المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

بَاب ذكر السماء والسموات [1]
قَالَ: لما خلق عَزَّ وَجَلَّ الماء ثار منه دخان فبنى منه السموات، وتمت وَمَا فِيهَا من الشمس والقمر والنجوم والأفلاك والملائكة فِي يومين بَعْد خلق الأرضين وَمَا فيهن فِي أربعة أَيَّام.
وَقَالَ أبو الخلد: والسماء موج مكفوف.
وَقَالَ كعب: السماء أشد بياضا من اللبن.
قَالَ القاسم بْن أَبِي برة: السماء بيضاء، ولكن من بَعْد ترى خضراء.
وَقَالَ إياس بْن مُعَاوِيَة: السماء عَلَى الأَرْض مثل القبة.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس [2] : السموات أولها موج مكفوف، وَالثَّانِيَة من صخر، والثالثة من حديد، والرابعة من صفر ونحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوتة حمراء.
وذكر أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر [3] : أَن لا اخْتِلاف بَيْنَ الْعُلَمَاء فِي أَن السماء مثال الكرة، وأنها تدور بجميع مَا فِيهَا من الكواكب كدور الكرة عَلَى قطبين ثابتين غَيْر متحركين أحدهما فِي ناحية الشمال، والآخر فِي ناحية الجنوب.
ويدل عَلَى ذَلِكَ أَن الكواكب جميعا تبدو من المشرق فترتفع قليلا عَلَى ترتيب
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 134، وكنز الدرر 1/ 28.
[2] الخبر في التبصرة للمصنف 2/ 173، وعرائس المجالس 12، ومرآة الزمان 1/ 136.
[3] ذكره المصنف في التبصرة 2/ 173.

(1/183)


واحد فِي حركاتها وتقادير أجرامها إِلَى أَن تتوسط السماء ثُمَّ تنحدر عَلَى ذَلِكَ الترتيب كأنها ثابتة فِي كرة تديرها جميعا دورا واحدا.
وَكَذَلِكَ أجمعوا عَلَى أَن الأَرْض بجميع أجرامها من البرد مثل الكرة، ويدل عَلَيْهِ أَن الشمس والقمر والكواكب لا يوحد طلوعها وغروبها عَلَى جميع من فِي نواحي الأَرْض فِي وقت واحد بَل عَلَى المشرق قبل المغرب، وكرة الأَرْض مثبتة فِي وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة يدل عَلَى ذَلِكَ أَن جرم كُل كوكب يرى فِي جميع نواحي السماء عَلَى قدر واحد، فيدل عَلَى ذَلِكَ أَن مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض من جميع الجهات بقدر واحد كاضطرار أَن تكون الأَرْض وسط السماء.
ذكر مَا بَيْنَ السماء والسماء [1]
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبٍ بن خالد، قال: حدثني سماك بن حرب، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرَةَ، عَنْ عَبَّاسِ بن المطلب قال: كنا جلوسا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» . قُلْنَا: السَّحَابُ، قَالَ: «وَالْمُزْنُ» قُلْنَا:
وَالْمُزْنُ، قَالَ: «وَالْعَنَانُ» . قَالَ: فَسَكَتْنَا، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: «بينهما مسيرة خمسمائة سَنَةٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ/ مَسِيرَةُ خمسمائة سنة، وكثف كل سماء [2] خمسمائة سَنَةٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِه وَأَعْلاه كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذلك ثمانية أو عال بَيْنَ ركبِهِنَّ وَأَظْلافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آَدَمَ شَيْءٌ» [3] .
قَالَ الْعُلَمَاء: وَكَذَلِكَ الأرضون السبع فِي كثافتها وبعد مَا بين الواحدة والأخرى
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 142، وكنز الدرر 1/ 309.
[2] في المسند 1/ 206: «وكيف كل سماء» . وفي المرآة 1/ 142 والمختصر: «وكنف كل سماء» .
[3] الحديث فيه يحيى بن العلاء، كذاب، كذبه أحمد، ويحيى وغيره. قال في المرآة: فيه لفظ الفوقية، وقد فسرها أبو سليمان الخطابي، فقال: معنى الفوقية القهر والغلبة.

(1/184)


فذلك مسيرة أربعة عشر ألف سِوَى مَا تَحْتَ الأَرْض من الظلمة والنور وَمَا فَوْقَ السموات من الحجب والظلمة إِلَى العرش، وَهَذَا عَلَى قدر سير الآدمي الضعيف، فأما الْمَلِك فَإِنَّهُ يجرد ذَلِكَ فِي ساعة.
وَقَدْ سأل ابن الكواء علي بن أبي طالب رضي الله عنه عَن مسافة ذَلِكَ، فَقَالَ: دعوة عَبْد صَالِح.
ذكر الشمس والقمر والنجوم [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سِوَارٍ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي، قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عبد العزيز بن مرداس، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ القرشي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ الصّلْتِ، حَدَّثَنَا جَارِيَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا أَبْرَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَهُ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ آَدَمَ خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يَطْمسَهَا وَيُحَوِّلَهَا قَمَرًا فَإِنَّهُ خَلَقَهَا دُونَ الشَّمْسِ فِي الضَّوْءِ، وَلَوْ تَرَكَهَا شَمْسَيْنِ لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ، وَلَكَانَ الصَّائِمُ لا يَدْرِي إِلَى مَتَى يَصُومُ، فَأَرْسَلَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَ جِنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَمَحَا عَنْهُ الضَّوْءَ، وَبَقِيَ فِيهِ النُّورُ، وَخَلَقَ لِلشَّمْسِ عَجَلَةً لَهَا ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عروة، ووكل بها ثلاثمائة وَسِتِّينَ مَلَكًا قَدْ يَعْلقُ كُلُّ مَلَكٍ بِعُرْوَةٍ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُرِيَ الْعِبَادِ آَيَةً خَرَّتِ الشَّمْسُ عَنْ عجلتِهَا فَوَقَعَتْ فِي بَحْرٍ وَتَسْجُدُ الشَّمْسُ تَحْتَ الْعَرْشِ بِمِقْدَارِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تُؤْمَرُ بِالطُّلُوعِ، فَإِذَا مَا دَنَتِ الْقِيَامَةُ جُعِلَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَتْبَعُهَا الْقَمَرُ ثُمَّ يَطْلُعَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ يُعُودُ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ» [2] .
وَرَوَى طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّمَاءِ: «أَخْرِجِي شَمْسَكِ وَقَمَرَكِ وَنُجُومَكَ» ، وَقَالَ لِلأَرْضِ: «شَقِّقِي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ» فَقَالَتَا: أتينا طائعين.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 143، وكنز الدرر 1/ 40.
[2] الحديث أخرجه القرطبي في تفسيره 10/ 228.

(1/185)


وَقَدْ أشكل هَذَا قوم غلبت عَلَيْهِم الظواهر، وقل فهمهم، وظنوا أَنَّهُ قَوْل السماء حقيقة، وأنها أخرجت شمسها بفعل، وَهَذَا سوقهم، لأن قَوْله أتيا طوعا معناه كونا بتكويننا، وَهُوَ تقريب إِلَى الأفهام تقريره لا بد من فعل مَا يريده لو قدرنا أَن السماء موجودة أَن يوافق أَوْ يخالف، ويوضح هَذَا أنهما إِن كانتا حالة الْخَطَّاب معدومتين، فالمعدوم لا يخاطب، وإن كانتا موجودتين استغنتا بوجودهما عَن التكوين، ثُمَّ أي قدرة لهما فِي إخراج شمس أَوْ قمر، وهل خالق إلا اللَّه، وإنما المراد كوني بتكويني إياك، ومثله [قَوْله] [1] تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 16: 40 [2] . وقوله:
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ 2: 65 [3] . كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً 17: 50 [4] ، وَهَذَا من توسع العرب فِي الْخَطَّاب يقصدُونَ بِهِ إعلام المخاطب بسرعة التكوين.
قَالَ مجاهد [فِي] [5] قَوْله تَعَالَى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 [6] قَالَ:
مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغرب الشتاء ومغرب الصيف.
قَالَ ابْن عَبَّاس: يطلع كُل سنة في ثلاثمائة وستين كوة، كُل يَوْم فِي كوة فلا يرجع إِلَى تلك الكوة فِي ذَلِكَ اليوم من العام للمقبل.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى الشَّمْسَ حِينَ غَابَتْ فَقَالَ:
«فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيةَ لَوْلا مَا يَزِعَّهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَهْلَكَتْ مَا عَلَى الأَرْضِ» [7] .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: قَدْ نظر بَعْض النَّاس أَن ذَلِكَ دعاء على الشمس، وليس كذلك، إنما هُوَ وصف للعين الَّتِي تواري الشمس فِي قوله تعالى:
تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ 18: 86 [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: النحل، الآية: 40.
[3] سورة: البقرة، الآية: 65، سورة: الأعراف، الآية: 166.
[4] سورة الإسراء، الآية: 50.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سورة: الرحمن، الآية: 38.
[7] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 207، وابن كثير في البداية 2/ 107، وفي التفسير 5/ 188، والطبري في التفسير 16/ 10.
[8] سورة: الكهف، الآية: 86.

(1/186)


قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: إِن الشمس إِذَا أرادت أَن تطلع تقاعست كرامة أَن تعبد من دون الله فيدفعها ثلاثمائة وستون ملكا.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لا تطلع إلا وَهِيَ كارهة، تقول: يا رب لا تطلعني عَلَى عبادك فإني أراهم يعصونك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَطَّابِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ بِشْرَانِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حدثنا أبو الْيَمَانُ، حَدَّثَنَا عُمَيْرُ بْنُ الْمَعْدَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُكِّلَ بِالشَّمْسِ سَبْعَةُ أَمْلاكٍ يَرْمُونَهَا بِالثَّلْجِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْلا ذَلِكَ مَا أَتَتْ عَلَى شَيْءٍ إِلا أَحْرَقَتْهُ» [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أعين، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد حِينَ وجبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ بَيْنَ يَدِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَسْتَأْذِنُ فِي الرِّجُوعِ فيؤذن لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلعُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] .
قَالَ ابْن عقيل: قَدْ ذكر أَصْحَاب علوم الهندسة أَن بَعْد الشمس من الأَرْض أربعة آلاف وثمانمائة وعشرون ألف ميل ونصف. وذكروا أَن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأَرْض، وأن المشتري أَعْظَم من الأَرْض، يَزِيد جرمه عَلَى جرم الأَرْض مائتين وثمانين مرة ونصف وربع. وزحل أَعْظَم من الأَرْض تسعة وسبعين مرة ونصف. وأما
__________
[1] حديث أورده المصنف في العلل المتناهية 1/ 46 والموضوعات 1/ 140، وابن حبان في المجروحين 1/ 288، والخطيب 2/ 151، 315، وانظر أيضا: كشف الخفا 2/ 475.
[2] الحديث في صحيح البخاري، توحيد 22، وصحيح مسلم، ايمان 250، ومسند أحمد بن حنبل 5/ 152، 177، والأسماء والصفات للبيهقي 393، وتفسير الطبري 6/ 352، 562، 8/ 71، 23/ 5، وتفسير ابن كثير 5/ 398، وسنن الترمذي 2186، وزاد المسير 4/ 454، والدر المنثور 5/ 263.

(1/187)


الكواكب الثابتة فأعظمها الخمسة عشر العظام نيرة مثل الشعرى والسماك، وقلب الأسد، يكون جرم كُل كوكب منها أَعْظَم من الأَرْض بأربع وسبعين مرة ونصف.
ذكر الْبَيْت المعمور [1]
اختلف العلماء في أي سما، وَهُوَ عَلَى ثلاثة أقوال:
أحدها: فِي السماء السابعة. رواه أَنَس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدل عَلَيْهِ مَا.
أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك بن صعصعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَذكر صُعُودَهُ مِنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قَالَ: ثم رفع إلى بيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يَعُودُونَ فِيهِ [2] . القول الثَّانِي: إنه فِي السماء الدنيا، رواه أَبُو هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابن عباس: هُوَ حيال الكعبة، ويسمى الصراح.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس: كَانَ الْبَيْت المعمور مكان الكعبة فِي زمان آدَم، فلما كَانَ/ زمن نوح أمر النَّاس بحجه فعصوه، فلما طفى الماء رفع فجعل بحذاء الْبَيْت فِي السماء الدنيا.
والقول الثالث: إنه فِي السماء السادسة، قاله عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
ذكر مَا بَعْد السموات السبع
من ذَلِكَ سدرة المنتهى، وَهِيَ بَعْد السماء السابعة، وَقَدْ قيل أَنَّهَا فِي السادسة، والأول أصح.
__________
[1] تفسير الطبري 27/ 17، وزاد المسير 46- 47، والبداية والنهاية 1/ 41، ومرآة الزمان 1/ 166، وكنز الدرر 1/ 54.
[2] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 133 وما بعدها، وأحمد بن حنبل في المسند 3/ 153.

(1/188)


أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هُدْبَةَ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، أن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر مِعْرَاجَهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةَ، ثم قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْتُهَا مِثْلُ قلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آَذَانِ الْفِيَلَةِ» . قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عدي، عن طلحة، عن مرة، عن عبد الله، قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُوْرَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لا يُشْرِكُ باللَّه مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ» [1] .
هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَالَّذِي قَبْلَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ثُمَّ الكرسي [2] .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا السَّمَوَاتِ السَّبْعِ فِي الْكُرْسِيِّ إِلا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلاةٍ» [3] .
ثُمَّ العرش [4]
رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعْدٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: الْعَرْشُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ.
ذكر الْمَلائِكَة
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عبد
__________
[1] الحديث أخرجه مسلم في الإيمان، الباب 75، حديث 1، والترمذي في التفسير، سورة النجم، حديث 1، والنسائي في الصلاة، الباب 1، حديث 4.
[2] تفسير الطبري 5/ 397، والبدء والتاريخ 1/ 164، والبداية والنهاية 1/ 9- 14، ومرآة الزمان 1/ 169، وكنز الدرر 1/ 57.
[3] الحديث أخرجه ابن حبان (موارد الظمآن 94) ، وابن عساكر 6/ 356، وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 304، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 298.
[4] راجع البدء والتاريخ 1/ 165، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 123.

(1/189)


اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلَقِتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ» . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ.
ذكر حملة العرش
من أَعْظَم الْمَلائِكَة خلقا. حملة العرش، وعددهم اليوم أربعة، أحدهم عَلَى صورة البشر قَدْ وكل بالدعاء لنسل الآدمي، والآخر عَلَى صورة النسر وَقَدْ وكل بالدعاء لأجناس الطير، والآخر عَلَى صورة الثور قَدْ وكل بالدعاء لنسل البهيمي، والآخر عَلَى صورة السبع قَدْ وكل بالدعاء لأجناس السباع، فَإِذَا جاءت الْقِيَامَة صاروا ثمانية، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ 69: 17 [1] .
وَقَدْ قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: ثمانية صفوف من الْمَلائِكَة.
وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وَصَفَ أَحَدُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَقَالَ:
«قَدَمَاهُ عَلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ مِنَ الأَرْضِينِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ الطَّيْرَ سُخِّرَتْ مَا بَيْنَ أَصْلِ عُنُقِهِ إِلَى مُنْتَهَاهَا مِنْ رَأْسِهِ لَحَفَّفَتْ فيه سبعمائة عَامٍ قَبْلَ أَنْ تَقْطَعَهُ» . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنِ عِيسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدِ اللَّهِ بن محمد الأنصاري، أخبرنا إسحاق بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ عَلِيُّ بْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن الْحَسَنُ الشَّرْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُتْبةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ مَا بين شحمة اذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سَنَةٍ» [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، حدثنا
__________
[1] سورة: الحاقة، الآية: 17.
[2] الحديث في سنن أبي داود 4727، والأحاديث الصحيحة 151، وحلية الأولياء 15813، والمطالب العالية 3449، وتاريخ بغداد 10/ 195، ومجمع الزوائد 1/ 80، 8/ 135، والبداية والنهاية 1/ 13، 43، وتفسير ابن كثير 8/ 239، والدر المنثور 5/ 346.

(1/190)


أَبُو الْفَضْلِ سَهْلٌ الأَعْرَجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ قَدْ لَزِقَتْ رِجْلاهُ الأَرْضَ وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يعلمُ ذَلِكَ الَّذِي يخلفُ بِهِ كَاذِبًا» .
ذكر الْمَلِك المسمى بالروح
قَدْ روينا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ ملك من الْمَلائِكَة لَهُ سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لغة يسبح اللَّه بتلك اللغات كلها ويخلق من كُل تسبيحة ملك يطير مَعَ الْمَلائِكَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
ذكر جبريل عَلَيْهِ السَّلام [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ الْبَطِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عثمان بن أحمد الدَّقَّاقِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْبَلِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الْخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَرَبِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ فَيَهْبِطُ فِي وَكِيلِهِ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَلَهُ ستّمِائَةُ جَنَاحٍ مِنْهَا جَنَاحَانِ لا يَنْشُرُهُمَا إِلا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَنْشُرُهُمَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَيُجَاوِزَانِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ» .
ذكر إسرافيل [2]
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إِنَّ مَلَكًا مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ لَهُ إِسْرَافِيلُ يَحْمِلُ زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا الْعَرْشِ عَلَى كَاهِلِهِ، وَقَدَمَاهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى قَدْ رَنقَ رَأْسَهُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ» [3] .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: والملائكة خلقت من نور، وَقَدْ قيل إِن المستأنف منها يخلق من دموع إسرافيل.
__________
[1] البداية والنهاية 1/ 43، وكنز الدرر 1/ 60، ومرآة الزمان 1/ 60.
[2] البداية والنهاية 1/ 45، وكنز الدرر 1/ 62، ومرآة الزمان 1/ 174.
[3] حديث: أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/ 66، والسيوطي في الدر المنثور 5/ 347.

(1/191)


ذكر أصناف الْمَلائِكَة [1]
رَوَى معدان بْن أَبِي طَلْحَة، عَن عُمَر البكالي قَالَ: قَالَ عَبْد الله بن عمرو بن العاص: الملائكة عشرة أجزاء، الكروبيون الَّذِينَ يسبحون الليل والنهار لا يفترون تسعة أجزاء وجزء واحد الَّذِين وكلوا بخزانة كُل شَيْء، والملائكة والجن عشرة أجزاء تسعة أجزاء الملائكة وجزء واحد الجن، والجن والإنس عشرة أجزاء، فتسعة أجزاء الجن وجزء واحد الإنس، فإذا ولد واحد من الإنس ولد تسعة من الجن، والإنس عشرة أجزاء، يأجوج ومأجوج وجزء واحد سائر الإنس، وَمَا من السماء موضع إهاب إلا عَلَيْهِ ملك ساجد أَوْ قائم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَنْوَجِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ المازني، حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الْكَوْكَبِيُّ، / حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَة الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أبيه، قال: لما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ الْمَلائِكَةَ وَاسْتَووا عَلَى أَقْدَامِهِمْ رَفَعُوا رءوسهم إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالُوا: رَبَّنَا مَعَ [مَنْ] أَنْتَ؟ قَالَ: مَعَ الْمَظْلُومِ حَتَّى يُؤَدَّى إِلَيْهِ حُقُهُ.
ذكر أعمال الْمَلائِكَة
جمهور الْمَلائِكَة مشغولون بالتعبد، كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ 21: 20 [2] . فمنهم قيام فِي التعبد، وَمِنْهُم ركوع وَمِنْهُم سجود، وكل من رتب لعبادة فَهُوَ مقيم عَلَيْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَن مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَونَ وَأَسْمَعُ
__________
[1] البداية والنهاية 1/ 49- 54، ومرآة الزمان 1/ 175- 179.
[2] سورة: الأنبياء، الآية: 20.

(1/192)


مَا لا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ فَمَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعٍ- يَعْنِي أَصَابِعَ- إِلا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، وَمِنَ الْمَلائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِعَمَلٍ فَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ قَدْ وُكِّلُوا لِحَمْلِهِ، جِبْرِيلُ هُوَ صَاحِبُ الْوَحِي وَالْغِلْظَةِ، فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْوَحْي وَيَتَوَلَّى إِهْلاكِ الْمُكَذِّبِينَ، وَمِيكَائِيلُ صَاحِبُ الرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ وَإِسْرَافِيلُ صَاحِبُ اللَّوْحِ وَالصُّورِ، وَعَزْرَائِيلُ قَابِضُ الأَرْوَاحِ وَلَهُ أَعْوَانٌ وَهَؤُلاءِ الأَرْبَعَةُ هُمُ الْمُقَسَّمَاتُ أَمْرًا. وَمِنْهُمْ كُتَّابٌ عَلَى بَنِي آَدَمَ، وَهُم الْمُعَقِّبَاتُ مَلَكَانِ فِي اللَّيْلِ وَمَلَكَانِ فِي النَّهَارِ» [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق، حدثنا معمر بن هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَالْمَلائِكَةُ يَتَعَاقُبُونَ فِيكُمْ، مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرِجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ: كَيْفَ تركتم عبادي؟ فقالوا: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ عَلَى يَمِينِ الرَّجُلِ وَكَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عَلَى يَسَارِهِ، وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِيرٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ، فَإِذَا عَمَلَ حَسَنَةً كتبها له صاحب اليمين عشرا، وَإِذَا عَمَلَ سَيِّئَةً فَأَرَادَ صَاحِبُ الشِّمَالِ أَنْ يَكْتُبَهَا، قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ: أَمْسِكْ فَيُمْسِكْ عَنْهُ سبع سَاعَاتٍ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ مِنْهَا لَمْ تُكْتَبْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ» [1] .
وَفِي حَدِيث عَلِي عَلَيْهِ السَّلام إِن مقعد الملكين عَلَى الثنيتين. وَقَالَ الْحَسَن: إِن مجلسيهما تَحْتَ الشعر عَلَى الحنك.
ومن الْمَلائِكَة من قَدْ وكل بالشمس وَمِنْهُم موكل بالقطر، والرعد صوت ملك يزجر
__________
[1] الحديث أخرجه الترمذي 2312، وابن ماجة 4190، وأحمد بن حنبل 5/ 173، والحاكم في المستدرك 2/ 510، 4/ 544، 579، وابن كثير في التفسير 8/ 295، وأبو نعيم في الحلية 2/ 238، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 265، 5/ 293، 6/ 297، وابن كثير في البداية 1/ 42.

(1/193)


والسحاب والبرق ضربه إياه بمخاريق، وَمِنْهُم موكل بالرياح والأشجار.
رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ خَلْقِ اللَّهِ أَكْثَرَ من الملائكة ليس من شجرة إلا معها مُوَكَّلٌ بِهَا.
وَمِنْهُم ملكان يَقُول أحدهما: اللَّهمّ اعط منفقا مالا خلفا، وَيَقُول الآخر: اللَّهمّ اعط ممسكا تلفا. وملكان يَقُول أحدهما: يا باغي الخير أبشر، وَيَقُول الآخر: يا باغي الشر أقصر.
وَمِنْهُم مَلائِكَة يساحون فِي الأَرْض يتبعون مجالس الذكر، وملائكة يبلغون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمته السَّلام. وملائكة موكلون بمكة والمدينة ليمنعوا عَنْهَا الدجال إِذَا خرج.
ومن الْمَلائِكَة من هُوَ مشغول بغرس شجر الْجَنَّة.
قَالَ الْحَسَن [1] : إن أحدهم ليفتر، فيقال له: مالك، فَيَقُول: فتر صاحبي من العمل.
وَكَانَ الْحَسَن يَقُول: أمدوهم رحمكم اللَّه.
وَمِنْهُم موكل بصياغة حلي الْجَنَّة.
رَوَى شمر بْن عطية، عَن كعب، قَالَ: إِن فِي الْجَنَّة ملكا يصوغ حلية أَهْل الْجَنَّة منذ خلق إِلَى أَن تقوم الساعة، لو شئت أَن أسميه لسميته، ولو أَن قلبا منها خرج لرد شعاع الشمس [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب: فلو ذهبنا نكتب كُل شَيْء من هَذَا طال ذَلِكَ.
ذكر تسبيح الْمَلائِكَة
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، أخبرنا أبو
__________
[1] الخبر في التبصرة 2/ 176، ومرآة الزمان 1/ 178 أتم من ذلك، ونصه: «روي عن الحسن أنه قال: «إن في الجنة قيعانا تغرسها الملائكة حتى إنّ أحدهم ليفتر من الغرس، فيقول له صاحبه: مالك فترت؟
فيقول: فتر صاحبي من العمل. فكان الحسن يقول: أمدوهم بالبذر فهذا أوان الزرع» .
[2] الخبر في التبصرة 2/ 176، والمرآة 1/ 179

(1/194)


المغيرة، حَدَّثَنَا صفوان بْن عَمْرو، قَالَ: سمعت خَالِد بْن معدان، يَقُول: إِن للَّه عَزَّ وجل ملائكة أربعة يسبحون تَحْتَ العرش يسبح بتسبيحهم أَهْل السموات، يقول الأول:
سبحان ذي الملك والملكوت، وَيَقُول الثَّانِي: سبحان ذي العزة والجبروت، وَيَقُول الثالث: سبحان الحي الَّذِي لا يموت، وَيَقُول الرابع: سبحان الذي يميت الخلق ولا يموت.
وقال هارون بن رباب: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم، يَقُول أربعة: سبحانك وبحمدك عَلَى حلمك بَعْد علمك، وَيَقُول الأربعة الأخرى: سبحانك ويحمدك عَلَى عفوك بَعْد قدرتك.
قَالَ سَعِيد بْن جبير [1] : أتى جبريل رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: إِن أَهْل السماء الدنيا سجود إِلَى يَوْم القيامة، يقولون: سبحان ذي الْمَلِك والملكوت، وأهل السماء الثَّانِيَة ركوع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يقولون: سبحان الحي الَّذِي لا يموت.
وَقَدْ روينا أَن فِي الْمَلائِكَة ملكا نصفه من نار ونصفه من ثلج، وَهُوَ يَقُول: يا من ألف بَيْنَ الثلج والنار فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار ألف بين عبادك المؤمنين.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 175، والبداية والنهاية 1/ 49- 54.

(1/195)