تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
سنة عشرة ومائتين وألف.
لم يقع بها شيء من الحوادت التي يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور
الأمراء والمظالم.
وفيها في غرة شهر الحجة
عزل صالح باشا ونزل إلى قصر العيني ليسافر فأقام هناك أياما وسافر إلى
اسكندرية.
ومات بها الإمام العلامة
المفيد الفهامة عمدة المحققين والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد
الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء الشيخ عطية
خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم
الشيخ عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء
وبالاجهوري لشدة نسبته إلى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الأزهر وأفاد
الطلبة وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه
الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن
بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الإمام الشافعي في كل ليلة سبت يقرأ
مع الحفظة بطول الليل وكان إنسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه مقاما
يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به إلى الفران ويعود به إلى عياله فإن
اتفق أن أجد رآه ممن يعرفه حمله عنه وإلا ذهب به
ج / 2 ص -174-
ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور
ويخبزه له وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على
شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة
وتوفي إلى رحمة الله تعالى غفر الله له.
ومات العمدة العلامة والرحلة
الفهامة الفقيه الفاضل ومن ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم
الهواري المالكي أجد طلبة شيخنا الشيخ الصعيدي لازمه
في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه ولى
مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته
للدروس وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة
جنان وشدة تجارى واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الأزهر وعمرها
دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة
السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين وعامودين وأربع بوائك وزاوية
جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز والإتقان فهدمه وأدخله
في بنائه من غير تحاش أو خشية لوم مخلوق أو خوف خالق وأوقف اعوانه من
الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير
الترابين وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ
لأجل التبرك أما قهرا أو محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم
على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن
فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون ويروحون في الخصومات والدعاوى
ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن خألف عليهم ضربوه
واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم اجتمعوا عليه
من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل إلى
الأزهر ومن عذلهم أو لامهم كفروه ونسبوه إلى الظلم والتعدي والاستهزاء
بأهل العلم والشريعة وزاد الحال
ج / 2 ص -175-
وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده
يجلس في ناحية ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الأمر إلى أن نادى
عليهم حاكم الشرطة فانكفوا ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه
السنة رحمه الله تعالى.
ومات الإمام الفقيه العلامة
والفاضل والفهامة عثمان بن محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي
ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي السعود والشيخ سليمان
المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات ودرس الفقه في
عدة مواضع وبالأزهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون
وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند
القراءة ويلقى التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في
المذهب ثم حج وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقطن بالمدينة وطلب
عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد على المجاورة ولازم قراء
الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه أهل المدينة وتزوج وولد له أولاد ثم
تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي إلى رحمه الله تعالى في هذه
السنة.
ومات العمدة الفاضل المفوه
النبيه المناضل الحافظ المجود الأديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن
عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي السبريائي
نسبة إلى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع إلى
القطب سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب أبي تيج
من قرى الصعيد تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى
الفنون فأدرك من كل فن الحظ الأوفر ومال إلى فن الميقات والتقاويم فنال
من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا مختصار دل على سعة باعه ورسوخه
في الفن ومعرفة القواعد والأصول ودقائق الحساب ونهج مسلك الأدب
والتاريخ والشعر ففاق فيه الأقران ومدح الأعيان وصاحبناه وساجلناه
كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا
ج / 2 ص -176-
في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا
زاخرا مع دماسة الاخلاق وطيب الأعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف
الشمائل والطباع وكان يلي نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم
النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة
منها الضوابط الجليلة في الأسانيد العلية آلفه سنة 1177 وذكر فيه سنده
عن الشيخ نور الدين أبي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة أبي عبد الله
سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر عذبة
رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب
والغزل والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه
وسلم سماه عقود القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الأول من السنة ببلده
ودفن هناك رحمه الله تعالى. |