدين. وقد شاد اركان هذه الطريقة وأقام
ج / 1 ص -247-
رسومها وأبدى فرائدها واظهر فوائدها ومنحه
الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر. قال الشيخ الحنفى: إنه جمع
مناقب نفسه فىمؤلف نحو أربعين كراسا تسويدا في الكامل ولم يتم. وقد رأى
النبى صلى الله عليه وسلم في النوم وقال له: "من أين لك هذا المدد"
فقال منك يارسول الله. فأشار أن نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات
وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان أكرم من السيل وامضى في السر
من السيف وأوتى مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له أولياء عصره ومحققوه في
مشارق الأرض ومغاربها وأخذ على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود
ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا إليه كفاية لمن أراد. واخذ عنه
طريق السادة الخلوتية الأستاذ الحفني وارتحل لزيارته والأخذ عنه إلى
الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة أحدى وستين ثم رجع إلى
مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع
الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام.
ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي
أخذ العلم عن الأشياخ من الطبقة الأولى وانتفع به فضلاء كثيرون منهم
العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما.
توفي سنة 1161.
ومات الأجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالأنيس أحد المهرة في الخط
الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة مير
اللواء عثمان بك ذي الفقار أمير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم
ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي
وقد أجازه في مجلس حافل. توفي سنة 1159.
ومات الإمام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ
ج / 1 ص -248-
أحمد بن مصطفى بن أحمد الزبيري المالكي
الأسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في ذكر
شيوخه أنه أخذ عن إبراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد
النشرتي الزرقاني وأحمد الغزاوي وإبراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي
ومحمد زيتونه التونسي نزيل الأسكندرية وابي العز العجمي وأحمد بن
الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد
الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي وأحمد السجيني
وإبراهيم الكتبي وأحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي
وعبد القادر الواطي وأحمد بن محمد الدرعي. ورحل إلى الحرمين فأخذ عن
البصري والنخلي والسندي ومحمد أسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد
الله. وكان المترجم إماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به
الانتفاع. روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة إلى تغر
الأسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع إلى مصر يملي ويفيد
ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء.
ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان.
مات الأمير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك
ولما دخلوا على أستاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك
خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح.
فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم إلى آخر الدهر وعد ذلك
من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة. ثم أرسل إلى مصطفى بك
بلغيه فحضر عنده وجمع إليه محمد بك قطامش وأرباب الحل والعقد وأرسلوا
إلى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا
ج / 1 ص -249-
امورهم وقتلوا القاسمية الذينن وجدوهم في
ذلك الوقت. ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع وأربعين
وكان أمير الحاج رضوان بك أرسل إلى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع
الأمراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم أنا
اذهب إليهم واخلص من حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا أخذ من الدولة شيئا
بشرط أن أكون حاكم جرجا عن سنة ثمان وأربعين فأجابوه إلى ذلك والبسه
الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه واتباع
أستاذه وتوجه إلى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من الحلزونات واجلاهم
وطلع أمير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق
الحجاج بنخل ودخل صحبتهم. ولما دخل ترت سافر إلى ولاية جرجا فاقام بها
أياما ومات هناك بالطاعون.
ومات الأمير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد الإمارة والصنجقية
في أيام إسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما وصدرا من
صدور مصر أصحاب الأمر والنهي والحل والعقد إلى أن مات بالطاعون على
فراشه سنة 1148.
ومات أيضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان
عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في أواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا
الجاويشية ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر
من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى إلى بلاد الروم ثم رجع إلى مصر
سنة خمس وثلاثين باتفاق من أهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات
له ولدان. فمكث بمصر خاملا إلى سنة ست وثلاثين ثم قلده إسمعيل بك بن
ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما. ولما قتل إسمعيل بك
في تلك السنة نفي المترجم إلى أبي قير خوفا من حصول الفتن فأقام هناك
ثم رجع إلى مصر واستمر بها إلى
ج / 1 ص -250-
ان مات في الفصل سنة 1148.
ومات كل من إسمعيل بك قيطامس وأحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن
بك وحسين بك كتخدا الدمياطي وإسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش
قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير
مستحفظان وأحمد أوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان
وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات
الجميع في الفصل سنة ثمان وأربعين.
ومات أحمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي
بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس وأصله
من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148
وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل
مملوكه علي ناظر عليه ووصيا على تركته. ومات المترجم في واقعة بيت محمد
بك الدفتردار سنة 1149 مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية
باكير باشا.
ومات الأمير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد
الرحمن كتخدا صاحب العماير. تنقل في مناصب الوجاقات في أيام سيده
وبعدها إلى أن تقلد الكتخدائية ببابه وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب
المشورة واشتهر ذكره ونما صيته وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية.
ولما وقع الفصل في سنة ثمان وأربعين ومات الكثير من اعيان مصر وامرائها
غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالازبكية
بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع وأربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به
ازدحام عظيم حتى أن عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا
فلم يجد له محلا فيه فرجع
ج / 1 ص -251-
وصلى بجامع ازبك. وملأوا المزملة بشربات
السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان
وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع في ذلك
اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس
وأرباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع في بناء الحمام
بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالأزهر
ورحبة رواق الاتراك والرواق أيضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من
وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة. ولم يزل
عثمان كتخدا أميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع
من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع أن الجمعية كانت باطلاعه ورأية ولم
يكن مقصودا بالذات في القتل.
ومات الأمير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو مملوك قيطاس بك
جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك إبراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك
الفقارى تولى الإمارة والصنجقية فىحياة أستاذه وتقلد إمارة الحج سنة
خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد أيضا إمارة الحج سنة 1146 و1148
ولما قتل عابدى باشا أستاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى
المترجم وكرنك في بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار أستاذه ولم
يتم له أمر وهرب إلى بلاد الروم فأقام هناك إلى أن ظهر ذو الفقار في
سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فأرسل عند ذلك أهل مصر
يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره إلى مصر وأرسلو إلى مصر
وانعموا عليه بالدفتردارية. ولما وصل إلى مصر لم يتمكن منها حتى قتل
علي بك الهندى فعند ذلك تقلد الدفتردارية وظهر أمره ونما ذكره وقلد
مملوكه علي صنجقا وكذلك إشراقه إبراهيم بك. ولما عزل باكير باشا تقلد
المترجم قائمقامية
ج / 1 ص -252-
وذلك سنة ثلاث وأربعين. وبعد قتل ذى الفقار
بك صار المترجم اعظم الأمراء المصرية وبيده النقض والابرام والحل
والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وإبراهيم بك ولم يزل اميرا
مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم
وقتل معه أيضا من أمرائه علي بك وصالح بك.
ومات معهم أيضا يوسف كتخدا البركاوي وكان أصله جربجيا بباب العزب وطلع
سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع إلى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من
المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد
باشا وعلي باشا والأمراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية
مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من
بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج
والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه
ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند
الباشا والأمراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة
نفر وأوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو
يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت
قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى. ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب
وظهر شأنه من ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته. وكان كريم النفس ليس
للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار.
ومات الأمير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره
تقلد الإمارة في أيام أستاذه ولما قتل أستاذه كان المترجم مسافرا
بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا
بسبيل علام فلما بلغه قتل أستاذه ركب هو وعثمان بك بارم
ج / 1 ص -253-
ذيله وأتيا إليه وطلباه للقيام معهما في
طلب ثأر أستاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي
في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الأمر الفارغ وفيكم البركة. وذهب
محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له أمر وخرج بعد ذلك
هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه إلى الديار الرومية
واستمر هناك إلى أن رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر
أميرا بمصر وتقلد إمارة الحج سنة اثنتين وأربعين وتوفي بمنى ودفن هناك.
ومات الأمير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفي سنة 1124.
تنقل في الإمارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من اعيان
الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع
إسمعيل بك بن ايواظ إلى باب العزب وقتل عمر اغا أستاذ ذي الفقار بك
وأمر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان
إذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة
قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى أن يوسف كتخدا البركاوي
انحرف منه في أيام إمارة ذي الفقار وأراد غدره واسر بذلك إلى ذي الفقار
بك فقال له: كل شيء اطاوعك فيه إلا الغدر بعلي كتخدا فإنه كان السبب في
حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل
شيء. وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو أن محمد اغا مملوك
بشير اغا القزلار أستاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور
الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله
ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد اغا لمملوكه حسن اغا أستاذ المترجم وزوجها
له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية. وسبب قتل المترجم ما ذكر
ج / 1 ص -254-
في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد
ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي
الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم
المشار إليهم إذ ذاك في رياسة مصر. واتفق عمر بك مع خليل بك وأحمد
كتخدا عزبان البركاوي وإبراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل أحد
المذكورين فكان أحمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له
لاظ إبراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي وأغراه بذلك فانتخب له جماعة
من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع
من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع إلى الديوان
وأرسل إبراهيم جاويش إنسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم
صحبة أحمد كتخدا فإنه عازم على قتلك. وبعد ساعة حضر إليه أحمد كتخدا
فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي خذ من الخازندار الفلاني ألف محبوب
ندفعها فيما علينا من مال الصرة. فأخذها الكاتب في كيس وسبقه إلى الباب
وركب مع أحمد كتخدا وإبراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم
فلما وصلوا إلى المكان المعهود خرج لاظ إبراهيم وتقدم إلى المترجم كانه
يقبل يده فقبض على يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط إلى الأرض واطلق
باقي الجماعة ما معهم من آلات النار. وعبقت الدخنة فرمح ابن امين
البحرين وذهب إلى بيته وطلع أحمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز إلى
الباب. ولما سقط علي كتخدا سحبوه إلى الخرابة وفيه الروح فقطعوا راسه
ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا إلى الباب وعندما طلع
أحمد كتخدا واستقر بالباب أخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من
حسن كتخدا المشهدي ألف محبوب أيضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه
والنفر. ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر
ج / 1 ص -255-
الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر
الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ أيضا القصر
الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الأمير صالح
الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير
ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله.
ومات أحمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لأنه
اشراق يوسف كتخدا البركاوي. وخبر قتله أنه لما تم ما ذكر ونزل أحمد
كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم
على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي
قبل طلوعي إلى الحج وإلا أرسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثأر المرحوم.
وأرسل إلى جميع الأعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول
الليل فلم يقبله منهم أحد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة
محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والأعيان ببيته لحضور مشهده فدخل
عليهم أحمد كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت. فقال له:
اطلع إلى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة. فطلع إلى المقعد كما
أشاروا إليه وجلس لاظ إبراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما
خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية
وأقاموا مماليك أحمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى
قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا. فأرسل عثمان بك إلى
رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته
ففعل ذلك فلما وصلوا إلى هناك ويقدمهم أبو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص
فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض
الناس وقال لهم: الذي مرادكم فيه
ج / 1 ص -256-
دخل بيت الطويل فاتوا إلى الباب فوجدوه
مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا أن يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم
في البيت من النهب فقتلوا لاظ إبراهيم ومن معه وطلعوا إلى أحمد كتخدا
فقتلوه أيضا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه
وأخذوها إلى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها إلى
الست الجلفية وأخذ منها بقشيشا أيضا. ورجع من كان في الجنازة وفتحوا
الباب وأخرجوا لاظ إبراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا. واستمر أحمد
كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه
الرأس والذراع.
ومات الأمير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرا
ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج
بمحظية أستاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد
الرحمن بن حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا سوى فائظ أربعة أكياس لا غير.
وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده أحد فحنق منهم
واتسلخ من بابهم وذهب إلى باب العزب وحلف أنه لا يرجع إلى باب
الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا. وكان المترجم صحبة أستاذه وقت
المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من
الجاويشية وعمل سردار قطار سنة أحدى وخمسين وركب في الموكب وهو مريض
وطلع إلى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة وأمير الحاج
إذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو
زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد
الرحمن جاويش وأستأذنه في أحضاره وإن يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا إليه
وأحضروه ليلا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية وأخذ عرضه من
ج / 1 ص -257-
باب العزب وطيب سليمان اغا خاطر الباشا
بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح
الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه
ويمينه.
ومات الأمير محمد بك بن إسمعيل بك الدفتردار وقتل الأمراء المتقدم
ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه. وخبر موته أنه لما حصل ما
حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت
والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها
من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت إليه وتأوهت وماتت ورجع إلى
مكانه. وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى اغات
الينكجرية واخبرته بذلك فركب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا
البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به إلى القلعة فرموا عنقه
وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته أواخر 1149.
ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقا ومملوكه سليمان بك فإنهم
بعد الحادثة وقتل الأمراء المذكورين وانعكاس أمر المذكورين اختفوا بخان
النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب
في ذلك فاستمروا في اخفائهم مدة ثم إنهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم
واتفقوا على ارسال عثمان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد
المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم
فأخبره أنهم بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم
وقصدهم الظهور على أي وجه كان. فقال له: نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام
إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم فقال له: اصبر وقام كأنه يزيل
ضرورة. فأرسل سراجا إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بانه
عنده فأرسل إليه
ج / 1 ص -258-
طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه.
ووصل الخبر إلى ولده ببيت أبي الشوارب فحضر إليه وواراه وأخذ ولده
المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحها إلى الباب فأخبر أغات مستحفظان
فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم إلى
الباشا فقطع رؤوسهم. واما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخل إلى
الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام
وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي. ثم سمع بما وقع لرضوان
بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه فذهب إلى بيته وعبأ خرج حوايج وما
يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا راكبا حصانا وركب وسار
من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى عليه الليل
يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة. ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول
ونزل في مكان. ثم ذهب عند دار السعادة وكان أصله من اتباع والد محمد بك
الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له: أنت السبب في خراب بيت ابن سيدي
وأستاذن في قتله فقتلوه بين الأبواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج
جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على
حتفه بظلفه.
ومات الأمير خليل بك قطامش أمير الحاج سابقا تقلد الإمارة والصنجقية
سنة تسع وأربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في إمارته على
الحجاج راحة وكذلك على غيرهم. وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن
المراكب إلى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في
أموالهم بطريق الحج. وكانت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفون
في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين. وكان الأمير
بك ذو الفقار يكرهه
ج / 1 ص -259-
ولا تعجبه احواله ولما وقع للحجاج ما وقع
في إمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب
ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى أرسل مكتوبا إلى علماء مصر
وأكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه وإن مما شاع بمغربنا والعياذ
بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع وضاقت من أجله
الأرض على الخلائق وتحمل من فيه إيمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى أمير
حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول الله فقد نهب المال
وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز
في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما
اجسمها فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت
الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسببها تأخر الركب هذه
السنة لهنالك وافصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك
فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا يقومون بتغيير هذا
المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام
إلى آخر ما قال: فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب
أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي
الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع
من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما أن كتابكم الذي خصصتم
الخطاب به إلى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة
الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية
الفائقة والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي
ادرجتم فيها ما ارتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد
بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام.
فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل
ج / 1 ص -260-
أكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا
يحصد إلا من جنس زرعه في حزن الأرض وسهله ولا يحيق المكر السيء إلا
بأهله لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى
حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون
هدايته فلم تفد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد ومن
يضلل الله فما له من هاد. ولما تيقنا أن التهديد بغير الايقاع كالضرب
في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا
باسقائه من حميم جراء افعاله لأن كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني
الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في
الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي إلى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان
في البراري وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه
بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة. والحمد لله حق حمده
رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا من جماعة ركبوا غارب الأغتراب بقصد
زيارة البلد الأمين. فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر
السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح
في يوم عاصف والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على
رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين
والحمد لله رب العالمين تحريرا في سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161.
واجاب أيضا الأشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك
المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا أبو يوسف
بالقلعة وقتل معه أيضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش
الذي كان تولى الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك
ابن علي بك ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة إبراهيم بك وعمر بك
وسليمان
ج / 1 ص -261-
بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم
من مصر إلى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من عصبتهم.
ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب
وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور
إلى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من
وجاق الجاويشية فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش فأرسل إليه اغات الينكجرية
فرمى عليه بالرصاص وحاربه. وحضر أيضا بعض الأمراء الصناجق فلم يزل
يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية
ورموا رقبة بباب زويلة.
ومات الأجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج
محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب
موته أنه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما
ففصده فيها بمنزله الذي خلف جامع الغورية. ثم ركب إلى منزله بالازبكية
فبات به تلك الليلة. وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد
الفصد لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل
منه دم كثير. فقال له: قتلتني انج بنفسك. وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة
السبت ثاني عشر ربيع الاخر سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى
أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته
من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق
والاغوات والاختيارية والكواخي حتى أن عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل
ماشيا إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين. ومات الأمير حسن بك
المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة إلى الديار
ج / 1 ص -262-
الرومية فتوفي بعد وصوله إلى اسلامبول
وتسليمه الخزينة بثلاثة أيام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه إمارته
وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1148.
ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان واليا في مصر في
سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له
معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الأسقاطي
وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة.
الأمير عثمان بك ذو الفقار.
هو وإن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم
وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات. وليس هو ممن يهمل ذكره أو
يذكر في غير موضعه لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة.
ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم
ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولون جرى
كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو
شهر. هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الإمارة والصنجقية
سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد
الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة
فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهم العرب أنه ذهب من خلف
الجبل الأخضر إلى درنة. فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات
الأقاليم في حياة أستاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعين
خرج إليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة
علي بك قطامش ولما قتل سيده
ج / 1 ص -263-
بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة
العشاء وجرى ما تقدم أرسلوا إليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت أستاذه
وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل
براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على
أمير منهم أحضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه
تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد
واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد
ومنهم من فر إلى بلاد الشام والروم ولم يعد إلى مصر حتى مات ومات
خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعين فقلد عوضه مملوكه حسن
الصنجقية. ولما حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتردار وكان
المترجم حاضرا في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من
باب البركة وسار إلى باب الينكجرية واجتمع إليه الأعيان من الاختيارية
والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم
باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى
خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا. وظهر أمر المترجم بعد
هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من اشراقاته وحضر إليه
مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة أحدى وخمسين ورجع
سنة اثنتين وخمسين في أمن وأمان وسخاء ورخاء. ولما حصلت الكائنة التي
قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم أيضا لطلب ثآره وبذل همته في
ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا
عن أستاذه واحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما
تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به
سنة ثلاث وخمسين
ج / 1 ص -264-
ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان وطلع
عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين. ثم ورد
أمر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا. وفي
تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر إليه وقدم له
تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل إلى بيت أحد
من الأمراء وإنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر
العيني أو المقياس. وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن
وأمان وانتهت إليه الرياسة وشمخ على أمراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا
عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم
وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه إلا على مقتضى
الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبة بنفسه. وعمل
معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء
ومنع المحتسب من أخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم. وكان يرسل
الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الأمراء ولم يعهد عليه أنه صادر
أحدا في ماله وأخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الأغنياء وأرباب
الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم
تطمح نفسه لشيء من أموالهم. ولما ورد الأمر بابطال المرتبات وجعلوا على
تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به
رضوان بك وقال: هذا من دموع الفقراء وإن حصلت الاجابة كانت مظلمة وإن
لم تحصل كانت مظلمتين. وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب
اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية
والبحرية في أيامه وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد االغيرة.
ولم يأت بعد إسمعيل بك ابن ايواظ في أمراء مصر من يشابهه او
ج / 1 ص -265-
يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة إذ
قال كلاما أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل
مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي
والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في
المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ
لطافا كل مقامة على حدتها وألف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف
وبالجملة فكان المترجم من خيار الأمراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى
استوحشوا منه وحضر إليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في
قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد أن يضربه وغير
ذلك.
السبب في كائنة عثمان بك
وخروجه من مصر.
مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش
منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك.
والثاني أن علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن
جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها
على حصته وحصة مخدومه فحضر إليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد
وياخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن
أبيه ففعل ذلك ووعده إلى أن يذهب منهم شخص إلى مصر ويأتي بالدراهم من
الأمين وضمنهم الذي كان السبب في قتل أبيهم فحضر شخص منهم إلى مصر وطلب
من الأمين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش
القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه
ضمنهم أيضا في المائة جنزرلي وقد أتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص
ثاره من سالم. فركب إبراهيم جاويش وأتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته
الولد فقص
ج / 1 ص -266-
عليه القصة وفمهما ثم إنهم ركبوا وذهبوا
عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي
فسلموا وجلسوا فقال إبراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق
خير. فذكر القصة ثم قال له: أرسل اعزل علي كاشف وأرسل خلافه. فقال
الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح إني اعزله
وللحاكم الخروج من حق المفسود. وتراددوا في الكلام إلى أن احتد الصنجق
وقال إبراهيم جاويش أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنا
استأجرت الحصة. فقال له: الصنجق أنزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل.
فقام إبراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا إلى بيت
عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش وأحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة
فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان
الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على
موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فأحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار.
وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول لا تعط فرمانا
بالتصرف في ناحية طحطا لإبراهيم جاويش فلما خرجت الحجة أرسلها للباشا
صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش
من عثمان بك وعزم على غدره وقتله. ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع
عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل
إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له: لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك
وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى
ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان ارجعوا وعمروا. فنزل الولد وفعل
ما قاله له: الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم
أحدا وأرسل إبراهيم جاويش كاشفا من طرفه
ج / 1 ص -267-
بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لأولاد
حماد. واستمر علي كتخدا يسعى حتى أصلح بين الصنجق والجاويش والذي في
القلب في القلب كما قيل:
أن القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاج كسرها لا يجبر
ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد
وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل
الأمراء.
وأما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو أن شيخ
العرب همام رهن عند إبراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لأجل
معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فأرسل همام إلى المترجم
يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش فاخبر عثمان بك
الباشا وقال له: هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا
يقولون أن أوقع فيها فراغه وأرسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم
لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فإنهم يوقفون المال والغلال. فلم يتمكن
إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الأيام
وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيم جاويش يتواقع على الأمراء
والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات
وحوالات ونحو ذلك إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك
وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب
فقالوا له: إما أن تكون معنا وأما أن ترفع يدك من عثمان بك. فلم يطاوع
وقال هذا لا يكون وكيف إني أفوت إنسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من
اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان. وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا
بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم. فلما ايسوا
منه قالوا: له إذا كان
ج / 1 ص -268-
كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا إبراهيم
جاويش فوعدهم بذلك وذهب إلى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك. فقال هذا شيء
لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له: اترك هذا
الكلام وأشار إلى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فأخذ في نفسه رضوان كتخدا
واغتم وقال له: حيث إنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك
وبينهم. وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في
الوقت وأخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا إلى عمر بك فوجدوا عنده
خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا أمرهم واتفقوا على الركوب على عثمان
بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع إلى الديوان فاكمنوا له في الطريق
فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته إسمعيل بك أبو قلنج خرج عليه خليل
بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم
يصب إلا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس
الخيمية وخاف من رجوعه على بيت إبراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على
حمام الوالي وهرب أبو قلنج إلى بيت نقيب الأشراف. وبلغ الخبر عبد الله
كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب
ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته إلى البيت وإذا بإبراهيم جاويش وعلي
جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا
بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته وأوقعوا فيها النهب واحرقوها
بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة
وأخذوا ينقبون عليه البيت. فلما رأى ذلك الحال أمر بشد الهجن وركب وخرج
من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقود مع أعيان المماليك
وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد
وذهب إلى بولاق.
ج / 1 ص -269-
ونزل في جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد
خلفه بل غم أمره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه
وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من
السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا وأكابر ولم يزالوا في النهب
حتى قلعوا الرخام والاخشاب وأوقدوا النار. وحضر اغات الينكجرية أواخر
النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى
ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان أمرا شنيعا. واما
عثمان بك فإنه لما نزل بمسجد أبي العلا وصحبته عبد الله كتخدا أقاما
إلى بعد الغروب فأرسل عبد الله كتخدا إلى داره فاحضر خياما وفراشا
وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم
يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه
طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق أولاد يحيى وغيرهم. واما ما كان
من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك
رضوان كتخدا جعل مملوكه إسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا
خليل بك قطامش أمير العسكر. ووعدوه بولاية جرجا إذا قبض على عثمان بك.
فجهزوا انفسهم وجمعوا الأسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحية اسيوط
فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا وأخبروا أنهم نحو
خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان
بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب. ثم إنهم
أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فإنهم في عزوة كبيرة فشرع
في تجهيز نفسه وأخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل
اتباعهم وانفارهم وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بك. ووصل الخبر إلى
عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله
ج / 1 ص -270-
كتخدا القازدغلي أنتم لم تفوتوا بعضكم.
واشار عليه بان يطلع إلى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك
ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين إليه ورجعوا إلى أماكنهم. وسار هو
من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة
أياما. ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر
إليهم السردار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده
فأرسل إليه علي جاويش الطويل فاحضره إلى إبراهيم جاويش وعاتبه وارتحل
في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك إلى مصر. ولما وصل إبراهيم جاويش
إلى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل
اتباعه ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه إلى مصر بعد وفاته.
ولما وصل عثمان بك إلى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته
سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وإنهم أخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا
ودقيقا وذهبوا إلى الطور فعملوا جمعية في بيت إبراهيم بك قطامش واتفقوا
على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات
بلوك واسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا فخلع
عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا. ووصل الخبر
إلى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه وأتى قرب اجرود فتلاقى معهم
هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل
كتخدا إبراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فأرسل إليهم
وأمرهم بالرجوع وارتحل إلى الطور. وأما التجريدة فإنهم قطعوا رؤوسا من
العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سرا إلى محمد افندي
كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور فحضر محمد افندي المذكور إلى
إبراهيم جاويش الذي أحضر رجلا بدويا طوريا
ج / 1 ص -271-
وسلمه له فاركبه هجينا وسار به إلى الطور
فلما وصل إليه واجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول وحسن له ذلك وانه
يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الأمور أمور. فوافق على ذلك
وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم إلى
الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا إلى
مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فأرسله إبراهيم جاويش قائمقام على امانة في
الصعيد. ولما وصل المترجم إلى اسلامبول وقابل رجال االدولة أكرموه
وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء. واجتمع
بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له: من جملة الكلام وما صنعت
مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال: لكوني أقول الحق واقيم الشرع
فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا
البلاد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس. فامر بكتابة
مرسوم وطلب أربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي
كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في أيام محمد
باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك أواخر سنة سبع
وخمسين. فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا: في الجواب أما البيت فقد نهبته
العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب
والفلاحون وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في
عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال
لهم: يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما
عليه وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم
بالجواب. ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته إسمعيل بك أبو قلتج بخزينة
سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا
ج / 1 ص -272-
العرض بحضرة عثمان بك قال: ليس في جهتي هذا
القدر ولكن أرسلوا يطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف
وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطابا
إلى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه أن يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث
الحلوان بولصة. فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات
والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم. فقالوا في الجواب أن من يوم هروب
المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب وأما
الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لأن حساب المبري
محرر في المقاطعات والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى
وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله
متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيى كاشف
أستاذ علي كتخدا الموجود الآن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر.
ثم إنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم
وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا
في القطامشة والدمايطة والقازدغلية. ثم إنهم أرسلوا عثمان بك إلى برصا
فأقام بها مدة سنين ثم رجع إلى اسلامبول واستمر بها إلى أن مات في حدود
سنة 1190. واما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما
سافر عثمان بك من اجرود إلى الشام وارتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش
عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف
بالجرجاوي وهو أول أمرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه إسمعيل
اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي.
وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة
1157. وترك المترجم
ج / 1 ص -273-
بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض
الأمراء واتفق أنه سافر إلى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على
مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته
وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان.
فإذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل
باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته. ومات مصطفى
بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك أنه سافر أميرا على العسكر
الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155.
ومات أيضا إسمعيل بك أبو قلنج وكان سافر أيضا بالخزينة عن سنة 1156
ومات باسلامبول ودفن هناك.
ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149
في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع
أستاذ محمد بك اجتمع الأمراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا
المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما
جرى على اخصامهم. وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد إمارة
الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن
معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر إلى الصعيد ثم ذهب
إلى الحجاز ومات هناك.
ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك
قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما
تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر
بالخزينة إلى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة
عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف.
ج / 1 ص -274-
ومات أبو مناخير فضة وذلك أنه كان ببيت
أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان جعله
باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل وأراد الذهاب إلى بيته فركب
حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الأمير حسين
وإذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا
أنه مات فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على
الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه
الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة
وشالوه ودفنوه في صحبها. وأرسل رضوان كتحدا فعزل الأوده باشة وولى
خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة.
ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن
أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشه الذي كمل قتل أبي
مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر وإذا بانسان جائز
بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش
فعرفوا عنه إبراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله. فقتله والله أعلم
بالحقائق.
في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها.
من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى
أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وذلك بحسب التيسير والامكان وما لا
يدرك كله لا يترك كله. فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا
راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من
القلعة.
ج / 1 ص -275-
إلى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم
سافر في أواخر سنة أحدى وستين ومائة وألف كما تقدم إلى ثغر رشيد.
ولاية أحمد باشا المعروف
بكور وزير.
ووصل حضرة الجناب الافخم أحمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه
بذلك أنه كان بعينه بعض حول فطلع إلى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر
قدومه فنزلت إليه الملاقاة وأرباب العكاكيز وأصحاب الخدم مثل كتخدا
الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف
بالبحيرة إذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك. فأرسل عمر
بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج
عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة إلى أن أحضر أحمد باشا المذكور
إلى اسكندرية فحضر إليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه
والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم
المعتاد وعرفه بحاله ووفاة أستاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا
صنجقية أستاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة. ووصل
خبر ذلك إلى مصر فأرسل المتكلمون إلى كتخدا الجاويشية يقولون له أن
المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا
ووصل إلى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها
أحمد باشا وحضر إلى مصر وطلع بالموكب المعتاد إلى القلعة في غرة المحرم
سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان
وخلع الخلع على الأمراء والأعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها
إلى إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد إبراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو
ج / 1 ص -276-
الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا
وهو الذي عرف بكشكش. وكذلك قلد رضوان كتخدا أحمد أغا خازنداره صنجقيا
فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الإبراهيمية
وإسمعيل وأحمد ومحمد الرضوانية. ثم إن إبراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت
ثلاثة أشهر وانفصل عنها. وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز
وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء
المساجد وأبطل الخمامير. وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته. وأقام
أحمد باشا في ولاية مصر إلى عاشر شوال سنة 1163 وكان من أرباب الفضائل
وله رغبة في العلوم الرياضية. ولما وصل إلى مصر واستقر بالقلعة وقابله
صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع
الأزهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم
وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه
العلوم فتعجب وسكت. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة
بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة
وربما تغدى معه ثم يخرج إلى المسجد ويأتي إلى الباشا في خواصه فيخطب
الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا إلى مجلسه وينزل
الشيخ إلى داره. فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة وأستاذن ودخل عند
الباشا يحادثه فقال له الباشا: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر
منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتها
وجدتها كما قيل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال له الشيخ: هي يا
مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال: وأين هي وأنتم أعظم
علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئا وغاية
تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال
ج / 1 ص -277-
له: نحن لسنا أعظم علمائها وإنما نحن
المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أرباب الدولة والحكام وغالب أهل
الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة
إلى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار. فقال له: وعلم الوقت
كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت
واستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلك. فقال: نعم معرفة ذلك
من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج
إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع
والخط والرسم والتشكيل والأمور العطاردية وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم
فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك. فقال:
وأين البعض فقال: موجودون في بيوتهم يسعى إليهم. ثم أخبره عن الشيخ
الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال: التمس منكم ارساله عندي. فقال:
يا مولانا أنه عظيم القدر وليس هو تحت امري. فقال: وكيف الطريق إلى
حضوره. قال: تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع. ففعل
ذلك وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا. وكان يتردد إليه
يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر
والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته. وكان يقول: لو
لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بهذا الأستاذ لكفاني. ومما اتفق له لما
طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال
بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه
ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده
مطابقا. فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير
فكره إلى أن حضر إليه الأستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب
ج / 1 ص -278-
في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها.
فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف أن يقبل يده ثم
أحضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل
عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات
على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما.
ولاية عبد الله باشا.
وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل إلى اسكندرية ونزل
أحمد باشا إلى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل إلى
مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع إلى القلعة فأقام في ولاية مصر إلى سنة
1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل إلى القصر بقبة العزب وهاداه الأمراء
ثم سافر إلى منصبه. ووصل محمد باشا امين فطلع إلى القلعة وهو منحرف
المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166
ودفن بجوار قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه.
قصد نصارى القبط الحج إلى
بيت المقدس.
وفي هذا التاريخ أحضر بطرك الأروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة
النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وإن دخلوا فإنهم يدفعون للدولة
ألف كيس. فأرسل إبراهيم كتخدا فأخذ أربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم
وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال. واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس
الافرنج ولعلها من تحيلات إبراهيم كتخدا.
ومن الحوادث أيضا في نحو هذا التاريخ أن نصارى الاقباط قصدوا الحج إلى
بيت المقدس وكان كبيرهم إذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد
الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية وألف دينار.
ج / 1 ص -279-
فكتب له فتوى وجوابا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم
وزياراتهم. فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل
أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم
وأولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا
العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم أموالا وخلعا وكساوي وانعامات.
وشاع أمر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبدالله
الشبراوي إلى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري
متمرضا فدخل إليه بعوده فقال له: أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على
سبيل التبكيت كيف ترضي وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم
رشوك وهادوك. فقال: لم يكن ذلك. قال: بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى
هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم
محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها إلى يوم
القيامة. فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم
ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم
ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا أيضا
الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة
وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء.
ولاية مصطفى باشا وعزله
وولاية علي باشا اوغلي الثانية.
وحضر مصطفى باشا وطلع إلى القلعة ثالث عشر ربيع الأول 1167 واستمر
واليا على مصر إلى أن ورد الخبر بعزله في أوائل شهر ربيع الأول سنة
1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته
الثانية. وطلع إلى سكندرية ونزلت إليه الملاقاة وأرباب المناصب
ج / 1 ص -280-
والعكاكيز. ثم حضر إلى مصر وطلع إلى القلعة
يوم الإثنين غرة شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته
المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الأخلاق وادر على
رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق
بنازله ذرعا. واستمر في ولاية مصر إلى شهر رجب سنة 1171.
ذكر من مات في هذه الاعوام
من العلماء والأعيان.
مات الإمام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الأزهري
وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها أنه كان ينفق من الغيب لأنه
لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من أحد شيئا وينفق انفاق
من لا يخشى الفقر وإذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب
والفضة وإذا دخل الحمام دفع الأجرة عن كل من فيه. توفي سنة 1164. ومات
الشيخ الإمام الفقيه المحدث المسند محمد بن أحمد بن يحيى بن حجازي
العشماوي الشافعي الأزهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب أحمد بن
عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن
تلميذه الشهاب أحمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الأسناد وأخذ
عنه غالب فضلاء العصر. توفي يوم الأربعاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة
1167 ودفن بتربة المجاورين.
ومات الشيخ الإمام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الأزهري
المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة أحمد النفراوي الفقه وأخذ الحديث عن
الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته
بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار
الفروع الفقهية. وكانت حلقة درسه اعظم الحلق.
ج / 1 ص -281-
وعليه مهابة وجلالة. توفي يوم الخميس سادس
عشر من شهر صفر سنة 1168.
ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي
العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي أحد الصدور المشار إليهم ولد
سنة 1087 بالنقيطة أحدى قرى المنصورة وقدم الأزهر فأخذ عن شيوخ المذهب
كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وأبي الحسن علي بن
محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز
فاتقن الأصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في
فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة. توفي
سنة 1169.
ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح الشاعر الأديب عمر بن محمد بن عبد
الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ
على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالأزهر. توفي في رجب سنة
1167.
ومات الأجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر
المشهورين بجماعة الفلاح وينسون إلى القازدغلية. وكان متمولا ذا ثروة
عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها
الراهب. وكان خادما لبعض أولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده
عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران
فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه
ليرجع به إلى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به
يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة. ولم يزل يتنقل في
الاطوار حتى صار من أرباب الأموال واشترى المماليك والعبيد والجواري
ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد.
ج / 1 ص -282-
ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات
والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب
الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير
ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة
وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة
كبيرة. وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في
سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح
وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة
كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الأموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت
دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل أمرهم إلى البوارهم وأولادهم
وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين.
ومات الأمير إبراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان هذا
تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا
والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا
وطلع سردار قطار في الحج في إمارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153. وفي
تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لأنه كان شديد المراس قوي الشكيمة
وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل من حينئذ
ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة
وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم وإقدام ونظر في العواقب. ولم يزل يدبر على
عثمان بك وضم إليه كتخداه أحمد السكري ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك
قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به
على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة.
ج / 1 ص -283-
فعند ذلك عظم شأنه وزادت سطوته واستكثر من
شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو أول
صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي. ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط
وعلي بك الدمياطي ومحمد بك في أيام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب
ثم حصلت أيضا كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة
والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك
انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت
كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر
وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر ثم انفصل عنها. وذلك
كما يقال لأجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا وحسينا صنجقين وكذلك
رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق. واشتعل المترجم
بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال
الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمة رضوان
كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر
والمترجم يرسل له الأموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ
اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد.
واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب وقلد إمارة
الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167. وفي تلك السنة
نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار فأخذ معظم الحجاج بجمالهم
واحمالهم إلى البحر ولم يرجع من الحجاج إلا القليل. ومما يحكى عنه أنه
رأى في منامه أن يديه مملوءتان عقارب فقصها على الشيخ الشبراوي فقال:
هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس. فان
العقرب لدغت النبي صلى
ج / 1 ص -284-
الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله
عليه وسلم:
"لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره إلا لدغته" وكذا يكون مماليكك. وكان الأمر كذلك وليس
للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم
خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والامارة وعمر داره
التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي بباب الخرق وهي دار
زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب إليها أيضا بمصر القديمة.
والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من مماليكه نساء
الأمراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا
وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك
المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الأمور ما
لم يدركه غيره بمصر ولم يزل في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة
1168.
ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد
كتخدائية باب عزبان بعد قتل أستاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم
ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما إبراهيم كتخدا كما
تقدم. ولما استقرت الأمور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الأحكام واعتكف
المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن بالغ
في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية وأصلها
بيت الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة
عند أولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة
الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والالوان
المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث
جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج الناصري من
الجهة الأخرى. وكذلك
ج / 1 ص -285-
انشأ في صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على
عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه بحيرة
تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها إلى حوض من اسفل ويجري إلى البستان
لسقي الأشجار. وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى
الاعلاق من ظاهره. فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في أيام النيل
ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع أولاد
البلد. وخرجوا عن الحد في تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض
للناس في أفاعيلهم. فكانت مصر في تلك الأيام مراتع غزلان ومواطن حور
وولدان كأنما أهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب. وهو
الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب العزب وعمل حوله هاتين
البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن. وقصدته
الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح واعطاهم الجوائز السنية
وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم واتخذ له
جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي
والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية
في المدائح الرضوانية ومحمد افندي المدني. وامتدحه العلامة الشيخ يوسف
الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة
للسيد حمودة السديدي المحلاوي. ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على إمارة
مصر ورئاستها حتى مات إبراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم
ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا
القازدغلي وراج سوق نفاقه وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا ويغريهم
ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه. فيخلص له بهم ملك مصر ويظن أنهم
يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الأمر
ج / 1 ص -286-
عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم كذلك يظهرون
له الانقياد ويرجعون إلى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد. وكل من
أمراء إبراهيم كتخدا متطلع للرياسة أيضا بالبلدة من الأكابر
والاختيارية وأصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا أبي شنب وعلي كتخدا الخربطلي
وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا وإسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا
الوكيل وإبراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي
محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي
وبيت الهياتم وإبراهيم اغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش
الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة
رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية وأوده باشيه ومنهم أحمد كتخدا
وإسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش وإسمعيل جاويش وغيرهم فأخذ
اتباع إبراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم
عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة
ولابواب والمحمودية وجامع السلطان حسن واجمع إليه جمع كثير من أمرائه
وغيرهم ومن انضم إليهم وكاد يتم له الأمر فسعى عبد الرحمن كتخدا
ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم إلى رضوان نصحهم لأنه كان سليم
الصدر ففرق الجمع ونزل إلى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة
وبيتوا أمرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته
أمن في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر إلا وهم
يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل
فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدا وجدهم قد أخذوا حوله
الطرق والنواحي فحارب فيهم إلى قريب الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه
مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل
ج / 1 ص -287-
لبيت الراحة فاصابته في ساقه وهرب مملوكه
إلى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية أن هو قتل سيده. فلما حضر إليهم
وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله. ثم أمر رضوان بك بالخيول وركب في
خاصته وخرج من نقب نقبه في ظهر البيت وتألم من الضربة لأنها كسرت عظم
ساقه فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه أحد ونهبوا
داره ثم ركب وسار إلى جهة الصعيد فمات بشرق أولاد يحيى ودفن هناك.
فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة أشهر. ولما مات تفرقت صناجقه
ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم إلى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا
من الحجاز إلى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وانقضت دولتهما. فكانت
مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور
والاقليم البحري والقبلي أمن وأمان والأسعار رخية والأحوال مرضية
واللحم الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن
البقري عشرته باربعين نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل
الصابون بخمسة انصاف والسكر المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف
والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا وأقل والرطل البن القهوة باثني
عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق
مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف
والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا
وشمع الدهن باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره
بسبعة انصاف وفسر على ذلك. يقول جامعة إني ادركت بقايا تلك الأيام وذلك
أن مولدي كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الأشياء على ما
ذكر إلا قليلا وكنت اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان
في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة إبراهيم كتخدا
ج / 1 ص -288-
وحدوث الاختلال في الأمور وكانت مصر إذ ذاك
محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها الفقير
وتتسع للجليل والحقير وكان لأهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا
توجد في غيرهم. أن في كل بيت من بيوت جميع الأعيان مطبخين أحدهما أسفل
رجالي والثاني في الحريم. فيوضع في بيوت الأعيان السماط في وقتي العشاء
والغداء مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره أمير
المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه واتباعه. ويقف الفراشون في
وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون إليهم ما بعد عنهم من القلايا
والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول أصلا ويرون أن ذلك
من المعايب حتى أن بعض ذوي الحاجات عند الأمراء إذا حجبهم الخدام
انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب
الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الأمير لأنه إذا نظر على سماطه شخصا
لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف أن له حاجة. فيطلبه ويسأله
عن حاجته فيقضيها له وإن كان محتاجا واساه بشيء. ولهم عادات وصدقات في
أيام المواسم مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان
والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الأرز باللبن والزردة
ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين.
ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى
يشبعوا من ذلك اللبن والزردة. ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك
صدقات وصلات لمن يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل
ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية والشريك على المدافن والترب في
الجمع والمواسم. وكذلك أهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا
يوجد في غيرهم
ج / 1 ص -289-
من أهل قرى الأقاليم. فان أقل ما فيهم إذا
نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في
أكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من
كبار العرب والمقادم فإن لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم
من السفار والاجناد. ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف إلى
غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه. ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق
العزب صوله.
ومات الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمد الشرايبي
وكان من أعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت
المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية
وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي. وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية
والنظام ومكارم الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم
العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير
وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم.
ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن
والخورنقات وفي مجالسهم جميعا. فكل من دخل إلى بيتهم من أهل العلم إلى
أي مكان يقصد الاعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في أي علم كان من
العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فإن
رده في مكانه رده وإن لم يرده واختص به أو باعه لا يسأل عنه وربما بيع
الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم
وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني
مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم
جميلة وأوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة. ومن
ج / 1 ص -290-
أوضاعهم وطرائقهم أنهم لا يتزوجون الأمن
بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة إلا للمقبرة فإذا عملوا عرسا
أولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس
من حريم ابيها إلى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها
ليلا بالشموع وباب البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة
العشاء بالمسجد الازبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر
مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته. وكان الأمراء بمصر يترددون إليهم
كثيرا من غير سبق دعوة وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من
الأوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبة في ذلك المجلس إلا اللطفاء من
ندمائه وإذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب إلا في مجلسه
لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين. وكان من سنتهم أنهم يجعلون عليهم
كبيرا منهم وتحت يده الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد
من الالتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل إنسان راتبه على
قدر حاله وقانون استحقاقه. وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في
الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب
ويجمع ما فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته.
واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات كبارهم وقع بينهم
الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي.
وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون
وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة المفرد
النجيب سيدي إبراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي. كان رحمه
الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب المورد رحيب النادي واسع
الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر قرة وعلى
ج / 1 ص -291-
مكتوب العمر عنوان المسرة. وما زال يشتري
متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على مذاكرة العلم وحضور التدريس
حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي تتمة ذلك في سنة
وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر.
ومات أحمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية
نساءهم وسكنوا في بيتهم. ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار
بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171.
وفاة السلطان محمود خان
وتولية السلطان عثمان.
ومات سلطان الزمان السلطان محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا
وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة
الأحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168.
وتولى السلطان عثمان بن أحمد أصلح الله شأنه.
ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الأصيل السيد محمد المدعو
حمودة السديدي أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها
نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول
والمعاني والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن
السليقة في النظم والنثر والانشاء وحضر إلى مصر وأخذ عن علمائها واجتمع
بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار إليه وصار من خاصة ندمائه
وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب
بها الشيخ عمار القروي وأرادفها بقصيدة رائية بليغة في هجو المذور
سامحهما الله. وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد
الله الادكاوي. حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163.
ج / 1 ص -292-
ومات الأجل المكرم محمد جلبي ابن إبراهيم
جربجي الصابونجي مقتولا وخبره أنه لما توفي ابوه وأخذ بلاده وبيتهم
تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى أيضا عثمان جربجي
الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد
جربجي مثل والده بالباب ويلتجيء إلى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات
البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ إلى عبد الله كتخدا القازدغلي
وعمل ينكجري فاراد أن يقلده اوده باشه ويلبسه الضلمة فقصد السفر إلى
الوجه القبلي وذلك في سنة أربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد عثمان
جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان
مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها
بشيء.
ولما مات إبراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر
اتباع إبراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالإمارة منهم عثمان بك
الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء
الثلاثة تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة أستاذهم. والذي تقلد الإمارة
منهم بعد موته حسين بك الذي عرف بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك
الكبير. وأما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه
وإسمعيل بك أبو مدفع. واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان
عندما ظهر أمره فهو إسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت أستاذه وكان
خازنداره وعلي بك السروجي. فلما استقر أمرهم بعد خروج رضوان كتخدا
وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي
فسار سيرا عنيفا من غير تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في
بعض تعلقاتها.
ج / 1 ص -293-
فشكت امرها إلى كبار الاختيارية فخاطبوه في
شأنها وكلمه حسن كتخدا أبو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه
من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد. ولم يزل حتى
حقد عليه خشداشينه وقتلوه.
وخبر موت حسين بك المذكور أنه لما مات إبراهيم كتخدا قلدوا المذكور
إمارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير
القوم والمشار إليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه إلى نصف
حرام لأن أصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب إلى
إبراهيم جاويش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد
جربجي ابن إبراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة
عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي. ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا
اغاوية مستحفظان وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171
وطلع بالحج في تلك السنة محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم أن
المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه إلى بلده النوسات
واخرج خشداشة أيضا عثمان بك الجرجاوي منفيا إلى اسيوط واراد نفي علي بك
الغزاوي وأخرجه إلى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية بواسطة نسيبه علي
كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا أبي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره علي
كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من
أقرانه وأرسل إلى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان
حاكما بالولاية فأمره بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل إلى المدينة. ثم
أرسل إليه يأمره بالسفر إلى جهة البحيرة وأحضروا إليه المراكب التي
يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل إليهم ويقتلهم
لينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر
ج / 1 ص -294-
دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني. وضم إليه
جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا وهم حسن كاشف جوجه
وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي وإسمعيل كاشف أبو مدفع
وآخر يسمى حسن كاشف. وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك
كشكش واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة
على جري عادتهم وركبوا صحبته إلى القرافة فزاروا ضريح الإمام الشافعي
ثم رجع صحبتهم إلى مصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس
وضحك. وفي الصباح حضر إليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك
ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه
انعاما فكتب إلى كل واحد منهم وصولا بالف ريال وألف اردب قمح وغلال
ووضعوا الأوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا
ونزلوا من القصر واغلقوه على المماليك والطائفة من خارج. وركب حسن كاشف
جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فإنه لما
أحضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما أرسل إليه حسين بك يستعجله
بالسفر يحتج بسكون الريح أو ينزل بالمراكب ويعدي إلى البر الآخر ويوهم
أنه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله. واستمر على ذلك الحال
ثلاثة أيام حتى تمم اغراضه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالأمريات. واتفق
معهم أنه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في
الطريق أن لم يتمكنوا من قتله بالقصر. فقدر الله أنهم قتلوه وركبوا حتى
وصلوا إلى حسين بك كشكش فاخبروه بتمام الأمر فركب معهم ودخلوا إلى مصر
وذهب كشكش إلى بيت حسين بك بالداودية وملكه بما فيه وأرسل باحضار
خشداشيه المنفيين. وعندما وصل الخبر إلى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي
ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا إلى القلعة.
ج / 1 ص -295-
وأخذوا في طريقهم أكابر الوجاقلية ومنهم
حسن كتخدا أبو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا بالآكلة في
فمه. فلما دخلوا إليه وطلبوه نزل إليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم حسين
بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم
إلى القلعة وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله
في شهر صفر سنة 1171 ثم أن مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على
هجين ودخلوا به إلى المدينة فادخلوه إلى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي
فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة. وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك
الصابونجي الذي بالازبكية واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك
الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية وإسمعيل أبو مدفع كذلك
وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد أشهر حسن كاشف المعروف بجوجه
صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال
حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر:
واخوان تخذتهمو دروعا
فكانوها ولكن للاعادي
وخلتهمو سهاما صائبات
فكانوها ولكن في فؤادي
واما من مات في هذا التاريخ من الأعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ
الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم الماهر الشاعر الأديب عبد الله
بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092
وهو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في
الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فأول من شملته إجازته سيدي محمد بن عبد
الله الخرشي وعمره إذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ
الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الأزهر
الشيخ محمد النشرتي
ج / 1 ص -296-
المالكي وتوفي في ثامن عشري الحجة سنة 1120
ووقع بعد موته فتنة بالجامع الأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية
وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ أحمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ
عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وأرسلوا
يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ أحمد النفراوي وحضر للدتريس
بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم إليه جماعة النشرتي
وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي إلى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة
وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا جماعة القليني وكسروا باب
الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي. فاجتمعت جماعة القليني في
يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة
النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة
وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل. وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق
المجاورون ولم يبق بالجامع أحد. ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم
طلع الشيخ أحمد النفراوي إلى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم
يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمه بتعديه وأمره بلزوم بيته وأمر بنفي الشيخ
محمد شنن إلى بلده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في
العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا. واستقر القليني في المشيخة والتدريس.
ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات. ولما مات
الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي. ولما
مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة إلى الشافعية فتولاها الشيخ عبد
الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعد أن تمكن وحضر
الأشياخ كالشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد
بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي
والشيخ صالح الحنبلي والشيخ
ج / 1 ص -297-
محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي. وسمع
الأولية وأوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم البصري أيام حجه ولم
يزل يترقى في الأحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار اعظم الاعاظم
ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته وصار
لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه
الأمراء وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية
بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف
عليها أموالا جمة. وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب
المكلفة النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم
من اللحم الضاني راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم
في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الأدب والاحترام. ومن
آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الأشراف وشرح الصدر في غزوة بدر
الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من التاريخ وولاة
مصر إلى وقت صاحب الأشارة. وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع
مشهور بايدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي
الحجة ختام سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة
تقريبا.
ومات الشيخ الإمام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع الشيخ حسن ابن
علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي
أخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ
عيد النمرسي والشيخ محمد بن أحمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي
وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الأزهر وافتى وألف واجاد منها حاشيته
على شرح الخطيب على أبي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح
ج / 1 ص -298-
على الآجرومية وشرح الصيغة الأحمدية وشرح
الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا. واختصر شرح
الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات العشر واخرى في فضائل ليلة
القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة
وحاشيته على شرح الأربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية
التحرير وحاشية علي الأشموني وشرح قصيدة المقري التي أولها سبحان من
قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك.
ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي
ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن ابن علي العجمي
من مكة المشرفة وعمره إذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي
بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى.
ومات الشيخ داود بن سليمان بن أحمد بن محمد بن عمر بن عامر بن خضر
الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار أهل
العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد
بالاجداد وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث. توفي في جمادى
الثانية سنة 1170.
ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي
القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج وأخذ الطريقة عن سيدي
أحمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ
بالانوار والاسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله
بثلاثة أيام واخبره تلامذة الشيخ أن الشيخ اخبر بوصول المترجم وأودع له
امانة فأخذها ورجع إلى مصر وجلس للارشاد وأخذ العهود ويقال أنه تولى
القبطانية توفي سنة 1170.
ج / 1 ص -299-
ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد
الحنفي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان
المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب
ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في أنواع الفنون ولازم الشيخ
العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ أحمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك
علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس
فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة. ومال إلى بعض خباء
الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل إلى الينبع
على هيئة رثة وأوى إلى جامعها. واتفق له أنه صعد ليلة من الليالي على
المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبا من
هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء فانعم
عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك
برهة إلى أن اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر أولاده بسبب قسمة
التركة فاتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى
الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة إلى مكة يستفتي
العلماء فاستقل الهجان الأجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع
الزيادة للهجان وامتنع أكثرهم ووقعوا في الحيرة. فلما رأى المترجم ذلك
طلب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص
المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب وأكرمه الوزير واجله
ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث
هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا. فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه
وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم
يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود إليه فوصل مع الركب إلى مكة وأكرم
وعاد إلى
ج / 1 ص -300-
مصر ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفي عن
فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب إلى سفط الصائم أحدى قرى
مصر من اعمال الفشن بالصعيد الأدنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله.
ومات الإمام الأديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن تاج الدين
محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة
وتربى في حجر أبيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره
من فضلاء مكة وأخذ عن الورادين إليها ومال إلى فن الأدب وغاص في بحره
فاستخرج منه الل إلى ء والجواهر وطارح الأدباء في المحاضر فبان فضله
وبهر برهانه ورحل إلى الشام في سنة 1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني
النابلسي فأخذ عنه وتوجه إلى الروم وعاد إلى مكة وقدم إلى مصر سنة ستين
ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على بديعيته
وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات
وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي
والادكاوي والمرحومي ومن أهل الحجاز الشيخ إبراهيم المنوفي وكان
للمترجم بالوزير المرحوم علي باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة
يد ومعرفة في علم الرمل وكان في أول اجتماعه به في الروم اخبره بامور
فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا. ولما تولى المذكور ثاني
توليته وهي سنة سبعين قدم إليه من مكة من طريق البحر فأغدق عليه ما لا
يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب
حافل تقليدا للوزير. ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على
عادة الأمراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في
اجازة الوافدين مالا وشعرا. ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ
عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية. ولما عزل
مخدومه
ج / 1 ص -301-
توجه معه إلى الروم فلما ولى الختام ثانيا
زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة أحد الأعيان المشار
إليهم واتخذ دارا واسعة فيها أربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية
بلوازمها. ولما عزل الوزير ونفي إلى أحدى مدن الروم سلب المترجم جميع
ما كان بيده ونفي إلى الأسكندرية. فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا
غريبا ولم يخلف بعده مثله. وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم
الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج أقترح فيها بانواع
منها وسع الاطلاع والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب
والتعريض وأمثلة ذلك كله موضحة في شرحه على البديعية. ولما تغيرت دولة
مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم
يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ.
ومات العمدة الأجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب
الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان
إنسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الأمير عثمان بك ذي
الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان
منزله المشرف على النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري
والجواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة
في الاحياء إلى الآن.
ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن أحمد العمروسي المالكي أخذ عن
السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس
بالجامع الأزهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع
ثم شرحه وكان إنسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة
1173.
ج / 1 ص -302-
ومات الأستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة
السيد شمس الدين محمد أبو الأشراق بن وفي وهو ابن أخي الشيخ عبد الخالق
ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار
محتشما سليم الصدر كريم النفس بشوشا. توفي سادس جمادى الأولى سنة 1171
وصلي عليه بالأزهر وحمل إلى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة
الأستاذ مجد الدين محمد أبو هادي ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين.
ومات الإمام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي
الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها وأصولا ومعقولا جيد الأستحضار
والحفظ للفروع الفقيه. واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض
وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الأعداد فكان بحرا لا
تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح
السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن
يرغب فيها ويأخذ من الطالبين أجرة على تعليمهم فإذا جاء من يريد التعلم
وطلب أن يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد
جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المناكيب
لمعرفة الأوقات والكتب وتسفيرها. والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة
على مذهب الإمام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد
الأقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير. وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى
عنه كثير من اشياخ العصر ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي
المالكي وغيره. توفي سنة 1170.
ومات الشيخ الإمام المعمر القطب أحد مشايخ الطريق صاحب الكرامات
الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد
ج / 1 ص -303-
ابن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس بن
مدين بن أبي العباس بن عبد القادر بن أبي العباس بن شعيب بن محمد بن
القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة إلى القطب
الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف أحدى قرى
مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعرع قدم إلى مصر فحضر على شيخ
المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي أياما في مختصر الشيخ خليل واقبل
على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الأزهر بجوار مدرسة السنانية وحج
فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد إلى مصر وحضر دروس الحديث
على الإمام المحدث الشيخ أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ
ولازمه كثيرا حتى عرف به. واجازه مولاي أحمد التهامي حين ورد إلى مصر
بطريقة الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية. ولما
توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلك تفسير
البيضاوي بتمامه. وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان
والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن إسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح
مسلم بالاشرفية وكان كثيرا لزيارة لمشاهد الأولياء متواضعا لا يرى
لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا يأكل إلا ما يؤتى إليه من زرعه
من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الأمراء تأتي لزيارته ويشمئز
منهم ويفر منهم في بعض الأحيان. وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من
الزاد من خبزه الذي كان يأكل منه. وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد
ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول إلى الحق حتى تعلل أياما بمنزله
الذي بقصر الشوك. وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله
المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الأموات
فانهدم قبره وامتلأ بالماء فاجتمع أولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في
العلوة على يمين
ج / 1 ص -304-
تربة الشيخ المنوفي ونقلوه إليه قريبا من
عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة
ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة
ويختلط به الرجال والنساء. ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد
كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل
والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من أكابر الأولياء والعلماء
والمحدثين وغيرهم من المسلمين والمسلمات. ثم إنهم ابتدعوا له موسما
وعيدا في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون
خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من اخلاط
الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وأرباب الملاهي والملاعب
والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان فيطأون
القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون
ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا
ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ويجتمع لذلك أيضا الفقهاء والعلماء
وينصبون لهم خياما أيضا ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة
من غير انكار بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة. ولو لم يكن كذلك لانكره
العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه فالله يتولى هدانا اجمعين.
ومات الشيخ الأجل المعظم سيدي محمد بكري أحمد بن عبدالمنعم ابن محمد بن
أبي السرور محمد بن القطب أبي المكارم محمد ابيض الوجه ابن أبي الحسن
محمد بن الجلال عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عوض بن
محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن
يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن
طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وكان يقال له سيدي
أبو بكر البكري شيخ
ج / 1 ص -305-
السجادة بمصر ولاه أبوه الخلافة في حياته
لما تفرس فيه النجابة مع وجود إخوته الذين هم أعمامه وهم أبو المواهب
وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم. فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا
مهيبا ذا كلمة نافذة وحشمة زائدة تسعى إليه الوزراء والأعيان والأمراء.
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه
مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب إلى الأزهر. ولما مات خلفه ولده الشيخ
سيد أحمد وكان المترجم متزوجا بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو
الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة ابن عمه السيد محمد افندي ابن
علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه الشيخ سيد أحمد
مضافة إلى نقابة السادة الأشراف كما يأتي ذكر ذلك إن شاء الله. وكانت
وفاة المترجم في أواخر شهر صفر سنة 1171.
ومات أيضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني. وتولى السلطان
مصطفى بن أحمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم وحضر إلى مصر محمد سعيد
باشا في أواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر إلى سنة 1173. وفي تلك
السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول.
ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها من انحازت
له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الأكرم مصطفى اسعد اللقيمي الدمياطي
وهو أحد الاخوة الأربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم أولاد المرحوم
أحمد بن محمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط
العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي في سنة 1173.
ومات اديب الزمان وشاعر العصر والأوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ
محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد إلى مصر في سنة
1144 فطارح الأدباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد إلى وطنه وورد إلى
مصر أيضا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين
الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات
ج / 1 ص -306-
وذكره في مجموعته واثنى عليه وأورد له من
شعره كثيرا ثم توجه إلى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة
ثلاث وسبعين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم
الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق
كان يأتي من بلده يزور العلماء والأعيان. وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة
قلبها وزنا وقافية إلى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك. وكان
الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له: يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي
الفلانية وهذه جائزتك. ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه
ويستأنس لكلامه. وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في
هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك وأولها:
يقول عامر هو الانبوطي
أحمد ربي لست بالقنوطي
ومات الأمير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك أنه لما قلد إبراهيم
كتخدا تابعه علي بك الكبير إمارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167
ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم إلى البحر
ولم يرجع منهم إلا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه إمارة الحج فاقتضى راي
إبراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال
له: إبراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج أو تدفع مائتي كيس مساعدة. فحضر
عند إبراهيم كتخدا فرأى منه الجد. فقال: إذا كان ولا بد فإني أصرفها
واحج ولو إني أصرف ألف كيس. ثم توجه إلى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه
إبراهيم هذا بعد هذا اليوم اما إني أموت أو هو يموت. فاستجاب الله
دعوته ومات إبراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج إلى مصر بخمسة أيام.
وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171.
ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الأوسطي
ج / 1 ص -307-
إبراهيم السكاكيني كان إنسانا حسنا عطارديا
يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها
بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم
والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك.
وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا
تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة
في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته
وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله. توفي في حدود هذا التاريخ وكان
حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ.
وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه
الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة. مات به الكثير من
الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف وأخذ ينقر في سنة 1172 وكان
قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد
الأمر بالزينة في تلك الأيام. وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي
الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة
بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر أمرهم وتقلد إمارة
الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل
جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن
كتخدا في غيبته وأقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر
استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم
على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش إلى الحجاز
من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري
مملوك خشداشه إلى فارسكور. فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج إلى العقبة
وصل إليه
ج / 1 ص -308-
الخبر فكتم ذلك وأمر بعمل شنك يوهم من معه
بأن الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى قلعة نخل
فانحاز إلى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج
والمحمل وركب في خاصته وسار إلى غزة وسار الحجاج من غير أمير إلى أن
وصلوا إلى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم
يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل إلى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة
شهر وأكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فأرسلوا إليه واحدا اغا
ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير
ذلك. ثم حضر إلى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات
بعد وصوله إلى مصر بثمانية أيام. يقال أن بعض خشداشينه شغله بالسم حين
كان يطوف عليهم للسلام.
ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا
كامل.
وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر إلى أواخر سنة
1174 ونزل إلى القبة متوجها إلى جدة فاقام هناك.
وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنة 1174. وكان ذا شهامة
وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال
فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه
إلى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا
خازنداره إلى جدة وكيلا عنه. ولما وصل العرض إلى الدولة وكان الوزير إذ
ذاك محمد باشا راغب فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى
باشا إلى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر فحضر وطلع إلى القلعة
وأقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في أواخر
ج / 1 ص -309-
سنة ست وسبعين ثم عزل. وحضر حمزة باشا في
سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في إمارة الحج حسين بك
كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا
مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وأمرهم
بدفع مطلوبات العرب. فذهبوا معه إلى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد
لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم: حينئذ لا يمكن في هذا
الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب. وسار الحج حتى
خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم
كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم
نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وأمر
بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون
بطلب الثأر. فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق
وهو يسوق عليهم من إمام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه
حتى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال. ودخل
المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه
وغيرهم وقال له: علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق
الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال:
أنا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل. فطلع أيضا في
السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس
الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم
وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفه حتى شردهم
واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة.
ج / 1 ص -310-
فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك
خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه
مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته
وانكفوا عن الحج. فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة. فحج أربع مرات
اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له أحد من العرب
ذهابا وأيابا بعد ذلك. وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون
الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج إليهم على حين
غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على
الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك.
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد إسمعيل بك
الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل
به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على
معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة.
واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر
الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والانواع وعلقوا
القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن
الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا
أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات
وجمعيات. واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس
تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي
بك الهدايا والصلات من اخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية
والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة
بالخير والناس مطمئنة.
ج / 1 ص -311-
والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى
عامرة. وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الأقاليم والبنادر
بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الأمراء الإبراهيمية
كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك. وبعد تمام
الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب
والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين
والسعاة والاغوات إمام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك
المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية
والعروس في عربة. وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو
الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء
ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب
وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات. فمن
ذلك الوقت اشتهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضا علي بك
المعروف بالسروجية. ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة
دولتهم انضوى إلى ممالأته ومال هو الآخر إلى صداقته ليقوى به على أرباب
الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه. حتى أن
عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين
وصوروا على أحمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد
الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ وأصبح في ثاني يوم اجتمع عنده
الاختيارية والصناجق على عادتهم. فلما تكامل حضور الجميع عين عبد
الرحمن كتخدا غاديا إلى بيت علي بك وكذلك باقي الأمراء والاختيارية
وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على
ذلك. ثم إنهم طلعوا أيضا في ثاني يوم إلى الديوان واجتمعوا بباب
الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل
ج / 1 ص -312-
جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن
كتخدا: وأكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي أيضا. فكتبوه واخرجوا فرمانا
بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم. وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم
المدني وخليل جاويش أقام أيضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة
فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء
المماليك وشرع في مصادرة الناس. ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب
البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض
بمثل بمثل النفي والتعرض إلى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك.
حادثة سماوية.
ومن الحوادث السماوية أن في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى هبت
ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا
في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى. وضجت الناس وهاج البحر
شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار.
وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في أوائل سنة 1178 في ابهة
عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم. فلما رجع قلده
الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب. ثم قلد مملوكه أيوب اغا ورضوان
قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضا.
وانقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد. وشهلوا أمور الحج على العادة
وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين
والأنبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان. ولما
رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك
ج / 1 ص -313-
وخشداشينه واغراضه وملكوا أبواب القلعة
وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر
جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين. فاما عبد الرحمن
كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك
ليوصله إلى السويس. ونفوا باقي الجماعة إلى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك
اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فإنه كان اعظم الجميع وكبيرهم
وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على
العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن
الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم. فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل
بالناس من البهتة والتعجب. ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا بنفيه إلى غزة
فوصل إليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب
وسافر وذهب صالح بك إلى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم أرسلوا له جماعة
ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك
ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة أكياس. فاقام برشيد مدة فحضرت
اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية فأرسلوا إلى
صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها وذلك
لئلا يجتمع بالباشا. فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلا
وسار إلى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم إلى جهة قبلى فوصل إلى
منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك
ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ
العرب همام وأكابر الهوارة وأكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي.
واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج إليه.
ج / 1 ص -314-
ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من
العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي
بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا
عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ أحمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي
فصار يقول لهم: كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث. فزادوا في
المغالطة فما وسعه إلا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه.
وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده
فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار
والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك
امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة
أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام
والناس تغدو وتروح للفرجة. وسعت العلماء والأمراء والأعيان والتجار
لدعوته. وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من
الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الأغوات
والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي
بك فالبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان
مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر
كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد إلى
اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه: فلما تروح
وارتاح في نفسه قال له الشيخ: يا افندي لأي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى
شئت. فقال: أنا اعرف قدرك وانت تعرف قدري. وكان نائبه من الاذكياء
أيضا.
ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع إلى القلعة
عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال
ج / 1 ص -315-
والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد
حسين بك كشكش حاكم جرجا وأمير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج
فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك أبو الذهب وحسن بك الازبكاوي
فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى إلى شرق أولاد يحيى وكان
حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك إلى قبلي فلما ذهب صالح
بك إلى قبلي انضم إليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح
بك شرق أولاد يحيى انفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان
ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب إلى
منصبه بجرجا وأقام في المنية فأرسل إليه علي بك فرمانا بنفيه إلى جهة
عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر إلى مصر
ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه
فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهم على المسالمة أياما فاراد
علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا
للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره أن يأكل منه أولا
فتلكأ واعتذر فامر بقتله. وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس
على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية
والعربية والرومية والطليانية. وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك
فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع
جماعته على غدر حسين بك أو اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على
اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته
وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه. فعند
ذلك أرسل إليهم يسألهم عن مرادهم فحضر إليه منهم من يأمره بالركوب
والسفر فركب
ج / 1 ص -316-
وأخرجوه منفيا إلى الشام ومعه مماليكه
وأتباعه وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام
حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر
والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا
إلى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من أمراء مصر أنه إذا خرج إلى خارج
فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة
وإن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب إلا
خالص الذمة. وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك
وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس
كتخدا وباقي اتباعه. واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش
وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا
الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من
شرق أولاد يحيى إلى المنية واستقر فيها وحصنها. فعند ذلك شرعوا في
تشهيل تجريدة وبرزوا إلى جهة البساتين. وفي تلك الأيام رجع علي بك ومن
معه على حين غفلة ودخل إلى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل
عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي فاجتمع
الأمراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك. فاقتضى الرأي بان يرسلوه إلى جدة
فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب إليها فرضي بذلك وذهب إلى
النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك إلى قبلي بناحية
اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا
التجريدة إلى صالح بك فهزمت فأرسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك
جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم
مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة.
ج / 1 ص -317-
فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد
أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه
ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة
1180.
وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي أنه يراسل علي بك وعلي بك
يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن
بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة
وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا
فسفروهم إلى جهة بحري وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فأرسلوا له
خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم
وأحضر له المركب لينزل فيها.
وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا
بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من
يوم العيد كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلى القلعة ويمشون إمام الباشا
من باب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون
كذلك ثم يقبلون اتكة ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا
على رسمهم واصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان وقد
هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي
والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم
من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا
الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير
الحاج والأمراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت
والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا
ج / 1 ص -318-
ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون
والترتيب ثم ينصرفون. فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الأمراء
الصناجق الباشا وخرجوا إلى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة
وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف
في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم
وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط أكثرهم من حائط البستان ونفذوا من
الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة. وانجرح أيضا إسمعيل
بك أبو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم إلا عثمان بك.
وباتوا على ذلك فلما أصبحوا اجتمعوا وطلعوا إلى الأبواب وأرسلوا إلى
الباشا يأمرونه بالنزول فنزل إلى بيت أحمد بك كشك بقوصون وعند نزوله
ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم إنهم
جعلوا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك
صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل: إنها من علي
بك الذي بالنوسات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو فبيت مع انفار من الجلفية
وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك
بقراميدان وكانوا نحو الأربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز
بيت القاضي وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه
الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم. وتهدم القصر وخرب
وكذلك الجنينة ماتت أشجارها وذهبت نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة
أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر اعتدال الريح
للسفر فرده إلى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع إلى جهة مصر ومر من
الجبل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك إلى
مصر. ثم أن علي بك اجتمع
ج / 1 ص -319-
عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد
الانضمام إلى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي
هناك منفيا من قبله وجعله سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك
الأسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فأرسلهم فلم يزالوا به حتى جنح
لقولهم. فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب فلم يزل به حتى انخدع له
واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب
والسيف. وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر اعطى
لصالح بك جهة قبلي قيد حياته. واتفقوا على ذلك بالمواثيق الأكيدة
وأرسلوا بذلك إلى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك
وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون
والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة
وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران. فلما بلغه قدومهم ارتحل
منها وحضر إلى مصر هاربا واستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية
وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها المادفع وقطعوا الطريق على
المسارفين المبحرين والمقبلين. وأرسل علي بك إلى ذي الفقار بك وكان
بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا إلى المنية فعمل
الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم
الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم الكلام ومانع في ذلك وحلف أنه لا
يسافر أحد بتجريدة مطلقا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير ابدا فقالوا
أنه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وإن لم نذهب إليه
أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم: الشيخ أنا أرسل إليه مكاتبة
فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهم إلا الامتثال فكتب له
الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه فلم يلبث الشيخ
بعد
ج / 1 ص -320-
هذا المجلس إلا أياما ومرض ورمى بالدم
وتوفى إلى رحمة الله تعالى.
فيقال أنهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم.
ولاية محمد باشا راقم.
وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم إلى سكندرية فأرسلوا له
الملاقاة وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181.
وفي حادي عشر جمادى الأولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان
دفتردار مصر.
وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه أمير الحاج وقاسم أغا صنجقا وكتبوا
فرمانا بطلوع التجريدة إلى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش وشرعوا
في التشهيل واضطرهم الحال إلى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد
وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ إبراهيم وكاتب البهار وطلب
منهم مال البهار معجلا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه
وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار وبرز حسين بيك خيامه
للسفر في منتصف جمادى الأولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك
جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة وإسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك
وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال.
وفي عشرينه اخرج خلفهم أيضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها ثلاثة صناجق
ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا أيضا في يومها وبعد ثلاثة أيام ورد
الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين
بك ومن معه وقتل علي أغا الميجي وخلافه. وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار
بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم
ج / 1 ص -321-
الاحد طلعوا إلى ابواب القلعة وطلبوا من
الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في
اسوأ حال. وأصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من
الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم
الإثنين بوصول القادمين إلى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين
خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك
ومن معهما وتحيروا في أمرهم وتحققوا الأدبار والزوال وأرسل الباشا إلى
الوجاقلية يقول لهم: كل وجاق يلازم بابه.
وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم إلى البساتين فازداد
تحيرهم وطلعوا إلى الأبواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا إلى قراميدان وجلسوا
هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الأمراء والاجناد وخرجوا إلى
جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك
وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم إليه بعض الأمراء مثل قاسم بك خشداشه
وإسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش
إبراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الأوراق في
داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك.
وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى هرب الأمراء الذين بمصر وهو
خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة صناجق
وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الأعيان
وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم
ومماليكهم واتباعهم وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من أمراء
ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي
وقلده علي بك
ج / 1 ص -322-
الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم
أعطاه كشوفية الشرقية وسافر إليها.
وفي يوم الأحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الأمراء
القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو وإسمعيل بك زوج
هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم
إلى الديوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما
كان وخلع علي صناجقه خلع الأستمرار أيضا في إمارتهم كما كانوا ونزلوا
إلى بيوتهم وثبت قدم علي بك في إمارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر
بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والاقطار الحجازية والبلاد
الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين ووخرق
القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت
مستقمية ثم أنه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه إلى مصر وعزم
على نفي بعض الأعيان واخراجهم من مصر فعلم أنه لا يتمكن من اغراضه مع
وجود حسن بك جوجو وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله
فبيت مع اتباعه على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك
وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب إلى بيته فركب وركب معه جن علي
ومحمد بك أبو الذهب وأيوب بك ليذهبا أيضا إلى بيوتهما لاتحاد الطريق
فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا
سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا
سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 وأصبح علي
بك مالكا للابواب ورسم بنفي قاسم بك وإسمعيل بك أبي مدفع وعبد الرحمن
بك وإسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع
ج / 1 ص -323-
مصطفى جاويش الكبير مملوك إبراهيم كتخدا
وخليل جاويش درب الحجر.
وفي حادي عشر شهر شوال اخرج أيضا نحو الثلاثين شخصا من الأعيان ونفاهم
في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا
وأحمد كتخدا الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان
الكبير وصناجقه حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده
باشية فنفى الجميع إلى جهة قبلي وأرسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية إلى
السويس ليذهب إلى الحجاز من القلزم واستمر هناك إلى أن مات.
وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه إلى
بلده جناج فلم يزل بها إلى أن مات. وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند
عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى
والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك.
وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك أنهم لما وصلوا إلى
غزة جمعوا جموعا وإنهم قادمون إلى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة
عظيمة وبرزوا وسافروا. ثم ورد الخبر بعد ثلاثة أيام أنهم عرجوا إلى جهة
دمياط ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا إلى المنصورة ونهبوا منها كذلك
فأرسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب إليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من
البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود
فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين. وقتل في هذه
المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان وأحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر
أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم
إلى دجوة. فلما وصل الخبر بذلك إلى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا وخرج
إلى
ج / 1 ص -324-
قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية
والعلماء وأرباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا أو عليه
عتامنة يشهل نفسه ويطلع إلى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك
في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك أبو الذهب وسافروا في
أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الأولى وسار الجميع خلف حسين بك وخليل
بك ومن معهم وكانوا عدوا إلى بر الغربية بعد أن هزموا التجريدة فلو قدر
الله أنهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك
لدخلوا إلى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك. وانقضت
هذه السنين وما وقع بها.
من مات في هذه الاعوام من
أكابر العلماء وأعاظم الأمراء.
مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي
المالكي الأشعري الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم
البقري المقري الشافعي في سنة 1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي
والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج
أمره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل
يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا
له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على أنفسهم
ودفعوه من مالهم. فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على
املاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي
ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف.
ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية بقية السلف
السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل
فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم
ج / 1 ص -325-
والمطالعة والاذكار والأوراد وولى نقابة
الأشراف بمصر في الإثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي
الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة لايهاب في الله إمارا بالمعروف فاعلا
للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة 1176 وصلي عليه بالأزهر في
مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم
بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو
الامداد.
ومات أيضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له محمد باشا
المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا
للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول
والفروع والأصول وهو الذي حضر إلى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما
وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم ورجع إلى الديار الرومية وتولى
الصدارة ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة
1176.
ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من أرباب الأحوال الصادقين
والأولياء المستغفرين وأصله من الصعيد. وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد
ركوبها ولذلك لقب بالهواري. ثم أقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان
للناس فيه اعتقاد حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الأسواق والناس
يتبركون به. مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة
1176 وصلوا عليه بالأزهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله.
ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير
باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب جده
الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي. ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد
المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي.
ج / 1 ص -326-
والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد
الرحمن الخطيب ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد
الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي وسمع الأولية عاليا عن
الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر وانجب واشتهر صيته وسمع
منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري وعندي
اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد
عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد
مرتضى في غالب مروياته وسمعت منه أنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند
باب الرحمة أحد ابواب الحرم الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في
سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له
كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج إليه وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم
المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما توفي
في سنة 1174.
ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد العدوي الحنفي
تفقه على كل من الأسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم.
وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي وتصدر للافادة
والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق. توفي في
ثالث الحجة سنة 1175.
ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبدالوهاب الدلجي
الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس
وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب
عليها بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة
والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن. وكان ملازما للافادة
والافتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة
ج / 1 ص -327-
أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر
رجب سنة 1177.
ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر
رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه محمد بن
عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي أحمد ابن قاسم البوتي
حين ورد ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه أكبر الدروس
وكان لديه فوائد كثيرة. توفي سنة 1176.
ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين أبو المعالي حسن بن علي بن علي
ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الأصل المكي ينتهي نسبة إلى الولي
الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة إلى سيدي إبراهيم البسيوني
ولد بمكة سنة 1142 وبها تنشأ وأخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري
والشيخ أحمد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى إلى مصر فحضر
دروس الشيخ الحفني وله انتسب وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ
منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له
سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال وقد جمع كلامه
في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة الجمعة
رابع عشرين رمضان سنة 1146.
ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي
الأصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم بها
نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم
وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت إلى أن
استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن
الالقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إماما في
المعقولات وحلالا للمشكلات وولي
ج / 1 ص -328-
خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها
ورم ما تشعث وانتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح
المقولات العشر. توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو
منصرف من الحج.
ومات السيد الأديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف
بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ الحفني
وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه إلى الأسكندرية وتديرها مدة ثم ورد
في أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره وألف
رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خرج صيغها بالدور الاعلى
للشيخ الأكبر وتولى نيابة القضاء بالكاملية وكان إنسانا حسنا لطيف
المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلا على شأنه. توفي في
ثاني ذي الحجة 1175.
ومات الأستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم
في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178. ودفن يومه قريبا من مشهد
السيدة نفيسة رضي الله عنها.
ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى
الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178.
ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن
آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي.
ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الأمير إبراهيم أوده باشه
غالم فجأة في ثامن جمادى الأولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند السادة
المالكية.
ومات أيضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية في تاسع شوال
سنة 1178.
ج / 1 ص -329-
ومات الأجل المكرم الحاج حسن فخر الدين
النابلسي عن سن عالية وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى
سنة 1178.
ومات الأمير الأجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب إلى الصالحات علي بن
عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها
بحشمة وافرة وشهامة باهرة. وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر
التجليات الأشراق مع ميله إلى الفنون الغريبة وكماله في البدائع
العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي واتقان الفروسية.
ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت إليه الرياسة قيادها فاصلح ما وهن
من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله واستمر
ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها
وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة
القاموس وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف
الظنون في اسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب. توفي يوم
الإثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن
بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة
والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة.
ومات الإمام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ
شمس الدين الحفني أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن أخيه
ولازمه ودرس وافاد وافتى وألف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر
مشهور وكتب حاشية عظيمة على الأشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء
وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الإسلام وحاشية
على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح
الأزهرية لمؤلفها وشرح على
ج / 1 ص -330-
شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي
عليه. توفي في شهر صفر سنة 1178.
ومات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن
الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي. توفي ليلة الجمعة
سادس ذي القعدة سنة 1178.
ومات الإمام العلامة السيد إبراهيم بن محمد أبي السعود بن علي بن علي
الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون
ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة
والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل الأشكالات العقيمة مذكورة موصوفة
رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي
واثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال
المذهب. توفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179.
ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن عيسى ابن يوسف
الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي
والشيخ إبراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ
الملوي والحفني وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه الطريقة
الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه
السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي
السنوسية وغير ذلك. توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة
وصلى عليه بالأزهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع
تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا
على ذلك مدة سنين.
ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ أحمد بن محمد السحيمي الشافعي
ج / 1 ص -331-
نزيل قلعة الجبل حضر دروس الأشياخ ولازم
الشيخ عيسى البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا
الله به تلك البقعة وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله
زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء
وعد ذلك من كراماته فإنهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا.
وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيدة في علم
التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله حال
مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض أصحابه بجمعها واشتهر بينهم أنه
كان يعرف الأسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح
والخير وحسن السلوك على قدم السلف. توفي ثامن شعبان سنة 1178. ودفن
بباب الوزير.
ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صالح ابن
أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي ويقال له: السعودي
نسبة إلى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء
الوقت. وكان إماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب الحديد
أحد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده
في أكثر ما يقول: ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه. توفي في شعبان سنة
1179.
ومات السيد الأجل المحترم فخر أعيان الأشراف المعتبر بن السيد محمد بن
حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك الشيوخ
وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء
والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الأمراء والأكابر. ولما
تولى الشيخ أبو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه
كثيرا. توفي سنة 1178.
ج / 1 ص -332-
ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر
البليغ سليمان بن عبد الله الرومي الأصل المصري مولى المرحوم علي بك
الدمياطي جود الخط على حسن افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب
بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والأوراد وكانت له خلوة
بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل
حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات. توفي سنة 1179.
ومات السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر محمد بن رضوان السيوطي
الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الأربعين ونشأ هناك وامه شريفة
من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد
الحفني ولازمه وانتسب إليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال إلى فن
الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر وخطه في غاية الجودة والصحة. وكتب نسخة من
القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على
غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق إليه. وتوجه بآخر امره إلى بلده
وبه توفي سنة 1180 رحمه الله.
ومات الإمام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد
الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة أبي النجيب من بغداد وبها
نشأ وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري
وآخرين وحج وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن
الكوراني. ورد مصر سنة 1171.
فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام القوم علافان إلى
الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به وكان
يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد
محمد مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من
ج / 1 ص -333-
اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه
ويقول: في حقه أنه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه
وسلم عيانا. وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة ثم ورد أيضا
إلى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الأزهر. ثم توجه إلى الديار الرومية
وقطن بها. وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له اتباع
ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر
الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه.
ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ أحمد بن أحمد
السبلاوي الشافعي الأزهري الشهير برزة كان إماما عالما مواظبا على
تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت
بسوق الكتبيين مع الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم
بالأزهر كل يوم بعد الظهر أخذ عن الأشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة
وكان إنسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيا بشأنه
مقبلا على ربه. توفي سنة 1180.
ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن افندي ابن حسن
الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف
جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على
مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ. أما الطريقة الحمدية
فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي وأما طريقة ابن الصائغ
فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري والحمامي جودا على
عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش محمد
شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي وأما
السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى
المرصفي وهو على.
ج / 1 ص -334-
اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على
أبي الفضل الأعرج وهو على ابن الصائغ بسنده. وكان شيخا مهيبا بهي الشكل
منور الشيبة شديد الانجماع عن الناس وله معرفة في علم الموسيقى
والأوزان والعروض. وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في
العلوم والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل
والمرقعات وقد اجاز في الخط لأناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع
صرامة وشهامة وعزة نفس. توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180.
ومات الإمام العالم أحد العلماء الاذكياء وافراد الدهر البحاث في
المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي
المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت
وانضوى إلى الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر
وانجب وتضلع في الفنون ودرس واملى. وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم
اخيرا دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد ثم أرسله الشيخ إلى بلاد
الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان
يرسل إليهم أحد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان هو المعين لهذا المهم
فالبسه واجازه ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام
وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعها. فقطن
بالبهجورة واعتنى به أميرها شيخ العرب إسمعيل بن عبد الله فدرس وافتى
وقطع العهود وأقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى
جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الأحوال بالصعيد
وأوذي المترجم وأخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى إلى مصر فلم
يجد من يعينه لوفاة شيخه. ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة
حتى مات في أواخر سنة 1181.
ج / 1 ص -335-
ومات الإمام العلامة المتقن المعمر مسند
الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري
الملوي الشافعي الأزهري ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني
شهر رمضان سنة 1088 وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف
الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني اعتنى من صغره
بالعلوم عناية كبيرة وأخذ عن الكبار من أولى الأسناد والحق الاحفاد
بالاجداد فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ
عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي
والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن
العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد
وخاله أبو جابر علي بن فامر الايتاوي وابو الفيض علي بن إبراهيم
البوتيجي وأبو الانس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية ومن
المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني
والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد
بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي
وابن أبي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن
علي الحسيني الضرير الشهير باسكندر ورحل إلى الحرمين سنة 1122. فسمع
علي البصري والنخلي الأولية وأوائل الكتب الستة واجازه والشيخ محمد
طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي الكوراني ودخل
تحت اجازة الشيخ إبراهيم الكوراني في العموم وعاد إلى مصر وهو إمام
وقته المشار إليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات
قرأ المنهج مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا
بعد جيل. وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضي
ج / 1 ص -336-
الله عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن
السلم كبير وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح
الأجرومية ونظم النسب وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح
ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين. ونظم الموجهات
وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي
صلى الله عليه وسلم. ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة
ويدرسها الأشياخ. وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش
ومع ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة أنواع العلوم وترد عليه الناس
من الآفاق ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم
من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان
ممتع الحواس وأقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف
شهر ربيع الأول سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين الحسيني
البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم إلى مصر فأخذ
عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني
والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي
والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي وحج سنة 1113. والف فأخذ عن
البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد
محمد بن علي العلوي في الأحمدية والشيخ محمد شويخ في الشناوية وحضر
دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد
الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا
بالكفاف. توفي ليلة الإثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة ببولاق
وصلي عليه
ج / 1 ص -337-
بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق إلى مدافن الخلفاء قرب
مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله.
ومات الشيخ إمام السنة ومقتدى الأمة عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين
ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن
أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم
والتصوف جده الاعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ إسمعيل
الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك
والتربية وهو الذي تدير زبيد بأهلة وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية
اسفل زبيد خربت الآن. ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن
وبعض المتون ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين
المزجاجي والسيد عبد الفتاح بن إسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل
مخا وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ
علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ
محمد عقيلة. روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه
وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول وكان يحثه
على قراءة الاخسكيتي ويقول: لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد
المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد
التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه أوائل الكتب
الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب الستة وعاد إلى زبيد
فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى الصحيحين
وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان
يمكث فيه أيام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه
بن عقلية وهي خمسة وأربعون مسلسلا. وسمع عليه أيضا
ج / 1 ص -338-
المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة
والخاصة والبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به وبه تخرج
شيخنا المذكور. كذا ذكر في ترجمته. قال: وفي اخرى توجه إلى الحرمين
فمات بمكة في ذي الحجة سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ عمر بن علي ابن
يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري تفقه على الشيخ سالم النفراوي
وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير
الورزازي والشيخ أحمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن
الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي وابي الحسن علي بن أحمد
الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحسيني
واشتهر امره وطار صيته واشير إليه بالتقدم في العلوم وتوجه إلى دار
السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك دروسا في
الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه أكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف
معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي
بناء مسجده بالازبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل
سفره إلى الديار الرومية وكان مشهورا في حسن التقرير وعذوبة البيان
وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وافاد وأجاز الأشياخ
وكان يطلع في كل جمعة إلى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه الحديث.
وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في
القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه في
الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله.
ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن
نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي
ج / 1 ص -339-
المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي
وهو أحد الاخوة الثلاثة وهو أكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد
أبيه فسار فيها سيرا مليحا وأحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية
وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد ويغدق على
المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته وألف باسمه
شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها عقيلة الاتراب في
سند الطريقة والاحزاب وفي آخره أتى إلى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة أيام.
وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما وعملا ومن أدرك
ما لم تدركه الأول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه في
كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو
شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن
علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه إلى
الإمام الحسين رضي الله عنه وكان والده مستوفيا عند بعض الأمراء بمصر
وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا بالقصر قرية من
اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت عليه
النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء ثم
حجزه ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة
بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك
والسلم والجوهرة والرحبية وابا شجاع وغير ذلك. واخذ العلم عن علماء
عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه
واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرأ الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع
والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق والأصول والحديث
ج / 1 ص -340-
والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين
أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ
عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ
يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير ومن اجل شيوخه
الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن المبت
أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام الغزالي
وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ
ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الأوسط والصغير له أيضا
وصحيح ابن حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ أبي نعيم وغير
ذلك. وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة لازمه جل
طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق
العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما وأوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه
ذلك خوفا من انقطاعه عن العلم. وكان يتردد إلى زاوية سيدي شاهين
الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد
الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه
وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه كتب عليها
وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال
يرسله إليه. واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وع إلى النظم والنثر وتخرج
عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ
إسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة
أحدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ
محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين
منهم. وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته فمن
تآليفه المشهورة
ج / 1 ص -341-
حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى
الشنشوري في الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى
شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة.
وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل السجايا مهاب
الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور. وكان كريم
العين على أحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته
وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام كل متكلم
ولو من الخزعبلات مع انبساطه إليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه
مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأله إنسان اعز
حاجة عليه اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك إنسا وانشراحا ولا يعلق
أمله بشيء من الدنيا وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من
الخبز في كل يوم نحو الاردب والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن
وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا ونهارا ويجتمع على مائدته
الأربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه والمنتسبين إليه.
وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول والعرض وهادته
الملوك وقصده والآخرة وجده. وكان رزقه فيضا الهيا. وللشيخ رضي الله عنه
مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ
حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ وكذلك
العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب
الشيخ ومدائحه وغير ذلك.
وصل في ذكر أخذ العهد بطريق
الخلوتية.
وهي نسبة إلى سيدي محمد الخلوتي أحد أهل السلسلة ويعرفون.
ج / 1 ص -342-
أيضا بالقرباشلية نسبة إلى سيدي علي افندي
قره باش أحد رجالها أيضا وهذا هو الأسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من
الخلوتية ولذلك قال السيد البكري في الالفية:
والخلوتية الكرام فرق
قد نهجوا نهج الجنيد
فرقوا
وخيرهم طريقنا العلية
من قد دعوا بالقربا شليه
وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس فيها تكليف بما
لا يطاق وكانت خير الطرق لأن ذكرها الخاص بها لا إله إلا الله وهي أفضل
ما يقول العبد كما في الحديث الشريف.
وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين
فأخذ على رجل يقال له الشيخ أحمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري
فتلقى منه بعض أحزاب وأوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133
فاجتمع عليه الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله
السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل السيد ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه فحصل
بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين يدي السيد بعد الأستئذان وكانت
عادة السيد إذا أتاه مريد امره أولا بالاستخارة قبل ذلك إلا هو فلم
يأمره بها وذلك اشارة إلى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم اشتغل
بالذكر والمجاهدة. فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ
أحمد الشاذلي المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق
ويعاتب أيضا السيد فقال له السيد: هل لك معه حاجة قال: نعم لي معه
أمانة. وإذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له: هذه أمانتك قال: نعم.
فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له: خذ امانتك ثم انتبه. فأخبر السيد
فقال له: هذا اتصال بنا وانفصال عنه. وهذه النسبة الباطنية التي صار
بها سلمان الفارسي وصهيب من أهل البيت. وقال ابن الفارض في التائيه على
لسان
ج / 1 ص -343-
الصادق صلى الله عليه وسلم:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة
فلي فيه معنى شاهد بالأبوة
فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة
الباطنة لأنه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من
الحضرة العلية إلا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته
ولم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من
المعلوم ضرورة. فظهر بهذا أن هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة
عليها. ثم سار في طريقة القوم أتم سير حتى لقنه الأستاذ الأسم الثاني
والثالث. ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ إلا كمال
الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره. فمن ذلك أنه كان
لا يتكلم في مجلسه أصلا إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال ولم
يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى
القاهرة وسببه أنه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم إليه قال له:
انبسط إلى الناس واستقبلهم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر
النعم. ومما اتفق له أن شيخه المذكور قال له: مرة تعال الليلة مع
الجماعة واذكروا عندنا في البيت. فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد
فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له: كيف
جئت في هذه الحالة. فقال: يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر
وأيضا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وإن كنت حافيا. فقال له:
أحسنت هذا أول قدم في الكمال إلى غير ذلك. ولما علم الشيخ صدق حاله
وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق
ومنحه أسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر وأخذ العهد كما
وجد بخط الأستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه:
ج / 1 ص -344-
هذه صورة أخذ العهد أرسلها إليه السيد
البكري الصديقي الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة
الخلوتية. ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة أن يجلس المريد بين
يدي الأستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة
ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له: قل
معي استغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم
"يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة
نصوحا" إلى
"قدير" ثم يقرأ آية المبايعة
التي في الفتح ليزول الأشتباه وهي:
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى:
{عَظِيماً} ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو
الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام باوراد الطريق والدوام على
ذوق أهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر وإذا وقعت
الأشارة بتلقين الأسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني. وفتح له باب توحيد
الافعال إذ لا غيره فعال وفي الثالث توحيد الأسماء ليشهد السر الأسمى
وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه إلى اعلى الصفات وفي الخامس توحيد
الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع. ونسأل
الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين
انتهى. هذا ما كتب بخطه الشريف. قال: ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما
نصه.
ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية وهو كتاب
نحو كراس لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ما نصه إذا أراد الشيخ أن ياخذ
العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا
لقبول ما يلقيه إليه من الشروط في الطريق ويتوجه إلى الله تعالى ويسأله
القبول لهما ويتوسل إليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة
بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على
راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ
ج / 1 ص -345-
ويبسمل ثم يقول: الحمد لله رب العالمين
استغفر الله العظيم الذي لا اله إلا هو الحي القيوم واتوب إليه وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما
قال. ثم يقول اللهم: إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك
إني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم:
إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله
واقبل عليه وكن له ولا تكن عليه. ثم يدعو كأن يقول اللهم: أصلحنا وأصلح
بنا واهدنا واهد بنا وأرشدنا وأرشد بنا اللهم: أرنا الحق حقا والهمنا
اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم: اقطع عنا كل قاطع
بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك انتهى.
قلت والمراتب السبعة التي اشار إليها السيد في الكيفية المتقدمة هي
مراتب الأسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال
عليها الأسم الأول لا إله إلا الله وتسمى النفس فيه إمارة والثاني الله
وتسمى النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق
وهو أول قدم يحله المريد من الولاية كما مرت الأشارة إليه وتسمى النفس
فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس
فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين. وكلها
ما عدا الأول منها تلقن في الاذن اليمنى إلا السابع ففي اليسري
وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال وأقوال وعالم
مثال. واعلم أن سلسلة القوم هذه في كيفية أخذ العهد والتلقين مروية عن
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز
وجل. وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الأربع والنبي صلى
الله عليه وسلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب
في التوصل إلى المحبوب لسيدي
ج / 1 ص -346-
يوسف العجمي أن عليا سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله تعالى.
فقال:
"يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات". فقال علي رضي الله عنه: هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه
الأرض من يقول الله". فقال علي: كيف اذكر يا رسول
الله. قال: غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا
اسمع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات
مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي: لا إله إلا الله ثلاث
مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع. ثم لقن
علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند أهل السلسلة الاخيار
من المحدثين. قال الجاحظ السيوطي: الراجح أن البصري أخذ عن علي ومثله
عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي ثم
لقن الحسن البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا
الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد
البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الأسلام. ثم لقن الجنيد
ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو
لقن عمر البكري وهو لقن أبا النجيب السهروردي وهو لقن قطب الدين
الأبهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن
جلال الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن أخي محمد
الخلوتي وإليه نسبة أهل الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن أخي
بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو
لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الارزنجاني وهو
لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي وهو لقن
ج / 1 ص -347-
شعبان القسطموني وهو لقن إسمعيل الجورومي
وهو المدفون في باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي
وهو لقن سيدي علي افندي قره باش أي أسود الرأس باللغة التركية وإليه
نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي ولده وخلفاؤه كما قال السيد
الصديقي: أربعمائة ونيف وأربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن حسام
الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال
الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا
الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين
وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائم العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي
المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر الفقهاء والمتكلمين.
من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام الليل يقرأ في
كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه أو جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما
صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ
من أن تنسب إليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته.
ومنهم علامة وقته وأوانه الولي الصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم القوى طلب
العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية إلى الشيخ فأخذ
عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه
التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار
مجالس الذكر ودعا الناس إليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب
العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن.
ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ محمد السنهوري
ثم الفوى طلب العلم حتى صار من أهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد
والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع
ج / 1 ص -348-
المجاهدة وحسن السيرة على يد الأستاذ حتى
لقنه الأسماء السبعة والبسه التاج وأقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم
اذن له في التوجه إلى بلده فتوجه إليها وربي بها المريدين وادار مجالس
الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود الانتفاع.
ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني والصوفي في
العالم الإنساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة
لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الأستاذ فأخذ عليه العهد
ولقنه الأسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه
بالتلقين والتسليك.
ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء والتدريس الشيخ خضر
رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة وأخذ عليه العهد في طريق
الخلوتية حتى تلقن الأسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ
العهود والتسليك.
ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي والمكرمات شيخنا
الشيخ محمود الكردي أخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الأسماء فكان
محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه
بالتلقين والتسليك فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس. وهو مشهور
البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن كراماته أنه متى أراد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم رآه. وله
مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه وهو الذي قام للارشاد
والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده منهم الشيخ
الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الإسلام
والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر الآن
والإمام الأوحد
ج / 1 ص -349-
الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس
الشريف والمشار إليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح
إبراهيم الحلبي الحنفي والسيد الأجل العلامة والرحالة الفهامة السيد
عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الإمام العمدة الهمام الشيخ عمر
البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم.
ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم الخلف الشيخ
محمد سبط الأستاذ المترجم أطال الله بقاءه.
ومنهم الشيخ الفهامة الأديب الاريب واللوذعي النجيب الشيخ محمد
البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي.
ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ أحمد الغزالي تلقن منه الأسماء وتخلف
عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك.
ومنهم العالم العامل الشيخ أحمد القحافي الأنصاري أخذ العهد وانتظم في
سلك أهل الطريق وتلقن الأسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس وافتتح
مجالس الاذكار.
ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب الباذخ والشرف
الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الأسماء والبس التاج وصار خليفة
حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الأنوار.
ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ سليمان المنوفي
نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال
عجيبة.
ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا أيضا لقنه وخلفه
والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج.
ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير لقنه وخلفه واجازه
فكثر نفعه.
ج / 1 ص -350-
ومنهم العلامة الأوحد ومن على مثله الخناصر
تعقد الشيخ يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل أيضا إليه فتلقن منه وسلك
على يديه حتى صار خليفة والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع
إلى بلاده باوفر زاد وادار مجالس الذكر وأكثر المراقبة والفكر حتى كثرت
اتباعه وعم انتفاعه.
ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد الشهير
بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه.
ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب الجمال والجلال
الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم
بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة والصوفي الفهامة الشيخ
محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فأخذ العهود ولقن وسلك وفاق في
سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق.
ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد الكريم المسيري
الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ العهود
والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور. ومنهم
شيخ الفروع والأصول الجامع بين المعقول والمنقول علامة الزمان والحامل
في وقته لواء العرفان الشيخ أحمد العدوي الملقب بدر دير جذبته العناية
إلى نادي الهداية فجاء إلى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار أحسن
سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع
المجاهدة والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم.
ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد الرشيدي الشهير
بالمعصراوي.
ومنهم الإمام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي أحمد الصقلي المغربي
تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك.
ج / 1 ص -351-
ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر
بفهمه الشيخ سليمان البتراوي ثم الأنصاري.
ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ إسمعيل اليمني تلقن
وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الأكيدة وحسن
المجاهدة.
ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع الشيخ حسن بن علي
المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير هؤلاء
ممن لم نعرف كثير.
في ذكر رحلة الأستاذ المترجم
إلى بيت المقدس.
وهو أنه لما اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع
له تسليك أحد في هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه كله إلى العلم
واقرائه لكن ذلك بجسمه وأما قلبه فلم يكن إلا عند شيخه السيد الصديقي
ولم يزل كذلك إلى عام تسع وأربعين.
فحن جسمه إلى زيارة شيخه وانشد لسان حاله:
أخذتم فؤادي وهو بعضى فما الذي
يضركم لو كان عندكم الكل
ف أرسل إليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته وتعلقت نفسه
بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر إلى أن وصل بالقرب من بيت
المقدس. فقيل له: إذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل
ركعتين وزر محل كذا فقال لهم: أنا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا
إلا أستاذي فلا أدخل إلا من بابه ولا أصلي إلا في بيته. فعجبوا له فبلغ
السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس
فتوجه إلى بيت الأستاذ فقابله بالرحب والسعة وأفرد له مكانا ثم أخذ في
المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر
ج / 1 ص -352-
والعزلة والخلوة قال: فبينما أنا جالس في
الخلوة إذا بداع يدعوني إليه فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة فقال: أنت
صائم قلت نعم فقال: كل فامتثلت امره وأكلت فقال: اسمع ما أقول لك أن
كان مرادك صوما وصلاة وجهادا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا
فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك
بحسب الأستطاعة وكل واشرب وانبسط قال: فامتثلت اشارته ومكثت عنده أربعة
أشهر كأنها ساعة غير إني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة
الأسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع
الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني
ثم لما انقضت المدة واراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى
وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع
قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم
فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم فلا
نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا
إلى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم: إن
طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم: إعراب ذلك المكان نحن
نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم
نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ: أنا
ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع أنت وليس لك
في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا إلا أن ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك
فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم
وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور
وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود
على العالم.
ج / 1 ص -353-
وأدار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا
طريق القوم بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ
هدية الاقطار كلها وصار في كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع
يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار
الأرض. وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقته
وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من أهل عصره إلا أذعن له وحين تصدى
للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الأمر لا
يأخذون إلا بالاستخارة والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس
عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال له: لا تمنع أحدا
يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على يديه خلق كثير من النصارى
وأول من أخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي العالم العلامة
المرشد الشيخ أحمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان أستاذه
السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه
قسيما له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى أنه قال له: يوما إني
اخشى من دعائكم لي بالاخ لأنه خلاف عادة الأشياخ مع المريدين فقال له:
لا تخش من شيء وامتدحه أشياخه ومعاصروه وتلامذته. توفي رضي الله عنه
يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع الأول سنة 1181 ودفن يوم الأحد بعد
أن صلي عليه في الأزهر في مشهد عظيم جدا وكان يوم هول كبير وكان بين
وفاته ووفاة الأستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ ابتدأ نزول
البلاء واختلال أحوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب أن وجوده
أمان على أهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك أنه لم
يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم
الهدى فسد نظام العالم وتنافرت القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء
ومن المعلوم المقرر أن صلاح
ج / 1 ص -354-
الأمة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع
لصلاح العلماء وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا
تدور بدون قطبها وقد كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم أمر
من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه واذنه ولما شرع الأمراء القائمون
بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك وأستاذنوه فمنعهم من ذلك
وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا أنه لا يتم قصدهم
بدون ذاك فاشغلوا الأستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا
وأخرجوا التجاريد وآل الأمر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك
وفعل ما بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية
والشامية والحجازية ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الأرض فهذا هو
السر الظاهري وهو لا شك تابع للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة
وكمال المتابعة وتمهيد القواعد وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام
مباني التقوى لأنهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم أولئك هم
الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
ومات شمس الكمال أبو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب
بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين أحمد بن القطب سيدي محمد بن أبي
المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده إلى شريين ودفن عند جده سامحه
الله وتجاوز عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ
ثالث اسمه علي وكانت وفاة المترجم ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام العلامة المتقن المتفنن الفقيه الأصولي النحوي الشيخ
محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي وأصله من فارسكور أخذ عن
الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في
المعارف والزهد والورع والتصوف وكان
ج / 1 ص -355-
يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ
العزيزي والدمياطي وبآخراته توجه إلى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك
دروسا وانتفع به جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة
خديجة رضي الله عنها.
ومات الشيخ الإمام العلامة مفيد الطالبين الشيخ أحمد أبو عامر النفراوي
المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي
والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في
المعقول والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله
حظوة في كثرة الطلبة والتلاميذ توفي سنة 1181.
ومات الأمير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك إبراهيم كتخدا وكان
حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق الآخرين سرا
وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك إلى النوسات ثم صار
يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم إلى أن تحول إلى قبلي وانضم إلى
صالح بك فأخذ يستميل متكلمي الوجاقلية إلى أن كانوا يكتبون لأغراضهم
بقبلي ويرسلون المكاتبات في داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر
في الحركات والسكنات إلى أن حضر علي بك وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة
معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه وتخلف عنهم وبقي
مع علي بك بمصر يشار إليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته بالامارة
دونه وتحقق علي بك أنه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الأمر لنفسه ما دام
حسن بك موجودا فكتم امره وأخذ يدبر على قتله. فبيت مع اتباعه محمد بك
وأيوب بك وخشداشينهم وتوافقوا على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن
من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من
الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد
ج / 1 ص -356-
بك وأيوب بك ومماليكهما واغتالوهما في
اثناء الطريق كما تقدم.
ومات الأمير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا ابن الأمير خليل
أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من بيت
لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن
أغا المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه إليه
ونظر فيه بالفراسة مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب
لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده
بالاكرام أن هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل إليه وساعدته العناية
حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له الخراج إلا
بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في
أوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد
والبواقي أولا بأول وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه
واتفق أنه غلا ثمنه في تلك السنة غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ
عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال: لا أخذ إلا حقي وأما الربح فهو لك
فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية مليحة واهداها
له فلم يقبلها وردها إليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن طصفة
وكفرها ومنية تمامه وصار من الأمراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن
كتخدا ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح
كتخدا وعبد الله جربجي وإبراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين
جربجي المعروف بالفحل ورضوان جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة
أمير. وكان رضوان جربجي هذا من الأمراء الخيرين الدينين له مكارم أخلاق
وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر.
ثم أن علي بك ذهب
ج / 1 ص -357-
يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية
فعاتبه على نفي رضوان جربجي فقال له: علي بك تعاتبني على نفي رضوان
جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك عبد الرحمن كتخدا فقال: ابني المذكور
منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس فهو يست أهل وأما هذا فهو
إنسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال: نرده لاجل
خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى
الأولى في هذه السنة والله سبحانه وتع إلى أعلم. |