تدريب الراوي في شرح تقريب النووي

النوع الثاني والثلاثون:  غريب الحديث. هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها وهو فن مهم والخوض فيه صعب فليتحر
-----------------------
النوع الثاني والثلاثون: غريب ألفاظ الحديث: هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها وهو فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث والخوض فيه صعب حقيق بالتحري جدير بالتوقي فليتحر

 

ج / 2 ص -185-   خائضه وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت وقد أكثر العلماء التصنيف فيه قيل أول من صنفه النضر بن شميل وقيل أبو عبيدة معمر وبعدهما أبو عبيد فاستقصى وأجاد ثم ابن قتيبة ما فات أبا عبيدة ثم الخطابي ما فاتهما فهذه أمهاته ثم بعدها كتب فيها زوائد وفوائد كثيرة ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة جلة
------------------------
خايضه وليتق الله أن يقدم على تفسير كلام نبيه صلى الله عليه وسلم بمجرد الظنون وكان السلف يتثبتون فيه اشد تثبت فقد روينا عن أحمد أنه سئل عن حرف منه فقال: سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن وسئل الأصمعي عن معنى حديث الجار أحق بسبقه فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق وقد أكثر العلماء التصنيف فيه قيل: أول من صنفه النضر بن شميل قاله الحاكم. وقيل: أبو عبيدة معمر بن المثنى ثم النضر ثم الأصمعي وكتبهما صغيرة قليلة ألف بعدهما أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه المشهور فاستقصى وأجاد وذلك بعد المائتين ثم تتبع أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ما فات أبا عبيد في كتابه المشهور ثم تتبع أبو سليمان الخطابي ما فاتهما في كتابه المشهور ونبه على أغاليظ لهما فهذه أمهاته أي أصوله ثم ألف بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة كمجمع الغرائب لعبد وغريب الحديث لقاسم للزمخشري والغريبين للهروي وذيله للحافظ أبي موسى المديني ثم النهاية لابن الأثير وهي أحسن كتب الغريب وأجمعها وأشهرها الآن وأكثرها تداولا وقد

 

ج / 2 ص -186-   وأجود تفسيره ما جاء مفسرا في رواية
-----------------------
فاته الكثير فذيل عليه الصفي الأرموي بذيل لم نقف عليه وقد شرعت في تلخيصها تلخيصا حسنا مع زيادات جمة والله أسأل الإعانة على إتمامها وأجود تفسيره ما جاء مفسرا به في رواية كحديث الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم لابن صائد خبأت لك خبيئا فما هو قال: الدخ ، فالدخ ههنا الدخان وهو لغة فيه حكاه الجوهري وغيره لما روى أبو داود والترمذي من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
" إني خبأت لك خبأ وخبأله يوم تأتي السماء بدخان مبين " قال المديني: والسر في كونه خبأ له الدخان أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقتله بجبل الدخان فهذا هو الصواب في تفسير

 

ج / 2 ص -187-   . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
الدخ هنا وقد فسره غير واحد علي غير ذلك فأخطؤا فقيل الجماع وهو تخليط فاحش وقيل نبت موجود بين النخيل وهو غير مرضي.

النوع الثالث والثلاثون: المسلسل: هو ما تتابع رجال إسناده على صفة أو حالة للرواة تارة وللرواية تارة أخرى وصفات الرواة أما أقوال أو افعال وأنواع كثيرة غيرهما كمسلسل التشبيك باليد والعد فيها
-------------------------
النوع الثالث والثلاثون: المسلسل وهو ما تتابع رجال إسناده واحدا فواحدا على صفة واحدة أو حالة واحدة للرواة تارة وللرواية تارة أخرى وصفات الرواة وأحوالهم أيضا إما أقوال أو أفعال أو هما معا وصفات الرواية إما أن تتعلق بصيغ الأداء أو بزمنها أو مكانها و له أنواع كثيرة غيرهما فالمسلسل بأحوال الرواة الفعلية كمسلسل التشبيك باليد وهو حديث أبي هريرة شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال:
"خلق الله الأرض يوم السبت" الحديث فقد تسلسل لنا تشبيك كل واحد من رواته بيد من رواه عنه.
والعد فيها وهو حديث
: "اللهم صلى على محمد" إلى آخره مسلسل بعد الكلمات الخمس في يد كل راو وكذلك المسلسل بالمصافحة والأخذ باليد ووضع اليد على رأس الراوى والمسلسل بأحوالهم القولية كحديث معاذ بن

 

ج / 2 ص -188-   وكاتفاق أسماء الرواة أو صفاتهم أو نسبتهم كأحاديث رويناها كل رجالها دمشقيون وكمسلسل الفقهاء وصفات الرواية كالمسلسل بسمعت أو بأخبرنا أو أخبرنا فلان والله وأفضله ما دل على
-------------------------
جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا معاذ إني أحبك فقل في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك تسلسل لنا بقول كل من رواته وأنا أحبك فقل والمسلسل بهما معا: حديث أنس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره"و قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على لحيته وقال: "آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره"، وكذا كل راو من رواته والمسلسل بصفاتهم القولية: كالمسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه قال العراقي: وصفات الرواة القولية وأحوالهم القولية متقاربة بل متماثلة و المسلسل بصفاتهم الفعلية كاتفاق اسماء الرواة كالمسلسل بالمحمدين أو صفاتهم أو نسبتهم فالثاني: كأحاديث رويناها كل رجالها دمشقيون أو مصريون أو كوفيون أو عراقيون و الأول كمسلسل الفقهاء مطلقا أو الشافعيين أو الحفاظ أو النحاة أو الكتاب أو الشعراء أو المعمرين وصفات الرواية المتعلقة بصيغ الأداء كالمسلسل بسمعت فلانا أو أخبرنا فلان أو أخبرنا فلان والله أو أشهد بالله لسمعت فلان يقول ذلك كل راو منهم والمتعلقة بالزمان كالمسلسل بروايته يوم العيد وقص الأظفار يوم الخميس ونحو ذلك وبالمكان كالمسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم وقد جمعت كتابا فيما وقع في سماعاتي من المسلسلات بأسانيدها وجمع الناس في ذلك كثيرا وأفضله ما دل على

 

ج / 2 ص -189-   الإتصال ومن فوائده زيادة الضبط وقلما يسلم عن خلل في التسلسل وقد ينقطع تسلسله في وسطه كمسلسل أول حديث سمعته على ما هو الصحيح فيه.
------------------------
الاتصال في السماع وعدم التدليس ومن فوائده اشتماله على زيادة الضبط من الرواة وقلما يسلم عن خلل في التسلسل وقد ينقطع تسلسله في وسطه أو أوله أو آخره كمسلسل أول حديث سمعته وهو حديث عبد الله بن عمرو الراحمون يرحمهم الرحمن فإنه انتهى فيه التسلسل إلى عمرو بن دينار وانقطع في سماع عمرو من أبي قابوس، وسماع أبي قابوس من عبد الله بن عمرو، وفي سماع عبد الله من النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو الصحيح فيه وقد رواه بعضهم كامل السلسلة فوهم فيه.
فائدة:
قال شيخ الإسلام: من أصلح مسلسل يروى في الدنيا المسلسل بقراءة سورة الصف. قلت: والمسلسل بالحفاظ والفقهاء أيضا بل ذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي.

النوع الرابع والثلاثون: ناسخ الحديث ومنسوخه: هو فن مهم
------------------------
النوع الرابع والثلاثون: ناسخ الحديث ومنسوخه: وهو فن مهم فقد مر على علي قاص فقال تعرف الناسخ من المنسوخ فقال: لا ، فقال: هلكت وأهلكت أسنده الحازمي

 

ج / 2 ص -190-   صعب وكان للشافعي فيه يد طولى وسابقة أولى وأدخل فيه بعض أهل الحديث ما ليس منه لخفاء معناه والمختار أن النسخ رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر فمنه ما عرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ككنت نهيتكم عن زيارة
--------------------------
في كتابه وأسند نحوه عن ابن عباس وأسند عن حذيفة أنه سئل عن شيء فقال: إنما يفتي من عرف الناسخ والمنسوخ قالوا: ومن يعرف ذلك قال عمر: صعب فقد روينا عن الزهري قال: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه وكان للشافعي فيه يد طولى وسابقة أولى فقد قال الإمام أحمد لابن وارة وقد قدم من مصر: كتبت كتب الشافعي ؟ قال: لا، قال: فرطت ما علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي وأدخل فيه بعض أهل الحديث ممن صنف فيه ما ليس منه لخفاء معناه أي النسخ وشرطه والمختار في حده أن النسخ رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر فالمراد برفع الحكم قطع تعلقه عن المكلفين واحترز به عن بيان المجمل وبإضافته للشارع عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة فإنه لا يكون نسخا وإن لم يحصل التكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك إلا بإخباره وبالحكم عن رفع الإباحة الأصلية فإنه لا يسمى نسخا وبالمتقدم عن التخصيص المتصل بالتكليف كالاستثناء ونحوه وبقولنا بحكم منه متأخر عن رفع الحكم بموت المكلف أو زوال تكليفه بجنون ونحوه وعن انتهائه بانتهاء الوقت كقوله صلى الله عليه وسلم:
"إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فأفطروا" فالصوم بعد ذلك اليوم ليس نسخا فمنه ما عرف النسخ فيه بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك: " ككنت نهيتكم عن زيارة

 

ج / 2 ص -191-   القبور فزورها " ومنه ما عرف بقول الصحابي "ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار " ومنه ما عرف بالتاريخ
-------------------------
القبور فزوروها " و"كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدا لكم " و " كنت نهيتكم عن الظروف "الحديث أخرجه مسلم عن بريدة ومنه ما عرف بقول الصحابي ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي عن جابر وكقول أبي بن كعب: كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم أمر بالغسل. رواه أبو داود والترمذي وصححه وشرط أهل الأصول في ذلك أن يخبر بتأخره فإن قال هذا ناسخ لم يثبت به النسخ لجواز أن يقوله عن اجتهاد قال العراقي: وإطلاق أهل الحديث أوضح وأشهر لأن النسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي إنما يصار إليه عند معرفة التاريخ والصحابة أروع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير أن يعرف تأخر الناسخ عنه وقد أطلق الشافعي ذلك أيضا ومنه ما عرف بالتاريخ كحديث شداد بن أوس مرفوعا: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أبو داود والنسائي ذكر الشافعي أنه منسوخ بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم أخرجه مسلم فإن ابن عباس إنما صحبه محرما في حجة الوداع سنة عشر وفي

 

ج / 2 ص -192-   ومنه ما عرف القدرة الإجماع كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة والإجماع لا ينسخ ولا ينسخ لكن يدل على ناسخ
-------------------
بعض طرق حديث شداد: أن ذلك كان زمن الفتح سنة ثمان ومنه ما عرف القدرة الإجماع: كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة وهو ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه قال المصنف في شرح مسلم: دل الإجماع على نسخه وإن كان ابن حزم خالف في ذلك فخلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع نعم: ورد نسخه في السنة أيضا كما قال الترمذي من رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن شرب الخمر فاجلدوه فإن شرب في الرابعة فاقتلوه ثم أن النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل فقد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله قال وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال: فرفع القتل وكانت رخصة. انتهى.
وما علقه الترمذي اسنده البزار في مسنده وقبيصة ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال: ولد أول سنة من الهجرة وقيل: عام الفتح فالمثال الصحيح لذلك ما رواه الترمذي من حديث جابر قال: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان قال الترمذي: أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبي عنها غيرها ثم الحديث لا يحكم عليه بالنسخ بالإجماع على ترك العمل به إلا إذا عرف صحته وإلا فليحتمل أنه غلط صرح به الصيرفي والإجماع لا ينسخ أي لا ينسخه شيء ولا ينسخ هو غيره ولكن يدل على ناسخ أي على وجود ناسخ غيره