لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ
آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ
قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا
سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا
فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ
الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ
الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)
أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم « ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله ، » وفي لفظ : « إلا حدَّث نفسه بقتله
» .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في
قوله { ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى } قال : هم الوفد
الذين جاؤوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : ما ذكر الله به النصارى قال : هم ناس من
الحبشة آمنوا إذ جاءتهم مهاجرة المؤمنين ، فذلك لهم .
وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن
مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه { وإذا
سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والواحدي من طريق ابن
شهاب قال : أخبرني سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
وعروة بن الزبير قالوا « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري
، وكتب معه كتاباً إلى النجاشي ، فقدم على النجاشي ، فقرأ كتاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه ، وأرسل النجاشي إلى
الرهبان والقسيسين فجمعهم ، ثم أمر جعفر بن أبي طالب أن يقرأ عليهم القرآن ،
فقرأ عليهم سورة مريم ، فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع ، وهم الذين أنزل
فيهم { ولتجدن أقربهم مودة } إلى قوله { مع الشاهدين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد
بن جبير في قوله { ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً } قال : هم رسل النجاشي الذين
أرسل بإسلامه وإسلام قومه ، كانوا سبعين رجلاً اختارهم من قومه الخيِّر الخيِّر
، فالخير في الفقه والسن ، وفي لفظ : بعث من خيار أصحابه إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثلاثين رجلاً ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا
عليه ، فقرأ عليهم سورة يس ، فبكوا حين سمعوا القرآن ، وعرفوا أنه الحق ، فأنزل
الله فيهم { ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً . . } الآية . ونزلت هذه الآية فيهم
أيضاً { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } [ القصص : 52 ] إلى قوله
{ أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } [ القصص : 54 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ » عن عروة قال : كانوا يرون أن هذه الآية نزلت
في النجاشي { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول } قال : إنهم كانوا برايين يعني
ملاحين ، قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فلما قرأ عليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« إذا رجعتم إلى أرضكم انقلبتم عن دينكم ، فقالوا لن ننقلب عن ديننا ، فأنزل
الله ذلك من قولهم { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول } » « .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال « ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في الذين أقبلوا مع
جعفر من أرض الحبشة ، وكان جعفر لحق بالحبشة هو وأربعون معه من قريش ، وخمسون
من الأشعريين ، منهم أربعة من عك ، أكبرهم أبو عامر الأشعري وأصغرهم عامر ،
فذكر لنا أن قريشاً بعثوا في طلبهم عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد ، فأتوا
النجاشي فقالوا : إن هؤلاء قد أفسدوا دين قومهم ، فأرسل اليهم فجاؤوا فسألهم ،
فقالوا : بعث الله فينا نبياً كما بعث في الأمم قبلنا يدعوننا إلى الله وحده ،
ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ، ويأمرنا بالصلة ، وينهانا عن القطيعة ،
ويأمرنا بالوفاء ، وينهانا عن النكث ، وإن قومنا بغوا علينا ، وأخرجونا حين
صدقناه وآمنا به ، فلم نجد أحد نلجأ اليه غيرك فقال : معروفاً . فقال عمرو
وصاحبه : إنهم يقولون في عيسى غير الذي تقول . قال : وما تقولون في عيسى؟ قالوا
: نشهد أنه عبد الله ورسوله ، وكلمته وروحه ، ولدته عذراء بتول . قال : ما
أخطأتم ، ثم قال لعمرو وصاحبه : لولا أنكما أقبلتما في جواري لفعلت بكما ، وذكر
لنا أن جعفر وأصحابه إذ أقبلوا جاء أولئك معهم فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
. قال قائل : لو قد رجعوا إلى أرضهم لحقوا بدينهم ، فحدثنا أنه قدم مع جعفر
سبعون منهم ، فلما قرأ عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فاضت أعينهم » .
وأخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن السدي قال « بعث إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم إثنا عشر رجلاً ، سبعة قسيسين وخمسة رهباناً ، ينظرون إليه ويسألونه ،
فلما لقوه قرأ عليهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا ، وأنزل الله فيهم { وإذا سمعوا
ما أنزل إلى الرسول } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال « كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين ، فبعث جعفر بن أبي طالب
، وابن مسعود ، وعثمان بن مظعون في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة ،
فلما بلغ المشركين بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم ، وذكروا أنهم سبقوا أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، فقالوا : إنه قد خرج فينا رجل سفه عقول
قريش وأحلامها ، زعم أنه نبي وأنه بعث إليك رهطاً ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا
أن نأتيك ونخبرك خبرهم . قال : إن جاؤوني نظرت فيما يقولون ، فلما قدم أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا إلى باب النجاشي فقالوا : استأذن لأولياء
الله؟ فقال : ائذن لهم فمرحباً بأولياء الله ، فلما دخلوا عليه سلموا فقال
الرهط من المشركين : ألم تر أيها الملك انا صدقناك وانهم لم يحيوك بتحيتك التي
تحيى بها؟ .
.
. فقال لهم : ما يمنعكم أن تحيوني بتحيتي؟ قالوا : إنا حييناك بتحية أهل الجنة
وتحية الملائكة . فقال لهم : ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قالوا : يقول
عبدالله ورسوله ، وكلمة من الله ، وروح منه ألقاها إلى مريم ، ويقول في مريم :
إنها العذراء الطيبة البتول . قال : فأخذ عوداً من الأرض فقال : ما زاد عيسى
وأمه على ما قال صاحبكم هذا العود ، فكره المشركون قوله وتغير لون وجوههم ،
فقال : هل تقرأون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا : نعم . قال : فاقرأوا وحوله
القسيسون والرهبان وسائر النصارى ، فجعلت طائفة من القسيسسن والرهبان كلما
قرأوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق . قال الله { ذلك بأن منهم قسيسيين
ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض
من الدمع مما عرفوا من الحق } « .
وأخرج الطبراني عن سلمان في إسلامه قال » لما قدم النبي الله صلى الله عليه
وسلم المدينة صنعت طعاماً ، فجئت به فقال : ما هذا؟ قلت : صدقة . فقال لأصحابه
: كلوا ولم يأكل ، ثم إني رجعت حتى جمعت طعاماً فأتيته به فقال : ما هذا؟ قلت :
هدية . فأكل وقال لأصحابه : كلوا . قلت يا رسول الله ، أخبرني عن النصارى؟ قال
: لا خير فيهم ولا فيمن أحبهم ، فقمت وأنا مثقل ، فأنزل الله { لتجدن أشد الناس
عداوة للذين آمنوا اليهود } حتى بلغ { تفيض من الدمع } فأرسل إلىَّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا سلمان ، إن أصحابك هؤلاء الذين ذكر الله « .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولتجدن أقربهم مودة . . . }
الآية . قال : أناس من أهل الكتاب ، كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى
يؤمنون به وينتهون إليه ، فلما بعث الله محمداً صدقوه وآمنوا به وعرفوا ما جاء
به من الحق أنه من الله ، فأثنى عليهم بما تسمعون .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة في مسنده وعبد بن حميد والبخاري في
تاريخه والحارث بن أسامة في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبزار
وابن الأنباري في المصاحف وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن
سلمان » أنه سئل عن قوله { ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً } قال : الرهبان الذين
في الصوامع ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ذلك بأن منهم صديقين
ورهباناً } ولفظ البزار دع القسيسين؛ أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {
ذلك بأن منهم صديقين } ولفظ الحكيم الترمذي : قرأت على النبي صلى الله عليه
وسلم { ذلك بأن منهم قسيسين } فأقرأني { ذلك بأن منهم صديقين } .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن سلمان قال : كنت يتيماً من رامهرمز ، وكان ابن
دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه ، فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر
مني ، وكان مستغنياً في نفسه ، وكنت غلاماً فقيراً ، فكان إذا قام من مجلسه
تفرق من يحفظه ، فإذا تفرقوا خرج ، فتقنع بثوبه ثم صعد الجبل ، فكان يفعل ذلك
غير مرة متنكراً قال : فقلت أما أنك تفعل كذا وكذا ، فلم لا تذهب بي معك؟ قال :
أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء . قال : قلت لا تخف . قال : فإن في هذا الجبل
قوماً في برطيل لهم عبادة وصلاح ، يذكرون الله عز وجل ويذكرون الآخرة ، يزعمون
أنا عبدة النيران وعبدة الأوثان ، وأنا على غير دين . قلت : فاذهب بي معك إليهم
. قال : لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم ، وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي
فيقتل القوم فيجري هلاكهم على يدي . قال : قلت لن يظهر مني ذلك ، فاستأمرهم
فقال : غلام عندي يتيم فأحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم ، قالوا : إن كنت تثق به .
قال : أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب .
قالوا : فجيء به . فقال لي : قد استأذنت القوم أن تجيء معي ، فإذا كانت الساعة
التي رأيتني أخرج فيها فأتني ولا يعلم بك أحد ، فإن أبي إن علم قتلهم . قال :
فلما كانت الساعة التي يخرج تبعته ، فصعد الجبل فانتهينا إليهم فإذا هم في
برطيلهم . قال : علي . وأراه قال : هم ستة أو سبعة . قال : وكانت الروح قد خرجت
منهم من العبادة ، يصومون النهار ويقومون الليل ، يأكلون الشجر وما وجدوا ،
فقعدنا إليهم فأثنى ابن الدهقان عليَّ خيراً ، فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عليه
، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى عيسى ابن مريم ، قالوا :
بعثه الله وولده بغير ذكر ، بعثه الله رسوله ، وسخر له ما كان يفعل من إحياء
الموتى ، وخلق الطير ، وابراء الأعمى والأبرص ، فكفر به قوم وتبعه قوم . وإنما
كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه . قال : وقالوا قبل ذلك : يا غلام ، إن لك
رباً ، وإن لك معاداً ، وإن بين يديك جنة وناراً إليها تصير ، وإن هؤلاء القوم
الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون وليسوا على دين ،
فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام انصرف وانصرفت معه ، ثم غدونا إليهم
فقالوا مثل ذلك وأحسن ، فلزمتهم فقالوا : يا غلام ، إنك غلام ، وإنك لا تستطيع
أن تصنع كما نصنع ، فكل واشرب وصل ونم .
قال : فاطلع الملك على صنيع ابنه ، فركب الخيل حتى أتاهم في برطيلهم ، فقال :
ياهؤلاء ، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً ، فعمدتم إلى ابني
فافسدتموه عليَّ ، قد أجلتكم ثلاثاً ، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم
برطيلكم هذا فالحقوا ببلادكم ، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء .
قالوا : نعم ، ما تعمدنا اساءتك ، ولا أردنا إلا الخير ، فكفَّ ابنه عن إتيانهم
فقلت له : اتق الله ، فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله ، وإن أباك ونحن على غير
دين ، إنما هم عبدة النيران لا يعرفون الله ، فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك . قال :
يا سلمان ، هو كما تقول ، وإنما أتخلف عن القوم بقيا عليهم ان اتبعت القوم
يطلبني أبي في الخيل ، وقد جزع من إتياني إياهم حتى طردهم ، وقد أعرف أن الحق
في أيديهم . قلت : أنت أعلم ، ثم لقيت أخي فعرضت عليه فقال : أنا مشتغل بنفسي
وطلب المعيشة ، فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه فقالوا : يا سلمان
، قد كنا نحذر ، فكان ما رأيت ، اتق الله واعلم أن الدين ما أوصيناك به ، وإن
هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله ولا يذكرونه ، فلا يخدعنَّك أحد عن ذلك .
قلت : ما أنا بمفارقكم .
قالوا : إنك لا تقدر على أن تكون معنا ، نحن نصوم النهار ونقوم الليل ونأكل
الشجر وما أصبنا ، وأنت لا تستطيع ذلك . قال : قلت : لا أفارقكم . قالوا : أنت
أعلم قد أعلمناك حالنا فإذا أبيت فاطلب أحداً يكون معك ، واحمل معك شيئاً تأكله
لا تستطيع ما نستطيع نحن . قال : ففعلت ، فلقيت أخي فعرضت عليه فأبى ، فأتيتهم
فتحمَّلوا فكانوا يمشون وأمشي معهم ، فرزقنا الله السلامة حتى أتينا الموصل ،
فأتينا بيعه بالموصل ، فلما دخلوا حفوا بهم وقالوا : أين كنتم؟ قالوا : كنا في
بلاد لا يذكرون الله ، بها عبّاد نيران فطردونا فقدمنا عليكم ، فلما كان بعد
قالوا : يا سلمان ، إن ههنا قوماً في هذه الجبال هم أهل دين وإنا نريد لقاءهم ،
فكن أنت ههنا مع هؤلاء فإنهم أهل دين ، وسترى منهم ما تحب ، قلت : ما أنا
بمفارقكم . قال : وأوصوا بي أهل البيعة فقال أهل دين البيعة : أقم معنا فإنه لا
يعجزك شيء يسعنا . قلت : ما أنا بمفارقكم .
فخرجوا وأنا معهم ، فأصبحنا بين جبال ، فإذا صخرة وماء كثير في جرار وخبز كثير
، فقعدنا عند الصخرة ، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال ، يخرج رجل رجل
من مكانه كأن الأرواح انتزعت منهم حتى كثروا ، فرحبوا بهم وحفوا وقالوا : أين
كنتم لم نركم؟ قالوا : كنا في بلاد لا يذكرون اسم الله فيها عبدة النيران ،
وكنا نعبد الله فيها فطردونا ، فقالوا : ما هذا الغلام؟ قال : فطفقوا يثنون
عليَّ ، وقالوا : صحبنا من تلك البلاد فلم نرَ منه إلا خيراً . قال : فوالله
إنهم لكذا إذ طلع عليهم رجل من كهف رجل طويل ، فجاء حتى سلم وجلس ، فحف به
أصحابي الذين كنت معهم وعظموه ، وأحدقوا به فقال لهم : أين كنتم؟ فأخبروه فقال
: وما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليَّ خيراً ، وأخبروه باتباعي إياهم ، ولم أرَ
مثل إعظامهم إياه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه ،
وما لقوا وما صنع بهم حتى ذكر مولد عيسى بن مريم ، وأنه ولد بغير ذكر ، فبعثه
الله رسولاً ، وأجرى على يديه إحياء الموتى وإبراء الأعمى والأبرص ، وأنه يخلق
من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله ، وأنزل عليه الإنجيل
وعلمه التوراة ، وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل ، فكفر به قوم وآمن به قوم ،
وذكر بعض ما لقي عيسى ابن مريم ، وأنه كان عبداً أنعم الله عليه ، فشكر ذلك له
ورضي عنه حتى قبضه الله ، وهو يعظمهم ويقول : اتقوا الله والزموا ما جاء عيسى
به ، ولا تخالفوا فيخالف بكم ، ثم قال : من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً فليأخذ .
فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشيء ، وقام إليه أصحابي الذين
جئت معهم فسلموا عليه وعظموه ، فقال لهم : الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا
واستوصوا بهذا الغلام خيراً ، وقال لي : يا غلام ، هذا دين الله الذي ليس له
دين فوقه وما سواه هو الكفر .
قال : قلت : ما أفارقك . قال : إنك لن تستطيع أن تكون معي ، إني لا أخرج من
كهفي هذا إلا كل يوم أحد ، لا تقدر على الكينونة معي . قال : وأقبل على أصحابه
فقالوا : يا غلام ، إنك لا تستطيع أن تكون معه . قلت : ما أنا بمفارقك . قال :
يا غلام ، فإني أعلمك الآن ، إني أدخل هذا الكهف ولا أخرج منه إلى الأحد الآخر
، وأنت أعلم . قلت : ما أنا بمفارقك . قال له أصحابه : يا فلان ، هذا غلام
ونخاف عليه . قال : قال لي : أنت أعلم . قلت : إني لا أفارقك . فبكى أصحابي
الأوّلون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي . فقال : خذ من هذا الطعام ما ترى أنه
يكفيك إلى الأحد الآخر ، وخذ من هذا الماء ما تكتفي به ففعلت ، وتفرقوا وذهب كل
إنسان إلى مكانه الذي يكون فيه ، وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل فقال : ضع ما
معك وكل واشرب ، وقام يصلي ، فقمت معه أصلي قال : وانفتل إلي فقال : إنك لا
تستطيع هذا ، ولكن صل ونم ، وكل واشرب ، ففعلت فما رأيته لا نائماً ولا طاعماً
إلا راكعاً وساجداً إلى الأحد الآخر .
فلما أصبحنا قال : خذ جرتك هذه وانطلق ، فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى
الصخرة ، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ، واجتمعوا إلى الصخرة ينتظرون خروجه
، فقعدوا وجاد في حديثه نحو المرة الأولى . فقال : الزموا هذا الدين ولا تفرقوا
، واتقوا الله واعلموا أن عيسى ابن مريم كان عبد الله أنعم الله عليه ، ثم
ذكروني فقالوا : يا فلان ، كيف وجدت هذا الغلام؟ فأثنى علي وقال : خيراً .
فحمدوا الله ، فإذا خبز كثير وماء ، فأخذوا وجعل الرجل يأخذ بقدر ما يكتفي به
ففعلت ، وتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه ورجعت معه .
فلبث ما شاء الله ، يخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه ، ويوصيهم بما كان يوصيهم
به ، فخرج في أحد ، فلما اجتمعوا حمد الله ووعظهم وقال مثل ما كان يقول لهم ،
ثم قال لهم آخر ذلك : يا هؤلاء ، إني قد كبرت سني ، ورق عظمي ، واقترب أجلي ،
وأنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ، ولا بد لي من إتيانه ، فاستوصوا بهذا
الغلام خيراً ، وإني رأيته لا بأس به ، قال : فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم ،
وقالوا : يا أبا فلان ، أنت كبير وأنت وحدك ، ولا نأمن أن يصيبك الشيء ولسنا
أحوج ما كنا إليك . قال : لا تراجعوني لا بد لي من إتيانه ولكن استوصوا بهذا
الغلام خيراً وافعلوا وافعلوا . قال : قلت : ما أنا بمفارقك . قال : يا سلمان ،
قد رأيت حالي وما كنت عليه وليس هذا لك ، إنما أمشي أصوم النهار وأقوم الليل ،
ولا أستطيع أن أحمل معي زاداً ولا غيره ولا تقدر على هذا . قال : قلت : ما أنا
بمفارقك . قال : أنت أعلم قالوا : يا أبا فلان ، إنا نخاف عليك وعلى هذا الغلام
. قال : هو أعلم قد أعلمته الحالة ، وقد رأى ما كان قبل هذا . قلت : لا أفارقك
. فبكوا وودعوه وقال لهم : اتقوا الله وكونوا على ما أوصيتكم به ، فإن أعش
فلعلي أرجع إليكم ، وإن أمت فإن الله حي لا يموت ، فسلم عليهم وخرج وخرجت معه ،
وقال لي : احمل معك من هذا الخبز شيئاً تأكله .
فخرج وخرجت معه يمشي واتبعه ، يذكر الله ، ولا يلتفت ولا يقف على شيء حتى إذ
أمسى قال : يا سلمان صل أنت ونم ، وكل واشرب ، ثم قام هو يصلي إلى أن انتهى إلى
بيت المقدس ، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، وإذا
على الباب مقعد قال : يا عبد الله ، قد ترى حالي فتصدق عليَّ بشيء ، فلم يلتفت
إليه ودخل المسجد ودخلت معه ، فجعل يتتبع أمكنة من المسجد يصلي فيها ، ثم قال :
يا سلمان ، إني لم أنم منذ كذا وكذا ولم أجد طعم نوم ، فإن أنت جعلت لي أن
توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت ، فاني أحب أن أنام في هذا المسجد وإلا
لم أنم . قال : قلت : فإني أفعل . قال : فانظر إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا
فأيقظني إذا غلبتني عيني ، فنام فقلت في نفسي : هذا لم ينم منذ كذا وكذا وقد
رأيت بعض ذلك ، لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم .
وكان فيما يمشي وأنا معه يقبل عليَّ فيعظني ، ويخبرني أن لي رباً وأن بين يديه
جنة وناراً وحساباً ، ويعلمني بذلك ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد
حتى قال فيما يقول لي : يا سلمان ، الله تعالى سوف يبعث رسولاً اسمه أحمد يخرج
بتهامة - وكان رجلاً أعجمياً لا يحسن أن يقول تهامة ولا محمد - علامته أنه يأكل
الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب
، فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه ، فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه .
قلت : وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال : وإن أمرك فإن الحق فيما يجيء به
، ورضا الرحمن فيما قال .
فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعاً يذكر الله تعالى فقال : يا سلمان ، مضى
الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله ، أين ما جعلت لي على نفسك؟ قال : قلت :
أخبرتني أنك لم تنم منذ كذا وكذا ، وقد رأيت بعض ذلك فأحببت أن تشتفي من النوم
فحمد الله ، فقام وخرج فتبعته فقال المقعد : يا عبد الله ، دخلت فسألتك فلم
تعطني ، وخرجت فسألتك فلم تعطني ، فقام ينظر هل يرى أحداً فلم يره ، فدنا منه
فقال : ناولني يدك ، فناوله فقال : قم بسم الله ، فقام كأنه نشط من عقال صحيحاً
لا عيب فيه ، فخلى عن يده ، فانطلق ذاهباً فكان لا يلوي على أحد ولا يقوم عليه
، فقال لي المقعد : يا غلام ، أحمل على ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي ، فحملت
عليه ثيابه وانطلق لا يلوي عليَّ .
فخرجت في أثره أطلبه ، وكلما سألت عنه قالوا : أمامك . حتى لقيني الركب من كلب
فسألتهم ، فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره فحملني ، فجعلني خلفه حتى بلغوا
بي بلادهم قال : فباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها ، وقدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُخبرت به ، فأخذت شيئاً من تمر حائطي فجعلته
على شيء ، ثم أتيته فوجدت عنده أناساً ، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه ، فوضعته
بين يديه فقال : ما هذا؟ قلت صدقة . فقال للقوم : كلوا ولم يأكل هو ، ثم لبثت
ما شاء الله ، ثم أخذت مثل ذلك فجعلته على شيء ، ثم أتيته به فوجدت عنده أناساً
، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه ، فوضعته بين يديه فقال : ما هذا؟ قلت : هدية .
قال : بسم الله ، فأكل وأكل القوم ، قال : قلت : في نفسي هذه من آياته ، كان
صاحبي رجلاً أعجمياً لم يحسن أن يقول تهامة قال تهمة ، وقال أحمد فدرت خلفه
ففطن بي فأرخى ثوبه فإذا الخاتم في ناحية كتفه الايسر ، فتبينته ثم درت حتى
جلست بين يديه فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
قال : من أنت؟ قلت : مملوك ، فحدثته بحديثي وحديث الرجل الذي كنت معه وما أمرني
به ، قال : لمن أنت؟ قلت : لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها .
قال : يا أبا بكر ، قال : لبيك . . . قال : اشتره . قال : فاشتراني أبو بكر
فاعتقني ، فلبثت ما شاء الله أن ألبث ، ثم أتيته فسلمت عليه وقعدت بين يديه ،
فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في دين النصارى؟ قال : لا خير فيهم ولا في دينهم
، فدخلني أمر عظيم فقلت في نفسي : هذا الذي كنت معه ورأيت منه ما رأيت ، أخذ
بيد المقعد فأقامه الله على يديه ، لا خير في هؤلاء ولا في دينهم ، فانصرفت وفي
نفسي ما شاء الله ، فأنزل الله بعد على النبي صلى الله عليه وسلم { ذلك بأن
منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون } إلى آخر الآية .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بسلمان ، فأتاني الرسول فدعاني وأنا خائف
، فجئت حتى قعدت بين يديه ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { ذلك بأن منهم قسيسين
ورهباناً وأنهم لا يستكبرون } إلى آخر الآية . فقال : يا سلمان ، أولئك الذين
كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين ، فقلت : يا رسول الله ،
فوالذي بعثك بالحق لقد أمرني باتباعك . فقلت له : وإن أمرني بترك دينك وما أنت
عليه ، فأتركه؟ قال : نعم ، فاتركه فإن الحق وما يحب الله فيما يأمرك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { قسيسين } قال : علماؤهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : القسيسون . عبادهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال : سألت الزهري عن هذه الآية { ذلك بأن منهم
قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون } وقوله { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاماً } [ الفرقان : 63 ] قال : ما زلت أسمع علماءنا يقولون : نزلت في النجاشي
وأصحابه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن
ابن عباس في قوله { فاكتبنا مع الشاهدين } قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي لفظ : قال : يعنون بالشاهدين محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته ، أنهم قد
شهدوا له أنه قد بلِّغ ، وشهدوا للمرسلين أنهم قد بلغوا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ونطمع أن يدخلنا ربنا مع
القوم الصالحين } قال : القوم الصالحون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
رضي الله عنهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
(87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل والطبراني وابن
مردويه عن ابن عباس « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول
الله ، إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي ، وإني حرمت عليّ اللحم
، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه « عن ابن عباس في قوله { يا أيها
الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } قال : نزلت هذه الآية في رهط من
الصحابة قالوا : نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما تفعل
الرهبان ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك
فقالوا : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لكني أصوم أفطر ، وأصلي وأنام
، وأنكح النساء ، فمن أخذ بسنتي فهو مني ، ومن لم يأخذ بسنَّتي فليس مني » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن جرير عن أبي مالك في قوله { يا
أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } قال : نزلت في عثمان بن
مظعون وأصحابه ، كانوا حرموا على أنفسهم كثيراً من الشهوات والنساء ، وهمَّ
بعضهم أن يقطع ذكره ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة « أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم : لا آكل
اللحم ، وقال بعضهم : لا أتزوّج النساء ، وقال بعضهم لا أنام على فراش ، فبلغ
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال أَقوام يقول أحدهم كذا وكذا ، لكني
أصوم وأفطر ، وأنام وأقوم ، وآكل اللحم ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس
مني » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي شيبة والنسائي وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي
في سننه وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وليس معنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن ذلك ، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله
{ يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله
لا يحب المعتدين } .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
همُّوا بالخصاء ، وترك اللحم والنساء ، فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة ، أن عثمان بن مظعون في نفر
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال بعضهم : لا آكل اللحم ، وقال الآخر :
لا أنام على فراش ، وقال الآخر : لا أتزوج النساء ، وقال الآخر : أصوم ولا أفطر
، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم .
.
. } الآية .
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم } قال : كانوا حرموا الطيب واللحم ، فأنزل الله هذا فيهم
.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن أبي قلابة قال « أراد أناس من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ، ويتركوا النساء ويترهَّبوا ،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقاتلة ، ثم قال : إنما هلك من
كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في
الديار والصوامع ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وحجوا واعتمروا واستقيموا
يستقم بكم . قال : ونزلت فيهم { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم . . . } الآية » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { لا تحرموا طيبات ما أحل الله
لكم } قال : نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يتخلوا
من الدنيا ويتركوا النساء وتزهَّدوا ، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم . . . } الآية . قال « ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم رفضوا النساء واللحم ، وأرادوا أن يتخذوا الصوامع ، فلما
بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس في ديني ترك النساء واللحم ،
ولا اتخاذ الصوامع ، » وخبرنا أن « ثلاثة نفر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم اتفقوا فقال أحدهم أما أنا فأقوم الليل لا أنام ، وقال أحدهم : أما أنا
فأصوم النهار فلا أفطر ، وقال الآخر : أما أنا فلا آتي النساء ، فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : ألم أنبأ إنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ قالوا :
بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير . قال : لكني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر
، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ، » وكان في بعض القراءة في الحرف
الأول : من رغب عن سنتك فليس من أمتك ، وقد ضل سواء السبيل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي عبد الرحمن قال : قال النبي صلى الله عليه
وسلم « لا آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً » .
وأخرج ابن أبي جرير عن السدي قال « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً
فذكر الناس ، ثم قام ولم يزدهم على التخويف ، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كانوا عشرة ، منهم علي بن أبي طالب ، وعثمان بن مظعون : ما حقنا
أن لم نحدث عملاً ، فإن النصارى قد حرَّموا على أنفسهم فنحن نحرم ، فحرم بعضهم
أكل اللحم والودك وأن يأكل منها ، وحرم بعضهم النوم ، وحرم بعضهم النساء ، فكان
عثمان بن مظعون ممن حرم النساء ، وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه ، فأتت
امرأته عائشة - وكان يقال لها الحولاء - فقالت لها عائشة ومن حولها من نساء
النبي صلى الله عليه وسلم : ما بالك يا حولاء متغيرة اللون لا تمتشطين ولا
تتطيبين؟! فقالت : وكيف أتطيب وأمتشط وما وقع عليَّ زوجي ولا رفع عني ثوباً منذ
كذا وكذا ، فجعلن يضحكن من كلامها ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن
يضحكن ، فقال : ما يضحككن؟ قالت : يا رسول الله ، الحولاء سألتها عن أمرها
فقالت : ما رفع عني زوجي ثوباً منذ كذا وكذا ، فأرسل إليه فدعاه فقال : ما بالك
يا عثمان؟ ، قال : إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة ، وقصَّ عليه أمره ، وكان
عثمان قد أراد أن يجب نفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقسمت عليك
إلا رجعت فواقعت أهلك ، فقال : يا رسول الله إني صائم! قال : أفطر . قال :
فأفطر وأتى أهله ، فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيبت ، فضحكت
عائشة فقالت : مالك يا حولاء؟ فقالت : أنه أتاها أمس ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم ، ألا اني أنام وأقوم ،
وأفطر وأصوم ، وأنكح النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ، فنزلت { يا أيها
الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا } يقول لعثمان : لا
تجب نفسك ، فإن هذا هو الاعتداء ، وأمرهم أن يكفروا أيمانهم فقال { لا يؤاخذكم
الله باللغو في أيمانكم } [ المائدة : 89 ] الآية » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال « أراد رجال منهم عثمان بن مظعون ،
وعبد الله بن عمرو ، أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح ، فنزلت { يا
أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } والآية التي بعدها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة . » أن عثمان بن مظعون ، وعلي
بن أبي طالب ، وابن مسعود ، والمقداد بن الأسود ، وسالماً مولى أبي حذيفة ،
وقدامة ، تبتلوا فجلسوا في البيوت ، واعتزلوا النساء ، ولبسوا المسوح ، وحرموا
طيبات الطعام واللباس ، إلا ما يأكل ويلبس السياحة من بني إسرائيل ، وهمُّوا
بالاختصاء ، وأجمعوا لقيام الليل ، وصيام النهار ، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم . . . } الآية . فلما نزلت بعث إليهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن لأنفسكم حقاً ، ولأعينكم حقاً ، وإن
لأهلكم حقاً ، فصلوا وناموا وأفطروا ، فليس منا من ترك سنتنا . فقالوا : اللهم
صدقنا واتبعنا ما أنزلت على الرسول « .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال « إن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم منهم عثمان بن مظعون حرموا اللحم والنساء على أنفسهم ، وأخذوا الشفار
ليقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشهوة عنهم ويتفرغوا لعبادة ربهم ، فأُخبر بذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أردتم؟ قالوا : أَردنا أن نقطع الشهوة عنا
، ونتفرغ لعبادة ربنا ، ونلهو عن الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لم أؤمر بذلك ، ولكني أُمِرْتُ في ديني أن أتزوج النساء ، فقالوا : نطيع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات
ما أحل الله لكم } إلى قوله { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } فقالوا : يا
رسول الله ، فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله { لا يؤاخذكم
الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } [ المائدة : 89 ] » .
وأخرج ابن مردويه عن الحسن العرني قال : كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرموا
الشهوات ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم .
. . } الآية .
وأخرج أبو الشيخ من طريق ابن جريج عن المغيرة بن عثمان قال « كان عثمان بن
مظعون ، وعلي ، وابن مسعود ، والمقداد ، وعمار ، أرادوا الاختصاء ، وتحريم
اللحم ، ولبس المسوح في أصحاب لهم ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن
مظعون ، فسأله عن ذلك ، فقال : قد كان بعض ذلك . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أنكح النساء ، وآكل اللحم ، وأصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وألبس الثياب ،
لم آتِ بالتبتل ولا بالرهبانية ، ولكن جئت بالحنيفية السمحة ، ومن رغب عن سنتي
فليس مني » ، قال ابن جريج : فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم . . . } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم « أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف
من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا
ضيفهم انتظاراً له ، فقال لامرأته : حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي . فقالت
امرأته : هو عليَّ حرام . قال الضيف : هو علي حرام ، فلما رأى ذلك وضع يده وقال
: كلوا بسم الله ، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : قد أصبت ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم } » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا }
إلى ما حرم الله عليكم .
وأخرج عبد بن حميد عن المغيرة قال : قلت : لإبراهيم في هذه الآية { يا أيها
الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } هو الرجل يحرم الشيء مما أحل
الله؟ قال : نعم .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في الآية قال : هو الرجل يحلف لا يصل أهله ،
أو يحرِّم عليه بعض ما أحل الله له ، فيأتيه ويكفر عن يمينه .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من
طرق عن ابن مسعود . أن معقل بن مقرن قال له : إني حرمت فراشي عليَّ سنة . فقال
: نم على فراشك وكفِّر عن يمينك ، ثم تلا { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم . . . } إلى آخر الآية .
وأخرج البخاري والترمذي والدار قطني عن أبي جحيفة قال « آخى النبي صلى الله
عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء
متبذلة فقال لها : ما شأنك . . . ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في
الدنيا ، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال : كل فإني صائم قال : ما أنا
بآكل حتى تأكل فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال : نم ، فنام ثم
ذهب يقوم فقال : نم . فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن . فصليا فقال
له سلمان : أن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فأعط كل
ذي حق حقه . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فقال : صدق سلمان »
.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟
قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فلا تفعل ، صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك
عليك حقاً ، وإن لعينك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، وإن لزورك عليك حقاً
، وأن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها ،
فإذن ذلك صيام الدهر كله . قلت : إني أجد قوة . قال : فصم صيام نبي الله داود
لا تزد عليه . قلت : وما كان صيام نبي الله داود؟ قال : نصف الدهر » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب « أن نفراً من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمرو ، لما تبتلوا وجلسوا
في البيوت ، واعتزلوا وهمُّوا بالخصاء ، وأجمعوا على قيام الليل وصيام النهار
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم فقال : أما أنا فاني أصلي وأنام ،
وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني » .
وأخرج عبد الرزاق والطبراني عن عائشة قالت « دخلت امرأة عثمان بن مظعون واسمها
خولة بنت حكيم عليَّ ، وهي باذة الهيئة فسألتها ما شأنك؟ فقالت : زوجي يقوم
الليل ويصوم النهار ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فلقي
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا عثمان ، إن الرهبانية لم تكتب علينا ، أما
لك فيَّ أسوة؟ فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا » .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي قلابة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من :
تبتل فليس منا » .
وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب « أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض ،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس لك فيَّ أسوة؟ فأني آتي النساء ،
وآكل اللحم ، وأصوم وأفطر ، إن خصاء أمتي الصيام ، وليس من أمتي من خصى أو
اختصى » .
وأخرج ابن سعد عن أبي بردة قال « دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى
الله عليه وسلم ، فرأينها سيئة الهيئة ، فقلن لها : ما لك؟ فقالت : ما لنا منه
شيء ، أما ليله فقائم ، وأما نهاره فصائم ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ،
فذكرن ذلك له ، فلقيه فقال يا عثمان بن مظعون ، أما لك فيَّ أسوة؟ قال : وما
ذاك؟ قال : تصوم النهار وتقوم الليل . قال : إني لأفعل . قال : لا تفعل ، إن
لعينك عليك حقاً ، وإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فصل ونم ، وصم
وأفطر ، قال : فاتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس ، فقلن لها : مه؟ قالت : أصابنا
ما أصاب الناس » .
وأخرج ابن سعد عن أبي قلابة « أن عثمان بن مظعون اتخذ بيتاً فقعد يتعبّد فيه ،
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فأخذ بعضادتي باب البيت الذي هو فيه
، فقال : يا عثمان ، إن الله لم يبعثني بالرهبانية مرتين أو ثلاثاً ، وإن خير
الدين عند الله الحنيفية السمحة » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال « كانت امرأة عثمان بن مظعون امرأة جميلة عطرة
تحب اللباس والهيئة لزوجها ، فزارتها عائشة وهي تفلة ، قالت : ما حالك هذه؟
قالت : إن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب ،
وعبد الله بن رواحة ، وعثمان بن مظعون ، قد تخلوا للعبادة وامتنعوا من النساء
وأكل اللحم ، وصاموا النهار وقاموا الليل ، فكرهت أن أريه من حالي ما يدعوه إلى
ما عندي لما تخلى له ، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة ، فأخذ
النبي صلى الله عليه وسلم نعله ، فحمله بالسبابة من أصبعه اليسرى ، ثم انطلق
سريعاً حتى دخل عليهم ، فسألهم عن حالهم ، قالوا : أردنا الخير . فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إني إنما بعثت بالحنيفية السمحة ، وإني لم أبعث
بالرهبانية البدعة ، إلا وإن أقواماً ابتدعوا الرهبانية فكتبت عليهم فما رعوها
حق رعايتها ، إلا فكلوا اللحم ، وأتوا النساء ، وصوموا وأفطروا ، وصلوا وناموا
، فإني بذلك أمرت » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
عن ابن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « من استطاع منكم الباءة
فليتزوّج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له
وجاء » .
وأخرج عبد الرزاق عن عثمان بن عفان قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
بفتية فقال : من كان منكم ذا طول فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن
لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأحببت
أن يكون لي فيه زوجة .
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب . أنه قال لرجل : أتزوجت؟ قال : لا . قال :
إما أن تكون أحمق ، وإما أن تكون فاجراً .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن إبراهيم بن ميسرة قال : قال لي طاوس :
لتنكحن أو لأقول لك ما قال عمر لأبي الزوائد ، ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو
فجور .
وأخرج عبد الرزاق عن وهب بن منبه قال : مثل الأعزب كمثل شجرة في فلاة تقلبها
الرياح هكذا وهكذا .
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن هلال ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « تناكحوا
تكثروا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن
سعد بن أبي وقاص قال « لقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون
التبتل ، ولو أذن له في ذلك لاختصينا » .
وأخرج ابن سعد والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عائشة بنت قدامة بن مظعون عن
أبيها عن أخيه عثمان بن مظعون « أنه قال : يا رسول الله ، إني رجل تشق عليَّ
هذه العزبة في المغازي ، فتأذن لي يا رسول الله في الخصاء؟ فأختصي . قال : لا ،
ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفر » .
وأخرج أحمد عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سمرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس « أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ، فقال بعضهم : لا
أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا آكل اللحم ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش ،
وقال بعضهم أصوم ولا أفطر ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام
قالوا كذا وكذا؟ ، لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن
سنتي فليس مني » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في سننه عن عبيد الله بن سعد عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال « من أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح » .
وأخرج البيهقي في سننه عن ميمون أبي المغلس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «
من كان موسراً لأن ينكح فلم ينكح فليس منا » .
وأخرج عبد الرزاق عن أيوب . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من استن بسنتي
فهو مني ، ومن سنتي النكاح » .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد عن أبي ذر قال « دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجل يقال له عكاف بن بشير التميمي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك
من زوجة؟ قال : لا . قال : ولا جارية؟ قال : ولا جارية . قال : وأنت موسر بخير؟
قال : نعم . قال : أنت إذاً من إخوان الشياطين ، لو كنت من النصارى كنت من
رهبانهم ، إن من سنتنا النكاح ، شراركم عزابكم ، وأراذل موتاكم عزابكم ، أبا
لشيطان تتمرسون؟ ما للشيطان من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء ، إلا
المتزوجين أولئك المطهرون الْمُبَرَّأون من الخنا ، ويحك يا عكاف! إنهن صواحب
أيوب وداود ويوسف وكرسف فقال له بشير بن عطية : ومن كرسف يا رسول الله؟ قال :
رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلثمائة عام ، يصوم النهار ويقوم الليل
، ثم إنه كفر بعد ذلك بالله العظيم في سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من
عبادة ربه ، ثم استدركه الله ببعض ما كان منه فتاب عليه ، ويحك يا عكاف! تزوج
وإلا فأنت من المذبذبين » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عطية بن بسر المازني قال « جاء عكاف بن وداعة
الهلالي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم : يا عكاف ألك زوجة؟ قال : لا . قال : ولا جارية؟ قال : لا . قال : وأنت
صحيح موسر؟ قال : نعم ، والحمد لله . قال : فأنت إذاً من الشياطين ، إما أن
تكون من رهبانية النصارى فأنت منهم ، وإما أن تكون منا فتصنع كما نصنع ، فإن من
سنتنا النكاح ، شراركم عزابكم ، وأراذل موتاكم عزابكم ، أبا لشيطان تتمرسون ،
ما له في نفسه سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجون المطهرون
المبرأون من الخنا ، ويحك يا عكاف . ! تزوج إنهن صواحب داود ، وصواحب أيوب ،
وصواحب يوسف ، وصواحب كرسف ، فقال عطية من كرسف يا رسول الله؟ فقال : رجل من
بني إسرائيل على ساحل من سواحل البحر يصوم النهار ، ويقوم الليل ، لا يفتر من
صلاة ولا صيام ، ثم كفر من بعد ذلك بالله العظيم في سبب امرأة عشقها فترك ما
كان عليه من عبادة ربه عز وجل ، فتداركه الله بما سلف منه فتاب الله عليه ،
ويحك . ! تزوج وإلا فإنك من المذبذبين » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي نجيح قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم « من كان موسراً لأن ينكح فلم ينكح فليس مني » .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أبي نجيح قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم « مسكين مسكين ، مسكين رجل ليست له امرأة . قيل يا رسول الله ، وإن كان
غنياً ذا مال؟ قال : وإن كان غنياً من المال . قال : ومسكينة مسكينة مسكينة ،
امرأة ليس زوج ، قيل : يا رسول الله ، وإن كانت غنية ومكثرة من المال ، قال :
وإن كانت » قال البيهقي : أبو نجيح اسمه يسار ، وهو والد عبد الله بن أبي نجيح
، والحديث مرسل « .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي عن أنس قال » كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمرنا بالباءة ، وينهانا عن التبتل نهياً شديداً ، ويقول : تزوجوا الودود
الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة « .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إذا تزوج العبد
فقد استكمل نصف دينه ، فليتق الله في النصف الباقي « .
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن أنس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » من
رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الباقي «
.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل رجل عابد ، وكان معتزلاً
في كهف له ، فكان بنو إسرائيل قد أعجبوا بعبادته ، فبينما هم عند نبيهم إذ
ذكروه فأثنوا عليه ، فقال النبي : » إنه لكما تقولون لولا أنه تارك لشيء من
السنة وهو التزوج « .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن شداد بن أوس أنه قال : » زوِّجوني فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن لا ألقى الله عزباً « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : قال معاذ في مرضه الذي مات فيه : زوجوني إني
أكره أن ألقى الله عزباً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال : يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، لا تعتدوا إن
الله لا يحب المعتدين .
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ
يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا
أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (89)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال « لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا
طيبات ما أحل الله لكم } [ المائدة : 87 ] في القوم الذين كانوا حرَّموا النساء
، واللحم على أنفسهم ، قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا
عليها؟ فأنزل الله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } » .
وأخرج أبو الشيخ عن يعلى بن مسلم قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية { لا
يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : اقرأ
ما قبلها فقرأت { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } إلى
قوله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : اللغو أن تحرم هذا الذي أحل
الله لك وأشباهه تكفرعن يمينك ولا تحرمه ، فهذا اللغو الذي لا يؤاخذكم به {
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } فإن مت عليه أخذت به .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال
: هو الرجل يحلف على الحلال أن يحرمه ، فقال الله { لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم } أن تتركه وتكفر عن يمينك { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال :
ما أقمت عليه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : هما
الرجلان يتبايعان . يقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر : والله
لا أشتريه بكذا .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم قال : اللغو . أن يصل الرجل كلامه
بالحلف ، والله لتجيئن ، والله لتأكلن ، والله لتشربن ، ونحو هذا لا يريد به
يميناً ، ولا يتعمد به حلفاً ، فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك قال : الأيمان ثلاثة . يمين تكفر ، ويمين لا
تكفر ، ويمين لا يؤاخذ بها ، فأما التي تكفر فالرجل يحلف على قطيعة رحم أو
معصية الله فيكفر يمينه ، والتي لا تكفر الرجل يحلف على الكذب متعمداً ولا تكفر
، والتي لا يؤاخذ بها فالرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق فهو اللغو لا يؤاخذ
به . والله أعلم .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال : اللغو . الخطأ ، أن يحلف على
الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت عليه ، فلا يكون كذلك تجوّز لك عنه ولا كفَّارة
عليك فيه { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : ما تعمدت فيه المآثم فعليك
فيه الكفارة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن مجاهد { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال
: بما تعمدتم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد { لا يؤاخذكم
الله باللغو في أيمانكم } قال : الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك {
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : الرجل يحلف على الشيء وهو يعلمه .
وأخرج أبو الشيخ عن عائشة قالت : إنما اللغو في المراء والهزل والمزاحة في
الحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وإنما الكفارة في كل يمين حلف عليها في جد من
الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن ، فذاك عقد الأيمان الذي فرض الله فيه
الكفارة .
قوله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } .
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس قال « كفر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بصاع من تمر وأمر الناس به ، ومن لم يجد فنصف صاع من بر » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة
اليمين مداً من حنطة بمد الأول » .
وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنا نعطي في كفارة اليمين بالمد
الذي يقتات به .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ
عن عمر بن الخطاب قال : أني أحلف لا أعطي أقواماً ثم يبدو لي أن أعطيهم ، فأطعم
عشرة مساكين كل مسكين صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر ، أو نصف صاع من قمح .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين
نصف صاع من قمح .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين
نصف صاع من حنطة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس : في كفارة اليمين نصف صاع من حنطة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد قال : كل طعام في القرآن
فهو نصف صاع ، في كفارة اليمين وغيرها .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس قال : في كفارة اليمين مد من حنطة لكل
مسكين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ
عن زيد بن ثابت . أنه قال : في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ
عن ابن عمر . في كفارة اليمين قال : إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد من حنطة
.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : ثلاث فيهن مد مد ، كفارة اليمين ، وكفارة
الظهار ، وكفارة الصيام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في
قوله { فكفارته إطعام عشرة مساكين } قال : يغديهم ويعشيهم ، إن شئت خبزاً
ولحماً ، أو خبزاً وزيتاً ، أو خبزاً وسمناً ، أو خبزاً وتمراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين . في كفارة اليمين قال :
أكلة واحدة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن كفارة اليمين فقال :
رغيفين وعرق لكل مسكين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سفيان الثوري عن جابر قال : قيل
للشعبي أردد على مسكين واحد . قال : لا يجزيك إلا عشرة مساكين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن . أنه كان لا يرى بأساً أن يطعم مسكيناً واحداً
عشر مرات في كفارة اليمين .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { من أوسط ما
تطعمون أهليكم } قال : من عسركم ويسركم .
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال : كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة ، وكان
الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدة ، فنزلت { من أوسط ما تطعمون أهليكم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان
الرجل يقوت أهله قوتاً فيه فضل ، وبعضهم يقوت قوتاً دون ذلك ، فقال الله { من
أوسط ما تطعمون أهليكم } ليس بأرفعه ولا أدناه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه
عن ابن عمر { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قال : من أوسط ما نطعم أهلينا الخبز
والتمر ، والخبز والزيت ، والخبز والسمن ، ومن أفضل ما نطعمهم الخبز واللحم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال : كانوا
يقولون : أفضله الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والسمن ، وأخسه الخبز والتمر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : كان أهل المدينة
يفضلون الحر على العبد ، والكبير على الصغير ، يقولون : الصغير على قدره
والكبير على قدره ، فنزلت { من أوسط ما تطعمون أهليكم } فأمروا بأوسط من ذلك
ليس بأرفعه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { من أوسط } يعني من أعدل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { من أوسط } قال : من أمثل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير { من أوسط ما تطعمون أهليكم }
قال : قوتهم ، والطعام صاع من كل شيء إلا الحنطة .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : كل شيء فيه إطعام مسكين فهو مد بمد أهل مكة .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {
أو كسوتهم } قال » عباءة لكل مسكين « » .
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال « قلنا يا رسول الله { أو كسوتهم } ما هو؟ قال :
عباءة » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أو كسوتهم } قال : عباءة لكل مسكين
أو شملة .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { أو كسوتهم } قال : ثوب ثوب
لكل إنسان ، وقد كانت العباءة تقضي يومئذ من الكسوة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : الكسوة ثوب أو إزار .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { أو كسوتهم } قال : القميص أو الرداء أو الإزار .
قال : ويجزي في كفارة اليمين كل ثوب إلا التبان أو القلنسوة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد { أو كسوتهم } قال : أدناه
ثوب ، وأعلاه ما شئت .
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب { أو كسوتهم } قال : إزار
وعمامة .
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري قال : السراويل لا يجزي ، والقلنسوة لا تجزي .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين . أنه سئل عن
قوله { أو كسوتهم } قال : لو أن وفداً قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة قلنسوة
قلتم قد كسوا .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء . في الرجل يكون عليه الكفارة من اليمين فيكسو خمس
مساكين ، ويطعم خمسة أن ذلك جائز؟ .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه قرأ « إطعام عشرة مساكين أو كاسوتهم » ثم
قال سعيد : أو كاسوتهم في الطعام .
أما قوله تعالى : { أو تحرير رقبة } .
وأخرج ابن أبو شيبة وأبو الشيخ عن الحسن قال : لا يجزي الأعمى ولا المقعد في
الرقبة .
وأخرج أبو الشيخ عن فضالة بن عبيد قال : يجزي ولد الزنا في الرقبة الواجبة .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء بن أبي رياح قال : تجزي الرقبة لصغيرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن : أنه كان لا يرى عتق الكافر في شيء من الكفارات .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : لا يجزي ولد الزنا في الرقبة ، ويجزئ اليهودي
والنصراني في كفارة اليمين . والله تعالى أعلم .
أما قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس . في آية كفارة اليمين قال : هو
بالخيار في هؤلاء الثلاثة ، الأول فالأوّل ، فإن لم يجد شيئاً من ذلك فصيام
ثلاثة أيام متتابعات .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : « لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة : يا
رسول الله نحن بالخيار؟ قال » أنت بالخيار ، إن شئت أعتقت ، وإن شئت كسوت ، وإن
شئت أطعمت ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات « » .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : من كان عنده درهمان فعليه أن يطعم في الكفارة .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : إذا كان عنده خمسون درهماً فهو ممن يجد ويجب
عليه الإطعام ، وإن كانت أقل فهو ممن لا يجد ويصوم .
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي قال : إذا كان عنده عشرون درهماً فعليه أن
يطعم في الكفارة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن
المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي بن كعب . أنه كان يقرأها « فصيام ثلاثة
أيام متتابعات » .
وأخرج مالك والبيهقي عن حميد بن قيس المكي قال : كنت أطوف مع مجاهد ، فجاءه
إنسان يسأله عن صيام الكفارة أيتابع؟ قال حميد : فقلت : لا . فضرب مجاهد في
صدري ، ثم قال : إنها في قراءة أبي بن كعب « متتابعات » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن
الأنباري وأبو الشيخ والبيهقي من طرق عن ابن مسعود . أنه كان يقرأها « فصيام
ثلاثة أيام متتابعات » قال سفيان : ونظرت في مصحف ربيع بن خيثم ، فرأيت فيه «
فمن لم يجد من ذلك شيئاً فصيام ثلاثة أيام متتابعات » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ، أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن متتابعات .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس ، أنه كان يقرأها « فصيام ثلاثة أيام
متتابعات » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد
قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع ، إلاَّ قضاء رمضان فإنه عدة من أيام أخر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي . أنه كان لا يفرق في صيام اليمين ثلاثة أيام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن . إنه كان يقول في صوم كفارة اليمين : يصومه
متتابعات ، فإن أفطر من عذر يقضي يوماً مكان يوم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير { ذلك } يعني الذي ذكر من
الكفارة { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } يعني اليمين العمد { واحفظوا أيمانكم }
يعني لا تعمدوا الأيمان الكاذبة { كذلك } يعني هكذا { يبين الله لكم آياته }
يعني ما ذكر من الكفارة { لعلكم تشكرون } فمن صام من كفارة اليمين يوماً أو
يومين ثم وجد ما يطعم فليطعم ، ويجعل صومه تطوّعاً .
وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن أبي شيبة وابن مردويه عن عائشة قالت : كان أبو
بكر إذا حلف لم يحنث ، حتى نزلت آية الكفارة ، فكان بعد ذلك يقول : لا أحلف على
يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وقبلت رخصة الله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : من حلف على ملك يمين ليضربه فكفارته تركه ،
ومع الكفارة حسنة .
وأخرج أبو الشيخ عن جبير بن مطعم . أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف درهم ، وقال :
ورب هذه القبلة لو حلفت لحلفت صادقاً ، وإنما هو شيء افتديت به يميني .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي نجيح . أن ناساً من أهل البيت حلفوا عند البيت خمسين
رجلاً قسامة ، فكأنهم حلفوا على باطل ، ثم خرجوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق
قالوا تحت صخرة ، فبينما هم قائلون تحتها إذ انقلبت الصخرة عليهم ، فخرجوا
يشتدون من تحتها ، فانفلقت خمسين فلقة ، فقتلت كل فلقة رجلاً .
( معلومات الكتاب ) |