النكت على كتاب ابن الصلاح - الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت للحافظ
ابن حجر على ابن الصلاح
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على
ابن الصلاح
...
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح
المراحل التي تكونت فيها نكت ابن حجر على مقدمة ابن الصلاح ونكت
العراقي:
1- قرأ الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي الفوائد التي جمعها على مصنف
ابن الصلاح (المقدمة) وكان في أثناء قراءته على شيخه وبعد ذلك إذا وقعت
له النكتة الغريبة والنادرة العجيبة والاعتراض قويا كان أو ضعيفا ربما
علق ذلك على هامش الأصل وربما أغفله.
2- ثم رأى - فيما بعد - أن الصواب الاجتهاد في جمع ذلك لإكمال التنكيت
على كتاب ابن الصلاح فشرع في تنفيذ رأيه بتأليف كتابه هذا "النكت على
ابن الصلاح والعراقي".
3- وقد بين الحافظ غرضه من هذا العمل فقال: وغرضي بذلك جمع ما تفرق من
الفوائد واقتناص ما لاح من الشوارد. هذا وقد بلغت نكته على ابن الصلاح
مائة وتسعا وعشرين نكتة اتخذ منها منطلقا لإبراز كثير من القواعد
والفوائد والعلوم الغزيرة في ثنايا هذا الكتاب المبارك.
(1/55)
ويتلخص عمله في:
أ- الدفاع عن ابن الصلاح.
ب- الاعتراض عليه ومناقشته.
ج- شرح بعض الأمور اللغوية والاصطلاحية.
د- إضافة أشياء هامة وغزيرة من الفوائد والبحوث القيمة واستطرادات واسعة
ومفيدة.
وفي الصفحات التالية دراسة وعرض ملخص لعمله العظيم في هذا الكتاب القيم الذي
بلغ فيه جهده الجبار الذي دل على طول باعه وسعة اطلاعه وأنه باحث ناقد من
الدرجة الأولى بل لا يلحق في هذا المضمار.
كلامه على خطبة ابن الصلاح
وفيها ثلاثة عشرة نكتة:
(1) النكتة الأولى (ص223):
كانت شرحا لكلمة (الواقي) بين أنها مشتقة من قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ}
ثم بين أن هنالك مذهبين في أسماء الله الحسنى.
الأول: أنها مشتقة.
والثاني: أنها توقيفية.
وقال: "وهو الأصح عند المحققين".
(2) النكتة الثانية (ص223):
كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث اعترض عليه في قوله (حمدا بالغا أمد التمام
ومنتهاه) بأن هذه دعوى لا تصح، لأن الخلق كلهم لو اجتمع حمدهم لم يبلغ بعض ما
يستحقه تعالى من الحمد فضلا عن تمامه.
(1/56)
أجاب الحافظ بأن الحافظ لم يدّع أن الحمد الصادر منه بلغ ذلك وإنما أخبر أن
الحمد الذي يجب لله هذه صفته.
(3) النكتة الثالثة (ص224):
كانت ردا على اعتراض على قول ابن الصلاح (على نبينا) بأن النبي أعم من الرسول
البشري فلم عدل عن الوصف بالرسالة؟ أجاب الحافظ بجوابين: أحدهما أن المقام مقام
تعريف يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة كانت.
(4) النكتة الرابعة (ص225):
عبارة عن اعتذار وتوجيه لقول ابن الصلاح (وآل كل) قال الحافظ: "إضافة إلى
الظاهر خروجا من الخلاف، لأن بعضهم لا يجيز إضافته إلى المضمر".
(5) النكتة الخامسة (ص225):
إجابة عن سؤل صوره الحافظ نفسه لِمَ لم يأت ابن الصلاح في خطبته الأولى بقول:
"أما بعد) مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي في خطبه؟ ثم أجاب
الحافظ: بأنه لا حجر في ذلك بل هو من التفنن.
ثم إن ابن الصلاح تعرض هنا لفضل علم الحديث فعرفه الحافظ بأنه معرفة القواعد
التي يتوصل بها إلى معرفة حال الرواي والمروي.
(6) النكتة السادسة (ص226):
كانت شرحا وضبطا (رذالة) الواردة في كلام ابن الصلاح. قال الحافظ: هي بضم الراء
وبعدها ذال معجمة. والرذالة ما انتفى جيده... الخ.
(7) النكتة السابعة (ص226):
كانت ضبطا لغويا لقول ابن الصلاح )وسفلتهم". قال: هو بفتح السين وكسر الفاء
وفتح اللام وزن فرح جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء.
(8) النكتة الثامنة (ص227):
كانت شرحا لقول ابن الصلاح في مزايا علم الحديث: "وهو من أكثر العلوم تولجا) أي
دخولا.
(1/57)
قال الحافظ: "والمراد من العلوم هنا الشرعية وهي التفسير والحديث والفقه"، ثم
بين الحافظ حاجة كل علم من هذه إلى علم الحديث.
(9)، (10) النكتة التاسعة والعاشرة (ص227):
كانت شرحا لقول ابن الصلاح: "وأفنان فنونه - يعني علم الحديث - غضة) قال
الحافظ: "الأفنان جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن. والفنون جمع فن وهو ضرب من
الشيء أي النوع. وقوله: غضة: هي استعارة مناسبة للفنن وفيه الجناس بين أفنان
وفنون".
(11) النكتة الحادية عشرة (ص228):
كانت شرحا لقول ابن الصلاح: "ومغانيه بأهله آهلة".
قال الحافظ: "المغاني - بالغين - جمع مغنى: مقصور: وهو المكان الذي كان مسكونا
ثم انتقل أهله عنه".
(12) النكتة الثانية عشرة (ص228):
كانت ضبطا لغويا لقول ابن الصلاح في بقايا من أهل الحديث: "إنما هم شرذمة، قال
الحافظ: "بالذال المعجمة - ثم انتقادا لابن دحية حيث جوز إهمالها قال الحافظ:
وشذ بذلك".
(13) النكتة الثالثة عشرة (ص228):
كانت شرحا وضبطا لقول ابن الصلاح: "من سماعه غفلا... وعطلا".
قال الحافظ - بضم الغين المعجمة وسكون الفاء - استعارة يقال أرض غفل لا علم
بها.
فكأنه شبه الكتاب بالأرض والتقييد بالنقط والشكل والضبط بالعمران. وقوله:
"عطلا": العاطل ضد الحالي.
(1/58)
النوع الأول: الصحيح
وفيه ست عشرة نكتة.
(14) النكتة الأولى (ص234):
كانت جوابا على اعتراض على تعريف ابن الصلاح للحديث الصحيح بأنه الحديث المسند
الذي يتصل إسناده... الخ.
اعترض عليه بأنه لو قال: المسند المتصل لاستغنى عن تكرار لفظ الإسناد.
فأجاب الحافظ بأنه إنما أراد الحديث المرفوع لأنه الأصل الذي يتكلم عليه.
(15) النكتة الثانية (ص235):
كانت جوابا على اعتراض على ابن الصلاح في اشتراطه في حد الصحيح بأنه لا يكون
شاذا ولا معللا. بأنه كان ينبغي أن يزيد فيه قيد القدح بأن يقول: ولا معللا
بقادح.
أجاب الحافظ بأنه لم يخل باحتراز ذلك بل قوله: "ولا يكون معللا إنما يظهر من
تعريفه المعلل وقد عرفه فيما بعد بأنه الحديث الذي اطلع في إسناده الذي ظاهره
السلامة على علة قادحة فلهذا قال فيه احتراز عما فيه علة قادحة..."
ثم عقب الحافظ هذه النكتة بأربعة تنبيهات تدور كلها حول تعريف الصحيح وشروطه.
(1/59)
(16) النكتة الثالثة: (ص247):
كانت تعقبا على قول ابن الصلاح: "ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث
بأنه الأصح على الإطلاق" ثم ذكر ابن الصلاح خمس تراجم مما قيل فيه أصح
الأسانيد.
قال الحافظ: "أما الإسناد فهو كما قال قد صرح جماعة من أئمة الحديث بأن إسناد
كذا أصح الأسانيد.
وأما الحديث فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال: حديث كذا أصح الأحاديث
على الإطلاق..."
ثم بين الحافظ أسباب اختلاف الأئمة في أصح الأسانيد ومنها: أن كثيرا ممن نقل
عنه الكلام في ذلك إنما يرجّح إسناد أهل بلده وذلك لشدة اعتنائه بذلك.
ثم ذكر فائدة ذلك فقال: "ولكن يفيد مجموع ما نقل عنهم في ذلك ترجيح التراجم
التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم".
ثم أضاف الحافظ سبعا وعشرين ترجمة مما قيل فيه أصح الأسانيد ونقل عن الحاكم
بعضها وتعقبه في بعض التراجم.
ثم نبه الحافظ إلى أن ابن الصلاح لم يذكر أوهى الأسانيد وقال: أظنه حذفه لقلة
جدواه ووعد بأنه سيشير إلى ذلك في الكلام على الموضوع.
(17) النكتة الرابعة (ص262):
كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث قال: "وبنى الإمام أبو منصور التميمي على ذلك -
يعني على قولهم أصح الأسانيد كذا - أن أجل الأسانيد رواية الشافعي عن مالك عن
نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(1/60)
فاعترض عليه مغلطاي برواية أبي حنيفة عن مالك، وبأن ابن وهب والقعنبي عند
المحدثين أتقن من جميع من روى عن مالك.
أجاب الحافظ بأن اعتراضه بأبي حنيفة لا يحسن لأن روايته عن مالك لم تثبت وعلى
فرض ثبوتها فلا تحسن المفاضلة بين من روى رجل حديثا أو حديثين على سبيل
المذاكرة وبين من روى عنه ألوفا.
وبالنسبة لابن وهب القعنبي قال: فما أدري من أين له هذا النقل..."
(18) النكتة الخامسة (ص66):
فيها اعتراضات على رأي ابن الصلاح حيث ذهب إلى سد باب التصحيح والتحسين
للأحاديث في الأعصار المتأخرة بمجرد اعتبار الأسانيد.ناقشه الحافظ في ذلك وذهب
إلى جواز في ذلك.
(19) النكتة السادسة (ص276):
فيها دفاع عن ابن صلاح حيث حكى أن أول من صنف في الصحيح البخاري.
فاعترض عليه مغلطاي بأن مالكا هو أول من صنف في الصحيح وتلاه آخرون كالإمام
أحمد والدارمي.
فذكر الحافظ لشيخه العراقي جوابا لم يرضه.
ثم قال: الصواب في الجواب أن يقال: ما الذي أراده المصنف بقوله: "أول من صنف
الصحيح؟" هل أراد الصحيح من حيث هو، أو أراد الصحيح المعهود ورجح أنه لم يرد
إلا المعهود قال: حينئذ لا يرد عليه ما ذكره من الموطأ وغيره.
ثم ذهب يفرق بينما يوجد في الموطأ والبخاري من المقطوع والمنقطع والمرسل وقصد
البخاري من إيرادها.
(1/61)
ثم
قال: "والحاصل أن أول من صنف الصحيح يصدق على مالك بالنظر إلى المصنفين في
عصره، أما الصحيح المعتبر عند المحدثين الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف
فأول من جمعه البخاري ثم مسلم".
أما مسند أحمد فقال: "إن أحمد لم يشترط فيه الصحة ووجود الضعيف فيه محقق. وأما
مسند الدارمي ففيه الضعيف والمنقطع ثم ناقش مغلطاي في إطلاق الصحة على مسند
الدارمي وفي أسبقيته لصحيح البخاري".
(20) النكتة السابعة (ص281):
فيها تكميل وتأكيد لكلام ابن الصلاح حيث نقل قول الشافعي: "ما أعلم في الأرض
كتابا أكثر صوابا من كتاب مالك" ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ.
فنقل الحافظ قول الشافعي: "ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك" ونقل عنه أيضا
معناه بلفظ آخر.
(21) النكتة الثامنة (ص281):
كانت بمثابة شرح وتوضيح لقول ابن الصلاح: "ثم إن كتاب البخاري أصح صحيحا" ثم
ردود على من فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري مع ذكر مزايا كل من الكتابين بصفة
إجمالية.
ثم تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم بصورة تفصيلية تدور حول اتصال الإسناد
وعدالة الرواة.
(22) النكتة التاسعة (ص289):
تتضمن تعقبا على قول ابن الصلاح: "ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين
- يعني الصحيحين - يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة ويكفي
مجرد كونها في كتب من اشترط الصحيح كابن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة
على الصحيحين ككتاب أبي عوانة.
(1/62)
قال الحافظ ما ملخصه: "إن في هذا الكلام نظرا، لأن ابن خزيمة وابن حبان لم
يلتزما أن يخرجا الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف ولأنهما لم
يفرقا بين الصحيح والحسن ثم ذكر شرط ابن خزيمة وابن حبان وأنهما لم يشترطا نفي
الشذوذ والعلة".
وأما المستخرجات فبالنسبة لكتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على صحيح
مسلم فإن فيه أحاديث كثيرة مستقلة يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف والموقوف.
وأما مستخرج الإسماعيلي فليس فيه أحاديث مستقلة وإنما تحصل الزيادة في أثناء
بعض المتون والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها فقد يكون في رواتها من تكلم
فيه، وكذا الحكم في باقي المستخرجات.
(23) النكتة العاشرة (ص310):
تعتبر شرحا وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "فليس لك أن تنقل حديثا منها (يعني
المستخرجات) وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري ومسلم إلا أن تقابل لفظه
أو يكون الذي أخرجه قد قال أخرجه البخاري...".
قال الحافظ: "قلت: محصل هذا أن مخرِّج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين
فلا يخلو إما أن يصرح بالمرادفة أو المساواة أو لا يصرح، إن صرح فذاك، وإن لم
يصرح كان على الاحتمال فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل منها ويقول: هو
على هذا الوجه فيهما، ولكن هل له أن ينقل ويطلق كما أطلق؟
هذا محل بحث وتأمل.
ثم نقل عن ابن دقيق العيد استنكاره عزو المصنفين على الأبواب الأحاديث إلى
تخريج الشيخين مع تفاوت المعنى.
لأن في هذا العمل مفسدتين:
(1/63)
إحداهما: أنه يوهم الناظر فيه أنه عند صاحب الصحيح كذلك، والواقع بخلافه.
الثانية: أن يكون في إسناد صاحب المستخرج من لا يحتج به...".
(24) النكتة الحادية عشرة (ص312):
كانت شرحا وبيانا لقول ابن الصلاح: "بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن
مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما".
قال الحافظ: "محصله أن اللفظ إذا كان متفقا فذاك، وإن كان مختلفا فتارة يحكيه
على وجهه وتارة يقتصر على لفظ أحدهما".
ويبقى ما إذا كان كل منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر فهل للمختصر أن
يسوق الحديث مساقا واحدا وينبه إليها ويطلق ذلك، أو عليه أن يبين؟ هذا محل
تأمل، ولا يخفى الجواز، وقد فعله غير واحد.
(25) النكتة الثانية عشرة (ص312):
فيها تفصيل وتوضيح لقول ابن الصلاح - فيما يتعلق بمستدرك الحاكم: "وهو واسع
الخطو في شرح الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره... الخ".
ذكر الحافظ هنا آراء العلماء في المستدرك.
فمنهم: أبو سعد الماليني فإنه ادعى أنه ليس في المستدرك حديث واحد على شرط
الشيخين.
ومنهم: عبد الواحد المقدسي فإنه ذهب إلى أنه ليس في المستدرك إلا ثلاثة أحاديث
فقط على شرط الشيخين.
ومنهم الحافظ الذهبي فإنه يرى أن في المستدرك:
(1/64)
أ-
جملة وافرة على شرط الشيخين.
ب- وجملة كثيرة على شرط أحدهما - وهو قدر النصف.
ج- وفيه الربع مما صح أو حسن. ويرى الذهبي أن في قول الماليني غلوا وإسرافا.
ويتعقب الحافظ كلام الذهبي بأنه كلام مجمل يحتاج إلى إيضاح، ويتبين من الإيضاح
أنه ليس جميعه كما قال الذهبي.
ثم قسم الحافظ المستدرك إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الإسناد الذي يخرجه محتجا برواته في الصحيحين أو أحدهما
على صورة الاجتماع سالما من العلل، ثم شرح هذا الكلام وبين محترزات القيود فيه.
ثم انتهى إلى القول بأنه لا يوجد في المستدرك حديث بهذه الشروط لم يخرجا له
نظيرا أو أصلا.
ثم استدرك بأنه يوجد في المستدرك جملة مستكثرة بهذه الشروط ولكنها مما أخرجه
الشيخان أو أحدهما استدركه الحاكم واهما ظانا أنهما لم يخرجاها.
القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج
بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونا بغيره.
ثم انتهى إلى القول بأن هذا القسم هو عمدة الكتاب.
القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات،
وهذا قد أكثر منه الحاكم فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها لكن لا
يدعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم، وكثير منها يعلق
القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها وكثير منها لا يتعرض للكلام عليه أصلا،
ومن هنا دخلت
(1/65)
الآفة كثيرا فيما صححه. وقل أن تجد في هذا القسم حديثا يلتحق بدرجة الصحيح.
(26) النكتة الثالثة عشرة (ص321):
تعتبر إضافة وتكميلا لما يستفاد من المستخرجات فإن ابن الصلاح ذكر لها فائدتين:
إحداهما: علو الإسناد.
ثانيهما: الزيادة في قدر الصحيح.
فأضاف الحافظ إليهما ثمان فوائد:
منها الحكم بعدالة الرواة ممن أخرج له في المستخرج لأن المخرج على شرط الصحيح
يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده.
(27) النكتة الرابعة عشرة (ص323):
عبارة عن تعقب على ابن الصلاح ثم توضيح وتكميل لكلامه في تعليقات البخاري ما
كان منها بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض، قسم الحافظ كلا منهما وبين ما يصح من
أنواعهما وما لا يصح ومثل لذلك بعدد من الأمثلة.
ثم قرر النتيجة الآتية: في ضوء هذه الأمثلة وهي:
أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه
بصيغة التمريض متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف
منجبر وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده.
هذا فيما يتعلق بالأحاديث المرفوعة.
ثم تكلم أيضا عن التعليقات الموقوفة فإنه يجزم بما صح عنده ويمرض ما كان فيه
ضعف وانقطاع.
(1/66)
(28) النكتة الخامسة عشرة (ص344):
تتضمن شرحا لقول ابن الصلاح: "وأما الذي حذف من مبدأ إسناده واحد أو أكثر...
ففي بعضه نظر".
قال الحافظ: "إنما خص النظر على بعضه لأنه - كما أوضحته - على قسمين:
أحدهما: ما أورده موصولا ومعلقا سواء كان ذلك في موضع واحد أو موضعين فهذا لا
نظر فيه، فإن الاعتماد على الموصول ويكون المعلق شاهدا.
وثانيهما: ما لا يوجد في كتابه إلا معلقا فهذا هو موضع النظر".
(29) النكتة السادسة عشرة (ص363):
فيها رد على اعتراض على قول ابن الصلاح - عند ذكر أقسام الصحيح -: "أولها: صحيح
أخرجه البخاري ومسلم جميعا"
قال المعترض: "الأولى أن يكون القسم الأول ما بلغ مبلغ التواتر".
فأجاب الحافظ: "إنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس له أصل في الصحيحين أو
أحدهما. ثم قسم الحافظ ما اتفق عليه الشيخان إلى خمسة أنواع منها: ما كان
متواترا، ويليه ما كان مشهورا.
وذكر أن ما انفرد به واحد منهما يتفرع على هذا الترتيب. ثم أتبع ذلك بتنبيهين
وفائدتين تتعلق بالمتفق عليه ما هو؟ وعن القوة التي يفيدها الحديث المتفق عليه.
ثم ذكر تقسيم الحاكم للصحيح إلى عشرة أقسام؛ خمسة متفق عليها، وخمسة مختلف
فيها، ثم سردها الحافظ".
وتعقب الحاكم بقوله: "وكل من هذه الأقسام التي ذكرها الحاكم في المدخل مدخولا".
ثم فندها واحدا بعد الآخر.
(1/67)
النوع الثاني: الحسن
وفيه ثلاث عشرة نكتة:
(30) النكتة الأولى (ص385):
تشتمل على اعتراض على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطابي أنه قال: "إن الحديث ينقسم
عند أهله إلى ثلاثة أقسام" وذكر الحسن.
فقال الحافظ: "نازعه الشيخ تقي الدين ابن تيمية فقال: "إنما هذا اصطلاح للترمذي
وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا الصحيح والضعيف. والضعيف عندهم ما
انحط عن درجة الصحيح".
ثم نقل الحافظ عن البيهقي ما يؤيد كلام ابن تيمية.
(31) النكتة الثانية (ص386):
هي اعتراض على قول ابن الصلاح (وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي
النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل...".
فبين الحافظ أن هناك فرقا بين مقصود الترمذي والخطابي؛ إذ إن الخطابي قصد تعريف
الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف.
وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة بل المعرف به عنده هو حديث
المستور على ما فهمه المصنف.
(1/68)
ثم
ذكر الحافظ أنواعا أخرى يشملها تعريف الترمذي منها:
حديث الضعيف بسبب سوء الحفظ. والموصوف بالغلط والخطأ.
ثم ذكر شروط الترمذي للحسن ثم أمثلة لكل الأنواع التي ذكرها. ولي عليه ملاحظات
ذكرتها في محلها.
(32) النكتة الثالثة (ص408):
فيها توضيح ثم تعقب على ابن الصلاح حيث قال: "وإذا استبعد ذلك (يعني قبول الحسن
مع قصوره عن درجة الصحيح) مستبعد من فقهاء الشافعية ذكرنا له نص الشافعي في
مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا...".
بين الحافظ السبب في تخصيص الشافعية دون غيرهم لأنهم هم الذين يردون المرسل دون
غيرهم من الفقهاء ومع ذلك فالشافعي لا يرده مطلقا.
ثم تعقبه بقوله: "لكن الاقتصار على الفقهاء في استبعاد ذلك عجيب؛ فإن جمهور
المحدثين لا يقبلون رواية المستور وهو قسم من المجهول فروايته بمفردها ليست
بحجة عندهم إنما يحتج بها عند بعضهم بالشروط التي ذكرها الترمذي فلا معنى
لتخصيص ذلك بالفقهاء"
(33) النكتة الرابعة (ص 408):
تضمنت توضيحا لكلام ابن الصلاح الآتي ثم تعقبا عليه حيث قال:
"ومن ذلك ضعف لا يزول بمجيئه من وجه آخر لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره
ومقاومته كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا"
قال الحافظ: "لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا.
(1/69)
والتحرير أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد فحيث يستوي
الاحتمال فيهما فهو الذي يصلح لأن ينجبر وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا
ينجبر. وأما إذا رجح جانب القبول فليس من هذا بل ذلك في الحسن الذاتي. وكان ابن
الصلاح قد مثل للذي ضعفه لا ينجبر بحديث (الأذنان من الرأس)".
فتعقبه الحافظ بأن ابن القطان قد حكم له بالصحة.
وبأن ابن دقيق العيد قال: "إن رجال رواية ابن ماجه لهذا الحديث ثقات. وأن
العلائي قال في التمثيل بهذا الحديث نظر لأنه ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن".
ثم ذكر الحافظ: "أنه قد جمع طرق هذا الحديث فيما كتبه على جامع الترمذي فرأى
أمثلها:
1- حديث عبد الله بن زيد.
2- وحديث ابن عباس.
3- وحديث ابن عمر.
4- وحديث أبي أمامة.
وقال: "وفي كل واحد منها مع ذلك مقال".
ثم ذكرها حديثا حديثا بأسانيدها وبين ما في كل حديث من مقال. ثم قال الحافظ في
نهاية الكلام: "وإذا نظر المنصف إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا وأنه
ليس مما يطرح وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه والله أعلم".
(1/70)
(34) النكتة الخامسة (ص 416):
ضمت تعقبا على ابن الصلاح: "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ
والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي حديثه من غير وجه فقد
اجتمعت له القوة من جهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح".
ومثّل لذلك بحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: "لو لا أن أشق
على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
تعقبه الحافظ من وجوه:
أحدها: أن ظاهر كلامه أن شرط الصحيح أن يكون راويه حافظا متقنا، قال وقد بينا
ما فيه فيما سبق.
الثاني: أن وصف الحديث بالصح إذا قصر عن رتبة الصحيح وكان على شرط الحسن إذا
روي من وجه آخر لا يدخل في التعريف الذي عرف به الصحيح فإما أن يزيد في حد
الصحيح ما يعطي أن هذا أيضا يسمى صحيحا وإما أن، لا يسمي هذا صحيحا ثم رجح أنه
يسمى صحيحا ثم أتى بتعريف جامع يشمل الصحيح بنوعيه فقال: هو الحديث الذي يتصل
إسناده بنقل العدل ذي الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه، ولا
يكون شاذا ولا معللا(.
ثم قال: "وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم
الحكم عليها بالصحة إلا بذلك".
ثم مثل لذلك بحديثين من صحيح البخاري وبين أنه إنما حكم لهما بالصحة باعتبار
الصورة المجموعية.
ثم ذكر أن هناك أمثلة كثيرة من البخاري ويوجد في مسلم أكثر.
(1/71)
والثالث: حكى الحافظ اعتراضا على ابن الصلاح في تمثيله بالحديث السابق بأنه غير
صالح للتمثيل. فدفع الحافظ هذا الاعتراض وبين صلاحيته للتمثيل.
(35) النكتة السادسة (ص431):
شرح فيها كلمة (مظان) من قول ابن الصلاح: "ومن مظانه (أي الحسن) قال: والمظان
جمع مظنة وهي مفعلة من الظن. ونقل عن الطرزي أن المظنة العلم من ظن بمعنى علم".
(37) النكتة السابعة (ص445):
أورد فيها تعقبا للتبريزي على ابن الصلاح والنووي حيث انتقدا صاحب المصابيح في
تقسيم الحديث إلى نوعين: الصحاح والحسان وقالا: إن هذا الاصطلاح غير معروف.
فتعقبهما التبريزي بأنه ليس من العادة المشاحة في الاصطلاح مع نص الجمهور على
أن من اصطلح في أول الكتاب فليس بعيد عن الصواب.
والبغوي قد قال: وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان. وبالحسان ما أورده أبو داود
والترمذي وغيرهما من الأئمة، وما كان من ضعيف أو غريب أشرت إليه.
وقد أيد الحافظ كلام التبريزي بقوله: قلت: "ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله:
الحسان اصطلاحا خاصا له أنه يقول: في مواضع من قسم الحسان هذا صحيح تارة، وهذا
ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك ولو أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوعه في
كتابه إلى الأنواع الثلاثة".
(37) النكتة الثامنة (ص446):
أوردها الحافظ استدراكا على قول ابن الصلاح:
(1/72)
"كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها
والركون إلي ما يورد فيها مطلقا كمسند أحمد وغيره... فهذه عادتهم أن يخرجوا في
مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا".
قال الحافظ: "هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين... لكن جماعة من المصنفين في كل
خالف أصل موضوعه فانحط أو ارتفع فإن بعض من صنف على الأبواب أخرج فيها الأحاديث
الضعيفة بل والباطلة.
وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه، ثم
ذكر من هؤلاء إسحاق بن راهويه وبقي بن مخلد والبزار وأن أحمد انتقى مسنده ولا
يشك منصف أنه أنقى أحاديث وأتقن رجالا من غيره وهذا يدل أنه انتخبه".
ثم قال: "فظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في كتب الخمسة يحتج بها جميعا
وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به، بل وفيها ما لا يصلح
للاستشهاد به من حديث المتروكين) قال: "ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف
على الأبواب يحتج به مطلقا ولو اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب
لكنه قال مع ذلك: "وما جرى مجراها) فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على
الأبواب كسنن ابن ماجه بل ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهم فعليه في
إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه".
(38) النكتة التاسعة (ص474):
حوت تعقبا على قول ابن الصلاح: "قولهم هذا حديث صحيح الإسناد، دون قولهم حديث
صحيح لأنه قد يقال: صحيح الإسناد ولا يصح المتن لكونه، أي الإسناد، شاذا أو
معللا.. غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على ذلك ولم يقدح فيه فالظاهر
منه الحكم بأنه صحيح، لأن عدم العلة والقادح هو الأصل".
(1/73)
قال الحافظ قلت: "لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل؛ إذ لو كان هو الأصل ما اشترط
عدمه في شرح الصحيح، وإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة
لم يتحقق عدم العلة فكيف يحكم له بالصحة".
(39) النكتة العاشرة:
بيان لما أبهم ابن الصلاح في قوله: "في قول الترمذي وغيرهك حسن صحيح إشكال" قال
الحافظ: عنى بما لغير البخاري.
(40) النكتة العاشرة (ص479):
تعتبر ربطا بين قولين سابق ولاحق من كلام ابن الصلاح حيث قيد إطلاق أحدهما
بالثاني وهذان القولان حكاهما ابن الصلاح عن أهل الحديث:
أحدهما: قوله: الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف.
وثانيهما: قوله: "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع
الصحيح".
قال الحافظ: "هذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح - يعني
القول الأول –".
(41) النكتة الثانية عشرة (ص479):
تعد توجيها وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "وهو (أي إدراج الحسن في الصحيح) الظاهر
من تصرف الحاكم، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي (بالجامع الصحيح".
قال الحافظ: "إنما جعله يومئ إليه لأن ذلك مقتضاه وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل
على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيه - وهو الصحيح والحسن - أكثر من المردود
فحكم للجميع بمقتضى الغلبة فلو كان ممن يرى التفرقة بين الصحيح والحسن
(1/74)
لكان في حكمه ذلك مخالفا للواقع، لأن الصحيح الذي فيه أقل من مجموع الحسن
والضعيف، فلا يعتذر عنه، بأنه أراد الغالب فاقتضى توجيه كلامه أن يقال: إنه لا
يرى التفرقة بين الصحيح والحسن ليصح ما ادعاه من تسمية".
ثم ذكر أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح، وذكر تعريفا للحميدي
والذهلي يشمل كلا من الحسن والصحيح.
(42) النكتة الثالثة عشرة (ص481):
تضمنت إضافة وتكميلا لقول ابن الصلاح: "أطلق الخطيب والسلفي الصحة على كتاب
النسائي".
قال الحافظ: "وقد أطلق عليه - أيضا - الصحة أبو علي النيسابوري وأبو أحمد بن
عدي وأبو الحسن الدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبو يعلى الخليلي
وغيرهم".
وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي.
ثم تكلم عما يروى عن النسائي أنه يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه أن النسائي
إنما أراد إجماعا خاصا.
وذلك أن كل من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط.
فمن الأولى: شعبة وسفيان، وشعبة أشد منه؟
ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد منه.
ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد منه.
ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري.
وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه فإذا وثقه ابن
مهدي وضعفه يحيى القطان مثلا فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله
في النقد".
(1/75)
قال: "وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن أن مذهب النسائي في الرجال
متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج
حديثه، بل تجنب النسائي إخراج أحاديث جماعة من رجال الصحيحين وقال سعد بن علي
الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم".
وفي الجملة كتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا.
(1/76)
النوع الثالث: الضعيف
وفيه خمس نكت:
(43) النكتة الأولى: "ص491):
جاءت دفعا لاعتراض أورد على ابن الصلاح، في تعريف الحديث الضعيف: "كلما لم
تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح أو الحسن - فهو ضعيف".
قال الحافظ: "اعترض عليه بأنه لو اقتصر على نفي صفات الحسن لكان أخص؛ لأن نفي
صفات الحسن مستلزم لنفي صفات الصحيح وزيادة".
قال الحافظ: "وأجاب بعض من عاصرناه بأن مقام التعريف يقتضي ذلك؛ إذ لا يلزم من
عدم وجود وصف الحسن عدم وصف الصحيح؛ إذ الصحيح بوصفه السابق لا يسمى حسنا
فالترديد متعين. فلم يرض الحافظ هذا الجواب وقال: "والحق أن كلام المصنف معترض
وذلك أن كلامه يعطي أن الحديث حيث ينعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا
وليس كذلك؛ لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع، ويسمى
ذلك الحديث الذي اجتمعت فيه الصفات سواه حسنا لا ضعيفا، وما من صفة من صفات
الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا، ولو عبر بقوله: كل حديث لم تجتمع
فيه صفات القبول لكان أسلم من الاعتراض وأخص".
(44) النكتة الثانية: "ص492):
تعتبر تخطئة لمن عين مصدر ابن الصلاح للكلام الآتي: "وأطنب أبو حاتم ابن حبان
في تقسيمه (أي الضعيف".
(1/77)
قال الحافظ: "وتجاسر بعض من عاصرناه فقال: هو في أول كتابه الضعفاء ولم يصب في
ذلك، فإن الذي قسمه ابن حبان في مقدمة كتاب الضعفاء إنما هو تقسيم الأسباب
الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف، ثم أنه أبلغ الأسباب المذكورة
عشرين قسما لا تسعة وأربعين. والحاصل أن الموضع الذي ذكر فيه ابن حبان ذلك ما
عرفنا مظنته".
(45) النكتة الثالثة (ص494):
تعد شرحا وتوضيحا ثم إضافة وذلك أن ابن الصلاح أشار إلى طريقة بسط الضعيف
وتصوير إعداده بأن يعمد من يريد ذلك إلى صفة معينة فيجعل ما عدمت فيه قسما ثم
ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا وهكذا.
فزاد الحافظ هذا شرحا وتوضيحا.
ثم أضاف الحافظ تنبيهات:
الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف.
الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا (يعني العراقي) أن يتفق
العلماء على العمل بمدلول حديث فإنه يقبل ويجب العمل به.
قال: وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ومثل لذلك بمثالين:
أحدهما: حديث "لا وصية لوارث".
وثانيهما: حديث "الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه". يصير نجسا لم يثبت
إسناداهما إلا أن العلماء لم يختلفوا في قبولهما.
وقال: الثالث: لم يتعرض المصنف (يعني ابن الصلاح) للكلام على أوهى الأسانيد كما
تكلم على أصح الأسانيد مع أن جماعة منهم الحاكم قد ذكروهما معا.
ثم نبه على الفائدة من ذلك فقال:
(1/78)
"ويستفاد من معرفته ترجيح بعض الأسانيد على بعض وتمييز ما يصلح للاعتبار مما لا
يصلح".
ثم نقل عن الحاكم مجموعة مما قيل فيه: أوهى الأسانيد.
(46) النكتة الرابعة (ص503):
تضمنت شرحا وإعرابا لقول ابن الصلاح (وهلم جرا".
(47) النكتة الخامسة (ص504):
جواب عن سؤال قد يوجه إلى تصرف ابن الصلاح حيث قال في أول كتابه: "إن الحديث
ينقسم على ثلاثة أقسام) ثم سمى الأقسام الثلاثة أنواعا ثم ذكر بعد ذلك أشياء
أخرى سماها أنواعا.
فكأن سائلا قال: أين دعوى الحصر في الثلاثة.
قال الحافظ: "والجواب أن هذه الأنواع التي يذكرها بعد الثلاثة المراد بها أنواع
علم الحديث لا أنواع أقسام الحديث".
وحاصله: أن هذه الأنواع في الحقيقة ترجع على تلك الثلاثة، منها ما يرجع إلى
أحدها ومنها ما يرجع إلى المجموع.
(1/79)
النوع الربع: المسند
لم ينكت فيه الحافظ على ابن الصلاح.
(1/80)
النوع الخامس: المتصل
وفيه نكتة واحدة على ابن الصلاح:
(48) وهذه النكتة فيها بيان اللغات في كلمة (متصل) الواردة في كلام ابن الصلاح
(ص510):
قال الحافظ: "قلت: ويقال له الموتصل وهي عبارة الشافعي ثم قال: وهو عبارة عما
سمعه كل راو من شيخه في سياق الإسناد من أوله إلى منتهاه".
فهو أعم من المرفوع.
ثم قال: "اعلم أن الشيخ أول ما ذكر ما ينظر فبه إلى الإسناد والمتن معا وهو
المسند، ثم تلاه بما ينظر فيه إلى الإسناد فقط وهو الاتصال، فكان ينبغي أن
يتلوه بما ينظر فيه إلى الإسناد وهو الانقطاع؟ ولكنه كما قلنا غير مرة إنه لم
يراع فيه تحسين الترتيب".
(1/81)
النوع السادس: المرفوع
وفيه نكتتان فقط:
(49) النكتة الأولى (ص511):
وفيها بيان ثم تعقب على قول ابن الصلاح في المرفوع: "وهو والمسند عند قوم
سواء".
قال الحافظ: "ويعني ابن عبد البر، فكان ينبغي أن يذكر نظير هذا في (المتصل) ولا
فرق.
(50) النكتة الثانية (ص511):
اشتملت على تعقب على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب: أن المرفوع ما أخبر فيه
الصحابي عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، ثم قال: فخصه بالصحابة -
رضي الله عنهم -، فخرج عنه مرسل التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال الحافظ: "يجوز أن يكون الخطيب أورد ذلك على سبيل المثال لا على سبيل
التقييد، فلا يخرج عنه بشيء، وعلى تقدير أن يكون أراد جعل ذلك قيدا، فالذي يخرج
عنه أعم من مرسل التابعي، بل يكون كل ما أضيف إلى النبي صلى الله علي وسلم لا
يسمى مرفوعا إلا إذا ذكر فيه الصحابي. والحق خلاف ذلك. بل الرفع - كما قررنا -
إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد.
(1/82)
النوع السابع: الموقوف
وفيه نكتتان فقط:
(51) النكتة الأولى (ص512):
فيها توضيح وتكميل لقول ابن الصلاح في الموقوف: "هو ما يروى عن الصحابة - رضي
الله عنهم - من أقوالهم وأفعالهم".
قال الحافظ: "المراد بالأقوال والأفعال ما خلت به عن قرينة تدل على أن حكم ذلك
الرفع".
وأما الأفعال المجردة فهل تكون أحكاما عند من يحتج بقول الصحابي أم لا؟ ثم إنه
سكت عما يقال أو يعمل بحضرتهم فلا ينكرونه.
(52) النكتة الثانية (ص513):
تضمنت شرحا لغويا وتوضيحا وتكميلا لقول ابن الصلاح: (وموجود في اصطلاح الفقهاء
الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر".
قال الحافظ: "هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع، والأثر في الأصل العلامة
والبقية والرواية".
ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا.
(1/83)
النوع الثامن: المقطوع
وفيه ثمان نكت:
(53) النكتة الأولى (ص514):
فيها ضبط لغوي لكلمتي مقاطع ومقاطيع الواردتين في قول ابن الصلاح ثم إضافة
فائدة كتابة المقاطيع.
قال الحافظ: "والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعن
الكوفيين جواز إسقاطها".
وذكر الخطيب أن فائدة كتابة المقاطيع ليتخير المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن
جملتهم.
(54) النكتة الثانية (ص514):
فيها بيان لمن أبهمهم ابن الصلاح في قوله: "وقد وجد التعبير بالمقطوع عن
المنقطع غير الموصول وفي كلام الإمام الطبراني والشافعي وغيرهما".
قال الحافظ: "عنى بغيرهما الدارقطني والحميدي، فقد وجد التعبير في كلامهما
بالمقطوع في مقام المنقطع".
(55) النكتة الثالثة (ص515):
فيها استدراك على قول ابن الصلاح: "قول الصحابي: كنا نفعل هذا" وذكر ابن الصلاح
في اعتباره موقوفا أو مرفوعا مذهبين.
قال الحافظ: "وقد أهمل مذاهب) ثم ذكر ثلاثة مذاهب:
أولها أنه مرفوع مطلقا. والثاني والثالث فيهما تفصيل.
(1/84)
ثم
أعقب ذلك بثلاثة تنبيهات كلها تدور حول مواقف الصحابة وتصرفاتهم من أقوال
وأفعال وأحكام ذلك.
(56) النكتة الرابعة (ص 518):
دفع لاعتراض أورده مغلطاي على قول ابن الصلاح: "وذكر الخطيب نحو ذلك (يقصد حديث
المغيرة كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير)
قال مغلطاي: "إنما رواه الخطيب من حديث أنس".
قال الحافظ: "هو اعتراض ساقط؛ لأن المصنف قصد أن الحاكم والخطيب ذكرا ذلك من
قبيل الموقوف، وأن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وقد حقق المناط
فيه بما حاصله أن له جهتين:
أ- جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفا.
ب- جهة التقرير وهي مضافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون مرفوعا.
(57) النكتة الخامسة (ص520):
اشتملت على بيان ثم تكميل لقول ابن الصلاح: "وخالف في ذلك (يعني قول الصحابي
أمرنا بكذا ونحوه يكون مرفوعا) فريق منهم الإسماعيلي".
قال الحافظ: "من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخي من الحنفية ثم ذكر الحافظ
شبهته وردها".
ثم أتبع الحافظ ذلك بأربعة تنبيهات تدور حول هذه الصيغ وأحكامها.
(58) النكتة السادسة (ص523):
تضمنت بيانا لمذاهب العلماء في قول الصحابي: من السنة كذا. حيث قال ابن الصلاح:
"الأصح أنه مرفوع".
(1/85)
نقل الحافظ أنه مذهب الشافعي وغيره.
قال: "ومقابل الأصح خلاف الصيرفي والكرخي والرازي وابن حزم وجماعة من العلماء
وعزاه إمام الحرمين إلى المحققين، ومستندهم: أن اسم السنة متردد بين سنة النبي
- صلى الله عليه وسلم - وسنة غيره".
قال الحافظ: "وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر
لوجهين" فذكرهما.
ثم أضاف الحافظ ثلاثة تنبيهات اثنان منها حول إضافة الصحابي السنة إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم -، وأن الجمهور يرون ذلك مرفوعا قطعا.
وحكى الحاكم الإجماع على ذلك ونفى البيهقي الخلاف فيه.
والثالث: حول حكم ما نسب الصحابي فاعله إلى الكفر أو العصيان.
قال فهذا ظاهره أن له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز حوالة الإثم على
ما ظهر له من القواعد.
(59) النكتة السابعة (ص530):
فيها تفصيل لقول ابن الصلاح: "ما قيل إن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند
إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول الآية أو نحو ذلك".
ذكر الحافظ أن ابن الصلاح تبع في ذلك الخطيب.
أما الحاكم فأطلق النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي حديث
مسند.
قال الحافظ: "والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه
ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا. كالإخبار عن الأمور الماضية...
وعن الأمور الآتية، والإخبار عن عمل له ثواب مخصوص أو عقاب
(1/86)
(60) النكتة الثامنة (ص535):
تضمنت إضافة إلى قول ابن الصلاح (من قبيل المرفوع ما قيل عند ذكر الصحابي:
يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية".
أضاف: قوله: يرويه أو يرفعه أو مرفوعاً أو يسنده. وكذا قوله رواه... وضرب
مثالاً للأخير. ثم أتبع ذلك بتنبيهين:
أحدهما: سؤال وهو ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ونحوه.
ثانيهما: قوله: سكت ابن الصلاح عن قول الصحابي: عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل. وضرب لذلك مثلا.
(1/87)
النوع التاسع: المرسل
وفيه ثمان نكت:
(61) النكتة الأولى (ص540):
فيها توجيه ونوع نعقب ثم إضافة حول قول ابن الصلاح - في تعريف المرسل – "وصورته
التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم
كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم ابن المسيب وأمثالهما".
قال الحافظ: "ليس المراد حصر ذلك في القول بل لو ذكر الفعل أو التقرير بأي صيغة
كان داخلا فيه.
وإنما خص القول لكونه أكثر.
والأولى تعبير بالإضافة لكونها أشمل".
(62) النكتة الثانية (ص542):
فيها استدراك وإضافات على قول ابن الصلاح بعد أن عرف المرسل مخصصا إياه في هذا
التعريف بكبار التابعين: "والمشهور التسوية بين التابعين)
قال الحافظ: "لم يمعن المؤلف في الكلام على المرسل في حكاية الخلاف في حده
والتفريع عليه وقد جمعت كثيرا من أقوال أهل العلم يحتاج إليها المحدث وغيره".
ثم ذكر الحافظ: أن أصل المرسل مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع، وذكر قولين آخرين
في مأخذه.
ثم قال: "وأما حده فاختلفت عباراتهم فيه على أربعة أوجه".
(1/88)
فذكرها ومنها: "هو ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير
تقييد بالكبير. قال وهو مذهب الجمهور".
ثم تعرض لذكر المرسل هل يحتج به أو لا؟
أبلغ الأقوال فيه إلى ثلاثة عشر قولا.
منها: أنه يقبل مطلقا.
ومنها: أنه يرد مطلقا.
وبقيتها فيها شروط وتقييدات للقبول.
ثم تعرض لبعض الأسباب التي تحمل المرسلين على الإرسال عن الثقة.
ثم تساءل هل يجوز تعمد الإرسال أو يمنع؟
فأجاب بأنه إذا كان شيخ المرسل عدلا جاز بلا خلاف. وإذا كان غير عدل منع بلا
خلاف ثم ذكر صورتين أخريين محتملتين للجواز والمنع.
(63) النكتة الثالثة (ص559):
تضمنت رداً على اعتراض وجهه مغلطاي والبلقيني على ابن الصلاح حيث عد أبا حازم
من صغار التابعين.
فاعترضا عليه بأن أبا حازم ليس من صغار التابعين، فقد سمع من الحسن بن علي وأبي
هريرة وغيرهما.
قال الحافظ: وهو اعتراض فيه نظر، لأن ابن الصلاح إنما أراد أبا حازم سلمة بن
دينار المدني وهو لم يلق من الصحابة غير سهل بن سعد وأبي أمامة - رضي الله
عنهما - فقط. وأما الذي سمع من الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فهو أبو حازم
الأشجعي وهو من مشايخ الزهري.
(1/89)
(64) النكتة الرابعة (ص560):
فيها اعتذار عن ابن الصلاح حيث اعترض عليه البلقيني في قوله: "وهذا المذهب فرع
لمذهب من لا يسمي المنقطع مرسلا".
بأن هذا أصل يتفرع عليه ما ذكر أنه يتفرع منه.
قال الحافظ: "ويظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين من المحدثين بأن
المنقطع لا يسمى مرسلا، لأن المرسل عندهم يختص بما ظن منه سقوط الصحابي فقط جعل
قول من قال منهم ان رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعا
عنه".
(65) النكتة الخامسة (ص561):
فيها تعقب على ابن الصلاح حيث قال: "إذا قيل في الإسناد عن رجل أو عن شيخ ونحوه
فالذي ذكره الحاكم أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا".
تعقبه الحافظ قائلا: فيه أمران:
أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه بل أخل منه بقيد وذلك أن كلام الحاكم
يشير إلى تفصيل فيه وهو:
إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعا وإن روي من طريق مبهمة
وطريق مفسرة فلا تسمى منقطعة لمكان المفسرة. ثم نقل عن الحاكم مثالا لذلك في
نفس الموضوع.
الثاني: لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي ثم فصل فيه الحافظ
تفصيلا لا يتسع المقام لذكره.
(1/90)
(66) النكتة السادسة (ص565):
ضمّنها الحافظ جوابا على اعتراض على قول ابن الصلاح: "حكم المرسل حكم الحديث
الضعيف".
كيف يقول هذا فيما يرسله أئمة التابعين وقد قرر في تعليقات البخاري الجازمة
بأنها صحيحة على من علقها عنهم؟
أجاب الحافظ عن ابن الصلاح: بأن البخاري اختص بذلك لأنه التزم الصحة في كتابه
بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا بذلك. ثم اتبع الجواب بشيء كمن
التعليل والتفصيل.
(67) النكتة السابعة (ص566):
أوردها الحافظ دفاعا عن مذهب الشافعي في عدم الاحتجاج بالمرسل إلا أن يصح
بمجيئه من وجه آخر. ذكر ذلك ابن الصلاح في كتابه.
فحكى الحافظ اعتراضا على هذا المذهب نسبه لجماعة من الحنفية وغيرهم وقال حجتهم
أن الذي يأتي من وجه إما أن يكون مرسلا أو مسندا. إن كان مرسلا فيكون ضعيفا
انضم إلى ضعيف فيزداد ضعفا.
ثم أجاب: أن هذا ظاهر على قواعد المحدثين، وحاصله أن المجموع حجة لا مجرد
المرسل وحده ولا المنضم وحده؛ فإن حالة الاجتماع تثير ظنا غالبا وهذا شأن لكل
ضعيفين اجتمعا، ونظَّر ذلك بخبر الواحد إذا احتفت به القرائن فإنه يفيد العلم
مع أنه لا يفيد العلم بمجرده ولا القرائن بمجردها.
ثم أضاف تفاصيل ترتبط بهذه النكتة.
(68) النكتة الثامنة (ص567):
حوت ردا على اعتراض أورده مغلطاي على قول ابن الصلاح:
(1/91)
"إن سقوط الاحتجاج بالمرسل هو المذهب الذي استقر عليه جماهير حفاظ الحديث".
الاعتراض بأن ابن جرير الطبري ذكر أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل
حتى جاء الشافعي فأنكره.
قال الحافظ: "لكنه مردود على مدعيه (يعني الإجماع) ثم نقل عن جماعة من أئمة
التابعين وأتباعهم كابن المسيب وابن سيرين وشعبة وأقرانه التصريح بعدم الاحتجاج
بالمرسل وكلهم قبل الشافعي. قال ونقله الترمذي عن أكثر أهل الحديث، ثم ذكر
الحافظ تفاصيل أخرى تدور حول قبول المرسل مطلقا ورده مطلقا وقبول بعضهم له
بشروط".
(1/92)
النوع العاشر: المنقطع
وفيه نكتتان فقط:
(69) النكتة الأولى (ص572):
أودعها الحافظ انتقادا لابن الصلاح من جهة ثم دفاعا عنه من جهة أخرى وذلك أن
ابن الصلاح ذكر في أمثلة المنقطع رواية عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن
حذيفة حديث: "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين..." الحديث.
ثم قال: "فهذا الإسناد إذا تأمله الحديثي ظنه متصلا".
فتعقبه الحافظ بأن هذا المثال إنما يصلح للحديث المدلس؛ لأن كل راو من رواته قد
لقي شيخه فيه وسمعه منه وإنما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس.
ثم ذكر الحافظ أن بعضهم ظن أن ابن الصلاح أراد بقوله: "حديثي) المحدث، فكان
ينبغي أن يقول غير الحديثي لأن المحدث إذا نظر في إسناد فيه مدلس قد عنعنه لم
يحمله على الاتصال.
قال الحافظ: "إنما أراد بقوله: الحديثي المبتدئ وهذا هو اللائق بأن يحمل كلامه
عليه".
(70) النكتة الثانية (ص573):
عبارة عن استدراك على قول ابن الصلاح: "ومنها ما روي عن التابعي أو من دونه
موقوفا عليه".
(1/93)
قال الحافظ: "فات المصنف من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الكيا الهراسي:
"إن مصطلح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - من غير إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل".
ثم قال الحافظ: قال ابن الصلاح في فوائد رحلته: "وهذا لا يعرف عن أحد من
المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو من كيسه".
أقول: "الظاهر أن هذا هو السبب في إهمال ابن الصلاح لنقل قول الكيا الهراسي
هذا.
ثم إن الحافظ لاحظ على ابن الصلاح أنه لم يتعرض لحكم المنقطع والخلاف في قبوله
ورده وأشار إلى بعض الأقوال فيه".
(1/94)
النوع الحادي عشر: المعضل
وفيه سبع عشرة نكتة:
(71) النكتة الأولى (ص575):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح حيث ذكر تعريف المعضل فقال: "هو عبارة عن الإسناد
الذي سقط منه اثنان فصاعدا".
فنقل الحافظ عن جماعة من أئمة الحديث إطلاق المعضل على ما ليس فيه سقط البتة.
ثم عقب تلك النقول بقوله: "فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين
أو يكون المعضل الذي عرَّف به المصنف وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، والذي
نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد ويعنون به المستغلق الشديد، وبالجملة
فالتنبيه على ذلك كان متعينا".
(72) النكتة الثانية (ص580):
تضمنت ردا لاعتراض أورده مغلطاي على ابن الصلاح حينما تكلم عن كلمة معضل - بفتح
الضاد - واستشكل مأخذها من حيث اللغة ثم فرق بينها وبين كلمة معضل - بكسر الضاد
- فقال: "ولا التفات في ذلك إلى معضل - بكسر الضاد - وإن كان مثل عضل في
المعنى".
قال الحافظ: "اعترض عليه مغلطاي فقال: "كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس
عربيا".
(1/95)
فتعقبه الحافظ بقوله: "ولم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لا
يؤخذ منه معضل بفتح الضاد لأن معضل - بكسر الضاد - من رباعي قاصر والكلام إنما
هو في رباعي متعد".
(73) النكتة الثالثة (ص581):
كانت توضيحا لقول ابن الصلاح: "وإذا روى تابع تابعي حديثا موقوفا وهو حديث متصل
الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد جعله الحاكم نوعا من
المعضل".
قال الحافظ: "مراده بذلك تخصيص القسم الثاني من قسمي المعضل بما اختلف الرواة
فيه على التابعي بأن يكون بعضهم وصله مرفوعا وبعضهم وقفه على التابعي بخلاف
القسم الأول فإنه أعم من أن يكون له إسناد آخر متصل أم لا".
(74) النكتة الرابعة (ص583):
فيها توجيه لقول ابن الصلاح فيما يتعلق بالإسناد المعنعن: "وكاد ابن عبد البر
أن يدعي إجماع أئمة النقل على ذلك". يعني على أنه متصل كما هو ظاهر سياقه.
قال الحافظ: "إنما عبر ابن الصلاح بقوله: "كاد)؛ لأن ابن عبد البر إنما جزم
بإجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل".
(75) النكتة الخامسة (ص583):
كانت انتقادا على ابن الصلاح حيث نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل على
قبول الإسناد المعنعن.
قال الحافظ: "إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى،
لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فكيف
نزل عنه إلى النقل عن الداني".
(1/96)
وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر.
وهذا يدل على أن أسلافنا من علماء المسلمين ما كانوا يقتصرون على العلو في
الإسناد من الأشخاص فحسب بل حتى من الكتب، فينبغي في نظرهم أن يكون استقاء
المعلومات من مصادرها الأصلية ولا سيما كتب أهل الاختصاص بالفن الذي تؤخذ منه
تلك المعلومات.
ثم لخص الحافظ كلام ابن الصلاح فيما يتعلق بالعنعنة في ثلاث حالات ثم أضاف حالة
رابعة خفية جدا قال: لم ينبه عليها أحد من المصنفين في علوم الحديث مع شدة
الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال أو انقطاع بل يكون المراد
بها سياق قصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف مقدر
تقديره عن قصة فلان أو شأن فلان ثم ضرب لذلك أربعة أمثلة.
(76) النكتة السادسة (ص590):
فيها تقييد ثم إيضاح لما نقله ابن الصلاح عن مالك أنه يسوي بين (عن) و(أن) وأن
أحمد يفرق بينهما.
قال الحافظ: "ليس كلام كل منهما على إطلاقه وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما عن
ذلك".
ثم ذكر صيغة السؤال الموجه إلى كل واحد منهما، ثم ذكر للفظة (أن) حالتين تتفق
إحداهما مع (عن) وتنفرد عنها في الحالة الثانية ثم ضرب لذلك أمثلة.
(77) النكتة السابعة (ص594):
كانت ضبطا لغويا للفظة (البرديجي) الواردة في كلام ابن الصلاح وبيان أصل نسبتها
وأنها إلى قرية برديج نقل ضبطها عن حاشية للمصنف وعن
(1/97)
(العباب) للصاغاني، وبين أن من نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء
على الحكاية ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء.
(78) النكتة الثامنة (ص594):
تضمنت ملاحظة على ابن الصلاح حيث نقل عن ابن عبد البر كلاما يتعلق بالإسناد
المتصل عن الصحابي إذا رواه الصحابي بأي لفظ: "سمعت) أو غيرها فكلها عند
العلماء سواء.
قال الحافظ: "إن ابن الصلاح حذف فيه كلام ابن عبد البر لكني رجعت إلى التمهيد
مقارنا بينه وبين ما نقله ابن الصلاح فوجدت أنه حذف جملة واحدة من آخر الكلام
كله".
والذي يبدو لي أن الحافظ قال: "حذف فيه من كلام ابن عبد البر فحصل تصرف من
النساخ يخل بكلام الحافظ" - والله أعلم.
(79) النكتة التاسعة (ص595):
تضمنت ردا على اعتراض أورد على قول ابن الصلاح: "وقد قيل: أن القول الذي رده
مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم علي ابن المديني والبخاري وغيرهما (يعني
اشتراط اللقاء وعدم الاكتفاء بالمعاصرة بين الراوي وشيخه".
قال الحافظ: "ادعى بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه لا في أصل الصحة،
وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة فقد أكثر تعليل الأحاديث في
تاريخه بمجرد ذلك وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي، ثم نقل من الرسالة
للشافعي من كلامه ومن نقله عن العلماء ما يؤيد مذهب البخاري ومن معه ويرجحه على
مذهب مسلم".
(80) النكتة العاشرة (ص598):
فيها توضيح لقول ابن الصلاح: "وهذا الحكم لا أراه يستمر - بعد
(1/98)
المتقدمين فيما وجد من المصنفين مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال
فلان ونحو ذلك".
قال الحافظ: "يعني بالمصنفين غير المحدثين فتبين أن ما وجد في عبارات المتقدمين
من هذه الصيغ فهو محمول على السماع بشرطه إلا من عرف من عادته استعمال اصطلاح
حادث فلا".
(81) النكتة الحادية عشرة (ص599):
فيها رد لاعتراض على ابن الصلاح ثم إضافة وتفصيل لقول ابن الصلاح فيما يتعلق
بتعليقات البخاري: "والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات".
قال الحافظ: "فاعترض عليه مغلطاي بأن هذا الكلام يحتاج إلى تثبت، فإني لم أجده
لغيره".
قال الحافظ: "قد سبقه إلى ذلك الإسماعيلي ومنه نقل ابن الصلاح كلامه". ونقل
الحافظ من كتاب المدخل إلى المستخرج للإسماعيلي ثلاثة أوجه لتعليقات البخاري
منها: أن لا يكون قد سمعه عاليا وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروي عنه
فيقول: قال فلان مقتصرا على صحته عنه وشهرته من جهته".
قال الحافظ: "من تأمل تعليقات البخاري حيث لم تتصل لم يجدها تكاد أن تخرج عن
هذه الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي"
ثم ذكر الحافظ بعد ذلك الأسباب التي حملت البخاري على التعليق منها: أن يكون
أوردها في معرض المتابعة والاستشهاد، وأحال على كتابه (تغليق التعليق) في
تفاصيل ذلك.
(82) النكتة الثانية عشرة (ص601):
تضمنت تأييدا لانتقاد ابن الصلاح لأحد علماء المغرب وذلك أن ابن الصلاح حكى عن
هذا العالم أنه سوى بين قول البخاري (قال فلان) و(قال لي فلان) في أن كلا منهما
ظاهر في التعليق ثم رد عليه.
(1/99)
فأضاف الحافظ إلى قول ابن الصلاح قوله: "ولم يصب هذا المغربي في التسوية بين
قوله (قال فلان) وقوله (قال لي فلان)، لأن قال لي مثل التصريح بالسماع و(قال)
المجردة ليست صريحة أصلا".
(83) النكتة الثالثة عشرة (ص386):
حوت دفاعا عن قول ابن الصلاح: "وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار أو
تعليق الطلاق فتعقبه البلقيني بأن أخذه من تعليق الجدار ظاهر أما تعليق الطلاق
ونحوه فليس من هذا الباب بل لتعليق أمر على أمر"
ثم قال: "لا أن يريد به قطع اتصال حكم التنجيز باللفظ لو كان منجزا".
قال الحافظ: "وهذا هو الذي يتعين مرادا للمصنف".
(84) النكتة الرابعة عشرة (ص388):
فيها تعقب عن ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب مذاهب العلماء في تعارض الوصل
والإرسال وأن المحدثين يرون أن الحكم للإرسال، وعن بعض العلماء أن الحكم
للأكثر، وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ.
فتعقبه الحافظ بنقول عن جماعة من العلماء منهم ابن دقيق العيد والعلائي بأنه
ليس لأئمة الحديث في هذا قانون مطرد، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح. قال
الحافظ: "وعلى هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضع التقييد".
(85) النكتة الخامسة عشرة (ص605):
تضمنت استشكالا من الحافظ على ابن الصلاح حيث أورد البحث في تعارض الوصل
والإرسال والرفع والوقف في تفاريع المعضل مع أنه قسم مستقل قال: ولو أنه ذكره
في تفاريع المعلل لكان حسنا وإلا فمحله زيادة الثقات. ثم اعتذر عن ابن الصلاح
بكلام له شيء من الوجاهة.
(86) النكتة السادسة عشرة (ص605):
قام الحافظ بدفع اعتراض من جهة وتعقب من جهة أخرى على ابن الصلاح
(1/100)
حيث مثّل لما تعارض فيه الوصل والإرسال بحديث: "لا نكاح إلا بولي". حيث وصله
جماعة عن أبي إسحاق السبيعي وأرسله شعبة وسفيان الثوري.
فاعترض عليه بعض العلماء بأن التمثيل بهذا الحديث لا يصح؛ لأن الرواة لم تتفق
على إرساله عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق بل رواه النعمان بن عبد السلام عن شعبة
وسفيان موصولا.
قال الحافظ: "والجواب أن حديث النعمان هذا شاذ مخالف للحفاظ الأثبات من أصحاب
شعبة وسفيان، والمحفوظ عنهما أنهما أرسلاه".
ثم حكى ابن الصلاح أن البخاري رجح فيه الوصل على الإرسال، لأنه زيادة من ثقة.
فتعقبه الحافظ بأن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن
الواصل معه زيادة ثقة ليست مع المرسل بل بما ظهر له من قرائن الترجيح وذكر
الحافظ بعض تلك القرائن.
(87) النكتة السابعة عشرة (ص391):
اشتملت على تعقب على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب أنه رجح الوصل على الإرسال
عند التعارض إذا كان الراوي عدلا ضابطا... ثم قال وما صححه هو الصحيح في الفقه
وأصوله.
فتعقبه الحافظ بأن الذي رجحه الخطيب شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا، وأما
الفقهاء والأصوليون، فيقبلون ذلك من العدل مطلقا وبين الأمرين فرق كبير.
ثم انتقد من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا وفسر الشاذ بأنه ما رواه الثقة
فخالفه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا منه ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقا
في المتن أوالإسناد. قال الحافظ: "وفي هذا تناقض واضح".
ثم وضّح أن زيادة الثقة لا تقبل دائما. ومن أطلق ذلك من الأصوليين والفقهاء فلم
يصب.
(1/101)
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس
وفيه سبع نكت:
(88) النكتة الأولى (ص614):
كانت شرحا لكلمة (التدليس) الواردة في كلام ابن الصلاح وبيان لاشتقاقها، وأنها
من الدلس وهو الظلام ثم بيان لوجه تسميته بالتدليس:
(89) النكتة الثانية (ص614):
فيها اعتراض على تعريف ابن الصلاح لتدليس الإسناد بقوله: "أن يروي الراوي عمن
لقيه ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه
وسمع منه".
اعترض الحافظ على قوله: "أو عمن عاصره) بأنه ليس من التدليس في شيء، وإنما هو
المرسل الخفي.
ثم نقل عن ابن القطان صاحب الوهم والإيهام بأنه فرق بين التدليس والإرسال الخفي
بأن التدليس مختص بالرواية عمن له منه سماع بخلاف الإرسال الخفي، وقد سبق
القطان إلى التفرقة بينهما البزار.
ثم إن العراقي حكى كلم البزار وابن قطان وصوب تعريف ابن الصلاح وقال: "إنه هو
المشهور عن أهل الحديث".
فتعقبه الحافظ وصوب تعرفهما وتفرقتهما بين المرسل الخفي والتدليس، وأنكر ما
ادعاه العراقي بأن التدليس الذي ذكره ابن الصلاح هو المشهور عند المحدثين، ونقل
عن الخطيب ما يؤيد كلام ابن قطان ومن معه.
(1/102)
(90) النكتة الثالثة (ص615):
فيها لفت نظر إلى ما يوهم التقييد في تعريف ابن الصلاح لتدليس الشيوخ حيث قال:
"وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا
يعرف به كي لا يعرف".
قال الحافظ: "ليس قوله بما لا يعرف به قيدا فيه بل إذا ذكره بما يعرف به إلا
أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا، ثم ضرب مثالا لذلك من تصرف الخطيب.
(91) النكتة الرابعة (ص624):
ضمت تعقبا على قول ابن الصلاح فيما يتعلق بتدليس الإسناد: "ومن شأنه أن لا يقول
في ذلك: أخبرنا فلان وحدثنا فلان وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان ونحو ذلك".
فتعقبه الحافظ بقوله: "وقد يقع التدليس بحذف الصيغ كلها كما في المثال الذي
ذكره المصنف وإنما نبهت عليه لأنه ليس داخل في عبارته".
والمثال الذي ذكره المصنف هو أن ابن عيينة قال عند أصحابه (الزهري) فقيل له:
حدثكم الزهري؟ فأعاد فأعيد السؤال فقال: "م أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من
الزهري. حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
(92) النكتة الخامسة (ص624):
اشتملت على تأييد لاعتراض أورد على ابن الصلاح حيث قال: "أن ما رواه المدلس
بلفظ محتمل حكمه حكم المرسل".
قال المعترض: "إن البزار قال: إن من كان لا يدلس إلا عن الثقات كان تدليسه عند
أهل العلم مقبولا، وأيد الحافظ قول هذا المعترض بأن أبا الفتح
(1/103)
الأزدي وابن حبان وابن عبد البر قد صرحوا بمثل ما نقل عن البزار خصوصا في تدليس
ابن عيينة"
ثم اتبع الحافظ ذلك بتنبيه حول اختلاف العلماء في تصريح المدلس بالتحديث وعدم
عدم تصريحه، نقل ذلك عن ابن القطان.
وتعقبه في إطلاقه القبول عند التصريح بالسماع بأن المدلس قد يدلس الصيغة فيرتكب
المجاز كما يقول مثلا: حدثنا وينوي حدث قومنا أو أهل قريتنا، ثم ذكر لذلك
أمثلة.
(93) النكتة السادسة (628):
كانت ردا على المعافى النهرواني حيث اتهم شعبة بالتدليس.
وذلك عندما ذكر ابن الصلاح أن شعبة كان من أشد الناس ذما للتدليس، فذكر الحافظ:
أن المعافى النهرواني اتهم شعبة بالتدليس رغم تشدده وذمه له، فرد ذلك عليه
الحافظ وأقام الأدلة على وهم المعافى وخطئه في حق شعبة - رحمه الله -.
(94) النكتة السابعة (ص634):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح حيث ذكر حكم ما رواه المدلس وأن حكمه القبول إذا
رواه بلفظ مبين للاتصال نحو (سمعت) و (حدثنا".
وذكر جماعة من المحدثين الثقات الذين خرج لهم في الصحيحين وغيرهما.
قال الحافظ: "أورد المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم
أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه
وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثير من أحاديث المدلسين بالعنعنة".
ثم قال: "قد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه النووي وغيره بان
(1/104)
ما
كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول عل ثبوت سماعه
من جهة أخرى"
وذكر أنه توقف في ذلك بعض المتأخرين، صدر الدين بن المرحل وابن دقيق العيد وساق
كلامهما بهذا الصدد.
ونقل عن المزي بأنه ليس لمن يدعي ذلك حجة إلا حسن الظن بالشيخين.
ثم قال: "وليس الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في
الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط، وأما ما كان في
المتابعات فيحتمل أنه حصل التسامح في تخريجها"
ثم ذكر بعد ذلك مراتب المدلسين الذين روى لهم البخاري ومسلم وجعلهم في ثلاث
مراتب، ثم ألحق بها قسمين لمن دلس في خارج الصحيحين وسرد أسماء الجميع.
وفي نهاية ذلك نبه على أنه يلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلدان، كما إذا قال
المصري: "حدثني فلان بالأندلس، وأراد موضعا بالقرافة وحكم هذا النوع عنده
الكراهة؛ لأنه يدخل في التشبع وإيهام الرحلة في طلب الحديث"
(1/105)
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
وفيه أربعة نكت:
(95) النكتة الأولى (ص652):
فيها اعتراض على ابن الصلاح ثم اعتذار عنه حيث ذكر ابن الصلاح تعريفات الشافعي
والخليلي والحاكم للشاذ.
فبين الحافظ وجوه التفاوت بين تعريفاتهم من حيث العموم والخصوص، كما بين امتياز
تعريف الشافعي على الأخيرين، ثم قال ابن الصلاح: "أما حكم الشافعي عليه بالشذوذ
فلا إشكال فيه".
قال الحافظ: "فيه نظر وعلى المصنف إشكال أشد منه؛ وذلك أنه يشترط في الصحيح أن
لا يكون شاذا ويقول: إنه لو تعارض الوصل والإرسال قدم الوصل مطلقا وإن كان رواة
الإرسال أكثر أو أقل أحفظ أم لا"
ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه، وإذا كان راوي
الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف
يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا؟
قال: "هذا غاية في الإشكال ثم قال: يمكن أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في
شرط الصحة إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض
الوصل والإرسال.
والمصنف يأخذ بقول الفقهاء والأصوليين وذلك أنهم لا يشترطون نفي الشذوذ في شرط
الصحيح وبهذا يرتفع الإشكال".
(1/106)
(96) النكتة الثانية (ص654):
وافق فيها شيخه العراقي في اعتراض أورده على دعوى ابن الصلاح أن مالكا تفرد عن
الزهري بحديث دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وعلى رأسه مغفر.
فتعقبه العراقي بأنه روى الحديث غير مالك عن الزهري كمعمر وابن أخي الزهري وذكر
آخرين، ثم حكى عن ابن العربي أنه قال: رويته من ثلاث عشرة طريقا غير طريق مالك.
فأقره الحافظ على هذا التعقب. ثم أورده من خمس عشرة طريقا ذاكرا مراتبها وما
فيها من العلل، ثم أردف ذلك بقوله: "وقول ابن العربي أنه رواه من طرق غير طريق
مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض عليه".
(97) النكتة الثالثة (ص672):
كانت دلالة على موضع كلام لمسلم نقله ابن الصلاح حيث قال:
(قال مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -".
قال الحافظ: "هو في الصحيح في كتاب الأيمان والنذور".
(98) النكتة الرابعة (ص673):
تضمنت اعتراضا أورده الحافظ على رأي ابن الصلاح حيث قال: في الكلام على رواية
الشخص إذا انفرد برواية: "وإن كان بعيدا عن ذلك (يعني من درجة الحافظ الضابط)
رددنا ما تفرد به وكان من قبيل الشاذ والمنكر".
قال الحافظ: "هذا يعطي أن الشاذ والمنكر عنده مترادفان، والتحقيق خلاف ذلك".
(1/107)
النوع الرابع عشر: المنكر
وفيه نكتة واحدة على ابن الصلاح (ص674): "99) وفي هذه النكتة توضيح لكلام ابن
الصلاح ثم عقب عليه في قوله: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو الشذوذ موجود
في كلام كثير من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح
الشاذ".
قال الحافظ: "وهذا ما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير
واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد ولكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من
يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده.
وأما قول المصنف والصواب التفصيل... الخ، فليس في عبارته ما يفصل أحد النوعين
عن الآخر، نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين، ثم ذكر القسمين وفصل
فيهما".
(1/108)
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار
وفيه نكتتان فقط:
(100) النكتة الأولى (ص681):
فيها اعتراض أورده على ابن الصلاح حيث قال:
معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد".
قال الحافظ: "هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد وليس كذلك،
بل الاعتبار هو الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد، فكان حق العبارة
أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد".
(101) النكتة الثانية (ص681):
تضمنت اعتراضا أورده الحافظ على ابن الصلاح إذ ذكر مثالا للمتابع وهو حديث
سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس:
(لو أخذوا إهابها) وذكر أن شاهده عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس: "أيما
إهاب دبغ فقد طهر".
قال الحافظ: "فيه أمران: أحدهما: أنه ليس مثالا للمتابعة التامة إذ من شرطها أن
يتابع نفس الراوي لا شيخه.
(1/109)
الثاني: أنه ليس بمطابق لما عرف من أن المتابعة لمن دون الصحابي، وأن الشاهد أن
يروى حديث آخر بمعناه من حديث صحابي آخر.
ثم ذكر مثالا للمتابع والشاهد سالما من الاعتراض، وهو حديث الشافعي عن مالك عن
عبد الله بن دينار عن ابن عمر (الشهر تسع وعشرون... على قوله فأكملوا العدة
ثلاثين) ومتابعاته وشواهده".
(1/110)
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
وفيه أربع نكت:
(102) النكتة الأولى (ص686):
تضمنت شرحا ودفاعا عن ابن الصلاح حيث قال: "وكان أبو بكر النيسابوري وذكر غيره
مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث...".
قال الحافظ: "مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما زاده
الفقهاء... وإنما نبهت على هذا، لأن العلامة مغلطاي استشكل ذلك على المصنف ودل
على أنه ما فهم مغزاه فيه".
ثم أضاف الحافظ ما قاله ابن حبان: "لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صناعة
الحديث ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة حتى كأن السنن بين عينيه
إلا ابن خزيمة".
(103) النكتة الثانية (ص687):
تضمنت تفصيلا وتعقبا على تقسيم ابن الصلاح لزيادة الثقة إلى ثلاثة أقسام:
وقد ذكر كثيرا من أقوال العلماء في هذه النكتة.
(104) النكتة الثالثة (ص696):
تعد تأييدا للنووي ثم ردا على التبريزي الذي دافع عن ابن الصلاح.
وذلك أن ابن الصلاح نقل عن الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات
(1/111)
بزيادة قوله: "من المسلمين) في حديث ابن عمر في صدقة الفطر فاعترض عليه النووي
بقوله: "لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به وذكر من تابع مالكا".
قال التبريزي رادا على النووي: "إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه
شيء".
قال الحافظ: "وهذا التعقب غير مرض؛ لأن الإيراد على المصنف من جهة عدم مطابقة
المثال للمسألة المفروضة، ولو كان حاكيا؛ لأنه أقر فرضيته، ثم بين سبب الخلل في
كلام ابن الصلاح ثم تكلم الحافظ على هذه الزيادة ونقل أقوال العلماء فيها وفيمن
زادها من أصحاب نافع ومن لم يذكرها".
(105) النكتة الرابعة (ص700):
تعتبر اعتراضا على ابن الصلاح ثم مدافعة عنه حيث قال: "ومن أمثلة ذلك حديث:
"جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا" فهذه الزيادة تفرد بها أبو
مالك".
قال الحافظ: "وهذا التمثيل ليس بمستقيم، لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث عن
ربعي بن حراش، وتفرد ربعي بجملته عن حذيفة".
ثم حكى الحافظ اعتراض مغلطاي على ابن الصلاح في تمثيله بهذه الزيادة، وهو بأنه
يحتمل أن يريد بالتربة الأرض فلا يبقى زيادة".
قال الحافظ: "فقد أجاب شيخنا شيخ الإسلام فقال: "حمل التربة على التراب وهو
المتبادر إلى الفهم، ولأنه لو أراد بالتربة الأرض لم يحتج لذكرها هنا لسبق ذكر
الأرض، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت الأرض لنا مسجدا وجعلت تربتها
لنا طهورا".
قال الحافظ: "وهذا يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه، لأن التقدير حينئذ يكون
وجعلت أرض الأرض طهورا".
(1/112)
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
وفيه على ابن الصلاح نكتة واحدة فقط (ص703):
(106) وهذه النكتة اشتملت على مدافعة عن ابن الصلاح ثم إضافة أشياء مهمة.
فالمدافعة كانت على اعتراض وجهه مغلطاي على قول ابن الصلاح: "الأفراد منقسمة
إلى ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة".
حيث قال مغلطاي: "بأنه ذكر أنه تبع الحاكم في ذكر هذا النوع فكان ينبغي له أن
يتبعه في تقسيمه فإنه قسمه إلى ثلاثة أقسام".
قال الحافظ: "وهو اعتراض عجيب فإن الأقسام التي ذكرها الحاكم داخلة في القسمين
اللذين ذكرهما ابن الصلاح ولا سبيل إلى الإتيان بالثالث".
ثم قسم الحافظ - إضافة إلى ما سبق - الفرد المطلق إلى نوعين وضرب لهما مثالين.
وقسم الفرد النسبي إلى أربعة أقسام وضرب لها أمثلة.
ثم ذكر مظان الأفراد من الكتب، كالتفرد لأبي داود ومسند البزار والأفراد
للدارقطني.
(1/113)
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل
وفيه خمس نكت:
(107) النكتة الأولى (ص710):
تضمنت شرحا وتوضيحا وإضافة فوائد مهمة. أما الشرح فهو لتعريف ابن الصلاح للحديث
المعلل حيث قال: "فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته
مع أن الظاهر السلامة منه".
وضح الحافظ هذا التعريف وبين أنه تحرير لتعريف الحاكم.
وأما الإضافات فهي متمثلة فيما يأتي:
أ- ذكر الحافظ أن الحديث المنقطع رواية والمجهول والمضعف لا يسمى واحدا منها
معللا إلا إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك.
ب- ثم بين السبيل إلى معرفة سلامة الحديث من العلة وهو: أن تجتمع طرقه، فإن
اتفقت رواته واستووا ظهرت سلامته، وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة، فمدار التعليل
في الحقيقة على بيان الاختلاف.
ج- ثم بين أهمية هذا الفن وأنه لا يقوم به إلا النقاد الأفذاذ، وأن إليهم
المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك.
فإذا وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه
في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا حيث لم يختلفوا فإذا اختلفوا
فلا بد من الترجيح.
(1/114)
د-
ثم نقل عن العلائي أن مذهب غالب المحدثين عند تعارض الوصل والإرسال والرفع
والوقف في روايات الثقات هو التعليل بالإرسال والوقف. أما الفقهاء والأصوليون
فإنهم يجعلون الوصل والرفع من قبيل زيادة الثقة، قال: "ويلزم على ذلك قبول
الحديث الشاذ".
?- ثم ذكر مثالا للمعلل الذي تخفى علته على كثير من المحدثين، وهو حديث ابن عمر
(من باع عبدا له مال...(الحديث حيث اختلف فيه نافع وسالم ابن عبد الله فوقفه
نافع على عمر ورفعه سالم. فرجح النسائي وابن أبي حاتم وغيرهما الوقف، ثم بين
سبب الخطأ في إسناد هذا الحديث.
(108) النكتة الثانية (ص745):
تضمنت اعتراضا على قول ابن الصلاح: "إن المحدثين كثيرا ما يعللون الموصول
بالمرسل والمنقطع".
قال الحافظ: "هذا ليس من قبيل المعلول على اصطلاحه وإن كانت علة في الجملة؛ إذ
المعلول على اصطلاحه مقيد بالخفاء والانقطاع والإرسال ليست علتهما بخفية".
(109) النكتة الثالثة (ص746):
تعتبر شرحا لقول ابن الصلاح: "ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر، وقد تقع
في المتن...".
قال الحافظ: "قلت: إذا وقعت العلة في الإسناد قد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت
فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن، وكذا القول في الإسناد فالأقسام على هذا
ستة. ثم مثل لكل هذه الأقسام الستة".
(110) النكتة الرابعة (ص766):
كانت تعقبا على ابن الصلاح حيث قال:
(1/115)
"فعلل قوم رواية اللفظ المذكور - يعني نفي قراءة البسملة - لما رأوا الأكثرين
إنما قالوا فيه: "كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين".
قال الحافظ: "وفيه نظر؛ لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى مع إمكان
الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل
شعبة".
ثم ذكر رواية شعبة وغيره عن قتادة بأسانيدها.
ثم قال: "ومما يدل على ثبوت أصل البسملة في أول القراءة في الصلاة ما رواه
النسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من رواية نعيم المجمر قال: "صليت خلف أبي
هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن فذكر الحديث وفي آخره
فلما سلم قال: "والذي نفسي بيده لأنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه
وسلم –". وهو حديث صحيح لا علة له.
ففي هذا رد على من نفاها البتة، وتأييد لتأويل الشافعي لكنه غير صريح في ثبوت
الجهر لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة - رضي الله عنه - حال
مخافتته لقربه منه فبهذا تتفق الروايات كلها.
(111) النكتة الخامسة (ص771):
وقعت شرحا لقول ابن الصلاح: "ثم اعلم أنهم قد يطلقون العلة على غير ما ذكرنا".
قال الحافظ: "مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول قد يقع في كلامهم ما
يخالفه،
(1/116)
وطريق التوفيق بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم أن اسم العلة إذا أطلق
على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولا اصطلاحا؛ إذ المعلول ما علته خفية
قادحة"، ولهذا قال الحاكم: "إنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل".
(1/117)
النوع التاسع عشر: المضطرب
وفيه نكتتان فقط وفوائد:
(112) النكتة الأولى (ص772):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح والعراقي حيث مثل ابن الصلاح للمضرب بحديث الخط
للمصلي إذا لم يجد سترة، وذكر بعض وجوه الاضطراب فيه.
فأقره العراقي وأضاف وجوها أخر.
قال الحافظ: "وبقيت وجوه أخرى لم أر الإطالة بذكرها، ولكن بقي أمر يجب التيقظ
له، ذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف
بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا
واسطة، وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب، لأن الاضطراب هو
الاختلاف الذي يؤثر قدحا، واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك؛ لأنه إن كان
الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل
اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك، ومع ذلك فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح ثم
شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي
الاضطراب أصلا ورأسا".
ثم الاضطراب نقله عن العلل للدارقطني وهو حديث أبي بكر (شيبتني هود". ذكر
الحافظ الاختلاف فيه على أبي إسحاق من اثني عشر وجها.
(1/118)
(113) النكتة الثانية (ص777):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح ثم إضافة فوائد.
أما التعقب فعلى قول ابن الصلاح: "إن الاضطراب قد يقع في الإسناد وقد يقع في
المتن، وقد يقع من راو وقد يقع من رواة".
قال الحافظ: "قسم المصنف المضطرب إلى أربعة أقسام ولم يمثل إلا لقسم واحد".
وأما الإضافة:
أ- فذكر أن العلائي تكلم كلاما مفيدا في الحديث المعلّ فنقله الحافظ هنا لأن
المضطرب قسم من أقسام المعل، ومن كلام العلائي أن الاختلاف في الإسناد ينقسم
إلى ستة أقسام، فذكرها ثم ضرب الحافظ أمثلة لكل الأقسام الستة.
ب- ثم قال: وأما الاختلاف في المتن فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من
الأحاديث، وأشار إلى أمثلة سبقت في المعلل والمنكر.
جـ- ثم قال: وأمثلة ذلك كثيرة وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان
أمثلة ليصير ذلك قاعدة يرجع إليها فنقول:
1- إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان الحديث في سياق واقعة و ظهر
تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين ثم مثل لذلك بحديث أبي
هريرة في قصة السهو يوم ذي اليدين، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من
ركعتين".
وحديث عمران بن حصين: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم العصر فسلم من
ثلاث".
(1/119)
وحديث معاوية بن خديج: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم المغرب فسلم
من ركعتين ثم انصرف".
ثم قال: فهذه الأحاديث الثلاثة ليس الواقعة فيها واحدة بل سياقها يشعر بتعددها.
2- ثم مثل للقسم الثاني وهو: ما كان في حكاية واقعة وظهر تعددها بحديث فضالة بن
عبيد في (القلادة) ساقه من وجوه، ثم عن البيهقي وغيرهأن هذه الروايات عن فضالة
محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة فأداها كلها وحنش أداها متفرقة، وحنش
هو الراوي عن فضالة.
ثم رجح الحافظ أنهما حديثان فقط رواهما حنش بألفاظ مختلفة، ثم ذكر الحافظ وجهة
نظره في هذا الترجيح.
د- ثم قال: فإذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحد فلا ينبغي سلوك
تلك الطريق المتعسفة، ثم أشار إلى محاولات بعضهم أن يجعل حديث أبي هريرة في قصة
ذي اليدين قصصا متعددة.
ثم مثل بحديث أبي هريرة في القصة المذكورة وقال: وأدل دليل على ذلك - أي على
أنها قصة واحدة - الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أو العصر؟ فإنها مشعرة
بأن الراوي كان يشك في أيهما، ثم ذكر اختلاف الرواة في سياق الحديث، ثم قال:
"فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب. ولا يلزم من
ذلك تعدد الواقعة".
هـ- ثم ذكر ما يبعد فيه احتمال تعدد القصة الواقعة، ويمكن الجمع فيه بين
الروايات وقسمه إلى أقسام منه ما يكون الحمل فيه على المجاز.
ومنه ما يكون فيه بتقييد الإطلاق.
(1/120)
ومنه ما يكون بتخصيص العام.
ومنه ما يكون بتفسير المبهم وتبيين المجمل.
ومثل لكل من ذلك بمثال.
و- ثم ذكر ما يبعد فيه احتمال التعدد ويبعد فيه أيضا الجمع بين الروايات ومثل
له بعدد من الأمثلة.
(1/121)
النوع العشرون: المدرج
وفيه نكتة واحدة:
(114) وهذه النكتة تضم استدراكا ثم إضافة فوائد (ص811): "أما الاستدراك فإن ابن
الصلاح كان قد اقتصر على ذكر أربعة من أقسام المدرج".
فتعقبه الحافظ بأن الخطيب الذي ألف فيه قد قسمه إلى سبعة أقسام قال: "وقد لخصته
ثم رتبته على مسانيد الأبواب والمسانيد".
أما الإضافة:
أ- فذكر أنه أضاف إلى عمل الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره.
ب- ثم قسم المدرج إلى مدرج المتن وإلى مدرج الإسناد.
وذكر أن مدرج المتن على ثلاث مراتب:
1- في أول المتن.
2- وفي وسطه.
3- وفي آخره وهو الأكثر.
ج- ثم قال: "والطريق إلى معرفة ذلك (يعني الإدراج) من وجوه". فذكر ثلاثة أوجه
مع أمثلتها وأطال النفس في ذلك.
د- ثم قال: "وأما مدرج الإسناد فهو على خمسة أقسام. وأشار إلى أن ثلاثة منها
ذكرها ابن الصلاح مع أمثلتها.
(1/122)
وذكر القسمين الآخرين ومثل لهما".
?- وأشار إلى طريق معرفة مدرج الإسناد. وذلك بأن تأتي رواية مفصلة للرواية
المدرجة. وضرب لذلك أمثلة.
(1/123)
النوع الحادي والعشرون: الموضوع
وفيه تسع نكت:
(115) النكتة الأولى ص(838):
كانت شرحا لغويا لتعريف ابن الصلاح للموضوع حيث قال: "وهو المختلق المصنوع".
قال الحافظ: "وهذا تفسير بحسب الاصطلاح، وأما من حيث اللغة فقد قال أبو الخطاب
ابن دحية: "الموضوع الملصق، وضع فلان على فلان كذا أي ألصقه به".
(116) النكتة الثانية (ص839):
تضمنت ردا لاعتراض على قول ابن الصلاح: "اعلم أن الموضوع شر الأحاديث الضعيفة".
قال المعترض: "الموضوع ليس من الحديث النبوي إذ أفعل التفضيل إنما يضاف إلى
بعضه".
أجاب الحافظ بقوله: "ويمكن الجوب بأنه أراد بالحديث القدر المشترك، وهو ما يحدث
به".
(117) النكتة الثالثة (ص839):
تضمنت استدلالا لقول ابن الصلاح: "ولا تحل روايته (يعني الموضوع". لأحد علم
حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه".
(1/124)
استدل الحافظ على ذلك بحديث سمرة مرفوعا: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين".
ثم شرح الحديث ونفل عن مسلم ما يؤيد شرحه.
(118) النكتة الرابعة (ص842):
تعد تفصيلا وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو
المروي".
قال الحافظ: "قلت: هذا الثاني هو الغالب وأما الأول فنادر، ثم نقل عن ابن دقيق
العيد ما يؤيد ما ذهب إليه".
ثم ذكر بعض القرائن الدالة على الوضع.
(119) النكت الخامسة (ص844):
تضمنت ردا لاعتراض على قول ابن الصلاح: "وقد وضعت أحاديث يشهد لوضعها ركاكة
ألفاظها ومعانيها". حيث قال المعترض: "إن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث
جوزت الرواية بالمعنى".
قال الحافظ: "والذي يظهر أن المؤلف لم يقصد أن ركاكة اللفظ وحده تدل كما تدل
ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين".
ثم إن الحافظ استدرك على ابن الصلاح أشياء أخل بها فلم يذكرها في علامات الوضع.
منها: أن يخالف الحديث العقل ولا يقبل تأويلا.
ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحجاج عن البيت ثم لا ينقله منهم
إلا واحد.
(1/125)
ومنها: ما يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو
تقليد بعضهم بعضا.
ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي. وذكر
أشياء أخر.
(120) النكتة السادسة (ص847):
تعتبر تأكيدا لقول ابن الصلاح في نقد ابن الجوزي: "ولقد أكثر الذي جمع في هذا
العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيهما كثيرا مما لا دليل على وضعه".
قال الحافظ (يعني ابن الجوزي)، ثم نقل عن العلائي قوله: "دخلت الآفة على ابن
الجوزي من التوسع في الحكم بالوضع؛ لأن مستنده في غالب ذلك ضعف راويه".
قال الحافظ: "قلت: ويعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد
بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمول على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك
الوجه، ويكون المتن قد روي من وجه آخر لم يطلع هو عليه أو لم يستحضره حالة
التصنيف، فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها".
فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل فيه الترغيب والترهيب وقليلا
من الأحاديث الحسان، كحديث صلاة التسبيح وكحديث قراءة آية الكرسي دبر الصلاة
فهو صحيح.
وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جداً وأما مطلق الضعف
ففيه أحاديث كثيرة.
(1/126)
نعم أكثر الكتاب موضوع".
ثم ذكر (كتاب العلل المتناهية) لابن الجوزي وقال: "أورد فيه كثيرا من الأحاديث
الموضوعة كما أورد في (الموضوعات) كثيرا من الأحاديث الواهية".
(121) النكتة السابعة (ص850):
تضمنت استدراكا وتكميلا لقول ابن الصلاح: "والواضعون للحديث أصناف".
قال الحافظ: "قلت: لم يبين ذلك وسائقهم إلى ذلك، والهاجم عليه منهم فذكر:
1- الزنادقة.
2- أصحاب الأهواء، كالخوارج والروافض.
3- من حمله محبة الظهور ممن رقّ دينه من أهل الحديث.
4- من حملة التدين الناشئ عن الجهل. ثم ذكر لهذا الصنف أربعة شبه تعلقوا بها،
ثم رد على كل هذه الشبه.
5- والصنف الخامس: أصحاب الأغراض الدنيوية كالقصاص، والسؤال في الطرق وأصحاب
الأمراء.
6- من لم يتعمد الوضع كمن يغلط فيضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام
بعض الصحابة أو غيرهم. وكمن ابتلي بمن يدس عليه الحديث.
ثم ذكر أن أشد هذه الأصناف ضررا أهل الزهد.
وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي - صلى الله
عليه وسلم -.
(1/127)
ثم
ذكر محمد بن كرام زعيم الكرامية ومذهبه الرديء، ومن كان يضع له الحديث وضبط
كلمة (كرام) وفيها قولان التشديد والتخفيف.
(122) النكتة الثامنة (ص861):
تضمنت توضيحا لمن أبهمه ابن الصلاح في قوله: "بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى
من اعترف بأنه وجماعة وضعوه - يعني حديث أبي بن كعب في فضائل القرآن سورة سورة
–".
قال الحافظ: "أبهم المصنف الباحث المذكور اختصارا، ثم نقل عن الخطيب أن المؤمل
بن إسماعيل هو الذي قام برحلة واسعة في البحث عن مصدر الحديث المذكور".
(123) النكتة التاسعة (ص862):
تضمنت استدراكا على قول ابن الصلاح: "ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من
المفسرين في إيداعه تفاسيرهم".
فنقل الحافظ عن شيخه العراقي قوله: "لكن من أبرز إسناده من المفسرين أعذر ممن
حذف إسناده".
قال الحافظ: "قلت: والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد طريقة معروفة لكثير
من المحدثين، وعليها يحمل ما صدر من كثير منهم من إيراد الأحاديث الساقطة
معرضين عن بيانها صريحا، وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة وكان ذكر الإسناد
عندهم من جملة البيان".
(1/128)
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب
وفيه أربعة نكت:
(142) النكتة الأولى (ص864):
تضمنت استدراكا على ابن الصلاح ثم إضافة فوائد.
أما الاستدراك فعلى تعريف ابن الصلاح للمقلوب حيث قال: "وهو نحو حديث مشهور عن
سالم جعل عن نافع".
قال الحافظ: "هذا تعريف بالمثال، وحقيقته إبدال من يعرف برواية غيره فيدخل فيه
إبدال راو أو أكثر حتى الإسناد كله".
وأما الفوائد فقوله: وقد يقع ذلك عمدا إما لقصد الإغراب أو لقصد الامتحان. وقد
يقع وهما. فأقسامه ثلاثة.
ويقع في الإسناد والمتن، ثم مثل لمن كان يفعل ذلك عمدا على سبيل الكذب بحماد بن
عمرو النصيبي.
ثم مثل للقلب في المتن بمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنا
أو متونا ليست منها.
ومثل لمن كان يفعل ذلك لقصد الامتحان بشعبة فإنه كان يفعل ذلك كثيرا لقصد
الامتحان واختبار حفظ الراوي.
وذكر قصة اختبار يحي بن معين لأبي نعيم.
وقصة امتحان أهل بغداد للبخاري، وساقها بإسناده إلى الخطيب ثم إلى
(1/129)
ابن عدي. وذكر امتحان العقيلي إذ امتحن تلاميذه. وقصة امتحان جماعة لابن عجلان.
ثم قال: وأما من حدث منه القلب على سبيل الوهم فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من
ذلك في الكتب المصنفة في العلل.
(125) النكتة الثانية (ص874):
تعتبر تكميلا وإضافة إلى قول ابن الصلاح في حديث جرير بن حازم عن ثابت بن أنس
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى
تروني".
وهذا يصلح مثالا للمعل. ثم بين وجه علته.
فقال الحافظ: "لا يختص هذا بهذا المثال بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو
شاذا؛ لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض، ومن معرفة من يوافق
ومن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ".
ثم ذكر مثالين لمقلوب الإسناد.
ثم ذكر قصة يحيى بن معين مع نعيم بن حماد حين قلب نعيم أسانيد بعض الأحاديث فرد
عليه ابن معين، ثم رجوع نعيم عن أخطائه في النهاية.
وقصة البخاري مع شيخه الداخلي حيث نبهه البخاري على وهم وقع فيه في إسناد حديث
إلى غير راويه، فرجع الداخلي عنه بعد أن تبين خطأه.
ونقل عن الحاكم مثالا آخر لمقلوب الإسناد أيضا.
ثم تعرض لمقلوب المتن فذكر له أمثلة كثيرة.
منها حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال" والصحيح أن بلالا
يؤذن بليل...".
(1/130)
(126) النكتة الثالثة (ص886):
فيها إشارة إلى اعتراض وُجِّه إلى ابن الصلاح ثم رد هذا الاعتراض. وذلك أن ابن
ابصلاح قال: "وقد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة".
فبين الحافظ مقصود ابن الصلاح ثم قال: "وإذا كان كذلك فلا يعترض عليه بأن بعض
الأنواع التي أوردها من بعد نوع الضعيف وهلم جرا فيها ما لا يستلزم الضعف، لأنا
نقول: "إنما قال المصنف إنه يشرح أنواع الضعيف، وهو قد فعل ولم يقل إنه لا يشرح
إلا الأنواع الضعيفة حتى يعترض عليه بمثل المسند والمتصل وما أشبه مما لا
يستلزم الضعف".
(127) النكتة الرابعة (ص887):
فيها تعقب على قول ابن الصلاح: "إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا
ضعيف وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تعني به ضعيف المتن بناء على
مجرد ضعف الإسناد".
قال الحافظ: "إذا بلغ المتأهل المجتهد، وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من
مظانه فلم يجدله إلا تلك الطريق الضعيفة فما المانع له من الحكم بالضعف بناء
على غلبة ظنه".
ثم إن ابن الصلاح قال: ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد،
ورواية ما سوى الموضوع. ونسب ذلك إلى أمثال عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل
وغيرهما.
(1/131)
فنقل الحافظ قصة عن أحمد ذكر فيها أنه يجوز التساهل في المغازي ونحوها وأنه يجب
التشدد والتثبت في الحلال والحرام.
وإلى هنا انتهى المطاف بالحافظ ابن حجر - رحمه الله - مع ابن الصلاح وانتهت
نكته الغراء وفوائده العزيزة، ووقفت سفينته التي خاض بها غمار بحار هذا العلم،
فأخرج لنا من درره الثمينة ما لا يستطيع إبرازها إلا أمثاله من أفذاذ العلماء
النقاد. وليته واصل السير حتى النهاية ولو تم له ذاك لكان كتابه هذا فتحا آخر
في مجال علوم الحديث يضاهي كتابه العظيم فتح الباري في شروح البخاري، بل في
شروح كتب السنة كلها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
(1/132)
الفصل الثاني في تنكيت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي
بلغت نكت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي سبعا وخمسين نكتة كلها تعقبات على
شيخه ما خلا سبعا منها، فإن من هذه السبع خمسا فيها تأييد لرأيه ومنها ما فيه
دفاع عنه وهي واحدة، ومنها ما فيه شرح لبعض ألفاظه وهي واحدة أيضا. وسوف أسوق
الجميع فيما يلي:
النوع الأول: الصحيح
وفيه خمس عشرة نكتة:
(1) النكتة الأولى (ص238):
تضمنت تعقبا على شيخه العراقي حيث قال: فيما يتعلق باشتراط العدد في الحديث
المقبول: "وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني فنبه على أنه لا يعرف عن
أهل الحديث".
قال الحافظ: "وهذا إن كان الشيخ أراد بأنه لا يعرف التصريح به من أحد من أهل
الحديث وإلا فذاك موجود في كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في المدخل.
ثم ناقش الحافظ القائلين باشتراط العدد في الحديث الصحيح من المعتزلة والجهمية
ورد على شبههم التي تعلقوا بها.
(1/133)
(2) 2- النكتة الثانية (ص273):
فيها اعتراض على قول العراقي: "صحح المنذري حديثا في غفران ما تقدم وتأخر،
والدمياطي حديثا في ماء زمزم".
قال الحافظ: "فيه نظر؛ وذلك أن المنذري أورد في الجزء المذكور عدة أحاديث بين
ضعفها وأورد في أثنائه حديثا من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب... وقال بعده: بحر
بن نصر ثقة، وابن وهب ومن فوقهم محتج بهم في الصحيحين".
قال الحافظ: قلت: "ولا يلزم من كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث
الوارد به صحيحا لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة وقد وجد هذا الاحتمال هنا
فإنها رواية شاذة".
(3) النكتة الثالثة (ص276):
تضمنت تنبيها على وهم وقع فيه الحافظ العراقي في قوله: "إن المعروف رواية عبد
الله بن المؤمل عن محمد بن المنكدر كما رواه ابن ماجة" (يعني حديث ماء زمزم).
قال الحافظ: "وقع منه سبق قلم، وإنما هو عند ابن ماجة وغيره من طريق المؤمل عن
أبي الزبير". والأمر كما قال الحافظ.
(4) النكتة الرابعة (ص277):
أبدى الحافظ فيها عدم قناعته بجواب شيخه على اعتراض وجهه مغلطاي على ابن
الصلاح، وذلك أن ابن الصلاح قال: "أول من صنف في الصحيح البخاري" فاعترض عليه
مغلطاي بأن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمي" ثم قال:
"فإن قيل إن في الموطأ المرسل والمنقطع قلنا وفي البخاري كذلك فأجابه العراقي
بأن مالكا لم يفرد الصحيح بل أدخل في كتابه المرسل والمنقطع".
(1/134)
وكأن شيخنا لم يستوف النظر في كلام مغلطاي وإلا فظاهر قوله مقبول بالنسبة إلى
ما ذكره البخاري من الأحاديث المعلقة وبعضها ليس على شرطه.
ثم أجاب الحافظ على دعوى مغلطاي في أولية الموطأ على الصحاح بما يرى أنه
الصواب.
(5) النكتة الخامسة (ص295):
فيها تعقب على العراقي ودفاع عن ابن الصلاح، وذلك أن ابن الصلاح ذكر أن عدة
أحاديث البخاري سبعة آلاف حديث.
فتعقبه العراقي بقوله: "هكذا أطلق ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد
الرواية المشهورة وهي رواية محمد بن يوسف الفربري أما رواية حماد بن شاكر فهي
دونها بمائتي حديث. وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل، فإنها تنقص عن رواية
الفربري بثلاثمائة".
فتعقب الحافظ شيخه العراقي: بأن كلامه يفيد أن هذا النقص واقع في أصل التصنيف،
لكن الأمر بخلاف ذلك، فكتاب البخاري في جميع الروايات الثلاث سواء في العدد ثم
بين الحافظ أن التفاوت إنما حصل في أصل السماع إذ أن الفربري سمع جميع الصحيح
من البخاري، والآخران سمعا معظم الكتاب والباقي أخذاه بالإجازة من البخاري، فلا
اعتراض على ابن الصلاح فيما أطلقه.
(6) النكتة السادسة (ص296):
تضمنت دفاعا عن ابن الصلاح حيث انتقده العراقي في إهمال عدة كتاب مسلم ثم ذكر
أن عدته اثنا عشر ألف حديث بالمكرر.
فأجاب الحافظ: عن ابن الصلاح بأنه لم يقصد ذكر عدة البخاري حتى يستدرك عليه عدة
ما في كتاب مسلم، بل السبب في ذكره لعدة ما في البخاري
(1/135)
أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلافا لقول
ابن الأخرم.
ثم استطرد الحافظ البحث حول قول البخاري: "أحفظ مائة ألف حديث))، فذكر عن
الجوزقي أنه استخرج في كتابه ((المتفق)) على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا
فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا".
قال الحافظ: "فإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر
هذا القدر فما لم يخرجا من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر -
أيضا – ويزيد، وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله
يبلغ هذا القدر أو يقرب منه، فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء عن الصحابة والتابعين
تمت العدة التي ذكر البخاري أنه يحفظها، بل ربما زادت على ذلك".
(7) النكتة السابعة(ص300):
كانت تعقبا على العراقي حيث ادعى أن الحميدي زاد زيادات في كتابه: الجمع بين
الصحيحين، ولم يميز هذه الزيادات ولم يصطلح على أنه لا يزيد إلا ما صح فيقلد في
ذلك.
تعقبه الحافظ بقوله: "إن شيخنا قلد في هذا غيره، وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين
الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ما ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها،
ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات".
ثم ذكر أن شيخه البلقيني وقع فيما وقع فيه العراقي كما تبع سراج الدين ابن
النحوي في كتابه ((المقنع)) العراقي في هذا الزعم، ثم نقل الحافظ نص كلام
الحميدي الذي أبدى فيه اصطلاحه فيما يتعلق بهذه الزيادات.
(1/136)
ثم
ساق الحميدي تسعة أمثلة بين الحميدي فيها الزيادات.
(8) النكتة الثامنة (ص318):
فيها تأييد من الحافظ لشيخه العراقي في انتقاده لكل من ابن الصلاح وابن دقيق
العيد والذهبي، وذلك بأنهم يعترضون على الحاكم في تصحيحه على شرط الشيخين أو
أحدهما بأن البخاري مثلا ما أخرج لفلان.
قال العراقي: "وكلام الحاكم مخالف لما فهموه".
قال الحافظ: "وكلام الحاكم ظاهر أنه لا يتقيد بذلك حتى يتعقب به عليه".
ثم ذكر الحافظ أن الحديث إذا كان الشيخان قد أخرجا لرواته أو أحدهما قال
الحاكم: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما.
وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد فحسب ثم وضح ذلك بمثال من
النوع الثاني قال الحاكم عقبه صحيح الإسناد.
قال الحافظ: "فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على
شرطهما".
(9) النكتة التاسعة (344):
انتقد الحافظ فيها شيخه العراقي حيث قال في معرض الكلام على صحيح مسلم: "وفيه
بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا)) ثم عقبه بقوله: "ورواه فلان، وقد جمعها
الرشيد العطار في ((الغرر المجموعة)).
قال الحافظ متعقبا عليه: وفيه أمور وناقشه من وجوه...
منها: قوله: "فيه بقية أربعة عشر" بين الحافظ أنه أخطأ في هذا العدد مقلدا غيره
في هذا الخطأ، وصوّب الحافظ أنها اثنا عشر.
(1/137)
ولكن الحافظ نفسه لم يسلم من الخطأ في عد هذه الأحاديث.
(10) النكتة العاشرة (ص354):
كانت اعتراضا من الحافظ على العراقي وبيانا للصواب في خطأ وقع فيه وذلك أن
العراقي قال في خلال مدافعته عن ابن الصلاح ورده على اعتراض لمغلطاي. قال:
"الظاهر أن البخاري لم يرد برد الصدقة حديث جابر المذكور في بيع المدبر، وإنما
أراد – والله أعلم – حديث جابر في الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم
- يخطب فأمرهم بالصدقة عليه... وهو حديث ضعيف. فتعقبه الحافظ من وجوه منها:
أن الدارقطني لم يرو هذا الحديث من جابر وإنما رواه من حديث أبي سعيد ومع كون
هذا الحديث ليس من حديث جابر عند الدارقطني فهو صحيح وليس بضعيف.
(11) النكتة الحادية عشرة (ص361):
كان العراقي قد رد اعتراضا لمغلطاي على ابن الصلاح فيما يتعلق بتعليقات البخاري
واستبعد أن يكون البخاري يأتي بصيغة الجزم في الأحاديث الضعيفة فلم يستصوب
الحافظ هذا الرد وأتى برد آخر يرى أنه الصواب.
(12) النكتة الثانية عشرة (ص371):
تضمنت ردا على العراقي حيث اعترض على ابن الصلاح في قوله:
"إن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته".
فنقل العراقي عن ابن عبد السلام أن هذا قول بعض المعتزلة إذ يرون أن الأمة إذا
عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته ونقل عن النووي أنه لا يفيد إلا الظن.
(1/138)
فأجاب الحافظ: "عن ابن الصلاح بأنه لم يقل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما
وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما إلا من حيث
الجملة لا من حيث التفصيل... وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما
بالقبول من حيث الصحة".
ثم نقل الحافظ عن جماعة من العلماء كإمام الحرمين وابن فورك وعبد الوهاب
المالكي والبلقيني وعن جمع من علماء المذاهب ما يؤيد مذهب ابن الصلاح.
بل نقل عن ابن تيمية أن الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه
أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين
في أصول الفقه فذكر جماعة منهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ثم
قال: وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم... ومذهب أهل الحديث قاطبة.
ثم نقض قول النووي: إن الخبر لا يفيد العلم إلا أن يتواتر بأدلة، منها: الخبر
المحتف بالقرائن فإنه يفيد العلم النظري، والخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة
لا مطعن فيها وما تلقته الأمة بالقبول.
(13) النكتة الثالثة عشرة: (ص379).
تضمنت استدراكا على العراقي حيث قال معلقا على قول ابن الصلاح: "إن ما أخرجه
الشيخان مقطوع بصحته".
"قد سبقه إلى ذلك أبو الفضل ابن طاهر وأبو نصر ابن يوسف".
قال الحافظ: "أقول: أراد بذكر هذين الرجلين كونهما من أهل الحديث، وإلا فقد
قدمنا كلام جماعة من أئمة الأصول موافقته على ذلك وهم قبل ابن الصلاح.
(1/139)
نعم، وسبق ابن طاهر إلى القول بذلك جماعة من المحدثين كالجوزقي والحميدي بل
نقله ابن تيمية عن أهل الحديث قاطبة".
(14) النكتة الرابعة عشرة (ص380):
تضمنت ردا لتعقب العراقي على ابن الصلاح في قوله: "إن أخبار الصحيح قد تلقيت
بالقبول إلا أحرفا يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد".
فقال العراقي: "إن ما استثناه من المواضع قد أجاب عليها العلماء ومع ذلك ليست
يسيرة بل هي كثيرة...".
أجاب الحافظ: "بأن كونها ليست يسيرة فهذا أمر نسبي أو هي بالنسبة إلى ما لا
مطعن فيه من الكتابين يسيرة جدا، وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع
استثناءها؛ لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع على التلقي فالمواضع
المذكورة مختلفة عن التلقي فيتعين استثناؤها. ثم ذكر الحافظ النقاد الذي تتبعوا
الأحاديث المعللة في الصحيحين وهم الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي والجياني ثم
قال: "والكلام على هذه الانتقادات من وجوه:
منها: ما هو مندفع بالكلية.
ومنها: ما قد يندفع. ثم ذكر منها أربعة أوجه وانتهى إلى القول بأن هذه الأمور
إذا اعتبرت في جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد
عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ثم أحال القارئ على الجواب عنها في مقدمة فتح
الباري وأنه قد بين ذلك فيها بيانا شافيا.
(15) النكتة الخامسة عشرة (ص384):
كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث ادعى العراقي التناقض في كلام البن الصلاح وذلك
أن ابن الصلاح اشترط المقابلة بأصول متعددة لمن أراد العمل أو الاحتجاج بالحديث
في موضع، وفي موضع آخر من كتابه لم يشترط ذلك في المقابلة.
(1/140)
فأجاب الحافظ على هذا الاعتراض بأنه ليس بين كلامي ابن الصلاح مناقضة بل كلام
ابن الصلاح الذي فيه الاشتراط مبني على مذهبه، وهو عدم الاستقلال بإدراك الصحيح
بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه علّل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا،
فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدها بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول
المتعددة، ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد.
وأما قوله في الموضع الآخر ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول فلا ينافي قوله
المتقدم؛لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا.
(1/141)
النوع الثاني: الحسن
وفيه اثنتا عشرة نكتة:
(16) النكتة الأولى (ص385):
وفيه تعقب على العراقي والعلائي وذلك أن العراقي نقل انتقاد ابن دقيق العيد
تعريف الخطابي للحسن "بأنه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله".
قال ابن دقيق العيد: "ليس فيه كبير تلخيص، والصحيح - أيضا – قد عرف مخرجه
واشتهر رجاله".
ونقل الحافظ دفاع العلائي عن الخطابي بأنه عرف الصحيح أولا ثم عرف بالحسن
فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله ما عرف مخرجه... الخ على الحسن.
ثم تعقب الحافظ كلام العلائي هذا "بأن هذا القدر غير منضبط، فيصح كلام ابن دقيق
العيد أنه على غير صناعة الحدود.
(17) النكتة الثانية (ص405):
كانت ردا لتعقب التبريزي على ابن دقيق العيد، وذلك أن ابن دقيق العيد في
انتقاده لتعريف الخطابي السابق الذي نقله العراقي قال: "إن الصحيح أخص من
الحسن".
فألزمه التبريزي بأن دخول الخاص في العام ضروري، لكنّ الحافظ تعقب التبريزي بأن
بين الحسن والصحيح عموم وخصوص وجهي، فلا يلزم من كون
(1/142)
الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في حد
الحسن".
إلا أنه قد سبق للحافظ كلام في هذا الكتاب يفيد أن بين الحسن والصحيح عموم مطلق
حيث قال: فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح، فكما يلزم من انتفاء
الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة كذا يلزم من انتفاء الشذوذ انتفاء النكارة، فعلى
هذا يكون اعتراض التبريزي وما قرره صحيحا.
(18) النكتة الثالثة (ص406):
تضمنت ردا لاعتراض نقله العراقي عن ابن جماعة حيث قال: "يرد على ابن الصلاح في
القسم الأول (يعني الذي نزل كلام الترمذي عليه في تعريف الحسن) المنقطع والمرسل
الذي في رجاله مستور، ورُوي مثله أو نحوه من وجه آخر".
فأجاب الحافظ: "بأن كلامه غير وارد؛ لأن الترمذي يحكم للمنقطع إذا روي من وجه
آخر بالحسن".
ثم نقل الحافظ تعريف ابن جماعة الحسن بقوله: "الأحسن في حد الحسن أن يقال: هو
ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان وخلا عن
العلة والشذوذ".
قال الحافظ متعقبا له: "هذا لا يحسن في حد الحسن فضلا عن أن يكون أحسن".
ثم ردّه من أربعة أوجه بين فيها عدم استقامة هذا التعريف وهي في نظري غير واردة
وتعريف ابن جماعة مستقيم ويشمل الحسن لذاته والحسن لغيره. وقد ألزم الحافظ ابن
الصلاح بأن تعريفه للصحيح غير شامل للصحيح لغيره ثم أتى بتعريف يشمل النوعين.
(1/143)
(19) النكتة الرابعة (ص204):
تضمنت استدراكا على قول العراقي: "وقد وجدت التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة
التي قبل الترمذي كالشافعي".
قال الحافظ: "أقول وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي" وذكر
إبراهيم النخعي وشعبة ثم قال: "ووجد هذا من أحسن الأحاديث إسنادا في كلام ابن
المديني وأبي زرعة وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة، ولكن منهم من يريد المعنى
الاصطلاحي ومنهم من لا يريده".
ثم ذكر مثالين عن الشافعي وأحمد أطلقا فيهما لفظ الحسن ولكنهما لا يريدان
المعنى الاصطلاحي.
وذكر مثالا لأبي حاتم يحتمل المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي ثم قال: "وأما علي
بن المديني، فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وعلله، فظاهر
عبارته قصد المعنى الاصطلاحي وكأمه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ
البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد".
ثم ذكر مثالين من جامع الترمذي والعلل الكبير له حكم البخاري عليهما بالحسن
أحدهما لذاته والآخر لغيره.
ثم قال: "فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر
منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر من غيره".
(20) النكتة الخامسة (ص220):
اشتملت على تعقب على العراقي حيث قال: "ويعقوب بن شيبة وأبو علي إنما صنفا
كتابيهما بعد الترمذي". قال الحافظ: "فيه نظر بالنسبة إلى يعقوب فقط؛ فإنه من
طبقة شيوخ الترمذي وهو أقدم سنا وسماعا وأعلى رجالا من البخاري إمام الترمذي
(1/144)
... ومات قبل الترمذي بنحو عشرين سنة فكيف يقال: إنه صنف كتابه بعد الترمذي،
ظاهر الحال يأبى ذلك".
(21) النكتة السادسة (ص432):
فيها تعقب على العراقي حيث قال: "ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك (يعني
الحسن الاصطلاحي) أم لا".
قال الحافظ: "أقول حكى ابن كثير في مختصره أنه رأى في بعض النسخ من رسالة أبي
داود ما نصه: "وما سكت عليه فهو حسن وبعضها أصح من بعض" فهذه النسخة إن كانت
معتمدة فهو نص في موضع النزاع، ولكن نسخة روايتنا والنسخ المعتمدة التي وقفنا
عليها ليس فيها هذا".
(22) النكتة السابعة (ص432):
حكى فيها الحافظ تعقبين للعراقي والعلائي على ابن سيد الناس، ففضل فيه تعقب
العلائي على تعقب العراقي وأضاف فوائد أخرى. وذلك أن ابن سيد الناس زعم أن شرط
أبي داود كشرط مسلم إلا في الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها.
فأجابه العراقي: "بأن مسلما شرط الصحيح فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه أنه
حسن، وأبو داود إنما قال: "وما سكت عنه فهو صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا
وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن".
قال الحافظ: "فأجابه العلائي بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه: "هذا الذي قاله
ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى، لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت، فلا نعني بالحسن إلا
الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول. وإنما
يخرجها في المتابعات والشواهد".
قال الحافظ: "وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول
مسلم ما معناه:
(1/145)
أن
الرواة ثلاثة أقسام:
أ- المتقنون.
ب- أهل الصدق والستر.
ج- المتروكون.
وهل أخرج مسلم عن القسمين الأولين أو عن الأول فقط...؟
فذكر رأي القاضي عياض ومن تبعه بأنه أخرج عنهما، ورأى الحاكم والبيهقي بأنه لم
يخرج إلا عن القسم الأول.
ثم رجح ما ذهب إليه الحاكم والبيهقي وبين سبب الاشتباه على القاضي عياض ومن
تبعه ووضح ذلك توضيحا شافيا.
ثم تكلم على شرط أبي داود وأنه دون شرط مسلم وأنه يخرج لأهل القسم الثاني محتجا
بهم.
ثم تكلم على ما سكت عليه أبو داود فبين أن منه الصحيح ومنه الحسن لذاته والحسن
لغيره ومنه الضعيف الذي لم يجمع على تركه.
ثم ذكر أن كلا من أبي داود وأحمد يقدم الضعيف على رأي الرجال ثم تكلم على شرط
الإمام أحمد في مسنده ونقل عن ابن تيمية أنه اعتبر المسند فوجد أن شرطه موافق
لشرط أبي داود..
ثم قال: "ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود؛ فإنه يخرج
أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها، مثل ابن لهيعة وصالح مولى
توأمة، وذكر آخرين من هذا النوع ثم قال: وقد يخرج لأضعف من هؤلاء وذكر الحارث
بن وجيه وصدقة الدقيقي وآخرين من المتروكين...".
ثم قال: "وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين والأسانيد التي
فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي
داود".
(1/146)
(23) النكتة الثامنة (ص449):
ضمت تعقبا على العراقي حيث قال: "لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة في كتابه".
قال الحافظ: "إن كان باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها فلا يمكن دعوى ذلك في
المسند وإن كان باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث ولو كانت ضعيفة ما لم
يكن ضعفها شديدا فهذا يمكن دعواه".
قلت: "ولا يخفى أن مقصود العراقي هو الأول. ولعله يرد على أبي موسى المديني حيث
ادعى الصحة لمسند أحمد، وأقام ما يراه من أدلة على دعواه".
(24) النكتة التاسعة (ص450):
تضمنت تعقبا على قول العراقي ((على أن ثمة أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست
في مسند أحمد.
قال الحافظ: "أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة التي خلا عنها المسند لا
بد أن يكون لها فيه أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقامها".
قال الحافظ: "فعلى هذا إنما يتم النقض أن لو وجد حديث محكوم بصحته، سالم من
التعليل ليس هو في المسند وإلا فلا".
(25) النكتة العاشرة (ص450):
فيها اعتراض على قول العراقي: "بل فيه (يعني المسند) أحاديث موضوعة وقد جمعتها
في جزء".
أجاب الحافظ بأن الجزء المذكور قد اشتمل على تسعة أحاديث منها:
حديثان من زيادة عبد الله، والحكم على هذه التسعة بكونها موضوعة محل نظر وتأمل
ثم إن كلها في الفضائل أو الترغيب والترهيب.
(1/147)
ومن عادة المحدثين التساهل في مثل ذلك، وفي الجملة لا يأتي الحكم على جميعها
بالوضع.
ثم ذكر الحافظ هذه الأحاديث وهي:
1- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في احتكار الطعام.
2- وحديث عمر - رضي الله عنه - ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر
على هذه الأمة من فرعون لقومه.
3- حديث أني - رضي الله عنه - ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة.
4-حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في سد الأبواب إلا باب علي.
5- حديث بريدة بن الحصيب في فضل مرو.
6- حديث أنس في فضل عسقلان.
والثلاثة الباقية متداخلة مع بعض هذه الستة.
ثم بين الحافظ خلال بحثه ومناقشته بعد أن تكون هذه الأحاديث موضوعة وأنه ليس في
العقل ولا في الشرع ما يحيلها.
ثم قال: "وما بقي من الجزء كله سوى حديث عائشة في قصة عبد الرحمن بن عوف، يعني
حديث: "أنه يدخل الجنة حبوا".والجواب عنه ممكن، لكن كفانا المؤنة شهادة أحمد
بكونه كذبا فقد أبان علته، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته.
ولعله مما أمر بالضرب عليه، لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة
النكارة.
(26) النكتة الحادية عشرة (ص475):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث قال ابن الصلاح – في سياق توجيه
(1/148)
قول الترمذي وغيره ((حسن صحيح)) -: "على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك
أراد بالحسن معناه اللغوي – وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب – دون
المعنى الاصطلاحي".
فحكى العراقي عن ابن دقيق العيد أنه رد هذا الكلام بأنه يلزم عليه أن يطلق على
الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا
جروا على اصطلاحهم".
قال الحافظ: "وهذا الإلزام عجيب، لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول
القائل: ((حسن صحيح)) فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا".
ثم ذكر توجيهات لبعض العلماء واعتراضات كلها تدور حول قول الترمذي حسن صحيح.
منها: قول بعض المتأخرين أنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة على أحوال
رواته عند المحدثين، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم
يقال فيه ذلك.
وتعقبه الحافظ بثلاثة أمور:
1- أنه (أي الترمذي) لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو
أتى بـ ((أو)) التي هي للتخيير أو التردد. فقال: حسن أو صحيح.
2- وثانيهما: أن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث
بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غير. فهذا ما ينقدح في هذا الجواب.
3- ثالثها: بأنه يتوقف على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين
فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته فيقدم في الجواب أيضا،
لكن لو سلم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وأني لأميل
إليه وأرتضيه والجواب عما يرد عليه ممكن.
(1/149)
وتعقبت الحافظ بقولي: كيف يرتضيه مع أنه يتوقف على الاعتبار المذكور، فهذه
المبادرة إلى ارتضاء هذا الرأي قبل الاعتبار اللازم الذي يتوقف عليه الحكم
الفاصل تعتبر غريبة من الحافظ.
(27) النكتة الثانية عشرة (ص488):
فيها رد على اعتراض العراقي على تعقب ابن الصلاح للسلفي في قوله: "في شأن الكتب
الخمسة... اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب".
قال ابن الصلاح: "وهذا تساهل؛ لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكر أو نحو
ذلك من أوصاف الضعف".
قال العراقي: "وإنما قال السلفي: والحكم بصحة أصولها. ولا يلزم من كون الشيء له
أصل صحيح أن يكون صحيحا".
قال الحافظ: قلت: "وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله كلام السلفي، وهو في ذلك
تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه من الإنكار ليس بجديد، إذ العبارتان جميعا
موجودتان جميعا في كلام السلفي لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا سابق، ثم عاد
السلفي وقال ما نقله ابن الصلاح بزيادة ولفظه: "وأما السنن فكتاب له صدر في
الآفاق. ولا نرى مثله على الإطلاق، وهو أخد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها
علماء الشرق والغرب، والمخالفون لهم كالمتخلفين بدار الحرب)) وإذا تقرر هذا
ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم يعني أن معظم الكتب
الثلاثة يحتج به... لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ والمرجوح عند المعارضة".
النوع الثالث: معرفة الضعيف
لم ينكت فيه الحافظ على العراقي.
(1/150)
النوع الرابع: المسند
وفيه نكتة واحدة (ص55):
(28) وهذه النكتة تعتبر ردا على اعتراض أورد على ما نقله ابن الصلاح عن الخطيب
أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما
يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن
الصحابة وغيرهم.
فقال العراقي: "اعترض عليه بأنه ليس في كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة
وغيرهم لا في الكفاية ولا في الجامع".
ثم أجاب العراقي: "بأنه ليس في كلام ابن الصلاح التصريح بنقله عنه، وإنما حكى
كلام الخطيب ثم قال: "وأكثر ما يستعمل ذلك..." إلى آخر كلامه.
فلم يقتنع الحافظ بجواب شيخه وقال: "مقتضاه أن يكون في سياق إدراج، وعند التأمل
يتبين أن الأمر بخلاف ذلك، لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطي بلفظها، وبيان
ذلك أن الخطيب قال في الكفاية: وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل
بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ابن الصلاح كلامه بالمعنى، ثم استطرد
الحافظ في الكلام فبين ما هو المسند والمتصل والمرفوع عند العلماء، وذكر اختلاف
أقوالهم فيها ثم اختار الحافظ أن المسند هو ما أضافه من سمع النبي - صلى الله
عليه وسلم - بسند ظاهره الاتصال.
(1/151)
النوع الخامس: معرفة المتصل
النوع السادس: معرفة المرفوع
النوع السابع: معرفة الموقوف
النوع الثامن: معرفة المقطوع
هذه الأنواع الأربعة لم ينكت فيها الحافظ ابن حجر على العرقي..
النوع التاسع: معرفة المرسل
وفيه ست نكت:
(29) النكتة الأولى (ص540):
كانت اعتراضا على ابن الصلاح والعراقي وتأييدا لرأي مغلطاي. حيث عد ابن الصلاح
عبيد الله بن عدي بن الخيار في كبار التابعين الذين يعد قولهم عن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - مرسلا، فاعترض عليه مغلطاي بأن عبيد الله قد عد في
الصحابة، فرجح العراقي عدم صحبته.
فتعقبه الحافظ ورجح إثبات صحبته بناء على أنه وجد في منقولات كثيرة أن الصحابة
كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبركون بذلك، وعبيد
الله منهم، لكن هل هذا النوع من الصحبة تعد روايته من مراسيل الصحابة المقبولة،
رجح الحافظ أنها ليست من النوع المقبول.
وبين أن قولهم مراسيل الصحابة مقبولة إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع.
وأما من لم يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من
النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(1/152)
(30) النكتة الثانية (ص558):
تعتبر ردا لتعقب العراقي على ابن الصلاح حيث عد الزهري في صغار التابعين الذين
لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الاثنين.
فقال العراقي: "هذا ليس بصحيح بالنسبة للزهري، فتعقبه الحافظ بأن تمثيل ابن
الصلاح بالزهري صحيح؛ لأنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة أن يكون من
لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون هو من كبار التابعين؛ لأن جميع من سموه من
مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغارهم أو ممن لم يلقهم الزهري وإن روى عنهم
أو ممن لم يثبت له صحبة".
(31) النكتة الثالثة (ص563):
تضمنت تقوية لانتقاد العراقي للبيهقي في جعله ما رواه التابعي عن رجل من
الصحابة مرسلا.
قال العراقي: "وليس هذا بجيد اللهم إلا أن يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل
الصحابة فهو قريب".
قال الحافظ: "يريد شيخنا ألا يجعل الخلاف من البيهقي لفظيا، وقد صرح البيهقي
بذلك في "كتاب المعرفة في الكلام على القراءة خلف الإمام". لكنه خالف ذلك في
كتاب السنن فقال في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري: "حدثني رجل من أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الوضوء بفضل المرأة" هذا حديث مرسل،
أورد ذلك في معرض رده معتذرا عن الأخذ به ولم يعلله إلا بذلك، وقد بالغ صاحب
الجوهر النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك وهو إنكار متجه".
(32) النكتة الرابعة (ص569):
فيها موافقة لتعقب العراقي على ابن الصلاح حيث ذكر ابن الصلاح أنه
(1/153)
لم
يعد مراسيل الصحابة في جملة المراسيل التي يحكم عليها بالضعف. لأن الصحابة لا
يروون إلا عن الصحابة، وهم كلهم عدول.
فتعقبه العراقي بقوله: "بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم (يعني الصحابة)
إذ قد سمع جماعة من الصحابة عن بعض التابعين".
قال الحافظ: "وهو تعقب صحيح".
ثم أتبع الحافظ هذا الكلام بأن بعض الحنفية ألزم من يرد المرسل أنه يرد على
أصله مراسيل الصحابة لاحتمال أن يكون سمعه من تابعي ضعيف. ثم رد الحافظ هذه
الشبهة بأن هذا الاحتمال ضعيف لندرة أخذ الصحابة عن التابعي الضعيف.
(33) النكتة الخامسة (ص570):
كانت تعقبا على العراقي حيث قال: "فإن المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم
لم يختلفوا في الاحتجاج بها".
قال الحافظ: "في إطلاق هذا النفي عن المحدثين نظر؛ فإن أبا الحسن ابن القطان
صاحب بيان الوهم والإيهام منهم، وقد رد أحاديث من مراسيل الصحابة - رضي الله
عنهم - ليست لها علة إلا ذلك، ثم ضرب الحافظ لذلك مثالا".
(34) النكتة السادسة (ص571):
تضمنت مدافعة عن قول العراقي: "وفي بعض شروح المنار في الأصول الحنفية دعوى
الاتفاق على الاحتجاج (يعني بمراسيل الصحابة)، ونقل الاتفاق مردود بقول الأستاذ
أبي إسحاق".
قال الحافظ: "وقد صرح غيره بأن الاتفاق كان حاصلا قبل الأستاذ فجعل الإسناد
محجوجا بذلك، وفي ذلك نظر، فإن جماعة من أهل الأصول يوافقون الأستاذ في رأيه،
وفيهم من هو قبله، فلم ينفرد بذلك في الجملة".
(1/154)
النوع العاشر: المنقطع
لم ينكت فيه الحافظ على العراقي.
النوع الحادي عشر: المعضل
وفيه ثلاث نكت:
(35) النكتة الأولى (ص572):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث أجاب عن إشكال أورد على نقل ابن الصلاح عن أبي نصر
السجزي: "أن نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال: "للمملوك طعامه وكسوته..." الحديث يسميه المحدثون معضلا".
قال العراقي: "وقد استشكل أن يكون هذا الحديث معضلا لجواز أن يكون الساقط بين
مالك وأبي هريرة واحدا..."
والجواب: أن مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ، فرواه عن محمد بن عجلان عن
أبيه عن أبي هريرة فقد عرفنا سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا".
فتعقب ابن حجر شيخه العراقي بقوله: "أقول: بل السياق يشعر بعدم السقوط؛ لأن
معنى قوله بلغني يقتضي ثبوت مبلغ، فعلى هذا فهو متصل في إسناده مبهم لا أنه
منقطع".
(1/155)
وقول الشيخ في الجواب أنا عرفنا منه سقوط اثنين فيه نظر على اختياره، لأنه يرى
أن الإسناد الذي فيه مبهم لا يسمى منقطعا، فعلى هذا لم يسقط من الإسناد بعد
التبين سوى واحد".
(36) النكتة الثانية (ص601):
تضمنت تأكيدا لمدافعة العراقي عن البخاري حيث اتهم بالتدليس.
فقال العراقي: "حول ما يقول البخاري في صحيحه ((وقال فلان)) وهل يكون تدليسا أو
لا؟ وساق مثالين من هذا النوع قد صرح البخاري فيهما بالسماع في موضعين آخرين:
"وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقدير تدليسا".
قال الحافظ: "لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد
تصنيفه أن يكون مدلسا ومن هذا الذي صرح بأن استعمال قال إذا عبر بها المحدث عما
رواه أحد مشايخه مستعملا لها فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا، لم نرهم صرحوا
بذلك إلا في العنعنة. ثم أضاف الحافظ أن هناك فرقا بين عن وقال، ونقل عن الخطيب
أن كثيرا من المحدثين لا يسوون بين قال وعن في الحكم، فمن أين يلزم أن يكون قال
وعن حكمهما عند البخاري سواء. وفيما قاله الحافظ نظر من أن قال إذا عبر بها
المحدث عما رواه أحد مشايخه مستعملا لها فيما لم يسمعه منه لا يكون تدليسا.
فهذا شيخه العراقي يقول في ألفيته تدليس الإسناد بأن يسقط من حدثه ويرتقي بعن
وأن. وقال يوهم اتصالا... فقد سوى بين عن وأن وقال؛ لأنها كلها من الصيغ
المحتملة للسماع وعدمه وليست صريحة فيه... أقول هذا مع اعتقادي بأن البخاري
يتصرف تصرفا يخرجه عن وصمة التدليس حيث إذا جاء بقال أو عن في موضع من كتابه في
إسناد ما فإنه يصرح بسماعه في موضع آخر تبعا لمقاصد كتابه كما أشار إليه الحافظ
والعراقي، لكن غيره إذا عبر بقال عما لم يسمعه من شيخه ولم يلتزم مثل منهج
البخاري فإنه حتما يكون مدلسا".
(1/156)
(37) النكتة الثالثة (ص609):
فيها تعقب على العراقي حيث حكى عن الأصوليين فيما يتعلق بتعارض الوصل والإرسال
والرفع والوقف أن الاعتبار يكون بالكثرة، فإذا كانت الكثرة في جانب الرفع أو
الوصل رجح جانبهما، وإذا كانت في جانب الإرسال والوقف رجح جانبهما.
فتعقب الحافظ هذا التعميم وقال: "هذا قول بعض الأصوليين كالرازي وأن البيضاوي
مال إلى القبول مطلقا".
ثم نقل عن الماوردي وابن الجوزي وأبي الحسن ابن القطان مذهب الشافعي في مسألة
الرفع والوقف أن الوقف يحمل على أنه رأي الراوي والمسند على أنه روايته. وزاد
ابن القطان أن الرفع يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قصر في حفظه أو
شك في رفعه.
ورد عليه الحافظ بأن هذا يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع
العادة وسلك الجادة وضرب لذلك مثلا بين فيه رجحان الوقف على الرفع.
(1/157)
النوع الثاني عشر: المدلس
وفيه أربع نكت على العراقي:
(28) النكتة الأولى (ص614):
تضمنت ردا على شيخه العراقي حيث استدرك على ابن الصلاح بأنه ترك من أقسام
التدليس قسما ثالثا وهو تدليس التسوية وهو شر الأقسام... الخ.
قال الحافظ: "فيه مشاحة، وذلك أن ابن الصلاح قسم التدلي إلى تدليس الإسناد
وتدليس الشيوخ، والتسوية على تقدير تسميتها تدليسا من قبيل القسم الأول، فعلى
هذا لم يترك قسما ثالثا. وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه".
قال الحافظ: "ومشى العلائي على ذلك فقال تدليس السماع نوعان، فذكره، ثم نبه
الحافظ إلى أنهم فاتهم جميعا من تدليس الإسناد تدليس العطف وتدليس القطع، ثم
استطرد في بحث التسوية وما يسمى منها تدليسا، وضرب لذلك أمثلة".
وذكر الحاكم أنه قسم التدليس إلى ستة أقسام وتبعه أبو نعيم في ذلك.
ثم ذكر الحافظ أن حاصل هذه الأقسام يرجع إلى القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح.
(1/158)
(39) النكتة الثانية (ص622):
فيها تعقب على ابن الصلاح والعراقي في تعريف التدليس حيث قال ابن الصلاح: "أن
يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه سواء لقيه أو لم يلقه"
فأيده العراقي وقال: أنه المشهور بين أهل الحديث...
فتعقبهما الحافظ: "بأن الذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص
باللقى، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان
النهدي وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المرسل لا من قبيل
المدلس. ونقل الخطيب ما يؤيد هذا الرأي".
(40) النكتة الثالثة (ص626):
فيها تعقب على العراقي حيث نقل عن ابن الصباغ حكم تدليس الشيوخ ومنه:
"وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف".
قال الحافظ: "وفيه نظر، لا يصير بذلك مجهولا إلا عند من لا خبرة له بالرجال
وأحوالهم وأنسابهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم، فتدليس الشيوخ دائر بين ما
وصفنا، فمن أحاط بذلك علما لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا، وتلك أنزل مراتب
المحدث".
ثم أردف ذلك بذكر مصلحة التدليس ومفسدته وامتحان المحدثين طلبتهم به؛ ليتبين
حفظهم وفهمهم أو عدم ذلك.
(41) 4- النكتة الرابعة (ص632):
كانت شرحا وتوضيحا لما نقله العراقي عن الخطيب من ثبوت الخلاف في رواية المدلس
الثقة إذا صرح بالسماع.
(1/159)
قال الحافظ: "حكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح، وأن من ثبت
أنه كان يدلس لا يقبل حديثه مطلقا".
قال: "وهو الظاهر من أصول مالك".
ونقل نحو ذلك عن يحيى بن معين.
(1/160)
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
وفيه على العراقي نكتتان:
(42) النكتة الأولى (ص654):
تضمنت اعتراضا على العراقي إذ قال: "ولكن الخليلي يجعل تفرد الثقة شاذا صحيحا".
فتعقبه الحافظ بقوله: "فيه نظر فإن الخليلي لم يحكم له بالصحة بل صرح بأنه
يتوقف فيه ولا يحتج به".
(43) النكتة الثانية (ص671):
اشتملت على تعقب على العراقي حيث ذكر عن حديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء
وهبته، أنه رواه غير يحيى بن سليم (يعني عن عبيد الله بن عمر).
فتعقبه الحافظ بقوله: "ليس هذا متابعا ليحيى بن سليم عن عبيد الله، وقد وجدت له
متابعا، فذكر سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن عبيد الله، وقبيصة عن سفيان
الثوري عن عبيد الله، ثم بين أن قبيصة قد وهم، لأن الشيخين قد خرجاه من حديث
الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر".
(1/161)
النوع الرابع عشر: المنكر
وفيه نكتتان:
(44) النكتة الأولى (ص676):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث ذكر أن جماعة من أصحاب الزهري خالفوا مالكا في
قوله في إسناد حديث أسامة بن زيد: "لا يرث المسلم الكافر..." عمر بن عثمان بدل
عمرو بن عثمان.
فتعقبه الحافظ بقوله: "في رواية هشيم مخالفة في المتن أشد من مخالفة مالك في
اسم أحد رواة الإسناد، فكان التمثيل به أولى (يعني للمنكر)". ثم بين الحافظ
مخالفة هشيم في المتن وأشار إلى سبب الخطأ.
(45) النكتة الثانية (ص676):
فيها تعقبا على العراقي في تمثيله للمنكر بحديث أنس في وضع النبي - صلى الله
عليه وسلم - الخاتم عند دخول الخلاء من طريق ابن جريج عن الزهري عن أنس، ونقل
عن أبي داود حكمه عليه بالنكارة، ثم بين علة ذلك. فأورد الحافظ احتمالا يبعد
هذا الحديث أن يكون منكرا.
وأورد مثالا رأى أنه هو الصالح للتمثيل به.
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
(1/162)
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
وهذه الثلاثة الأنواع لم ينكت فيها الحافظ على العراقي.
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل
وفيه عشرة نكت:
(46) النكتة الأولى (ص715):
كانت تعقبا على العراقي حيث ذكر حديث ((كفارة المجلس)) وسؤال مسلم للبخاري عن
هذا الحديث من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعا، فأجاب البخاري هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا
الحديث الواحد إلا أنه معلول.
قال العراقي: "هكذا أعل الحاكم في علومه هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على
الظن عدم صحتها، وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم، فقد تكلم
فيه، وهذا الحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم".
فتعقبه الحافظ بقوله: "قلت: الحكاية صحيحة قد رواها الحاكم على الصحة من غير
نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب، لأن المنكر إنما هو قوله: إن
البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول،
والواقع أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري".
(1/163)
والحق أن البخاري لم يعبر بهذه العبارة.
قال الحافظ: "وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية هذه من الطرق التي ذكرها الحاكم
وضعفها الشييخ".
ثم أسوقها من الطرق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا نكارة، ثم أبين حال
الحديث ومن أعله أو صححه لتتم الفائدة. ثم وفى الحافظ بما وعد وأطال النفس في
ذلك.
هذا وقد ذكر العراقي أن الحديث ورد من حديث جماعة من الصحابة، فذكر منهم ثمانية
وهم:
1- أبو برزة.
2- رافع بن خديج.
3- الزبير بن العوام.
4- عبد الله بن مسعود.
5- عبد الله بن عمرو.
6- السائب بن يزيد.
7- أنس بن مالك.
8- عائشة.
وأنه بيّن أحاديثهم في تخريج الإحياء.
فقال الحافظ: "إنما بينها في التخريج الكبير فقد لا يصل إلى الفائدة منه كل
أحد، فرأيت عزوها إلى من خرجها على طريق الاختصار بزيادة كبيرة جدا في العزو
إلى المخرجين".
ثم ذكر الحافظ ما وعد به، وتوسع في تخريجها وعزوها إلى مصادر كثيرة، وبين
اختلاف الطرق عندما يوجد اختلاف على بعض الرواة.
(1/164)
ثم
زاد على أحاديث الصحابة السابق ذكرهم حديث:
1- أبي بن كعب.
2- حديث معاوية.
3- حديث ابن عمر.
4- حديث أبي أمامة.
5- حديث أبي سعيد الخدري.
6- حديث علي.
7- حديث رجل من الصحابة.
8- حديث أبي أيوب.
ثم عزا الحافظ هذه الأحاديث كلها إلى مصادرها وبين عللها وخرج بعض الآثار في
الموضوع. ثم ترجم لأحمد بن حمدون القصار، وذكر من جرحه ومن عدله، ونفى عنه
التهم وقرر أنه لا يدفع عن الصدق ولا ينبغي اتهامه، ورحج أن الخطأ في احكاية من
الحاكم وهو قوله:
"لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث".
وأن الثابت إنما هو "لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث" وهو كلام
مستقيم.
(47) النكتة الثانية (ص749):
فيها تكميل واستدراك على العراقي وذلك أن الحافظ: مثل لما وقعت العلة فيه في
المتن دون الإسناد بحديث أنس: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول
القراءة ولا في آخرها"، ثم قال: وقد تكلم شيخنا على هذا الموضع بما لا مزيد
عليه في الحسن، إلا أن فيه مواضع تحتاج إلى تنبيه عليها فمنها قوله: "إن ترك
قراءة البسملة في حديث أنس ورد من ثلاث طرق وهي:
(1/165)
أ-
رواية حميد.
ب- رواية قتادة.
ج- رواية إسحاق بن أبي طلحة.
قال الحافظ: "قد يتوهم منه أن باقي الروايات عن أنس ليس فيها تعرض لتركها، وليس
كذلك بل قد جاء ترك الجهر بها أيضا
أ- من رواية ثابت.
ب- والحسن ابن أبي الحسن
ج- ومنصور بن زاذان.
د- وأني نعامة قيس بن عباية.
?- وأبي قلابة.
و- وثمامة بن عبد الله بن أنس.
ثم ذكر الحافظ طرقها والكتب التي أخرجتها.
ثم قال: "فهذه الروايات متضافرة على عدم الجهر".
(48) 3- النكتة الثالثة (ص752):
اشتملت على تعقب على العراقي وابن عبد البر، حيث نقل العراقي ادعاء ابن عبد
البر الاضطراب في حديث أنس في نفي الجهر بالبسملة، وأقرن على هذا الادعاء.
قال الحافظ: "وليس بجيد؛ لأن الاضطراب شرطه تساوي وجوهه ولم يتهيأ الجمع بين
مختلفها أما مع إمكان الجمع بين ما اختلف من الروايات ولو تساوت وجوهها، فلا
يستلزم اضطرابا، وهذا في الحديث موجود وأشار إلى كيفية الجمع بينها؟"
(49) النكتة الرابعة (ص533):
فيها اعتراض على العراقي حيث ذكر أن رواية الوليد بن مسلم عن
(1/166)
الأوزاعي التي أخرج بها مسلم حديث أنس في نفي الجهر بالبسملة معلولة بتدليس
الوليد تدليس التسوية.
قال الحافظ: "لا يتجه تعليله بتدليس الوليد؛ لأنه صرح بسماعه وصرح بأن الأوزاعي
ما سمعه من قتادة وإنما كتب به إليه، وقتادة سمعه من أنس".
ثم ساق الإسناد الذي صرح فيه قتادة بسماعه من أنس وبين أنه كان الأولى بالعراقي
أن يعلل هذا الإسناد بجهالة كاتب قتادة.
(50) النكتة الخامسة (ص756):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث رجح رواية ابن عبد البر لحديث أنس: "كانوا
يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" من طريق محمد بن كثير على رواية الوليد بن
مسلم عن الأوزاعي التي فيها نفي البسملة.
قال الحافظ: "أقول: الوليد بن مسلم أحفظ من محمد بن كثير بكثير، ومع ذلك فقد
صرح الوليد بسماعه فيما أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق دحيم وهشام بن عمار
عنه، وكذا أخرجه الدارقطني من طريق هشام ثنا الوليد ثنا الأوزاعي...
ثم الحافظ تنبيها تعقب فيه العراقي حيث عزا رواية محمد بن كثير إلى ابن عبد
البر في حين أنه رواها أبو عوانة في صحيحه، والطحاوي في شرح معاني الآثار
والجوزقي في المتفق.
قال الحافظ: "فعزوها إلى أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمنه".
(51) النكتة السادسة (ص758):
كانت تعقبا على العراقي حيث ذكر أن حميدا صرح بذكر قتادة في روايته لحديث نفي
الجهر بالبسملة فيما رواه ابن أبي عدي.
قال الحافظ: "هذا يوهم أن حميدا لم يسمعه من أنس أصلا، وإنما دلسه
(1/167)
عنه كذلك، فإن حميدا كان قد سمعه من أنس، لكن موقوفا وهذا في رواية مالك كما في
الموطآت، ورواه عنه حفاظ أصحابه موقوفا".
(52) النكتة السابعة (ص760):
فيها تعقب على العراقي وأبي شامة وذلك أن كلا من قتادة وأبي سلمة سألا أنسا عن
قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابهما بجوابين مختلفين، فنقل العراقي عن
أبي شامة أنهما سؤالان.
فسؤال فتادة عن الاستفتاح بأي سورة، وفي صحيح مسلم أن قتادة قال: نحن سألناه
عنه، وسؤال أبي سلمة عن البسملة وتركها.
قال الحافظ: "وفيه نظر؛ لأنه يوهم أن اللفظ المذكور في صحيح مسلم – يعني
الاستفتاح – وليس كذلك بل الذي فيه ((فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم".
فهذا لفظ صريح في أن السؤال كان عن عدم سماع القراءة لا عن الاستفتاح بأي سورة.
ثم نقل سؤال قتادة من عدد من المصادر ثم عقبه بقوله فوضح بذلك أن سؤال قتادة
ليس مخالفا لسؤال أبي سلمة..
ثم جمع بين بين الإجابتين عن هذا السؤال بأن سؤال أبي سلمة كان متقدما وفي حال
نسيان أنس، وسؤال قتادة كان متأخرا، وفي حال كان فيها متذكرا فأجابه بأنه لم
يسمع قراءة بسم الله الرحمن الرحيم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا منأحد
من الخلفاء في حال الصلاة.
(53) النكتة الثامنة (762):
تضمنت اعتراضا على دعوى العراقي أن جواب أنس حين سئل عن قراءة النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم أن ذلك يشمل حال الصلاة
وخارجها...
(1/168)
قال الحافظ: "فيه نظر؛ لأن الأعم لا دلالة له على الأخص والمراد أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - كان حيث يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد
الرحمن ويمد الرحيم فأين له من هذه الأحاديث أنه كان يجهر بها في الصلاة".
(54) 9- النكتة التاسعة (ص764):
فيها تعقب على العراقي حيث ساق حديث قتادة عن أنس "كانوا يفتتحون القراءة
بالحمد لله رب العالمين" ثم حكى عن الشافعي أنه أوله بمعنى يبدأون بقراءة أم
القرآن قبل ما يقرأ بعدها، ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم. قال
العراقي: "ما أوله به الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني..."
فتعقبه الحافظ بقوله: "لم يبين الشيخ رواية الدارقطني كيف هي؟"وظاهر السياق
يشعر بأنها من رواية قتادة عن أنس - رضي الله عنه - وليس كذلك، فإنها عنده من
رواية الوليد عن الأوزاعي عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه -، وقد
رواها راويها بالمعنى بلا شك، فإن رواية الوليد بلفظ يفتتحون بالحمد لله رب
العالمين، فرواها بعض الرواة بلفظ بدأ بأم القرآن بدل الحمد لله رب العالمين
فلا تنتهض الحجة بذلك.
(55) النكتة العاشرة (ص765):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث قال بعد سياقه لحديث قتادة عن أنس: "فلم أسمع أحدا
منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" قال: "ولا يلزم من نفي السماع نفي الوقوع".
قال الحافظ: "وللمخالف أن يقول: لكن التوفيق بين الروايتين أن يحمل نفيه
للقراءة على عدم سماعه لها، فتلتئم الروايتين في عدم الجهر".
(1/169)
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب
النوع العشرون: معرفة المدرج
هذان النوعان لم ينكت فيهما الحافظ على العراقي.
النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع
وفيه نكتتان على العراقي:
(56) النكتة الأولى (ص840):
تضمنت تعقبا على قول العراقي: "وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم على الحديث
بالوضع بإقرار واضعه لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع فقال – في
الاقتراح -: "هذا كاف برده ليس بقاطع...الخ".
قال الحافظ متعقبا لشيخه ومبينا لمقصود ابن دقيق العيد من كلامه هذا: "كلام ابن
دقيق العيد ظاهر في أنه لم يستشكل الحكم لأن الأحكام لا يشترط فيها القطعيات،
ولم يقل أحد إنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار، وإنما نفى ابن دقيق
العيد القطع بكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه... وثبوت فسقه لا
يمنع العمل بموجب إقراره كالقاتل مثلا إذا اعترف بالقتل عمدا من دون تأويل، فإن
ذلك يوجب فسقه ومع ذلك
(1/170)
فنقتله عملا بموجب إقراره مع احتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الإقرار
بعينه".
(57) 2- النكتة الثانية (ص860):
ضمنت ردا على اعتراض أورده على قول العراقي في شأن حديث ثابت بن موسى: "من كثرت
صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".
قال ابن عدي: "لا يعرف إلا بثابت بن موسى، وسرقه جماعة منه من الضعفاء عبد
الحميد بن بجر وعبد الله بن شبرمة الشريكي".
فادعى المعترض على العراقي بأن عبد الله بن شبرمة الكوفي الفقيه رواه عن شريك
أيضا فيما رواه أبو نعيم في تاريخه، وعبد اله بن شبرمة هو الفقيه الكوفي أحد
الأعلام احتج به مسلم".
قال الحافظ: "وأخطأ هذا المتأخر خطأ فاحشا لا مستند له ولا عذر؛ لأن عبد الله
بن شبرمة المذكور هو الشريكي وهو كوفي أيضا وأما الفقيه فإنه قديم على هذه
الطبقة، ثم ساق كلاما يدعم به ما يقول.
وهنا انتهت تعقبات الحافظ على شيخه العراقي...
وهناك انتقادات للحافظ على علماء آخرين يوردها خلال بحوثه واستطراداته في هذا
الكتاب.
(1/171)
الفصل الثالث: في مناهج الحفاظ الثلاثة ابن حجر وابن الصلاح والعراقي
أ- منهج الحافظ ابن حجر:
1- لقد سلك الحافظ ابن حجر في نكته على كل من الإمام ابن الصلاح والحافظ
العراقي وغيرهما مسلك الناقد البصير الشجاع الصريح في آرائه وتعقباته مع الأدب
والإجلال والتقدير، غير أن الحق أكبر في نظره من الأشخاص، فهو يقول ما يعتقده
أنه الحق حينما ينتقد ويقيم الأدلة على صواب رأيه، وحينما يدافع يقول ما يرى
أنه الحق مع إقامة حججه على ما يرى.
2- ويمتاز الحافظ على كثير من الباحثين والناقدين بتقصي الأقوال في المسائل
المختلف فيها والتوسع في ذلك وإطالة النفس فيه وعرض الأدلة لكل جانب بأسلوب
علمي رصين يروي ظمأ المتعطش للاطلاع.
فمثلا إذا ذكر ابن الصلاح أو العراقي أو غيرهما رأيا أو مثالا لأي نوع من أنواع
الحديث كالمرسل أو الشاذ أو المعل أو المعضل أو المضطرب أو غيرها من أنواع علوم
الحديث، وكان هناك مجال للأخذ والرد والتصحيح والتعليل فإن الحافظ يورد كل
الطرق لذلك الحديث الممثل به ويناقش أسانيده ناقلا أقوال العلماء ومبديا رأيه
في كل طريق وينفذ في الأخير إما إلى الجمع بين تلك الطرق التي استعصى فيها
الجمع على غيره
(1/173)
وإما إلى الترجيح وأحيانا يصل إلى دفع الاضطراب أو نفي الشذوذ والنكارة أو
الضعف إذا حكم غيره على حديث من الأحاديث بشيء من ذلك. ويسوق ما يرى أنه يصلح
للتمثيل.
3- ويمتاز بالإنصاف في ملاحظاته وتعقباته سواء كان ناقدا أو مدافعا، فهناك
علماء تعقبوا ابن الصلاح، وآخرون دافعوا عنه، فينقل الحافظ أقوال المدافعين أو
المتعقبين ويناقشها ثم لا يتردد في إعلان رأيه بالصواب سواء في هذا الجانب أو
ذاك.
4- يمتاز الحافظ بالاستقراء التام والتتبع الوافر للمسائل والقضايا التي يريد
أن يعطي فيها أحكاما، فيصل فيها بتوفيق الله إلى نتائج حاسمة، ربما خاض غيره في
تلك القضايا ولم يحالفه التوفيق، فمن تلكم القضايا الأحاديث المعلقة في صحيح
البخاري وشرط مسلم في صحيحه، وهل استوفى روايات الطبقات الثلاث التي ذكرها في
مقدمته. وشرط أبي داود في سننه، وما يسكت عنه في سننه، هل يصلح للاحتجاج أو
الاستشهاد، وأقسام هذا النوع الذي يسكت عنه. وما يحسنه الترمذي فقط أو يقول فيه
حسن صحيح، وشرط النسائي، وهل هو متشدد أو متساهل؟ ومتى يترك وكيف يترك الرواية
عن الرجل؟ وشرط ابن ماجة ومكانته، وشرط الحاكم في المستدرك، وهل فيه أحاديث على
شرط الشيخين؟ وتقييم أحاديثه وتقسيمها والمستخرجات وأحكامها وفوائدها،
والمسانيد ودرجاتها، كل هذه الأمور خاض فيها العلماء وأبدوا فيها آراءهم، فمنهم
من يبعد النجعة، ومنهم منن يقارب الحقيقة ويحوم حولها ولا يبديها واضحة، فيأتي
الحافظ ويكشف عن الحقيقة كشفا كاملا، ويعطي كل موضوع حقه من التوضيح والتفصيل
القائمين على الدراسة المستوعبة والاستقراء الكامل، مما يجعل القارئ يرى الصواب
أمام عينيه ويلمس الحقيقة بيديه.
(1/174)
5-
ومن منهجه الرجوع إلى المصادر الأصلية والأخذ منها مباشرة والعزو إليها غالبا
والتنصيص على الأبواب أحيانا، في تلك الكتب التي ينقل عنها، ولا ينقل النص من
كتاب تأخر زمانه إذا كان في كتاب متقدم. ويحاسب غيره إذا خرج عن هذا السنن،
حاسب على ذلك الحافظ ابن الصلاح حينما نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل
على قبول الإسناد المعنعن فقال الحافظ ناقدا له: "إنما أخذه الداني من كلام
الحاكم، ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى، لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في
علومه، وابن الصلاح كثير النقل من كتابه"، فكيف نزل عنه إلى النقل عن الداني.
وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر.
وحاسب على ذلك شيخه العراقي حيث عزا إحدى الروايات المتعلقة بالبسملة إلى ابن
عبد البر فتعقبه الحافظ قائلا:
"رواها أبو عوانة في صحيحه وأبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار، وأبو بكر
الجوزقي في المتفق، فعزوها إلى رواية أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر
لتأخر زمانه".
والحق يقال: "إن هذا المنهج وهو منهج عزو الأقوال إلى قائليها والنصوص إلى
مصادرها خصوصا الأصلية منها وتقديم أهل الاختصاص على غيرهم هو منهج علماء الأمة
الإسلامية، وهم أساتذة الدنيا في هذا الميدان، خصوصا علماء الحديث وعليهم تتلمذ
وتتطفل أهل الغرب والشرق من الكتاب والمؤلفين من غير المسلمين، فإذا اعتقد أحد
أن هذا ما أسدته إلينا الحضارة الغربية، وأن المستشرقين المبشرين هم الذين
علمونا هذا الأسلوب في دقة النقل فإنما أتي من جهله بالتراث الإسلامي وتأريخ
أسلافه العظماء. ولو وجدت المطابع في عهدهم لكانوا أسبق الناس إلى الإشارة إلى
الأجزاء والصفحات من الكتب التي ينقلون منها النصوص".
(1/175)
والحاصل أن الحافظ لم ينتقد هذين الشيخين في هذا التصرف إلا لأنهما خرجا عن
المألوف وعن منهج معروف أخذه اللاحق من علماء المسلمين عن السابق، وهذه
مؤلفاتهم أكبر شاهد على ذلك وإن كانوا يتفاوتون في دقة الالتزام في ذلك،
والحافظ من أكثرهم التزاما به، وقد يكون في علماء المسلمين من يفوق الحافظ في
ذلك كأبي الحجاج المزي في أطرافه.
6- يمتاز الحافظ بضبطه للتعاريف وتحريرها تحريرا دقيقا بحيث يطمئن إلى سلامتها
من الإيرادات والانتقادات التي اعتاد العلماء توجيهها إلى التعاريف والحدود.
7- الدقة في التعبير عن المعاني؛ فإذا كان في عبارة غير غموض أو قصور قال
الحافظ: إذا كان يريد كذا فحق التعبير أن يكون كذا وكذا.
8- ومن عادة الحافظ الاستفادة من مصنفاته، فينقل من مصنف إلى مصنف عند المناسبة
ما يرى أن المقام يتطلبه وما يرى أنه يفيد القارئ، فنقل في كتابه هذا كثيرا من
مؤلفاته كفتح الباري وتغليق التعليق وتهذيب التهذيب. وإذا كان البحث طويلا
لخصه، وإذا كان الكتاب صغيرا ذكر خلاصته ككتاب ترتيب المدرج. كما نقل من كتابه
هذا وأحال عليه في فتح الباري في عدد من المواضع، وذكره وأحال عليه في كتابه
نزهة النظر.
وأخيرا فابن حجر باحث عظيم وجولاته الواسعة في هذا الكتاب وفي مؤلفاته الكثيرة
الخصبة تشهد له وتدل على سعة أفقه وسعة اطلاعه وعبقريته.
ب- منهج ابن الصلاح:
أترك المجال هنا للأستاذ نور الدين العتر ليتحدث عن منهج ابن الصلاح حيث يقول:
"وامتاز في منهجه - يعني ابن الصلاح - على ما سبقه من التصانيف بمزايا جعلته
عمدة هذا الفن نذكر منها:
(1/176)
1-
الاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من النصوص والروايات المنقولة عن
أئمة الحديث في مسائل علوم الحديث، والاكتفاء بذكر حاصلها، ولم يذكر من تلك
الأخبار غلا القدر المناسب للمقام.
2- ضبط التعاريف التي سبق بها، ووضع تعاريف لم يصرح بها من قبله.
3- تهذيب عبارات السابقين والتنبيه على مواضع الاعتراض فيها.
4- التعقب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاده، ويصدر ذلك عادة بـ (قلت)
ويشعر القارئ الكتاب أن مصنفه قد رصد مسائل العلم بدقة تحقيقا جعل شخصيته تطغى
على كل ما سبق؛ إذ لا يكاد يمر بصفحة إلا ويجد للمؤلف كلاما واجتهادا يبدؤه
بعبارة قلت.
ويلاحظ أن التواضع والاحتياط غلب عليه رحمه الله، فختم كل فقرة من كتابه بقوله
- والله أعلم –"1.
ج- أما العراقي فنتركه ليحدثنا عن عمله في نكته على ابن الصلاح:
قال رحمه الله: "وبعد فإن أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم
الحديث لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت
طوعا، إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه، وأماكن أخر تحتاج على تقييد وتنبيه،
فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه، وتفتح مغلقه، وقد أورد عليه غير واحد من
المتأخرين إيرادات ليست بصحيحة، فأردت أن أذكرها وأبين تصويب كلام الشيخ
وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم، وينفق من مزجى البضاعات ما
لا يصلح للسوم" فعمله يتمثل في امرين:
__________
1 ص29- 30 من المدخل إلى علوم الحديث للعتر.
(1/177)
1-
في شرحه لكثير من كلام ابن الصلاح.
2- في الدفاع عنه وترجيح كلامه، وهذا هو غالب عمله.
وغلى جانب هذا له انتقادات وتعقبات على ابن الصلاح وإضافات تكميلية لبعض البحوث
التي رأى العراقي أن المقام يقتضيها.
رحم الله الجميع وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرا.
(1/178)
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ
...
الفصل الرابع: في تعقيباتي على الحافظ
هناك مناقشات وتعقبات يسيرة على الحافظ ابن حجر لاحظتها خلال عملي ودراستي
لكتابه النكت، رأيت أن أقدم بعضها للقارئ، وإن كنت وأمثالي في بادئ الرأي في
مستوى لا يؤهل لتعقب أمثاله، ولكن الإسلام الذي يقدس الحق ويعلي شأنه ويرفعه
فوق كل الاعتبارات، وتاريخنا الإسلامي حافل بمناقشات الصغار للكبار ولفت
أنظارهم إلى الصواب وإذعان الكبار للحق ورجوعهم عما كانوا عليه، ومنهج أهل
الحديث في نقد اللاحق للسابق، بل لماذا أذهب بعيدا ولدينا الحافظ ابن حجر وكتبه
حافلة بالنقد ومنها كتابه هذا.
كل ذلك شجعني أن أقدم للقراء الكرام بعض هذه الملاحظات في حدود إدراكي، ولا
أدعي أني على الصواب فيها بل أرجو ممن يقف عليها ويتبين له فيها أو بعضها خطأ
أن يبين لي وجه الصواب، فمن تلكم التعقبات:
أنه في كثير من المواضع التي ينكت فيها على ابن الصلاح والعراقي يأتي إلى كلام
مترابط فيأخذ قطعة منه ويقول: قوله كذا ويكون فهم المراد منها متوقفا على ما
قبلها أو على ما بعدها وهذا التصرف من الحافظ لا يصلح إلا إذا كان كتابه هذا
هامش على الكتابين لكي يرجع القارئ عند الحاجة والاستشكال إلى الأصل عن كثب.
لكن الحافظ - رحمه الله - قد فصل كتابه عن أصليه وجعله كتابا مستقلا ومن هنا
نشأت الإشكالات.
(1/179)
لذا اضطررت إلى أن أسوق ما يتوقف عليه فهم الكلام من كلام ابن الصلاح والعراقي،
سواء كان ذلك الكلام سابقا أو لاحقا حتى يفهم القارئ كل مواضع النقد، ومواضع
الأخذ والرد.
وكان عمل العراقي أفضل وأسلم من هذه الناحية، وكتابه يصلح أن يكون مستقلا عن
أصله (كتاب ابن الصلاح) وذلك أنه يسوق النص الذي يريده كاملا ثم يبدي ما يراه
من تعقب أو دفاع.
هذا ما رأيته فيما يتعلق بوضع الكتاب وتأليفه بصفة عامة وهناك تعقبات تتعلق
بمسائل الكتاب، فمنها:
1-قال الحافظ - رحمه الله - في خلال كلامه على مفردات مقدمة كتاب ابن الصلاح
متعقبا عليه: "ولم أر في جمع رذل رذالة، وإنما ذكروا أرذال ورذول ورذلاء
وأرذلون ورذال".
ولكني وجدت في لسان العرب 1/ 1158 وفي القاموس المحيط 3/ 384 "وهم رذالة الناس
ورذالتهم" فابن الصلاح إذن كان على الصواب.
2- قال الحافظ قوله ص: "وسفلتهم - بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام - وزن فرحة
جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء - وفيه نظر فإن في القاموس 3/396 وفي لسان
العرب 2/159 وسفلة الناس وكفرحة أسلافهم وغوغائهم". فأنت ترى أنهما اعتبرا
اللفظين بمعنى واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا، واعتبرهما في أساس البلاغة
ص299 جمعا لسفيل كعلية جمع لعلي.
3- قال الحافظ في التنبيه الأول التابع للنكتة السابعة عشرة: مراده (يعني ابن
الصلاح) بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره
الشافعي، لا مطلق تفرد الثقة كما فسره الخليلي.
وفيه أمران:
الأول: أن ابن الصلاح ذكر أن الشاذ المردود قسمان:
(1/180)
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه
التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.
الثاني: أن الخليلي لم يفسر الشاذ بمطلق تفرد الثقة وإنما هذا تفسير الحاكم
للشاذ. أما الخليلي فقال: "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد
واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة. فما كان غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما
كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" ولعل الحافظ أراد مطلق التفرد.
4- ذكر الحافظ مثالا للتعليق الممرض الذي يصح إسناده ولا يبلغ شرط البخاري
لكونه لم يخرج لبعض رجاله.
والمثال هو: قال البخاري: ويذكر عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: قرأ
النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون،
أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع.
(قال الحافظ هو حديث صحيح رواه مسلم وذكر إسناده).
ثم قال الحافظ: "ولم يخرج البخاري بهذا الإسناد شيئا سوى ما لم يبلغ شرطه لكونه
معللا".
ثم إن ما أشار إليه الحافظ هنا من كونه معللا قد بينه في الفتح 2/256 بقوله:
"واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد
الله بن السائب أخرجه ابن ماجة. وقال أبو عاصم النبيل عنه - يعني ابن جريج - عن
محمد بن عباد عن أبي سلمة ابن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة. وكان البخاري علقه
بصيغة "ويذكر لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم به الحجة".
أقول: "الظاهر أن البخاري ما علق هذا الحديث إلا لأنه ليس
(1/181)
على شرطه لكونه لم يخرج لبعض رجاله كأبي سلمة ابن سفيان، لا من أجل الاختلاف
على ابن جريج؛ لأن الاختلاف ليس محصورا بين ابن عيينة وأبي عاصم كما صوره
الحافظ إذ قد وافق أبا عاصم ثلاثة من الأئمة الحفاظ" وهم:
1- خالد بن الحارث ثقة ثبت روايته في س.
2- وحجاج بن محمد المصيصي ثقة ثبت وروايته في حم.
3- وعبد الرزاق في مصنفه.
فهؤلاء الربعة من الأئمة الحفاظ خلفوا ابن عيينة وإن كان إماما حافظا لكن
مخالفته لكثرة من الحفاظ تجعل روايته شاذة كما هو معلوم من علوم الحديث من أن
الشاذ هو أن يخلف الثقة من هو أوثق منه أو أكثر، وإذا - والله أعلم - إنه ليس
سبب تعليق البخاري لهذا الحديث هو الاختلاف على ابن جريج، وإنما هو قصور بعض
رجال الإسناد عن شرطه، إذ لو كان الإسناد كله على شرطه لما صده هذا الاختلاف
إخراجه من الجانب الراجح عن أبي عاصم أو حجاج أو غيرهما؛ لأنه قد خرج أحاديث في
صحيحه مع وجود الاختلاف في أسانيدها، وقد يكون الاختلاف فيها شديدا كحديث أبي
إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال:
"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة..." الحديث في خ رقم 156 مع
الاختلاف الشديد فيه أخرجه من الطريق الراجحة في نظره وله نظائر.
5- قال الحافظ: "سمى الدمياطي ما علقه البخاري عن شيوخه حوالة، فقال في كلامه
على حديث أبي أيوب في الذكر:
أخرجه البخاري حوالة فقال: قال موسى بن إسماعيل:
ثنا وهيب عن داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب وفيما قاله الحافظ
نظر، لأن الدمياطي إنما سماه حوالة لأن البخاري ذكره أولا من حديث
(1/182)
أبي هريرة، ثم عقبه بأسانيد مرجعها أبو أيوب، ولم يذكر متن تلك الأسانيد إلى
أبي أيوب ركونا إلى ما سبق ذكره عن أبي هريرة، فهو حوالة حقيقية وعلى هذا
الأساس سماه الدمياطي حوالة، لا لأنه جاء معلقا.
6- ذكر العراقي: أن الأحاديث المعلقة في (صحيح مسلم) تبلغ أربعة عشر.
فتعقبه الحافظ بأنها لا تبلغ إلا ثلاثة عشر، بل الواقع أنها اثنتا عشر، وأن
الذي أوقع العراقي في الوهم في عدد هذه الأحاديث متابعته للجياني والمازري،
وذلك أن الجياني ذكر أنها أربعة عشر، ولكن لما سردها أورد منها حديثا مكررا وهو
حديث ابن عمر: "أرأيتكم ليلتكم هذه" ثم عد الحافظ الأحاديث المذكورة ووقع في
وهمين:
الأول: أنه أسقط حديث ابن عمر سهوا فلم يعده في هذه الأحاديث.
والثاني: أنه كرر واحدا من هذه الأحاديث التي عدها وهو حديث أبي هريرة رضي الله
عنه في قصة ماعز في اعترافه بالزنا، فعلى هذا ما عده الحافظ لا يزيد على أحد
عشر موضعا، ولا يبلغ اثني عشر إلا بحديث ابن عمر الذي كرره غيره وأسقطه هو
سهوا.
7- ذكر الحافظ أن الأحاديث المنتقدة من الصحيحين يتعين استثناؤها ما تلقته
الأمة بالقبول المفيد للعلم النظري. وفيما قاله نظر، والصواب في نظري فيه
التفصيل، فإذا كان الحديث المنتقد من الكتابين ليس له إلا إسناد واحد، وتوجه
إليه النقد، فإنه والحالة هذه يستثنى مما تلقي بالقبول ولا يفيد العلم النظري،
وإن كان له طريق أو طرق أخرى في الصحيحين أو أحدهما وسلمت من الانتقاد فإنه
والحالة هذه داخل فيما تلقي بالقبول والعلم النظري حاصل به كسائر أحاديث
الصحيحين المتلقاة بقبول سواء بسواء.
(1/183)
8-
ذكر الحافظ أمثلة لما يصفه الترمذي بالحسن وهو حديث المستور والضعيف بسبب سوء
الحفظ، والموصوف بالغلط والخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن،
وما في إسناده انقطاع خفيف قال: فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة
وهي:
1- أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب.
2- وأن لا يكون الإسناد شاذا.
3- وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا.
وقد درست هذه الأمثلة التي مثل بها الحافظ فوجدت فيها مجالا للنظر، ولا يصح أن
يؤخذ منها قاعدة في اصطلاح الترمذي في هذا اللفظ، وذلك أن من هذه الأمثلة ما
قال فيه الحافظ إن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه فوجدت أن الترمذي
وصفه بأنه حسن صحيح واتفقت فيه كل النسخ الموجودة لجامع الترمذي.
ومنها: ما قال الحافظ أن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه، فوجدت - أيضا
- أن الترمذي قد وصفه بأنه حسن صحيح في معظم النسخ وفي بعضها موجود وصف الحسن
فقط، ولكن الأدلة قائمة على أن الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث إنما هو حسن صحيح.
من تلك الأدلة أن يكون الحديث خرجه مسلم في صحيحه، ويكون الترمذي قد أورده في
موضع آخر من جامعه وقال إنه حديث صحيح.
ومنها: ما قال الحافظ: "أن الترمذي وصفه بالحسن ثم وجدت أن نسخ الترمذي قد
اختلفت فيه..."
فمنها:ما فيه حسن وغريب ومنها: ما فيه غريب فقط، ومع أن كلا من الحكمين مخالف
لما قاله الحافظ فإن الذي يترجح إنما هو الحكم عليه بأنه غريب، وذلك بأن يكون
الحافظ نفسه قد حكم عليه في موضع آخر بأنه غريب ثم
(1/184)
يشاركه غيره من العلماء في هذا الحكم على الحديث، وللتأكيد واستيفاء البحث في
هذا الموضوع يرجع إلى ما علقته على هذه الأمثلة في موضعه من الرسالة. من ص183-
197.
9- ذكر الحافظ مثالا للحسن لذاته وهو حديث أبي بكرة في توقيت المسح على الخفين
رواه ابن ماجة من طريق المهاجر أبي مخلد، وقد قال فيه في التقريب: مقبول، وقد
قرر في التقريب أن من يصفه بهذا اللفظ فذلك حيث يتابع وإلا فهو لين. ومن هذا
حاله فبالمتابعة يكون حديثه حسنا لغيره لا لذاته.
10- دافع الحافظ ابن حجر عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "... سدوا الأبواب
إلا باب علي" الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأورد له شواهد تؤيده في نظره،
ورد على ابن الجوزي الذي أوردها في (الموضوعات) ثم قال في النهاية: "وإذا تقرر
ذلك فهذا هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي سعيد لا
يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر" المخرج في الصحيحين ممنوعة.
وبيانه أن الجمع ممكن لأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد بينا سببه (يعني أنه
ليس له طريق غيره) والأخر فيما يتعلق بالخوخ ولا سبب له إلا الاختصاص المحض،
فلا تعارض ولا وضع، ولو فتح الناس هذا الباب لرد الأحاديث لادعي في كثير من
أحاديث الصحيحين البطلان، ولكن يأبى الله تعالى ذلك والمؤمنون.
فتعقبت الحافظ بقولي: "إن نقض هذه الأحاديث ليس قائما على دعوى التعارض فحسب بل
هو قائم على مطاعن وقوادح في الرواة الذين جاءت هذه الأحاديث عن طريقهم فهم
رواة قد أنهكهم التشيع الغالي ففضحهم، وكشف عوراتهم لا يضر بأحاديث الصحيحين لا
من قريب ولا من بعيد وهذا العمل إنما هو من باب النصيحة في الدين والقيام
بالواجب وعلي رضي الله عنه قد ثبت له من الفضائل والمناقب ما يغنيه عن مثل هذه
الأحاديث الواهية. ثم عن الجمع الذي رآه الحافظ غير سليم لأن الأحاديث التي دار
الكلام حولها إنما هي إثبات خصوصية لعلي رضي الله عنه، انظر الحديث المنسوب إلى
(1/185)
ابن عمر رضي الله عنه" حيث يقول فيه: "ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن
يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم..." وإحداهن سد الأبواب إلا بابه ألا
ترى الخصوصية فيها واضحة وقد خرجت في خصائص علي ومناقبه.
11- ذكر الحافظ عن شيخه العراقي أن البيهقي يجعل ما رواه التابعي عن رجل من
الصحابة لم يسم مرسلا. فأقر الحافظ قول شيخه وضرب لذلك مثالا من تصرف البيهقي
حيث قال في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم هذا حديث مرسل.
قال الحافظ: "... لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك، ولو كان له علة غير هذه
لبينها لأنه في مقام البيان".
أقول أن البيهقي قد علله بعلتين أخريين:
1- بمخالفته للأحاديث الثابتة.
2- وبكون داود الأودي أحد رجال إسناد هذا الحديث لم يحتج به الشيخان.
12- حكم الحافظ على رواية النعمان بن عبد السلام لحديث لا نكاح إلا بولي موصولا
بالشذوذ لأنه في نظره خالف الثقات الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان وفي حكمه هذا
نظر. فإن الحاكم روى هذا الحديث في المستدرك من طريق النعمان وقال عقبه: "قد
جمع النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث ووصله عنهما.
وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة وعن شعبة على حدة فوصلوه، وكل ذلك
مخرج في الباب الذي سمعه مني أصحابي..." وأقره الذهبي.
13- قال الحافظ: "روينا من طريق يحيى القطان عنه - يعني
(1/186)
شعبة - أنه كان يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته، وإذا
قال عن فلان تركته، رويناه في المعرفة للبيهقي".
فرجعت إلى كتاب المعرفة للبيهقي فإذا بالبيهقي يروي هذا الكلام بدون إسناد، ثم
رجعت على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فإذا به يرويه في ثلاثة مواضع من كتابه
كلها من طريق عبد الرحمن بن المهدي عن شعبة، ولم أجده من رواية يحيى القطان عن
شعبة ولعل ذكر يحيى القطان سبق قلم من الحافظ.
14- رتب الحافظ المدلسين في كتابه النكت على طبقات بناء على قواعد تتفق مع
القواعد التي وضعها لكتابه طبقات المدلسين، لكنه عندما وزع أسماءهم وقع في
الوهم في نظري في أمرين:
أ- وذلك أنه لما ذكر أهل المرتبة الثالثة في كتاب النكت وعددهم خمسة وثلاثون
رجلا وقع في شيء من المخالفة لما في كتابه الطبقات حيث أوردهم من طبقات مختلفة
فبعضهم من الثالثة، نفسها وبعضهم من الرابعة، وبعضهم من الثانية، وبعضهم من
الخامسة.
ب- أفرد الحافظ المدلسين من رجال الصحيحين في ثلاث مراتب سواء أخرج لهم الشيخان
أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا، وفاته ثلاثة منهم فلم يذكرهم في هذه
المراتب الخاصة بهم بل ذكرهم في غيرها وهم:
( أ ) شباك الضبي/ م د س ق.
(ب) الحسن بن عمارة/ خت ت ق.
(ج) يزيد بن أبي زياد/ م.
15- ذكر الحافظ اختلاف العلماء وآراءهم في تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف،
ثم اختار أن اختلافهم إنما يجري فيما إذا كان للمتن إسناد واحد أما إذا كان
للمتن إسنادان فلا يجري، فيه هذا الخلاف، وضرب لذلك مثلا وهو أن البخاري روى في
صحيحه من طريق ابن جريج عن موسى بن
(1/187)
عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا
اختلطوا فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس..." الحديث وعن ابن جريج عن ابن كثير
عن مجاهد موقوفا.
وقال: فلم يتعارض الوقف هنا والرفع لاختلاف الإسنادين فتعقبته بأن البخاري لم
يرو مسندا إلا حديث ابن عمر.
وأما أثر مجاهد فلم يروه البخاري بالإسناد الذي ذكره الحافظ.
وقال الحافظ نفسه في الفتح 2/432 في الكلام على حديث ابن عمر: "هكذا أورده
البخاري مختصرا، وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه
فأشكل الأمر فيه...".
ثم ذكر أن الإسماعيلي قد أخرج أثر مجاهد الموقوف.
16- ذكر الحافظ في النكت حديث الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
رضي الله عنهما: "الشهر تسع وعشرون" وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
قال الحافظ: "أشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك، فنظرنا
فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي
حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما فساقه باللفظ الذي
ذكره الشافعي سواء، فهذه متابعة تامة للشافعي، والعجب من البيهقي كيف خفيت
عليه.
أقول إن تعجب الحافظ في غير محله، ولم تخف هذه المتابعة على البيهقي بل عرفها
ورواها في سننه الكبرى 4/204- 206.
فقال بعد أن روى الحديث المذكور من طرق مدارها على نافع وسالم: "ورواه البخاري
في الصحيح عن القعنبي عن مالك إلا أنه قال: "فأكملوا العدة ثلاثين".
(1/188)
ثم
رواه من طريق الشافعي عن مالك به، وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
ثم قال: "ورواية الجماعة عن مالك على اللفظ الأول - يعني: (فاقدروا له) - ثم
قال: "وإن كانت رواية الشافعي والقعنبي من جهة البخاري محفوظة فيحتمل أن يكون
مالك رواه على اللفظين جميعا".
ومن هنا يظهر لنا أن رواية القعنبي في البخاري لم تخف على البيهقي ولا سيما وقد
ساق لروايتي الشافعي والقعنبي متابعات وشواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس
وجابر وأبي بكر وعائشة.
17- ذكر الحافظ مثالا للحديث الضعيف الذي يتكلم عليه أبو داود خارج السنن ويسكت
عليه فيها بحديث نافع عن ابن عمر في الرجل الذي سلَّم على النبي صلى الله عليه
وسلم فلم يرد عليه حتى تيمم والواقع أن أبا داود تكلم عليه في السنن.
قال أبو داود: سمعت أحمد ابن حنبل يقول روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم
وقال ابن داسة قال أبو داود لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن
النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر انظر د: 1- كتاب الطهارة...حديث
330.
18- نقل الحافظ عن المنذري اختلاف العلماء في قول الصحابي (كما يقال: كذا) وأن
الجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعا. ثم
قال الحافظ: ومما يؤيد أن حكها الرفع مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن
بن عوف رضي الله عنه قال: "كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر"
فإن ابن ماجه رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - والله أعلم".
(1/189)
فرجعت إلى الحديث في النسائي وابن ماجه فوجدت أن مداره على الزهري، وقد اختلف
عليه ابن أبي ذئب وأسامة بن زيد، أما ابن أبي ذئب فرواه عن الزهري عن أبي سلمة
ثم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيهما عبد الرحمن بن عوف موقوفا عليه من قوله.
وأما أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي رواية ابن ماجه، وأسامة بن زيد متفق على ضعفه
وقد خالف ابن أبي ذئب وهو ثقة ضابط، فرواية أسامة على هذا تعتبر منكرة ومنه
يتضح أن الرفع في روايته لم يأت بناء على هذه الصيغة (كان يقال كذا) من صيغ
الرفع كما فهم الحافظ وإنما سبب ذلك وهم وخطأ أسامة بن زيد حيث رفع رواية
المحفوظ فيها عن الزهري الوقف على عبد الرحمن بن عوف ثم إنها بعد هذا لا تصلح
لأن يحتج بها ولو سلمت من هذه العلة؛ لأنها رواية منقطعة لأن أبا سلمة بن عبد
الرحمن لم يدرك أباه، والعجب كيف غاب كل هذا عن ذهن الحافظ وهو يقرر هذه
القاعدة.
وهناك مناقشات أخر كتضعيف حديث حسنه أو تحسين حديث صححه وغير ذلك من المناقشات
مما يراه القارئ في التعليقات على نص الكتاب.
(1/190)