المنتظم

الجزء الثالث
باب ذكر ما جرى في سني الهجرة
ذكر ما جرى في
السنة الأولى من الهجرة
هي سنة أربع عشرة من البعثة، وهي سنة أربع وثلاثين من ملك كسرى أبرويز، وسنة تسع لهرقل.
وأول هذه السنة المحرم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيماً في المحرم بمكة لم يخرج منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا إرسالاً في المحرم وقد كان جماعة خرجوا في ذي الحجة وصدروا المشركين يحتسبون بالاهتمام بأمره والتحيل له، فاجتمعوا في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها - يتشاورون ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه.


قال ابن إسحاق: فحدثني ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما اجتمعوا لذلك واتعَدوا أن يدخلوا دار الندوة يتشاورون فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ غَدوا في اليوم الذي اتعدوا له، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فوقف على باب الدار، فلما رأوه قالوا: مَن الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجدٍ سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يُعْدمكم منه رأي ونصح. قالوا: ادخل.
فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش كلهم من كل قبيلة، من بني عبد شمس: عُتْبة، وشَيْبة ابنا ربيعة. ومن بني أمية: أبو سفيان بن حرب. ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجُبير بن مُطعم، والحارث بن عامر بن نوفل. ومن بني عبد الدار وقصي: النضر بن الحارث بن كلدة. ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البَخْتري بن هشام، وزَمْعة بن الأسود، وحكيم بن حزام. ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام ومن بني سهم، نبيه ومنبه ابنا الحجاج. ومن بني جُمح: أمية بن خلف. ومن كان معهم، ومن غيرهم ممن لا يُعَدُ من قريش.
فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد كان نأمَنهُ على الوثوب علينا فيمَنْ قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأياً.
فقال قائل منهم: احبسوه في الحديد، واغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهَه من الشعراء الذين قبله: كزهَير، والنابغة، من الموت.
فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، والله لو حبستموه لخرج أمره من وراء الباب إلى أصحابه، فوثبوا عليكم، فانتزعوه من بين أيديكم.
فقال قائل: نخرجه من بين أظهرنا، فننفيه من بلدنا.
فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حُسْنَ حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ واللّه لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل بحي من أحياء العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يَطأكم بهم في بلادكم.
فقال أبو جهل: والله إن لي فيه لرأياً ما أراكم وقعتم عليه.
قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً وسيطاً فيكم، ثم يُعطى كل فتى منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدون إليه فيضربونه ضربة رَجلٍ واحدٍ ، فيقتلونه، فنستريح، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دَمُهُ في القبائل كلها، فلم يقدر بنو عبد منافٍ على حرب قومهم جميعاً، ورضوا منا بالعَقْل فعقلناه لهم.
فقال الشيخ النجدي: القول ما قال هذا الرجل، هذا الرأي لا أرى لكم غيره.
فتفرق القوم على ذلك وهم مجتمعون له، فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. فلمَا كانت العَتْمة، اجتمعوا على بابه ثم ترصَدوه متى ينام فيثبون عليه: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، " نمْ على فراشي وتَسج بِبُرْدي الحضرمي الأخضر فَنَمْ فيه، فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه منهم " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في بُرده ذلك إذا نام.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قالَ: أخبرنا أبو بكر بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرني عثمان الجزري: أن مِقْسماً مولى ابن عباس أخبره، عن ابن عباس: في قوله تعالى: " وَإِذْ يمكُرُ بِكَ الذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ " .
قال: تَشَاورتْ قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فاثبِتُوه بالوَثَاق يريدون رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبات علي رضي اللهّ عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغارة فبات المشركون يحرسُون علياً، يحسبونه النبي عليه السلام، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فاقتصوا أثره.


وقال محمد بن كعب القرظي : اجتمعوا على بابه، فقالوا: إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتُم بعد موتكم، فجُعل لكم جنانٌ كجنان الأرض، فإن لم تفعلوا ذلك كان لكم فيه، ذبح، ثم بُعثتم بعد موتكم، فجعلت لكم نارٌ تُحرقون فيها.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حَفْنة من تراب، ثم قال: " نعم أنا أقول ذلك " فنثر التراب على رؤوسهم، ولم يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: يس إلى قوله: " وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ " . ثم انصرف إلى حيث أراد، فأتاهم آتٍ ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا؟ قالوا: محمداً. قال: لقد واللّه خرج عليكم محمد ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته. فوضع كلّ رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فَيَروْن علياً رضي الله عنه، على الفراش متسجيًّا بِبُرْدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: " إن هذا لمحمد نائم عليه بُرده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن الفراش، فقالوا: واللّه لقد صدقنا الذي كان حدثنا.
وروى الواقدي عن أشياخه: أن الذين كانوا ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من المشركين: أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي مُعيط، والنضر بن الحارث، وأميّة بن خلف، وابن العيطلة، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عديّ، وأبو لهب، وأبيّ بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج.
فلما أصبحوا قام علي رضي الله عنه عن الفراش، فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لاعلم لي به.
وحكى جرير أنهم ضربوا علياً وحبسوه ساعة، ثم تركوه.
ذكر صفة خروج رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي اللّه عنه إلى الغار.
أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا ابن المظفر الداوودي قال: أخبرنا ابن أعين قال: حدثنا الفربري قال: أخبرنا البخاري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر قال: أخبرنا الليث، عن عُقيل قال: قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن، عائشة رضي الله عنها قالت: بينا نحن جلوس في بيت أبي بكر في نَحْرِ الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً متقنعاً في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداءٌ له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمْرٌ .
قالت: فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأْذَن، فَأذِنَ له، فَدَخَلَ فقال لأبي بكر: اخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. فقال أبو بكر: إنما هم أهْلُكَ بأبي أنت يا رسول الله. قال: " فإني قد أذِنَ لي في الخروج " قال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله. قال: نعم قال: فَخُذْ إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بالثمَن " . قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، ووضعنا لهما سُفرة من جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، ثم ربطت به فم الجًراب - ولذلك سميت ذات النطاقين - قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثَقِفٌ لقِن - فيَدلج من عندهما بِسَحَرٍ، فيصبح مع قريش كبائتٍ، فلا يسمع أمر يُكادُ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فَهَيْرة مولى أبي بكر مِنْحَة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسْلٍ - وهو لبنُ منحتهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بِغَلسٍ، يفعل هذا كل يوم وليلة من الليالي الثلاث.
واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل، وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وَوَاعده غار ثور بعد ثلاث ليالٍ براحلتيهما.
قال مؤلف الكتاب: وقد روينا عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أبا بكر لما أراد الخروج، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غارٍ في جبل ثور.
وروى الواقدي عن أشياخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمنزل أبي بكر إلى الليل، ثم خرجا إلى الغار، وكان خروجهما وقد بقي من صفر ثلاث ليالٍ.


قالت أسماء بنت أبي بكر: لما خرجا أتانا نفر من قريش منهم أبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: أين أبوك؟ فقلت: لا أدري واللّه أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشاً - فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثت يعقوب قال: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير: أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر مالَه كله معه - خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم - وانطلق بها معه.
قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: إني واللّه لأراه قد فجعكمِ بماله مع نفسِهِ. قالت: قلت: كلا إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً. قالت: فأخذت أحجاراً فوضعتها في كوٌة في البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: أيا أبت ضَعْ يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن كان تَرك لكم هذا فقد أحْسَن، وفي هذا لكم بلاغ. قالت: لا واللّه ما ترك لنا شيئاً، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
ذكر إقامتهما في الغار وما جرى لهما فيه أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عفان قال: أخبرنا هَمًام، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس: أن أبا بكرٍ حدثه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. قال: " أيا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ؟.
أخرجاه في الصحيحين.
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي قالا: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن العباس بن أيوب قال: أخبرنا أحمد بن محمد المؤدب قال: حدثنا أبو معاوية قال: أخبرنا هلال بن عبد الرحمن قال: أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس قال: لما كان ليلة الغار قال أبو بكر: يا رسول الله، دعني لأدخل قبلك. قال: " ادخل " .
فدخل أبو بكر، فجعل يلتمس بيديه فكلما رأى جُحراً قال بثوبه فشقه، ثم ألقمه الجُحر، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع. قال: فبقي جحر، فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أين ثوبك يا أبا بكر؟ " فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: " اللهم اجعل أبا بكرٍ معي في درجتي في الجنة " أو قال: " يوم القيامة " فأوحى الله عز وجل إليه أن قد استجاب لك.
وقال الواقدي عن أشياخه: طلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الطلب، حتى انتهت إلى باب الغار، فقال بعضهم: إن عليه عنكبوتاً قبل ميلاد محمدٍ، فانصرفوا.
قالت أسماء بنت أبي بكر: ولم ندر بالحال حتى أقبل رجلٌ من الجن من أسفل مكة، يغني بأبياب من الشعر من غناء العرب، والناس يتبعونه يسمعون صوته وما يَرَوْنه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جَزَى الله رَب الناس خَيْرَ جَزائهِ ... رَفِيقَيْن حلا خَيْمَتَيْ أمَ مَعْبَدِ
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي ذكر الأبيات والقصة إن شاء الله تعالى.
قال أبو الحسن بن البراء : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار ليلة الخميس لغرة شهر ربيع الأول.
ذكر ما جرى في طريقه إلى المدينة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وعامر بن فهيرة ووليهم عبد الله أريقط الليثي، وكان على دين قومه، فأخذ بهم طريق السواحل.
أخبرنا عبد الله بن محمد، أخبرنا أبو الحسن بن علي، أخبرنا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقري قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: اشترى أبو بكر من عازب سرجاً بثلاثة عشر درهماً. قال: فقال: مُر البراء فليحمله إلى منزلي. قال: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت حين، هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه؟


قال فقال أبو بكر: خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فضربت ببصري، هل أرى ظلاً نأوي إليه؟ فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها، فإذا بقيةُ ظلها، فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروْة، وقلت: اضطجع يا رسول الله فاضطجع، ثم خرجت أنظر هل أرى أحداً من الطلب، فإذا براعي غنم فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش. فسماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قال، قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم. قال: فأمرته، فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار، ومعي إداوة على فمها خرقة، فحلب لي كثبة، من اللبن، فصببته على القدح حتى برد أسفَلُهُ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ فقلت: إشرب يا رسول الله. فشرب حتى رضيت، ثم قلت: هل أتى الرحيل؟ فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم إلا سُراقة بن مالك بن جعُشم على فرسٍ له. فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد بلغنا . فقال: " لا تحزن إن اللّه معنا " حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين - أو قال: رمحين أو ثلاثة - قلت: يا رسول الله هذا الطلب قد بلغنا. وبكيت. قال: " لم تبكي؟ " قلت: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك. قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكفنا بما شئت " فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صَلْد، ووثب عنها وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فو الله لأعمينَ على مَنْ ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها سهماً، فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا، فخذ منها حاجتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة لي فيها " ، قال: ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق فرجع إلى أصحابه.
أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا ابن المظفر قال: أخبرنا ابن أعين قال: حدثنا الفربري قال: أخبرنا البخاري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: أخبرنا الليث، عن عقيل، قال ابن شهاب: أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي: أنه سمع سُراقة يقول: جَاءَنا رُسُل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر دِيَة كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي، أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة، إني قد رأيْت آنِفاً أسْوِدة بالساحل، أراها محمداً وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت: إنهم لَيْسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً، انطلقوا بأعيننا.
ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت، فدخلت بيتي، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة، فتحبسها علي، فأخذت رمحي وخرجت به من ظهر البيت، فَخَطَطْتُ بزُجهِ الأرض، وخفضت عالية الرمح، حتى أتيت فرسي فركبتها، فدفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها، الأزلام، فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره ألا أضرهم، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت ولم تكَدْ تُخْرِجُ يديها، فلما استوت قائمةً، إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره؟ فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع. فلم يرزآني ولم يسألاني، إلا أن قالا: أخفِ عنا. فسألته أن يكتب لي كتابَ أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما جرى لهم أنه لقيهم بريدة بن الحُصَيب: أنبأنا زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الحاكم قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن سورة قال: أخبرنا أحمد بن إسماعيل السكري قال: أخبرنا أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن مهران، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه:


أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير وكان يتفاءل، وكانت قريش جعلت مائة من الإبل فيمن يأخذ نبي اللّه فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة، فركب بريدة في سبعين راكباً من أهل بيته من بني سهم فتلقى نبي الله، فقال نبي الله: " من أنت؟ " قال: أنا بريدة. فالتفت إلى أبي بكر الصديق فقال: " يا أبا بكر، بَرَدَ أمرُنا وصلح " ثم قال: " وممن أنت؟ " قال: من بني أسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " سلمنا " قال:، ممن أنت؟ " قال: من بني سهم. قال: " خرج سهمك " . فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أنت؟ قال: " محمد بن عبد اللّه رسول الله " فقال بريدة: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول الله. فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعاً.
فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء. فحل عمامته، ثم شدها في رمح، ثم شدها بين يديه، فقال: يا نبي اللّه، تَنْزل علي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن ناقتي هذه مأمورة " قال بريدة: الحمد للّه الذي أسلمت بنو سَهْم طائعين غير مكرهين.
وقال عروة: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الزبير في ركب كانوا تجاراً قافلين من الشام، فكسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياباً بيضاء.
ومما جرى لهم في الطريق أنهم مروا بخيمتي أم معبد: أخبرنا محمد بن طاهر قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث ابن أبي أسامة قال: حدثت محمد بن سعد قال: حدثني محمد بن سعد وغيره، قالوا: أخبرنا بشير بن محمد الواسطي، قال: أخبرنا عبد الملك بن وهب المذحجي، عن الحُرّ بن الصيّاح، عن أبي معبدٍ الخزاعي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فُهيرة ودليلهم عبد اللّه بن أريقط، فمروا بخَيْمَتي أم معبد الخزاعيّة، وكانت امرأة جَلْدَةً بَرْزَة تحتبي وتقعد بفناء الخمية. ثم تسقي وتُطْعِم، فسألوها تمراً أو لحماً يشترون. فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، فإذا القوم مُرْمِلُون مُسْنِتُون، فقالت: واللهّ لو كان عندنا شيء ما أعْوَزكم القِرَى.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كِسْر الخيمة، فقال: " مَا هَذِهِ الشاةُ يا أم مَعْبَد؟ " قالت: هذه شاة خلَّفها الجَهْدُ عن الغنم. قال: " هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ " قالت: هي أجهِد من ذلك. قال: " أتأذَنِينَ لِي أنْ أحْلُبَهَا؟ " قالت: نعم بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حَلَباً.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة، فمسح ضرعها وذكر اسم الله تعالى، وقال: " اللَهُمَّ بَارِكْ لَهَا فِي شَاتِهَا " .
قالت: فتفاجت ودَرتْ واجَتَّرتْ وأحلبت، فدعا بإناء لها يُرْبض الرهط فحلب فيه ثجّاً حتى غلبه الثُّمالُ، فسقاها فشربت حتى رَويت وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم آخِرَهم، وقال: " سَاقي القوْم آخِرهُمْ شرباً " فشربوا جميعاً عَلَلاً بعد نَهَلٍ حتى أراضوا، ثُمً حلب فيه ثانياً عوداً على بدءٍ، فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها، فقلَّما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً حُيلاً عجافاً هَزْلى ما تَسَاوَقُ، مُخّهنَ قليل لا نِقْيَ بهن، فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين لكم هذا، والشاة عازبة ولا حَلُوبَةَ في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مُباركٌ كان من حديثه كَيْتَ وكَيْتَ. قال: والله إني، لأراه صاحبَ قريشٍ الذي تطلب، صِفيه لي يا أمَ معبد. قالت: رأيتُ رجُلاً ظاهر الوضاءة متبلج الوجه، حسن الخَلْق، لم تَعِبْه ثُجْلة، ولم تُزْرِ بِهِ صَعْلة، قَسِيمٌ وسيم، في عينيه دَعَج، وفي أسفاره وَطَفٌ، وفي صوته


صَحَل، أحْوَر أكحل أزجُ، أقرن شديد سواد الشعر، في عنقه سَطَع، وفي لحيته كثافة، إذا صمت فعليه وقار، وإذا تكَلم سَما وعلاه البهاء، كأنَّ مَنْطقه خرزاتٌ نظمٍ يتحدَرْن، حلو المَنطق، فصل، لا نِزرٌ به ولا هَذَر ، أجْهَر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تَشْنؤه عين من طُول، ولا تقتحمه عين من قِصر، غُصْنٌ بَيْن غُصنين، وهو أنضر الثلاثة منظر وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفُون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، مَحْفُود محمود مَحْشُود، لا عابس ولا مُفْنِد.
قال: هذا والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذكر، ولو كنت وافقته يا أم معبد، لالتمست أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إِلى ذلك سبيلاً.
وأصبح صوتٌ بمكة عالياً بين السماء والأرض، يسمعون ولا يرون مَنْ يقوله، وهو يقول:
جَزَى اللهُ رب النَاس خير َجزائه ... رفيقَينَ حلا خيمَتْيَ أم مَعْبَدِ
هما نَزَلا بالبِر وارتحلا به ... فأفْلَح مَنْ أمْسَى رفيقَ محمدِ
فيالَ قصَيٍّ ما زَوَى اللَّهُ عنكم ... به من فِعال لا تُجَازَى وسُؤدد
سَلُوا أختكم عن شاتِهَا وإنائها ... فإنكمُ إنْ تَسْألوا الشاة تَشْهدِ
دعاها بشاةِ حائل فتحلَبَتْ ... له بصريح ضَرة الشاةِ مُزْبِدِ
فغادَره رَهناً لديها لحالب ... يَدِرُ بها في مَصْدرٍ ثم مَوْرِدِ
وأصبح القوم قد فقدوا نبيهم وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه فقال:
لقد خاب قومٌ غاب عنهم نَبيُهم ... وقُدس من يَسْري إليه ويَغْتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولُهم ... وحل على قوم بنورٍ مجَددِ
وهل يَسْتوي ضُلال قوم تسفهوا ... عمًى وهداةٌ يهتدون بمهتدٍ؟
نبي يرى ما لا يَرى النَاسُ حولَه ... ويتلو كتابَ الله في كل مَشْهَدِ
وإِنْ قال في يوم مقالةَ غائِبٍ ... فتصديقها في ضحوةِ اليوم أوغدِ
لِتَهْنِ أبا بكر سعادة جَده ... بصُحبته مَنْ يُسْعِد اللًه يَسْعَدِ
ويَهْنِ بني كعب مكانُ فتاتهم ... ومقعدُها للمسلمين بمَرْصَدِ
قال مؤلف الكتاب: البرزة: الكبيرة.
والمرملون: الذين قد نفد زادهم. والمُسْنتون: من السًنَة، وهي الجَدْب. وكِسْر الخيمة: جانبها.
والجهد: المشقة. وتفاجت: فتحت ما بين رجليها للحلب. وُيرْبض الرهط: يثقلهم فيربضوا.
والثمال: الرغوة. والعَلَلَ: مرة بعد أخرى. وأراضوا: أي رووا. والحيل: اللاتي لَسْنَ بحوامل.
والعازب: البعيد في المرعى. والمتبلج: المُشرق. والثجلة: عظم البطن واسترخاء أسفله.
والصُعلة: صغر الرأس. والوسيم: الحسن وكذلك القسيم. والدعج: سواد العين.
والوطف: الطول. والصَحَل: كالبحة. والأحور: الشديد سواد أصول الأهداب خِلقة. والسطع: الطول. وقولها: إذا تكلم سما: أي علا برأسه ويده. وقولها: لا تقتحمه عين: أي تحتقره.
والمُفْب: الهَرِم. والصريح: الخالص. والضرة: لحم الضرع.
وأنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أنبأنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدِّثنا الحسن بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن حرام بن هشام، عن أبيه، عن أم معبد قالت: طلع علينا أربعة على راحلتين فنزلوا بي، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة أريد أن أذبحها، فإذا هي ذات در، فأدنيتها منه، فلمس ضرعها فقال: " لا تذبحيها " فأرسلتها فجئت بأخرى فذبحتها فطحنت لهم، فأكل هو وأصحابه، فتغدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وملأت سُفْرتهم منها ما وسعت سفرتهم، وبقي عندنا لحمها أو أكثره، وبقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة زمان عمر، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة.
قالت: وكنا نحلبها صَبُوحاً وغَبُوقاً وما في الأرض قليل ولا كثير. وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم.
ذكر تلقي أهل المدينة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ودخوله إياها


أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا الداوودي قال: أخبرنا ابن أعين قال: أخبرنا الفربري قال: حدثنا البخاري قال: أخبرنا عيسى بن بكر قال: أخبرنا الليث عن عقيل قال: قال ابن شهاب: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتِ المسلمون بالمدينة بمَخْرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يَغدون كل غَدَاة إلى الحَرًةِ ينتظرونه حتى يردهم حَرُ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوْفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمرٍ ينظر إليه، فبَصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مُبْيضِين يزول بهم السراب. فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون.
فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظَهْر الحَرًة، فَعَدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف. فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً.
قال مؤلف الكتاب: بنو عمرو هم أهل قباء، وعليهم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن إسحاق: فنزل على كلثوم بن الهَدْم أخي بني عمرو بن عوف.
وقيل: بل نزل على سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزبَاً لا أهل له.
قال الزهري : فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلْت من ربيع الأول.
وروى حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الاثنين، واستنبي يوم الاثنين، وَرَفَع الحَجَر يوم الاثنين ، وخرج مهاجراً من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين ، وقُبِض يوم الاثنين.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عمرو بن محمد العنقري قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة، فتلقاه الناس، فخرجوا في الطريق وعلى الأجاجير، فاشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله، جاء محمد.
قال؟ وتنازع القوم أيُّهم ينزل عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم ذلك " .
فلما أصبح غدا حيث أمِر. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا محمد بن المظفر قال: حدثنا موسى بن أنيس بن خالد قال: أخبرنا نصر بن علي قال: أخبرنا عبد الأعلى، عن عوف، عن ثمامة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوارٍ من الأنصار وهن يغنين: نحن جوارٍ من بني النجار وحبذا محمد من جار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله يعلم أني أحبكن " .
ذكر المكان الذي نزل به حين قدم المدينة صلى الله عليه وسلم قال مؤلف الكتاب: قد ذكرنا أنه بات عند بني النجار أخوال عبد المطلب.
وبيان الخؤولة: أن هاشماً تزوج امرأة من بني عدي بن النجار، فولدت له عبد المطلب.
ذكر فرح أهل المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم ومن الحوادث: أنه لما قدم صلى الله عليه وسلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحاً.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدَّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابهم لقدومه فرحاً بذلك .
قال ابن إسحاق: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن الهدم.
ويقال: على سعد بن خيثمة.
ونزل أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه على خبَيْب بن إساف بالسنح. وقيل: نزل على خارجة بن زيد.
وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم.


وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، وأسَس مسجدهم، ثم خرج عنهم يوم الجمعة. وقيل: مكث فيهم بضعة عشر يوماً.
قال محمد بن حبيب القاسمي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فنزل قباء، وكان نزوله على كلثوم بن الهدم، وكان يتحدث في منزل سعد بن خيثمة. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم قباء قد بنوا مسجداً يصلون فيه، فصلى بهم فيه، ولم يحدث في المسجد شيئاً، فأقام صلى الله عليه وسلم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وركب من قباء يوم الجمعة إلى المدينة، فجمع في بني سالم، فكانت أول جمعة جمعها في الإسلام، وخطب يومئذ.
ذكر تلك الخطبة
روى أبو جعفر ابن جرير قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن سعيد بن عبد الرحمن الجُمحي: أنه بلغه عن خطبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في أوّل جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف: الحمد للّه، أحمَده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحدَه لا شريك له، وان محمَداً عبدهُ ورسوله، أرسله بالهُدى والنور والموعظة، على فَتْرة من الرسل، وقلةٍ من العلم، وضلالةٍ من النَاس، وانقطاع عن الزمان، ودنو من الساعة، وقُرْبِ من الأجَل؟ مَنْ يطعِ اللّه وَرَسُولَهُ فَقَد رَشَدَ، ومَنْ يَعْص اللّه ورسوله فقد غَوَى وفرطَ، وضل ضلالاً بَعيداً، وأوصيكم بتقوى اللّه، فإنه خيرُ ما أوصَى به المسلمُ المسلمَ أن يَحُضّه على الآخرة، وأن يأمَره بتقوى اللّه، فاحذروا ما حذَركم اللّه من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكراً؟ وإن تقوى اللّه لمن عَمِلَ به على وَجلٍ ومخافة من ربّه، عوْنُ صدقٍ على ما تَبْغُون من أمر، الآخرة، ومَن يصلِحِ الذي بينه وبين اللّه من أمره في السر والعلانية، لا ينوي بذلك إلا وجَه اللّه يكن له ذكراَ في عاجل أمره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك، يَوَد لَوْ أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذركم الله نفسَه، واللّه رؤوف بالعباد. والذي صدق قوله، وأنجز وَعْده، لا خُلفَ لذلك، فإِنَه يقول: " مَا يُبَدلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أنَا بِظلامٍ للْعَبِيد " فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية، فإنه مَنْ يتقِ الله يكفر عن سَيّئاته، وُيعْظم له أجْراً، ومَنْ يتَّقِ الله فقد فاز فَوْزاً عظيماً، وإنّ تقوى الله يُوَقًي مقته، وعقوبته، وسَخَطه، ويُبيض الوجوه، ويرْضي الربَّ، ويرفع الدرجة.
خذوا، بحظَكم، ولا تفَرِّطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيلَه، ليعلَم الذٌين صدقوا وليعلَم الكاذبين. فَأحْسِنوا كما أحْسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حقً جهاده، هو اجتباكم وسفَاكم المُسلمين ليهْلِكَ مَنْ هلك عن بينة، ويحيا من حَي عن بيَنة، ولا قوة إلا بالله، فأكثِرُوا ذكْرَ الله، واعلموا أنه خير الدنيا وما فيها، واعملوا لما بعد الموت، فإنه مَنْ يُصلح ما بينه وبين اللهّ يَكْفه اللهّ ما بينه وبين النَاس، ذلك بأنً اللّه يقضِي الحق على الناس ولا يقضُون، ويملِكُ من الناس ولا يملكون منه، الله أكبرُ ولا قوةَ إِلاَ باللّه العلي العظيم.
قال ابن إسحاق : وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، وأرخى الزمام، فجعلت لا تمر بدارٍ من دور الأنصار إلا دعاه أهلها إلى النزول عندهم، وقالوا له: هلم يا رسول اللّه إلى العدد والعدة والمنعة.
فيقول لهم صلى الله عليه وسلم: " خلُّوا زمامها فإنها مأمورة " .


حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم، فبركت على باب مسجده وهو يومئذ مَرْبد لغلامين يتيمين من بني النجار في حجر معاذ بن عفراء يقال لأحدهما: سهل، والآخر: سهيل ابنا عمرو بن عباد، فلم ينزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبت فسارت غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت خلفها ثم رجعت إلى منزلها أول مرة، فبركت فيه ووضعت جرانَها، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فاحتمل أبو أيوب رَحْلَه، فوضعه في بيته، فدعته الأنصار إلى النزول عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرءُ مع رَحْلِهِ " .
فنزل على أبي أيوب خالد بن زيد، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المربد: لمَنْ هو؟ فأخبره معاذ وقال: هو ليتيمين لي وسأرضيهما.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجداً، وأقام عند أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه.
أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا الداوودي قال: أخبرنا يحيى بن زكريا قال: أخبرنا الليث، عن عقيل قال؟ قال ابن شهاب: أخبرني عروة، عن عائشة قالت: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسِّسىَ على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت: " هذا إن شاء اللّه. المنزل " ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً. فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، ثم بناه مسجداً، وطفق ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول:
هذا الحِمال لا حِمَال خَيْبر ... هذا أبر رَبًنَا وأظْهَر
ويقول:
اللهم إن الخيرَ خيرُ الآخرة ... فارحم الأنصار والمُهَاجرة
قال مؤلف الكتاب: انفرد بإخراجه البخاري .
وفيه دليل على أن مسجد قباء بُنِيَ قبل مسجد المدينة.
تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذه السنة: تكلم ذئب خارج المدينة ينذر برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن أشعب بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال جاء ذئب إلى راعي غنم، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، فصعد الذئب على تلٍ، فأقعى واستذفر، فقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله انتزعته مني. فقال الرجل: تالله إن رأيت كاليوم ذئباً يتكلم. قال الذئب: أعجب من هذا، رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وبما هو كائن عندكم.
وكان الرجل يهودياً، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره، وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة، أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده " .
الزيادة في صلاة الحضر
وفي هذه السنة: زيد في صلاة الحضر - وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين - وذلك بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، في ربيع الآخر لمضي اثنتي عشرة ليلة. قال الواقدي: لا يختلف أهل الحجاز في ذلك.
بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها
وفي هذه السنة: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها في شوال.
وقَد قيل: في السنة الثانية. والأول أصح.
وكان تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين.
وقيل: كان البناء بها يوم الأربعاء في منزل أبي بكر رضي اللهّ عنه بالسنح.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته
وفي هذه السنة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة زيد بن حارثة وأبا رافع، فحملاهن من مكة إلى المدينة، ولما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد اللهّ بن أبي بكر بمكان أبيه أبي بكر، فخرج عبد اللّه بعيال أبيه إليه، وصحبهم طلحة بن عبيد ومعهم أم رومان - أم عائشة - وعبد الرحمن حتى قدموا المدينة.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار


وفي هذه السنة: آخى بين المهاجرين والأنصار.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن العباس قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين المهاجرين والأنصار في دار أنس.
قال ابن سعد : وحدثنا محمد بن عمر، عن أشياخه قالوا: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمؤاساة، يتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكانوا تسعين رجلاً: خمسة وأربعون رجلاً من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار.
ويقال: كانوا مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار.
وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعة بدر، وأنزل الله عز وجل: " وَأولُوا الأرحام بعضُهُمْ أوْلى بِبَعْض فِي كِتَابِ الله " .
نسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه.
قال مؤلف الكتاب: وهذه تسمية الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرتها على حروف المعجم: واعتبرت الاسم الأول فقط: حرف الألف: آخى بين أبي بن كعب وطلحة بن عبيد الله. وقيل: بين أبي وسعيد بن زيد.
آخى بين إِياس بن البكير والحارثة بن خزيمة.
آخى بين الأرقم بن أبي الأرقم، وأبي طلحة زيد بن سهل.
حرت الباء: آخى بين بشر بن خالد بن البراء، وواقد بن عبد الله.
آخى بين بلال بن رباح، وبين عبيدة بن الحارث. وقيل: بين بلال، وأبي رويحة الخثعمي. وقيل: بين بلال، وأبي ذر.
حرف التاء: آخى بين تميم مولى خداش بن الصمة، وحيان مولى عتبة بن غزوان.
حرف الثاء: آخى بين ثابت بن قيس، وعامر بن البكير.
آخى بين ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن الحمراء.
حرف الجيم: آخى بين جعفر بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل.
آخى بين جرير بن عتيك، وخباب بن الأرت.
حرف الحاء: آخى بين حاطب بن أبي بلتعة، ورحيلة بن خالد، وقيل: بين حاطب وعويمر بن ساعدة. وقيل: بين حاطب، وكعب بن مالك.
آخى بين حارثة بن سراقة، والسائب بن عثمان بن مظعون.
آخى بين الحصين بن الحارث، ورافع بن عنجدة. وقيل: بين الحصين، وعبد بن جبير حرف الخاء: آخى بين خالد بن البكير، وزيد بن الدثية. وقيل: بين خالد، وثابت بن قيس بن شماس آخى بين خنيس بن حذافة، وأبي حبيش بن جبير. وقيل: بين خنيس، والمنذر أبو محمد بن عقبة.
حرف الذال: آخى بين ذي الشمالين، ويزيد بن الحارث بن فسحم. وقتلا جميعاً ببدر.
آخى بين ذكوان بن عبد قيس، ومصعب بن عمير.
حرف الراء: آخى بين رافع بن مالك، وسعيد بن زيد بن عمرو حرف الزاي: آخى بين الزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود. وقيل:، بين الزبير، وبين طلحة. وقيل: بين الزبير، وكعب بن مالك. وقيل: بين الزبير، وسلمة بن سلامة بن وقش.
آخى بين زيد بن حارثة، وحمزة بن عبد المطلب. وقيل: بين زيد، وأسيد بن حضير.
آخى بين زيد بن الخطاب، ومعن بن عدي.
حرف السين: آخى بين سعد بن أبي وقاص، ومصعب بن عمير. وقيل: بين سعد، وعبد الرحمن بن عوف وقيل: بين سعد، وعمار بن ياسر. وقيل: بين سعد، ومحمد بن مسلمة.
آخى بين سالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن ماعص.
آخى بين سعد بن عوف بن الربيع، وبين عبد الرحمن بن عوف.
آخى بين سعد بن خيثمة، وأبي سلمة.
آخى بين سلمة بن سلامة، وأبي سبرة بن أبي رهم.
آخى بين سلمان الفارسي، وأبي الدرداء. وقيل: بين سلمان، وحذيفة.
آخى بين سويبط بن سعد، وعابد بن ماعص.
حرف الشين: آخى بين شجاع بن وهب، وأوس بن خولي.
آخى بين شماس بن عثمان، وحنظلة بن الراهب.
حرف الصاد: آخى بين صهيب، والحارث بن الصمة.
آخى بين صفوان بين بيضاء، وبين رافع بن المعلى.
حرف الطاء: آخى بين طلحة، وسعد بن زيد. وقيل: بين طلحة، وكعب بن مالك. وقيل،: بين طلحة، وأبي أيوب.
وآخى بين الطفيل بن الحارث، والمنذر بن محمد. وقيل: بين الطفيل، وسفيان بن بشر.
وآخى بين طليب بن عمرو، والمنذر بن عمرو.
حرف العين: آخى بين أبي بكر الصديق واسمه: عبد الله، وبين عمر. وقيل: بين أبي بكر، وبين خارجة.


آخى بين عمر، وأبي بكر. وقيل: بين عمر وبين عويمر بن ساعدة. وقيل: بين عمر، وعتبان بن مالك.
آخى بين عثمان بن عفان، وبين عبد الرحمن بن عوف. وقيل: بين عثمان، وأوس بن ثابت.
آخى بين علي بن أبي طالب، وبين نفسه صلى الله عليه وسلم. وقيل: بين علي وبين الزبير. وقيل: بين علي، وسهل بن حنيف.
آخى بين العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث.
آخى بين أبي عبيدة، وبين سالم مولى أبي حذيفة. وقيل: بين أبي عبيدة، وسعد بن معاذ. وقيل: بين أبي عبيدة، ومحمد بن مسلمة.
آخى بين عبد اللهّ بن مسعود، ومعاذ بن جبل.
آخى بين عبد الله بن مظعون، وسهل بن عبيد بن المعلى.
آخى بين عبد الله بن جحش، وعاصم بن ثابت.
آخى بين عمير بن أبي وقاص، وعمرو بن معاذ.
آخى بين عمار، وحذيفة. وقيل: بين عمار، وثابت بن قيس.
آخى بين عثمان بن مظعون، وأبي الهيثم بن التيهان. وقيل: بين عثمان، والعباس بن عبادة بن نضلة. وقيل: بين عثمان، وأوس بن ثابت.
آخى بين عتبة بن غزوان، وأبي دجانة. وقيل: بين عتبة، ومعاذ بن ماعص.
آخى بين عكاشة، والمجذر بن زناد.
آخى بين عاقل بن أبي البكير، وبشر بن عبد المنذر، وقيل: بين عاقل، ومجذر بن زياد.
آخى بين عامر، والحارث بن الصمة.
آخى بين عمرو بن سراقة، وسعيد بن زيد.
آخى بين عبيدة بن الحارث، وعمير بن الحمام.
آخى بين عبادة، وعامر بن ربيعة.
آخى بين عوف بن مالك، وأبي الدرداء.
حرف الفاء: آخى بين فروة بن عمرو البياضي، وعبد الله بن مخرمة.
حرف القاف: آخى بين قطبة بن عامر، وعبد الله بن مظعون.
حرف الكاف: آخى بين كناز بن الحصين، وعبادة بن الصامت.
حرف الميم: آخى بين مصعب بن عمير، وأبي أيوب.
آخى بين مرثد بن أبي مرثد، وأوس بن الصامت.
آخى بين مسطح، وزيد بن المزين.
آخى بين معاذ بن عفراء، ومعمر بن الحارث.
آخى بين محرز بن نضلة، وعمارة بن جرير.
آخى بين مسعود بن الربيع، وعبيد بن التيهان.
آخى بين المقداد، جَبار بن صخر، وقيل: بين المقداد، وابن رواحة.
آخى بين المنذر بن عمرو، وأبي ذر.
آخى بين مهجع، والحارث بن سراقة. وقيل: بين مهجع، وسراقة.
حرف الهاء: آخى بين هشيم بن عتبة، وعباد بن بشر.
حرف الواو: آخى بين وهب بن سعد، وسويدا بن عمرو. وقيل: وهب، وسراقة.
حرف الياء: آخى بين يزيد بن المنذر، وعامر بن ربيعة.
أمره صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء
وفي هذه السنة: وجد اليهود تصوم عاشوراء.
أخبرنا أبو الحسن الأنصاري قال: أخبرنا علي بن عبد الله النيسابوري قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال: أخبرنا مسلم بن الحجاج قال: حدثنا ابن أبي سفيان، عن أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم: " ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ " قالوا: هذا يوم عظيم، نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون، وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فنحن أحق وأولى بموسى منكم " فصامه وأمر بصيامه.
أخرجاه في الصحيحين .
إسلام عبد الله بن سلام
وفي هذه السنة: أسلم عبد اللهّ بن سلام.
أخبرنا موهوب بن أحمد قال: أخبرنا علي بن أحمد بن السري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي قال: أخبرنا، محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: حدَثني أبي، عن عوف بن أبي جميلة، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن أتى، فلما رأيت وجهه عرفت أنه وجه غير كذاب، فسمعته يقول: " أيها الناس، أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي شرح حاله في إسلامه عند ذكر وفاته.
رؤية عبد الله بن زيد الآذان في منامه
وفيها رأى عبد الله بن زيد الآذان فعلمه بلالاً.


أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد قال: حدَثني أبي قال: أخبرنا يعقوب قال: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال: ذكر محمد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة - وهو له كاره لموافقة النصارى - طاف بي من الليل طائف وأنا نائم: رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله.
قال: فقلت له: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى. قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله.
قال: ثم استأخر غير بعيدٍ ، قال: ثم تقول إذا قمت للصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: " إن هذه لرؤيا حق إن شاء اللّه " ثم أمر بالتأذين، فكان بلال يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فجاءه ذات غداة إلى الفجر ، فقيل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، فصرخ بلال بأعى صوته: الصلاة خيرٌ من النوم.
قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر، فكان بلال يؤذن بذلك.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا سليمان القاري، عن سليمان بن سُحيم، عن نافع بن جبير.
قال محمد بن عمر: وأخبرنا عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير.
قال: وأخبرنا هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم.
قال: وأخبرنا معمر بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب. قالوا: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر بالآذان - ينادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فيجتمع الناس، فلما صُرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالآذان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الآذان، وأنهم ذكروا أشياء يجمعون بها الناس للصلاة، فقال بعضهم: البوق. وقال بعضهم: الناقوس، فبينما هم على ذلك بات عبد الله بن زيد الخزرجي فأري في النوم أن رجلاً عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس.
قال: فقلتَ: أتبيع الناقوس؟ فقال: ماذا تريد به؟ فقلت: أريد أن أبتاعه لكي أضرب به للصلاة لجماعة الناس. قال: أحدثكم بخيبر لكم من ذلك، تقول: الله أكبر الله أكبر - فذكر الآذان.
فأتى عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له: " قم مع بلال فألق عليه ما قيل لك فليؤذن بذلك " ففعل، وجاء عمر فقال: لقد رأيت مثل الذي رأى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلله الحمد " .
قال مؤلف الكتاب: فعلى هذه الرواية يكون الأذان قد وقع في السنة الثانية من الهجرة، لأنه ذكر ذلك بعد أن صرفت القبلة. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً.
ذكر سراياه صلى الله عليه وسلم في هذه السنة
سرية حمزة بن عبد المطلب وفي هذه السنة: عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب لواء أَبيض - وهو أول لواء عقده - وكان الذي يحمله أبو مرثد كَناز بن الحُصين حليف حمزة، وذلك في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره، وبعث معه ثلاثين رجلاً من المهاجرين، ولم يبعث أحداً من الأنصار، وذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم، فخرج حمزة ليعترض عيراً لقريش، فلقي حمزة أبا جهل في ثلاثمائة رجل، فالتقوا فاصطفوا للقتال، فحجز بينهم مَجْديَ بن عمرو الجهني، وكان حليفاً للفريقين، فلم يقع قتال، ورجع أبو جهل إلى مكة وحمزة إلى المدينة.


سرية عبيدة بن الحارث ثم عقد في هذه السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره لواء أبيض لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره بالمسير إلى بطن رابغ، وكان لواؤه مع مسطح بن أثاثة، فخرج في ستين راكباً من المهاجرين، فالتقى بأبي سفيان على ماء، وكان بينهم الرميُ ولم يسلوا السيوف، إلا أن سعد بن أبي وقاص رمى يومئذ بسهم، فكان أول مَنْ رمى به في الإسلام. وانصرف الفريقان، وفَر من المشركين إلى المؤمنين - أو قال: المسلمين وهو الأصح - المِقْداد، وعتبة بن غزوان، وكانا مسلمين، لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار إلى المسلمين. هذا قول الواقدي.
وقال ابن إسحاق: إنما كانت هذه الغزاة في السنة الثانية.
سرية سعد بن أبي وقاص بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخَزَار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من مهاجره، وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو، وبعثه في عشرين من المهاجرين يعترض عيراً لقريش، وعهد إليه أن لا يجاوز الخَزّار، وهي أبيات عن يسار الحجفة، حين تروح من الجحفة إلى مكة.
قال سعد : فخرجنا على أقدامنا، فكنا نكمن النهار ونسير بالليل حتى صبحناها صبح خمس، فَنجد العِيرَ قد مرًت بالأمس، ثم انصرفنا.
ومما جرى في هذه السنة
ما أخبرنا به أبو طاهر قال: أخبرنا أبو بكر بن طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا عمر بن حَيْوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد بن علي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن علي بن حسين قال: كانت امرأة من بني النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان لها تابعٌ من الجن، فكان يأتيها حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فانقض على الحائط فقالت: مالك لم تأت كما كنت؟ فقال: قد جاء النبي الذي حرم الزَنا والخمر.
ذكر مَنْ توفي في هذه السنة من الأكابر
أسعد بن زرارة، أبو أمامة خرج إلى مكة هو وذكوان بن عبد قيس يتنافران إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله صلى الله عليه وسلم - فأتياه، فعرض عليهما الإسلام فأسلما، ولم يقربا عتبة ورجعا إلى المدينة، فكانا أول من قدم بالإسلام المدينة.
وكان أسعد أحد النقباء الاثني عشر، وهو الذي أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وقال: أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعُون محمداً؟ إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والإنس. فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم.
ولما خرج مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهاجر معه كان أسعد يصلي بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم في موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مات أسعد بالذُّبحَة قبل أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء مسجده، ودُفن بالبقيع. والأنصار يقولون: هو أول من دفن به. والمهاجرون يقولون: عثمان بن مظعون.
قال ابن إسحاق: والذي حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنه لما مات أسعد بن زرارة، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو أمامة نقيبهم، فقالوا: يا رسول الله إن هذا الرجل قد كان منا بحيث قد علمت، فاجعل منا رجلاً مكانه يقيم من أمورنا مما كان يقيمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنتم أخوالي وأنا منكم، أنا نقيبكم " أن يخص بها بعضهم دون بعض. فكان من فضل بني النجار الذي بعد قومهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نقيبهم.
وأخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أنبأنا البرمكي قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الرجال قال: مات أسعد بن زرارة في شوال على رأس تسعة أشهر من الهجرة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى، وذلك قبل بدر، فجاءَت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد مات نقيبنا، فَنَقبْ علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا نقيبكم " .
البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان


شهد العقبة، وكان أول من تكلم ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعون من الأنصار فبايعوه وأخذ منهم النقباء، وكان هو أحد النقباء، فحمد الله، فقال: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وحبانا به، وكنا أول من أجاب فاجبنا الله ورسوله، وسمعنا وأطعنا، يا معشر الأوس والخزرج، قد أكرمكم الله بدينه، فإن أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة بالشكر، فأطيعوا الله ورسوله. ثم جلس، وقدم المدينة قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بأصحابه، فصلى على قبره، وقال: " اللهم اغفر له وارحمه وارض عنه " وقد فعلت.
وهو أول من مات من النقباء.
كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث كان شريفاً، كبير السن، أسلم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه، ونزل عليه جماعة منهم: أبو عبيدة، والمقداد، وخباب في آخرين.
وتوفي قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بيسير، وكان رجلاً صالحاً.
ذكر من توفي من المشركين وفي هذه السنة ماتَ من المشركين: العاص بن وائل السهمي، والوليد بن المغيرة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا محمد بن هبة الطبري قال: أخبرنا أبو أعلى بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد القرشي قال: أخبرنا أبو كريب قال: أخبرنا محمد بن الصلت، عن ابن أبي زائدة، عن مجالد، عن الشعبي قال: لما حضر الوليد بن المغيرة جزع، فقال له أبو جهل: يا عم، ما يجزعك؟ قال: والله ما بي جزع من الموت، ولكني أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة، فقال أبو سفيان: يا عم، لا تخف فأنا ضامن أن لا يظهر.
ذكر ما جرى في
السنة الثانية من الهجرة
ثم دخلت سنة اثنتين من الهجرة. فمن الحوادث فيها:
زواج علي بن أبي طالب بفاطمة رضي الله عنهما
أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تزوج فاطمة رضيِ الله عنها في صفر لليال بقين منه، وبنى بها في ذي الحجة.
وقد روي أنه تزوجها في رجب بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وبنى بها بعد، مرجعه من بدر. والأول أصح.
وكانت فاطمة يوم بنى بها بنت ثمان عشرة سنة، وأهديت في بُردين وعليها دملوجان من فضة، وكان معها حمِيلةٌ ومرفقة من أدَمٍ حَشوُها ليفٌ، ومنخل، وقدح، ورحى، وجرتان.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروفٍ قال: أخبرنا الحسين بن الفهم.
قال: وحدثنا محمد بن سعيد قال: أخبرنا مسلم بن إِبراهيم قال: أخبرنا المنذر بن ثعلبة قال: أخبرنا علياء بن أحمر اليشكري: أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: " انتظر بها القضاء " فجاء عمر إلى أبي بكر وأخبره، فقال: لله درك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: " انتظر بها القضاء " فجاء إلى أبي بكر فأخبره فقال: للهّ درك يا عمر. ثم إن أهل علي قالوا لعلي: اخطب فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: بعد أبي بكر وعمر؟! فذكروا له قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبها فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم، فباع عليً بعيراً له وبعض متاعِهِ، فبلغ أربعمائة وثمانين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع " .
قال محمد بن سعد: وأخبرنا وكيع، عن عباد بن منصور قال: سمعت عطاء يقول: خطب عليَ فاطمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن علياً يذكرك فسكتت، فزوجها " .
قال: وحدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة.
أن علياً خطب فاطمة رضي الله عنهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما تصدقها؟ " قال: ما عندي ما أصدقها. قال: " فأين درعك الحطمية؟ " قال: عندي. قال: " صدقها إياها وتزوجها " .
قال: وأخبرنا مالك بن سعيد النهدي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن عبد الكريم بن سليط ابن بريدة، عن أبيه قال:


أتى عليّ كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه، فقال: " ما حاجة ابن أبي طالب؟ " قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدٍ. قال: " مرحباً وأهلاً " لم يزده عليها. فخرجِ علي على رجال من الأنصار فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي مرحباً وأهلاً. قال: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما؟ أعطاك الأهل وأعطاك المرحب.
فلما كان بعد أن زوَجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة. فقال سعد: عندي كبشان. وجمع له رهط من الأنصار آصُعاً من ذرة، فلما كان ليلة البناء، قال: " لأتحدث شيئاً حتى تلقاني " . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فتوضأ قيه، أفرغه على علي، ثم قال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما " .
قال: وأخبرنا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، ومالي ولها خادم غيرها.
قال ابن سعدٍ: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: وحدثني إبراهيم بن شعيب، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل على أبي أيوب، فلما تزوج علي بفاطمة قال لعلي: اطلب منزلاً. فطلب عليِّ منزلاً فأصابه مستأخراً عن رسول الله قليلاً، فبنى بها فيه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فقال: " إني أريد أن أحولك إلي فقال: يا رسول الله، فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول عني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد، تحول حارثة عنا حتى قد استحييت منه " فبلغ ذلك حارثة فتحول، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك، وهذه منازلي وهي أسقب بيوت بني النجار بك، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله يا رسول الله المال، الذي تأخذ مني، أحب إليّ من الذي تدع، فقال: " صدقت، بارك الله عليك " فحولها رسول الله إلى بيت حارثة.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار قال: أخبرنا ابن حيويه قال: حدثنا محمد بن سعدٍ قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعدٍ قال: أخبرنا علي بن محمد قال: حدثنا خباب بن موسى العبدي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه.
بتنا ليلة بغير عشاء، فأصبحت فخرجت، ثم رجعت إلى فاطمة وهي محزونة، فقلت: مالك؟ قالت: لم نتعش البارحة، ولم نتغد اليوم، وليس عندنا عشاء، فخرجت فالتمست فأصبت ما اشتريت طعاماً أو لحماً، ثم أتيتها به، فخبزت وطحنت، فلما فرغت من إنضاج القدر قالت: لو أتيت أبي فدعوته. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع في المسجد وهو يقول: " أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً " . قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، عندنا طعام، فهلم. فتوكأ عليَ حتى دخل والقدر تفور، فقال: " غرفي لعائشة " فغرفت في صحفة، ثم قال: " اغرفي لحفصة " فغرفت في صحفة، حتى غرفت لجميع نسائه التسع، ثم قال: " اغرفي لابنك وزوجك " فغرفت، ثم رفعت القدر وإنها لتفيض، فأكلنا ما شاء الله.
غزوة الأبواء
وفي هذه السنة كانت غزاة الأبواء.
قال مؤلف الكتاب: وهي أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلمِ بنفسه، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين فقط حتى بلغ الأبواء، يعترض لعير قريش حتى بلغ ودان - ولذلك يقال لها أيضاً غزاة ودان - ولم يلقَ كيداً، فوادع مخشي بن عمرو الضمري - وهو سيد بني ضمرة - على أن لا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا يعينوا عليه، فكتب بذلك بينهم وبينه كتاباً - وضمرة من بني كنانة - ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.
غزاة بُواطَ
وفيها كانت غزاة بواط.
خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً من الهجرة، وحمل لواءه سعد بن معاذ، وخرج في مائتين من الصحابة يعترض عير قريش، وكان فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ بُواط - وهي جبال جُهينة من ناحية رضوى وهو قريب من ذي خُشب مما يلي طريق الشام، وبين بواط والمدينة نحو من أربعة برد - فلم يلق كيداً، فرجع إلى المدينة .


غزوة طلب كرز بن جابر الفهري
فلم يمض إلا ليالٍ حتى أغار كرز بن رجاء الفهري على سَرْح المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، واستخلف زيد بن حارثة على المدينة، ومضى حتى بلغ سفَوان وهو واد، وفاته كرز، فرجع إلى المدينة.
وفيها: ولد النعمان بن بشير بعد الهجرة بأربعة عشر شهراً في ربيع الآخر.
غزاة ذي العُشَيْرة
وفي هذه السنة كانت غزاة ذي العشيرة في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً من الهجرة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة راكب - وقيل: في مائتين - من المهاجرين، ولم يكره أحداً على الخروج، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، ومضى يعترض لعير قريش، وكانوا قد بعثوا فيها أموالهم، فبلغ ذا العشيرة - وهي لبني مُدْلِج بناحية يَنبُع، وبينها وبين المدينة تسعة بُرُد، ففاتته العير، وهي العير التي رجعت من الشام، فخرج لطلبها، وخرجت قريش تمنعها، فكانت وقعة بدر، وبذي العشيرة كَنَى علياً: أبا تراب، لأنه رآه نائماً على التراب فقال: " اجلس أبا تراب " .
وقد روي أن ذلك كان بالمدينة، رآه نائماً في المسجد على التراب.
وفي غزاة ذي العشيرة وادع مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع ولم يلق كيداً.
سرية عبد الله بن جحش الأسدي
وفي هذه السنة كانت سرية عبد الله بن جَحْش الأسدي إلى نخلة، في رجب على رأس سبْعَة عشر شهراً من الهجرة، بعثه في اثني عشر رجلاً من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان بعيراً إلى بطن نخلة، وأمره أن يرصد بها عيرَ قريش، فوردت عليه، فهابهم أهل العير، فحلق عُكاشة بن محصن رأسه، فاطمأن القوم، وقالوا: هم عُمار، وشَكوا في ذلك اليوم، هل هو من الشهر الحرام أم لا؟ ثم قاتلوهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله، وشد المسلمون عليهم، فاستأسر عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان، وأعجزهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة، واستاقوا العير، وكان فيها خمر وأدَم وزبيب جاءوا به من الطائف، فقدموا بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقفه وحبس الأسيرين، وكان الذي أسر الحكم بن كيسان المقدادُ بن عمرو، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيداً.
وكان سعد بن أبي وقاص زميل عتبة بن غزوان على بعير لعتبة في هذه السرية، فضل البعير بحران - وهي ناحية معدن بني سليم - فأقاما عليه يومين يبغيانه، ومضى أصحابهم إلى نخلة فلم يشهدها سعد وعتبة، وقدما المدينة بعدهم بأيام.
ويقال: إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم، وقسم بين أصحابه سائر الغنائم، فكان أول خمس خمس في الإسلام.
ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر، فقسمها مع غنائم بدر، وأعطى كل قوم حقهم.
وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين.
وقال عروة: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ويمضي ولا يستكره أحداً من أصحابه فلما سار يومين نظر فيه، فإذا فيه: وإذا نظرت في كتابي هذا، فَسِرْ حتى تنزل بطن نخلة، فترصًدْ بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم وأخبر أصحابه، فمضوا معه، ولم يتخلًف منهم أحد، فنزل نخلة، فمرت بهم عِير لقريش تحمل زَبيباً وأدَماً وتجارة من تجارة قريش فيها منهم عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل، والحكم بن كيسان، فتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب.
وفي رواية عن جندب بن عبد الله قال: لم يدروا ذلك اليوم من رجب أو جمادى الآخرة.
ثم اجمعوا على الإقدام عليهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم، فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم، وأفلت نوفل، وقدموا بالأسيرين والعير على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " فسقط في أيديهم، وعنَفهم المسلمون، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام. فأنزل اللهّ تعالى: " يسألونَكَ عَنِ الشَهْرِ الحَرَام قِتَالٍ فيهِ... " الآية.
تحويل القبلة إلى الكعبة
ومن الحوادث في هذه السنة: تحويل القبلة إلى الكعبة.
قال محمد بن حبيب الهاشمي: حُوِّلَتْ في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان.


زار رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فتغدى وأصحابه وجاءت الظهر، فصلى بأصحابه في مجلس القبلتين بركعتين من الظهر إلى الشام، ثم أمر أن يستقبل القبلة وهو راكع في الركعة الثانية، فاستدار إلى الكعبة ودارت الصفوف خلفه، ثم أتموا الصلاة، فسُمَيَ مسجد القبلتين.
قال الواقدي: كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب، على رأس سبعة عشر شهراً.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دُكَين قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يُعْجبه أن تكون قِبلته قِبَلَ البيت، وأنه صفَى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل مكَة، فداروا كما هم قِبَل البيت.
قال ابن سعد: وأخبرنا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهراً، ثم حُوًل إلى الكعبة قبل بدرٍ بشهرين.
وروى السُدي عن أشياخه: أن القبلة حولت على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجره.
وكذلك قال ابن إسحاق، والواقدي، والجمهور.
بناء مسجد قباء
ومن الحوادث: بناء مسجد قباء.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعدٍ قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ربيعة بن عثمان، عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد.
قال: وحدَّثنا عبد العزيز بن محمد، وسلمان بن بلال، عن إسحاق بن المُسْتَوْرِد، عن محمد بن عمر بن حارثة. عن أبي غُزية.
قال وحدثنا عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبي سعيد الخدري قال: لما صرفت القبلة إلى الكعبة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد إلى موضعه اليوم. وأسَسه بيده، ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الحجارة لبنائه، وكان يأتيه كل سبت ماشياً، وقال: " مَنْ تَوَضأ فَأسْبَغَ الوُضُوءَ، ثَم جَاءَ مَسْجِدَ قبَاءَ فَصًفى فِيهِ كَانَ لَهُ أجْرُ عُمْرَةٍ " .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتيه يوم الاثنين ويوم الخميس، وقال: لو كان بطرف من الأطراف لضربنا إليه أكباد الإبل.
وكان أبو أيوب الأنصاري يقول: هو المسجد الذي أسس على التقوى.
وكان أبي بن كعب وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: هو مسجد رسول الله.
نزول فريضة رمضان وزكاة الفطرة
ومن الحوادث: نزول فريضة رمضان في شعبان من هذه السنة، والأمر بزكاة الفطر.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الجُمحي، عن الزهري، عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها.
قال: وأخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
قال: وأخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن رُبيح بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده، قالوا: نزل فرض شهر رمضان بعد ما صُرفت القبلة إلى الكعبة بشهرٍ، في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر، وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال، وأن تخرج عن الصغير والكبير، والحُرِّ والعبد، والذكر والأنثى: صاع من شعير أو صاع من زبيب، أو مدان من، بُر، وكان يخطب صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيومين فيأمر بإخراجها قبل أن يغْدُو إلى المصلى.
ومن الحوادث: أنه خرج صلى الله عليه وسلم يوم العيد، فصلى بالناس صلاة العيد، وحملت بين يديه العَنَزَةُ إلى المصلى، فصلى إليها، وكانت هذه الحربة للنجاشي، فوهبها للزبير بن العوام، وكانت تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأعياد.


وفي هذه السنة: وُلدَ عبد الله بن الزبير بن العوام بعد الهجرة بعشرين شهراً، وهو أول مولود ولد من المهاجرين بالمدينة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد تحدثوا بينهم أن اليهود قد سحرتهم، فلا يولد لهم، وكان تكبيره صلى الله عليه وسلم، سروراً بذلك.
وقيل: إن أسماء بنت أبي بكر هاجرت إلى المدينة وهي حامل به.
غزوة بدر
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة بدر، وكانت في صبيحة سبعة عشر يوماً من رمضان يوم الجمعة. وقيل: تسعة عشر. والأول أصح.
قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا ابن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زكريا، عن عامر: أن بدراً إنما كانت لرجل يدعى بدراً يعني: بئراً.
قال: وقال الواقدي وأصحابنا من أهل المدينة ومَنْ يروي السيرة يقولون: بدر اسم الموضع.
وكان الذي هاج هذه الوقعة وغيرها من الحروب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين قتل عمرو بن الحضرمي. فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم انصراف العير التي طلبها بذي العُشيرة، فبعث طلحة، وسعيد بن زيد يتحسسان خبرها، فلما رجعا وجدا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، وكان قد ندب أصحابه وأخبرهم بما مع أبي سفيان من المال مع قلة عدده فخرج أقوام منهم لطلب الغنيمة، وقعد آخرون لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً فلم يلمهم، لأنه لم يخرج لقتال، وكان خروجه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل لثلاثٍ خلون من رمضان - على رأس تسعة عشر شهراً من الهجرة، واستخلف على المدينة عمرو بن أم مكتوم، وخرجت معه الأنصار ولم يكن غزا بأحدٍ منهم قبلها، وضرب عسكره ببئر أبي عتبة على ميل من المدينة يعرضُ أصحابه، وردَ مَنْ استصغر، وخلف عثمان على رقية وكانت مريضة، وبعث طلحة وسعيداً على ما ذكر، فقدما وقد فاتت بدر، وخلًف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة، وعاصم بن عدي على أهل العالية، والحارث بن حاطب رَدًه من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث بن الضفة كُسر بالروحاء. وخوات بن جبير كُسر أيضاً، وكل هؤلاء ضربَ له سَهْمَهُ وأجره، وكانت الإبل مَعهُ سبعين، يتعاقب النفير على البعير، وكانت الخيل فَرَسَين: فرس للمقداد، وفرس لمرثد بن أبي مرثد. وفي رواية: وفرس للزبير.
وقد روى زر عن ابن مسعودٍ قال: كنا يوم بدرٍ كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالا: اركب حتى نمشيِ عنك. فيقول: " ما أنتما بأقوى مني على المشي، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما " .
قال العلماء: وقَدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له إلى المشركين: بَسبَس بن عمرو، وعدي بن أبي الزَغباء. وجعل على الساقة: قيس بن أبي صعصعة، فلما بلغ أبا سفيان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ ما معَهُ استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة ليستنفر قريشاً لأجل أموالهم، فخرج ضمضم سريعاً.
وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها، فأخبرت بها أخاها العباس وأمرته أن يكتم ذلك. قالت: رأيت راكباً على بعيرٍ له حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا يا أهل غُدَر لمصارعكم في ثلاث. فاجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينا هم حوله مُثِل به بعيره على ظهر الكعبة يصرخ بأعلى صوته: انفروا يا أهل غُدرَ لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة.
فقال لها العباس: اكتميها. ثم لقي الوليد بن عتبة - وكان صديقاً له - فذكرها له واستكتمه، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش.


فقال العباس: فلقيني أبو جهل فقال: يا أبا الفضل، متى حدثت فيكم هذه النبوة؟ قلت: وما ذاك؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة. قلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن تتنبى رجالكم حتى تتنبى نساؤكم؟! وقد زعمت عاتكة أنه قال: انفروا في ثلاث فنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يكن ما قالت حقاً فسيكون، وإن مضى الثلاث، ولم يكن من ذلك شيء فنكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
قال العباس: فجحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئاً، ثم تفرقنا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرة لما قد سمعت؟ فقلت: قد والله فعلت ذلك، وأيم الله لأتعرضن له، فإن عاد لأكفيتكموه.
قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه، فدخلت المسجد فرأيته، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرض له ليعود لبعض ما قال، فأقع فيه، إذ خرج نحو باب المسجد يشتد، فقلت في نفسي: ما له لعنه الله؟ أكُل هذا فَرقاً من أن أشاتمه، وإذا هو قد سمع ما لم أسمع: صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره قد جُدع بعيره، وشُق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
قال: فشغلني عنه، وشغله عني ما جاء من الأمر، فتجهز الناس سراعاً وقالوا: يطن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا والله ليعلمن غير ذلك.
وكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلاً، وأوعبت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهبِ بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان أمية بن خلف شيخاً ثقيلاً فأجمع القعوَد، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار، فوضعها بين يديه، ثم قال له: استجمر فإنما أنت من النساء، قال: قَبحَك الله وقبح ما جئت به. ثم تجهز وخرج مع الناس، فلما أجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين كنانة، فقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا. فتبدى لهم إبليس في صورة مالك بن جعشم، وكان من أشراف كنانة، فخرجوا سراعاً معهم القيان والدفوف، وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلاً، وكانت خيلهم مائة فرس.
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد فقال: امض يا رسول الله لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً.
قال ابن إسحاق: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، أشيروا علي " وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم قالوا حين بايعوه بالعقبة: إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع به نساءنا وأبناءنا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " أجل " قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصُبُر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقربه عينك، فسر بنا على بركة الله تعالى.
فسُر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ ونشطه ذلك، ثم قال: " سيروا على بركة الله، وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم " .


ثم سار حتى نزل قريباً من بدر، فنزل هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم؟ فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أخبرتنا أخبرناك " فقال: وذاك بذاك؟ فقال: " نعم " . قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما خبًوه قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن من ماء " وانصرف.
قال مؤلف الكتاب: أوهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من العراق، وكان العراق يسمى: ماء، وإنما أراد به: خُلق من نطفة ماء.
قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها: أسلم غلام بني الحجاح، وعرباص أبو سيار غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فسألوهما، فقالوا: نحن سقاة قريش، بعثوا بنا لنسقيهم من الماء. فرجى القوم أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فقالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش، أخبراني: أين قريش؟ قالوا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، والكثيب العقنقل. قال: كم القوم؟ " قالا: كثير. قال: كم عدتهم؟ قالا لا ندري. قال: أكم ينحرون؟! قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً. قال: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف قال: فمن منهم من أشراف قريش؟ " قالا: عتبة، وشيبة، وأبو البختري، وحكيم بن حزام، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: " هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " .
وأما أبو سفيان فإنه أسرع بالعير على طريق الساحل، وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رأى جهم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى النائم، أو أني بين النائم واليقظان، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة، وشيبة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية، وفلان وفلان - فعدً رجالاً ممن قُتِلَ يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه.
قال: فبلغت أبا جهل، فقال: وهذا أيضاً نبي آخر من بني عبد المطلب، سيعلم غداً من المقتول إن نحن التقينا.
ولما رأى أبو سفيان أنه، قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدراً - ركان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثاً، وننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً، فامضوا.
فقال الأخنس بن شريق: يا بني زهرة، قد نجا الله أموالكم فارجعوا ولا تسمعوا ما يقول هذا فرجعوا ولم يشهدها زهريٌ .
وبلغ أبا سفيان قول أبي جهل فقال: واقوماه، هذا عمل عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - ثم لحق المشركين، فمضى معهم فجُرِحَ يوم بدرٍ جراحات، وأفلت هارباً على قدميه، ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل، وبعث الله عز وجل السماء، وكان الوادي دهساً، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريش منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبَادِرُهُمْ إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به.


فحُدثت عن رجال من بني سلمة: أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر قال؟ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي في الحرب؟ قال: " بلْ هو الرأي بالحرب " فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما سواه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
فنزل جبريل فقال: الرأي ما أشار به الحباب. فنهض ومَنْ معه حتى أتى أدنى ماء من القوم، فنزل عليه، وأمر بالقلب فَغُورَتْ، وبنى حوضاً على القليب الذي كان عليه، ثم، قذفوا فيه الأنية.
فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن سعد بن مُعَاذ قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبني لك عريشاً من جريد فتكون فيه، وتُعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمَنْ وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حُباً لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك الله تعالى بهم، يناصحونك ويجاهدون معك.
فدعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وبُنِيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ فكان فيه، ثم أقبلت قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحاربك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني " .
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام على فرس له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوهم " . فما شرب منهم رجل إلا أسر أو قتل إلا حكيم بن حزام، فإنه نجا على فرس له، ثم أسلم، فكان يقول إذا حلف: لا والذي نجاني يوم بدر.
فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهبِ اللخمي فقالوا: أحرز لنا أصحاب محمد، فجال بفرسه نحو العسكر، ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر القوم كمين، فضرب في الوادي حتى أبعده فلم ير شيئاً، فرجع فقال: ما رأيت شيئاً، ولكني قد رأيت يا معشر قريش الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجالاً، فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك، فردوا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى إلى عتبة فقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، هل لك في أن لا تزال تذكر بخير أ إلى آخر، الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: تَرْجع بالنَاس وتَحْمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلتُ.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمامة بن عمرو السهمي، عن مسور بن عبد الملك اليربوعي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن حكيم بن حزام قال: خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، وهي: زهرة، فلم يشهد أحدٌ من مشركيهم بدراً، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة، فجئت عتبة بن ربيعة، فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمدٍ إلا دم الحضرمي وهو حليفك، فتحمل بديته، وترجع بالناس.، فقال لي: فأنت وذاك، فأنا أتحمل بدية حليفي، فاذهب إلى ابن الحَنْظلية - يعني: أبا جهل - فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك؟ فجئته فإذا هو بجماعة من بين يديه ومن ورائه، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة: هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك؟ قال: أما وجد رسولاً غيرك؟ فخرجت أبادر إلى عتبة، وعتبةُ متكئ على إيماء بن رَخَصة؟ وقد أهْدَى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل والشر في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سَحْرُك! فقال له عتبة: ستعلم! فسَل أبو جهل سيفَه، فضرب به متن فرسه، فقال إيماء بن رخصة: بئس الفأل هذا فعند ذلك قامت الحربُ.


أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدَثني أبي قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت حارثة بن مضرب يحدث عن علي رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح، وما كان منا فارسٌ يوم بدر غير المقداد بن الأسود.
قال ابن إسحاق: وقام عتبة خطيباً فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، فوالله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله، أو رجالاً من عشيرته، فارجعوا أو خلُوا بينِ محمد وسائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، فإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تَعَرَضُوا منه لما تريدون.
قال حكيم: وجئت إلى أبي جهل فوجدته قد نَثَل دِرْعاً له من جرابها، فهو يهيئها، فقلت: إن عتبة أرسلني بكذا وكذا، فقال: انتفخ والله سَحْرُه حين رأى محمداً، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمدٍ، وما بعتبة ما قال، لكنه قد رأى محمداً وأصحابه أكلَةَ جَزور، وفيهم ابنه فقد تَخوفكم عليه - يعني أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم - ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال له: هذا حَلِيفُك، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد مقتل أخيك.
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: واعَمْراه فحميت الحرب، وطلب عتبة بَيْضَة يدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تمنعه من عظم رأسه، فاعتَجَز ببُرْدٍ له.
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية، فكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعظم، لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، وجعل شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وقيل: كان شعار الكل: يا منصور أمت.
وكان مع المشركين ثلاثة ألويةٍ: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة، كلهم من بني عبد الدار.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى بدرٍ عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.
فخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، فقال: أعاهد الله لأشْرَبن من حَوْضِهم، ولأهْدِمنه، أو لأمُوتن دونه. فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب، فضربه في ساقه فوقع على ظهره تَشْخُبُ رجله دماً، ثم حَبَا إلى الحوض حتى اقتحم، يريد أن يُبِر يمينَه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله.
ثم خرج بعده عتبة وأخوه شيبة، وابنه الوليد، فدعا إلى المبارزة ، فخرج إليه فتية من الأنصار عوف ومعوذ ابنا الحارث، وعبد الله بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخْرِجْ إلينا أكفاءَنا من قومنا. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قم يا علي " فقالوا: أكفاء كرام، فبارز عبيدة - وهو أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف عبيدة وعتبة ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه، وقد قطعت رجله، فمُخها يسيل، فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيداً يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " بلى " فقال عبيدة: لو كان أبو طلحة حياً لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول:
ونُسْلِمُهُ حتى نصَرع حَوْلَه ... ونَذْهَل عن أبنائنا والحَلائِل
ثم تزاحف الناس، ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: " إن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل " ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر ليس معه غيره.


وذكر ابن إسحاق عن أشياخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوفَ أصحابه يوم بدرٍ وفي يده قِدْحٌ يعدل به القوم، فمر بسَوَاد بن غَزِية وهو مستنتل من الصف، فطعن في صدره بالقدح، وقال: اسْتَوِيا سوادَاً فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوجعَتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني. فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: " استقِدْ " فاعتنقَه وقبل بطنه فقال: " ما حملك على هذا يا سَواد. فقال: حضَر ما ترى، فلم آمن القتْل، فأردتُ أن يكونَ آخر العهد بك أن يصدقَ جلدي جلدَي. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم عدل الصفوفَ، ورجعٍ إلى العريش يناشد ربه وما وعده من النصر، فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش خفقة ثم انتبه فقال: يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النَقع " .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يحرضهم ونفل كل امرئ منهم ما أصاب، وقال: " والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتَلُ صابراً مُحتسِباً، مُقْبِلاً غير مُدْبِر؟ إلا أدخله الله الجنة.
فقال عُمَيرُ بن الحُمام - وفي يده تَمَرات يأكلهن: بَخْ بَخْ، فما بيني وبين أن أدخل، الجنة إلا أن يقْتلَني هؤلاء! ثم قذف التمَراتِ من يده، وأخذ سيفَه، فقاتل القوم حتى قُتِل، وهو يقول:
رَكضاً إلى اللهِ بِغَيْر زاد ... إلا التقَى وَعَمل المَعادِ
وَالصبْر فِي الله ِعَلَى الجهاد ... وكل زَادٍ عُرْضَةُ النفَادِ
غَيْرُ التُّقى والبر والرشَادِ
فلما التقى النًاس، قال أبو جهل: اللهم أقْطَعَنَا لِلرًحم، وآتنا بما لا يُعرف، فأحِنْه الغداة، فكان هو المستفتِح على نفسه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حَفْنة من الحَصْباء، فاستقبل بها قريشاً، ثم قال: " شاهت الوُجوه " ثم نفخهم بها، وقال لأصحابه: شُدُوا، فكانت الهزيمة، فقتل الله مَنْ قُتِلَ مِنْ صناديد قريش، وأسر مَنْ أسر منهم، فلما وضع القوم أيديَهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بنُ معاذ قائم على باب العريش متوشحاً السيف، في نفر من الأنصار يحرسُون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كًرةَ العدوَ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكَرَاهِية لمَا يصنع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكأنك يا سعد تكره ما يصنع الناس " ، فقال: أجلْ والله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت أول وقعة أوقَعها الله بالمشركين، فكان الإثْخَانُ في القتل أعَجَبَ إِلي من استبقاء الرجال.
قتلى وأسرى المشركين وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، فممن قتل: عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد، وأبو جهل، وأبو البَخْتَري، وحنظلة بن أبي سفيان، والحارث ابن عامر، وطعيمة بن عدي، وَزَمْعة بن الأسود، ونوفل بن خويلد، والنضر بن الحارث، وعُقْبة بن أبي مُعيط، والعاص بن هشام خال عُمر، وأمية بن خلف، وعليُ بن أمية، ومنبه، بن الحجاج، ومعبد بن وهب.
وممن أسر: نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وأبو العاص بن الوبيع، وعدي بن الحباب، وأبو عزيز بن عمير، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعبد الله بن أبي بن خلف، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي الشاعر، ووهب بن عمير، وأبو وداعة بن ضبيرة، وسهيل بن عمرو.
وكان فداء الأسارى كل رجل منهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف، إلا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو عزة الجمحي.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيراً، فكان يفادي بهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكة يكتبون، وكان أهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة من غلمان المدينة فعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداؤه.
وفي رواية الشعبي: وكان زيد بن ثابت ممن علم.


قال ابن عباس: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومئذ: إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً.
فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: نقتل آباءنا أو أبناءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه السيف، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول لعمر بن الخطاب يا أبا حفص، أما تسمع قول أبي حذيفة يقول أضرب وجه عم رسول الله بالسيف، فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف فوالله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً.
وإنما نهى رسول الله عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب.
وقال ابن عباس: وكان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو، فقال رسول الله: " كيف أسرته " ؟ قال: أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، قال: " لقد أعانك عليه ملك كريم " ، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهراً أول ليلة، فقال أصحابه: ما لك لا تنام، فقال: " سمعت صوت تضور العباس في وثاقه " ، فقاموا إلى العباس، فأطلقوه، فنام رسول الله.
وقد روى ابن إسحاق عن أشياخه، أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف صديقاً لي بمكة، فلما كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي آخذاً بيده، ومعي أدراع قد استلبتها، فقال: يا عبد الله، هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع؟ فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يمشي ويقول: ما رأيت كاليوم قط.
ثم قال لي: من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت: حمزة، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل، قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال، وهو الذي كان يعذب بلالاً بمكة على أن يترك الإسلام يخرجه إلى رمضاء مكة فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد، فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، قلت: أي بلال، أسيري، قال: لا نجوت إن نجوا فقلت تسمع يا ابن السوداء، فقال: لا نجوت إن نجوا، ثم صرخ بأعلا صوته: يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا ثم جعلونا في المسكة وأنا أذب عنه، فضرب رجل ابنه فوقع، فصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط، فقلت: انج بنفسك، فوالله ما أغني عنك شيئاً. فضربوهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالاً، ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا أبو نوح قراد، قال: أخبرنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا سماك الحنفي أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه يدعو وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: " اللهم أين ما وعدتني " ؟ اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض أبداً " ، قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي اللهكفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. وأنزل الله تعالى: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فلما كان يومئذ التقوا، هزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلاً، وأسر منهم سبعون رجلاً.


فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعلياً وعمر رضي الله عنهم،، فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ترى يا ابن الخطاب " ؟ فقلت: والله ما أرى مثل ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وأرى إن تمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان ابن أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله سبحانه أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر و إذا هما يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " للذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " . لشجرة قريبة، وأنزل الله عز وجل: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله: " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم " من الفداء ثم أجل الله الغنائم " عذاب عظيم " .
فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم من الفداء فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عز وجل: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " بأخذكم الفداء انفراد بإخراجه مسلم.
وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو في قبته يوم بدر: اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم، فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك وهو ثبت في الدراع، فخرج وهو يقول: " سيهزم الجمع ويولون الدبر " .
ذكر مقتل أبي جهل أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا الداوودي، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: أخبرنا الفربري، قال: حدثنا البخاري، قال: أخبرنا مسدد، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن، أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار. حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: بلغني أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فتعجبت لذلك ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت لهما: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه فاستقبلهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: " أيكما قتله؟ " فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: " مسحتما سيفيكما؟ " قالا: لا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيفين، فقال: " كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح " وهما معاذ بن عمرو، ومعاذ بن عفراء.
قال مؤلف الكتاب: أخرجاه في الصحيحين.
وفي رواية ابن مسعود: أن معاذ بن عفراء ضرب أبا جهل هر وأخوه عوف بن الحارث، حتى أثبتاه، فعطف عليهما فقتلهما، ثم وقع صريعاً فوقف عليه معوذ.


وفي رواية، عن معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: ضربت أبا جهل بن هشام ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فقاتلت عليه يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما أذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت بها حتى طرحتها. وعاش معاذ إلى زمان عثمان. قال: ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، فمر به عبد الله بن مسعود، فوضع رجله على عينيه، فقال: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً، فقال: لمن الدائرة؟ فقال: لله ولرسوله، ثم اجتز رأسه، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله.
انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر، وقد ضربت رجله، وهو صريع، وهو يذب الناس عنه بسيف له، فقلت: الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله، فقال: هل هو إلا رجل قتله قومه؟ قال: فجعلت أتناولة بسيف لي غير طائل، فأصبت يده، فندر سيفه، فأخذته فضربته به، حتى قتلته، قال: ثم خرجت حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما أقل من الأرض، فأخبرته، فقال: " الحمد لله الذي لا إله غيره " فرددها ثلاثاً قال: قلت الله الذي لا إله إلا هو، قال، فخرج يمشي معي حتى قام عليه، فقال: " الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله، هذا كان فرعون هذه الأمة " .
وقتل أبو جهل لعنه الله وهو ابن سبعين سنة.
ذكر نزول الملائكة قال علماء السير: جاءت يوم بدر ريح لم يروا مثلها ثم ذهبت، ثم جاءت ريح أخرى، فكانت الأولى جبريل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان سماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور، والصوف في نواصي خيلهم، وكانت خيلاً بلقاء.
وقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل في غير ذلك اليوم، كانت تحضر ولا تقاتل.
وقال ابن عباس: حدثني رجل من بني غفار، قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا الجبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة، فننهب مع من ينهب. فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلاً يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فراع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت.
قال ابن حبعب الهاشمي: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: " من القائل أقدم حيزوم؟ " فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا يزيد، قال: قال محمد بن إسحاق، حدثني أبي، عن رجل من بني مازن، عن أبي داود، وكان شهد بدراً، قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن قد قتله غيري.
وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف، قال لي أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
وقال عكرمة: كان يومئذ يبدر رأس الرجل لا يدرى من ضربه، أو تبدر يد الرجل لا يدرى من ضربه.
وقال عطية بن قيس: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال بدر، جاءه جبريل عليه السلام على فرس أنثى حمراء عليه درعه ومعه رمحه قد عصم ثنيتيه الغبار، فقال: يا محمد إن الله تعالى بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت؟ قال: " نعم قد رضيت " فانصرف.
ذكر إلقاء رؤسائهم في القليب أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا الداوودي، قال: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، أنه سمع روح بن عبادة، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبي طلحة:


أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: " يا فلان. بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا " ؟ فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " .
قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً. أخرجاه في الصحيحين.
وروى ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: " يا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شيء " قال: لا والله يا نبي الله، ولكن كنت أعرف من أبي رأيا وحلماً وفضلاً، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر أحزنني ذلك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمر بما في العسكر فجمع، فقال من جمعه: هو لنا، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب، وقال الذين قاتلوا: لولا نحن ما أصبتموه نحن أحق به، وقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق منا.
قال عبادة ه بن الصامت: فلما اختلفنا في النفل نزعه الله عز وجل من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء.
قال ابن حبيب: وتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار، وكان لنبيه بن الحجاج، وغنم جمل أبي جهل، فكان يغزو عليه وكان يضرب في لقاحه.
فصل
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيراً إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أو على المسلمين، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة.
قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا التراب، على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.
فأتيت أبي وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس، وهو يقول: قتل عتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأبو البختري، وأمية بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج، فقلت: يا أبه أحق هذا؟ قال: نعم والله يا بني.
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً إلى المدينة: فاحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن زيد بن عوف ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء، نزل على كثيب في طريقه، فقسم النفل.
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه المسلمون بالروحاء يهنئونه بما فتح الله عليه، فقال رجل: وما الذي تهنئون به، فوالله إن لقينا إلا عجائز ضلعاً كالبدن المعقلة، فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " لا يا ابن أخي أولئك الملأ " . وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسارى من المشركين، وهم أربعة وأربعون.
فلما كان بالصفراء أمر علياً بقتل النضر بن الحارث، حتى إذا كان بعرق الظبية، قتل عقبة بن أبي معيط، فقال حين أمر به أن يقتل: فمن للصبية يا محمد، قال: النار، قال: فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.


ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قبل الأسرى بيوم، وقال: " استوصوا بالأسرى خيرا " . فكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير، فقال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال له: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها أن تفتديه منك. وكنت في رهط من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية سول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها فيردها علي ما يمسها.
فصل أول من قدم مكة بمصاب قريش قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله بن إياس الخزاعي.
وقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، وكان يكتم، إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق. فلما جاء الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش وجدنا في أنفسنا قوة وعزاً، فوالله إني لجالس في حجرة زمزم أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، فجلس، فأقبل أبو سفيان بن الحارث، فقال له أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي، فعندك الخبر، فأقبل فجلس إليه، فقال: أخبرني كيف كان أمر الناس، قال: لا شيء؟ والله إن كان إلا لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا، يقتلون ويأسرون كيف شاءوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بين السماء والأرض، ما تليق شيئاً، ولا يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فقلت: فتلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني، فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته به ضربة شجته، وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيده، فقام مولياً ذليلاً، فوالله ما عاش إلا سمع ليال حتى مات.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفحلوا ذلك فيبلغ محمداً وأصحابه فيشمتوا بنا، ولا تبعثوا في فداء الأسارى حتى تستأنوا بهم لئلا يشتط عليكم في الفداء.
وكان الأسود بن عبد يغوث قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث، وكان يحب أن يبكي على بنيه، فسمع نائحة في الليل، فقال لغلامه: انظر هل أحل النحيب؟ هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على زمعة، فإن جوفي قد احترق. فقال الغلام: إنما هي امرأة على بعير لها قد أضلته.
وخرج مطلب بن وداعة بفداء أبيه، فأخذه بأربعة آلاف درهم.
ثم خرج مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فلما انتهى إلى رضاهم في الفداء، قالوا: هات، قال: ضعوا رجلي مكانه وخلوا سبيله يبعث إليكم بالفداء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو، فإنك ذو مال. فقال: يا رسول الله إني كنت مسلماً ولكن القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما ذكرت حقاً فالله يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وكان معه عشرون أوقية حين أخذ، فقال: احسبها لي في فدائي، قال: لا، ذاك شيء أعطاناه الله عز وجل منك، قال: فليس لي مال، قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت من عند أم الفضل، ليس معكما أحد. ثم قلت لها: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا، ولعبيد الله كذا وكذا، قال: والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني أعلم أنك رسول الله حقاً، ففدى نفسه وابني أخيه وحليفه.
وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع، زوج زينب، وكانت زينب قد آمنت برسول الله، فأقام أبو العاص على شركه معها، فخرج يوم بدر فأسر، فبعثت زينب في فدائه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، حين بنى بها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم لها رقة شديدة، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، وردوا عليها ذلك.


وكان قد شرط لرسول الله أن يخلي سبيل زينب إليه، فقدم أبو العاص مكة، وأمر زينب باللحوق برسول الله، فتجهزت وقدم إليها حموها كنانة بن الربيع وزوجها بعيراً فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، وخرج بها نهاراً يقود بها، وهي في الهودج، فتحدث بذلك رجال قريش، فخرجوا في طلبها فأدركوها بذي طوى، فأول من سبق إليها هبار بن الأسود بالرمح، وكانت حاملاً، فألقت حملها، ونزل حموها فنثر كنانته، وقال، والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً، فرجع الناس عنه، فجاء أبو سفيان، فقال ويحك قد عرفت مصيبتنا ثم خرجت بالمرأة علانية، فيظن الناس إن ذلك عن ذل منا، ولعمري ما لنا حاجة في حبسها عن أبيها، ولكن ردها، فإذا هدأ الصوت، وتحدث الناس أنا قد رددناها، فسلها سراً فألحقها بأبيها، ففعل وأقام أبو العاص بن الربيع بمكة، وزينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، قد فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح، خرج أبو العاص تاجراً، فلما لحقته سرية لرسول الله، فأصابوا ما معه وهرب، فأقبل تحت الليل حتى دخل على زينب فاستجار بها، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح صاحت زينب: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل عليهم، فقال: هل سمعتم ما سمعت، قالوا: نعم، قال: والذي نفسي بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجيرعلى المسلمين أدناهم. ثم دخل على ابنته، فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له.
وقال للسرية التي أصابت ماله: إن تحسنوا قيدوا عليه، وإن أبيتم فهو فيء، وأنتم أحق به، قالوا: بل نرده فردوه.
ثم ذهب إلى مكة فرد ما للناس عنده من مال، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال، قالوا: لا، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا خوفاً أن تظنوا إني إنما أردت أن آكل أموالكم، ثم خرج فقدم على رسول الله.
قال ابن عباس: فرد رسول الله زينب بالنكاح الأول، لم يحدث شيئاً بعد ست سنين.
وفي رواية أخرى ردها بنكاح جديد.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي صر صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير، وهو في الحجر وكان عمير شيطاناً من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله وأصحابه، وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن ليس في العيش خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهن الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم.
فقال صفوان: فعلي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أسوتهم ما بقوا، قال عمير: فاكتم عني شأني وشأنك، قال افعل.
ثم إن عميراً أمر بسيف فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فرآه عمر قد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحاً السيف، فقال: هذا عدو الله عمير ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير، قد جاء متوشحاً، قال: فأدخله علي.
قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، أدن، يا عمير، فدنا ثم قال: أنعموا صباحاً، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أكرمنا الله بتحية خيراً من تحيتك يا عمير، بالسلام، تحية أهل الجنة، ما جاء بك يا عمير " ؟ قال: جئت لفداء الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً، قال: أصدقني بالذي جئت له، قال: ما جئت له، قال: ما جئت إلا لذلك، قال: بلى، قعدت أنت وصاحبك صفوان بن أمية في الحجر، فذكرت ما أصاب أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعلي عيال لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله عز وجل حائل بيني وبينك.


فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا نكذبك، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق. ثم تشهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن، وأطلقوا له أسيره.
ففعلوا، ثم قال يا رسول الله، إني كنت جاهداً في إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.
فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبداً، ولا ينفعه بنفع أبداً، فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه، فأسلم على يديه ناس كثير.
ذكر فضل من شهد بدراً أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا الداوودي، قال: أخبرنا السرخسي، قال: أخبرنا الفربري قال: أخبرنا البخاري، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر، قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قالوا: من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة.
انفرد بإخراجه البخاري.
وفي الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
ذكر عدد أهل بدر أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، قال: أخبرنا أبي، وسفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كنا نتحدث أن عدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلاثمائة وبضعة عشر، الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه النهر إلا مؤمن.
انفرد بإخراجه البخاري، وبه قال أحمد.
وأخبرنا ابن دياب، قال: أخبرنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أنه قال: أهل بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وكان المهاجرون ستة وسبعين، وكان هزيمة يوم بدر لسبع عشرة مضين من رمضان.
وفي رواية أخرى عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلاً، والأنصار مائتي وستة وثلاثين.
وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وكان صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.
أخبرنا أبو بكر محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو محمد بن حيويه، قال: أخبر أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: أخبرنا هشام بن حسان، قال: حدثنا محمد بن سيرين، قال: حدثنا عبيدة، قال: كان عدة أصحاب بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر: سبعون ومائتان من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس.
قال محمد بن سعد: جميع من شهد بدراً من المهاجرين الأولين من قريش وحلفائهم ومواليهم في عدد ابن إسحاق ثلاثة وثمانون، وفي عدد الواقدي: خمسة وثمانون.
وجميع من شهد بدراً من الأوس ومن ضرب له بسهمه وأجره في عدد موسى بن عقبة والواقدي ثلاثة وستون، وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر أحد وستون. وجميع من شهدها من الخزرج في عدد الواقدي مائة وخمسة وسبعون. وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر مائة وسبعون.
فجميع من شهدها من المهاجرين والأنصار ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره في عدد ابن إسحاق ثلاثمائة وأربعة عشر، وفي عدد أبي معشر والواقدي ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي عدد موسى بن عقبة ثلاثمائة وستة عشر.
قال المصنف رحمه الله: وقد ذكر قوم زيادة على هذا العدد، وأنا أذكر ما صح من ذلك على حروف المعجم، وقد استقصيت أنسابهم والخلاف فيهم في كتاب التلقيح، والله الموفق.
حرف الألف:


أبي بن كعب، أبي بن ثابت، الأرقم بن أبي الأرقم، أربد بن حمير، أسعد بن يزيد بن الفاكه، أسير بن عمرو، أنس بن قتادة، أنس بن معاذ، أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوس بن الصامت، أوس بن ثابت، أوس بن خولي، إياس بن البكير.
حرف الباء: بجير، بحاث، بسبس، بشر بن البراء، بشير بن سعد، بلال بن رباح.
حرف التاء: تميم بن يعار، تميم مولى خداش، تميم مولى بني غنم.
حرت الثاء: ثابت بن أقرم، ثابت بن ثعلبة، ثابت بن خالد، ثابت بن هزال، ثعلبة بن حاطب، ثعلبة بن عمرو، ثعلبة بن غنمة، ثقيف بن عمرو.
حرف الجيم: جابر بن خالد، جابر بن عبد الله بن رئاب، جبار بن صخر، جبر بن عتيك، جبير بن إياس.
حرف الحاء: الحارث بن أنس، الحارث بن أوس، الحارث بن حرمة، الحارث بن ظالم، الحارث بن قيس بن خالد، الحارث بن النعمان بن أمية، حارثة بن النعمان بن رافع، حارثة بن النعمان بن نفيع، حارثة بن سراقة، حاطب بن أبي بلتعة، حاطب بن عمرو، الحباب بن المنذر، حبيب بن الأسود، حرام بن ملحان، حريث بن زيد، حصين ابن الحارث، حمزة بن عبد المطلب، حارثة بن الحمير، وقيل: حمرة.
حرف الخاء: خالد بن البكير، خالد أبو أيوب الأنصاري، خالد بن قيس، خارجة بن زيد، خباب بن الأرت، خباب مولى عتبة بن غزوان، خبيب بن يسار، خداش بن الصمة، خلاد بن رافع، خلاد بن سويد، خلاد بن عمرو، خليد بن قيس بن نعمان، خليفة بن عدي، خنيس بن حذافة، خولي بن أبي خولي.
حرف الدال: وليس في حرف الدال أحد.
حرف الذال: ذكوان بن عبد قيس، ذو الشمالين.
حرف الراء: رافع بن الحارث، رافع بن عنجدة، رافع بن المعلى، الربيع بن إياس، ربيعة بن أكثم ربعي بن رافع، رجيلة بن ثعلبة، رفاعة بن رافع رفاعة بن عبد المنذر، رفاعة بن عمره.
حرف الزاي: الزبير بن العوام، زيد بن أسلم، زيد بن حارثة، زيد بن الخطاب، زيد بن سهل أبو طلحة، زيد بن وديعة، زياد بن كعب، زياد بن لبيد.
حرت السين: سالم بن عمير، سالم مولى أبي حذيفة، السائب بن عثمان بن مظعون، سبيع بن قيس، سراقة بن عمرو، سراقة بن كعب، سعد بن خولة، سعد بن خيثمة، سعد بن الربيع، سعد بن سهيل، سعد بن عثمان الزرقي، سعد بن عمير أبو زيد، سعد بن أبي وقاص، سعد بن معاذ، سعيد بن قيس، سفيان بن بشر، سلمة بن أسلم، سلمة بن ثابت، سلمة بن سلامة، سليم بن الحارث، سليم بن عمرو، سليم بن قيس، سليم بن ملحان، سليم أبو كبشة، سليط بن قيس، سماك أبو دجانة، سماك بن سعد، سنان بن صيفي، سنان بن أبي سناق، سواد بن رزن، سواد بن غزية، سويبط، سهل بن حنيف، سهل بن عتيك، سهل بن عدي، سهل بن قيس، سهل بن رافع، سهيل بن بيضاء.
حرف الشين: شجاع بن وهب، شماس بن عثمان.
حرف الصاد: صالح وهو شقران، صفوان بن بيضاء.
حرف الضاد: الضحاك بن عبد عمرو، ضمرة بن عمرو.
حرف الطاء: الطفيل بن الحارث، الطفيل بن مالك، الطفيل بن النعمان.
حرف العين:


عاصم بن ثابت، عاصم بن البكير، عاصم بن قيس، عاقل بن البكير، عامر بن أميه، عامر بن ربيعة، عامر بن سلمة، عامر أبو عبيدة الجراح، عامر بن فهيرة، عامر بن مخلد، عائذ بن ماعص، عباد بن بشر، عباد بن قيس، عبادة بن الخشخاش، عبادة بن قيس بن عبسة، عبد الله بن أنيس، عبد الله بن ثعلبة، عبد الله بن جبير، عبد الله بن جحش، عبد الله بن الجد بن قيس، عبد الله بن الربيع، عبد الله بن رواحة، عبد الله بن زيد، عبد الله بن سراقة، عبد الله بن سلمة، عبد الله بن سهل، عبد الله بن سهيل بن عمرو، عبد الله بن طارق، عبد الله بن عبد الله بن أبي، عبد الله هو أبو سلمة، عبد الله بن عبد مناف، عبد الله بن عبس، عبد الله أبو بكر الصديق، عبد الله بن عرفطة، عبد الله بن عمرو بن حرام، عبد الله بن عمر، عبد الله بن قيس بن صخر، عبد الله بن قيس بن خالد، عبد الله بن مخرمة، عبد الله بن مسعي، عبد الله بن مظعون، عبد الله بن النعمان، عبد الرحمن بن جبير، عبد الرحمن بن عبد الله، عبد الرحمن بن عوف، عبد رب الأنصاري، عبيد بن أوس، عبد بن زيد، عتبة بن غزوان، عتبة بن عبد الله، عتيك بن التيهان، عثمان بن مظعون، عدي بن أبي الزغباء، عصمة حليف الأنصار من بني أسد، عصيمة حليف لهم من أشجع، عقبة بن عامر، عقبة بن وهب بن كلدة، عقبة بن وهب بن ربيعة، عكاشة بن محصن، علي بن أبي طالب، عمارة بن حزم، عمار بن ياسر، عمر بن الخطاب، عمرو بن إياس، عمرو بن ثعلبة، عمرو بن سراقة، عمرو بن طلق، عمرو بن معاذ، عمرو بن أبي سرح ويقال معمر، عمير بن الحارث، عمير بن الحمام، عمير بن عامر، عمير بن عوف ويقال عمرو، عمير بن أبي وقاص، عمير بن معبد وقيل عمر، عمرة بن عمرو، عوف بن أثاثة وهو مسطح، عوف بن عفراء، عويمر بن ساعدة، عياض بن زهير.
حرف الغين: غنام بن أوس.
حرف الفاء: الفاكه بن بشر، فروة بن عمرو.
حرف الكاف: كعب بن جماز، كعب بن زيد، كعب أبو اليسر، كناز بن الحصين.
حرف الميم: مالك بن التيهان، مالك بن نميلة، مالك بن الدخشم، مالك بن ربيعة أبو أسيد، مالك أخو...، مالك أبو حبة، مالك بن أبي خولي، مالك بن قدامة، مالك بن مسعود، ميسرة بن عبد المنذر، المجذر بن زياد، محرز بن عامر، محرز بن نضلة، محمد بن مسلمة، مدلاج، مرثد، مسعود بن أوس، مسعود بن خالد، مسعود بن الربيع، مسعود بن سعد الحارثي، مسعود بن سعد الزرقي، مصعب بن عمير، معاذ بن جبل، معاذ بن عفراء، معاذ بن عمرو، معاذ بن ماعص، معبد بن عبادة، معبد بن قيس، معتب بن عبدة، معتب بن حمراء، معتب بن قشير، معقل بن المنذر، معمر بن الحارث، معن بن عدي، معوذ بن عفراء، معوذ بن عمرو، المقداد، مليك بن وبره، المنذر بن عمرو، المنذر بن قدامة، المنذر بن محمد، مهجع.
حرف النون: نصر بن الحارث، النعمان بن ثابت، النعمان بن سنان، النعمان بن عبد عمرو، النعمان بن عمرو، النعمان بن عصر، النعمان بن مالك، النعمان بن أبي حلقة، نوفل بن عبد الله.
حرف الهاء: هاني بن نيار، هشام بن عتبة، هلال بن المعلى.
حرف الواو: واقد بن عبد الله، وديعة بن عمرو، وذفة، وهب بن سعد، وهب بن محصن.
حرف الياء: يزيد بن الحارث، يزيد بن رقيش، يزيد بن عامر، يزيد بن المنذر يزيد بن المزين.
وممن يعرف بكنيته ممن شهدها أبو الحمراء، أبو خزيمة، أبو سبرة، أبو مليك.
وامتنع من شهودها ثمانية لأعذار، فضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم، فكانوا كمن شهدها، وهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد، والحارث بن حاطب، والحارث بن الصمة، وخوات، وعاصم بن عدي، وأبو لبابة.
فصل التقاء فارس بالروم،
ولما التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين يوم بدر، فنصر عليهم، وافق ذلك اليوم التقاء فارس بالروم، فنصرت الروم، ففرح المسلمون بالفتحين.
قال مؤلف الكتاب: وإنما فرحوا لأن الروم أصحاب كتاب، وفارس لا كتاب لهم.


أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا أحمد بن كامل، قال: حدثني محمد بن سعد العوفي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس في قوله: يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، كان ذلك في أهل فارس والروم، كانت فارس قد غلبتهم - يعني الروم - بعد ذلك، ولقي نبي الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب يوم التقت الروم وفارس، فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم، ففرح المؤمنون بنصر الله أتاهم، فذلك قوله: " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " .
سرية عمير بن عدي
ومن الحوادث في هذه السنة: سرية عمير بن عدي بن خرشة إلى عصماء بنت مروان، لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة.
وكانت عصماء تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول الشعر. فجاءها عمير في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فنحى الصبي عنها ووضع سيفه في صدرها حتى أنفذه من ظهرها. وصلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقتلت ابنة مروان؟ " ، قال: نعم قال: " لا ينتطح فيها عنزان " . فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سرية سالم بن عمير
ومن الحوادث: سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة. وكان أبو عفك شيخاً كبيراً يهودياً قد بلغ مائة وعشرين سنة، وكان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر. فقتله سالم بن عمير.
غزوة بني قينقاع
ومن الحوادث: غزوة بني قينقاع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وادع حين قدم المدينة يهودها على أن لا يعينوا عليه أحداً، وإنه إذا دهمه بها عدو نصروه. فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغي، وقالوا: لم يلق محمداً من يحسن القتال، ولو لاقيناه لاقى عندنا قتالاً لا يشبهه قتال أحد، ثم أظهروا له نقض العهد.
قال ابن إسحاق: فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع، وكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: " يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل " ، فقالوا: يا محمد، إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس.
فخرج للنصف من شوال، وحمل لواءه يومئذ حمزة، واستخلف على المدينة أبا لبابة، فتحصنوا في حصونهم، فحاصرهم خمسة عشر ليلة، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمه فيهم عبد الله بن أبي، فقال: يا محمد، أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأعرض عنه فأعاد السؤال، فأعرض عنه فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، أحسن، قال: " ويحك أرسلني " ، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي، أربع مائة حاسر، وثلاث مائة دارع وقد منعوني من الأسود والأحمر، تحصدهم في غداة واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هم لك " .
ثم أمر بإجلائهم، وغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لهم من مال، فكان أول مال خمس في الإسلام بعد بدر، ثم انصرف إلى المدينة.
وبعض العلماء يرى أن غزاة بني قينقاع كانت في سنة ثلاث، وكانت قبلها غزوات.
ومن الحوادث في هذه السنة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فصلى صلاة العيد وضحى هو والأغنياء من أصحابه، وهو أول عيد ضحى رآه المسلمون يومئذ، وكان ذلك في سنة ثلاث من هجرته صلى الله عليه وسلم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
حارثة بن سراقة أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا الداوودي، قال: أخبرنا ابن أعين، أخبرنا الفربري، قال: حدثنا البخاري، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا حسين بن محمد، قال: أخبرنا شيبان، عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك:


أن أم الربيع بنت البراء، وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت وأحسنت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء. فقال: " يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " .
أخرجه البخاري.
قال مؤلف الكتاب: قتل حارثة يوم بدر حبان بن العرقة، رماه بسهم فأصاب حنجرته، فقتله.
رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد شهد بدراً، فقتله عكرمة بن أبي جهل.
رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عليه: " تبت يدا أبي لهب وتب " ، قال له أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته. ففارقها ولم يكن دخل بها.
قال مؤلف الكتاب: وهذا وأخوه معتب ابنا أبي لهب أسلما وثبتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وبايعت رقية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها عثمان، وهاجرت معه الهجرتين إحداهما إلى أرض الحبشة، وكانت قد أسقطت من عثمان سقطاً، ثم ولدت له بعد ذلك ابناً فسماه عبد الله، وكان يكنى به في الإسلام، ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، فخلف عليها عثمان، فتوفيت في رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل المدينة وقد سوي عليها التراب.
سعد بن خيثمة أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا ابن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كان سعد بن خيثمة أحد نقباء الأنصار الاثني عشر، شهد العقبة الأخيرة مع السبعين ولما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزاة بدر، قال له أبوه خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك، فأبى سعد وقال: لو كان غير الجنة لآثرتك بها، إني لأرجو الشهادة في وجهي. فاستهما فخرج سهم سعد، فخرج فقتل ببدر.
سعد بن مالك بن خلف بن ثعلبة بن حارثة تجهز ليخرج إلى بدر فمرض فمات، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره صفوان بن بيضاء قتل يوم بدر، قال الواقدي: وقد روي لنا أنه لم يقتل ببدر، وأنه شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي في سنة ثمان وثلاثين.
عاقل بن أبي البكير بن عبد يا ليل بن ناشب كذلك كان يقول أبو معشر، والواقدي. وقال موسى بن عقبة: عاقل بن البكير.
أسلم في دار الأرقم، وخرج بنو البكير كلهم من مكة للهجرة، فأوعبوا رجالهم ونساؤهم، حتى غلقت أبوابهم.
قال مؤلف الكتاب: قتل عاقل يوم بدر شهيداً، وهو ابن أربع وثلاثين سنة. قتله مالك بن زهير الجشمي.
عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ويكنى أبا الحارث: كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وأسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال.
وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة لحمزة ثم لعبيدة. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستين راكباً، فلقوا أبا سفيان، ولم يكن بينهم إلا الرمي.
وقتل عبيدة يوم بدر، قتله شيبة بن ربيعة، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء، وكان ابن ثلاث وستين سنة.
عمير بن الحمام آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبيدة بن الحارث، وقتلا جميعاً ببدر.
وكان عمير أول من قتل من الأنصار يومئذ. قتله خالد بن الأعلم.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عكرمة.


أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في قبة يوم بدر، فقال: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين " . فقال عمير بن الحمام: بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم تبخبخ " قال: رجا، أن أكون من أهلها، قال: " فإنك من أهلها " ، قال: فانتثل تمرات من قرنه فجعل يلوكهن، ثم قال: والله لئن بقيت حتى ألوكهن إنها لحياه طويلة. فنبذهن وقاتل حتى قتل.
عمير بن عبد عمرو بن نضلة، ذو الشمالين من خزاعة، يكنى أبا محمد: كان يعمل بعمل يديه، ويقال فيه: ذو الشمالين، وذو اليدين، إلا أن الصحيح أنهما اثنان.
قدم إلى مكة، قتل يوم بدر وهو ابن بضع وثلاثين سنة.
عمير بن أبي وقاص، أخو سعد وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوبة، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن فهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره، فقال: " ارجع " ، فبكى عمير فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال سعد: وكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة، قتله عمرو بن عبد ود.
عوف بن عفراء استشهد يوم بدر.
معوذ بن عفراء قتل ببدر.
مبشر بن عبد المنذر بن رفاعة شهد بدراً، وقتل يومئذ شهيداً.
مهجع مولى عمر بن الخطاب كان من المهاجرين، وهو أول قتيل قتل يوم بدر، قتله عامر بن الحضرمي.
هلال بن المعلى قتل ببدر.
يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك شهد بدراً وقتل يومئذ.
فصل وفي هذه السنة مات جماعة من رؤساء الكفار منهم
أمية بن أبي الصلت واسم أبي الصلت ربيعة بن عوف، كان أمية قد قرأ الكتب المتقدمة، ورغب عن عبادة الأوثان، وأخبر أن نبياً قد أظل زمانه، وأنه سيخرج، وكان يؤمل أن يكون هو ذلك النبي، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر به حسداً له، ولما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره، قال: " آمن لسانه وكفر قلبه " .
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو عبد الله، هبة الله بن أحمد بن محمد الموصلي، قال: حدثنا أبو القاسم بن عبد الملك بن محمد بن بشران، قال: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد قال: أحمد بن يحيى بن ثعلب، قال: أخبرنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثني محمد بن مسلمة بن إبراهيم بن هشام المخزومي، قال: حدثني إسماعيل بن الطريح بن إسماعيل الثقفي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجاراً إلى الشام، قال: فكلما نزلنا منزلاً أخرج أمية سفراً يقرأه علينا، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى فرأوه وعرفوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعهم، ثم رجع في وسط النهار ففرح ثوبيه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما، ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهى علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضى هو وجاءنا بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح، فأصبح كئيباً حزيناً ما يكلمنا ولا نكلمه، فسرنا ليلتين على ما به من الهم، فقلت له: ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك؟ قال: لمنقلبي، قلت: هل لك من منقلب؟ قال: أي والله لأموتن ولأحاسبن، قلت: فهل أنت قابل أماني على، ما قلت على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك، وقال: بلى والله لتبعثن ولتحاسبن وليدخلن فريق في الجنة وفريق في النار، قلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه، فكنا في ذلك ليلنا يعجب منا ونضحك منه حتى قدمنا غوطة دمشق.


فبعنا متاعنا وأقمنا شهرين ثم ارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى، فلما رأوه جاءوه، وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعهم حتى جاءنا مع نصف الليل، فلبس ثوبيه الأسودين، فذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبه ثم رمى بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام فأصبح مبثوثاً حزيناً لا يكلمنا ولا نكلمه.
فرحلنا فسرنا ليالي، ثم قال: يا صخر حدثني عن عتبة بن ربيعة، أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: إي والله، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله، قال: فهل تعلم قريشاً أشرف منه؟ قلت: لا، قال: أو محوج هو؟ قلت: لا بل هو ذو مال كثير، قال: كم أتى عليه من السن؟ قلت: هو ابن سبعين سنة قد قاربها، قال: والسن والشرف أزريا به؟ قلت: لا والله بل زاده خيراً، قال: هو ذاك، قال: إن الذي رأيت بي البارحة، إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ننتظر، فقال: هو رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب، قال: هو من إخوانكم ومن جيرانكم من قريش، فأصابني شيء ما أصابني مثله، إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة، وكنت أرجو أن أكون أنا هو، فقلت: فصفه لي، فقال: رجل شاب حين دخل في الكهولة بدو أمره، إنه يجتنب المحارم والمظالم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، وأكثر جنده من الملائكة، قلت: وما آية ذلك؟ قال: رجفت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم ثمانين رجفة، كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة يخرج على أثرها، فقلت: هذا هو الباطل، لئن بعث الله رسولاً لا يأخذه إلا منا شريفاً. قال أمية: والذي يحلف به إنه لهكذا، فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكب من خلفنا، فإذا هو يقول: أصابت الشام بعدكم رجفة، دمرت أهلها فيها وأصابهم مصائب عظيمة، فقال أمية: كيف ترى يا أبا سفيان؟ فقلت: والله ما أظن صاحبك إلا صادقاً.
وقدمنا مكة، ثم انطلقت حتى جئت أرض الحبشة تاجراً، فمكثت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون علي وفي آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهند تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقدمي ثم انطلق. فقلت: والله إن هذا الفتى لعجب، ما جاءني أحد من قريش له معي بضاعة إلا سألني عنها وما بلغت، والله إن له معي بضاعة ما هو أغناهم عنها وما سألني عنها، فقالت هند: أو ما علمت شأنه، فقلت وقد فزعت: وما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فذكرت قول النصراني ووجمت، فخرجت فلقيته، فقلت: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا، فأرسل فخذها فلست آخذ منك ما آخذ من قومك. فأبى وأرسل فأخذها وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره، فلم أنشب أن خرجت تاجراً إلى اليمن، فقدمت الطائف فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقلت: يا أبا عثمان، هل تذكر حديث النصراني؟ قال: نعم، قلت: فقد كان ما قال، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله، قال: عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، فتصبب عرقاً، قال: وقال: إن ظهر وأنا حي لأطلبن من الله في نصره عذراً، فعدت من اليمن فنزلت على أمية بالطائف، فقلت: قد كان من أمر الرجل ما بلغك فأين أنت منه؟ قال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبداً، فأقبلت إلى مكة فوجدت أصحابه يضربون ويقهرون، فقلت: فأين جنده من الملائكة ودخلني ما يدخل الناس من النفاسة.
وروى الزهري أن أمية بن أبي الصلت كان يقول:
ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
قال: ثم خرج أمية إلى البحرين، فأقام بالبحرين ثمان سنين، ثم قدم الطائف فقال لهم: ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي؟ فهو الذي كنت تتمنى، فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه، فقال: يا ابن عبد المطلب، ما هذا الذي تقول؟ قال: " أقول أني رسول الله، وأن لا إله إلا الله " ، قال: فإني أريد أن أكلمك، فعدني غداً، قال: " فوعدك غدا " ، قال: أفتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي، وتأتي وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي ذلك شئت " ، قال: إني آتيك في جماعة.


قال: فلما كان من الغد غداً أمية في جماعة من قريش، وغداً رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل البيت، قال: فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر حتى إذا فرغ، قال: أجبني يا ابن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين " حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر برجليه إلى راحلته. قال: وتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: أشهد أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره.
ثم خرج أمية إلى الشام، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما قتل أهل بدر، أقبل من الشام حتى نزل بدراً. ثم ترجل يريد رسول الله، فتصور له إبليس، فقال له: يا أبا الصلت ما تريد؟ قال: أريد محمداً، قال: تدري من في القليب؟ قال: فيه عتبة بن ربيعة وشيبة، ابنا الخالة، فجدع أذني ناقته وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول:
ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة جحاجح
قال: ورجع إلى مكة وترك الإسلام، فخرج حتى قدم الطائف فقدم على أخته، فقال: دعيني أنام، فوضع رأسه، قالت أخته: فإني انظر فانشقت ناحية من سقف البيت، فإذا طائران أبيضان، فوقع أحدهما على بطن أمية فنقر صدره نقرة فشقته، فأخرج قلبه، فقال له الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، قال: ثم رد قلبه وطار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا مال يغنيني ولا عشيرة تحميني.
فأقبل الطائران حتى وقع أحدهما على بطنه فنقر صدره فأخرج في ثم شق قلبه، فقال الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعي، قال: أقبل، قال: أبى، قال: فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا بريء فأعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر.
فأقبل الطائر فوقع على صدره فنقر نقرة فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أفقبل، قال: أبى، فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما بالنعم محمود وبالذنب محصود.
فأقبل الطائر فوقع على صدره فنقر صدره نقرة شقته ثم أخرج قلبه، فقال: الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
واستوى السقف، فاستوى أمية جالساً، فقالت أخته: يا أخي هل تجد شيئاً، قال: لا إلا حراً في صدري، وجعل يمسح صدره، وأنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
فاجعل الموت بين عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولاه
ثم خرج من عندها حتى إذا كان بين بيتها وبيته أدركه الموت. قال: ففيه نزق قوله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " .
وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عزا ابن عباس: إن وازعة بنت أبي الصلت الثقفي جاءته فسألها عن قصة أخيها أمية، فقالت: قدم أخي من سفر، فوثب على سريري، فأقبل طائران فسقط أحدهما على صدره، فشق ما بين صدره إلى ثنيته فانتبه، فقلت: يا أخي هل تجد شيئاً؟ قال: لا والله إلا توصيباً.
قال مؤلف الكتاب: ومعنى قولها: وثب على سريري اتكئ، أي نام، وهي لغة حميرية يقال: وثب الرجل إذا قعد. والتوصيب يجده الإنسان في نفسه.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو عبد الله الموصلي، قال: أخبرنا أبو القاسم بن بشران، قال: حدثنا أبو سهل بن زيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك، قال: حدثني محمد بن إسماعيل بن الطريح بن إسماعيل الثقفي، عن أبيه، عن جد أبيه قال: شهدت أمية من أبي الصلت حين حضرته الوفاة فأغمي عليه طويلاً فرفع رأسه ونظر إلى باب البيت فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا قوي فأنفر ولا بريء فأعتذر.
ثم أغمي عليه طويلاً ثم أفاق، فرفع رأسه ونظر إلى باب البيت فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا عشيرتي تحميني ولا ذو مال يفديني.
ثم أغمي عليه طويلاً ثم أفاق فرفع رأسه، فقال:
كل حي وإن تطاول دهر ... صائر مرة إلى أن يزولا


ولا ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
ثم فاضت نفسه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا الحسين بن محمد الخلال، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: حدني خالي إبراهيم بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن فرج المقرئ، قال: حدثني يعقوب بن السائب، قال: كان أمية بن أبي الصلت جالسا يشرب، فجاء غراب فنعب نعبة، فقال له أمية: لفيك التراب، ثم نغب أخرى، فقال له: بفيك التراب، ثم أقبل على أصحابه، فقال: تدرون ما قال هذا الغراب، زعم أني أشرب هذا الكاس ثم أتكئ، فأموت، ثم نعب النعبة الأخرى، فقال: يقول: وآية ذلك أني أقع على هذه المزبلة، فأبتلع عظماً ثم أقع فأموت. قال: فوقع الغراب على المزبلة فابتلع عظما فمات. فقال أمية: أما هذا فقد صدقني عن نفسه، ولكن لا نظرت أيصدقني عن نفسي، قال: ثم شرب الكأس، ثم اتكأ فمات.
أخبرنا علي بن عبد الله الزاغوني، قال: أخبرنا عبد الصمد بن المأمون، قال: أخبرنا ابن جبانة، قال: أخبرنا يحيى بن صاعد، قال: أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرنا حاتم بن أبي صعيرة، عن سماك بن حرب، عن عمرو بن نافع، عن الشريد الهمذاني، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فبينما أنا أمشي ذات يوم إذ وقع ناقة خلني، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " الشريد " ، قلت: نعم، قال: " ألا أحملك " ، قلت: بلى، وما في إعياء ولا لغوب ولكني أردت البركة في ركوبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأناخ فحملني، فقال: أمعك من سفر أمية بن أبي الصلت؟ قلت: نعم، قال: " هات " ، فأنشدته، قال: أظنه مائة بيت، قال: وقال: عند الله علم أمية بن أبي الصلت، عند الله علم أمية بن أبي الصلت.
وأخبرنا عمر بن أبي الحسن البسطامي، قال: أخبرنا أحمد بن أبي المنصور، قال: أخبرنا علي بن أحمد الخزاعي، قال: أخبرنا الهيثم بن كليب، فال. أخبرنا الترمذي، قال: أخبرنا أحمد بن منيع، قال: أخبرنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمر بن الشريد، عن أبيه، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته مائة بيت من شعر أمية بن أبي الصلت، كلما أنشدته بيتاً قال: " هيه " حتى أنشدته مائة - يعني بيتاً - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن كاد ليسلم " .
انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه.
وذكر أبو الحسين بن المنادي في كتاب صفايا حكم الأشعار، قال: قد صح بين علماء الناس بالشعر وأيام العرب، أن مما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت قوله:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا
وقوله:
سبحان من سبحت طير السماء له
وقوله:
إله محمد حقاً إلهي
وغير ذلك، قال: وكان أمية يحكي آثار قدرة الله تعالى وما ينتهي إليه أمر الدنيا من الزوال والمعاد، وإلى الخلود في الجنة والنار، وتسخير الشمس والقمر وغير ذلك على ما كان قد قرأه في الكتب المتقدمة، وكان يتوهم أن نبيا سيبعث فيكون هو ذلك، فلما بلغه خروج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انقمع وحسده.
قال أبو الحسين: فأخبرني جماعة منهم: أبو عبد الله محمد بن موسى الفراء، وجعفر بن موسى النحوي، وغيرهما عمن حدثهما عن أبي عبيدة معمر بن المثنى والأصمعي وغيرهما قالوا: إن أمية بن أبي الصلت، قال هذه القصيدة في أول المبعث يذكر فيها دين الإسلام ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا ... ولا شيء أعلى منك جداً وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تضوي الوجوه وتسجد
عليه حجاب النور والنور حوله ... وأنهار نور فوقه تتوقد
فلا بصر يسمو إليه بطرفه ... ودون حجاب النور خلق مؤيد
ملائكة أقدامهم تحت أرضه ... وأعناقهم فوق السماوات تسجد
فمن حامل إحدى قوائم عرشه ... بكفيه لولا الله كلوا وبلدا
قيام على الأقدام عانون تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعد
وبسط صفوف ينظرون قضاءه ... مصيخون بالأسماع للوحي ركد


أميناه روح القدس جبريل فيهم ... وميكال ذو الروح القوي المسدد
وحراس أبواب السموات دونهم ... قيام عليها بالمقاليد
فنعم العباد المصطفون لأمره ... ومن دونهم جند كثيف مجند
ملائكة لا يفتروا عن عبادة كروبية منهم ركوع وسجد
فساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظم رباً فوقه ويمجد
وراكعهم يحنو له الظهر خاشعاً ... يردد آلاء الإله ويحمد
ومنهم ملف في جناحيه رأسه ... يكاد بذكر ربه يتفصد
من الخوف لاذو سامة من عبادة ... ولا هو من طول التعبد يحمد
وساكن أقطار بأرجاء مصعد ... وذو الغيب والأرواح كل معبد
ودون كثيف الماء في غامض الهوا ... ملائكة تنحط فيها وتقصد
وبين طباق الأرض تحت بطونها ... ملائكة بالأمر فيها تردد
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد
ومن لم ينازعه الخلائق ملكه ... وإن لم يفرده العباد يفرد
مليك السموات الشداد وأرضها ... وليس بشيء عن هواد تأود
وسبحان ربي خالق النور لم يلد ... ولم يك مولوداً بذلك أشهد
وسبحانه من كل إفك وباطل ... ولا والد ذو العرش أم كيف يولد
هو الله باري الخلق والخلق كلهم ... إماء له طوعاً جميعاً وأعبد
هو الصمد الحي الذي لم يكن له ... من الخلق كفؤ قد يضاهيه مضدد
وأنى يكون الخلق كالخالق الذي ... يدوم ويبقى والخليفة تنفد
وليس بمخلوق على الدهر جده ... ومن ذا على مر الحوادث يخلد
ويفني ولا يبقى سوى القاهر الذي ... يميت ويحمي دائبا ليس يمهد
تسبحه الطير الحوائج في الخفا ... وإذ هي في جو السماء تصعد
ومن خوف ربي سبح الرعد فوقنا ... وسبحه الأشجار والوحش أبد
وسبحه البنيان والبحر زاخر ... وما ضم من شيء وما هو متلد
ألا أيها القلب المقيم على الهوى ... إلى أي حين منك هذا التمرد
عن الحق كالأعمى المحيط عن الهوى ... وقد جاءك النجد النبي محمد
بنور على نور من الحق واضح ... دليل على طرق الهدى ليس يخمد
ترى فيه أبناء القرون التي خلت ... وأخبار غيب في القيامة توجد
وحالات دنيا لا تدوم لأهلها ... وفيها منون ريبها متردد
ألا إنما الدنيا بلاغ وبلغة ... وبينا الفتى فيها مهيب مسود
إذ انقلبت عنه وزال نعيمها ... فأصبح من ترب القبور يوسد
وفارق روحاً كان بين حياته ... وجاور موتى ما لهم متبدد
فأي فتى قبلي رأيت مخلداً ... له في قديم الدهر ما يتورد
ومن يبتليه الدهر منه بعثرة ... فيبكو لها والنائبات تردد
لمن تسلم الدنيا وإن ظن أهلها ... نصيحتها والدهر قد يتجدد
ليوم وأقوام قد انكفأت بهم ... دهور وأيام ترافد عود
ألست ترى فيما مضى لك عبرة ... فمه لا تكن يا قلب أعمى تلدد
وقد جاء ما لا شك فيه من الهدى ... وليس يرد الحق إلا مفند
وكن خائفاً للموت والبعث بعده ... ولا تك ممن غره اليوم والغد
فإنك في الدنيا غرور لأهلها ... وفيها عدو كاشح الصدر يوقد
من الحقد نيران العداوة بيننا ... لئن قال ربي للملائكة اسجدوا


لآدم لما أكمل الله خلقه ... فخروا له طوعاً سجوداً وركد
فقال عدو الله للكبر والشقا ... أطين على نار السموم يسود
فأخرجه العصيان من خير منزل ... فذاك الذي في سالف الدهر يحقد
علينا ولا يألو خبالاً وحيلة ... ليوردنا منها الذي يتورد
جحيماً تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها آخر الدهر يبرد
فما لك في الشيطان والناس أسوة ... إذا ما صليت النار بل أنت أبعد
هو القائد الداعي إلى النار جاهداً ... ليوردنا منها الذي يتورد
وما لك من عذر بطاعة فاسق ... ولا بلظى نار عملت لها يد
وقال أيضاً أمية:
إله محمد حقاً إلهي ... وديني دينه غير انتحال
إله العالمين وكل أرض ... ورب الراسيات من الجبال
بناها وابتنى سبعاً شداداً ... بلا عمد يزين ولا دجال
وسواها وزينها بنور ... من الشمس المضيئة والهلال
ومن شهب تلالأ في دجاها ... مراميها أشد من النضال
وأنشا المزن تدلج بالروايا ... خلال الرعد مرسلة الغوال
ليسقي الحرث والأنعام منها ... سجال الماء حالاً بعد حال
وشق الأرض فانبجست عيونًا ... وأنهاراً من العذب الزلال
وبارك في نواحيها وزكا ... بها ما كان من حرث ومال
وأجرى الفلك في تيار موج ... تفيض على المداليج الثقال
وكل معمر لا بد يوماً ... وذي دنيا يصير إلى زوال
وبفنى بعد جدته ويبلى ... سوى الباقي المقدس ذي الجلال
كأنا لم نعش إلا قليلاً ... إذا كنا من الهام البوالي
وصرنا في مضاجعنا رميماً ... إلى يوم القيامة ذي الوبال
ونادى مسمع الموتى فجئنا ... من الأجداث كالشنن العجال
وأعطى كل إنسان كتاباً ... مبينا باليمين وبالشمال
ليقرأ ما تقارف ثم يكفا ... حسابًا نفسه قبل السؤال
وقام القسط بالميزان عدلاً ... كما بان الخصيم من الجدال
فلا إنسان بين الناس يرجى ... ولا رحم تمت إلى وصال
سوى التقوى ولا موت يرجى ... سوى الرب الرحيم من الموالي
وسيق المجرمون وهم عراة ... إلى دار المقامع والنكال
إلى نار تحش بصم صخر ... وما الأوصال من أهل الضلال
إذا نضجت جلودهم أعيدت ... كما كانت وعادا في سفال
ونادوا ويلنا ويلاً طويلاً ... على ما فاتنا أخرى الليالي
فهم متلاعنون إذا تلاقوا ... بها لعناً أشد من القتال
ونادوا مالكاً ودعوا ثبوراً ... وعجوا من سلاسلها الطوال
إذا استسقوا هناك سقوا حميماً ... على ما في البطون من الأكال
شرابهم مع الزقوم فيها ... ضريع يجتلي عقد الخبال
فليسوا ميتين فيستريحوا ... وكلهم لحر النار صالي
وحل المتقون بدار صدق ... وعيش ناعم تحت الظلال
ظلال بين أعناب ونخل ... وبنيان من الفردوس عالي
لهم ما يشتهون وما تمنوا ... من اللذات فيها والجمال
ومن إستبرق يكسون فيها ... عطايا جمة من ذي المعالي
ومن خدم بها يسقون منها ... كدر خالص الألوان غالي
وأشربة من العسل المصفى ... ومن لبن ومن ماء السجال
وكأس لذة لا غول فيها ... من الخمر المشعشعة الحلال
على سرر مقابلة عوال ... معارجها أذل من البغال


صفوف متكون لدى عظيم ... بكفيه الجزيل من النوال
قال مؤلف الكتاب: وله أشعار كثيرة اقتصرنا على هذا منها، وكان له ولد يقال له القاسم، وتعاطى الشعر الجيد.
ومن مات في هذه السنة من الكفار
المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، أبو وهب وكان من أشراف قريش، وكان أقلهم أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من الطائف، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الطائف، فلما عاد منعوه دخول مكة، فبعث إلى المطعم: " أدخل في جوارك " قال: نعم، فأجاره فدخل.
ومات المطعم بمكة في صفر هذه السنة كافراً، ودفن بالحجون وهو ابن بضع وتسعين سنة، أقيم النوح سنة عليه.
فلما كانت غزاة بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر: " لو كان المطعم حياً لوهبت له هؤلاء السبي " .
وفي هذه السنة مات أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية وكان حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه ليكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث، فقال: بلغني أنك تحسن القول في محمد، فكيف ذاك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لا يتبعه بالعذاب؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمه وعيب ما جاء به، فقويت بذلك نفوس المشركين.
وكان أبو أحيحة كبيراً في القوم عظيم الشرف، كان إذا اعتم لم يعتم أحد بمكة، أو يعتم على غير لون عمامته، إعظاما له، وكان يدعى ذا التاج، ومات بالطائف في هذه السنة وله تسعون سنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث من الهجرة
غزوة قرقرة الكدر
فمن الحوادث فيها: غزوة قرقرة الكدر، والكدر ماء من مياه بني سليم، وكانت للنصف من المحرم.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكان بلغه أن بهذا الموضع جمعاً من سليم وغطفان، فسار إليهم فلم يجد أحداً، فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار، فسأله عن الناس، فقال: لا علم لي بهم، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بالنعم، وكانت خمسمائة بعير، وصار يسار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وكانت غيبته خمس عشرة ليلة. هذا قول الواقدي.
وأما ابن إسحاق، فإنه يقول: هذه الغزاة كانت في شوال سنة اثنتين من الهجرة.
غزوة السويق
ومن الحوادث في هذه السنة: غزوة السويق. وذلك أن أبا سفيان حرم الدهن بعد بدر حتى يثأر من محمد وأصحابه، فخرج في مائتي راكب إلى أن بقي بينه وبين المدينة ثلاثة أميال، فقتل رجلاً من الأنصار وأجيراً له، وحرق أبياتاً هناك وتبناً، ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في أثره في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار، واستخلف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة، فجعل أبو سفيان، وأصحابه يتخففون للهرب فيلقون جرب السويق، وكانت عامة أزوادهم، فأخذها المسلمون، فسميت غزاة السويق فلم يلحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى المدينة، وكانت غيبته خمسة أيام.
غزوة غطفان بذي أمر
ومن الحوادث في هذه السنة: غزوة غطفان، وهي ذو أمر، ويقال لها: غزوة. أنمار.


وذلك أن رسول الله لما بلغه أن جمعاً من بني ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا شيئاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب المسلمين وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلاً، واستخلف عثمان بن عفان، فأصابوا رجلاً من المشركين بذي القصة يقال له حبار، من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم، وقال: لن يلاقوك إذ سمعوا بمسيرك هوبوا في رؤوس الجبال، فأسلم حبار، ولم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً غير أنه ينظر إليهم في رؤوس الجبال، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه وألقاهما على شجرة ليجفا وأضطجع، فجاء رجل من العدو، يقال له دعثور بن الحارث ومعه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من يمنعك منى اليوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله " ، ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " من يمنعك مني " ؟ قال لا أحد، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم أتى قومه، فجعل يدعوهم إلى الإسلام، ونزلت: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم " ورجعوا إلى المدينة، ولم يلقوا كيداً وكانت غيبتهم إحدى عشرة ليلة.
قال مؤلف الكتاب: هكذا ذكر ابن سعد وغيره أن هذا كان في هذه السنة.
وذكروا أن اسم الرجل دعثور، وقد روي في الصحيح أن اسمه عورب، وروي أن هذا كان في سنة خمس من الهجرة.
سرية قتل كعب بن الأشرف
ومن الحواث في هذا الشهر من هذه السنة: سرية قتل كعب بن الأشرف وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وكان سبب قتله أنه كان شاعراً، فهجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وشبب بنسائهم، وبكى على قتلى بدر، وحرض المشركين بالشعر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لي بابن الأشرف؟ فقال له محمد بن مسلمة: أنا فاجتمع هو وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس، وكان أبو نائلة أخا كعب من الرضاعة، فجاءه، فقال له: إن قدوم هذا الرجل كان علينا من البلاء، حاربتنا العرب فرمتنا عن قوس واحدة، ونحن نريد التنخي عنه، ومعي رجال من قومي على مثل رأي، وقد أردت أن آتيك بهم، فنبتاع منك طعاماً وتمراً، ونرهنك ما يكون لك فيه، ثقة، فقال: جئ بهم متى شئت، فاجتمعوا وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثم وجههم وقال: امضوا على بركة الله، فمضوا حتى انتهوا إلى حصنه، فخرج إليهم فقتلوه، وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم.
زواج عثمان بن عفان أم كلثوم
ومن الحوادث في هذا الشهر من هذه السنة: تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة.
غزوة بني سليم
وفي هذه السنة: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سليم، وذلك لست ليال خلون من جمادى الأولى. على رأس سبع وعشرين شهراً من مهاجرته، ببحران، وهو بناحية الفرع، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد.
وذلك أنه بلغه أن بها جمعاً من بني سليم، فخرج في ثلاثمائة واستخلف ابن أم مكتوم فوجدهم تفرقوا، فرجع ولم يلق كيداً، وكانت غيبته عشر ليال.
سرية زيد بن الحارث
وفيها: كانت سرية زيد بن حارثة إلى القردة، لهلال جمادى الآخرة، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميراً.
والقردة ماء من مياه نجد بين الربذة وغمرة. بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض عيرا لقريش، فمضى زيد في مائة راكب، فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم، وقدموا بالعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم، وأسر فرات بن حيان، وأسلم.
زواجه صلى الله عليه وسلم حفصة


وفيها: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة في شعبان، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي في الجاهلية، فتوفي عنها مقدم سول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، فعرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه بشيء، ثم على عثمان فلم يجبه بشيء، فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله عرضت على عثمان حفصة فأعرض عني، فقال: إن الله قد زوج عثمان خيراً من ابنتك، وزوج ابنتك خيراً من عثمان وكان ذلك متوفى رقية، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان، على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد، ثم طلقها فأتاها خلالها عثمان وقدامة، فبكت وقالت: والله ما طلقني رسول الله عن شبع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها، فجلست، فقال: إن جبريل أتاني فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة.
قال مؤلف الكتاب: وفي رواية إنه هم بطلاقها.
زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت خزيمة
وفيها: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة، وكانت تسمى في الجاهلية أم المساكين، وكانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب فطلقها، فتزوجها أخوه عبيدة ابن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيداً، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رمضان هذه السنة. وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشاً، فمكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت.
وفيها: ولد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت، قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري، قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن علي ابن الحسن بن شعيب المدائني، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله الدرقي قال: الحسن بن علي يقال انه ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
وفيها: حملت جميلة بنت عبد الله بن أبي بعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر في شوال.
وفيها ولد أبو الطفيل عامر بن وائلة، ومات بعد المائة.
غزوة أحد
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة أحد. وكانت يوم السبت لسبع خلون من شوال، وكان سببها أنه لما رجع من حضر بدراً من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان موقوفة في دار الندوة، فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان، فقالوا: نحن طيبو الأنفس بأن تجهز بربح هذه العير جيشاً إلى محمد، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك، وبنو عبد مناف معي، فباعوها فصارت ذهباً، وكانت ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم، وعزلت الأرباح، وبعثوا الرسل إلى العرت يستنصرونهم، وأجمعوا على إخراج الظعن معهم ليذكرنهم قتلى بدر فيحفظنهم فيكون أجد لهم في القتال.
وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت قريش ومعهم أبو عامر الراهب، وكان عددهم ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس وثلاثة ألاف بعير، وكانت الظعن خمسة عشرة امرأة، فساروا حتى نزلوا ذا الحلمة فأقاموا يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وبات سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة من الناس، وحرست المدينة، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه في درع حصينة، وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم، وكأن بقراً تذبح، وكأنه مردف كبشا، فأولها فقال: أما الدرع فالمدينة، والبقر قتل في أصحابي، وانفط سيفي مصيبة في نفسي، والكبش كبش الكتيبة نقتله إن شاء الله، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة، وكان ذلك رأي الأكابر من أصحابه، وطلب فتيان أحداث لم يشهدوا بدراً أن يخرجوا حرصاً على الشهادة فغلبوا على الأمر، فصلى الجمعة ثم وعظمهم وأمرهم بالجد والجهاد، ثم صلى العصر، ثم دخل بيته ومعه أبو بكر، وعمر فعمماه ولبساه وصف الناس له، فخرج صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع، وحزم وسطها بمنطقة من أدم واعتم، وتقلد السيف، وألقى الترس في ظهره، فندموا جميعاً على ما صنعوا، وقالوا: ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، فقال: صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه فامضوا على اسم الله، فلكم النصر إن صبرتم.


فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى الحباب، وقيل: إلى سعد بن عبادة، ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل: إلى مصعب بن عمير، واستخلف عبد الله بن أم مكتوم على المدينة، ثم ركب صلى الله عليه وسلم فرسه، وتقلد قوسه، وأخذ قناة في يده، وفي المسلمين مائة دارع، وخرج السعدان أمامة: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، والناس على يمينه وشماله، وعرض من عرض، ورد من رد، وكان فيمن رد: ابن عمر، وزيد بن ثابت، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس، وهو الذي قال فيه الشماخ حيث يقول:
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
وأذن بلال المغرب، فصلى بأصحابه واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلاً يطوفون بالعسكر. وبات بالشيخين اطمأن في طرق المدينة، وكان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فسميا بالشيخين لذلك، وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، فصلى بأصحابه الصبح وانخزل ابن أبي في ثلاثمائة وكان رأيه أن لا يخرج من المدينة فقال: عصاتي وأطاع الولدان، فبقي رسول الله في سبعمائة، وأقبل يسوي الصفوف، وجعل أحداً وراء ظهره واستقبل المدينة، وجعل عينين - جبلا بقناة - عن يساره، وجعل عليه خمسين من الرماة، عليهم ابن جبير، واستعمل المشركون على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية، وقيل عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة، وكانوا مائة رام، وقال أبو سفيان بن حرب لبني عبد الدار يومئذ: إنكم أضعتم اللواء يوم بدر، فأصابنا ما رأيتم، فادفعوا إلينا اللواء نكفيكم، وإنما أراد تحريضهم على الثبات، فغضبوا وأغلظوا له القول، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة، وحضرت الملائكة ولم تقاتل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً، وقال: " من يأخذ هذا السيف بحقه " قال أبو دجانة: وما حقه؟ قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني، قال: أنا فأخذه وجعل يتبختر في الصفين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن " .
وكان أول من أنشب الحرب أبو عامر الراهب، طلع في خمسين من قومه فنادى: أنا أبو عامر فقال المسلمون: لا مرحباً بك، فتراموا بالحجارة حتى ولى أبو عامر، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والأكبار، ويحرضن ويقلن:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
فصاح طلحة من يبارز، فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه على رأسه حتى فلق هامته - وهو كبش الكتيبة - فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون، ثم شدوا على المشركين، وحمل لواءهم أخوه عثمان بن أبي طلحة، فضربه حمزة بالسيف، فقطع يده، ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله، فحمله مسافع بن طلحة فرماه عاصم فقتله، ثم حمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير، ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه، ثم حمله شرحبيل بن فارط، فقتله بعض المسلمين، ثم حمله صؤاب غلام لهم، فقتله بعض المسلمين.
فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح، ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون الغنائم. فلما رأى الرماة ذلك أقبل جماعة منهم وخلوا الجبل، فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل، وتبعه عكرمة فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم، وقتلوا أميرهم عبد الله بن جبير وانتقضت صفوف المسلمين، ونادى إبليس: قتل محمد، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة من الصحابة أربعة عشر فيهم أبو بكر فأصيبت رباعيته وكلم في وجهه.
وفي الذي فعل به ذلك قولان: أحدها أنه عتبة بن أبي وقاص، قال سعد بن أبي وقاص: كنت حريصاً على قتل عتبة، فكفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله " .


الثاني: أنه ابن قميئة فإنه علا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فضربه على شقة الأيمن فاتقاها طلحة بيده فشلت يده.
قال السدي: وابن قميئة هو الذي رمى وجه رسول الله بحجر، فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه.
أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا ابن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني الضحاك بن عثمان، عن ضمرة بن سعيد، عن أبي بشر المازني، قال: حضرت يوم أحد وأنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فرأيت رسول الله وقع على كتفيه في حفرة أمامه حتى توارى، فجعلت أصيح وأنا غلام حين رأيت الناس ثابوا إليه، فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله، أخذ يحضنه حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا إبراهيم بن مخلد، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الحكيمي، قال: حدثنا الفتح ابن سخرف، قال: سمعت محمد بن خلف العسقلاني، قال: سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول: لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبي فثبت له رباعية.
قال علماء السير: وترس أبو دجانة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكانت النبل تقع في ظهره وهو منحن عليه.
ومر أنس بن النضر على عمر وطلحة في رجال من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
قال المصنف رحمه الله وكان أربعة نفر قد تحالفوا وتعاقدوا يوم أحد: لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه عمرو بن قميئة، وأبي بن خلف، وعبد الله بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص.
وكان أبي قد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لأقتلنك، فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صاح الشيطان: قتل محمد، رآه أبي، فقال: لا نجوت إن نجوت، فقالت الصحابة: أيعطف عليه أحدنا، فقال: دعوه، فرماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجربة، فكسرت ضلعاً من أضلاعه.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا أحمد بن سليمان بن داوود الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: قتل أمية بن خلف ببدر، وكان أخوه أبي بن خلف قد أسر يومئذ، فلما فدو، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عندي فرساً أعلفه كل يوم فرقاً من ذره أقتلك عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك عليه إن شاء الله، فلما كان يوم أحد وانحاز المسلمون إلى شعب أحد بصر أبي بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمل عليه فشد عليه الزبير بن العوام، ومع الزبير الحربة، فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للزبير: دعه وشد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه بها، فدق ترقوته، وخر صريعاً، وأدركه المشركون، فارتثوه وله خوار، فجعلوا يقولون: ما بك بأس، فيقول: أليس قد قال: أنا أقتلك، فحملوه حتى مات بمر الظهران على أميال من مكة.
قال مؤلف الكتاب: وعلى هذا جميع أهل التاريخ أن الذي قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف، وأن أمية بن خلف قتل يوم بدر.
وقد روى البخاري في صحيحه: أن سعد بن معاذ قال لأمية بن خلف: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه قاتلك " فقال: والله ما يكذب محمد، فلما سار الناس إلى بدر أراد أن لا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسر يوماً أو يومين، فسار حتى قتله الله ببدر. فيحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أمية يوم بدر، وقتل أبي يوم أحد، ويحتمل أن يكون بمعنى قوله: " إنه قاتلك " أي بقتلك أصحابه. والله أعلم، وقد ذكرنا كيف قتله الصحابة.
قال علماء السير: كان اللواء مع مصعب بن عمير، فقتل فأخذ اللواء ملك في صورته.


فأخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني الزبير بن سعد النوفلي، عن عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له في آخر النهار: " تقدم " يا مصعب، فالتفت إليه الملك، فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيد به.
قال علماء السير: قتل يومئذ حمزة، وأصيبت عين قتادة بن النعمان، فوقدت على وجنته، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده، فكانت أحسن عينيه.
قال مؤلف الكتاب: وكان ممن جرح فقاتل حميئة، ومات وهو معدود من المنافقين.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا ابن جعفر، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: جعل رسول الله على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلاً - عبد الله بن جبير، قال: ووضعهم موضعاً وقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، قال: فهزموهم، قال: وأنا والله رأيت النساء يشتددن على الخيل وقد بدت أسواقهن وخلاخيلهن، رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنظرون، فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك قوله تعالى: " والرسول يدعوكم في أخراكم " . فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً، فأصابوا منا سبعين رجلاً.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين أسيراً وسبعين قتيلاً، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ ثلاثاً، قال: فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن أن قال: كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسؤك فقال: يوم أحد بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثله لم آمر بها ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز ويقول: اعل هبل، اعل هبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تجيبوه " ، فقالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل " قال: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تجيبوه، قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم " .
قال علماء السير: وقامت هند في نسوة معها يمثلن بالقتلى، يجدعن الأنوف والأذان حتى اتخذت هند من ذلك خدماً وقلائد، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها.
فلما أراد أبو سفيان أن ينصرف، نادى: موعدكم بدر العام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: " قل نعم بيننا موعد " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " أخرج في آثار القوم، فإن اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل: فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأنا جزنهم " .
قال علي رضي الله عنه: فخرجت في آثار القوم، فاجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة.
فصل ثم أقبل المسلمون على قتلاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ فمضى رجل فوجده جريحاً بين القتلى وبه رمق، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت، أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام، وقل له: يقول لك سعد بن الربيع: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وأبلغ قومك السلام عني، وقل لهم لا عذر لكم عند الله، إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف أم مات.


وخرج رسول الله يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي، وقد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فقال: لو لا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي، لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني الله على قريش، لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم، فقال المسلمون: والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله عز وجل: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " . وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير: القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فلقيها، فقال لها: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت: ولم، وقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله قليل، فلاحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فجاءت إليه واستغفرت له.
فصل قتلى المسلمين يوم أحد قال مؤلف الكتاب: قتل من المسلمين يوم أحد حمزة قتله وحشي، وعبد الله بن جحش قتله أبو الحكم بن الأخنس، ومصعب بن عمير قتله ابن قميئة، وشماس بن عثمان قتله أبي بن خلف، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا الهبيب، ووهب بن قابوس، وابن أخيه الحارث بن عقبة.
وقتل من الأنصار سبعون، وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون منهم.
ولما أراد المسلمون دفن قتلاهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احفروا وأعمقوا وقدموا أكثرهم قرآنا " .
قال المؤلف للكتاب: واختلف الناس، هل صلى على شهداء أحد أم لا على قولين.
وممن دفن في قبر واحد، عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجموح، وسعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، والنعمان بن مالك، وعبدة بن الحسحاس، وكان الناس قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ردو القتلى إلى مضاجعهم " ، فأدرك المنادي رجلاً ثم يكن دفن، وهو شماس بن عثمان المخزومي.
أخبرنا أبو غلاب محمد بن الحسن الماوردي، قال: أخبرنا المطهر بن عبد الواحد المراي، قال: أخبرنا جعفر، قال: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد المرزباني، قال: حدثنا إبراهيم بن يحيى بن الحكم الحروري، قال: أخبرنا لوين، قال: أخبرنا شريك، عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر بن عبد الله قال: قتل أبي وخالي يوم أحد فحملتهما أمي على بعير فأتت بهما المدينة، فنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ردوا القتلى إلى مصارعهم " .
قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله بدفن القتلى، قال: " انظروا عمرو بن الجموح، وعبد الله بن عمرو بن حرام. فانهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد، فلما احتفر معاوية القناة أخرجا وهما ينثيان كأنما دفنا بالأمس " .
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش فنعي لها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن زوج المرأة منها لبمكان " ، لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أحمد بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن معين، قال: حدثنا الفضل بن فضالة، عن ليث، عن أنس، قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا: قتل محمد حتى كبرت الصوارخ في نواحي المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار، فاستقبلت بأخيها وأبيها وزوجها، لا أدري بأيهم استقبلت أولاً، فلما مرت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: أخوك وأبوك وزوجك وابنك، قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبالي إذ سلمت من عطب.
قال مؤلف الكتاب: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه فاطمة، فقال: " اغسلي عن هذا دمه يا بنية " .
غزوة حمراء الأسد
وفي هذه السنة: كان غزاة حمراء الأسد.


وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة يوم السبت يوم الوقعة، فلما كان الغد وهو يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطنب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فكلمه جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله: إن أبي كان خلفني على أخوات لي، فأذن لي بالخروج معك ولم يخرج معه ممن لم يشهد القتال غيره. وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، فخرج حتى انتهى إلى حمراء الأسد، ودفع لواءه وهو معقود لم يحل إلى علي بن أبي طالب، وقيل: إلى أبي بكر رضي الله عنهما، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية وشفته العليا قد كلمت في باطنها وهو متوهن المنكب الأيمن من ضربة ابن قميئة، ونزل إليه أهل العوالي، فبعث ثلاثة نفر من أسلم روحة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد، وهي من المدينة على عشرة أميال، وقيل: ثمانية وللقوم رجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم، فبصروا بالرجلين، فرجعوا إليهما فقتلوهما، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلان في قبر واحد، وأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار فذهب صوت معسكرهم ونارهم في كل وجه فكبت الله بذلك عدوهم، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عزة فقتله صبراً، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة، وكانت غيبته خمس ليال.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر أبا عزة الشاعر واسمه عمرو، وكان ذا بنات، فقال له: دعني لبناتي، فرحمه فأطلقه وأخذ عليه أن لا يكثر عليه بعدها، فلما جمعت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا إليه وكلمه صفوان بن أمية، وسأله أن يخرج إلى بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وهم حلفاء قريش يسألهم النصر فأبى، وقال: إن محمداً قد أمن علي وأعطيته أن لا أكثر عليه، فلم يزل صفوان يكلمه حتى خرج إلى بني الحارث، فحرضهم على الخروج مع قريش والنصر لهم، فقال في ذلك:
أنتم بنو الحارث والناس الهام ... أنتم بنو عبد مناة الردم
أنتم حماة وأبوكم حام ... لا تعدوا ناصركم بعد العام
لا تسلمونا لا يحل إسلام
فلما انصرفت قريش عن أحد تبعهم رسول الله حتى بلغ حمراء الأسد فأصاب بها عمراً فقال له: يا محمد عفوك، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تمسح لحيتك بمكة وتقول، خدعت صمداً مرتين " .
قال الزبير وحدثني محمد بن الضحاك، عن أبيه ومحمد بن سلام، عن أبي جعدية والأبرص أبو عزة الجمحي فكانت قريش لا تواكله ولا تجالسه، فقال: الموت خير من هذا، فأخذ حديدة ودخل بعض شعاب مكة، فطعن بها في موضع مغده والمغد موضع عقص الراكب من الدابة فمادت الحديدة بين الجلد والصفاق فسال منه ماء أصفر وبرئ فقال:
اللهم رب وائل ونهد ... والتهمات والجبال الجرد
ورب من يوعى بياض نجد ... أصبحت عبداً لك وابن عبد
أبرأتني من وضح بجلدي ... من بعد ما طعنت في مغدي
وفي ذي القعدة من هذه السنة: علقت فاطمة بابنها الحسين رضي الله عنهما، وكان بين ولادتها الحسن وعلوقها بالحسين خمسين ليلة.
وفي هذه السنة: ولد السائب بن يزيد ابن أخت النمر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام عم أنس بن مالك شهد أحداً، ورأى جولة المسلمين فقاتل حتى قتل.


أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا الداودي، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: أخبرنا حسان بن حسان، قال: حدثنا محمد بن طلحة، حدثنا حميد عن أنس، أن عمه غاب عن بدر، فقال: غبت عن أول قتال قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا ليرين الله ما أفعل، فلقي يوم أحد فهزم الناس، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به المشركون. فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ، فقال: إلى أين يا سعد؟ فقال: إني لأجد ريح الجنة دون أحد. فمضى فقتل، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانة وبه بضع وثمانون من بين طعنة وضربة ورمية سهم.
أنيس بن قتادة بن ربيعة قال مؤلف الكتاب: كذا سماه ابن إسحاق والواقدي. وقال أبو معشر: أنس، وقال ابن عقبة: إلياس. وهو زوج خنساء بنت خذام، شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
ثابت بن الدحداح قال مؤلفه: ويقال: ابن الدحداحة - بن نعيم بن غنم بن إياس، ويكنى أبا الدحداح: أخبرنا يحيى بن علي المدبر، قال: أخبرنا أبو الحسن المهتدي، قال: أخبرنا الحسين بن محمد الكاتب، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله صاحب أبي صخر، قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: أخبرنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما نزلت هذه الآية: " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له " . قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: " نعم يا أبا الدحداح " قال: أرني يدك يا رسول الله، قال: فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، قال: فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي، قال: وحائطه له فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء أبو الدحداح فنادى: يا أم الدحداج، قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل - وفي رواية أخرى: فعمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم وعض ما في أكمامهم.
وحضر ثابت يوم أحد فتفرق الناس فصاح: إلي يا معشر الأنصار. إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم. فنهض إليه نفر من الأنصار وقد وقفت له كتيبة خشناء فيها خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة، فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فأنفذه فوقع ميتاً وقتل من كان معه.
وقد قيل: انه برأ من جراحاته ومات على فراشه، مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبع جنازته.
ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ شهيداً.
جندع بن ضمرة الضمري أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: حدثنا ابن الفهم قال؟ حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط: أن جندع بن ضمرة كان بمكة فمرض فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فإنه قد قتلني غمها، فقالوا: إلى أين؟ فأومأ بيده: إلى ها هنا، نحو المدينة، يريد الهجرة، فخرجوا به فلما بلغوا اضاة بني عفان مات، فأنزل الله تعالى فيه: " ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيماً الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان أبو أوس شهد بدراً، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، وأصابه بعض أصحابه تلك الليلة بسيفه وهم يضربون كعباً فجرحه فنزف الدم، فاحتمله أصحابه حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بعد ذلك أحداً، وقتل يومئذ، وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
الحارث بن أنس قال مؤلف الكتاب: وأنس هو أبو الحسن بن رافع: شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
الحارث بن سويد بن الصامت بن خالد بن عطية


شهد أحداً، وروى محمد بن سعد، عن أشياخه، قالوا: كان سويد قد قتل زياداً أبا مجذر في وقعة التقوا فيها، فلما كان بعد ذلك لقي مجذر سويداً خالياً في مكان وهو سكران ولا سلاح معه، فقال له: قد أمكن الله منك، قال: وما تريد؟ قال: قتلك، قال: فارفع عن الطغام، واخفض عن الدماغ وإذا رجعت إلى أمك فقل: قد قتلت سويد بن الصامت، فقتله فهيج قتله وقعة بعاث - وذلك قبل الإسلام - فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد، ومجذر بن زياد، فجعل الحارث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه - فلما كان يوم أحد وجال الناس الجونة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فأخبره أن الحارث قتل مجذراً غيلة، وأمره أن يقتله به، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في ذلك اليوم وهو يوم حار، فدخل مسجد قباء فصلى فيه، وسمعت به الأنصار فجاءت تسلم عليه، وأنكروا إتيانه في تلك الساعة حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعى عويم بن ساعدة، فقال: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن زياد فإنه قتله غيلة، فقال الحارث: قد والله قتلته وما كان قتلي إياه رجوعاً عن الإسلام ولا ارتياباً فيه، ولكنه حمية الشيطان، وأمر وكلت فيه إلى نفسي، فإني أتوب إلى الله وإلى رسوله، وجعل يمسك بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاب ورجل في الأرض، وبنو مجذر حضور لا يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما استوعب كلامه، قال: " قدمه يا عويم فاضرب عنقه " ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه عويم فضرب عنقه، فقال حسان بن ثابت:
يا حار في سنة من يوم أو لكم ... أم كنت ويحك مغتراً بجبريل
حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وكان له من الولد يعلى، وبه كان يكنى وعامر، وعماره وقد كان يكنى به أيضاً، وأمامة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد، وكان ليعلى أولاد درجوا فلم يبق لحمزة عقب.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار: أن حمزة سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يريه جبريل عليه السلام في صورته، فقال: " إنك لا تستطيع أن تراه " ، قال: بلى، قال: " فاقعد مكانك " ، فنزل جبريل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا في البيت، فقال: ارفع طرفك فانظر، فنظر فإذا قدماه مثل الزبرجد الأخضر، فخر مغشياً عليه.
قال علماء السير: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة، وآخى بينه وبين زيد بن حارثة، وإليه أوصى حمزة حين حضر القتال يوم أحد وقتله وحشي يومئذ وشق بطنه وأخذ كبده وجاء بها إلى هند بنت عتبة، فمضغتها ثم لفظتها، ثم جاءت فمثلت بحمزة، وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.
ودفن حمزة وعبد الله بن جحش في قبر واحد، وحمزة خال عبد الله، ونزل في قبر حمزة أبو بكر وعمر وعلي والزبير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على حفرته.


أخبرنا يحيى بن علي المدبر، قال: أخبرنا عبد الصمد بن المأمون، قال: أخبرنا الدارقطني، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن حمدون، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الأزدي، قال: أخبرنا جحش بن المثنى، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو الضمري، قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فجئنا حتى وقفنا عليه فسلمنا فرد السلام وعبيد الله معتمر بعمامته ما يرى منه إلا عيناه ورجلاه، فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ فنظر إليه ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة فولدت له غلاما فاسترضعته فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميه، فكشف عبيد الله وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ فقال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ببدر، فقال لي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، فلما خرج الناس عام عينين - قال: وعينين جبل تحت أحد - بينه وبينه واد - فخرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة، فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحارب الله ورسوله، ثم شد عليه وكان كأمس الذاهب، وكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعتها في ثنيته حتى دخلت بين وركيه، وكان ذلك آخر العهد به، فلما رجع الناس إلى مكة رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقالوا: إنه لا يهيج الرسل. قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: " أنت وحشي " ؟ قلت: نعم، قال: " أنت قتلت حمزة؟ " قلت: قد كان من الأمر ما بلغك يا رسول الله، قال: " أما تستطيع أن تغيب وجهك عني " .
قال: فرجعت، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان. قال: وإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه. قال:فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ودب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته.
قال عبيد الله بن الفضل، فأخبرني سليمان بن يسار، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود.
انفرد بإخراجه البخاري.
أخبرنا هبة الله بن محمد الكاتب، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام، عن عروة، قال: أخبرني أبي الزبير: أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى قال: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تراهم، فقال: المرأة المرأة، قال الزبير: فتوسمت أنها أمي صفية، فخرجت إسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلزمت في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أم لك، قال: فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك، قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله، فكفنوه فبهما، قال: فجئت بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين، والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الله بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الحسن بن المهتدي، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الفضل بن المأمون، قال: حدثنا أبو بكر الأنباري، قال: أخبرنا أحمد بن الهيثم بن خالد، قال: أخبرنا إبراهيم بن المهتدي، أخبرنا يحيى بن زكريا، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير، قال: لما انصرف المشركون يوم أحد وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ناحية القتلى، فجاءت


امرأة تؤم القتلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة المرأة، فدنوت منها فتوسمتها فإذا هي صفية، فقلت لها: يا أماه ارجعي فلزمت صدري وقالت: لا أم لك، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزم عليك، فأخرجت ثوبين وقالت: كفنوا أخي في هذين الثوبين، فنظرنا إلى جانب حمزة رجلاً من الأنصار وليس له كفن، فرأينا غضاضة علينا أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري ليس له كفن، وكان أحد الثوبين أوسع من الآخر، فأقرعنا بينهما وكفنا كل واحد في الثوب الذي صار له.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش، عن يزيد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: لما قتل حمزة يوم أحد أقبلت صفية تطلبه لا تدري ما صنع، فلقيت علياً والزبير، فقال علي للزبير: اذكر لأمك، قال الزبير: لا بل اذكر أنت لعمتك، قالت: ما فعل حمزة؟ قال: فأرياها أنهما لا يدريان، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " إني أخاف على عقلها " فوضع يده على صدرها ودعا لها فاسترجعت وبكت، ثم جاء فقام عليه وقد مثل به، فقال: " لو لا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع " قال: ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم، قال: فيضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم ثم يرفعون ويترك حمزة، ثم يجاء بغيرهم حتى فرغ منهم.
قال محمد بن سعد: وأخبرنا عبد الله بن نمير، قال: أخبرنا زياد بن المنذر، عن أبي جعفر، قال: كانت فاطمة تأتي قبر حمزة فترمه وتصلحه.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ويحيى بن الحسن، وأحمد بن محمد الطوسي في آخرين، قالوا: أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي، أخبرنا البغوي، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعا، وإنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا عبد العزيز بن علي الحربي، حدثنا المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا بشر بن الوليد الكندي، حدثنا صالح المري، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه قد مثل به، فقال: رحمة الله عليك، فإنك كنت ما علمت فعولاً للخيرات وصولاً للرحم، ولو لا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى، أما والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف يعد خواتيم النحل: " إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به... " إلى آخر السورة، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أراد.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أخبرنا الحسين بن الفهم، حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا شهاب بن عباد، حدثنا عبد الجبار بن ورد، عن الزبير، عن جابر، قال: لما أراد معاوية أن يجري عينه التي بأحد كتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء، فكتب: انبشوهم، فقال: فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام، وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة، فانبعثت دماً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا البغوي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد، قال: سمعت أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كتب معاوية إلى عامله بالمدينة أن يجري عيناً إلى أحد، فكتب إليه عامله: إنها لا تجري إلا على قبور الشهداء، قال: فكتب إليه أن أنفذها، قال: فسمع جابر بن عبد الله يقول: فرأيتهم يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نوم حتى أصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دماً.
حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة


وجروة هو الذي يقال له اليمان، لأنه حالف اليمانية، وحسيل أبو حذيفة، خرج هو وحذيفة يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزاة بدر فلقيهما المشركون فقالوا: إنكما تريدان محمداً، فقالا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا عليهما عهد الله وميثاقه أن لا يقاتلا مع محمد، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، وقالا: إن شئت قاتلنا معك، فقال: بل نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم، وشهدا غزاة أحد، فالتقت سيوف المسلمين على حسيل وهم لا يعرفونه، فجعل حذيفة يقول: أبي أبي، فلم يفهموا حتى قتل، فتصدق حذيفة بدمه على المسلمين.
حنظلة بن أبي عامر، واسمه عبد عمرو، وهو الراهب ابن صيفي بن النعمان بن مالك: قال خزيمة بن ثابت: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه، كان يألف اليهود ويسألهم عن الدين فيخبرونه بصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن هذه دار هجرته، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى فأخبروه بصفته فرجع وهو يقول: أنا على دين الحنيفية، فأقام مترهباً ولبس المسوح، وزعم انه على دين إبراهيم يتوكف خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حينئذ حسده وبغى ونافق، وقال: يا محمد أنت تخلط الحنيفية بغيرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت بها بيضاء نقية، أين ما كان يخبرك الأحبار من صفتي؟ " قال: لست بالذي وصفوا لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبت " ، قال: ما كذبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكاذب أماته الله طريداً وحيداً " فقال: آمين.
ثم خرج إلى مكة فكان مع قريش يتبع دينهم، وترك الترهب، ثم حضر أحداً معهم كافراً ثم انصرف معهم كافراً، فلما كان يوم الفتح ورأى الإسلام قد ضرب بجرانه خرج هارباً إلى قيصر فمات هناك طريداً. فقضى قيصر بميراثه لكنانة بن عبد يا ليل، وقال: أنت وهو من أهل المدر، وكان ابنه حنظلة لما أسلم قال: يا رسول الله أقتل أبي؟ قال: لا.
وتزوج حنظلة جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، فأدخلت عليه في الليلة فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال إليها فأجنب وأراد الخروج، فأرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدت عليه أنه دخل بها، فقيل لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء قد فرجت له فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة وعلقت بعبد الله.
وخرج حنظلة فقاتل واعترض أبا سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه، فوقع أبو سفيان وجعل يصيح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب، فعاد الأسود بن عبد يغوث فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، فمر عليه أبوه وهو إلى جانب حمزة وعبد الله بن جحش، فقال: إن كنت لأحذرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع، والله إن كنت لبراً بالوالد، شريف الخلق، وإن مماتك لمع سراة أصحابك، فإن جزى الله هذا القتيل - يعني حمزة - أو أحداً من أصحاب محمد خيراً فجزاك الله خيراً. ثم نادى: يا معشر قريش، حنظلة لا بمثل به، وإن كان خالفني فإنه لم يأل بنفسه فيما يرى خيراً فقال أبو سفيان: حنظلة بحنظلة - يعني حنظلة بن أبي سفيان. وكان قتل يوم بدر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن " ، فأرسل إلى امرأته فأخبرته أنه خرج وهو جنب، فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة.
خارجة بن زيد بن أبي زهير، يكنى أبا زيد وله من الولد زيد، وهو الذي تكلم بعد موته في زمن عثمان، وحبيبة بنت خارجة، تزوجها أبو بكر الصديق وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خارجة وأبي بكر وشهد بدراً وأحداً وقتل يومئذ.
خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد يكنى أبا حذافة أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانيه، وكان زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتوفي ودفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع إلى جانب قبر عثمان بن مظعون.
خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب أبو سعد بن خيثمة


كان أراد الخروج إلى بدر، فقال لابنه سعد: لا بد لي أو لك من أن يقيم أحدنا في أهله ونسائه، فقال ابنه: يا أبه لو كان غير الجنة لآثرتك به، ولكن ساهمني، فأينا خرج سهمه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وأقام الآخر. فاستهما فخرج سهم سعد فخرت فاستشهد يومئذ، وكان أحد النقباء.
وأقام خيثمة فلما كان يوم أحد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل شهيداً.
ذكوان بن قيس بن خلدة كان قد خرج إلى مكة هو وأسعد بن زرارة يتنافران فسمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما ورجعا إلى المدينة، وكان مهاجرياً أنصارياً، وكذلك زياد بن لبيد جرى له مثل هذا. وشهد ذكوان بدراً وأحداً وقتل يومئذ، قتله أبو الحكم بن الأخنس، فشد علي بن أبي طالب على أبي الحكم بن الأخنس فقتله.
رافع بن مالك بن العجلان أبو مالك وقيل إنه هو ومعاذ بن عفراء أول من لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من الأنصار، فأسلما وقدما بالإسلام المدينة، وشهد العقبة مع السبعين، وهو أحد النقباء الاثني عشر، ولم يشهد بدراً وشهد أحداً فقتل يومئذ.
رافع بن يزيد بن كرز شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
رفاعة بن عبد المنذر شهد العقبة مع السبعين، وبدراً وأحداً وقتل يومئذ.
رفاعة بن عمرو بن زيد، أبو الوليد شهد العقبة أيضاً مع السبعين وبدراً وأحداً، وقتلى يومئذ.
سهيل بن قيس بن أبي كعب بن القين شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ، وقبره معروف بأحد.
سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير شهد العقبة، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
سلمة بن ثابت بن وقش بن زغبة أمه ليلى بنت اليمان أخت حذيفة، شهد بدراً وأحداً، وقتله يومئذ أبو سفيان.
سليم بن الحارث بن ثعلبة شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
سليم بن عمرو بن حديدة شهد العقبة مع السبعين، وشهد بدراً وأحداً وقتل يومئذ.
شماس بن عثمان بن الشريد كان اسم شماس عثمان، فسمي شماساً لوضاءته، يقول: كأنه شمس، فغلب على اسمه، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية في بعض الأقوال.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا ابن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن عمر بن عثمان، عن عبد الملك بن عبيد، عن سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قالا: شهد شماس بن عثمان بدراً وأحداً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما وجدت لشماس بن عثمان شبيها إلا الجنة " . مما يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، يعني يوم أحد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرمي ببصره يميناً ولا شمالاً إلا رأى شماساً في ذلك الوجه يذب بسيفه حتى غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترس بنفسه دونه حتى قتل. فحمل إلى المدينة وبه رمق، فأدخل على عائشة، فقالت أم سلمة: ابن عمي يدخل على غيري؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احملوه إلى أم سلمة " فحمل إليها فمات عندها؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى أحد فيدفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها. وقد مكث يوماً وليلة لم يذق شيئاً، ولم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يغسله، وكان يوم قتلى ابن أربع وثلاثين سنة، وليس له عقب. رحمه الله.
عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية شهد العقبة مع السبعين، وبدراً وأحداً، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الرماة، فلما انكشفوا يطلبون الغنيمة لم يبق معه إلا نحو من عشرة فرمى حتى نفذ نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر وقاتل حتى قتل، ومثلوا به أقبح المثل.
قال خوات بن جبير: أخذت بضبعيه وأخذ أبو حية برجليه وقد شددت جرحه بعمامتي، فبينا نحن نحمله والمشركون ناحية إلى أن سقطت عمامتي من جرحه فخرجت حشوته، ففزع صاحبي وجعل يتلفت وراءه يظن أنه العدو، فضحكت في مكان ما ضحك فيه عدو. وكان الذي قتله عكرمة بن أبي جهل.
عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة، ويكنى أبا محمد:


وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخلة، وفيها تسمى بأمير المؤمنين، وهو أول من دعي بذلك، وأول لواء عقد في الإسلام لواؤه. وأول مغنم قسم في الإسلام ما جاء به.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن رجلاً سمع عبد الله بن جحش يقول قبل أحد بيوم: اللهم إنا لاقو هؤلاء غداً فإني أقسم عليك لما يقتلوني ويبقرون بطني ويجدعون أنفي، فإذا قلت لي: لم فعل بك هذا؟ فأقول: اللهم فيك.
فلما التقوا فعل ذلك به، فقال الرجل الذي سمعه: أما هذا فقد استجيب له وأعطاه الله ما سأل في جسده في الدنيا، وأنا أرجو أن أعطى ما سأل في الآخرة.
عبد الله بن عمرو بن حزام، أبو جابر شهد العقبة مع السبعين، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان، قال: أخبرنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهونني والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو تبكي عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بكيه أو لا تبكيه " ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " .
عبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث شهد بدراً وأحداً، وقتله عبد الله بن الزبعرى.
عبيد بن التيهان أخو أبي الهشم ربما سماه بعضهم عتيكاً شهد العقبة مع السبعين، وبدراً وأحداً، وقتله يومئذ عكرمة بن أبي جهل.
عامر بن مخلد بن الحارث شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
عمرو بن قيس بن زيد بن سواد شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
عمرو بن ثابث بن وقش بن زغبة أمه ليلى أخت حذيفة بن اليمان، عن له أن يسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فأسلم وأخذ سيفه ثم خرج حتى دخل في القوم فقاتل حتى أثبت فدنوا منه وهو في آخر رمق، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ قال: الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنك من أهل الجنة " وكان أبو هريرة يقول: أخبروني برجل يدخل الجنة لم يصل لله تعالى سجدة قط، فسكتوا، فقال: عمرو بن ثابت.
عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة، يكنى أبا السائب: كان قد حرم الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب شيئاً يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد.
وحضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي قبل أن يسلم، وأسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
وكان كثير التعبد، ولما هاجر إلى المدينة هاجر آل مظعون كلهم رجالهم ونساؤهم حتى غلقت دورهم.
وشهد عثمان بن مظعون بدراً وتوفي في شعبان من هذه السنة، وهو أول من دفن بالبقيع، والأنصار تقول: بل أسعد بن زرارة.
أخبرنا يحيى بن علي المدبر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي، قال: أخبرنا عمرو بن شاهين، قال: حدثنا البغوي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواهب الحارثي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حميد بن عمير، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: لما مات عثمان بن مظعون كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه وقبل بين عينيه، ثم بكى طويلاً، فلما رفع على السرير قال: " طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها " .
عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام كان له صنم اسمه مناف، فأخذوه فكسروه ثم ربطوه مع كلب في بئر، فأسلم وجعل يرتجز ويقول:
الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الرازق ديان الدين


هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
والله لو كنت إلهاً لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في القرن
والآن فتشناك عن شر الغبن
وكان عمرو أعرج فلم يشهد بدراً، فلما حضر أحداً أراد الخروج فمنعه بنوه.
وقالوا: قد عذرك اللّه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج، والله إني أرجوأن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال: أما أنت فقد عذرك الله " وقال لبنيه: لا عليكم أن تمنعوه لعل اللّه أن يرزقه الشهاثة، فتركوه.
قالت امرأته هند: كأني أنظر إليه مولياَ قد أخذ رقبته، وهويقول: اللهم لا تردني إلى أهل حزبي وهي منازل بني سلمة.
فقتل هو وابنه خلاد جميعاً، ودفن هو وعبد اللهّ بن عمر وأبو جابر في قبر واحد.
عمرو بن معاذ بن النعمان، أخو سعد شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة.
قرمان بن الحارث بن بني عبس كان من المنافقين، فلما كانت غزاة أحد عيره نساء بني ظفر، وقلن: قد خرج الرجال وبقيتَ، استحي مما صنعت، ما أنت إلا امرأة، فخرج في الصف الأول، وكان أول من رمى بسهم، ثم استل السيف ففعل الأفاعيل، فلما انكشف المسلمون كسر جفن السيف وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما أصنع، وجعل يدخل وسط المشركين حتى يقال قد قتل، ثم يطلع وهو يقول: أنا الغلام الظفري حتى قتل سبعة، وكثرت جراحاته، فمر به قتادة بن النعمان، فقال: هنيئاً لك الشهادة، فقال: أي واللّه ما قاتلت على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ لئلا تشير قريش إلينا حتى تطأ سعفنا، وأذته الجراحة فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر شهد بدراً وأحداً، وقتل يومئذ.
مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، أبو أبي سعيد الخدري: شهد أحداً، فلما نزعت حلقتا المغفر من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد جعل الدم يسرب، فجعل يأخذه بفيه ويزدرده، وقتل مالك يومئذ، قتله غراب بن سفيان الكناني، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد تلقاه أبو سعيد الخدري، فعزاه النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه.
مالك بن نميلة وهي أمه، وأبوه ثابت، وهومن مزينة، شهد بدراً وأحدأ، وقتل يومئذ.
مالك بن عمرو النجاري توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إلى أحد، فصلى عليه، ثم ركب إلى أحد.
مالك ونعمان ابنا خلف بن عوف كانا طليعتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقتلا جميعاً يومئذ ودفنا في قبر واحد.
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، ويكنى أبا محمد: تزوج حمنة بنت جحش فولدت له زينب. وكان شاباً جميلًا عطرأحسن الكسوة،وكانا أبواه ينعمانه، فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في دار الأرقم، فدخل فاسلم وكتم إسلامه من قومه وأمه، وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً، فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبرأمه وقومه، فأخفوه فحبسوه فلم يزل محبوساً حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين، وأقبل يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة من نَمِرَةٍ قد وصلها بإهاب، فنكس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهم رحمة له، وليس عندهم ما يغيًرون عليه، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقال: " لقد رأيت هذا وما بمكة فتى من قريش، أنعم عند أبويه منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير في حب الله ورسوله " .
ثم هاجر إلى المدينة أول من هاجر، وذلك أن الأنصار كتبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث لنا رجلاً يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن، فبعث إليهم مصعب بن عمير، فنزل على أسعد بن زرارة وكان يأتي الأنصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام، وأظهر الإسلام في دور الأنصار، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن أن يجمع بهم في دار ابن خيثمة، وكانوا يومئذ اثني عشر رجلاً، وهو أول من جمع في الإسلام يوم الجمعة.
وقد قيل: إن أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة.


ثم خرج مصعب بن عمير من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية، فقدم مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقرب منزله، فجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسراع الأنصار إلى الإسلام فسر بذلك.. وبعثت إليه أمه: يا عاق، أتقدم بلداً أنا به ولا تبدأ بي، فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أمه فأرادت حبسه، فقال: إن حبستني لأحرضن على قتل من يتعرض لي، فبكت وقالت: اذهب لشأنك، فقال: يا أماه، إني لك ناصح وعليك شفيق، فأسلمي، قالت: والثواقب لا أدخل في دينك.
وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، وقدم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً لهلال ربيع الأول قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنتي عشر ليلة.
وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعظم لواء المهاجرين يوم بدر معه ويوم أحد.
ولما جال المسلمون ثبت به وأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. فأخذ اللواء بيده اليسرى، وحنا عليه فضرب يدهاليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، وهو يقول: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية. ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء، فابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط بن سعد، وأبو الروم بن عمير، فأخذه أبو الروم ولم يزل في يديه حتى دخل به المدينة.
قال محمد بن عمر: قال إبراهيم بن محمد، عن أبيه: ما نزلت هذه الآية: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " يومئذ حتى قي نزلت بعد ذلك.
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير، فقرأ: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر " .
وقتل وهو ابن أربعي سنة أو يزيد شيئاً.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا أبو معاوية، قال: أخبرنا الأعمش، عن شقيق، عن خباب بن الأرت، قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إجعلوها فيما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر " . ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها.
النعمان بن مالك بن ثعلبة قال مؤلف الكتاب: وثعلبة هو الذي يسمى قوقل، كان يقول للخائف: قوقل حيث شئت فإنك آمن.
شهد بدراً وأحداً وقتل يومئذ، قتله صفوان بن أمية.
نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان شهد بدراً وأحداً وقتل يومئذ.
وهب بن قابوس المزني


أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أنبأنا البرمكي، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا ابن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أقبل وهب بن قابوس ومعه ابن أخيه الحارث بن عقبة بغنم لهما من جبل مزينة، فوجدا المدينة خالية، فسألا: أين الناس؟ فقالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، فقالا: لا نسأل أثراً بعد عين، فأسلما، ثم خرجا فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم بأحد، فإذا الدولة للمسلمين، فأغارا مع المسلمين في النهب، وقاتلا أشد القتال. وكانت قد افترقت فرقة من المشركين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لهذه الفرقة؟ " فقال وهب: أنا، فرماهم بالنبل حتى انصرفوا، ثم رجع فانفرقت أخرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لهذه؟ " فقال المزني: أنا، فذبها بالسيف حتى ولوا ورجع المزني، ثم طلعت كتيبة أخرى، فقال: " من يقوم لها؟ " ، فقال المزني: أنا فقال: " قم وأبشر بالجنة " ، فقام المزني مسروراً يقول: والله لا أقيل ولا أستقيل، فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف حتى يخرج من أقصاهم حتى قتلوه ومثلوا به، ثم قام ابن أخيه الحارث فقاتل نحو قتاله حتى قتل، فوقف عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما مقتولان فقال: " رضي الله عنك فإني عنك راض " . ثم قام على قدميه وقد نال ما نال من الجراح، فلم يزل قائماً حتى وضع المزني في لحده. وكان عمر وسعد بن مالك يقولان: ما حال نموت عليها أحب إلينا من أن نلقى الله عز وجل على حال المزني.
ثم دخلت
سنة أربع من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
سرية أبي سلمة بن عبد الأسد
إلى قطن - وهو جبل - في هلال المحرم، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طليحة، وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا أبا سلمة، وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلاً، وقال: سر حتى تنزل أرض بني أسد، فأغار عليهم قبل أن تلاقى عليك خيولهم، فخرج فأغذ السير عن سنن الطريق وانتهى إلى أدنى قطن، فأغار على سرح لهم، وأخذوا رعاء ثلاثة، وأفلت سائرهم، فجاؤوا فحذروا أصحابهم، فتفرقوا في كل ناحية، ففرق سلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء، فآبوا سالمين قد أصابوا إبلاً وشاء ولم يلقوا أحداً، فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة.
ثم كانت:
سرية عبد الله بن أنيس
في يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي بعرنة، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سفيان بن خالد قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث عبد الله بن أنيس ليقتله، فقال: صفه لي يا رسول الله، فقال: " إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان " ، قال: وكنت لا أهاب الرجال، واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فأذن لي، فأخذت سيفي وخرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش، فعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففال: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال: أجل إني لأجمع له، فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي حتى انتهى إلى خبائه، وتفرق عنه أصحابه حتى إذا نام الناس اغتررته فقتلته وأخذت رأسه، ثم دخلت غاراً في الجبل فضربت العنكبوت علي، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئاً فرجعوا، ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما رآني قال: " أفلح الوجه " ، قلت: أفلح وجهك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع إلي عصا، وقال " تخصر بهذه في الجنة " ، فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى إلى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا.
وكانت غيبته ثماني عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم.
قال مؤلف الكتاب وقد ذكر محمد بن حبيب هذا كان في سنة خمس.
ثم كانت:
سرية المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة
في صفر، وذلك انه لما قدم عامر بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم، وقال: لو بعثت معي رجالاً من أصحابك


لرجوت أن يجيب قومي دعوتك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال: أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد، فبعث معه صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً من الأنصار شببة يسمون القراء، وأمر عليهم المنذر، فلما نزلوا ببئر معونة - وهو ماء من مياه بني سليم - نزلوا بها وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فوثب على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا، وقالوا: لا يخفر جوار أبي براء فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعلاً وذكوان، فنفروا معه، واستبطأ المسلمون حراماً، فأقبلوا في إثره فلقيهم القوم، فأحاطوا بهم فكاثروهم، فلما أحيط بهم، خبرنا فأخبره قالوا: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك، فأقرئه منا السلام، وأخبره جبريل عليه السلام، فقال: " وعليهم السلام " وكان معهم عمرو بن أمية الضمري، فقال عامر ابن الطفيل قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها ثم جز ناصيته.
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال. أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عبد الصمد، قال: أخبرنا همام، قال: أخبرنا إسحاق، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث حراماً خاله أخاً أم أنس، وهي أم سليم في سبعين رجلاً فقتلوا يوم بئر معونة، وكان رئيس المشركين يومئذ عامر بن الطفيل، وكان هو قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اختر مني ثلاث خصال يكون لك أهل السهل، ويكون لي أهل الوبر، أو أكون خليفة من بعدك، أو أغزوك بغطفان ألف أشقر وألف شقراء، قال: فطعن في بيت امرأة من بني فلان، فقال غدة كغدة البعير في بيت امرأة من بني فلان ائتوني بفرسي، فأتي به فركبه فمات وهو على ظهره، فانطلق حرام أخو أم سليم ورجلان معه: رجل من بني أمية، ورجل أعرج، فقال: كونوا قريباً مني حتى آتيهم، فإن آمنوني وإلا كنتم قريباً فإن قتلوني أعلمتم أصحابي بكم قال: فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أبلغكم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: نعم، فجعل يحدثهم، فأومأوا إلى رجل منهم من خلفه، فطعنه حتى أنفذه بالرمح، فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة، قال: ثم قتلوهم كلهم غير الأعرج، كان في رأس جبل، قال أنس: وأنزل علينا وكان مما يقرأ فنسخ أن بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحاً على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله.
أخرجه البخاري.
ثم كانت:
سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع في صفر
روى ابن إسحاق عن أشياخه: أن قوماً من المشركين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عشرة منهم: عاصم بن ثابت، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد الله بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد.
وفيمن أمره عليهم، قولان: أحدهما: مرثد، والآخر عاصم.
فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء لهذيل، غدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلاً، فخرجوا بني لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف، فأخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السيوف بأيديهم، فقالوا للمشركين: إنا والله ما نريد إلا أن نصيب بكم ثمناً من أهل مكة، ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم.
فأما عاصم، ومرثد، وخالد، ومعتب فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهداً، فقاتلوهم حتى قتلوا.


وأما زيد، وخبيب، وابن طارق فاستأسروا وأعطوا بأيديهم، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد - وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر - لأنه قتل ابنيها يوم أحد فحمته الدبر، فلم يقدروا عليه، فقال: امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه، فبعث الله الوادي فاحتملته وخرجوا بالنفر الثلاثة، حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده منهم، وأخذ سيفه، واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بمر الظهران، وقدموا بخبيب وزيد إلى مكة فابتاع حجير بن أبي أهاب خبيباً لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله بابنه وابتاع صفوان بن أمية زيداً ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما.
وقال قائل لزيد عند قتله: أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمداً عندنا مكانك، فقال: والله ما أحب أن محمداً يشاك في مكانه بشوكة وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت من قوم قط أشد حباً لصاحبهم من أصحاب محمد له.
أخبرنا أبو الوقت، قال: أخبرنا ابن طلحة، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: أخبرنا محمد بن يوسف، قال: أخبرنا البخاري قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا إبراهيم، قال: أخبرنا ابن شهاب، قال: أخبرني عمرو بن أسيد بن حارثة الثقفي، عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً وافر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجأوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً، فقال عاصم: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصماً في سبعة من أصحابه ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم، أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه.
وانطلقوا بخبيب، وزيد حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها للقتل فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وأنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة، فكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الجبل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فصلى ركعتين، وقال: والله لو لا أن تحسبوا أن ما بي جزع. لزدت، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، وقال:
فلست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشا ... يبارك في أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب هو الذي سن لكل مسلم قتل صبراً الصلاة.
قال مؤلف الكتاب: ثم أسلم أبو سروعة، وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج له البخاري في صحيحه ثلاثة أحاديث.
ثم كانت:
غزاة بني النضير في ربيع الأول


وكانت منازلهم بناحية الغرس وما والاها، وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم السبت، فصلى في مسجد قباء، ومعه نفر من أصحابه، ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية رجلين، كان قد أمنهما، فقتلهما عمرو بن أمية وهو لا يعلم، فقالوا: نفعل، وهموا بالغدر به، فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فنهض سريعاً فتوجه إلى المدينة فلحقه أصحابه فقالوا: أقمت ولم نشعر؟ فقال: " همت يهود بالغدر فأخبرني الله عز وجل بذلك فقمت " ، وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إن اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به، وقد أجلتكم عشراً فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا أياماً يتجهزون، وتكاروا من ناس إبلاً فأرسل إليهم ابن أبي لا تخرجوا وأقيموا فإن معي ألفين وغيرهم يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حي فيما قال ابن أبي، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج، فاصنع ما بدا لك، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: " حاربتنا اليهود " ، فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فصلى العصر بفناء بني النضير، وعلي رضي الله عنه يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله في على حصونهم معهم النبل والحجارة، واعتزلهم قريظة، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، فقالوا: نحن نخرج عن بلادكم، فأجلاهم عن المدينة، وولى إخراجهم محمد بن مسلمة وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " اخرجوا ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل إلا الحلقه " فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة، فوجد من الحلقة خمسين درعاً وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفاً، وكان بنو النضير صفياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له حبساً لنوائبه، ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناساً منها.
وفي هذه السنة: ولد الحسين بن علي، لثلاث ليال خلون من شعبان.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا محمد بن المظفر، قال: حدثنا أحمد بن علي بن شعيب المدائني، قال: أخبرنا أبو بكر البوقي، قال: ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما في ليال خلون من شعبان من سنة أربع من الهجرة.
ثم كانت غزاة بدر الموعد لهلال ذي القعدة
وذلك أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد: نادى الموعد بينا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " قل نعم إن شاء الله " . فافترق الناس على ذلك، وتهيأت قريش للخروج، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة، فقال له أبو سفيان: إني قد واعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب، وإنما يصلحنا عام خصب، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترئ علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد، قال: نعم. ففعلوا وحملوه على بعير، فأسرع السير، وقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح.


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده، لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد " . واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة، وحمل لواءه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسار معه ألف وخمسمائة، والخيل عشرة أفراس، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات، وكانت بدر الصغرى مجتمعاً يجتمع فيه الرب وسوقاً تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه، ثم يتفرق الناس إلى بلادهم، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقامت السوق صبيحة الهلال، فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا تجاراتهم وربحوا للدرهم درهماً، وانصرفوا وقد سمع الناس بمسيرهم، وخرج أبو سفيان من مكة في قريش وهم ألفان ومعه خمسون فرساً، حتى انتهوا إلى مجنة - وهي وراء الظهران - ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وهذا عام جدب، فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك أن تعد القوم، وقد اجترأوا علينا ورأونا قد أخلفناهم، ثم أخذوا في الكيد والتهيؤ لغزاة الخندق.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الحسين بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا حجاج بن محمد، عن ابن جريح، عن مجاهد: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً " . قال: هذا أبو سفيان قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فقال محمد صلى الله عليه وسلم فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزلوا بدراً، فوافقوا السوق فذلك قوله تعالى: " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل " والفضل ما أصابوا من التجارة، وهي غزاة بدر الصغرى.
وفي هذه السنة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود، وقال: " إني لا آمنهم أن يبدلوا كتابي " ، فتعلمه في خمس عشرة ليلة.
وفيها: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية في ذي القعدة، ونزل قوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " .
وفيها ذكر ما فعل ابن أبيرق
وذلك أن طعمة بن أبيرق سرق درعاً لعبادة بن النعمان، وكان الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق يتنثر من خرق في الجراب، ثم خبأها عند رجل من اليهود، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف ما لي بها علم، فنظروا في أثر الدقيق، فانتهوا إلى منزل اليهودي، فقالوا له، فقال: دفعها إلي طعمة، فقال قوم طعمة: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجادل عن صاحبنا، فهم أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فنزل قوله: " ولا تكن للخائنين خصيماً " .
زواجه صلى الله عليه وسلم أم سلمة
وفي هذه السنة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال.


أخبرنا إسماعيل بن أحمد المقري، وعبد الله بن محمد القاضي، ويحيى بن علي المدبر قالوا: أخبرنا أبو الحسين بن النقور، قال: أخبرنا ابن حبابة، قال: حدثنا البغوي، قال: حدثنا هدبة، قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، قال: حدثني بن أم سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً أحب إلي من كذا وكذا لا أدري ما عدل به، سمعت رسول الله يقول: " لا يصيب أحداً صيبة فيسترجع عند ذلك " ويقول: اللهم عندك احتسب مصيبتي، اللهم اخلفني فيها خيراً منها إلا أعطاه الله عز وجل قالت أم سلمة: فلما أصبت بأبي سلمة، قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه، ولم تطب نفسي أن أقول اللهم أخلفني فيها خيراً منها ثم قالت: من خير من أبيسلمة، ثم قالت ذلك، فلما انقضت عدتها أرسل إليها أبو بكر يخطبها فأبت أرسل إليها عمر يخطبها، فأبت، ثم أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فقالت: مرحباً برسول الله، إن في خلالاً ثلاثاً، أنا امرأة شديدة الغيرة، وأنا امرأة مصبية، وأنا مرأة ليس لي ها هنا أحد من أولياي يزوجني، فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته، فأتاها عمر فقال: أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه، فقالت: يا ابن الخطاب في كذا وكذا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما ما ذكرت من غيرتك، فأنا أدعوا الله عز وجل يذهبها عنك، وأما ما ذكرت من صبيتك، فإن الله عز وجل سيكفيكهم، وأما ما ذكرت أنه ليس أحد من أوليائك شاهد فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني، وقال: لابنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه، فقال: يا رسول الله أما أني لا أنقصك مما أعطيت فلانة، قال ثابت: قلت لابن أم سلمة: ما أعطى فلانة، قال: أعطاها جرتين تضع فيهما حاجتها، ورحاء، ووسادة من أدم حشوها ليف، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها في حجرها، فلما رأها انصرف، وأقبل عمار مسرعاً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها، وقال: هاتي هذه المشومة التي قد منعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لم يرها في حجرها قال أين زناب؟ قالت: أخذها عمار، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله، قال: وكانت في النساء كأنها ليست فيهن لا تجد ما تجدن من الغيرة.
قال مؤلف الكتاب: وقد روينا أنه لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلها إلى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها، فدخلت فرأت جرة فيها شعير، ورحاء، وبرمة، فطحنته ثم عقدته في البرمة، وأدمته بإهالة، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثم أراد أن يدور، فأخذت بثوبه، فقال: إن شئت أن أزيدك ثم قاصصتك به بعد اليوم.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حموية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث الفراسية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لعائشة مني شعبة ما نزلها مني أحد " ، فلما تزوج أم سلمة سئل، فقيل: يا رسول الله ما فعلت الشعبة؟ فسكت، فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده.
قال محمد بن عمر: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج رسول الله عمرو أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكر الناس جمالها، فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يداً واحدة، فقالت: لا والله إن هذه إلا الغيرة، ما هي كما تقولين، فتلطفت لها حفصة حتى رأتها، فقالت: والله ها هي كما تقولين ولا قريب، وإنها لجميلة، قالت: فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة، ولكن كنت غيرى.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك، أبو سعد


خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فلما كان بالروحاء كسر فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها. وشهد أحداً فثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وقتل يوم بئر معونة شهيداً.
حرام بن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً.
الحكم بن كيسان، مولى لبني مخزوم وكان في عير قريش التي أصابها عبد الله بن جحش بنخلة، فأسره المقداد، وأراد عبد الله بن جحش ضرب عنقه، فقال له المقداد: دعه حتى نقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا به جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام وأطال دعاءه، فقال عمر: علام تكلم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد، دعني أضرب عنقه، ويقدم إلى أمه الهاوية، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى عمر وأسلم الحكم، وجاهد وقتل ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه.
خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن حججبا شهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن بعثه مع بني لحيان فأسروه هو وزيد بن الدثنة، فنال من قريش فحبسوه عند رجل يقال له موهب، فقال: يا موهب، أطلب إليك ثلاثاً: أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب، وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي - ثم أخرجوه ليقتلوه، فصلى ركعتين عند القتل ودعا عليهم، فقال: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً.
قال معاوية بن أبي سفيان: فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض فرقاً من دعوة خبيب. وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زالت عنه الدعوة.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرتا كيفية قتل خبيب في الحوادث.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا ابن جعفر، قال: حدثت عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عبد الله بن أبي شيبة بالكوفة، قال: حدثنا جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، قال: أخبرنا جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عيناً إلى قريش. قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف من العيون فرقيت فيها فحللت خبيباً فوقع إلى الأرض، فانتبذت غير بعيد ثم التفت فلم أر خبيباً ولكأنما ابتلعته الأرض، فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة.
خالد بن أبي البكير شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم الرجيع في صفر هذه السنة، وكان له يوم قتل أربع وثلاثون.
زينب بنت خزيمة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثلاث، وتوفيت آخر ربيع الآخر من هذه السنة، وكان لها من العمر نحواً من ثلاثين سنة.
سليم بن ملحان شهد بدراً وأحداً وقتل يوم بئر معونة.
عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد في الإسلام فاكتنى به عثمان، فبلغ ست سنين، فنقره ديك في عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرته عثمان.
عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سلمة: وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان له من الولد سلمة، وعمر، وزينب، ودرة. وأمهم أم سلمة.
أسلم أبو سلمة قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة، وقدم إلى المدينة مهاجراً قبل جميع من هاجر. وشهد بدراً وأحداً، وجرحه أبو أسامة الجشمي في عضده، فمكث شهراً يداويه فبرأ واندمل على فساد، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثم عاد فانتقض الجرح فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة وأغمضه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عبد الله بن طارق بن عمرو شهد بدراً وكان فيمن خرج في غزاة الرجيع، وقد ذكرنا كيف قتل بمر الظهران.
عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يكنى أبا عمرو شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة وهو ابن أربعين سنة.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز، أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيوية، أخبرنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن محمد بن الفهم، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا ابن عمر، قال: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:


كان عامر بن فهيرة للطفيل بن الحارث أخي عائشة لأمها أم رومان، فأسلم عامر فاشتراه أبو بكر فاعتقه، وكان يرعى منيحة من غنم له.
قال محمد بن سعد: أسلم عامر بن فهيرة قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها.
وقال عروة بن الزبير: كان عامر بن فهيرة من المستضعفين من المؤمنين، وكان ممن يعذب بمكة ليرجع عن دينه.
قال محمد بن عمر، عمن سمى من رجاله: إن جبار بن سلمى الكلبي طعن عامر بن فهيرة يوم بئر معونة فأنفذه، فقال عامر: فزت ورب الكعبة. قال: وذهب بعامر علواً في السماء حتى ما أراه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين " وسأل جبار بن سلمى لما رأى من أمر عامر: ما قوله فزت والله؟ قالوا: الجنة. وأسلم جبار لما رأى من أمر عامر، وحسن إسلامه.
قال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء، عن الطفيل، قال: كان يقول من رجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه، قالوا: هو عامر بن فهيرة.
عاصم بن ثابت بن قيس، يكنى أبا سليمان شهد بدراً وأحداً وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حين ولى الناس، وبايعه على الموت، وكان من الرماة المذكورين، وقتل يوم أحد من أصحاب ألوية المشركين: مسافعاً، والحارث. فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة، فقدم ناس من بني هذيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم، فوجه عاصماً في جماعة، فقال لهم المشركون: استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمناً، فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك، فجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره، فجرح رجلين وقتل واحداً، فقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، فبعث الله الدبر فحمته، ثم بعث الله سيلاً في الليل فحمله، وذلك يوم الرجيع.
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسلمت وكانت صالحة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها.
توفيت هذه السنة فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه.
قال علي بن أبي طالب: قلت لأمي فاطمة بنت أسد: اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك خدمة الداخل؟ الطحن والعجين مرثد بن أبي مرثد الغنوي شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم الرجيع - وكان أمير هذه السرية - وذلك في صفر هذه السنة.
معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة شهد بدراً وأحداً وقتل يوم بئر معونة شهيداً، رضي الله عنه.
معتب بن عبيد بن إياس وقيل: معتب بن عبدة، شهد بدراً وأحداً وقتل يوم الرجيع بمر الظهران.
المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ويكنى أبا عبده شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً.
المنذر بن عمرو بن خنيسي بن لوذان شهد العقبة مع السبعين، وهو أحد النقباء الاثني عشر، شهد بدراً وأحداً، ويوم بئر معونة.
ثم دخلت
سنة خمس من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
غزاة ذات الرقاع
وكانت في المحرم، وإنما سميت ذات الرقاع، لأنها كانت عند جبل فيه سواد وبياض وحمرة، فسميت بذلك.
وكان سببها، أن قادماً قدم المدينة بجلب له، فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناراً وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة، وقيل: في سبعمائة، فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع - وهو جبل - فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، فهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال، فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، وكان أول ما صلاها.


وانصرف راجعاً إلى المدينة، فابتاع من جابر بن عبد الله جمله وناقته، وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه فأخبره، فقال: إذا قدمت المدينة فأردت أن تجد نخلك فأذني، واستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جابر في تلك الليلة خمساً وعشرين مره، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وبعث جعال بن سراقة بشيراً إلى المدينة بالسلامة.
ومن الحوادث في هذه السنة
غزاة دومة الجندل
في ربيع الأول، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بدومة الجندل جمعاً كثيراً، وأنهم يظلمون من مر بهم، وكان بين دومة الجندل وبين المدينة مسيرة خمس عشرة ليلة، أو ست عشرة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، واستخلف ابن عرفطة، وخرج لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين، وكان يسير الليل ويكمن النهار، ودليله يقال له مذكور، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم وأصاب من أصاب وهرب من هرب، وتفرق أهل دومة الجندل، ولم يجد بساحتهم أحداً، وأخذ منهم رجلاً فسأله عنهم، فقال: هربوا حين سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر ليال بقين من ربيع الأخر، ولم يلق كيداً.
وفي هذه السنة: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن، وذلك أن بلاد عيينة أجدبت فوادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يرعى في أماكن معلومة.
وفي جمادى الآخرة من هذه السنة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مشركي قريش بمال، وكان قد بلغه أن سنة شديدة قد أصابتهم.
وفد سعد بن بكر
وفي هذه السنة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد سعد بن بكر.
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسين بن علي التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا يعقوب، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع، عن كريب، عن عبد الله بن عباس، قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فلما عرفه، قال: إني سائلك ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك. قال: " لا أجد في نفسي، فسل عن ما بدا لك " قال: أنشدك الله إلهك، وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا تعبد من دون الله، قال: " اللهم نعم " ، قال: وأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس، قال: " اللهم نعم " ، قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضة، كما يناشد في التي قبلها، حتى إذا فرغ، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، واجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص، ثم انصرف راجعاً إلى بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى: " إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة " . قال: فأتى إلى بعيره وأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه، وكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى، فقالوا: مه يا ضمام اتق البرص اتق الجذام اتق الجنون، قال: ويلكم إنهما والله ما يضران ولا ينفعان، فإن الله تعالى قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً، قال: يقول ابن عباس رحمة الله عليهما: ما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.
قال مؤلف الكتاب: وقد روى هذا الحديث شريك بن عبد الله، عن كريب، فقال فيه: بعثت بنو سعد بن بكر ضماماً في رجب سنة خمس، أخرجه البخاري في صحيحه مختصراً من حديث شريك، عن أنس. وأخرجه مسلم من حديث ثابت، عن أنس على اختصار و اختلاف ألفاظ.
وفي هذه السنة وفد وفد مزينة


أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد، قال: أخبرنا كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم، وقال: " أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم " ، فرجعوا إلى بلادهم.
وروى ابن سعد، عن أشياخه أنه كان فيهم خزاعي بن عبد نهم، وأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه من مزينة، فلما مضى إليهم لم يجدهم كما ظن، فأقام ثم أنهم أسلموا، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة يوم الفتح إلى خزاعي، وكانوا ألف رجل وهو أخو المغفل بن عبد الله بن المغفل، وأخو عبد الله ذي البجادين.
غزوة المريسيع
وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع في شعبان، وذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها: المريسيع، وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار، فسار في قومه ومن قدر عليه فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه، وتهيأوا للمسير معه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرساً، وخرج معهم جماعة من المنافقين، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة، زيد بن حارثة، وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان، وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد قتل عينه الذي كان يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك فخاف وتفرق من معه من العرب، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع، فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة، فتهيأوا للقتال، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بن الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فحملوا حملة رجل واحد، فقتل من العدو عشرة وأسر الباقون، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء، فكانت الإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف، والسبي مائتي أهل بيت، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.
وقد روى ابن عمر أنه كان حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون ونعمهم يسقى على الماء.
قال مؤلف الكتاب: والأول أصح.
ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم، وجعلت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فكاتباها، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فأدى عنها وتزوجها وسماها برة، قيل: إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائي بشيراً إلى المدينة بفتح المريسيع.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: حدثنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن عائشة قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني المصطلق، فأخرج الخمس منه، ثم قسمه بين الناس، فأعطى الفرس سهمين والرجل سهماً، فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، وكاتبها ثابت بن قبس على تسع أواق، وكانت امرأة حلوة لا يكاد أحد يراها إلا أخذت بنفسه، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم عندي إذ دخلت عليه جويرية، فسألته في كتابتها فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من


الأمر ما قد علمت، فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبني على تسع أواق فأعني في فكاكي، فقال: " أو خير من ذلك " قالت: ما هو يا رسول الله، قال: " أودي عنك كتابتك وأتزوجك " قالت: نعم يا رسول الله. قال: " قد فعلت " وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون، فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء المصطلق، فبلغ عتقهم إلى مائة بيت بتزويجه إياها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها.
نزول آية التيمم
وفي هذه الغزاة: سقط عقد عائشة رضي الله عنها فنزلت آية التيمم.
أنبأنا زاهر، وأخبرنا عنه محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو سعيد بن محمد الحيري، قال: أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: حدثني مالك بن أنس، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء وبذات الجيش، انقطع عقدي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، فتيمموا.
فقال أسيد بن حضير، وهو أحد النقباء: ما هذا بأول بركتكم يا آل بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وفي هذه الغزاة كان حديث الإفك
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسين بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن أبي وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله عز وجل، وكلهم حدثني بطائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصاً، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضاً، ذكروا: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً، أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه.
قالت عائشة فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن نزل الحجاب، وأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة آذن بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شاني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون إني فيه.
قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن المحلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثه السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت بها منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي.


فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي فوالله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمت المدينة، فاشتكيت حين قدمنا شهراً والناس يفيضون في قول الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أعرف منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم فيقول: كيف تيكم، فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو مبرزنا، ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت تسبين رجلاً قد شهد بدراً؟ قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " كيف تيكم " ؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلها، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أماه ما يتحدث الناس، فقالت: أي بنية هوني عليك، فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، لها ضرائر إلا أكثرن عليها، قالت: قلت: سبحان الله، أو قد تحدث الناس بهذا، قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ليستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم من نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله هم أهلك، ولا نعلم إلا خيراً وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عز وجل عليك والنساء سواها كثير، وأن تسأل الجارية تصدقك.
قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فيأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي، فقال وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا لي رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وكان لا يدخل على أهلي إلا معيإ، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً، ولكنه احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: لعمرك لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
فثار الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.


قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: " أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " .
قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، فاض دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أدري مما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري ما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن، وإني والله قد عرفت إنكم قد سمعتم هذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم، ولئن قلت لكم إني بريئة والله عز وجل يعلم أني بريئة، فلا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة فلا تصدقوني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: " صبر جميل والله المستعان على ما تصفون " .
قال: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله عز وجل مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله عز وجل بها، قالت: فوالله ما رأم رسول الله مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة لكلم بها أن قال: " أبشري يا عائشة، أما والله عز وجل فقد برأك " فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله عز وجل: " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " عشر آيات، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات براءتي.
فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً، بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله عز وجل: " ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة " إلى قوله: " ألا تحبون أن يغفر الله لكم " .
قال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله عز وجل لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، ومال: لا أنزعها منه أبداً.
قالت عائشة رضي الله عنها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري، وما علمت أو ما رأيت أو ما سمعت أو ما بلغك، قالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله عز وجل بالورع، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلكت.
قال ابن شهاب: وهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط، أخرجاه في الصحيحين.
وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة ثمانية عشر يوماً، وقدم لهلال رمضان
زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش
وفي هذه السنة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب، أمها أميمة بنت عبد المطلب، وكانت فيمن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد، فقالت: لا أرضاه لنفسي، قال: " فإني قد رضيته لك " فتزوجها زيد بن حارثة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي، عن محمد بن يحيى بن حيان، قال:


جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة، فيقول: " أين زيد " ؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده، وتقوم إليه زوجته زينب بنت جحش، فضل، فأعرض رسول الله عنها، فقالت: يا رسول الله ليس هو ها هنا فادخل بأبي أنت وأمي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل، وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباب، فوثبت عجلى، فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى وهو يهمهم بشيء، لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن منه: " سبحان الله العظيم، سبحان مصرف القلوب " ، فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له أن يدخل؟ قالت: قد عوضت عليه ذلك فأبى، قال: فسمعت منه شيئاً؟ قالت: سمعته حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه وسمعته يقول: " سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب " .
فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بلغني انك جئت منزلي فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمي لعل زينب أعجبتك فأفارقها؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك زوجك " ، فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله فيخبره، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك زوجك " ، فيقول: يا رسول الله أفارقها. فيقول: " أحبس عليك زوجك " ، ففارقها زيد واعتزلها وحلت.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع عائشة أخذته غشية فسري عنه وهو يبتسم ويقول: " من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله عز وجل قد زوجنيها من السماء؟ " وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وأتق الله. القصة كلها، قالت عائشة: وأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها زوجها الله من السماء وقالت: هي تفخر علينا بهذا، قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتد، فحدثتها بذلك أعطتها أوضاحاً عليها.
وفي أفراد مسلم من حديث ثابت، عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذهب فاذكرها علي، فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب، أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بلا إذن فلقد رأيتنا أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبز واللحم حتى امتد النهار.
وفي سبب زينب نزلت آية الحجاب أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا الداوودي، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: أخبرنا يحيى بن بكير، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك.
أنه كان ابن عشر سنين يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن أمهاتي يواطئنني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخدمته عشر سنين، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عريساً، فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا، فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب إذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه الستر، وأنزل الحجاب.
أخرجاه في الصحيحين.
وفي هذه السنة كانت غزوة الخندق
وهي غزوة الأحزاب
قال مؤلف الكتاب: كانت في ذي القعدة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجلى


بني النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة، فالتقوا قريشاً ودعوهم إلى الخروج، واجتمعوا معهم على قتاله، وواعدوهم لذلك موعداً، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك، وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب، فكانوا أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وألف وخمسمائة بعير، وخرجوا يقودهم أبو سفيان ووافتهم بنو سليم بمر الظهران، وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس، وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وخرجت فزارة وهم ألف، يقودهم عقبة بن حصين، وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة، وخرجت بنو مرة، وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف.
وروى الزهري أن الحارث رجع ببني مرة ت فلم يشهد الخندق منهم أحد، والأول أثبت.
وكان جميع من وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر، والجملة بيد أبي سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصولهم من مكة، ندب الناس، وأخبرهم خبرهم وشاورهم، فأشار سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع، وجعل سلعاً خلف ظهره، وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم. ثم خندق على المدينة، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بيده لينشطرا، ففرغوا منه في ستة أيام.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، قال: أخبرنا هوذة بن خليفة، قال: أخبرنا عوف، عن ميمون، قال: حدثني البراء بن عازب، قال: لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، قال: فشكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: بسم الله، ثم ضرب ضربة، فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثاً آخر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة.
قال علماء السير: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثماني ليال مضين من ذي القعدة، وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة، ودس أبو سفيان بن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريطة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكونوا معهم عليه، فامتنعوا ثم أجابوا، وبلغ ذلك رسول الله، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وفشل الناس وعظم البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء، وكانوا كما قال الله تعالى: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبالغت القلوب الحناجر " .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه، وكتبوا الكتاب ولم


تقع الشهادة، وإنما كانت مراوضة ومراجعة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، وابن عبادة فأخبرهما بذلك فقالا: هذا شيء تحبه أو شيء، أمرك الله به، قال: لا بل أصنعه لأجلكم، فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فقالا: قد كنا نحن وهم على الشرك، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة، فحين أذن الله بالإسلام نفعل هذا ما لنا إلى هذا حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا قال: فأنتم وذاك، فتناول سعد الصحيفة التي كتبوها فمحاها، وقال ليجهدوا علينا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وجاه العدو لا يزولون غير أنهم يعتقبون خندقهم ويحرسونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، وكانوا يخافون على الذراري من بني قريظة وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عشرة من الأنصار يحرسونه كل ليلة، فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان يوماً، ويغدو خالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوماً، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوماً، ويغدو ضرار بن الخطاب يوماً، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم، فأصاب أكحله، فقال: خذها وأنا ابن العرقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرق الله وجهك في النار " ، ويقال: الذي رماه أبو أسامة الجشمي.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا ابن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا يزيد بن هارون.
وأخبرنا عاليا بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا ابن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرت يزيد بن هارون، قال أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس، فسمعت وئيد الأرض من ورائي - يعني حس الأرض - فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل رمحه، فجلست إلى الأرض، فمر سعد وهو يرتجر، ويقول:
لبث قليلاً يدرك الهيجا حمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل.
قالت: وعليه درع قد خرجت منه أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، وكان سعد من أطول الناس وأعظمهم قالت: فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه تسبغة له - تعني المغفر - قالت فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها، قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز وأين الفرار إلا إلى الله؟ قالت: ويرمي سعداً رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم، فقال: خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله، فدعا الله عز وجل سعد، فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظ - وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية - قالت: فرقأ كلمه وبعث الله تعالى الريح على المشركين، " فكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً " .
قال مؤلف الكتاب: العرقة أم حبان بن عبد مناف بن منقد بن عمر وسميت العرقة لطيب ريحها.
قال علماء السير: لما حام الأحزاب حول الخندق أياماً أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يوماً، فغدوا جميعاً، وطلبوا مضيقاً من الخندق يقحمون فيه خيلهم فلم يجدوا، فقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها، فقيل لهم: إن معه رجلاً فارسياً فهو أشار عليه بذلك فصاروا إلى مكان ضيق فعبر عكرمة ونوفل وضرار وهبيرة، وعمرو بن عبد ود، فجعل عمرو يدعو إلى البراز، وهو ابن تسعين سنة، فقال علي رضي الله عنه: أنا أبارزه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه وعممه، وقال: " اللهم أعنه عليه " ، فضربه علي فقتله، وولى أصحابه هاربين، وحمل الزبير على نوفل فقتله.


أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا ابن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن سلمان بن داوود، قال: أخبرنا الزبير بن بكار، قال: عمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب، وعكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة هم الذين طفروا الخندق يوم الأحزاب، وفي ذلك يقول الشاعر:
عمرو بن ود كان أول فارس ... جزع المزاد وكان فارس يليل
قال مؤلف الكتاب: المزاد، موضع من الخندق فيه حفر، ويليل، واد قريب من بدر.
ولما جزع عمرو بن عبد المزاد دعى البراز، وقال يرتجز:
ولقد بححت من النداء ... بجمعكم: هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجا ... ع بموقف البطل المناجز
إني كذلك لم أزل ... متسرعاً نحو الهزاهز
إن الشجاعة والسم ... احة في الفتى خير الغرائز
فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم أجابه يقول:
لا تعجلن فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة ... والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقي ... م عليك نائحة الجنائز
من ضربة فوهاء يب ... قى ذكرها عند الهزاهز
ثم دعاه أن يبارزه، فقال له علي: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لقريش لا يدعوك رجل إلى خلتين إلا أخذت إحداهما، قال عمرو: نعم، قال علي رضي الله عنه: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، فقال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى مبارزة. قال: يا ابن أخي، والله ما أحب أن أقتلك، فقال له علي: لكني والله أنا أحب أن أقتلك فحمي عمرو واقتحم عن فرسه وعرقبه، ثم أقبل فتناورا وتجاولا وثارت عليهما غبرة سترتهما عن المسلمين، فلم يرع المسلمين إلا التكبير، فعرفوا أن علياً رضي الله عنه قتله، فانجلت الغبرة وعلي على صدره يذبحه.
قال علماء السير: لما قتل عمرو رثته أمه، فقالت:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقال به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
ثم تواعدا أن يأتوا من الغد، فباتوا يعبئون أصحابهم ونحوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد، فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا عن مكانهم، ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ظهراً ولا عصراً حتى كشفهم الله عز وجل، فرجعوا منهزمين، فلم يكن لهم بعد ذلك قتال - يعني انصرفوا - إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة، فمال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي فاتته الصلاة فيه: " شغلونا عن الصلاه الوسطى " .
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا أبو معاوية، قال: أخبرنا الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة، العصر، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً " ، ثم صلاها بين العشاءين، المغرب والعشاء. أخرجاه في الصحيحين.
وحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة، وقيل: أربعا وعشرين ليلة حتى خلص إلى كل أمر منهم الكرب. ودعى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب. ويروى في مسجد الفتح.
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا أبو عامر، قال: أخبرنا كثير بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: حدنا جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثاً: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرف البشر في وجهه. قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة، فأدعو فيها فأعرف الإجابة.
قالوا: وكان نعم بن مسعود الأشجعي قد أسلم وحسن إسلامه، فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم.


فأنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسن بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر.
وبه قال أخبرنا عبد الله بن عاصم الأشجعي، عن أبيه، قال: قال نعيم بن مسعود: لما سارت الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرت مع قومي وأنا على ديني، فقذف الله في قلبي الإسلام، فكتمت ذلك قومي، وأخرج حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء فأجده يصلي، فلما رآني جلس، وقال: " ما جاء بك يا نعيم " ؟ وكان بي عارفاً، قلت: إني جئت أصدقك، وأشهد أن ما جئت به حق، فمرني بما شئت، قال: أما استطت أن تخذل عنا الناس فخذل قلت: أفعل، ولكن يا رسول الله أقول، قال: " قل ما بدا لك فأنت في حل " قال: فذهبت إلى قريظة، فقلت: اكتموا علي، قالوا: نفعل، فقلت: إن قريشاً وغطفان على الانصراف عن محمد صلى الله عليه وسلم إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا إلى بلادهم، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناء، قالوا: أشرت علينا والنصح لنا، ثم خرجت إلى أبي سفيان بن حرب، فقلت قد جئتك بنصيحة فاكتم علي، قال: أفعل، قلت: تعلم أن قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد، صلى الله عليه وسلم وأرادوا إصلاحه ومراجعته، فأرسلوا إليه وأنا عندهم إنا سنأخذ من قريش وغطفان سبعين رجلاً من أشرافهم نسلمهم إليك، تضرب أعناقهم ونكون معك على قريش وغطفان حتى، نردهم عنك وترد حناحنا الذي كسرت إلى ديارهم - يعني بني النضير - فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهناً فلا تدفعوا إليهم أحداً واحذروهم، ثم أتى غطفان، فقال لهم مثل ذلك، وكان رجلاً منهم فصدقوه، وأرسلت قريظة إلى قريش: إنا والله ما نخرج فنقاتل محمداً صلى الله عليه وسلم حتى تعطونا رهناً منكم يكونون عندنا، فإنا نتخوف أن تنكشفوا وتدعونا ومحمداً، فقال أبو سفيان: صدق نعيم. وأرسلوا إلى غطفان بمثل ما أرسلوا إلى قريش، فقالوا لهم مثل ذلك، وقالوا جميعاً: إنا والله ما نعطيكم رهناً ولكن أخرجوا فقاتلوا معنا. فقالت اليهود: نحلف بالتوراة أن الخبر الذي قال نعيم لحق، وجعلت قريش وغطفان يقولون: الخبر ما قال نعيم، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، وهؤلاء من نصر هؤلاء. واختلف أمرهم وتفرقوا في كل وجه، وكان نعيم يقول: أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه، وأنا أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على سره.
قال علماء السير: فلما استوحش كل فريق من صاحبه، اعتلت قريظة بالسبت، فقالوا: لا نقاتل، وهبت ليلة السبت ريح شديدة، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر، وأجدب الجناب وأخلفتنا بنو قريظة، ولقد لقينا من الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بحضرته أحد من العساكر قد انقشعوا، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة لينظر ما فعل القوم.
فروى مسلم في أفراده من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك، لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا رجل يأتينا نجبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة " فسكتنا فلم يجبه أحد، ثم قال: " ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة " فسكتنا ولم يقم قائم، فقال: " قم يا حذيفة " فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم، قال: " اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي " ، فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذعرهم علي " فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته أخبرته خبر القوم وفرعت وقررت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحت، قال صلى الله عليه وسلم: " قم يا نومان " .


وقد رواه ابن إسحاق عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبتموه، قال: نعم يا ابن أخي، قال: كيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، فقال الفتى: والله لو أدركناه ماتركناه يمشي على وجه الأرض ولحملناه على أعناقنا، فقال حذيفة: يا ابن أخي؟ والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق يصلي هوياً من الليل، ثم التفت إلينا، فقال: " من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع " وشرط له انه إذا رجع أدخله الله الجنة، فما قام رجل، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثل ذلك، ثم قال: " أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة " . فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام، فقال: " يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون " . فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله، تفعل بهم ما تفعل فلا تترك قدراً ولا ناراً، ولا بناء. فقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ جليسه، فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم، والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف ولقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل. فرجعت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: لم يقتل يوم الخندق من المسلمين إلا ستة نفر، وقتل من المشركين ثلاثة.
ومن الحوادث في هذه السنة كانت غزاة بني قريظة
وذلك في ذي القعدة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الخندق جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل حصونهم.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا ابن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عفان، قال: أخبرنا حماد يعني ابن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل فجاءه جبريل، فقال: أوقد وضعتم السلاح ما وضعنا أسلحتنا بعد انهض إلى بني قريظة، قالت عائشة: كأني أنظر إلى جبريل من خلال الباب قد عصب رأسه من الغبار.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن بكر قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، قال: حدثنا محمد بن محمد المطرز، قال: أخبرنا بشر بن المعمري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، فبينا هو عندي إذ دق الباب فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووثب وثبة منكرة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه، فرجعت فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قلت: من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال: ورأيته؟ قلت: نعم، قال: " ومن تشبهينه " ؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي، قال: ذاك جبريل عليه السلام، أمرني أن أمضي إلى بني قريظة.
قال علماء السير: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه، فدفع إليه لواءه، وبعث بلالاً فنادى في الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ثم سار في ثلاثة آلاف، وكانت الخيل ستة وثلاثين فرساً، وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة، فحاصرهم خمسة عشر. يوماً، وقيل: خمساً وعشرين ليلة أشد الحصار ورموا بالنبل والحجر، فلم يطلع منهم أحد.
فلما اشتد الحصار عليهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن


عبد المنذر، فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم، فأشار إليهم بيده أنه الذبح، ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله، فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية. وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية، وجمع أمتعتهم فكانوا ألفاً، وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفي رمح، وألفاً وخمسمائة ترس وحجفة، وجمالاً كانت نواضح وماشية كثيرة. وكان لهم خمر فأريق، وكلمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاد، فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتسبى النساء والذراري، وتقسم الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة س " .
ونزل ثعلبة وأسيد ابنا شعبة، وأسد بن عبيد ابن عمهم، فقالوا: إنكم لتعلمون أنه نبي، وان صفته عندنا فأسلموا، فدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهليهم وأموالهم. وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وحفر لهم أخدوداً في السوق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أصحابه، وأخرجوا إليه فضرب أعناقهم، وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو لنفسه، فأسلمت وبقيت في ماله حتى توفي عنها، وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس، وأمر بالباقي فبيع فيمن يزيد، وقسمه بين المسلمين وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهماً، للفرس سهمان ولصاحبه سهم.
وفي هذه الغزاة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها.
وفي ذي الحجة: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً إلى الغابة فسقط عنه، فخدش فخذه الأيمن فأقام في البيت خمساً يصلي قاعداً.
في هذا الشهر: رجفت المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله مستعتبكم فاعتبوا " وفيها: دفت دافة من بني عامر بن صعصعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبقى من ضحاياكم بعد ثالثة شيء " .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
ثعلبة بن غنمة بن عدي بن سنان بن نابئ شهد العقبة مع السبعين، وبدراً والخندق، وقتل يومئذ.
جليبيب أخبرنا هبة الله بن الحصين، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل،، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة.
وأخبرنا محمد بن عبد الباقي - واللفظ له - قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: حدثنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عارم، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا ثابت، عن كنانة بن نعيم، عن أبي برزة الأسلمي: أن جليبيباً كان امرأً من الأنصار، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم ألرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل من الأنصار: " يا فلان زوجني ابنتك " قال: نعم ونعم عين، قال: " إني لست أريدها لنفسي " ، قال: فلمن، قال: " لجليبيب " قال: حتى أستأمر أمها، فلما أتاها، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، قالت: نعم ونعمة عين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنه ليس لنفسه يريدها، قالت: فلمن؟ قال: لجليبيب، قالت: لا نعم، والله لا أزوج جليبيباً. فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم، قالت الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني إليكما؟ قالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أو تردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يضيعني. فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شانك بها. فزوجها جليبيباً.


قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت: أتدري ما دعا لها به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما دعا لها به؟ قال: قال: " اللهم صب عليها الخير صباً صباً ولا تجعل عيشها كداً كداً " . قال ثابت: فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له، قال: " هل تفقدون من أحد؟ " قالوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً، ثم قال: " هل تفقدون من أحد؟ قالوا نفقد فلاناً ثم قال: " هل تفقدون من أحد؟ " قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيباً فاطلبوه في القتلى، فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا مني وأنا منه، أقتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه، أقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه " . فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه، ثم حفروا له ما له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره. قال ثابت: فما في الأنصار أيم أنفق منها.
خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة شهد بدراً والعقبة والخندق ويوم بني قريظة، وقتل يومئذ شهيداً، دلت عليه بنانة امرأة من بني قريظة رحى فشدخت رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " له أجر شهيدين " ، وقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
قال عروة: قالت عائشة رضي الله عنها: إنها لعندي تتحدث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم إذ هتف هاتف باسمها، قالت: أنا والله، قلت: ويلك ما لك، أقتل، قلت: ولم قالت: حدث أحدثته فانطلق بها فضربت عنقها فما أنسى منها أطيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل.
وجاءت أم خلاد وقد قيل لها: قتل خلاد وهي منقبة، فقيل لها: قتل خلاد وأنت منقبة، قالت: إن كنت رزئت خلاداً فلا أرزأ حياتي.
سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، ويكنى أبا عمرو: وأمه كبشة بنت رافع، وهي من المبايعات، وكان لسعد من الولد، عمرو، وعبد الله وأمهما قيل: كبشة، وليس ذلك، وإنما الأصح أنها هند بنت سماك بن عتيك من المبايعات خلف عليها سعد بعد أخيه أوس، وهي عمة أسيد بن حصير.
وكان إسلام سعد على يدي مصعب بن عمير، وكان مصعب قد قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو الناس إلى الإسلام، ويقرئهم القرآن، فلما أسلم سعد لم يبق أحد في بني عبد الأشهل إلا أسلم يومئذ، وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعاً رجالهم ونساؤهم، وحول سعد بن معاذ مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة إلى داره، فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره، وكان سعد وأسعد ابني خالة، وكان سعد وأسيد بن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل، وكان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ، وشهد يوم أحد وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى الناس. وأصيب يوم الخندق في أكحله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر الحمى، فقال: " من كانت به فهو حظه من النار " ، فسألها سعد بن معاذ فلم تفارقه حتى فارق الدنيا.
وأصيب يوم الخندق في أكحله، فضرب عليه رسول الله قبة في المسجد ليعوده من قريب.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: حدثنا أبو الحسن بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون.
وأخبرناه عالياً بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: رمى سعداً رجل من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم له يوم الخندق فقال خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله، فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة - وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية - قالت: فرقأ كلمه، فبعث الله عز وجل، الريح على المشركين " فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً، فلحق أبو سفيان بمن معه بتهامة، ولحق عيينة بمن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأمر بقبة


فضربت على سعد بن معاذ في المسجد، قالت: فجاءه جبريل وعلى ثناياه النقع، فقال: أو قد وضعت السلاح فوالله ما وضعت الملائكة السلاح بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن في الناس بالرحيل. قالت: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني غنم وهم جيران المسجد، فقال لهم: " من مر بكم؟ " قالوا: مر بنا دحية الكلبي - وكان دحية تشبه لحيته وسنة وجهه بجبريل عليه السلام، فقالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم أو اشتد البلاء عليهم، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انزلوا على حكم سعد بن معاذ " ، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فحمل على حمار عليه إكاف من ليف، وحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، ولا يرجع إليهم شيئاً، حتى إذا دنى من دورهم التفت إلى قومه، فقال: قد أنى لي أن لا أبالي في الله لومة لائم، فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " قوموا إلى سيدكم " . فأنزلوه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احكم فيهم " ، فقال: فإني أحكم فيهم بقتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، وتقسيم أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله " . قالت: ثم دعا الله سعد، فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك. قالت:. فانفجر كلمه، وقد كان برأ حتى ما يرى منه شيء إلا مثل الخرم، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل: " رحماء بينهم " . قال: فقلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. فقالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو أخذ بلحيته.
قال محمد بن سعد: حدثنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته.
قال محمد بن سعد: وأخبرنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا أبي، قال: سمعت الحسن يقول: لما مات سعد بن معاذ - وكان رجلاً جسيماً جزلاً - جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون: لم نر كاليوم رجلاً أخف، وقالوا: أتدرون لم ذاك؟ ذاك لحكمه في بني قريظة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره " .
أخبرنا عبد الأول، قال: أخبرنا ابن المظفر، قال: أخبرنا ابن أعين، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: أخبرنا البخاري، قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا فضل بن مساور، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ " .
أخرجاه في الصحيحين.
وفيهما من حديث البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير فجعل يتعجب من حسنه ولينه، فقال: " لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل - أو خير - من هذا " .
وقد روى سلمة بن أسلم الأشهلي، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وما فيه إلا سعد مسجى، فرأيته يتخطاه، فوقف فأومأ إلي: " قف " ، فوقفت ورددت من ورائي، وجلس ساعة ثم خرج، فقلت: يا رسول الله، ما رأيت أحداً وقد رأيتك تتخطاه، فقال: " ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه " فجلست ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هنيئاً لك يا أبا عمرو " ثلاث مرات.
قال سعد بن إبراهيم: حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغسل، فقبض ركبتيه، وقال: دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعت له. وغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلام بن وقش ونزلا في قبره ومعهما الحارث بن أوس وأبو نائلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على القبر. وكانت أمه تبكي وتقول:
ويل أم سعد سعداً ... براعة ونجداً


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل البواكي يكذبن إلا أم سعد " . وجاءت أم سعد تنظر لم في اللحد فردها الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوها " . فنظرت إليه قبل أن يبنى عليه اللبن، فقالت: احتسبك عند الله وعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره، وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سوي على قبره ورش عليه الماء، ثم جاء فوقف عليه فدعا له وانصرف.
وكان سعد رجلاً أبيض طوالاً جميلاً، وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة، ودفن بالبقيع، وأخذ من تراب قبره فإذا هو مسك.
وروى ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لم ينزلوا الأرض قبل ذلك، ولقد ضم ضمة ثم أفرج عنه " يعني سعد بن معاذ رضي الله عنه.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: حدثنا ابن حيويه، قال: حدثنا ابن معروف، قال: أخبرنا ابن الفهم، قال: أخبرنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن الفضيل بن غزوان، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد فاحتبس، فلما خرج قيل له: يا رسول الله، ما حبسك؟ قال: " ضم سعد في القبر ضمة " فدعوت الله أن يكشف عنه.
عبد الله بن سهل بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم أمه الصعبة بنت التيهان، أخت أبي الهيثم بن التيهان، وهو أخو رافع بن سهل، وهما اللذان خرجا إلى حمراء الأسد، وهما جريحان يحمل أحدهما صاحبه ولم يكن لهما ظهر.
شهد عبد الله بدراً وأحداً والخندق، وقتل يومئذ شهيداً.
عمرة بنت مسعود، أم سعد بن عبادة توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في دومة الجندل ومعه سعد، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قبرها فصلى عليها وسأله سعد عن نذر كان عليها فقال: " اقضه عنها " .
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: حدثنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا روح بن عبادة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: اخبرني يعلى أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس، يقول: أنبأنا ابن عباس.
أن سعد بن عبادة ماتت أمه وهو غائب عنها فأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: " نعم " ، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها.
كعب بن مالك بن قيس بن مالك شهد بدراً وأحداً والخندق وقتل يومئذ.
ثم دخلت
سنة ست من الهجرة
فمما حدث فيها:
سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من المحرم سنة ست في ثلاثين راكباً إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر بن كلاب، وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل نفراً منهم وأخذ ثمامة بن أثال الحنفي وهرب سائرهم واستاق نعماً وشاء ولم يعرضن للظعن، وانحدر إلى المدينة، فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء به وفض على أصحابه ما بقي، وكانت النعم مائة وخمسين بعيراً، والغنم ثلاثة آلاف شاة، وغاب تسع عشرة ليلة، وقدم لليلة بقيت من المحرم.
وفيها: قدم مسعود بن رخيلة الأشجعي في سبعمائة من قومه، فنزلوا بسلع في صفر فوادعوا رسول الله ووادعهم وفيهم نزلت: " إذ جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا " .
ثم كانت غزاة بني لحيان


وكانوا بناحية عسفان في ربيع الأول سنة ست، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على عاصم بن ثابت وأصحابه وجداً شديداً - وكانوا قتلوا في غزاة الرجيع - فأظهر أنه يريد الشام، وعسكر لغرة هلال ربيع الأول في مائتي رجل، ومعهم عشرون رجلاً، واستخلف عبد الله بن أم مكتوم، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران - وبينها وبين عسفان خمسة أميال - حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، فسمعت بهم بنو لحيان، فهربوا في رؤوس الجبال، فلم يقدروا منهم على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا الغميم، ثم رجعوا ولم يلقوا أحداً، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وغاب أربع عشرة ليلة، وقال في رجوعه: آيبون تائبون لربنا حامدون فكان أول من قالها.
وفي هذه الغزوة جاز على قبر أمه صلى الله عليه وسلم أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف، قال: أخبرنا علي بن أحمد الحمامي، قال. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين الحريري، قال: أخبرنا موسى بن إسحاق الأنصاري، قال: أخبرنا أبو إبراهيم الترجماني، قال: حدثنا المشمعل بن ملحان، عن صالح بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقف على عسفان، فنظر يميناً وشمالاً فأبصر قبر أمه آمنة فورد الماء، فتوضأ ثم صلى ركعتين فلم يفاجئنا إلا ببكائه، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف إلينا فقال: " ما الذي أبكاكم؟ قالوا: بكيت فبكينا يا رسول الله وقال " وما ظننتم؟ " قالوا: ظننا أن العذاب نازل علينا، قال: " لم يكن من ذلك شيء " ، قالوا: فظننا أن أمتك كلفوا من الأعمال ما لا يطيقون، قال: " لم يكن من ذلك شيء ولكني مررت بقبر أمي، فصليت ركعتين ثم استأذنت ربي أن أستغفر لها فنهيت فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين، واستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزجرت زجراً، فعلا بكائي " ثم دعى براحلته فركبها فما سارت إلا هينة حتى قامت الناقة بثقل الوحي، فأنزل الله تعالى: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستنفروا للمشركين... " إلى آخر الآيتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أشهدكم أني بريء من آمنة كما تبرأ إبراهيم من أبيه " .
ثم كانت غزوة الغابة
وهي على بريد من المدينة على طريق الشام في ربيع الأول.
قالوا: كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهي، عشرون لقحة - ترعى بالغابة وكان أبو ذر فيها، فأغار عليها عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين فارساً، فاستاقوها وقتلوا راعيها، وجاء الصريخ فنادى: الفزع الفزع، فنودي: يا خيل الله اركبي، فكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعاً، فوقف، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو، وعليه الدرع واليه كفر، شاهراً سيفه، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء في رمحه، وقال: " امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك " ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة.
قال المقداد: فخرجت فأدركت أخريات العدو وقد قتل أبو قتادة مسعدة، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه، وقتل عكاشة بن محصن أثار بن عمرو بن أثار، وقتل المقداد بن عمرو: حبيب بن عيينة بن حصن، وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر.
وقتل من المسلمين محرز بن نضلة، قتله مسعدة. وأدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه، فجعل يراميهم بالنبل، ويقول:
خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرضع
حتى انتهى بهم إلى ذي قرد ناحية خيبر مما يلي المستناخ.
قال سلمة: فلحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس والخيول عشاء، فقلت: يا رسول


الله، إن القوم عطاش فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما في أيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ملكت فأسجح " ، ثم قال: " إنهم الآن ليقرون في غطفان " . وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف، وأقام به يوماً وليلة يتحسس الخبر، وقسم في كل من أصحابه جزوراً ينحرونها - وكانوا خمسمائة، ويقال سبعمائة - وبعث إليه سعد عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر، فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد، والثبت عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على هذه السرية سعد بن زيد الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد لقول حسان بن ثابت:
غداة فوارس المقداد
فعاتبه سعد بن زيد، فقال: اضطرني الروي إلى المقداد.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم الاثنين، وقد غاب خمس ليال.
ثم كانت سرية عكاشة بن محصن الأسدي
إلى الغمر غمر مرزوق
وهو ماء لبني أسد على ليلتين من فيد طريق الأول إلى المدينة وكانت في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلاً، فخرج سريعاً يغذ السير، ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم ووجدوا دارهم خالية، فبعث شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربيئة لهم، فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعير، فأرسلوا الرجل وحدروا النعم إلى المدينة. وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوا كيداً.
ثم كانت سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة
في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة، وبني عوال من ثعلبة - وهم بذي القصة وبينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً طريق الربذة - في عشرة نفر، فوردوا عليهم ليلاً فأحدق به القوم، وهم مائة رجل، فتراموا ساعة من الليل، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم، فوقع محمد بن مسلمة جريحاً فضرب كعبه فلا يتحرك، وجردوهم من الثياب. ومر بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً إلى مصارعهم فلم يجدوا أحداً ووجدوا نعماً وشاء فساقه ورجع.
ثم كانت سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة أيضاً
في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار، ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين - والمراض على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة - فسارت بنو محاربة وثعلبة وأنمار إلى تلك السحاب، وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة وهو يرعى بهيفا - موضع على سبعة أميال من المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً من المسلمين حين صلوا المغرب، فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هرباً في الجبال، وأصاب رجلاً واحداً فأسلم فتركه، وأخذ نعماً من نعمهم، فاستاقه ورثة من متاعهم، وقدم بذلك المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقي عليهم.
ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم
بالجموم
في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل عن يسارها - وبطن نخل من المدينة على أربعة برد - فأصابوا عليه امرأة من مزينة، يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا في تلك المحلة نعماً وشاء وأسرى. وكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة، بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة نفسها وزوجها، فقال بلال بن الحارث المزني في ذلك شعراً:


لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معاً
ثم كانت سرية زيد بن حارثة أيضاً إلى العيص
وبينها وبين المدينة أربع ليال في جمادى الأولى سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: لما بلغ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيراً لقريش قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكباً يتعرض لها، فأخذوها وما فيها، وأخذوا يومئذ فضة كثيرة وكانت لصفوان بن أمية، وأسروا ناساً ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع، وقدم بهم إلى المدينة، فاستجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجارته ونادت في الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر: إني أجرت أبا العاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما علمت بشيء من هذا وقد أجرنا من أجرت " ، ورد عليه ما أخذ منه.
ثم كانت سرية زيد بن حارثة أيضاً إلى الطرف
في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة إلى الطرف - وهو ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة طريق النقرة على المحجة، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً، فأصاب نعماً وشاء، وهربت الأعراب، وصبح زيد بالنعم المدينة، وهي عشرون بعيراً، ولم يلق كيداً، وغاب أربع ليال، وكان شعارهم: " أمت أمت " .
ثم كانت سرية زيد بن حارثة أيضاً
في هذا الشهر إلى حسمى
وهي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن سعد أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من عند قيصر وقد أجازه وكساه، فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد، في ناس من جذام بحسمى، فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب، فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل، ورد معه دحية، وكان زيد يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل له من بني عذرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم، فأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف شاة، ومن السبي مائة من النساء والصبيان. فرحل زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذي كتب له ولقومه ليالي قدم عليه فأسلم، وقال: يا رسول الله، لا تحرم علينا حلالاً ولا تحل لنا حراماً، فقال: كيف أصنع بالقتلى؟ فقال أبو يزيد بن عمرو: أطلق لنا يا رسول من كان حياً ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق أبو يزيد " ، فبعث معهم علياً رضي الله عنه إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم، فتوجه علي رضي الله عنه فلقي رافع بن مكيث الجهني بشير زيد بن حارثة على ناقة من إبل القوم، فردها علي على القوم، ولقي زيداً بالفحلتين، وهي بين المدينة، وذي المروة، فأبلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردوا إلى الناس كل ما كان أخذ منهم.
ثم كانت سرية زيد بن الحارث أيضاً إلى وادي القرى
في رجب سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث زيداً أميراً سنة ست.
ثم كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن عوف، فأقعده بين يديه وعممه بيده، وقال: " اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً " وبعثه إلى كلب بدومة الجندل، فقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم. فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانياً وكان رأسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، فقدم بها إلى المدينة، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.
ثم كانت سرية علي بن أبي طالب
رضي الله عنه إلى بني سعد بن بكر بفدك
في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فبعث إليهم علياً رضي الله عنه قي مائة رجل، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج - وهو ما بين خيبر وفدك، وبين فدث والمدينة ست ليال - فوجدوا به رجلاً فسألوه عن القوم، فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني فآمنوه فدلهم فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعن ورأسهم وبر بن عليم، فعزل علي رضي الله عنه صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوحاً تدعى الحفذة، ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه، وقدم المدينة ولم يلق كيداً.
ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بوادي القرى
على سبع ليال من المدينة في شهر رمضان سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن سعد، أن زيد بن حارثة خرج في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان دون وادي القرى لقيه قوم من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه، وأخذوا ما كان معهم. ثم استبل زيد وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إليهم، فكمنوا النهار وساروا الليل أو نذرت بهم بنو بدر، ثم صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وابنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر، وكان الذي أخذ الجارية مسلمة بن الأكوع، فوهبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لحزن بن أبي وهب.
وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة - وهي عجوز كبيرة - فقتلها قتلاً عنيفاً؛ ربط بين رجليها حبلاً ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها. وقتل النعمان وعبيد الله ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر. وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك، فقرع باب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه عرياناً يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وسايله فأخبره بما ظفره الله عز وجل به.
ثم كانت سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع
سلام بن أبي الحقيق النضري
بخيبر في شهر رمضان سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن سعد أنه كان أبو رافع بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث النبي الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأبا قتادة، والأسود بن خزاعى، ومسعود بن سنان. وأمرهم بقتله.
فذهبوا إلى خيبر، فكمنوا، فلما هدأت الرجل جاؤوا إلى محله فصعدوا درجة له، فقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت له امرأته، فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح، فأشار إليها بالسيف، فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبطية، فعلوه بأسيافهم.
قال ابن أنيس: وكنت رجلاً أعشى لا أبصر، فاتكأت بسيفي على بطنه حتى سمعت خسه في الفراش، وعرفت أنه قد قضي عليه، وجعل القوم يضربونه جميعاً، ثم نزلوا فصاحت امرأته فتصايح أهل الدار، واختبأ القوم في بعض مناهر خيبر، وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران، فلم يروهم فرجعوا.


ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب، ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة كلهم يدعي قتله، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أفلحت الوجوه " فقالوا: أفلح وجهك يا رسول الله، وأخبروه خبرهم فأخذ أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذباب سيف عبد الله بن أنيس، فقال عليه الصلاة والسلام: " هذا قتله " .
ثم كانت سرية عبد الله بن رواحة
إلى أسير بن زارم اليهودي بخيبر
في شوال سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، أمرت يهود عليهم أسير بن زارم، فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فوجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر في شهر رمضان سراً فسأل عن خبره وغرته، فأخبر بذلك، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانتدب له ثلاثون رجلاً، فبعث عليهم عبد الله بن رواحه، فقدموا على أسير، فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له، قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك؟ فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرخ إليه، فيستعملك على خيبر، ويحسن إليك، فطمع في ذلك، فخرج وخرج معه ثلاثون من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كنا بقرقرة ثبار ندم أسير، فقال عبد الله بن أنيس وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري وقلت: غدراً أي عدو الله أفعل ذلك مرتين فنزلت فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير، فضربته بالسيف فأندرت عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره وبيده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه، فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شداً ولم يصب من المسلمين أحد ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه الحديث فقال: " قد نجاكم الله من القوم الظالمين " .
ثم كانت سرية كرز بن جابر الفهري
إلى العرنيين في شوال
قالوا: قدم نفر من عرينة ثمانية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا واستوبأوا المدينة، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه وكانت على ستة أميال من المدينة، وكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا فاستاقوها وقتلوا الراعي وقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارساً، واستعمل عليهم كرزاً فأدركوهم، وأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم حتى قدموا بهم المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبوا هناك، وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردوها إلا واحدة نحروها.
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: أسلم ناس من عرينة، فاجتووا المدينة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها " ، قال حميد: وقال قتادة، عن أنس: " وأبوالها " ، ففعلوا، فلما صحوا كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً أو مسلماً، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهربوا محاربين، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا.
أخرجاه في الصحيحين.
ثم كانت سرية عمرو بن أمية الضمري
وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بمكة


وكان سبب ذلك أن أبا سفيان قال لنفر من قريش: ألا رجل يغتال محمداً فإنه يمشي في الأسواق، فقال له رجل من العرب: إن قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأعطاه بعيراً ونفقة، فخرج ليلاً، فسار على راحلته خمساً وصبح ظهر الحرة صبح سادسة، وأقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه، فعقل راحلته، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في مسجد بني عبد الأشهل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إن هذا ليريد غدراً " ، فذهب ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره، فإذا بالخنجر فسقط في يديه، وقال: دمي دمي، فأخذ أسيد بلبته فدعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصدقني " ، فأخبره الخبر وأسلم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري، وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان وقال: إن أصبتما منه غرة فاقتلاه، فدخلا مكة فمضى عمرو يطوف بمكة ليلاً فرآه معاوية فعرفه، فأخبر قريشاً بمكانه فطلبوه وكان فاتكاً في الجاهلية - فهرب هو وسلمة، فلقي عمرو بن عبيد الله بن مالك فقتله، وقتل آخر من بني الديل سمعه يقول:
ولست بمسلم ما دمت حياً ... ولست أدين دين المسلمين
ولقي رسولين لقريش بعثتهما يتحسسان الخبر، فقتل أحدهما، وأسر الآخر فقدم به المدينة وجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك.
هذا قول محمد بن سعد، كاتب الواقدي.
وذكر ابن إسحاق عن أشياخه: إن هذا كان في سنة أربع، وأن عمرو بن أمية قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل خبيب وأصحابه، وبعث معي رجلاً من الأنصار، فقال: ائتيا أبا سفيان فاقتلاه فخرجنا وليس مع صاحبي بعير، فلما وصلنا عقلت بعيري، وقلت لصاحبي إني أريد أن أقتل أبا سفيان فإن أصبت شيئاً فالحق ببعيري فاركبه والحق بالمدينة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما دخلنا مكة قال لي صاحبي هل لك أن تطوف، فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك، فلم يزل بي حتى طفنا، فمررنا بمجلس فعرفني رجل منهم، فصاح بأعلى صوته: هذا عمرو بن أمية الضمري، فتبادر أهل مكة، قالوا: والله ما جاء عمرو لخير، فقاموا في طلبي، فقلت لصاحبي: النجاء، فهذا الذي كنت أخاف، وليس إلى الرجل سبيل فانج بنفسك، فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في الجبل، فدخلنا غاراً فبتنا فيه ليلتنا فأعجزناهم فرجعوا، فإذا عثمان بن مالك التميمي قد وقف بباب الغار، فخرجت إليه فوجأته بخنجر معي فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فأتوا إليه، ورجعت إلى مكاني، فجاؤوه وبه رمق، فقالوا: ويلك من قال: عمرو بن أمية، ثم مات ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا، فقالوا: والله لقد علمنا أنه ما جاء لخير، فاشتغلوا بصاحبهم، فأقمنا في الغار يومين، ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا خشبة خبيب وحوله من يحرسه، فقلت للأنصاري: إن خشيت فخذ الطريق إلى جملي فاركبه، والحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر واشتددت إلى خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري، فوالله ما مشيت به إلا نحو ذراعين حتى نذروا بي فطرحته فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثري فأخذت طريق الصفراء، فرجعوا وانطلق صاحبي فركب بعيري ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، وأقبلت أمشي حتى أشرفت على ضجنان، فدخلت غاراً، فدخل علي رجل من بني الديل، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، قال: وأنا من بني بكر، ثم اضطجع معي، ثم رفع عقيرته يتغنى، ويقول:
ولست بمسلم ما دمت حياً ... ولست أدين دين المسلمين
فقلت: سوف تعلم، فنام فقمت فقتلته شر قتلة، وخرجت فلقيت رجلين من قريش يتحسسان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استأسرا، فقالا: أنحن نستأسر لك، فرمت أحدهما بسهم فقتلته، ثم قلت للآخر: استأسر، فاستأسر فأوثقته، فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شددت إبهامه بوتر قوسي، فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ودعا لي بخير.
وفي هذه السنة كانت غزوة الحديبية
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج للعمرة في ذي القعدة سنة ست، فاستنفر رسول


الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج معه، فأسرعوا وتهيأوا، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فاغتسل ولبس ثوبين، وركب راحلته القصواء، وخرج في يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ولم يخرج بسلاح إلا السيوف في القرب، وساق بدناً، وساق أصحابه أيضاً بدناً، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بالبدن التي ساق فجللت ثم أشعرها في الشق الأيمن وقلدها وأشعر أصحابه أيضاً، وهي سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين. بذلك، وأحرم ولبى، وقدم عباد بن بشر أمامه طليعة في عشرين فرساً من خيل المسلمين، وفيهم رجال من المهاجرين والأنصار، وخرج معه من المسلمين ألف وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلاً، وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وبلغ المشركين خروجه فأجمعوا رأيهم على صده عن المسجد الحرام، وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم، وعليهم خالد بن الوليد، ويقال: عكرمة بن أبي جهل، ودخل بسر بن سفيان الخزاعي مكة فسمع كلامهم وعرف رأيهم، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه بغدير الأشطاط من وراء عسفان فأخبره بذلك.
ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فأقام بإزائه وصف أصحابه، وحانت صلاة الظهر، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف، وسار حتى دنا من الحديبية - وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة - فوقفت به راحلته على ثنية تهبط على غائط القوم فبركت. فقال المسلمون: حل حل، يزجرونها، فأبت، فقالوا: خلأت القصواء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلأت، ولكن حبسها حابس الفيل، أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها " ثم زجرها، فقامت فولى راجعاً عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية قليل الماء، فانتزع سهماً من كنانته فغرزه فيها فجاشت لهم بالرواء حتى اغترفوا بآنيتهم جلوساً على شفير البئر.
ومطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية مراراً، وكثرت المياه. وجاءه بديل بن ورقاء وركب معه فسلموا وقالوا: جئناك من عند قومك: كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، معهم العوذ والمطافيل والنساء والصبيان يقسمون يخلون بينه وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم نأت لقتال وإنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قتلناه " .
فرجع بديل فأخبر بذلك قريشاً، فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك، فأخبر قريشاً، فقالوا: نرده عن البيت في عامنا ويرجع من قابل فيدخل مكة ويطوف بالبيت.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش خراش بن أمية ليخبرهم بما جاء له فأرادو فمنعه من هناك من قومه، فأرسل عثمان بن عفان، فقال: اذهب إلى قريش فأخبر لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا زواراً لهذا البيت معظمين لحرمته، معنا الهدي وننصرف، فأتاهم وأخبرهم، فقالوا: لا كان هذا أبداً ولا يدخلها العام.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل، فذلك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة وبايع لعثمان فضرب بشماله على يمينه لعثمان، إنه ذهب في حاجة الله ورسوله. وجعلت الرسل تختلف بينهم، فأجمعوا على الصلح فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة رجالهم فصالحه على ذلك، وكتبوا بينهم: " وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، واصطلحا على الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلالاً ولا إغلال وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم فعل، وأنه من أتى محمداً منهم بغير إذن وإليه، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمداً يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا قابلاً في أصحابه فيقيم بها ثلاثاً، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب.
شهد أبو بكر وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف، وابن أبي وقاص وعثمان وأبو عبيدة، وابن مسلمة، وحويطب، ومكرز.


وكتب علي صدر هذا الكتاب فكان هذا الكتاب عند النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخته عند سهيل بن عمرو.
وخرج أبو جندل بن سهيل من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرسف في الحديد، فقال سهيل: هذا أول ما أقاضيك عليه، فرده النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أبا جندل، قد تم الصلح بيننا فاصبر حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً.
ووثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ووثبت بنو بكر، فقالوا: نحن ندخل في عهد قريش وعقدها، فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه، حلقه خراش بن أمية الخزاعي ونحر أصحابه، وحلق عامتهم وقصر الآخرون.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم، " رحم الله المحلقين " ثلاثاً. قيل: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: " والمقصرين فأقام صلى الله عليه وسلم بالحديبية بضعة وعشرين يوماً " ، وقيل: عشرين ليلة، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم، فلما كان بضجنان نزل عليه: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " . فقال: جبريل عليه السلام يهنئك يا رسول الله، وهنأه المسلمون.
فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه أبو بصير، رجل من قريش وقد أسلم، فبعثوا رجلين في طلبه فرده معهما، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب الآخر، فقدم أبو بصير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وفيت بذمتك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: " ويل أمه مسعر حرب " ، ففهم أنه سيرده، فذهب إلى ساحل البحر فجلس في طريق قريش، وخرج إليه جماعة ممن كان محبوساً بمكة، منهم: أبو جندل. فصاروا نحواً من سبعين، وكانوا يعترضون أموال قريش، فأرسلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشدونه أن يرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة.
وفي هذه الهدنة: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - وكانت قد أسلمت وبايعت بمكة - فخرجت في زمن الهدنة، وهي أول من هاجر من النساء، فخرجت وحدها وصاحبت رجلاً - من خزاعة حتى قدمت المدينة. فخرج في أثرها أخواها: الوليد، وعمارة ابنا عقبة، حتى قدما المدينة، فقالا: يا محمد فلنا بشرطنا، فقالت أم كلثوم: يا رسول الله، أنا امرأة وحال النساء في الضعف ما قد علمت، فتردني إلى الكفار فيفتنوني عن ديني ولا صبر لي؟ فنقض الله العهد في النساء في صلح الحديبية وأنزل فيهن المحنة وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم، ونزل في أم كلثوم: " فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن " ،. فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتحن النساء بعدها، يقول: " والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام، ما خرجتن لزوج ولا مال " فإذا قلن ذلك تركن ولم يرددن إلى أهليهن.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة.
قال مؤلف الكتاب: وكذلك قول معقل بن يسار، وجابر في العدد. وقال جابر في رواية: كنا ألفاً وخمسمائة. وقال عبد الله بن أبي أوفى: كنا يومئذ ألفاً وثلاثمائة.
وفي أفراد مسلم حديث ابن الأكوع، قال: قدمت الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة ما نرويها، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها فإما دعا وإما بزق، فجاشت، فسقينا واستقينا.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا ابن أبي أسامة، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن طارق، قال: انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون، فقلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها.
قال سعيد: إن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم.


قال ابن سعد: وأخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا عبد الله بن عوف، عن نافع، قال: كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها: شجرة الرضوان، فيصلون عندها، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها، وأمر بها فقطعت.
وفي عمرة الحديبية: أصاب كعب بن عجرة الأذى في رأسه، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هديه واسمه ناجية بما عطب من الهدي أن ينحره، وأن يغمس نعله في دمه.
وفيها: صاد أبو قتادة حمار وحش.
وفيها: مطر الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصبح الناس رجلان: مؤمن بالله كافر بالكواكب، وكافر بالله مؤمن بالكواكب " .
وفيها: هبط قوم ليغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي إفراد مسلم من حديث أنس، قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من أهل مكة في السلاح من قبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم فأخذوا، ونزلت: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة " .
وفي هذه السنة: ذبح عويم بن أشقر أضحيته قبل أن يغدو، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد.
قال أبو الحسن المدائني: ووقع في هذه السنة طاعون، وهو أول طاعون كان.
وفى هذه السنة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل؛ ستة نفر، فخرجوا مصطحبين في ذي الحجة: حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، وشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، وسنيط بن عمر و العامري إلى هوذة بن علي الحنفي.
وفي هذه السنة اتخذ الخاتم، وذلك أنه قيل له: إن الملوك لا تقرأ كتاباً إلا مختوماً فاتخذ الخاتم.
ذكر ما جرى من هؤلاء الملوك حين بعث إليهم
قال مؤلف الكتاب: أما المقوقس فإنه لما وصل إليه حاطب بن أبي بلتعة أكرمه وأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب في جوابه: " قد علمت أن نبياً قد بقي، وقد أكرمت رسولك " ، وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار، منهن مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحماراً يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: الدلدل، ولم يسلم.
فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته، وقال: ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه " . واصطفى مارية لنفسه، وأما الحمار فنفق في منصرفة من حجة الوداع، وأما البغلة فبقيت إلى زمن معاوية.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه، قال أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية، وكتب إليه معه كتاباً يدعوه إلى الإسلام، فلما قرأ الكتاب قال له خيراً، وأخذ الكتاب - وكان مختوماً - فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم جواب كتابه ولم يسلم وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مؤلف الكتاب: إلا أن هذه الهدية وصلت في سنة سبع، وسنذكر هذا.
وأما قيصر وهو هرقل ملك الروم


فإنه كان قد ظهر على من كان بأرضه من فارس؛ وأخرجهم منها، وانتزع له منهم صليبه الأعظم، وكانوا قد استلبوه إياه، فخرج من حمص يمشي على قدميه. شكراً لله حين رد عليه ما رد تبسط له البسط، وتلقى عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلاته، وأنه أصبح يوماً مهموماً يقلب طرفه في السماء، فقالت له بطارقته: لقد أصبحت أيها الملك مهموماً، قال: أجل أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر، قالوا: ما تعلم أمة تختتن إلا يهود؛ وهم في سلطانك وتحت يدك؛ فابعث إلى من لك عليه سلطان في بلادك، فمره أن يضرب أعناق من تحت يده من يهود، واسترح من هذا الهم، فبينما هم في ذلك من رأيهم أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده، فقال: أيها الملك إن هذا من العرب يحدث عن أمر يحدث ببلاده عجب، قال هرقل لترجمانه: سله ما هذا الحدث الذي كان ببلاده؟ فسأله فقال: خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فاتبعه ناس وخالفه آخرون، وكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك، فقال: جردوه، فجردوه، فإذا هو مختون، فقال هرقل: هذا والله الذي رأيت، أعطوه ثوبه، انطلق عنا ثم دعى صاحب شرطته، فقال: قلب لي الشام ظهراً وبطناً حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سفيان: وكنت قد خرجت في تجارة في زمان الهدنة، فهجم علينا صاحب شرطته، فقال: أنتم قوم هذا الرجل؟ قلنا: نعم فدعانا.
أخبرنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا يعقوب، قال: أخبرنا ابن أخي الزهري، عن الزهري، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه مع دحية الكلبي، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فدفعه عظيم بصرى، وكان قيصر لما كشف الله عز وجل عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيليا، على الزرابي تبسط له.
قال عبد الله بن عباس: فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه: التمسوا لي من قومه من أسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان صخر بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجاراً وذلك في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش.
فقال أبو سفيان: فأتى رسول قيصر، فانطلق بي وبأصحابي، حتى قدمنا إيليا فأدلجنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه، عليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أقربهم إليه نسباً، قال: ما قرابتك منه؟ قال: قلت: هو ابن عمي.
قال أبو سفيان: وليس في الركب يومئذ من بني عبد مناف غيري. قال: فقال قيصر: أدنوه مني، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه.
قال أبو سفيان: فوالله لو لا استحيائي يومئذ أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني، ولكني استحييت أن يأثروا عني الكذب، فصدقته عنه، ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قال قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قال: قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قال: قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت بل ضعفاؤهم، قال: فيزيدون أم ينقصون؟ قال: قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت لا، ونحن الآن منه في مدة، ونحن نخاف ذلك.


قال: قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً أنتقصه به غيرها، لا أخاف أن أثروا عني. قال: فهل قاتلتموه أو قاتلكم؟ قال: قلت: نعم. قال: كيف كانت حربكم وحربه؟ قال: قلت: كانت دولا سجالاً أتدال عليه المرة، ويدال علينا، الأخرى، قال: فبم يأمركم؟ قال: قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة قال: فقال لترجمانه حين قلت له ذلك: قل له إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال هذا القول أحد منكم قط قبله فزعمت أن لا. فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت: رجل يأتم بقول قيل قبله، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله تعالى، وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب لا يسخطه أحد، وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل، وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه يكون دولاً يدال عليكم المر الدالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تبتلى ويكون لها العاقبة، وسألتك بماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله عز وجل وحده لا تشركوا به شيئاً وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصدق والصلاة، والعفاف، والوفاء، بالعهد، وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم، فإن يكن ما قلت فيه حقاً فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين، والله لو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به، فقرئ فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل، عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد. فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين - يعني الأكارة " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " .
قال أبو سفيان، فلما قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من علماء الروم، وكثر لغطهم فلا أدري ماذا قالوا. وأمر بنا فأخرجنا.
قال أبو سفيان: فلما خرجت مع أصحابي وخلصت قلت لهم: أمر أمر ابن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه.
قال أبو سفيان: فوالله ما زلت ذليلاً مستيقناً أن أمره سيظهر، حتى أدخل الله عز وجل قلبي الإسلام وأنا كاره.
قال مؤلف الكتاب: وروينا عن الزهري، قال: حدثني أسقف النصارى: أن هرقل قدم عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله بين فخذيه وخاصرته. ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرؤونه يخبره بما جاء إليه صاحب رومية: إنه للنبي الذي كنا ننتظر؛ لا شك فيه؛ فاتبعه وصدقه.
فأمر ببطارقة الروم؛ فجمعوا له في دسكرة، فأشرجت أبوابها عليهم، ثم اطلع عليهم من علية له، وقد خافهم على نفسه، وقال: يا معشر الروم، إنه قد أتاني هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا، فهلموا فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.
فنخروا نخرة رجل واحد؛ ثم ابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها قد أغلقت، فقال: ردوهم، ثم قال: يا معشر الروم، إنما قلت لكم ما قلت لأنظر كيف صلابتكم على دينكم، وقد رأيت منكم الذي أسر به، فوقعوا له سجوداً؟ وانطلقوا.
وروى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم، أن هرقل قال لدحية: والله إني لأعلم إن صاحبك نبي مرسل، وإنه الذي كنا ننتظره، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولو لا ذلك لاتبعته، فاذهب إلى فلان الأسقف فاذكر له أمر صاحبك، فهو والله أعظم في الروم مني.


فجاءه دحية، فأخبره، فقال له: صاحبك والله نبي مرسل نعرفه. ثم دخل فألقى ثياباً سوداً كانت عليه، ولبس ثياباً بيضاء، ثم خرج، فقال: قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى الله عز وجل، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله.
فوثبوا عليه وثبة رجل واحد، فضربوه حتى قتلوه. فرجع دحية فأخبر هرقل، فقال: قد قلت ذلك، إنا نخافهم على أنفسنا.
وذكر ابن إسحاق، عن خالد بن يسار، عن رجل من قدماء أهل الروم، قال: لما أراد هرقل الخروج من أرض الشام إلى القسطنطينية، لما بلغه من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الروم، وقال: إني عارض عليكم أموراً؛ فانظروا فيم قد أردتها قالوا: وما هي؟ قال: تعلمون والله أن هذا الرجل لنبي مرسل نجده في كتبنا ونعرفه بصفته، فهلم نتبعه. فقالوا: نكون تحت أيدي العرب، قال: فأعطيه الجزية كل سنة، اكسروا عني شوكته وأستريح من حربه، قالوا: نعطي العرب الذل والصغار، لا والله، قال: فأعطيه أرض سورية - وهي فلسطين، والأردن، ودمشق، وحمص، وما دون الدرب - قالوا: لا نفعل، قال: أما والله لترون أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم. ثم جلس على بغل له، فانطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، فقال: السلام عليك أرض سورية سلام الوداع، ثم ركض يطلب القسطنطينية.
وأما كسرى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه بكتاب مع عبد الله بن حذافة.
أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا سليمان بن داود، قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد، قال حدثني صالح بن كيسان وابن أخي ابن شهاب، كلاهما عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بكتابه إلى كسرى، فدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى خرقه. قال ابن شهاب: فحسبت ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن، يمزقوا كل ممزق.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، قال: أخبرنا عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهير، قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن فارس الغوري، قال: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قبيس، قال: حدثنا أبو بكر القرشي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد، بن محمد بن إسحاق، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس إلى كسرى بن هرمز ملك فارس، وكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بداعية الله عز وجل، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت؟ فإن إثم المجوس عليك " .
فلما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شققه، وقال: يكتب إلي بهذا الكتاب وهو عبدي. فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مزق ملكه حين بلغه أنه شقق كتابه.


ثم كتب كسرى إلى باذان؟ وهو على اليمن، أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به؟ فبعث باذان قهرمانه، وهو ابن بابويه - وكان كاتباً حاسباً - وبعث معه برجل من الفرس يقال له: خرخسره، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، وقال لبابويه: ويلك انظر ما الرجل؟ وكلمه وأتي بخبره، فخرجا حتى قدما الطائف، فسألا عنه، فقالوا هو بالمدينة واستبشروا، وقالوا: قد نصب له كسرى ملك الملوك، كفيتم الرجل، فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه بابويه، وقال له: إن شاهانشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك بأمره أن يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به، وإن أبيت فهو من قد علمت، فهو مهلكك ومهلك قومك، ومخرب ديارك. وكانا قد دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وقال: " ويلكما، من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا بهذا ربنا - يعنيان كسرى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي " . ثم قال لهما: " ارجعا حتى تأتياني غداً " . وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء: أن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه؟ فقتله في شهركذا وكذا من ليلة كذا وكذا من الليل.
فلما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: " إن ربي قد قتل ربكما ليلة كذا وكذا من شهر كذا وكذا بعد ما مضى من الليل، سلط عليه ابنه شيرويه فقتله، فقالا: هل تدري ما تقول، إنا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا، فنكتب بها عنك، ونخبر الملك. قال: " نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر " ، قولا له: إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء، ثم أعطى خرخسره منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك.
فخرجا من عنده حتى قدما على باذان، فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبياً كما يقول ولتنظرن ما قد قال ولئن كان ما قد قال حقاً ما في كلام إنه لنبي مرسل وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا. فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه أما بعد، فإني قد قتلت أبي كسرى، ولم أقتله إلا غضباً لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم؟ فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب إليك فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه.
فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان، قال: إن هذا الرجل لرسول الله، فأسلم الأبناء من فارس من كان منهم باليمن.
قال القرشي: وأخبرنا لحي بن الجعد، قال: أخبرنا أبو معشر، عن المقبري، قال: جاء فيروز الديلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كسرى كتب إلى باذان: بلغني أن في أرضك رجلاً نبياً فاربطه وابعثه إلي، فقال: إن ربي غضب على ربك فقتله ودمه يثخن الساعة، فخرج من عنده، فسمع الخبر فأسلم وحسن إسلامه.
قال علماء السير: كان أبرويز قد جمع من الأموال ما لم يجمعه أحد، ومن الجواهر والأمتعة والكرع، وافتتح من بلاد أعدائه، وبلغت خيله القسطنطينية وإفريقية، وكان شديد الفطنة، قوي الذكاء، بعث الإصبهبذ مرة إلى الروم فأخذ خزائن الروم وبعثها إلى كسرى، فخاف كسرى أن يتغير عليه الإصبهبذ لما قد نال من الظفر، فبعث من يقتله، فجاء إليه الرجل، فرأى من عقله وتدبيره، فقال: مثل هذا لا يقتل، فأخبره بما جاء لأجله، فبعث إلى قيصر: إني أريد أن ألقاك.


فالتقيا فقال له: إن الخبيث قد هم بقتلي، وإني أريد إهلاكه، فاجعل لي من نفسك ما اطمأن إليه، وأعطيك من بيوت أمواله مثل ما أصبت منك. فأعطاه المواثيق. فسار قيصر في أربعين ألفاً فنزل بكسرى فعلم كسرى كيف جرت الحال، فدعا قساً نصرانياً، فقال: إني كاتب معك كتاباً لطيفاً لتبلغه إلى الإصبهبذ ولا تطلعن على ذلك أحداً، فأعطاه ألف دينار، وقد علم كسرى أن القس يوصل كتابه إلى قيصر لأنه لا يحب هلاك الروم، وكان في الكتاب: إن الله قد أمكن منهم بتدبيرك فلا عدمت صواب الرأي، وأنا ممهل قيصر حتى يقرب من المدائن، ثم أغافله في يوم كذا فأغير على من قبلك فإنه استئصالهم، فخرج القس بالكتاب فأوصله إلى قيصر، فقال قيصر: ما أراد إلا هلاكنا. فانهزم واتبعه كسرى فنجى في شرذمة، وبلغ من فطنة كسرى أن منجميه قالوا: إنك ستقتل، فقال: لأقتلن من يقتلني.
فلما بعث ابنه إليه ليقتله قال للرجل: إني أدلك على شيء فيه غناك الصندوق الفلاني. فذهب إلى شيرويه فأخبره، فأخرج الصندوق وفيه حق وفي الحق حب، وهناك مكتوب: من أخذ منه حبة افتض عشرة أبكار، فأخذه شيرويه وأعطى الرجل مالاً، ثم أخذ منه حبة، فكان فيها هلاكه.
فكان كسرى أول ميت أخذ بثأره من حي.
قالوا: كان كسرى يشتي بالمدائن، ويصيف ما بينها وبين همذان، وكانت له اثنا عشر ألف امرأة وجارية.
وقال بعض العلماء: كان في قصره ثلاثة آلاف امرأة يطؤهن، وألوف جواري اتخذهن للخدمة والغناء، وثلاثة آلاف رجل يقومون بخدمته، وثمانية آلاف وخمسمائة دابة لمراكبه، واثني عشر ألف بغلاً لثقله، وكان له خمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحداً.
وبعضهم يقول: سبعمائة وستون فيلاً، وبنى بيوت النيران، وأقام فيها اثني عشر ألف موبذ للزمزمة، وأحصي ما جبي من خراج بلاده وغير ذلك من المال المرتفع في سنة ثمان عشرة من ملكه، فكان أربعمائة ألف ألف مثقال وعشرين ألف ألف مثقال من الورق.
ثم حسد الناس على ما في أيديهم من المال وولي جباية الخراج من يظلم، واحتقر الأشراف، وأمر بقتل من في السجون وكانوا ستة وثلاثين ألفاً، فتعلل المأمور وذهب الناس من العظماء إلى بابل وفيه شيرويه ابنه فأقبلوا به فلزموه ودخلوا به المدائن ليلاً، فأطلق الأشراف، ودخل دار المملكة، واجتمع إليه الوجوه فملكوه، وأرسل إلى أبيه يقرعه بما كان منه.
واسم شيرويه قباذ بن أبرويز، فلما ملك وحبس أباه دخل عليه عظماء الفرس، فقالوا له: إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان، فإما أن تقتل كسرى ونحن راجعون لك بالطاعة، وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة على ما كنا عليه، فكسرته هذه المعادلة، وأمر بتحويل كسرى من دار المملكة إلى دار رجل يقال له مارسفند، فحمل كسرى على برذون، وقنع رأسه، وسير به إلى تلك الدار ومعه ناس من الجند، فمروا به على إسكاف جالس في حانوت على الطريق، فعرفه فحذفه بقالب، فعطف إليه رجل من الجند فضرب عنقه.
وقال شيرويه لرجل: انطلق إلى الملك أبينا فقل له: إنا لم نكن للبلية التي أصبحت حيها ولا أحد من رعيتنا سبباً، ولكن الله قضاها عليك جزاء لسيئ عملك وفتكك بأبيك هرمز، وإزالتك الملك عنه، وسملك عينيه، وقتلك إياه شر قتلة، ومنها سوء صنيعك إلى أبنائك، ولقد حظرت علينا مجالسة الأخيار، وكل من لنا فيه دعة وغبطة. ومنها إساءتك إلى أهل السجون فلقوا الشدائد، ومنها حبسك النساء لنفسك مكرهات مع ترك العطف عليهن، ومنها ما انتهكت من رعيتك في أمر الخراج وجمعك الأموال من وجوه المضار، وعدد عليه من هذا الفن، ثم قال: فإن كانت لك حجة فاذكرها، وإلا فتب إلى الله تعالى حتى نأمر فيك بأمرنا.
فمضى الرجل، فاستأذن عليه الحاجب، فقال كسرى: إن كان له إذن فليس لشيرويه ملك، وإن كان لشيرويه ملك فلا إذن لنا معه. فدخل الرجل فبلغ الرسالة، وكانت بيد أبرويز سفرجلة فتدحرجت وتلوثت بالتراب، فقال كسرى: الأمر إذا أدبر فاتت الحيلة في إقباله، وإذا أقبل أعيت الحيلة في إدباره، فإن هذه السفرجله سقطت من علو ثم لم تلبث أن تلطخت بالتراب، وفي ذلك دليل على سلب الملك، فإنه لا يلبث في أيدي عقبنا حتى يصير إلى من ليس من أهل المملكة.


فلما سمع الرسالة، قال: بلغ عني شيرويه القصير العمر أنه لا ينبغي الذي عقل أن يبث من أحد الصغير من الذنب، ولا اليسير من السيئة إلا بعد تحقق ذلك عنده، ثم أخذ يعتذر عن ما نسب إليه.
فعاد بالجواب، فعاد عظماء الفرس تقول: لا يستقيم لنا ملكان، فأمر شيرويه بقتل كسرى، فانتدب لقتله رجال كان وترهم كسرى، فلما دخلوا عليه شتمهم فلم يقدموا على قتله، فتقدم منهم شاب كان كسرى قد قطع يد أبيه، فضربه بطبرزين على عاتقه فلم يحك فيه، ففتش كسرى، فإذا به قد شد على عضده خرزة لا يحبك السيف في من علقت عليه، فنحيت عنه، ثم ضربه أخرى فهلك.
وبلغ شيرويه فخرق جيبه وبكى منتحباً، وأمر بحمل جثته إلى الناس، وشيعها العظماء، وأمر بقتل قاتل كسرى.
وكان ملك كسرى ثمانياً وثلاثين سنة، وخلف في بيت المال يوم قتل من الورق أربعمائة ألف بدرة، سوى الكنوز والذخائر والجواهر وآلات الملوك، فلما ملك شيرويه لم يتمتع بشيء من اللذات، بل جزع وبكى وعاش مهموماً حزيناً، ثم مات بعد ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر.
أنبأنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن خيرون، قال أخبرنا الحسن بن الحسين بن دوما، قال: أخبرنا جدي لأبي إسحاق بن محمد الثعالبي، قال أخبرنا عبد الله بن إسحاق المدائني، قال: أخبرنا قعنب بن المحور قال أخبرنا بكار قال حدثنا عوف، عن غالب بن عجرد، قال: وجدنا صرة من حنطة في كنوز كسرى بن هرمز بن زياد، فإذا كل حبة مثل النواة ووجدنا فيها كتاباً: هذا ما كانت تنبت الأرض حين كان يعمل فيها بالصلاح زمن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام.
وأما النجاشي فقال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاة في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة، فحملت بعيسى، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى " .
فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله، من النجاشي، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام.
أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه السلام، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقاً؛ إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه، وأشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله فإن شئت أن آتيك يا رسول الله فعلت، وإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال ابن إسحاق: وذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتى إذا توسطوا البحر غرقتهم سفينتهم فهلكوا.
وقال الواقدي عن أشياخه: إن أول رسول بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي، وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره وجلس على الأرض متواضعاً ثم أسلم وشهد شهادة الحق، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب.
وفي الكتاب الآخر يأمره، أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي، متنصر هناك ومات، وأمره صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن يبعث لمن قبله من أصحابه وعلمهم، ففعل ذلك.
قال مؤلف الكتاب: وهذه الأخبار دالة على أن النجاشي هو الذي كانت الهجرة إلى أرضه.


وقد أخبرنا محمد بن عبيد الله، قال: أخبرنا نصر بن الحسن، قال: أخبرنا عبد الغافر بن محمد، قال: أخبرنا أبو أحمد الجلودي، قال: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا مسلم بن الحجاج، قال: حدثني يوسف بن حماد، قال: أخبرنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مؤلف الكتاب: فعلى هذا يحتمل أن يكون كتب إلى آخر من ملوك الحبشة بعد أن كتب إلى ذاك.
وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فروى الواقدي عن أشياخه، قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتاباً، قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهيئة الأنزال والألطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال: لا تصل إليه حيث يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه - وكان رومياً - يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه، فكنت أحدثه عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي بعينه، فأنا أؤمن به وأصدقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي. وخرج الحارث يوماً فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه ثم رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي، أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته. علي بالناس. فلم يزل يعرض حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى.
وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر ألا تسير إليه وأله عنه ووافني بإيلياء؛ فلما جاء جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غداً، فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة، وقال: أقرئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: " باد ملكه " . ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.
وأما هوذة بن علي الحنفي قال مؤلف الكتاب: كان من الملوك العقلاء، إلا أن التوفيق عزيز، دخل على كسرى أبرويز، فقال له: أي أولادك أحب إليك، قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يبرأ، فقال: ما غذاؤك؟ قال: الخبز، فقال كسرى: هذا عقل الخبز لا عقل اللبن والتمر. وكان من يأكل الخبز عندهم ممدوحاً.
وروى الواقدي عن أشياخه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتاباً فقدم عليه فأنزله وحباه، وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إليه وقال: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، وأجاز سليط بن عمرو جائزة، وكساه أثواباً من نسج هجر، فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره عنه بما كان وما قال، وقرأ كتابه، وقال: " لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه " . فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جاءه جبريل عليه السلام، وأخبره أنه قد مات.
وفي هذه السنة: أهدى ابن أخي عيينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها السمراء، فأثابه ثلاثاً، فسخط وقال: " لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو دوسي " .
وفي هذه السنة: أجدبت الأرض فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في رمضان.
وفيها: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإبل، فسبقت القصواء، وسبق بالخيل فسبق فرس أبي بكر.
وفيها: استجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته.
قال مؤلف الكتاب: وردها إليه على ما أشرنا إليه في ذكر غزوة بدر، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه استجار بها، فلعله أشير إلى هذه الحالة.
وفيها: جاءت خولة بنت ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ظاهر منها.


وفيها: تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه جميلة بنت ثابت، فولدت له عاصماً، طلقها عمر.
وفيها: وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمواله بثمغ.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أم رومان بنت عامر بن عويمر تزوجها الحارث بن سخبرة، فولدت له الطفيل ثم مات فتزوجها أبو بكر، وأسلمت بمكة قديماً، وبايعت. وولدت لأبي بكر رضي الله عنه: عبد الرحمن وعائشة، وهاجرت إلى المدينة وكانت صالحة، وتوفيت في ذي الحجة من هذه السنة.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: حدثنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن القاسم بن محمد، قال: لما دليت أم رومان في قبرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان " ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها.
عتبة بن أسيد بن جابر، أبو بصير وكان حليفاً لبني زهرة، أسلم بمكة قديماً فحبسه المشركون عن الهجرة، وذلك قبل عام الحديبية، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، وقاضى قريشاً على ما قاضاهم عليه وقدم المدينة أفلت أبو بصير من قومه فسار على قدميه سعياً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً فيه أن يرده إليهم على ما اصطلحوا عليه، وبعثاه مع خنيس بن جابر، فخرج خنيس ومعه مولاه كوثر فدفعه إليهما فخرجا به، فلما كانا بذي الحليفة عدى أبو بصير على خنيس فقتله، وهرب كوثر حتى قدم المدينة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع أبو بصير فقال: وفت ذمتك يا رسول الله، دفعتني إليهم فخشيت أن يفتنوني عن ديني فامتنعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذه فاذهب به " ، فقال: إني أخاف أن يقتلني، فتركه ورجع إلى مكة، فأخبر قريشاً بما كان. وخرج أبو بصير إلى العيص فنزل ناحية على طريق قريش إلى الشام، فجعل من بمكة من المحتبسين يتسللون إلى أبي بصير، فاجتمع عنده منهم قريب من سبعين، فجعلوا لا يظفرون بأحد من قريش إلا قتلوه، ولا بعير لهم إلا اقتطعوها فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم ألا أدخل أبا بصير وأصحابه إليه فلا حاجة لنا بهم، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير أن يقدم عليه مع أصحابه، فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه ويقبله ويضعه على عينيه، فمات وهو في يديه، فغسله أصحابه وصلوا عليه ودفنوه هناك وبنوا عند قبره مسجداً، ثم ورموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فترحم عليه.
ثم دخلت
سنة سبع من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
غزوة خيبر
في جمادى الأولى، وخيبر على ثمانية برد من المدينة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتهيؤ لغزوة خيبر، وخرج واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، وأخرج معه أم سلمة زوجته، فلما نزل بساحتهم أصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي والكرازين والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس - يعنون بالخميس الجيش - فولو هاربين إلى حصونهم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " . ووعظ الناس وفرق عليهم الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم السوداء من بحرد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب، ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم: يا منصور أمت.


وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا فرس، فقاتل المشركين وقاتلوه أشد قتال، وقتلوا من أصحابه، وقتل منهم، وفتحها حصناً حصناً، وهي حصون ذوات عدد، منها: النطاة، ومنها حصن الصعب بن معاذ، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشق وبه حصون، منها: حصن أبي، وحصن النزار، وحصون الكتيبة، منها: القموص والوطيح وسلالم، وهو حصن ابن أبي الحقيق، وأخذ كنز آل أبي الحقيق - وكانوا قد غيبوه في خربة - فدله الله عليه فاستخرجه وقتل منهم ثلاثة وتسعين رجلاً من يهود، منهم: الحارث أبو زينب، ومرحب، وأسير، وياسر، وعامر، وكنانة بن أبي الحقيق، وأخوه.
واستشهد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أبو ضياح بن النعمان في خمسة عشر رجلاً، وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها فروة بن عمر البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها لله، وأمر ببيع الأربعة أخماس في من يزيد، فباعها فروة وقسم ذلك بين أصحابه. وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم ألفاً وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة، وقدم الأشعريون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فلحقوه بها، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا، وقدم جعفر بن أبي طالب وأهل السفينتين من عند النجاشي بعد فتح خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أدري بأيهما أسر: بقدوم جعفر، أو بفتح خيبر " ؟ وكانت صفية بنت حيي ممن سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأعتقها وتزوجها.
قال ابن عمر: قاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل، فصالحهم على أن تحقن دماءهم ولهم ما حملت ركابهم، وللنبي صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والسلاح ويخرجهم، وشرطوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكتموه شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فلما وجد المال الذي غيبوه في مسك الجمل سبى نساءهم، وغلبهم على الأرض والنخل ودفعها إليهم على الشطر، فكان ابن رواحة يخرصها عليهم ويضمنهم الشطر.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب، قال حدثنا الحارس بن أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: أخبرنا عكرمة بن عمار، قال: أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: أخبرني أبي، قال: بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي، فقال مرحب:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال عمي:
قد علمت خيبر أني عامر ... شاك السلاح بطل مغاور
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فوقع السيف على ساقه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بطل عمل عامر قتل نفسه. قال سلمة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي فقلت: يا رسول الله، أبطل عمل عامر؟ قال: " ومن قال ذاك " ، قلت: ناس أصحابك، قال: " كذب من قال ذاك، بل له أجره مرتين " ، إنه حين خرج إلى خيبر جعل يرتجز بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم يسوق الركاب وهو يقول:
تالله لو لا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
والكافرون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من هذا " ؟ قالوا: عامر، قال: " غفر لك ربك " ، قال: وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد، فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، لو لا متعتنا بعامر، فتقدم فاستشهد.
قال سلمة: ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى علي، وقال: " لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فجئت به أقوده أرمد، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ثم أعطاه الراية، فخرج مرحب يخطر بسيفه، فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي رضي الله عنه مجيباً:


أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أو فيهم بالصاع كيل السندره
ففلق رأس مرحب، وكان الفتح على يديه.
قال ابن سعد: وروي عن ابن عباس، قال. لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خيبر، قال القوم: الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة، فإن كانت امرأة فإنه سيحجبها، وإلا فهي سرية، فلما خرج أمر بستر يستر دونها، الناس أنها امرأة، فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها، فأبت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها، فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه، وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الحركة، فقال: " من هذا " ؟ فقال: أنا أبو أيوب، فقال: " ما شأنك " ؟ قال: يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس، وقد صنعت بزوجها ما صنعت، فلم آمنها، قلت إن تحركت كنت قريباً منك. فقال: " رحمك الله يا أبا أيوب " مرتين.
قال ابن سعد: وأخبرنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، قال: وقعت صفية في سهم دحية - وكانت جارية جميلة - فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ودفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط أو السمن، قال: ففحصت الأرض أفاحيص وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ثم جيء بالأقط والسمن والتمر، فشبع الناس.
قال ابن سعد: قال أنس: كان في ذلك السبي صفية بنت حيي، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها ثم تزوجها، وجعل عتقها صداقها. قال محمد بن حبيب: في هذه الغزاة أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان سهماً، وأسهم لمن غزا معه من اليهود.
وفيها: سم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمته زينب امرأة سلام بن مشكم، أهدت له شاة مسمومة، فأكل منها، فدعاها رسول الله، فاعترفت فقتلها، ويقال: بل عفى عنها.
غزوة وادي القرى
ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر ذهب إلى وادي القرى، وهي غزاة أيضاً.
وبعضهم يعدها مع خيبر واحدة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعد إلى منزله، ولما نزل بوادي القرى حط رحله غلام له أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي، فأتاه سهم غرب، فقتله، فقالت الصحابة: هنيئاً له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا والذي نفسي بيده إن شملته الآن لتلتهب عليه ناراً " . وكان غلها يوم خيبر.
وفيها: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس حين أحد على وادي القرى.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزاة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى أعرس، وقال لبلال: أكلأنا الليلة، فصلى بلال ما قد رآه، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بلال ما هذا؟ قال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة، قال: " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل قال: " وأقم الصلاة لذكري " .
ومن الحوادث في هذه السنة أن
رسول الله كتب إلى النجاشي أن يزوجه أم حبيبة
وكانت قد خرجت مهاجرة إلى الحبشة، وأن يبعث إليه من بقي من أصحابه من الذين هاجروا إلى الحبشة، ففعل فقدموا المدينة، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر، فكلم المسلمون أن يدخلوهم في سهامهم، ففعلوا.
ومن الحوادث في هذه السنة
قتل شيرويه أباه كسرى
إن شيرويه قتل أباه كسرى على ما سبق ذكره. قال الواقدي: كان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الآخرة، سنة سبع لست ساعات مضت من الليل.
ومن الحوادث في هذه السنة
هلاك شيرويه


فإنه لما أمر بقتل أبيه قتل معه سبعة عشر أخاً له ذوي أدب وشجاعة، فابتلي بالأسقام، وجزع بعد قتلهم جزعاً شديدًا، إذا دخلت عليه أختاه: بوران، وآزرميدخت، فأغلظتا له، وقالتا: حملك الحرص على ملك لا يتم لك على قتل أبيك وجميع أخوتك، فبكى بكاء شديداً، ورمى بالتاج عن رأسه، ولم يزل مدنفاً، وفشى الطاعون في أيامه، فهلك أكثر الناس.
ومن الحوادث في هذه السنة
وصول هدية المقوقس
فإنها وصلت في سنة سبع، وهي: مارية، وسيرين، ويعفور، والدلدل. وكانت بيضاء، فاتخذ لنفسه مارية، ووهب سيرين لحسان بن ثابت.
أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة مارية وأختها سيرين، وألف مثقال ذهباً، وعشرين ثوباً ليناً، وبغلته الدلدل، وحماره يعفور: وقال يعقوب: ومعهم خصي يقال له: مابور شيخ كبير كان أخا مارية، وبعث بذلك كله مع حاطب بن أبي بلتعة، فعرض حاطب على مارية الإسلام ورغبها فيه، فأسلمت وأسلمت أختها وأقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجباً بأم إبراهيم وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالية في المال الذي يقال له اليوم مشربة أم إبراهيم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إليها هناك وضرب عليها الحجاب، وكان يطأها بملك اليمين، فلما حملت ووضعت هناك وقبلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبراهيم فوهب له عبداً، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان، وتنافست الأنصار في إبراهيم، وأحبوا أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من هواه فيها.
قال محمد بن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال: كانت أم إبراهيم في مشربتها، وكان قبطي يأوي إليها ويأتيها بالماء والحطب، فقال الناس في ذلك: علج يدخل على علجة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوجده على نخلة، فلما رأى السيف وقع في نفسه فألقى الكساء الذي كان عليه وتكشف فإذا هو مجبوب، فرجع علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى غير ذلك أيراجعك؟ قال: نعم، فأخبره بما رأى من القبطي.
قال مؤلف هذا الكتاب: فإن قال قائل: ظاهر هذا الحديث يدل على أن علياً رضي الله عنه أراد قتله، وقد روي في حديث آخر صريحاً، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا علي، خذ السيف فإن وجدته عندها فاقتله " . فكيف يجوز القتل على التهمة؟ فقد أجاب عنه ابن جرير الطبري، وقال: من الجائز أن يكون قد كان من أهل العهد وأنه لم يسلم، وقد كان تقدم إليه بالنهي عن الدخول إلى مارية، فلم يقبل فأمر قتله لنقض العهد.
ومن الحوادث سرية عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إلى تربة في شعبان
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه في ثلاثين رجلاً إلى عجز هوازن بتربة - وهي بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران - وخرج معه دليل من بني هلال، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر رضي الله عنه محالهم فلم يلق كيداً، فانصرف راجعاً إلى مكة.
ومن الحوادث سرية أبي بكر الصديق
رضي الله عنه إلى بني كلاب بنجد ناحية ضرية


أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار يرفعه عن محمد بن سعد، قال: أخبرنا هاشم بن القاسم، قال: أخبرنا عكرمة بن عمار، حدثنا إياس بن سلمة الأكوع، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى فزارة، وخرجت معه حتى إذا ما دنونا من الماء عرس أبو بكر حتى إذا ما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من فتل ونحن معه - وكان شعارنا أمت أمت - فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين، ورأيت عنقاً من الناس فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فأدركتهم فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم قاموا، فإذا امرأة من فزارة فيهم عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب،، فجئت أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني ابنتها فلم أكشف لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوباً حتى لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال: " يا سلمة هب لي المرأة " فقلت: يا نبي الله، والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً فسكت حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق ولم أكشف لها ثوباً، فقال: " يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك " قال: فقلت: هي لك يا رسول الله. فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين.
ومن الحوادث سرية بشير بن سعد الأنصاري
إلى فدك في شعبان
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشير بن سعد في ثلاثين رجلاً إلى بني مرة بفدك، فخرج يلقى رعاء الشاة، فسأل عن الناس، فقيل: في بواديهم، فاستاق النعم والشاء وانحدر إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه الدهم منهم عند الليل، فأتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير وأصبحوا، فحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير، وقاتل بشير حتى ارتث وضرب كعبه فقيل قد مات، ورجعوا بنعمهم وشائهم. وقدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم من بعده بشير بن سعد.
ومن الحوادث سرية غالب بن عبد الله الليثي
إلى الميفعة في رمضان
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الميفعة - وهي وراء بطن نخل إلى النقرة قليلاً بناحية نجد وبينها وبين المدينة ثمانية برد - في مائة وثلاثين رجلاً، ودليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهجموا عليهم جميعاً ووقعوا وسط مجالهم، فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعماً وشاء فحدروه إلى المدينة ولم يأسروا أحداً.
ومن الحوادث في هذه السرية: قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: " ألا شققت عن قلبه فتعلم صادق هو أم كاذب " ؟ فقال أسامة: لا أقاتل أحداً يشهد أن لا إله إلا الله.
ويروى أن قتل أسامة هذا الرجل كان في غير هذه السرية.
ومن الحوادث سرية بشير بن سعد الأنصاري
إلى يمن وجبار في شوال
وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلىالله عليه وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا إلى يمن وجبار، فدنوا من القوم فأصابوا لهم نعماً كثيراً وتفرق الرعاء، فحذروا الجمع فتفرقوا ولحقوا بعلياء بلادهم، وخرج بشير في أصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس فيها أحد، فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسروهما وقدم بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلما فأرسلهما.
وفي هذه السنة قدم وفد الأشعريين


أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد عن أشياخه، قالوا: قدم وفد الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم خمسون رجلاً فيهم أبو موسى الأشعري، وأخوة لهم ومعهم رجلان من عك، وقدموا في سفن في البحر، وخرجوا بجدة، فلما دنوا في المدينة جعلوا يقولون: غداً نلقى الأحبة، محمداً وحزبه، ثم قدموا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، بخيبر، ثم لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوا وأسلموا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأشعرون في الناس كصرة فيها مسك " .
وفي هذه السنة قدم الدوسيون
قالوا: ولما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي دعا قومه فأسلموا، وقدم معه منهم المدينة سبعون أو ثمانون أهل بيت، وفيهم: أبو هريرة، وعبد الله بن إزيهر الدوسي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فساروا إليه فلقوه هناك، ثم قدموا معه المدينة، فقال أبو هريرة في هجرته حين خرج من دار قومه:
يا طولها من ليلة وعناءها ... على أنها من بلدة الكفر نجت
ومن الحوادث عمرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم القضية
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين رأوا هلال ذي القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد شهد الحديبية، فلم يتخلف منهم أحد إلا من استشهد بخيبر ومن مات.
وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين عماراً، فكانوا في عمرة القضية ألفين، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين بدنة، وجعل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح البيض والدروع والرماح، وقاد مائة فرس، وخرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وأخلوا مكة، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية التي تطلعه على الحجون وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى استلم الركن بمحجنه وعبد الله بن رواحة يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخمر مع رسوله
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
أخبرنا عمرو بن أبي حسن البسطامي، أخبرنا أحمد بن منصور، أخبرنا علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا عبد الرزاق؛ قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضية وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله وفي حرم الله تقول شعراً، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: " خل عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل " . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن على ضهر الكعبة، وأقام بمكة ثلاثاً، فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو؛ وحاطب بن عبد العزى، فقالا: قد انقضى أجلك فاخرج عنا، فأمر أبا رافع فنادى بالرحيل، وقال: " لا يمسين بها أحد من المسلمين " . وخرجت بنت حمزة فاختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر لأن خالتها أسماء بنت عميس عنده.
وركب رسول الله عنه حتى نزل بسرف - وهي على عشرة أميال من مكة - فتزوج ميمونة بنت الحارث، زوجه إياها العباس وكان يلي أمرها، وهي أخت أم ولده، وكانت آخر امرأة تزوجها وبنى بها في سرف.
ومن الحوادث في هذه السنة
سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم
في ذي الحجة


وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابن أبي العرجاء السلمي في خمسين رجلاً إلى بني سليم، فخرج وتقدمه عين لهم كان معه فحذرهم فجمعوا، فأتاهم وهم معدون له، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا فتراموا بالنبل، وأصيب ابن أبي العوجاء جريحاً، وقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
بشر بن البراء بن معرور بن صخر شهد العقبة وكان من الرماة المذكورين، وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر. وأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة فمات مكانه، ويقال: بل بقي سنة مريضاً ومات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سيدكم يا بني سلمة؟ " . قالوا: الجد بن قيس على أنه رجل فيه بخل. قال: " وأي داء أدوأ من البخل؟ بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور " .
ثقيف بن عمر، ويقال بقاف شهد بدراً وتوفي في هذه السنة.
ثوبية، مولاة أبي لهب أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حليمة. وذكر أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء اختلف في إسلامها.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن غير واحد من أهل العلم، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل ثويبة وهو بمكة، وكانت خديجة رضي الله عنها تكرمها وهي يومئذ مملوكة، وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها فأبى أبو لهب، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أعتقها أبو لهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وكسوة، حتى جاءه خبرها أنها قد توفيت سنة سبع مرجعه من خيبر، فقال: " ما فعل ابنها مسروح " ؟ فقيل: مات قبلها ولم يبق من قرابتها أحد.
الحارث بن حاطب بن عمرو رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين توجه إلى بدر إلى بنى عمرو بن عوف في حاجة له، فضرب له بسهمه وأجره، وكان كمن شهدها، وشهد أحداً والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يومئذ شهيداً، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه.
ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز يكنى أبا يزيد شهد بدراً وهو ابن ثلاثين سنة، وشهد أحداً والخندق والحديبية، وقتل بخيبر شهيداً.
رفاعة بن مسروج قتل بخيبر.
سليم بن ثابت بن رقش أمه ليلى أخت حذيفة بن اليمان، شهد أحداً والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يومئذ شهيداً.
عامر بن الأكوع أصاب نفسه بسيفه فمات على ما سبق ذكره.
عبد الله بن أبي لهب بن وهب قتل بخيبر.
عدي بن مرة بن سراقة قتل بخيبر.
عمارة بن عقبة قتل بخيبر.
قباذ بن كسرى وهو الذي يقال له: شيرويه، قتل أباه، فأخذته الأسقام والحزن، فبقي بعده ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر ثم مات.
محمود بن مسلمة بن سلمة بن خالد شهد أحداً والخندق والحديبية وخيبر، ودليت عليه يومئذ رحى فأصابت رأسه فمكث ثلاثاً ثم مات، وقبر هو وعامر بن الأكوع في قبر واحد في غار هناك.
الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم خرج مع قومه إلى بدر وهو على دينهم، فأسره عبد الله بن جحش، فقدم فدائه أخواه: خالد، وهشام، فافتداه بأربعة آلاف، وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفديه بشكة أبيه، وكانت درعاً فضفاضة وسيفاً وبيضة، فأقيم ذلك مائة دينار. فلما قبض ذلك خرجا بالوليد حتى بلغا ذا الحليفة فأفلت منهما فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: هلا كان هذا قبل أن تفتدى وتخرج مأثرة أبينا من أيدينا، قال: ما كنت لأسلم حتى أفتدى، ولا تقول قريش: إنما اتبع محمداً فراراً من الفداء.
فلما دخل مكة حبسوه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة " ، ثم أفلت الوليد فقدم المدينة، وبها توفي هذه السنة، فقالت أم سلمة:
يا عين بكي للوليد ... بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد ... أبو الوليد فتى العشيرة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقولي هكهذا " ، ولكن قولي: " وجاءت سكرة الموت بالحق.


يسار الحبشي 1 أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزار، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا عمرو بن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أخبرنا ابن الفهم، حدثنا محمد بن سعد، قال:. كان يسار عبداً لعامر اليهودي يرعى غنماً له، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقع الإسلام بقلبه فأقبل بغنمه يسوقها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: " إلى الإسلام، تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " قال: فما لي؟ قال: " الجنة إن ثبت على ذلك " . فأسلم وقال: إن غنمي وديعة، فقال: " أخرجها من العسكر ثم صح بها وارميها بحصيات فإن الله سيؤدي عنك أمانتك " ، ففعل فخرجت الغنم إلى سيدها، فعلم اليهودي أن غلامه قد أسلم. وخرج علي رضي الله عنه بالراية، وتبعه العبد الأسود فقاتل حتى قتل. فاحتمل فادخل خباء من أخبية العسكر، فاطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخباء، فقال: " لقد أكرم الله هذا العبد الأسود وساقه إلى خير، قد رأب زوجتين من الحور العين عند رأسه.
ثم دخلت
سنة ثمان من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
ملك أردشير بن شيرويه
وكان له سبع سنين لأنه لم يكن هناك محتنك من أهل بيت المملكة، وكان شهر براز الذي ذكرنا أن أبرويز استعمله في قتال هرقل قد احتقر أردشير، فأقبل إليه فحاصره وخدع بعض حرسه، ففتح له المدينة فقتل خلقاً من الرؤساء واستصفى أموالهم وفضح نساءهم، وقتل أردشير، وملك. وامتعض قوم من قتله أردشير فتحالفوا على قتله، فقتلوه وجروه بحبل.
ومن الحوادث ملك بوران بنت كسرى أبرويز
أنهم ملكوا بعده بوران بنت كسرى، فقالت يوم ملكت: البر أوثر، وبالعدل آمر، واستوزرت فسفروخ وأحسنت السيرة وبسطت العدل، ورممت القناطر، ووضعت بقايا من الخراج، وكتبت إلى الناس تعلمهم ما هي عليه من الإحسان إليهم، وأنهم سيعرفون بمكايدها أنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد، ولا بمكايدهم ينال الظفر، وإنما ذلك بعون الله، وردت خشبة الصليب على ملك الروم، وكان ملكها سنة وأربعة أشهر. ولما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لن يفلح قوم يملكهم امرأة " .
ملك جشنسدة
ثم ملك من بعد بوران رجل يقال له جشنسدة من بني عم ابرويز، وكان ملكه أقل من شهر.
ملك آزر ميدخت بنت كسرى
ثم ملكت آزر ميدخت بنت كسرى قالت: حين ملكت: منهاجنا منهاج أبينا كسرى، وكان عظيم فارس يومئذ فزخهرمز فأرسل إليها فسألها أن يتزوجها، فأرسلت إليه: إن التزويج للملكة غير جائز، ولكن صر إلي ليلة ذا وكذا، فإن مرادك قضاء الشهوة، وتقدمت إلى صاحب حرسها بقتله، فجاء فقتل ورمي في رحبة المملكة، فبلغ الخبر إلى ولده رستم، فأقبل في جند عظيم وسمل عيني إزر ميدخت، ثم قتلها، وكان ملكها ستة أشهر.
كسرى بن مهراجشنس
ثم أتي برجل من عقب أردشير بن بابك، فملكوه ثم قتل بعد أيام، ثم ولوا غيره وقتل.
ملك يزدجر بن شهريار بن أبرويز


ثم ولي يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وكان المنجمون قد قالوا: سيولد لبعض ولدك غلام يكون ذهاب هذا الملك على يديه، وعلامته نقص في بعض بدنه فمنع ولده من النساء، فمكثوا حيناً لا يصلون إلى امرأة فشكى شهريار إلى شيرين الشبق وسألها أن تدخل إليه امرأة وإلا قتل نفسه، وكانت شيرين قد تبنت شهريار، فأرسلت إليه: إني لا أقدر على إدخال امرأة إليك إلا أن تكون لا يؤبه لها، ولا يجمل بك أن تمسها فقال: أنا لست أبالي ما كانت، فأرسلت إليه بجارية كانت تحجم، وكانت فيما يزعمون من بنات أشرافهم إلا أن شيرين كانت غضبت عليها، فأسلمتها في الحجامين فلما دخلت عليه وثب عليها، فحملت بيزدجرد، فأمرت بها شيرين فقصرت حتى ولدت، وكتمت أمر الولد خمس سنين، ثم إنها رأت من كسرى رقة للصبيان حين كبر فقالت له: هل يسرك أيها الملك أن ترى ولداً لبعض بنيك على ما كان فيه من المكروه فقال لا أبالي، فأمرت بيزدجرد فطيب وحلي وأدخلته عليه، وقالت: هذا يزدجرد بن شهريار. فأجلسه في حجره وقبله وعطف عليه وأحبه حباً شديداً، وكان يبيته معه، فبينما هو يلعب ذات يوم بين يديه، إذ ذكر ما قيل له، فعراه عن ثيابه فاستبان النقص في إحدى وركيه، فاستشاط غضباً وحمله ليجلد به الأرض، فتعلقت به شيرين وناشدته الله ألا يقتله، وقالت له: إن يكن أمر قد حضر في هذا الملك فليس له مرد. فقال: إن هذا المشؤوم الذي أخبرت عنه المنجمون فأخرجيه فلا أنظر إليه، فأمرت به فحمل إلى سجستان.
وقيل: بل كان في السواد عند ظؤورته. وقيل: لما قتل شيرويه أخوته هرب يزدجرد إلى إصطخر ثم آل الأمر إلى أن ملك، وقتل في زمان خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وانقضى ملك الفرس.
ومن الحوادث في هذه السنة إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة.
فقدموا المدينة في صفر، وكان عمرو لما رأى ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النجاشي، فرأى النجاشي يدعو إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج قاصداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه خالد بن الوليد وهو على تلك النية فأسلموا.
قال مؤلف الكتاب: وقصتهم ستأتي في أخبار عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد رضي الله عنهما.
وفي هذه السنة
تزوج رسول الله فاطمة بنت الضحاك الكلابية
فاستعاذت منه
أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن عبد الملك، حدثنا علي بن عمر الدارقطني، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، قال: حدثني الزهري وسألته: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ فقال: أخبرني عروة عن عائشة: أن ابنة الجون الكلابية لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنا منها فقالت: أعوذ بالله منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عذت بعظيم الحقي بأهلك " .
ومن الحوادث سرية غالب بن عبد الله الليثي
إلى بني الملوح بالكديد في صفر


قال جندب بن مكيث الجهني: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في سرية وكنت فيهم، فأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح. فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي،، فأخذناه فقال: إنما جئت أريد الإسلام، قلنا إن تكن مسلماً فلا يضرك رباطنا يوماً وليلة. فشددناه وثاقاً وخلفنا عليه رويجلا منا أسود وقلنا: إن ناوشك فجز رأسه، فسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس، وكمنا في ناحية الوادي، وبعثني أصحابي ربيئة لهم، فخرجت حتى آتي مشرفاً على الحاضر يطلعني عليهم إذ خرج رجل فقال لامرأته: إني لأرى على هذا الجبل سواداً ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئاً، فنظرت فقالت: لا، فقال: فناوليني قوسي وسهمي، فأرسل سهما فوالله ما أخطأ بين عيني، فانتزعته وثبت مكاني، ثم أرسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته ووضعته وثبت مكاني، فقال: والله لو كان ربيئة لقد تحرك. ثم دخل وراحت الماشية، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة واستقنا النعم. فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به، فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه وأدركنا القوم ما بيننا وبينهم إلا الوادي، إذ جاء الله بالوادي من حيث شاء، والله ما رأينا سحاباً يومئذ فامتلأ جنباه ماء، ولقد رأيتهم وقوفاً ينظرون إلينا.
وفيها سرية غالب أيضاً إلى مصاب
أصحاب بشير من سعد بفدك في صفر
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب، أخبرنا الحارث بن أبي إسامة، أخبرنا، محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل، عن أبيه، قال: هيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام، وقال له: " سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن أظفرك الله بهم فلا تبق فيهم " وهيأ معهم مائتي رجل، وعقد لواء، فقدم غالب بن عبد الله الليثي من سريته من الكديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: " اجلس " ، وبعث غالب في مائتي رجل، وخرج أسامة بن زيد فيها حتى انتهى إلى مصاب أصحاب بشير وخرج معه علبة بن زيد فيها، فأصابوا نعماً وقتلوا منهم قتلى.
وفيها سرية شجاع بن وهب إلى بني عامر
في ربيع الأول
قال عمر بن الحكم: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلاً إلى جمع من هوازن، فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى صبحهم وهم غارون، فأصابوا نعماً كثيراً وشاء واستاقوا ذلك، وغابوا خمس عشرة ليلة:
ومن الحوادث سرية كعب بن عمير
الغفاري إلى ذات أطلاح؟
وهي من وراء وادي القرى - في شهر ربيع الأول. قال الزهري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام، فوجدوا جمعاً فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا ورموهم بالنبل فقاتل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فتحامل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فشق عليه.
ومن الحوادث اتخاذ المنبر لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
وقيل: في سنة سبع، والأول أصح.
أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا الحسن بن علي التميمي، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة، قال: فقالت امرأة من الأنصار كان لها غلام نجار: يا رسول الله، إن لي غلاماً نجاراً أفلا آمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه؟ قال: بلى. قال: فاتخذ له منبراً، قال: فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، قال: فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن هذا بكى لما فقد من الذكر " .
رواه أحمد في المسند، وأخرجاه في الصحيحين.


أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار، حدثنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو، عن ابن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشاً، فكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، هل لك أن أعمل لك منبراً تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم خطبتك؟ قال: نعم. فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر أعلى المنبر، فلما صنع المنبر ووضع في موضعه، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم على المنبر فمر إليه، خار الجذع حتى تصدع وانشق فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، وكان إذا صلى صلى إلى ذلك الجذع، فلما هدم المسجد وغير، أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب، فكان عنده في داره حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتاً.
وفي هذه السنة سرية مؤتة
وهي بأدنى البلقاء دون دمشق في جمادى الأولى سنة ثمان.
قال علماء السير: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمرو الأزدي أحد بني لهب إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلاً، وعقد لهم صلى الله عليه وسلم لواء أبيض، وخرج مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم، وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا قاتلوهم.
فلما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم، فجمعوا لهم وقام فيهم، شرحبيل فجمع أكثر من مائة ألف، فمضوا إلى مؤته ووافاهم المشركون بما لا قبل لهم به، فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل، ثم أخذه جعفر فقاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوجد في أحد نصفيه أحد وثلاثون جرحاً، ثم أخذه عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ اللواء، وانكشف الناس فكانت الهزيمة فتبعهم المشركون فقتل ثمانية ممن يعرف من المسلمين، ورفعت الأرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر إلى معترك القوم. فلما أخذ اللواء خالد بن الوليد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن حمي الوطيس " . فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم بالجرف، فجعل الناس يحثون في وجوههم التراب، ويقولون: يا فرار، أفررتم في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليسوا بفرار ولكنهم كرار إن شاء الله تعالى " .
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، أخبرنا أحمد بن أحمد، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، قال: لما تجهز الناس وتهيأوا للخروج إلى مؤتة، قال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم، فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا


ثم مضوا حتى نزلوا أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضمت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي في مائة ألف منهم، فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونخبره بعدد عدونا، فسمع عبد الله بن رواحة، فقال: والله يا قوم إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدة ولا قوة ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور؛ وإما شهادة، فقال الناس: والله صدق ابن رواحة. فمضى الناس.
أخبرنا محمد بن ناصر، وعلي بن أبي عمر، قال: أخبرنا رزق الله وطراد، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن رشدان، أخبرنا ابن صفوان، حدثني أبو بكر القرشي، قال: حدثني أبي حدثنا عبد القدوس بن عبد الواحد الأنصاري، قال: حدثني الحكم بن عبد السلام بن النعمان بن بشير: أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل، دعى الناس: يا عبد الله بن رواحة، وهو في جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينهشه ولم يكن ذاق طعاماً قبل ذلك بثلاث، فرمى بالضلع ثم قال: وأنت مع الدنيا ثم تقدم فقاتل ثم أصيبت إصبعه، فارتجز وجعل يقول:
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقت
يا نفسن إن لم تقتلي تموتي ... هذي حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت ... إن تفعلي فعلها هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
ثم قال: يا نفس أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة؟ فهي طالق ثلاثاً، وإلى فلان وفلان - عبيد له - فهم أحرار، وإلى معجف - حائط له - فهي لله ورسوله، ثم ارتجز وقال:
يا نفس ما لك تكرهين الجنه ... أقسمت بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه ... قد طال ما قد كنت مطمئنه
هل أنت إلا نطفة في شنه ... قد أجلب الناس شدو الرنه
ومن الحوادث سرية عمرو بن العاص
إلى ذات السلاسل
وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة أيام في جمادى الآخرة سنة ثمان.
قال علماء السير: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرساً، فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً، فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، وعقد له لواء، وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر، فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو: إنما قدمت علي مدداً وأنا الأمير، فأطاعه ثم لقي جمعاً فهربوا ثم قفل.
وفي هذه السرية: أجنب عمرو فصلى بأصحابه وهو جنب.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا حسن بن موسى، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: أخبرنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك. فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب " قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.
ومن الحوادث سرية الخبط


قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رجب إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم في الطريق جوع شديد، فأكلوا الخبط، وألقى لهم البحر حوتاً عظيماً، فأكلوا منه وانصرفوا ولم يلقوا كيداً.
أخبرنا يحيى بن علي المدبر، أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن محمد السمناني، أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن عبد الله بن مهدي، حدثنا عثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي، حدثنا أحمد بن شيبان، حدثنا سفيان، سمع عمر، وجابر ابن عبد الله يقول: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح في طلب عير قريش، فأقمنا على الساحل حتى فني زادنا وأكلنا الخبط، ثم أن البحر ألقى إلينا دابة يقال لها العنبر، فأكلنا منها نصف شهر حتى صلحت أجسامنا، وأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعها فنصبها ونظر إلى أطول بعير في الجيش وأطول رجل، فحمله عليه فجاز تحته. وقد كان رجل يجر ثلاث حرائر، ثم نهاه عنه أبو عبيدة. وكانوا يرونه قيس بن سعد.
قال المصنف: هو قيس بن سعد بلا شك، وله في ذلك قصة قد ذكرتها في ترجمته.
ومن الحوادث سرية أبي قتادة بن ربعي
الأنصاري إلى خضرة
وهي أرض محارب بنجد في شعبان وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلاً إلى غطفان، وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار، فهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط بهم وقاتل منهم رجال، فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا النعم، فكانت، الإبل مائتي بعير، والغنم ألفي شاة، وسبوا سبياً كثيراً، وجمعوا الغنائم، فأخرجوا الخمس فعزلوه " وقسموا ما بقي على أهل السرية، فأصاب كل رجل اثنا عشر بعيراً، فصار في سهم أبي قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله، فوهبها لي، فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لمحمية بن جزء. وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة.
ومن الحوادث سرية أبي قتادة الأنصاري
إلى بطن أضم في رمضان
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم - وبينها وبين المدينة ثلاثة برد - ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية وتذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة، فمر عامر بن الأضبط فسلم بتحية الإسلام، فأمسك عنه القوم، وحمل عليه مسلم، فقتله وأخذ سلبه، فلما لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فيهم القرآن: " يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً " . ولم يلقوا جمعاً فانصرفوا فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فلقوه بالسقيا.
ومن الحوادث غزاة الفتح وكانت في رمضان
قال علماء السير: لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهراً من صلح الحديبية كلمت بنو نفاثة - وهم من بني بكر - أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح، وعدوهم ووافوهم بالوتير متنكرين فيهم صفوان بن أمية، وحويطب، ومكرز فبيتوا خزاعة ليلاً وهم غارون، فقتلوا منهم عشرين رجلاً. ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن هذا نقض للعهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً من خزاعة، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه، فقام وهو يجر رداءه، ويقول: " لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي " . وقدم أبو سفيان بن حرب فسأله أن يجدد العهد فأبى فانصرف فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخفى أمره، وقال: " اللهم خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة " ، فلما أجمع السير كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والمقداد فأخذا كتابه ورسوله.


أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا الحسن بن علي التميمي، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا سفيان، عن عمرو، قال: أخبرني حسن بن محمد بن علي، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع، وقال مرة: إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع علياً رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " . فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بمتعة إلى ناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا حاطب ما هذا؟ " قال: لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من كان، معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا أرضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه قد صدقكم " . فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: " إنه شهد بدراً " . وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
رواه أحمد وأخرجاه في الصحيحين.
قال العلماء في السير: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من حوله من العرب فجلهم أسلم وغفار ومزينة، وجهينة وأشجع وسليم، فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه في الطريق وكان المسلمون في غزاة الفتح عشرة آلاف، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر، وقد أقام الزبير في مائتين وعقد الألوية والرايات بقديد، ونزل مر الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف ناراً، ولم يبلغ قريشاً مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان يتحسس الأخبار، وقالوا: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً.
فخرج أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، فلما رأوا العسكر أفزعهم، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على الحرس تلك الليلة عمر بن الخطاب، فسمع العباس بن عبد المطلب صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة، فقال: لبيك. قال: فما وراءك؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف، فأسلم ثكلتك أمك وعشيرتك، فأجاره وخرج به وبصاحبيه حتى أدخلهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وجعل لأبي سفيان أن من دخل داره فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في كتيبته الخضراء وهو على ناقته القصواء بين أبي بكر وأسيد بن حضير، فقال أبو سفيان للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال: ويحك إنه ليس بملك ولكنها نبوة، قال: نعم.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة أن يدخل من كداء، والزبير أن يدخل من


كدى، وخالد بن الوليد من الليط، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر، ونهى عن القتال غير أنه أمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل فهرب ثم استأمنت له امرأته أم حكيم بنت الحارث فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبار بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فاستأمن له عثمان وكان أخاه من الرضاعة، ومقيس بن ضبابة قتله نميلة بن عبد الله الليثي، والحويرث بن نفيل بن قصي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله ابن هلال بن حطل قتله أبو برزة وقيل سعيد بن حريث، وهند بنت عتبة فأسلمت، وسارة مولاة عمرو بن هاشم قتلت، وقريبة قتلت، وفرتنا أومنت حتى ماتت في خلافة عثمان. وكل الجنود لم يلقوا جمعاً غير خالد فإنه لقيه صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، وعكرمة في جمع من قريش بالخندمة، فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموه بالنبل، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين رجلاً من قريش وأربعة أنفر من هذيل، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنية أذاخر رأى البارقه فقال: " ألم أنه عن القتال؟ " فقيل: خالد قوتل فقاتل. وقتل من المسلمين رجلان أخطآ الطريق: كرز بن جابر، وخالد الأشقر.
وضربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة بالحجون، ودخل مكة عنوة، فأسلم الناس طائعين وكارهين، وطاف بالبيت على راحلته، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول: " جاء الحق وزهق الباطل " فيقع الصنم لوجهه، وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة، فجاء إلى المقام وهو لاصق بالكعبة فصلى خلفه ركعتين ثم جلس ناحية من المسجد وأرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به عثمان فقبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح الباب ودخل الكعبة فصلى فيها ركعتين، وخرج يدعي عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح، وقال: " خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " . ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب، وأذن بلال بالظهر فوق الكعبة، وكسرت الأصنام، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى يومئذ ثمان ركعات.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبن أبي ليلى، قال: ما أخبرني أحد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها حدثته: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثمان ركعات ما رأته صلى صلاة قط أخف منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود.
أخرجاه في الصحيحين.
وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني، فقال: " إن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض.. " .
وخطب على الصفا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس على الإسلام، ثم بايع النساء، فجاءت هند متنكرة فبايعت، وجعلت تكسر صنمها وتقول: كنا منك في غرور.
وما صافح امرأة في البيعة، وإنما كان يقول بلسانه، وقال يوم الفتح: " لا هجرة ولكن جهاد ونية " .
أخبرنا ابن الحصين بإسناد له عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " لا هجرة ولكن جهاد ونية " وجلس على الصفا.
أخبرنا عبد الحق، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الملك، حدثنا علي بن عمر الدارقطني، أخبرنا أبو القاسم بن منيع، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا سلام بن مسكين، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى مكة ليفتحها صعد الصفا، فخطب الناس، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما ا الرجل فأخذته الرأفة بقومه والرغبة في قربته، فأنزل الله تعالى الوحي بما قالت الأنصار، فقال: " يا معشر الأنصار، تقولون أما الرجل فقد أدركته الرأفة بقومه والرغبة في قربته، فمن أنا إذن، كلا والله إني عبد الله ورسوله حقاً المحيا محياكم والممات مماتكم " قالوا: والله يا رسول الله ما قلنا ذلك إلا مخافة أن تفارقنا، قال: " أنتم صادقون عند الله وعند رسوله " . قال: والله ما فيهم إلا من أبحر بالدموع.
وهرب يومئذ عبد الله بن الزبعرى، ثم عاد فأسلم، وهرب هبيرة بن أبي وهب وأقام كافراً.


وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان فأقام بها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ثم خرج إلى حنين، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلي بهم ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمر و حيوية، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، أخبرنا محمد بن سعد، أخبرنا الحميدي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح من أعلى مكة، وخرج من أسفل مكة.
ومن الحوادث في رمضان هذه السنة
سرية خالد بن الوليد إلى العزى
لخمس ليال بقين من رمضان
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى العزى ليهدمها، فخرج حتى انتهى إليها ثلاثين رجلاً فهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " هل رأيت شيئاً؟ " قال: لا، قال: " فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها " فرجع متغيظاً فجرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجز لها باثنتين ورجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " تلك العزى وقد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وكانت أعظم أصنامهم، وكان سدنتها بنو شيبان. قال مؤلف الكتاب: وقد اختلف العلماء في العزى على قولين؟ أحدهما: أنها شجرة كانت لغطفان يعبدونها. قاله مجاهد. والثاني: صنم. قاله الضحاك.
وفي رمضان أيضاً كانت سرية عمرو بن العاص إلى سواع
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين فتح مكة إلى سواع، وهو صنم لهذيل، ليهدمه، قال عمرو: فانتهيت إليه وعنده السادن، فقال: ما تريد؟ قلت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه، قال: لا تقدر على هدمه، قلت: ولم؟ قال: تمنع، قلت: ويحك هل يسمع أو يبصر، فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته وقلت للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله عز وجل.
ومن الحوادث سرية سعد بن زيد الأشهلي
في رمضان أيضاً إلى مناة بالمشلل
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة إلى مناة ليهدمها، وكانت المشلل للأوس والخزرج وغسان، فخرج في عشرين، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدمها، قال: أنت وذاك؟! فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل الثبور وتضرب صدرها، فبصر بها سعد فقتلها وهدموا الصنم.
قال مؤلف الكتاب: وسعد هذا قد شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الحوادث
سرية خالد بن الوليد المخزومي إلى بني جديمة
بن كنانة وكان أسفل مكة على ليلة ناحية يلملم
وذلك أن خالداً لما رجع من هدم العزى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلاً، وذلك في شوال، فخرج في ثلاثمائة وخمسين، فلما وصل إليهم قال لهم: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد، وبنينا المساجد في ساحاتنا، وأذنا فيها قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا معهم، قال: فضعوا السلاح، فوضعوه، فقال: استأسروا، فاستأسروا، فأمر بعضهم يكتف بعضاً وفرقهم في أصحابه، فلما كان السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليجهز عليه بالسيف؟ فأما بنو سليم من أصحابه فقتلوا من كان معهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " . وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فودى قتلاهم.
وفيها: أسلم أبو سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وهشام بن الأسود، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان، والنضر بن الحارث.
ومن الحوادث غزوة حنين
وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال وهي غزوة هوازن
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى


بعض وحشدوا وبغوا. وجمع أمرهم مالك بن عوف النصري، فأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأمهاتهم حتى نزلوا بأوطاس، وجعلت الأمداد تأتيهم، وأخرجوا معهم دريد بن الصمة وهو أعمى ابن سبعين ومائة سنة يقاد وهو في شجار، وهو مركب من أعواد يهيأ للنساء، فقال: بأي وادهم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم، مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس - أي لين - ما لي أسمع رغاء الإبل ويعار الشاء، قيل له: ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال، فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: أردت أن أحفظ الناس - يعني أذمرهم من الحفيظة أن يقاتلوا عن أهاليهم وأموالهم فانقض به - أي صفق بيده - وقال: راعي الضأن ماله وللحرب، وقال: أنت محل بقومك وفاضح عورتك - أي قد أبحت شرفهم - لو تركت الظعن في بلادهم والنعم في مراتعها، ولقيت القوم بالرجال على متون الخيل، والرجال بين أضعاف الخيل، ومقدمة ذرية، أما الخيل كان الرأي، والذرية مقدمة الخيل.
فأجمع القوم السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفاً من المسلمين: عشرة آلاف من المسلمين من أهل المدينة، وألفان من المسلمين من أهل مكة. فقال رجل: لا نغلب اليوم من قلة. وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من المشركين كثر؛ منهم: صفوان ابن أمية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال، فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر يأتونه بخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب.
ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد، فدخل عسكرهم فطاف به وجاء بجبرهم، فلما كان من الليل عمد مالك إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين، فأوعز إليم أن يحملوا على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة واحدة، وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في السحر وصفهم صفوفاً ووضع الألوية والرايات في أصحابه، فمع المهاجرين لواء حمله علي بن أبي طالب، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب، ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء التي تسمى الدلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من الكثرة، وذلك في غبش الصبح، وحملوا حملة واحدة، فانهزم الناس، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله " . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العسكر وثاب إليه من انهزم، وثبت معه يومئذ علي، والفضل والعباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد في ناس من أهل بيته وأصحابه.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه العباس، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً قال: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطب، فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه وهو على بغلة شهباء، - وربما قال معمر: بيضاء - أهداها له فروة بن نعامة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار.
قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها، وهو لا يألو ما أسرع


نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عباس، ناد يا أصحاب السمرة " . قال: وكنت رجلاً صيتاً، فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البكر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك. يا لبيك، ووافاهم المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، فنادت الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج. قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا حين حمي الوطيس " . قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: " انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة " . قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً، وأمرهم مدبراً حتى هزمهم الله. قال: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته.
قال أحمد: وحدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن سيار، عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال شجرة، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، حان الرواح، فقال: " أجل يا بلال " فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: " أسرج لي فرسي " ، فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، شال: فأسرج فركب وركبنا، فصادفناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت الخيلان فولى المسلمون مدبرين، كما قال الله عز وجل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله " . ثم قال: " يا معشر المهاجرين، أنا عبد الله ورسوله " قال: ثم اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه فأخذ كفاً من تراب، فأخبرني الذي كان أدق إليه مني أنه ضرب به وجوههم، وقال: " شاهت الوجوه " ، فهزمهم الله عز وجل.
قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه تراباً، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد.
قال أحمد: وأخبرنا عارم، حدثنا معتمر بن سليمان التميمي قال سمعت أبي يقول: حدثنا السميط السدوسي، عن أنس بن مالك قال: لما فتحنا مكة غزونا حنيناً، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، فصف الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت، الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت خيولنا تلوذ خلف ظهورنا، قال: فلم تلبث أن انكشفت خيولنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس، قال: فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا للمهاجرين يا للمهاجرين " ، ثم قال: " يا للأنصار يا للأنصار " . قال أنس: هذا حديث عمه، قال: قلنا: لبيك يا رسول الله، قال،: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة.
قال علماء السير: لما انهزموا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه منهم فحنق المسلمون عليهم فجعلوا يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية، وكان سيماء الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أسدلوها بين أكتافهم. وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه في طلبهم، فمنهم من ذهب إلى الطائف ومنهم من ذهب إلى نخلة، وقتل أبو عامر ممن لحق تسعة ثم قتل، واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري، فقاتلهم.


وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف من سلك طريق نخلة قوماً فلقي منهم ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة، فقال له: ما تريد؟ قال: قتلك، ثم ضربه ربيعة فلم يغن شيئاً، فقال دريد: بئسما سلحتك أمك، خذ سيفي من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال، فإذا أتيت أمك فقل: قتلت دريد بن الصمة، فقتله.
وكان في تلك الغزوة أم سليم معها خنجر.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا أبو أسامة، عن سليمان بن المضرة، عن ثابت، عن أنس، قال: جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، قال: يا رسول الله، ألم تر إلى أم سليم معها خنجر، فقال لها، رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تصنعين به يا أم سليم؟ " قالت: أردت إن دنا مني أحد منهم طعنته به.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل فانتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلاً، وأحرم بعمرة ودخل مكة وطاف وسعى وحلق رأسه، ثم رجع إلى الجعرانة من ليله كبايت، ثم انصرف يوم الخميس إلى المدينة.
وجاء وفد هوازن فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمرو: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمنن علينا، فقام رجل منهم من بني سعد بن بكر بن هوازن - وبنو سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقال له: زهير بن صرد: لو أنا سألنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ورجونا عطفه، ثم أنشد يقول:
أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندخر
في أبيات أخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما أحب إليكم أبناؤكم ونساؤكم أم أموالكم " ، فقالوا: نساؤنا وأبناؤنا، فقال: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فإذا أناصليت بالناس، فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فإني سأعطيكم وأسأل لكم " ، فقاموا وقالوا، فقال: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " ، فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأنصار كذلك، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقال بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أمسك حقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم " .


أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا ابن حيوية، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد عن عبد الله بن جعفر، وابن أبي ميسرة وغيرهم، قالوا: قدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد ما قسم الغنائم، وفي الوفد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أبو برقان، فقال يومئذ: يا رسول إنما في هذه الحظائر من كان يكلأوك من عماتك وخالاتك وحواضنك، قد حضناك في حجورنا وأرضعناك ثدينا، ولقد رأيتك مرضعاً فما رأيت خيراً منك، ورأيتك فطيماً فما رأيت فطيماً خيراً منك، ورأيتك شاباً فما رأيت شاباً خيراً منك، وقد تكاملت فيك خلال الخير، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك، فامنن علينا من الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون " وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم السبي، وجرت فيه السهمان، وقدم عليه أربعة عشر رجلاً من هوازن مسلمين، وجاءوا بإسلام من وراءهم من قومهم، وكان رأس القوم والمتكلم أبو صرد زهير بن صرد، فقال يا رسول الله، إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك يا رسول الله، إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، ولو ملحنا للحارث بن شمر أو النعمان بن المنذر ثم نزلا منا مثل الذي نزلت به رجونا عطفهما علينا وأنت خير المكفولين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن خير الحديث أصدقه، وعندي من ترون من المسلمين، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ " قالوا: ما كنا نعدل بالأنساب شيئاً، فرد علينا أبناءنا ونساءنا، فقال: " أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس، فإذا صليت الظهر بالناس فقولوا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، وإني سأقول لكم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس " .
فلما صلى الظهر قاموا فتكلموا بما قال لهم، فرد عليهم: " ما كان لي ولبني عبد المطلب " ورد المهاجرون ورد الأنصار، وسأل قبائل العرب فاتفقوا على قول واحد بتسليمهم برضاهم، ودفع ما كان بأيديهم من السبي إلا قوم تمسكوا بما في أيديهم فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إبلاً عوضاً عن ذلك.
قال علماء السير: وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن عن مالك بن عوف، فقالوا: هو بالطائف، فقال: " إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل " فبلغه فأتى وأسلم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمله على قومه وعلى من أسلم من حول الطائف.
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد السبي ركب وتبعه الناس يقولون: اقسم علينا الإبل والغنم حتى ألجأوه إلى شجرة فخطفت رداءه، فقال: " ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعماً لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً " . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت، فكان السبي ستة آلاف رأس.
وقال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا أنه رد ذلك، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، وأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية، ومائة من الإبل، قال: ابني يزيد، قال: " أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل " ، قال: ابني معاوية، قال: " أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل " ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه، أو أعطى النضر بن الحارث مائة من الإبل، وكذلك أسيد بن حارثة، والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وقيس بن عدي، وحويطب، والأقرع بن حابس، وعيينة، ومالك بن عوف. وأعطى العلاء بن حارثة خمسين بعيراً، وكذلك مخرمة بن نوفل، وعثمان بن وهب، وسعيد بن يربوع، وهشام بن عمرو، وذلك كله من الخمس، وأعطى العباس بن مرداس أباعر، فلم يرض وقال:
أتجعل نهبي ونهب الع ... نيد بين عيينة والأقرع
والعنيد اسم فرسه فزاده حتى رضي.
وكانت هذه القسمة بالجعرانة، وحينئذ تكلمت الأنصار، وقالوا: أما عند، القتال فنحن، وحينئذ قام ذو الخويصرة فقال: أعدل فإنك لم تعدل.


روى جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم الغنائم والتبر وهو في حجر بلال، فقام رجل فقال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا في أصحاب له، وإن أصحاباً لهذا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " .
قال مؤلف الكتاب: وهذا الرجل يعرف بذي الخويصرة.
ومن الحوادث
بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي
بالبحرين يدعوه إلى الإسلام
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الجعوانة بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام، وكتب له كتاباً، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه: إني قد قرأت كتابك على أهل هجر، فمنهم من أعجبه الإسلام ودخل فيه ومنهم من كرهه، وما رضي يهود ومجوس، فأحدث إلي في ذلك أمرك. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية " .
ومن الحوادث سرية الطفيل بن عمرو
السدوسي إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين، وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج فهدم ذا الكفين، وأخذ من قومه أربعمائة فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثعلبة فأجارهم.
ومن الحوادث في شوال غزوة الطائف
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من حنين يوم الطائف، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، وتهيأوا للقتال. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قريباً من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل حتى أصيب ناس من المسلمين، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر يوماً، وقيل: خمسة عشر يوماً، ونصب عليهم المنجنيق، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر " . فخرج بضعة عشر رجلاً فيهم أبو بكرة فنزل في بكرة، فقيل أبو بكرة ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف، فأذن بالرحيل، فقال المسلمون: نرحل ولم يؤذن بفتح لنا، قال: " فاغدوا على القتال " ، فقاتلوا وأصابتهم جراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا قافلون " فسروا بذلك.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن صعد، أخبرنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن ثور عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوماً.
ومما جرى في هذا الحصار
ما أخبرنا به عبد الله بن علي المقري، ومحمد بن ناصر الحافظ، قالا: أخبرنا طراد بن محمد، أخبرنا أبو الحسن بن بشران، أخبرنا ابن صفوان، حدثنا أبو بكر القرشي، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في بيت أم سلمة وعنده مخنث جالس، فقالا لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة: يا عبد الله، إن فتح الله عليكم الطائف غداً أدلك على بنت غيلان امرأة من ثقيف تقبل بأربع وتدبر بثمان - يعني عكناها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل هذا عليكن " .
قال مؤلف الكتاب: اسم هذا المخنث هيت وقيل: ماتع. وكان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماتع، وهدر، وهيت.
إسلام عروة بن مسعود الثقفي.


أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا ابن حيوية، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمير الأسلمي، عن عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي، عن من أخبره، قالوا: لم يحضر عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة حصار الطائف، كانا بجرش يتعلمان صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات، فقدما وقد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف، فنصبا المنجنيق والعرادات والدبابات، واعتدا للقتال، ثم ألقى الله في قلب عروة بن مسعود الإسلام وغيره عما كان عليه، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استأذن في الخروج إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فقال: إنهم إذا قاتلوك؟ قال: لا أنا أحب إليهم من أبكار أولادهم، ثم استأذنه الثانية ثم الثالثة، فقال: إن شئت فاخرج.
فخرج إلى الطائف فقدم عشاء فدخل منزله فجاء قومه فحيوه بتحية الشرك، فقال: عليكم بتحية أهل الجنة السلام، ثم دعاهم إلى الإسلام، فخرجوا من عنده يأتمرون به، فلما طلع الفجر أوفى على غرفة له فأذن بالصلاة، فخرجت ثقيف من كل ناحية، فرماه رجل من بني مالك، يقال له أوس بن عوف فأصاب أكحله فلم يروا دمه، وقام غيلان بن سلمة وكنانة بن عبد يا ليل، والحكم بن عمرو، ووجوه الأحلاف فلبسوا السلاح وساروا، فلما رأى ذلك عروة، قال: قد تصدقت بدمي على صاحبه لأصلح بذلك بينكم، وهي كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات فدفنوه معهم، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم، فقال: " قتله كقتل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه " .
ومما جرى في مسير رسول إلى الطائف
أنهم مروا بقبر أبي رغال
أخبرنا محمد بن عمر الأرموي، قال: أخبرنا أبو الحسين بن النقور، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر السكري، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا وهب ببن جرير بن حازم، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية بن أبي بكير يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: " هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، كان من ثمود، وكان هذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، فإن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " . فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن.
وفي هذه السنة:
طلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة، فجعلت يومها لعائشة فراجعها. كذا قال ابن حبيب الهاشمي.
وقال غيره: أراد طلاقها، فقالت: دعني أحشر في نسائك، واجعل يومي لعائشة.
وفيها: سال بطحان سيلاً عظيماً لم يسل في الجاهلية ولا الإسلام مثله.
وفيها: غلا السعر، فقالوا: سعر لنا.
أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا سريج، ويونس بن محمد، قالا: أخبرنا حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت لنا؟ قال: " إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال "
وفي هذه السنة ولد إبراهيم ابن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من مارية وذلك في ذي الحجة


أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أبو الحسين بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قالوا: ولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاماً، فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره، فوهب له عبداً وسماه إبراهيم، وعق عنه بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض، وتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد، وزوجها البراء بن أوس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أم بردة فيقيل عندها ويرى إبراهيم. وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
قال محمد بن عمر حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجب مارية، وكانت قد ثقلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرن عليها ولا مثل عائشة.
قال محمد بن عمر وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن أنس، قال: لما ولد إبراهيم جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم.
قال محمد بن سعد: وحدثنا عفان، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البناني، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم " . قال: ثم دفعه إلى أم سيف - امرأة لصبي بالمدينة يقال له أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته حتى انتهينا إلى أبي سيف، وهو ينفخ بكيره وقد امتلأ البيت دخاناً، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى أبي سيف، فقلت: يا أبا سيف أمسك فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول.
قال محمد بن عمر: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فقال: " انظري إلى شبهه بي " فقلت: ما أرى شبهاً، فقال: " ألا ترين إلى بياضه ولحمه " ، فقلت: إنه من قصر عليه اللقاح أبيض وسمن.
وقال محمد بن سعد قال محمد بن عمر: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة غنم تروح عليه ولبن لقاح له.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك عبد الله، ومحمداً، وعوناً، ولم يزل بالحبشة حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه، وقال: " ما أدري بأيهما أفرح، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر " .
وقال له: " أشبهت خلقي وخلقي " .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر زيداً يوم مؤتة، وقال: " إن قتل فجعفر " ، فقتل زيد فتقدم جعفر فقاتل حتى قتل، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأمهل آل عفر ثلاثاً، قال: " لا تبكوا على أخي بعد اليوم " وقال " إن له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة " .
الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك بن عبد الله، وهو الملقب بأبي اللحم وكان قد أبى أكل ما ذبح على الأصنام، وقتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، يقال له الدفي وأمه سعدى بنت ثعلبة بن عامر، زارت قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية، فمروا على أبيات بني معن، فاحتملوا زيداً وهو يومئذ غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ فعرض للبيع، فاشتراه حكيم بن حرام لعمته خديجة بأربع مائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، وكان أبو حارثة حين فقد قال:


بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري وإن كنت سائلاً ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرياح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيش في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فإن وإن غره الأمل
وأوصي به قيساً وعمراً كليهما ... وأوصي يزيداً ثم من بعدهم جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد، ويزيد أخو زيد لأمه، فحج ناس من كلب فرأوا زيداً فعرفوا زيداً وعرفوه، فقال: بلغوا أهلي عني هذه الأبيات، فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي، فقال:
ألكني إلى قومي وإن كنت نائياً ... بأني قطين البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... كرام معد كابراً بعد كابر
فانطلقوا فأعلموا أباه فخوج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، فقدما به مكة فسألا. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل هو في المسجد، فدخلا إليه فقالا: يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنا سنرفع لك في الفداء، قال: " من هو؟ " ، قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهلا غير ذلك؟ " قالوا: ما هو، قال: " دعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً " ، قالوا: قد زدتنا على النصفة وأحسنت، فدعاه فقال: " هل تعرف هؤلاء؟ " قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي، قال: " فأنا من قد علمت ورأيت محبتي لك، فاخترني أو اخترهما " ، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً أنت مني بمكان الأب والعم، قالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك، قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: " يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني " ، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، فلما طلقها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم الناس في ذلك، وقالوا: تزوج امرأة ابنه، فأنزلت: " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " الآية، وقال: " ادعوهم لآباءهم " ، فدعي يومئذ زيد بن حارثة.
قال مؤلف الكتاب: أخبرنا بهذا كله أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه، قال: أخبرنا أبو الحسين بن معروف، قال: أخبرنا الحسن بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد.
وقال محمد بن سعد: وأخبرنا الواقدي، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أبيه، قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد عشر سنين، رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه، وكان زيد رجلاً قصيراً آدم شديد الأدمة في أنفه فطس، وكان يكنى أبا أسامة.
وقال الزهري: أول من أسلم زيد.
قال أهل السير: وشهد بدراً وأحداً، والخندق والحديبية وخيبر، واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى المريسيع، وخرج أميراً في سبع سرايا، ولم يسم أحد في القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه غيره، وكان له من الولد زيد - هلك صغيراً - ورقية، أمهما أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأسامة أمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقتل في غزاة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة.
زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم


كانت أكبر بناته وأول من تزوج منهن، تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، فولدت له علياً، وأمامة. وأسلمت زينب وهاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أبو العاص أن يسلم، ثم أسر في بعض المشاهد فدخل عليها فاستجار بها فأجارته، ثم بعث بفدائه ثم أسلم، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد، وفي رواية: بنكاحها الأول.
توفيت زينب في أول هذه السنة، فغسلتها أم أيمن، وسودة، وأم سلمة.
سراقة بن عمرو بن عطية شهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر وعمرة القضية، وقتل يوم مؤتة.
شهر براز قتل أردشير بن شيرويه وملك مكانه أربعين يوماً ثم قتل.
عبد الله بن رواحة بن ثعلبة، أبو محمد شهد العقبة مع السبعين، وهو أحد النقباء الإثني عشر، وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر وعمرة القضية. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى غزاة بدر الموعد.
ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في عمرة القضية كان آخذاً بزمام ناقته عند الكعبة، وهو يقول:
خلو بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
وسبقت الأبيات: أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا ثابت بن بندار، أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو سعيد السيرافي، قال: حدثني محمد بن منصور بن مزيد النحوي، حدثني الزبير بن بكار، قال: حدثني خالد بن وضاح، عن أبي الحصيب عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقول كثيراً: ما سمعت بأحد أجرأ ولا أسرع شعراً من عبد الله بن رواحة، يوم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: قل شعراً، أسمعنيه الساعة ثم أنده بصره، فانبعث ابن رواحة مكانه يقول:
إني تفرست فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أن ما خانني البصر
أنت النبي ومن يحرم شفاعته ... يوم الحساب فقد أزرى به القدر
يثبت الله ما أتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة " . قال هشام: فثبته الله أحسن الثبات.
قتل شهيداً وفتحت له الجنة ودخلها.
استشهد ابن رواحة بمؤتة، وكان ذلك في سنة ثمان.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا بعض أخباره في الحوادث.
عبادة بن قيس بن عبسة، عم أبي الدرداء شهد بدراً وأحداً والخندق والحديبيبة وخيبر، وقتل يوم مؤتة وله أربعون سنة.
عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب كان قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقتل يوم الطائف شهيداً.
ثم دخلت
سنة تسع من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
سرية عيينة بن حصن الفزاري
إلى بني تميم في المحرم
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عيينة في خمسين فارساً ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري. فكان يسير الليل ويكمن النهار، فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فهربوا، وأخذ منهم أحد عشر رجلاً، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبياً فحبسوا بالمدينة، فقدم فيهم عدة من رؤسائهم منهم: عطاود بن حاجب، والزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس.
فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري، فعجلوا فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا: يا محمد أخرج إلينا، فنزل فيهم: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " فرد عليهم الأسراء والسبي.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا، أبو عمرو بن حيويه، قال: حدثنا أبو الحسن بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن سعيد بن عمرو، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان ويقال: النحام على صدقات بني كعب


فاستكبر ذلك بنو تميم وشهروا السيوف، فقدم الصدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: من هؤلاء القوم، فانتدب لهم عيينة فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين فارساً من الحرب لير فيهم مهاجري ولا أنصاري، فأغار عليهم فأخذ منهم أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبياً، فجلبهم إلى المدينة فقدم فيهم عدة من رؤساء بني تميم: عطارد بن حاجب، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وقيس بن عاصم بن الحارث، ونعيم بن سعد، والأقرع بن حابس، ويقال: كانوا تسعين أو ثمانين، فدخلوا المسجد وقد أذن بلال الظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجلوا واستبطأوا فنادوه: يا محمد أخرج إلينا، فخرج فأقام بلال الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاه الظهر ثم أتوه، فقال الأقرع: ائذن لي فوالله إن حمدي لزين وإن ذمي لشين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبت ذاك الله تعالى " . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فخطب خطيبهم وهو عطارد بن حاجب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: أجبه، فأجابه ثم قالوا: يا محمد ائذن لشاعرنا، فأذن له، فقام الزبرقان بن بدر فأنشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: أجبه، فأجابه بمثل شعره، فقالوا والله لخطيبه أبلغ من خطيبنا ولشاعره أبلغ من شاعرنا، ولهم أحلم منا، فنزل فيهم: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيس بن عاصم: " هذا سيد أهل الوبر " ، ورد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى والسبي، وأمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفود.
وفي هذه السنة تتابعت الوفود
قدوم وفد فزارة أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة السعدي، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك - وكانت سنة تسع - قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً - فيهم خارجة بن حصن، والحر بن قيس - أو قيل الجد بن قيس - بن حصن - على ركاب عجاف، فجاءوا مقرين بالإسلام، وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحده: يا رسول الله أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا، فادع لنا ربك، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، ودعا فقال: " اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً مطبقاً واسعاً عاجلاً غير آجل نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء " . فمطرت فما رأوا السماء ستاً، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فدعا، فقال: " اللهم حوالينا ولا علينا، على الآكام، والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر " . قال: فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب.
وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم


وبالإسناد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عبد الله بن عمرو بن زهير، عن أبي الحويرث، قال: قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلاً، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " مرحباً بكم " وأكرم منزلتهم وحياهم، وأمر بلالاً أن يحسن ضيافتهم وجوائزهم، وأعطاهم أكثر مما كان يجيز به الوفد، وقال: " هل بقي منكم أحد؟ " قالوا: غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سناً قال: " أرسلوه إلينا " ، فأقبل الغلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني امرؤ من بني أبناء الرهط الذين أتوك آنفاً فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي، قال: " ما حاجتك؟ " ، قال: أن تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي، فقال: " اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه " ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام، فقالوا: ما رأينا مثله أقنع منه بما رزقه الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو أن نموت جميعاً " .
وفيها قدم وفد بني أسد وقالوا: أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث لنا بعثاً، فنزلت فيهم: " يمنون عليك أن أسلموا " .
وفيها قدم وفد كلاب فيهم لبيد بن ربيعة، وجبار بن سلمى، قالوا: إن الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنتك التي أمرته، ودعانا إلى الله عز وجل فاستجبنا لله ولرسوله وإنه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردها على فقرائنا.
وفيها قدم وفد بلي في ربيع الأول، فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوي.
وفيها قدم وفد عروة بن مسعود الثقفي فأسلم، وقد سبق خبره فيما ذكرنا.
وفيها قدم وفد الداريين من لخم وهم عشر: هانئ بن حبيب، والفاكه بن النعمان وجبلة بن مالك، وأبو هند بن ذر، وأخوه الطيب سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتميم بن أوس، ونعيم بن أوس، ويزيد بن قيس، وعزيز بن مالك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وأخوه مرة.
وفيها قدم وفد الطائف مع عبد يا ليل بن عمرو، فأسلموا، وذلك في رمضان.
وفيها قدم وفد بهراء ثلاثة عشر رجلاً، ونزلوا على المقداد بن عمرو.
وفيها قدم وفد البكاء وفيها قدم وفد طيء ووفد سعد هزيم وهم من أهل اليمن. أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، أخبرنا ابن رزق، حدثنا أحمد بن كامل القاضي، حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا محمد بن عباد بن موسى، عن هشام بن الكلبي عن فروة بن سعيد بن عفيف بن معدي كرب، عن أبيه، عن جده، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه وفد أهل اليمن، فقالوا: يا رسول الله، لقد أحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس، فقال: " وما هما؟ " ، قالوا: أقبلنا نريدك إذا كنا بموضع كذا وكذا أخطأنا الماء، فكنا لا نقدر عليه، فانتهينا إلى موضع طلح وسمر، فانطلق كل رجل منا إلى أصل شجرة ليموت في ظلها، فبينا نحن في آخر رمق إذا راكب قد أقبل، فلما رآه بعضنا تمثل بهذه الأبيات:
ولما رأت أن الشريعة همهما ... وأن البياض في فرائضها دامي
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليهما الظل عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هذا الشعر؟ فقال بعضنا: امرؤ القيس، فقال: هذه والله ضارج أمامكم، وقد رأى ما بنا من الجهد، فرجعنا إليها فإذا بيننا وبينها نحو من خمسين ذراعاً، وإذا هي كما وصف امرؤ القيس: عليها العرمض يفيء عليها الظل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك رجل مشهور في الدنيا خامل في الآخرة، مذكور في الدنيا منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار " .
وفيها بعث رسول الله الوليد بن عقبة
بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة يصدقهم


وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد، فلما سمعوا بدنوه خرج منهم عشرون يتلقونه بالجزر والغنم فرحاً به، فلما رآهم ولى راجعاً إلى المدينة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لقوه بالسلاح، فهم أن يبعث من يغزوهم، فقدموا لما بلغ الخبر، ونزلت: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا... " . وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عباد بن بشر يأخذ صدقاتهم.
وروي عن ضرار الخزاعي، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، ارجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً لا تأت كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الأبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخط من الله ورسوله، فدعى بسروات قومه، فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث وقد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال: إلى من بعثتم؟ قالوا إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي قال: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون قد كانت سخطة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت: " يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة... " الآية.
وفيها سرية قطبة بن عامر بن حديدة
إلى خثعم في صفر
روى كعب بن مالك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلاً إلى حي من خثعم بناحية تبالة، وأمره أن يشن الغارة عليهم، فانتهوا إلى الحاضر وقد ناموا وهدأوا، فكبروا وشنوا الغارة، فوثب القوم فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثر الجراح في الفريقين جميعاً وكسرهم أصحاب قطبة فقتلوا من قتلوا وساقوا النعم والشاء إلى المدينة، فأخرج منه الخمس، ثم كانت سهامهم بعد ذلك أربعه أبعرة لكل رجل، والبعير يعدل بعشر من الغنم. وكانت هذه السرية في صفر سنة تسع.
قال ابن سعد: قال أبو معشر: رمى قطبة بن عامر يوم بدر بحجر بين الضفين، ثم قال: لا أفر حتى يفر هذا الحجر، وبقي قطبة حتى توفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وليس له عقب.
وفيها سرية الضحاك بن سفيان الكلابي
إلى بني كلاب في ربيع الأول
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان يدعوهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم.
وفيها سرية علقمة بن مجزز المدلجي
إلى الحبشة في ربيع الآخر.
وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناساً من الحبشة قد أتاهم أمل جدة، فبعث إليهم علقمة في ثلاثمائة فهربوا منه، فتعجل بعض القوم: إلى أهلهم، وكان فيمن تعجل عبد الله بن حذافة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من تعجل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا ناراً فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فهم بعضهم بذلك، فقال: أنا كنت أضحك معكم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " من أمركم بمعصية فلا تطيعوه " .


أخربنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، قال: فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، فقال لهم،: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: اجمعوا حطباً، ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها. قال: فهم القوم بدخولها. قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها. قال: فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: " لو دخلتموها ما خرجج منها أبداً، إنما الطاعة بالمعروف " .
قال مؤلف الكتاب: أخرجاه في الصحيحين، وهذا الأمير الذي قال لهم عبد الله بن حذافة، وقول الراوي رجل من الأنصار غلط، إنما هو من بني سهم.
وفيها سرية علي بن أبي طالب
رضي الله عنه إلى الفلس وهو صنم طيء ليهدمه
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علياً في خمسين ومائة من الأنصار في مائة بعير وخمسين فرساً إلى صنم طيء ليهدمه في ربيع الآخر، وبعث معه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة وخربوا الفلس، وأخذوا سيفين كانوا في بيت الصنم، وملأوا أيديهم من السبي والنعم، وكان في السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام وروى محمد بن إسحاق، عن شيبان بن سعد الطائي، قال: كان عدي بن حاتم يقول: ما رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني أما أنا فكنت نصرانياً، وكنت شريفاً في قومي، فلما سمعت بجيوش محمد احتملت أهلي وولدي لألحق بأهل ديني من النصارى وخلفت ابنة حاتم في الحاضر فأصيبت فيمن أصيب، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي طيء، فجعلت في حظيرة بباب المسجد كانت تحبس بها السبايا، فلما مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت إليه، فقالت: هلك الوالد، وغاب الوافد، فأمنن علي من الله عليك، قال: " فمن وافدك؟ " قالت: عدي بن حاتم، قال: " الفار من الله ورسوله " ، ثم مضى، ثم عاد من الغد، فقالت مثل ذلك، فقال: " قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك " ، فلما رأت ثقة أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكساها وحملها وأعطاها نفقة، فقدمت على عدي فجعلت تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك، قال: والله مالي عذر، ما ترين في هذا الرجل، قالت: أرى والله أن تلحق به، فأتيته فقال: " من الرجل؟ " فقلت: عدي بن حاتم، فانطلق بي إلى بيته، فلقيته امرأة ضعيفة فوقف لها طويلاً، فقلت: ما هذا بملك. ثم مضى حتى دخل بيته، فتناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقدمها إلي وجلس على الأرض، فقلت: ما هذا بأمر ملك، فأسلمت.
ومن الحوادث سرية عكاشة بن محصن الأسدي
إلى الجناب
أرض عذرة وبلي وذلك في ربيع الآخر.
وفيها هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه
وقال: ما أنا بداخل عليكن شهراً. قال مؤلف الكتاب: وفي سبب ذلك قولان: أحدهما: أنه حين حرم أم إبراهيم أخبر بذلك حفصة واستكتمها، فأخبرت بذلك.
والثاني: أنه ذبح ذبحاً فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش بنصيبها، فردته، فقال: زيدوها، فزادوها ثلاثاً كل ذلك ترده، فقال: " لا أرضى عليكن شهراً " . فاعتزل في مشربة له، ثم نزل لتسع وعشرين، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله، كنت أقسمت ألا تدخل علينا شهراً، وإنما أصبحت من تسع وعشرين أعدها عداً، فقال: " لم الشهر تسع وعشرون " وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين.
وفي هذه السنة كانت غزوة تبوك
وذلك في رجب


وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم قد جمعت جموعاً كبيرة، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب ليستنفرهم، وذلك في حر شديد، وخلف علي بن أبي طالب على أهله، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، وجاء البكاؤون يستحملونه.
واختلف في عددهم وأسماءهم؟ فروى أبو صالح عن ابن عباس، قال: هم ستة: عبد الله بن معقل، وصخر بن سلمان. وعبيد الله بن كعب، وعلية بن زيد، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة.
وذكر محمد بن مسلمة مكان صخر بن سلمان، سلمة بن صخر، ومكان ثعلبة بن غنمة، عمرو بن غنمة، قال: وقيل منهم معقل بن يسار.
وروى ابن إسحاق عن أشياخ له: أن البكائين سبعة من الأنصار: سالم بن عمير، وعلية بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام، وعبد الله بن معقل، وبعض الناس تقول عبد الله بن عمرو المؤني، وعرباض بن سارية، وهرمي بن عبد الله.
وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن، وهم سبعة وقد ذكرهم محمد بن سعد، فقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، وسنان بن مقرن، وعقيل بن مقرن، وعبد الرحمن بن مقرن، وعبد الرحمن بن عقيل بن مقرن، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أجد ما أحملكم عليه " فولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً.
وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلاً، وجاء المعذرون من الأعراب، فاعتذروا فلم يعذرهم، وهم اثنان وثمانون رجلاً، وكان عبد الله بن أبي قد عسكر في حلفائه من اليهود والمنافقين على ثنية الوداع، واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة، وجاء واثلة بن الأسقع فبايعه ثم لحق به، فلما سار تخلف عبد الله، بن أبي ومن معه، وبقي نفر من المسلمين، منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وأبو خيثمة السالمي، وأبو ذر الغفاري فقدم تبوكاً في ثلاثين ألفاً من الناس، وكانت الخيل عشرة آلاف فرس، وكان على حرسه عباد بن بشير، ولقوا في الطريق شدة.
قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن ساعة العسرة، قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلن منزلاً أصابنا فيه عطش شديد ظننا أن رقابنا ستقطع حتى أن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تتقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع الله لنا، قال: " تحب ذلك " ، قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعها حتى قالت السماء فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
وفي هذه السفرة: اشتد بهم العطش ومعهم أداوة فيها ماء فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء ففاضت حتى روي العسكر وهم ثلاثون ألفاً، والإبل اثنا عشر ألفاً، والخيل عشرة آلاف.
وفيها: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر من أرض ثمود، واستقى الناس من أبيارهم فنهاهم.
قال ابن عمر: إن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر فاستسقوا من أبيارها وعجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من أبيارها وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من النهر التي كانت ترده الناقة.
أخرجاه في الصحيحين.
فصل قال علماء السير: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة، ولحقه أبو خيثمة وأبو ذر، وكان أبو خيثمة قد رجع من بعض الطريق، فوجد امرأتين له، قد هيأت كل واحدة منهما عريشاً وبردت فيه ماء وهيأت طعاماً، فوقف فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح وأبو خيثمة في ظلال وماء بارد، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. فلحقه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيداً، وكان هرقل يومئذ بحمص.
فصل


فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في أربع مائة وعشرين فارساً إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وكان أكيدر قد ملكهم وكان نصرانياً، فانتهى إليه خالد بن الوليد وقد خرج من حصنه في ليلة مقمرة إلى بقر يطاردها هو وأخوه حسان، فشدت عليه خيل خالد فاستأسر أكيدر، وامتنع أخوه حسان فقاتل حتى قتل وهرب من كان معه، فدخل الحصن وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفياً خالصاً، ثم قسم الغنائم، فأخرج الخمس ثم قسم ما بقي فقدم به وبأخيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم أكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له هدية وصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب لهما كتاباً فيه أمانهم.
وفي طريق رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من تبوك قال من قال من المنافقين: إنما كنا نخوض ونلعب.
وروى صالح عن ابن عباس: أن جد بن قيس، ووديعة بن خدام والجهير بن جمير كانوا يسيرون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك، فجعل رجلان منهم يستهزئان برسول الله صلى الله عليه وسلم والثالث يضحك مما يقولان ولا يتكلم بشيء، فنزل جبريل فأخبره بما يستهزئون به ويضحكون منه، فقال لعمار بن ياسر: " إذهب فسلهم عما كانوا يضحكون منه، وقل لهم أحرقكهم الله " ولما سألهم وقال لهم: أحرقكم الله، وعلموا أنه قد نزل فيهم قرآن، فأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الجهير: والله ما تكلمت بشيء وإنما ضحكت تعجباً من قولهم، فنزل قوله: " لا تعتذروا " - يعني جد بن قيس ووديعة - أن نعف عن طائفة منكم - يعني الجهير - نعذب طائفة " - يعني الجد ووديعة.
وفي طريق رجوعه من تبوك، قال: إن بالمدينة أقواماً.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: حدثنا الحسن بن معروف، قال: أخبرنا الحسن بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا حميد الطويل، عن أنس، قال: رجعنا من غزاة تبوك فلما دنونا من المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيرا ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم " ، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: " نعم حبسهم العذر " .
فصل فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في رمضان، وجاءه من تخلف فعذرهم واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب بن مالك وصاحبيه حتى نزلت توبتهم وجعل الناس يبيعون أسلحتهم ويقولون: قد انقطع الجهاد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم، وقال: " لا تزال طائفة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الرجال " .
فأما قصة كعب وصاحبيه


أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله، عن عمه محمد بن مسلم الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها لأنه إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أشهر في الناس منها وأذكر، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لأني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزاة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزاة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً فجلى للمسلمين أمره ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان، فقال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل، وأما النهار أصغر، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معه فأرجع ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى شمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئاً من جهازي، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً من جهازي، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارض الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم، وليت أني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفت فيهم يحزنني أن لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذره الله، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب بن مالك " ، قال رجل من بني سلمة: حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئسما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك


حضرني بثي فطفقت أتفكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه، غداً أستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً فأجمعت صدقه، وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال لي: " تعال " ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: " ما خلفك؟ ألم تكن قد استمر ظهرك؟ قال: فقلت: يا رسول الله، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم، بكذب ترضى به عني ليوشكن الله تبارك وتعالى يسخطك علي، ولئن حدثتك اليوم بصدق تجد علي فيه إني لأرجو قرة عيني عفواً من الله تعالى، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله تبارك وتعالى فيك " .
فقمت وبادرت رجالاً من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، لقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، ثم قال: والله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي. قال،: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم لقيه معك رجلان قالا ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: فقلت لهما: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فقلت: لي فيهما أسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي، قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، قال: وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكنا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه بعد الصلاة فأسلم فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا، ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا أطال على ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله، قال: فسكت، قال: فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي ونزلت حتى تسورت الحائط.
فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا بنبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك. قال: فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء، فدفع إلي كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً، فإذا فيه: أما بعد،. فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك.
قال فقلت حين قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء. قال: فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن هلالاً شيخ ضائر ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: " لا ولكن لا يقربنك " قالت: فإنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه


قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، قال: فقلت: والله لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب.
قال فلبثنا بعد ذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا. قال: ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تبارك وتعالى منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت الأرض بما رحبت، سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي يبشرون، وركض إلي رجل راكب فرساً، وسعى ساع من أسلم وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشارته، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ، فأستعرت ثوبين، فلبستهما فانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤني بالتوبة يقولون يهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره.
قال فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرق وجهه من السرور: ! " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله، قال: " لا بل من عند الله " . قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر حتى يعرف ذلك منه.
قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أتخلع من مالي صدقة إلى الله تعالى، وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك بعض مالك فهو خير لك " . قال: فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله إنما نجاني الله تعالى بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تبارك وتعالى، والله ما تعمدت كذباً منذ قلت ذلك لرسول الله: إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.
قال: وأنزل الله تبارك وتعالى: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليثوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " .
قال كعب: فوالله ما أنعم الله تبارك وتعالى علي من نعمة قط بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه، فإن الله تبارك وتعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد، فقال الله تعالى: " سيحلفون بالله لكم إذا انقبلتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى على القوم الفاسقين " .
قال: وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا فبايعهم واستغفر لهم فأرجئ رسول الله أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه، فبذلك قال الله تعالى: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا " وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
قال مؤلف الكتاب: أخرجاه في الصحيحين.
وقوله: " تفارض الغزو " ، أي: تقدم وتباعد، وربما قرأه من لا يعرف، فقال: " العدو " وأطل بالطاء ومعناه دنا، وقوله: " رجلين شهدا بدراً " ، وهم من الزهري، فإنهما لم يشهدا بدراً.
ومن الحوادث إسلام خريم بن أوس


ومن الحوادث بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إسلام خريم بن أوس وامتداح العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبياته المعروفة.
أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، قال: حدثني أبو الشيخ الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى بن عمر بن حصين، قال: حدثني عم أبي زحر بن حصين، عن جده حميد بن شهاب، قال: قال خريم بن أوس: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت عليه منصرفه من تبوك، فأسلمت، وسمعت العباس يقول: يا رسول الله. إني أريد أن أمتدحك " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل لا يفضض الله فاك " ، فأنشأ العباس رضي الله عنه يقول:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
حتى انتهى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك المضيا وفي ... النور لسبل الرشاد نخترق
ومن الحوادث فيها بعد مقدمه من تبوك
قدم عليه كتاب ملوك حمير بإسلامهم
فروى بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ورسولهم إليه بإسلامهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر؛ وبعث إليه زرعه بن ذي يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ومفارقتهم الشرك، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر أما بعد، فإني أحمد الله إليكم الله، الذي لا إله إلا هو، فإنه وقع إلينا رسولكم مقفلنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم وخبر ما قلتم، وأنبأنا بإسلامكم وإسلام من قبلكم من المشركين، وأن الله قد هداكم بهدايته، إن أصلحتم وأطعمتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله، وخمس نبيه وصفيه، وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة، ومن كان على يهوديته ونصرانيته فإنه لا يغير عنها وعليه الجزية.
أما بعد فإن رسول الله محمداً أرسل إلى زرعة بن ذي يزن أن إذا أتتكم رسلي فأوصيكم بهم خيراً: معاذ بن جبل، وعبد الله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن مالك، وأميرهم معاذ بن جبل، فلا يتقلبن إلا راضياً، ثم إن مالك بن مرة حدثني أنك قد، أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين فابشر بخير وآمرك بحمير خيراً.
وفي هذه السنة حج أبو بكر رضي الله عنه
بالناس في ذي الحجة
قاله محمد، وقال مجاهد: وافقت حجة أبي بكر ذي القعدة، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة، وذلك حين قال: " إن الزمان قد استدار كهئة يوم خلق الله السموات والأرض " وذلك أن العرب كانوا يستعملون النسيء فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة كلها، فوافقت حجة أبي بكر ذي القعدة.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الحج، فحج في ثلاثمائة رجل، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة، فلما كان بالعرج لحقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته القصواء، فقال أبو بكر: استعملك رسول الله على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده، فمضى أبو بكر فحج بالناس،. وقرأ علي رضي الله عنه براءة، وقال: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم رجعا قافلين إلى المدينة.


روى أبو سعيد الخدري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الموسم، وبعث بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في الطريق، فأخذ علي رضي الله عنه السورة والكلمات وكان يبلغ وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته.
فلما رجعا قال أبو بكر رضي الله عنه: ما لي هل نزل في شيء؟ قال: لا إلا خيراً، قال: وما ذاك؟ قال: إن علياً رضي الله عنه لحق بي فأخذ مني السورة والكلمات،. قال: أجل لم يكن يبلغها إلا أنا أو رجل مني.
وفيها أمر رسول الله بهدم مسجد الضرار
وذاك أنه لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فيه حسدهم أخوتهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه وليصلي أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، فأخبر الله عز وجل رسوله فأمر بهدمه وإحراقه.
وفيها رجم الغامدية
أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: إني كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من غامد، فقالت: يا نبي الله، إني قد زنيت وأنا أريد أن تطهرني، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجعي " . فلما أن كان من الغد أتته أيضاً فاعترفت عنده بالزنا، فقالت: يا رسول الله، إني زنيت وأنا أريد أن تطهرني، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجعي " ، فلما أن كان من الغد أتته أيضاً فاعترفت عنده بالزنا، فقالت: يا نبي الله، طهرني فلعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك، فوالله إني لحبلى، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجعي حتى تلدي " .
فلما ولدت جاءت بالصبي تحمله، فقالت: يا نبي الله، ها قد ولدت، قال: " فاذهبي فارضعيه حتى تفطميه " ، فلما فطمته جاءت بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: يا نبي الله، ها قد فطمته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فدفعه إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها حفيره فجعلت فيها إلى صدرها، ثم أمر الناس أن يرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجنة خالد فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: " مهلاً يا خالد بن الوليد، لا تسبها، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " فأمر بها فصلي عليها ودفنت.
وفيها لاعن رسول الله بين عويمر بن الحارث وبين امرأته
بعد العصر في مسجد النبي وكان قد قذفها بشريك بن سحماء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
النجاشي واسمه أصحمة وهو الذي هاجر إليه المسلمون وأسلم وله الأفعال الحميدة، والإعانة للمسلمين، وهو الذي أمهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته أم حبيبة، وتوفي في رجب هذه السنة.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا يحيى، عن مالك، قال: حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي اليوم الذي مات فيه، فخرج إلى المصلى، فصف أصحابه خلفه وكبر عليه أربعاً.
وروى أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور.
أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة فلما نزلت: " تبت يدا أبي لهب " ، قال أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها. فلم تزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت، فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان بن عفان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة، فماتت عنده في شعبان هذه السنة، فغلستها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وأم عطية، ونزل في حفرتها أبو طلحة.


أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أخبرنا أبو الحسن بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني فليح، عن هلال بن أسامة، عن أنس بن مالك، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالساً على قبرها، ورأيت عينيه تدمعان، فقال: " فيكم أحد لم يقارف الليلة " ؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله، قال: " إنزل " .
سهيل بن بيضاء قال المصنف: هي أمه، واسمها دعد بنت جحدم، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال، ويكنى أبا موسى.
شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وهو ابن أربعين سنة، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
وكان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وسهيل بن بيضاء.
عبد الله بن عبد نهم بن عفيف، ذو النجادين أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الحسن بن معروف، قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، عن أشياخه، قال: كان ذو النجادين يتيماً لا مال له، مات أبوه ولم يورثه شيئاً، فكفله عمه حتى أيسر، وكان له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه لأجل عمه حتى مضت السنون والمشاهد، فقال لعمه: يا عم، إني انتظرت إسلامك فلم أرك تريد محمداً، فأذن لي في الإسلام، فقال: والله لئن اتبعت محمداً لا أترك بيدك شيئاً كنت أعطيتكه إلا نزعته منك حتى ثوبيك، فقال: فأنا والله متبع محمداً وتارك عبادة الحجر والوثن، وهذا ما بيدي فخذه. فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره، فأتى أمه فقطعت له نجاداً لها باثنين، فأترز بواحدة، وارتدى الآخر، ثم أقبل إلى المدينة، وكان بروقان - وهو جبل من جبال مزينة - فاضطجع في المسجد في السحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، وكان يتصفح وجوه الناس إذا انصرف من الصبح، فنظر إليه فأنكره، فقال: " من أنت؟ " فانتسب له، وكان اسمه عبد العزى، فقال: " أنت عبد الله ذو النجادين " ، ثم قال: " انزل مني قريباً. فكان في أضيافه، ويعلمه القرآن حتى قرأ قرآناً كثيراً، وكان رجلاً صيتاً، فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته بالقراءة، فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن، قد منع الناس القراءة، فقال: " دعه يا عمر فإنه خرج مهاجراً إلى الله وإلى رسوله " .
ثم خرجوا إلى تبوك، قال ذو النجادين: يا رسول الله أدع الله لي بالشهادة أبغني لحا سمرة، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عضده، وقال: " اللهم إني أحرم دمه على الكفار " ، قال: يا رسول الله، ليس هذا أردت، قال: " إنك إذا خرجت غازياً في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتك دابتك فأنت شهيد ولا تبالي بأية كان " .
فلما نزلوا بتبوك أقاموا بها أياماً، فتوفي عبد الله، وكان بلال بن الحارث يقول: حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفاً بها، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " أدنيا إلي أخاكما " ، فلما هيأه لشقه في اللحد، قال: " اللهم قد أمسيت عنه راضياً فارض عنه " ، فقال ابن مسعود: يا ليتني صاحب هذا القبر.
عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد، وهو ابن سلول وسلول امرأة من خزاعة، وهي أم أبي بن مالك. كان عبد الله سيد الخزرج في جاهليتهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد جمعوا له خرزاً ليتوجوه فحسد ابن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافق، فاتضع شرفه وهو ابن خالة أبي عامر الراهب.
وكان لعبد الله من الولد، عبد الله، فأسلم وشهد بدراً، وكان معه خال أبيه وتثقل عليه صحبة المنافقين مرض عبد الله بن أبي عشرين يوماً بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، ومات في ذي القعدة، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهده وصلى عليه ووقف على قبره وعزى ابنه عبد الله عليه.
معاوية بن معاوية الليثي، ويقال المزني


أخبرنا ابن أبي طاهر، عن الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا الحسن بن معروف، قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت به فيما مضى، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا جبريل ما لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت به فيما مضى؟ " ، قال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه، قال: " وفيما ذاك؟ " قال: كان يكثر قراءة: " قل هو الله أحد " بالليل والنهار وفي ممشاه أو قائماً أو قاعداً، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض حتى تصلي عليه؟ قال: " نعم " . قال: فصلى عليه ثم رجع.
ثم دخلت
سنة عشر من الهجرة
فمن الحوادث فيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب
فروى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربيع الآخر - أو في جمادى الأولى - في سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثاً، فإن استجابوا لك فاقبل منهم، وعلمهم كتاب الله وسنة رسوله، ومعالم الإسلام، فإن لم يقبلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون الناس إلى الإسلام، ويقولون: يا أيها الناس أسلموا تسلموا. فأسلم الناس ودخلوا فيما دعاهم إليه، وأقام خالد فيهم وعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة رسوله، ثم كتب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام فإن أسلموا قبلت منهم، وإني قدمت عليهم ودعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام، وبثثت فيهم ركباناً: يا بني الحارث، أسلموا فتسلموا، فأسلموا وأنا مقيم أعلمهم معالم الإسلام.
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البسملة: " إلى خالد بن الوليد السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، فبشرهم وأنذرهم، واقبل منهم وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته " .
فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب وفيهم: قيس بن الحصين، فسلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " ، وأمر عليهم قيساً، فلم يمكثوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني الحارث بن كعب بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حرام الأنصاري يفقههم ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم.
قال الواقدي: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حرام عامله على نجران.
وفيها قدم وفد سلامان في شوال على رسول الله
صلى الله عليه وسلم


وأخبرنا محمد بن الباقي، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا الحسن بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن سهل بن أبي حثمة، قال: وجدت في كتب أبي أن حبيب بن عمرو السلاماني كان يحدث، قال: قدمنا وفد سلامان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة، فصادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجاً من المسجد إلى جنازة دعي إليها، فقلنا: السلام عليك يا رسول الله، فقال: " وعليكم، من أنتم؟ " ، قلنا: نحن من سلامان، قدمنا لنبايعك على الإسلام، ونحن على من وراءنا من قومنا، فالتفت إلى ثوبان غلامه، فقال: " أنزل هؤلاء الوفد حيث ينزل الولد " ، فلما صلى الظهر جلس بين المنبر وبيته، فتقدمنا إليه فسألناه عن أمر الصلاة وشرائع الإسلام، وعن الرقى وأسلمنا، وأعطى كل رجل منا خمس أواق، ورجعنا إلى بلادنا، وذلك في شوال سنة عشر.
وفيها قدم وفد محارب في حجة الوداع
على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن الباقي، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية، قال: أخبرنا الحسن بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن صالح، عن أبي وجزة السعدي، قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع وهم عشرة نفر: سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فأسلموا ولم يكن أحد قط أفظ ولا أغلظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في الوفد رجل منهم يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله الذي أبقاني حتى صدقت بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه القلوب بيد الله " ومسح وجه خزيمة بن سواء، فصارت له غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا.
وفيها قدم وفد الأزد
رأسهم صرد بن عبد الله الأزدي في بضعة عشر.
روى ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله فأسلم فأمره على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من أهل بيته من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن.
وفيها قدم وفد غسان ووفد عاملة
كلاهما في رمضان.
وفيها قدوم وفد زبيد على رسول الله
صلى الله عليه وسلم لإسلامهم
فروى ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم عمرو بن معدي كرب في أناس من بني زبيد فأسلموا، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو ثم عاد إلى الإسلام.
وفيها قدوم وفد عبد القيس
قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس، وكان نصرانياً فأسلموا.
وفيها قدم الأشعث بن قيس في وفد كندة
فأسلموا.
وفيها قدم وفد بني حنيفة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وفيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض علمائنا: أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ومعه عسيب من سعف النخل، في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك " .
وروى ابن إسحاق، عن شيخ من بني حنيفة، قال: كان حديث مسيلمة على غير هذا: أتى وفد بني حنيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه، وقالوا: إنا قد خلفنا صاحباً لنا في رحالنا يحفظها لنا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به القوم، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وادعى النبوة.
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي خبره إن شاء الله تعالى.
وفيها قدم وفد بجيلة.


أخبرنا محمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا الحسن بن معروف، قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: قدم جرير بن عبد الله البجلي سنة عشر ومعه من قومه مائة وخمسون رجلاً، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك " . فطلع جرير على راحلته ومعه قومه فأسلموا وبايعوا.
قال جرير: فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعني وقال: " على أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتنصح للمسلمين، وتطيع الوالي وإن كان عبداً حبشياً " فقال: نعم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عما وراءه، فقال: يا رسول الله، قد أظهر الله الإسلام، وأظهر الله الإسلام، والآذان في مساجدهم وساحاتهم وهدمت القبائل أصنامها التي كانت تعبد، قال: " فما فعل ذو الخلصة؟ " قال: هو على حاله، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هدم ذي الخلصة وعقد له لواء، فقال: إني لا أثبت على الخيل، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: " اللهم اجعله هادياً مهدياً " فخرج في قومه وهم زهاء مائتين، فما أطال الغيبة حتى رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهدمته؟ " قال: نعم، والذي بعثك بالحق، وأحرقته بالنار، فتركته كما يسوء أهله، فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على خيل أحمس ورجالها.