فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ
بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ
مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة ، { وأمرت لأعدل بينكم } قال : أمر نبي
الله - صلى الله عليه وسلم - ان يَعْدلَ فعدل ، حتى مات . والعدل ، ميزان الله
في الأرض ، به يأخذ للمظلوم من الظالم ، وللضعيف من الشديد ، وبالعدل ، يصدق
الله الصادق ويكذب الكاذب ، وبالعدل ، يرد المعتدي ويوبخه .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد - رضي الله عنه
- في قوله : { لا حجة بيننا وبينكم } قال : لا خصومة بيننا وبينكم .
قوله تعالى : { والذين يحاجون في الله } .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في
قوله : { والذين يُحَاجُّون في الله من بعد ما استجيب له } قال : هم أهل الكتاب
، كانوا يجادلون المسلمين ويصدونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا لله . وقال :
هم قوم من أهل الضلالة ، وكان استجيب على ضلالتهم ، وهم يتربصون بأن تأتيهم
الجاهلية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد - رضي الله عنه - { والذين
يحاجون في الله من بعد ما استجيب له } قال : طمع رجال بأن تعود الجاهلية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة - رضي الله
عنه - في قوله { والذين يحاجون في الله } الآية قال : هم اليهود والنصارى ،
حاجوا المسلمين في ربهم ، فقالوا : أنزل كتابنا قبل كتابتكم ، ونبينا قبل نبيكم
، فنحن أولى بالله منكم ، فأنزل الله { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه
ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } [ آل عمران : 6
] وأما قوله : { من بعد ما استجيب له } قال : من بعد ما استجاب المسلمون لله
وصلوا لله .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن - رضي الله عنه - { والذين يحاجون في الله من بعد
ما استجيب له } الآية قال : قال أهل الكتاب لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -
نحن أولى بالله منكم ، فأنزل الله { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له
حجتهم داحضة عند ربهم } يعني أهل الكتاب .
وأخرج ابن المنذر ، عن عكرمة - رضي الله عنه - قال : لما نزلت { إذا جاء نصر
الله والفتح } [ النصر : 1 ] قال المشركون بمكة : لمن بين أظهرهم من المؤمنين ،
قد دخل الناس في دين الله أفواجاً ، فاخرجوا من بين أظهرنا ، فعلام تقيمون بين
أظهرنا؟ فنزلت { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له } الآية .
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد - رضي الله عنه - { الله
الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان } قال : العدل .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان واقفاً بعرفة ، فنظر
إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب ، فبكى واشتد بكاؤه ، وتلا قول الله تعالى
{ الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان } إلى { العزيز } فقيل له فقال : ذكرت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بمكاني هذا ، فقال : « أيها الناس
لم يبق من دنياكم هذه فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قد كان الرجل منا
يدخل الخلاء ، فيحمل الاداوة من الماء ، فإذا خرج توضأ خشية من أن تقوم الساعة
، وأن يكون عنده الفضلة من الطعام ، فيقول لا آكلها حتى تقوم الساعة .
وأخرج أحمد وهناد بن السري والطبراني وابن مردويه والضياء ، عن جابر بن سمرة ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين » .
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا
مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ
يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
أخرج ابن المنذر ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : لا تقوم الساعة حتى
يتمناها المتمنون ، فقيل له { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا
مشفقون منها } قال : إنما يتمنونها خشية على إيمانهم .
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ
نَصِيبٍ (20)
أخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { من كان يريد حرث الآخرة } قال : عيش
الآخرة ، { نزد له في حرثه } { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها } الآية قال
: من يؤثر دنياه على آخرته ، لم يجعل له نصيباً في الآخرة إلا النار ، ولم يزدد
بذلك من الدنيا شيئاً ، إلا رزقاً قد فرغ منه وقسم له .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة { من كان يريد حرث الآخرة } قال : من
كان يريد عيش الآخرة نزد له في حرثه { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما
له في الآخرة من نصيب } قال : من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيباً
في الآخرة إلا النار ، ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئاً ، إلا رزقاً قد فرغ منه
وقُسِمَ له .
وأخرج ابن مردويه من طريق قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - { ومن كان يريد حرث
الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } قال : نزلت في اليهود .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وابن حبان ، عن أبيّ بن كعب - رضي الله
عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة
والنصر والتمكين في الأرض ، ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة ، فمن عمل منهم
عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له في الآخرة من نصيب » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
قال : « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في
حرثه } الآية . ثم قال : يقول الله : » ابن آدم تفرغ لعبادتي ، أملأ صدرك غنى ،
وأسُدُّ فقرك ، وإلا تفعل ، ملأت صدرك شغلاً ، ولم أسدّ فقرك « .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعاً » من جعل الهم
هماً واحداً اكفاه الله هم دنياه . ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية
الدنيا هلك « .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر ، عن علي - رضي الله عنه - قال : الحرث حرثان
، فحرث الدنيا المال والبنون ، وحرث الآخرة ، الباقيات الصالحات .
وأخرج ابن المبارك ، عن مرة - رضي الله عنه - قال : ذكر عند عبدالله بن مسعود -
رضي الله عنه - قوم قتلوا في سبيل الله ، فقال : إنه ليس على ما تذهبون وترون ،
إنه إذا التقى الزحقان ، نزلت الملائكة ، فكتبت الناس على منازلهم ، فلان يقاتل
للدنيا ، وفلان يقاتل للملك ، وفلان يقاتل للذكر ، ونحو هذا ، وفلان يقاتل يريد
وجه الله ، فمن قتل يريد وجه الله ، فذلك في الجنة .
وأخرج ابن النجار في تاريخه ، عن رزين بن حصين - رضي الله عنه - قال : قرأت
القرآن من أوله إلى آخره على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فلما بلغت
الحواميم ، قال لي : قد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من {
حمعاساقا } بكى ثم قال : اللهم إني أسألك اخبات المخبتين ، وخلاص الموقنين ،
ومرافقة الأبرار ، واستحقاق حقائق الإِيمان ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من
كل إثم ، ورجوت رحمتك والفوز بالجنة والنجاة من النار ، ثم قال : يا رزين ، إذا
ختمت فادع بهذه ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أدعو بهن عند
ختم القرآن .
( معلومات الكتاب ) |