سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 8
سير أعلام النبلاء
الذهبي ج 8
(8/)
سير اعلام النبلاء الجزء الثامن
(8/1)
جميع الحقوق محفوظة لموسسة الرسالة ولا يحق لاية جهة أن
تطبع أو تعطي حق الطبع لاحد.
سواء كان مؤسسة رسمية أو افرازا الطبعة التاسعة 1413 ه -
1993 م موسسة الرسالة بيروت - شارع سوريا - بناية صمدي
وصالحة هاتف 319039 - 815112 - ص.
ب.
7460 برقيا.
بيوشران
(8/2)
سير أعلام النبلاء تصنيف الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبي المتوفى 748 ه 1374 م الجزء الثامن أشرف على
تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه شعيب الارنؤوط حقق هذا الجزء
نذير حمدان مؤسسة الرسالة
(8/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(8/4)
1 - يحيى بن أيوب * (ع)
الامام المحدث العالم الشهير أبو العباس الغافقي المصري،
ينسب في عداد موالي مروان بن الحكم.
حدث عن: يزيد بن أبي حبيب، وأبي قبيل حيي بن هانئ، وجعفر
ابن ربيعة، وعبيدالله بن أبي جعفر، وعبد الله بن طاووس،
وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن دينار، وعمارة
بن غزية، وإسماعيل بن أمية، وبكر بن عمرو، وربيعة الرأي،
وزبان (1) بن فائد، وزيد بن جبيرة، وسهل ابن معاذ الجهني،
وعقيل بن خالد، وأبي الاسود محمد بن عبدالرحمن، وموسى بن
عقبة، ويحيى بن سعيد، وعياش بن عباس القتباني (2)، وكعب
ابن علقمة، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وحميد الطويل،
وهشام بن حسان، وعبد الرحمن بن حرملة، وعبيدالله بن زحر،
وأبي حازم الاعرج،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 516، طبقات خليفة: 296، التاريخ
الكبير للبخاري: 8 / 260، مشاهير علماء الامصار: ت (1528):
190، الضعفاء للعقيلي: 3 / 243، الجرح والتعديل: 9 / 127،
الكامل لابن عدي: 2 / 421، تهذيب الكمال: 1493، تذكرة
الحفاظ: 1 / 228 277، ميزان الاعتدال: 4 / 362، العبر
للذهبي: 1 / 243، تهذيب التهذيب: 11 / 186، خلاصة تذهيب
الكمال: 362، الضعفاء والمتروكين: 108، الكاشف 3 / 250،
تذهيب التهذيب 4 / 149 / 1، المغني 2 / 731، حسن المحاضرة
1 / 300، طبقات الحفاظ: 96.
(1) في الاصل: زياد، وهو خطأ.
(2) القتباني: بكسر القاف، نسبة إلى قتبان: موضع في نواحي
عدن باليمن.
(*)
(8/5)
وصالح بن كيسان، وعبد الله بن سليمان الطويل، وابن عجلان،
وأبي حنيفة، وموسى بن علي، وعمرو بن الحارث، ومالك، وخلق
كثير.
حدث عنه: الليث بن سعد، وهو من أقرانه، وجرير بن حازم، وهو
أكبر منه، وابن جرير أحد شيوخه، وابن المبارك، وابن وهب،
وموسى بن أعين، وإسحاق بن الفرات، وأشهب بن عبد العزيز،
وزيد بن الحباب، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وعبد
الله بن صالح الكاتب، وأبو عبدالرحمن المقرئ، وعمرو بن
الربيع بن طارق، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: هو دون حيوة، وسعيد بن أبي أيوب هو سيئ
الحفظ.
وروى إسحاق الكوسج عن ابن معين: ثقة، وقال مرة: صالح.
وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من عبدالرحمن بن أبي الموال،
ومحله الصدق، ولا يحتج به.
وقال أبو عبيد الآجري: قلت لابي داود: يحيى بن أيوب ثقة ؟
قال: هو صالح.
وقال النسائي: ليس به بأس، وقال مرة: ليس بالقوي.
قلت: له غرائب ومناكير، يتجنبها أرباب الصحاح، وينقون
حديثه، وهو حسن الحديث.
وقال أبو سعيد بن يونس: كان أحد الطلابين للعلم، حدث عن
أهل مكة، والمدينة والشام، ومصر، والعراق، وحدث عنه
الغرباء بأحاديث ليست عند أهل مصر عنه، فحدث عنه يحيى بن
إسحاق، عن يزيد بن أبي
(8/6)
حبيب، عن ربيعة بن لقيط، عن ابن حوالة: " من نجا من
ثلاث.." (1) فليس هذا بمصر من حديث يحيى.
وروي عنه: أيضا عن يزيد، عن ابن شماسة، عن زيد بن ثابت: "
طوبى للشام.." (2) مرفوعا.
وما هو بمصر من حديث يحيى بن أيوب.
وأحاديث جرير بن حازم، عن يحيى بن أيوب ليس عند المصريين
منها حديث، وهي تشبه عندي أن تكون من حديث ابن لهيعة،
والله أعلم.
ورى زيد بن الحباب، عن يحيى بن أيوب، عن عياش بن عباس، عن
أبي الحصين حديث أبي ريحانة: " نهى عن الوشر، والوشم.."
(3)، وليس هذا بمصر إلا من حديث ابن لهيعة،
__________
(1) أخرجه أحمد في " المسند " 4 / 105 من طريق يحيى بن
إسحاق، عن يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن
ربيعة بن لقيط، عن عبد الله بن حوالة، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات:
موتي والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه " وسنده قوي.
(2) أخرجه أحمد في " المسند " 5 / 184، والترمذي (3949) من
طريق يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة، عن زيد بن ثابت قال:
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حين قال:
" طوبى للشام، طوبى للشام " قلت: ما بال الشام ؟ قال: "
الملائكة باسطو أجنحتها على الشام " وسنده جيد.
(3) أخرجه أحمد 4 / 134 من طريق زيد بن الحباب، حدثني يحيى
بن أيوب، عن عياش ابن عباس الحميري، عن أبي حصين الحجري،
عن عامر الحجري، عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه كره عشر خصال.
الوشر، والنتف، والوشم، ومكامعة الرجل الرجل، والمرأة
المرأة
ليس بينهما ثوب، والنهبة، وركوب النمور، واتخاذ الديباج ها
هنا وها هنا أسفل في الثياب والمناكب، والخاتم إلا لذي
سلطان.
وأخرجه أبو داود (4039)، والنسائي 8 / 143 من طريق المفضل
بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، عن أبي الحصين الهيثم
بن شفي، وعامر الحجري، ويقال: أبو عامر الحجري مجهول.
والوشر: معالجة الاسنان بما يحددها، والمكامعة: المضاجعة.
(*)
(8/7)
والمفضل، وحيوة، وعبد الله بن سويد، عن عياش بن عباس.
وقال العقيلي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا ابن علي، سمعت
ابن أبي مريم، قال: حدثت مالكا بحديث حدثنا به يحيى بن
أيوب، عنه فسألته عنه فقال: كذب.
وحدثته بآخر، فقال: كذب.
وقال الخضر بن داود: حدثنا أحمد بن محمد، سمعت أبا عبد
الله يعني أحمد بن حنبل سئل عن يحيى بن أيوب المصري، فقال:
كان يحدث من حفظه، وكان لا بأس به، وكأنه ذكر الوهم في
حفظه، فذكرت له من حديثه عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن
عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في
الوتر..فقال: هاء، من يحتمل هذا ؟.
قال العقيلي: وهذا حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثنا سعيد
بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن
عمرة، عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في
الركعة الاولى من الوتر ب (سبح) وفي الثانية: ب (قل يا
أيها الكافرون)، وفي الثالثة: ب (قل هو الله أحد)، و (قل
أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) (1).
قال العقيلي: أما المعوذتين فلا تصح.
قال أبو أحمد بن عدي (2): هو من فقهاء مصر وعلمائهم،
ويقال:
__________
(1) الضعفاء 3 / 459، وإسناده قوي، وأخرجه الحاكم في "
المستدرك " 1 / 305 من طريق سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن
أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة..وصححه، ووافقه
الذهبي، وأخرجه أبو داود (1424)، والترمذي (463) من طريق
إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن سلمة الحراني، عن
خصيف، عن عبد العزيز ابن جريج قال: سألت عائشة..وعبد
العزيز بن جريج لين، ولم يسمع من عائشة، وأخطأ خصيف، فصرح
بسماعه، لكن الحديث قوي بالطريق المتقدمة.
(2) الكامل: 2 / 421.
(*)
(8/8)
كان قاضيا بها، وهو عندي صدوق.
ومن غرائبه ما رواه سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب،
حدثني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " لا تعلموا العلم لتباهوا به
العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس،
فمن فعل ذلك، فالنار النار " (1).
قال: فهذا معروف بيحيى ابن أيوب.
قال سعيد بن عفير، وأبو سعيد بن يونس: توفي سنة ثمان وستين
ومئة.
احتج به الائمة الستة في كتبهم، لكن أخرجه له البخاري
مقرونا بغيره حديثين.
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا يعيش بن علي (ح) (2)
وأخبرنا سنقر الزيني، أخبرنا علي بن أبي الفتح الكناري
بحلب سنة خمس وعشرين، قالا: أخبرنا عبد الله بن أحمد
الخطيب، أخبرنا منصور بن بكر ابن محمد بن علي بن حيد،
أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن حيد، سنة تسع
عشرة وأربع مئة، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الاصم،
أخبرنا محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا إسحاق بن
الفرات، عن يحيى بن أيوب، قال: قال يحيى بن سعيد: أخبرني
نافع أن عبد الله بن عمر، كان
__________
(1) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه (254) في المقدمة: باب
الانتفاع بالعلم والعمل به، ورجاله ثقات، كما قال البوصيري
في " مصباح الزجاجة " ورقة 20، وصححه ابن حبان (90)،
والحاكم 1 / 86، وأقره الذهبي، وله شاهد عند ابن ماجة
(259) من حديث بشير بن ميمون، عن أشعث بن سوار، عن ابن
سيرين، عن حذيفة، وسنده ضعيف، وآخر من حديث كعب بن مالك
عند الحاكم 1 / 86، فيتقوى بهما.
(2) هذا الرمز إشارة إلى تحويل السند.
(*)
(8/9)
إذا صلى الجمعة، انصرف فصلى سجدتين في بيته، ثم يقول: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك (1).
2 - يحيى بن أيوب * (د، ت) ابن
أبي زرعة ، بن عمرو، بن جرير، بن عبد الله، البجلي
الكوفي.
حدث عن: جده أبي زرعة، والشعبي.
وعنه: ابن المبارك، وأبو أسامة، وأبو أحمد الزبيري،
والفريابي، وعبد الله بن رجاء الغداني.
قال يحيى بن معين: ليس به بأس، وقال مرة: ضعيف، وقال في
رواية عثمان الدارمي: ليس بشئ.
قلت: بقي إلى نحو سنة ستين ومئة.
ذكرناه للتمييز من الذي قبله، وهو أخو جرير بن أيوب أحد
الضعفاء.
3 - مهدي بن ميمون * *
(ع)
الامام الحافظ الثقة أبويحيى، الكردي الازدي، ثم المعولي،
__________
(1) إسناده قوي، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (882) في
الجمعة: باب الصلاة بعد الجمعة، من طريق قتيبة، عن ليث، عن
نافع، عن ابن عمر.
* التاريخ الكبير للبخاري: 8 / 260، الضعفاء للعقيلي: 458،
الجرح والتعديل: 9 / 127، تهذيب الكمال: 1493، ميزان
الاعتدال: 4 / 362، تهذيب التهذيب: 11 / 186، خلاصة تذهيب
الكمال: 362، الكاشف 3 / 250، تذهيب التهذيب 4 / 149 / 1،
المغني 2 / 730.
* * الطبقات الكبرى 7 / 280، طبقات خليفة: 223، التاريخ
الكبير 7 / 425، الجرح والتعديل 8 / 335، تهذيب الكمال
1382، تذكرة الحفاظ 1 / 243، 244، العبر 1 / 262، تذهيب
التهذيب 4 / 75 / 1، تهذيب التهذيب 10 / 326، طبقات
الحفاظ: 103، خلاصة تذهيب الكمال 333، شذرات الذهب 1 /
281، الكاشف 3 / 179، طبقات القراء 2 / 316.
(*)
(8/10)
مولاهم البصري، أحد الاثبات المعمرين.
حدث عن: أبي رجاء العطاردي، ومحمد بن سيرين، والحسن
البصري، وغيلان بن جرير، وأبي الوازع جابر بن عمرو
الراسبي، وواصل الاحدب، وواصل مولى أبي عيينة، وعدة.
وقرأ القرآن على شعيب بن الحبحاب، عرض عليه الختمة يعقوب
الحضرمي، فهو من كبار مشيخته في القراءات.
وحدث عنه: يحيى القطان، وابن مهدي، وعارم، وأبو الوليد،
ومسدد، وموسى بن إسماعيل، وهدبة، وعبد الله بن محمد بن
أسماء، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وآخرون، وحدث عنه من
رفقائه هشام بن حسان.
وثقه شعبة وأحمد بن حنبل.
قال ابن سعد: كان كرديا، مات في سنة اثنتين وسبعين ومئة.
4 - عبد الله بن لهيعة
* (د، ت، ق) ابن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان، القاضي،
الامام، العلامة،
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 516، تاريخ خليفة 1 / 137 و 2 / 714،
التاريخ الكبير 5 / 182، التاريخ الصغير: 200، المعارف:
221، الضعفاء للعقيلي: 218، 219، الجرح والتعديل 8 / 335،
كتاب المجروحين 2 / 10، الولاة والقضاة 368، الكامل لابن
عدي 211، تهذيب الاسماء واللغات 1 / 283، وفيات الاعيان 3
/ 38، 39، تهذيب الكمال 728، 730، تذكرة الحفاظ 1 / 237،
ميزان الاعتدال 2 / 475، تذهيب التهذيب 2 / 176 / 1، العبر
1 / 264، 265، شرح علل الترمذي 1 / 136، 139، تهذيب
التهذيب 5 / 373، رفع الاصر 287، خلاصة تذهيب الكمال 211،
شذرات الذهب 1 / 283، 284، الضعفاء الصغير: 66، الكاشف 2 /
122، الضعفاء والمتروكين: 65، حسن المحاضرة: 1 / 301،
المغني 1 / 352.
(*)
(8/11)
محدث ديار مصر مع الليث، أبو عبد الرحمن الحضرمي، الاعدولي
(1)، ويقال: الغافقي، المصري، ويقال: يكنى أبا النضر، ولم
يصح.
ولد سنة خمس أو ست وتسعين.
وطلب العلم في صباه، ولقي الكبار بمصر، والحرمين.
وسمع من عبدالرحمن بن هرمز الاعرج، صاحب أبي هريرة، ومن
موسى بن وردان، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شعيب، وعمرو
بن دينار، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي وهب الجيشاني، ومشرح بن
هاعان، وعبيدالله ابن أبي جعفر، وعكرمة مولى ابن عباس، إن
صح ذلك، وكعب بن علقمة،
وقيس بن الحجاج، وأبي الاسود محمد بن عبدالرحمن يتيم عروة
(2)، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزبير، ويزيد بن عمرو
المعافري، وأبي يونس مولى أبي هريرة، وأبي عشانة المعافري،
وأبي قبيل المعافري، وأحمد بن خازم المعافري، وبكر بن عمرو
المعافري، وشرحبيل بن شريك المعافري، وعامر بن يحيى
المعافري، وبكير بن الاشج، وجعفر بن ربيعة، ودراج أبي
السمح، وعقيل بن خالد، وعمرو بن جابر الحضرمي، وخلق كثير.
وعنه: حفيده أحمد بن عيسى بن عبد الله، وعمرو بن الحارث،
والاوزاعي، وشعبة، والثوري، وماتوا قبله، والليث بن سعد،
ومالك ولم يصرح باسمه وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وابن
وهب، وأشهب، وزيد بن الحباب، وأبو عبد الرحمن المقرئ،
ومروان بن محمد، وبشر بن عمر الزهراني، والحسن بن موسى
الاشيب، وأسد بن
__________
(1) بضم الهمزة وسكون العين وضم الدال: نسبة إلى أعدول:
بطن من الحضارمة.
(2) لقب بذلك: لان أباه كان أوصى به إلى عروة.
(*)
(8/12)
موسى، وإسحاق بن عيسى بن الطباع، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد
بن عفير، وعثمان بن صالح، والنضر بن عبد الجبار، ويحيى بن
إسحاق، ويحيى بن بكير، وحسان بن عبد الله الواسطي، وأبو
صالح الكاتب، والقعنبي، وعمرو بن خالد، وكامل بن طلحة،
وقتيبة بن سعيد، ومحمد ابن رمح، ومحمد بن الحارث، صدرة،
وخلق كثير، خاتمتهم: ابن رمح.
وكان من بحور العلم على لين في حديثه.
قال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيا.
قلت: لقي جماعة من أصحاب أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو،
وعقبة بن عامر.
قال أحمد بن حنبل: من كان مثل ابن لهيعة بمصر، في كثرة
حديثه، وضبطه، وإتقانه ! ؟ حدثني إسحاق بن عيسى أنه لقيه
في سنة أربع وستين، وأن كتبه احترقت سنة تسع وستين ومئة.
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان محدث مصر
إلا ابن لهيعة.
وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلابا
للعلم.
وقال زيد بن الحباب: قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة
الاصول، وعندنا الفروع.
وقال عثمان بن صالح السهمي: احترقت دار ابن لهيعة، وكتبه،
وسلمت أصوله، كتبت كتاب عمارة بن غزية من أصله.
(8/13)
ولما مات ابن لهيعة قال الليث: ما خلف مثله.
لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية، هو والليث
معا، كما كان الامام مالك في ذلك العصر عالم المدينة،
والاوزاعي عالم الشام، ومعمر عالم اليمن، وشعبة والثوري
عالما العراق، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان، ولكن ابن
لهيعة تهاون بالاتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة
الاحتجاج به عندهم.
وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد، والاعتبارات،
والزهد والملاحم (1)، لا في الاصول (2).
وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب تلك
المناكير، فإنه عدل في نفسه.
وقد ولي قضاء الاقليم في دولة المنصور دون السنة، وصرف.
أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته، وأخرج له أبو داود،
والترمذي، والقزويني.
وما رواه عنه ابن وهب، والمقرئ، والقدماء، فهو أجود (3).
__________
(1) الشواهد: أحاديث رويت بمعناها من طريق آخر، عن صحابي
آخر، يقال: روى الحديث الفلاني، وله شاهد من رواية فلان.
والاعتبارات: أن يعمد الباحث إلى حديث، فيعنى به، ويبحث عن
طرقه، فينظر: هل رواه راو آخر بلفظه أو معناه، والملاحم:
الاحاديث التي رويت في المغازي.
(2) قال الحافظ ابن كثير في " الباعث الحثيث " 63، 64:
ويغتفر في باب " الشواهد والمتابعات " من الرواية عن
الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الاصول كما يقع في "
الصحيحين " وغيرهما مثل ذلك، ولهذا يقول الدار قطني في بعض
الضعفاء: يصلح للاعتبار، أو لا يصلح أن يعتبر به.
(3) وقال عبد الغني بن سعيد الازدي: إذا روى العبادلة عن
ابن لهيعة، فهو صحيح: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن
وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ.
(*)
(8/14)
وقع لي من عوالي حديثه.
وكان يحيى بن سعيد القطان لا يراه شيئا.
قاله علي بن المديني، ثم قال علي: سمعت عبدالرحمن بن مهدي،
وقيل له: تحمل عن عبد الله بن بزيد القصير عن ابن لهيعة ؟
فقال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيرا، ثم قال
عبدالرحمن: كتب إلي ابن لهيعة كتابا فيه: حدثنا عمرو بن
شعيب،
فقرأته على ابن المبارك، فأخرج إلي ابن المبارك من كتابه
عن ابن لهيعة، قال: أخبرني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن
شعيب (1).
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: ما أعتد بشئ سمعت
من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.
وقال أحمد بن حنبل: كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن
الصباح، عن عمرو بن شعيب، وكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه.
وكان الليث أكبر منه بسنتين.
روى يعقوب الفسوي، عن سعيد بن أبي مريم، قال: كان حيوة بن
شريح أوصى إلى رجل، وصارت كتبه عنده، وكان لا يتقي الله،
يذهب فيكتب من كتب حيوة الشيوخ الذين شاركه فيهم ابن
ليهعة، ثم يحمل إليه، فيقرأ عليهم، وحضرت ابن لهيعة، وقد
جاءه قوم حجوا يسلمون عليه، فقال هل كتبتم حديثا طريفا ؟
فجعلوا يذاكرونه، حتى قال بعضهم: حدثنا القاسم العمري، عن
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه
وسلم، قال: " إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه
".
فقال: هذا حديث
__________
(1) أي أن ابن ليهعة أسقط من الاسناد إسحاق بن أبي فروة
وهو متروك - في كتابه إلى عبد الرحمن مع أن ابن المبارك
رواه عن ابن ليهعة، عن إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن
شعيب.
وهذا يبين لك صحة مقالة عبد الغني الازدي في التعليق
السابق.
(*)
(8/15)
طريف.
قال: فكان يقول: حدثنا به صاحبنا فلان، فلما طال ذلك نسي
الشيخ، فكان يقرأ عليه، ويرويه عن عمرو بن شعيب (1).
ميمون بن إصبغ: سمعت ابن أبي مريم يقول: حدثنا القاسم بن
عبد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب بحديث الحريق.
ثم قال سعيد: هذا
سمعه ابن ليهعة من زياد بن يونس الحضرمي، عن القاسم، فكان
ابن لهيعة يستحسنه.
ثم إنه بعد قال: إنه يرويه عن عمرو بن شعيب.
وقال يحيى بن بكير: قيل لابن لهيعة: إن ابن وهب يزعم أنك
لم تسمع هذه الاحاديث من عمرو بن شعيب، فضاق ابن لهيعة،
وقال: وما يدري ابن وهب ؟ سمعت هذه الاحاديث من عمرو قبل
أن يلتقي أبواه.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة
بحجة، وإني لاكتبه، أعتبر به، وهو يقوى بعضه ببعض.
أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، قال لي ابن أبي مريم: لم
تحترق كتب ابن لهيعة ولا كتاب، إنما أرادوا أن يعفو عليه
أمير (2) فأرسل إليه أمير بخمس مئة دينار.
وسمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب
ابن
__________
(1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 185، والقاسم العمري: هو
القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري، قال
الامام أحمد: ليس بشئ كان يكذب ويضع الحديث، وقال يحيى:
ليس بشئ، وقال مرة: كذاب، وقال أبو حاتم، والنسائي: متروك،
وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: سكتوا عنه.
والحديث في " الضعفاء " للعقيلي 911، وفي " عمل اليوم
والليلة " رقم (295) و (296) و (297) لابن السني، وفي "
الكامل " لابن عدي من طرق ضعيفة جدا عن عمرو بن شعيب.
(2) في الاصل: " يعفو " بدون " أن " واستدركت من " تذهيب
التهذيب " للمؤلف، والنص في " تهذيب الكمال ": " إنما
أرادوا أن يقفوا عليه، فأرسل ".
(*)
(8/16)
أخيه، أو كتب ابن وهب، إلا ما كان من حديث الاعرج.
جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول:
قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح، فقلت:
لانا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة.
قال أبو صالح الحراني: قال لي ابن لهيعة: ما تركت ليزيد
(1) بن أبي حبيب حرفا.
قال عثمان بن صالح السهمي، عن إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر،
قال: أنا حملت رسالة الليث إلى مالك، وأخذت جوابها، فكان
مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فقال: ليس يذكر
الحج ؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد السماع منه.
قال الثوري: حججت حججا لالقى ابن لهيعة.
وقال محمد بن معاوية: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: وددت
أني سمعت من ابن لهيعة خمس مئة حديث، وأني غرمت مودى، كأنه
يعني دية.
أبو الطاهر بن السرح، سمعت ابن وهب يقول: حدثني والله
الصادق البار عبد الله بن لهيعة، قال أبو الطاهر: فما
سمعته يحلف بهذا قط (2).
وروى حنبل عن أبي عبد الله، قال: ابن لهيعة أجود قراءة
لكتبه من ابن وهب.
__________
(1) في الاصل " زيد " وهو خطأ.
(2) " الكامل " لابن عدي: 3 / 211 / 1.
(*)
(8/17)
قال أبو داود عن أحمد: ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة.
البخاري عن يحيى بن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في
سنة سبعين.
قلت: الظاهر أنه لم يحترق إلا بعض أصوله.
يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن صالح يقول: ابن لهيعة صحيح
الكتاب، كان أخرج كتبه، فأملى على الناس حتى كتبوا حديثه
إملاء، فمن ضبط كان حديثه حسنا صحيحا، إلا أنه كان يحضر من
يضبط ويحسن، [ ويحضر ] قوم يكتبون ولا يضبطون ولا يصححون،
وآخرون نظارة، وآخرون سمعوا مع آخرين، ثم لم يخرج ابن
لهيعة بعد ذلك كتابا، ولم ير له كتاب.
وكان من أراد السماع منه ذهب فاستنسخ ممن كتب عنه، وجاءه
فقرأه عليه، فمن وقع على نسخة صحيحة فحديثه صحيح، ومن كتب
من نسخة لم تضبط جاء فيه خلل كثير.
ثم ذهب قوم، فكل من روى عنه عن عطاء بن أبي رباح فإنه سمع
من عطاء، وروى عن رجل عنه وعن رجل عن آخر عنه، وعن ثلاثة
عن عطاء.
قال: فتركوا من بينه وبين عطاء وجعلوه عن عطاء (1).
قال يعقوب: كتبت عن ابن رمح كتابا، عن ابن لهيعة، وكان فيه
نحو مما وصف أحمد بن صالح، فقال: هذا وقع على رجل ضبط
إملاء ابن لهيعة.
فقلت له في حديث ابن لهيعة ؟ فقال: لم تعرف مذهبي في
الرجال.
إني أذهب إلى أنه لا يترك حديث محدث حتى يجتمع أهل مصره
على ترك حديثه (2).
__________
(1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 434.
(2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 435.
(*)
(8/18)
وسمعت أحمد بن صالح يقول: كتبت حديث ابن لهيعة عن أبي
الاسود في الرق، وكنت أكتب عن أصحابنا في القراطيس،
وأستخير الله فيه.
فكتبت حديث النضر بن عبد الجبار في الرق، قال: فذكرت له
سماع
القديم وسماع الحديث، فقال: كان ابن لهيعة طلابا للعلم،
صحيح الكتاب.
قال: وظننت أن أبا الاسود كتب من كتاب صحيح، فحديثه صحيح
يشبه حديث أهل العلم (1).
إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول:
ابن لهيعة أمثل من رشدين بن سعد، وقد كتبت حديث ابن لهيعة.
قال أهل مصر: ما احترق له كتاب قط، وما زال ابن وهب يكتب
عنه حتى مات.
وكان النضر بن عبد الجبار راوية عنه، وكان شيخ صدق، وكان
ابن أبي مريم سيئ الرأي في ابن لهيعة، فلما كتبوها عنه،
وسألوه عنها، سكت عن ابن لهيعة.
قلت ليحيى: فسماع القدماء والآخرين منه سواء ؟ قال: نعم،
سواء واحد.
قال الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في " التاريخ ": قدم
ابن لهيعة الشام غازيا مع صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين
ومئة، واجتاز بساحل دمشق أو بها، حكاه القطربلي (2) عن
الواقدي.
__________
(1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 184، وبين قوله: صحيح
الكتاب، وقوله: قال وظننت..كلام يقع في ثمانية أسطر، أسقطه
المؤلف لانه بمعنى النص الذي أورده قبل.
(2) ضبطها السمعاني في " الانساب " وابن الاثير في "
اللباب " بضم القاف، وسكون الطاء، وضم الراء، والباء
الموحدة، وفي آخرها اللام، قال السمعاني: هذه النسبة إلى =
(*)
(8/19)
وقال ابن بكير: ولد سنة ست وتسعين.
وتفرد نوح بن حبيب بأن كنيته: أبو النضر.
وقال ابن سعد (1): ابن لهيعة حضرمي من أنفسهم، كان ضعيفا،
وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالا.
وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، لكنه كان يقرأ عليه ما
ليس من حديثه، فيسكت عليه.
فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي ؟ إنما يجيئون بكتاب
يقرؤونه ويقومون، ولو سألوني لاخبرتهم أنه ليس من
حديثي..إلى أن قال: ومات بمصر في نصف ربيع الاول سنة أربع
وسبعين ومئة.
قال مسلم بن الحجاج: ابن لهيعة تركه وكيع ويحيى وابن مهدي.
وقال ابن يونس: مولده سنة سبع وتسعين.
ورأيته في ديوان حضرموت بمصر، فيمن دعي به سنة ست وعشرين
ومئة في أربعين من العطاء.
قال ابن وهب: حديث " لو أن القرآن في إهاب، ما مسته النار
" ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط (2).
__________
= قطربل: وهي قرية من قرى بغداد.
أما ياقوت، فقد ضبطها في " معجمه " بضم القاف، وسكون
الطاء، وفتح الراء، وتشديد الباء المضمومة.
(1) 7 / 516 2) " الضعفاء " للعقيلي 220 / 1، والحديث
أخرجه أحمد 4 / 51، والدارمي من طريق أبي سعيد، حدثنا ابن
لهيعة، حدثنا مشرح، قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن القرآن جعل في إهاب،
ثم ألقي في النار ما احترق " وذكره الهيثمي في " مجمع
الزوائد " 7 / 158، ونسبه لاحمد، وأبي يعلى، والطبراني،
وأعله بابن لهيعة، وأخرجه الدارمي 2 / 430 من طريق عبد
الله بن يزيد، عن ابن لهيعة، عن مشرح، عن عقبة بن عامر.
وعبد الله بن يزيد سمع من ابن لهيعة قبل أن يختلط، فحديثه
عنه قوي، وفي الباب عن عصمة بن مالك عند الطبراني، وفي
سنده الفضل بن المختار، وهو ضعيف، قال ابن عدي: أحاديثه
منكرة، عامتها لا يتابع عليها، وعن سهل بن سعد عند
الطبراني، وفيه عبد الوهاب بن الضحاك، = (*)
(8/20)
وقال أبو حفص الفلاس: من كتب عن ابن لهيعة قبل احتراق
كتبه، فهو أصح، كابن المبارك، والمقرئ (1).
وهو ضعيف الحديث.
وقال إسحاق بن عيسى: ما احترقت أصوله، إنما احترق بعض ما
كان يقرأ منه.
يريد ما نسخ منها.
ابن عدي (2): حدثنا موسى بن العباس، حدثنا أبو حاتم، سمعت
سعيد بن أبي مريم يقول: رأيت ابن لهيعة يعرض ناس عليه
أحاديث من أحاديث العراقيين: منصور، وأبي إسحاق، والاعمش،
وغيرهم، فأجازه لهم.
فقلت: يا أبا عبدالرحمن ليس هذه من حديثك.
قال: هي أحاديث مرت على مسامعي.
ورواها ابن أبي حاتم عن أبيه.
وروى الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قال: من كتب عن ابن
لهيعة قديما فسماعه صحيح.
قلت: لانه لم يكن بعد تساهل، وكان أمره مضبوطا، فأفسد
نفسه.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال عبدالرحمن بن خراش: لا يكتب حديثه.
وقال أبو زرعة: لا يحتج به، قيل: فسماع القدماء ؟ قال:
أوله وآخره سواء، إلا أن ابن وهب وابن المبارك كانا
يتتبعان أصوله يكتبان منها.
عباس، عن يحيى بن معين قال: ابن لهيعة لا يحتج به.
__________
= وهو متروك، وبعضهم اتهمه.
والاهاب: الجلدة.
قال التوربشتي: ومعنى الحديث: لو قدر أن يكون القرآن في
إهاب ما مسته النار ببركة مجاورته للقرآن، فكيف بمؤمن تولى
حفظه، والمواظبة عليه، والمراد نار الله الموقدة، المميزة
بين الحق والباطل.
(1) هو عبد الله بن يزيد.
(2) " الكامل " 211 / 1.
(*)
(8/21)
قال ابن عدي (1): أحاديثه أحاديث حسان مع ما قد ضعفوه،
فيكتب حديثه وقد حدث عنه مالك، وشعبة، والليث.
قال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت قتيبة يقول: حضرت موت ابن
لهيعة، فسمعت الليث يقول: ما خلف بعده مثله.
محمد بن قدامة، حدثنا زيد بن الحباب، عن شعبة، عن ابن
لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم، وسالم، في الامة
تصلي يدركها العتق ؟ قالا: تقنع، وتمضي في صلاتها (2).
وفي " الموطأ ": بلغني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان " (3).
قالوا: هذا ما رواه عن عمرو سوى ابن لهيعة (4).
عبدالملك بن شعيب بن الليث، حدثنا أبي، حدثني الليث، حدثني
ابن لهيعة، عن الاعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " من أصبح صائما فنسي، فأكل وشرب،
فالله أطعمه وسقاه " (5).
__________
(1) في " الكامل " 211 / 2.
(2) " الكامل " 212 / 2.
(3) " الموطأ " 2 / 128 في البيوع: باب ما جاء في بيع
العربان، وأخرجه أبو داود (3502) في البيوع: باب في
العربان، وابن ماجة (2192) في التجارات.
باب بيع العربان، وابن عدي في " الكامل " 212 / 2.
والعربان: هو أن يشتري السلعة، ويدفع إلى صاحبها شيئا على
أنه إن أمضى البيع، حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان
لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشتري: يقال: أعرب في كذا،
وعرب، وعربن وهو عربان، وعربون، قيل: سمي بذلك: لان فيه
إعرابا لعقد البيع، أي: إصلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه
غيره باشترائه، وهو
بيع باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر.
" النهاية ".
(4) في " تنوير الحوالك " 2 / 118: قال ابن عبد البر: تكلم
الناس في الثقة عنده (أي عند مالك) في هذا الموضع (فإن
سنده فيه مالك عن الثقة عن عمرو بن شعيب) وأشبه ما قيل فيه
أنه أخذه عن الزهري، عن ابن لهيعة، أو عن ابن وهب، عن ابن
لهيعة، لان ابن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب، وسمعه منه ابن
وهب وغيره.
(5) ذكره ابن عدي في " الكامل " 212 / 2، وقد صح الحديث من
طريق آخر، فأخرجه = (*)
(8/22)
قال أبو حاتم بن حبان البستي: كان من أصحابنا يقولون: سماع
من سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه مثل العبادلة: ابن
المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي،
فسماعهم صحيح.
ومن سمع بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشئ.
وكان ابن لهيعة من الكتابين للحديث، والجماعين للعلم،
والرحالين فيه.
ولقد حدثني شكر (1)، حدثنا يوسف بن مسلم، عن بشر بن
المنذر، قال: كان ابن لهيعة يكنى أبا خريطة.
كانت له خريطة معلقة في عنقه، فكان يدور بمصر، فكلما قدم
قوم كان يدور عليهم، فكان إذا رأى شيخا سأله: من لقيت ؟
وعمن كتبت ؟ فإن وجد عنده شيئا كتب عنه، فلذلك كان يكنى
أبا خريطة (2).
قال ابن حبان: قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين
والمتأخرين عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه
موجودا، وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرا، فرجعت
إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عنه أقوام ضعفى، على أقوام
رآهم هو ثقات، فألزق تلك الموضوعات به (3).
__________
= البخاري 4 / 134، 135 بشرح " الفتح " في الصوم: باب
الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، ومسلم (1155) في الصوم: باب
أكل الناسي وشربه لا يفطر من طريق هشام الدستوائي، عن
محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه
فإنما أطعمه الله وسقاه "، وأخرج الدارقطني: ص 237،
والحاكم 1 / 430، والبيهقي 4 / 229 من حديث محمد بن عبد
الله الانصاري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أفطر في
رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة " وسنده حسن، وصححه
ابن حبان (906).
(1) هو الحافظ الثقة الرحال أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر
الهروي، المتوفى سنة 303 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص
748، 749.
(2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 11، 12.
(3) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 12، والتدليس: أن
يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه
موهما أنه سمعه منه.
(*)
(8/23)
وقال يحيى القطان: قال لي بشر بن السري: لو رأيت ابن لهيعة
لم تحمل عنه حرفا (1).
وقال نعيم بن حماد: سمعت يحيى بن حسان يقول: جاء قوم ومعهم
جزء، فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة، فنظرت فيه، فإذا ليس
فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فقمت إليه، فقلت: أي شئ
هذا ؟ ! قال: فما أصنع بهم، يجيؤون بكتاب، فيقولون: هذا من
حديثك ؟ فأحدثهم به (2).
ابن حبان: حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا ابن
لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي،
عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
في مرضه: " ادعوا لي أخي، فدعي له أبو بكر، فأعرض عنه، ثم
قال: ادعوا لي أخي، فدعي له عمر، فأعرض
عنه، ثم قال: ادعوا لي أخي، فدعي له عثمان، فأعرض عنه، ثم
دعي له علي، فستره بثوبه، وأكب عليه.
فلما خرج من عنده قيل له: ما قال ؟ قال: علمني ألف باب، كل
باب يفتح ألف باب " (3).
هذا حديث منكر، كأنه موضوع.
قال عثمان بن صالح: لا أعلم أحدا أخبر بسبب علة ابن لهيعة
مني.
أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم
الجمعة، فوافينا ابن لهيعة أمامنا راكبا (4) على حمار يريد
إلى منزله، فأفلج، وسقط عن حماره،
__________
(1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 13.
(2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 13.
(3) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 14، وسيعلق المؤلف
عليه في الصفحة 26، فانظره.
(4) في الاصل، و " الضعفاء " للعقيلي ص 219: " راكب ".
(*)
(8/24)
فبدرني ابن عتيق إليه، فأجلسه، وصرنا به إلى منزله.
قال عمرو بن خالد الحراني: سمعت زهيرا يقول لمسكين بن بكير
الحذاء: يا أبا عبدالرحمن ما كتب إليك ابن لهيعة ؟ قال:
كتب إلى غيري: أن عقيلا أخبره عن ابن شهاب " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر بصوم آخر اثنين من شعبان " (1).
وقال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا
خالد ابن خداش قال: قال لي ابن وهب، ورآني لا أكتب حديث
ابن لهيعة: إني لست كغيري في ابن لهيعة فاكتبها (2).
وقال سعيد بن أبي مريم: لم يسمع ابن لهيعة من يحيى بن سعيد
شيئا، لكن كتب إليه يحيى هذا الحديث يعني حديث السائب بن
يزيد ابن أخت نمر قال: صحبت سعدا كذا وكذا سنة، فلم أسمعه
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا،
وكنت في عقبه على أثره: " لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين
متفرق في الصدقة " (3).
فظن ابن لهيعة أنه من حديث سعد، وإنما كان هذا كلاما مبتدأ
من مسائل كتب بها إليه.
عفان، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن السائب بن
يزيد أنه صحب سعدا من المدينة إلى مكة فلم يسمعه يحدث عن
النبي صلى الله عليه وسلم حتى رجع.
__________
(1) " الضعفاء " للعقيلي ص 219.
(2) " الضعفاء " للعقليي ص 219.
(3) " الكامل " 212 / 1، والحديث أخرجه أبو داود (1580)،
وابن ماجة (1801)، والبيهقي 4 / 101، وأبو القاسم البغوي
من طريق شريك بن عبد الله، عن عثمان بن أبي زرعة، عن أبي
ليلى الكندي، عن سويد بن غفلة، وأخرجه النسائي 5 / 29، 30،
وأبو عبيد في " الاموال " ص 391، والدارقطني ص 204،
والبيهقي 4 / 101 من حديث هلال بن خباب، عن ميسرة أبي
صالح، عن سويد بن غفلة..فهو حسن.
(*)
(8/25)
ونقلوا أن عبد الله بن لهيعة ولاه أبو جعفر القضاء بمصر،
في سنة خمس وخمسين ومئة، تسعة أشهر، وأجرى عليه في كل شهر
ثلاثين دينارا.
فأما قول أبي أحمد بن عدي في الحديث الماضي: " علمني ألف
باب يفتح كل باب ألف باب ".
فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشيع، فما
سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في
التشيع، ولا الرجل متهم بالوضع، بل لعله أدخل على كامل،
فإنه شيخ محله الصدق، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه، ولم
يتفطن هو، فالله أعلم.
قال قتيبة بن سعيد: لما احترقت كتب ابن لهيعة، بعث إلى
الليث بن سعد من الغد بألف دينار.
وقال أبو سعيد بن يونس: ذكر أبو عبد الرحمن النسائي يوما
ابن لهيعة، فقال: ما أخرجت من حديثه شيئا قط إلا حديثا
واحدا: حديث عمرو ابن الحارث، عن مشرح، عن عقبة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " في الحج سجدتان " (1).
أخبرناه هلال بن العلاء عن معافى بن سليمان، عن موسى ابن
أعين، عن عمرو بن الحارث.
__________
(1) أخرجه الترمذي (578) في الصلاة: باب ما جاء في السجدة
في الحج، وأحمد 4 / 151 و 155، وأبو داود (1402) في
الصلاة: باب ما جاء في عدد الآي، والدارقطني 1 / 157،
والحاكم 1 / 222 و 2 / 390 من حديث ابن لهيعة، عن مشرح بن
هاعان، عن عقبة بن عامر، وسنده جيد قوي، وقول الترمذي: هذا
ليس إسناده بالقوي، ليس بقوي، لان الراوي عن ابن لهيعة عند
أبي داود والحاكم: عبد الله بن وهب، وعند أحمد: عبد الله
بن يزيد، وهما ممن سمعا من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه،
فحديثهما عنه صحيح كما نص على ذلك غير واحد من الائمة، وفي
الباب عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي
سورة الحج سجدتان، أخرجه أبو داود (1401)، والترمذي (1400)
في ثواب القرآن، والنسائي وابن ماجة في الادب (3786)، وقال
الترمذي: حسن والسجدة الاولى هي الآية 18، وآخرها: (إن
الله يفعل ما يشاء) والسجدة الثانية هي الآية 77، وآخرها:
(وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).
(*)
(8/26)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن
أحمد البندار، أخبرنا محمد بن عبدالرحمن المخلص، حدثنا عبد
الله بن
محمد، حدثنا محمد بن كثير بن مروان الفهري، حدثني عبد الله
بن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عطس أؤ تجشأ، فقال:
الحمد لله على كل حال من الحال، دفع عنه بها سبعون داء،
أهونها الجذام ".
وهذا خبر منكر لا يحتمله ابن لهيعة، ولا أتى به سوى
الفهري، وهو شيخ واه جدا (1).
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد
السلام، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد
الطرائفي، وأبو غالب محمد بن علي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر
بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل عبيدالله بن عبدالرحمن
الزهري، أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا قتبية بن
سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن
عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر
منافقي أمتي قراؤها " (2).
هذا
__________
(1) نقل المؤلف في " ميزانه " عن ابن معين قوله: ليس بثقة
وقول ابن عدي: روى بواطيل، والخبر في " تاريخ بغداد " 8 /
28 عن ابن عمرو مرفوعا، وذكره الخلعي في فوائده عن علي،
ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف " بإسناده إلى علي،
والخطيب عن أبي أيوب، وابن عساكر عن ابن عباس والطبراني في
" الاوسط " عن علي بألفاظ متقاربة، وكلها ضعيفة، انظر "
الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة " ص 222 - 223.
(2) أخرجه أحمد 4 / 151 و 154 و 155، والفريابي في " صفة
النفاق " ص 54، وابن عدي في " الكامل " 211 / 1، والخطيب
في " تاريخ بغداد " 1 / 357 من طرق عن ابن لهيعة، عن مشرح
بن هاعان، عن عقبة بن عامر، رواه عنه العبادلة الثلاثة،
وتابع ابن لهيعة الوليد بن المغيرة كما قال المؤلف، وهو
عند الفريابي ص 53، وهو ثقة، فالسند جيد، وحديث عبد الله
ابن عمر وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (451)، وأحمد 2 /
175، والفريابي في " صفة النفاق " ص 53، 54، والبخاري في "
التاريخ الكبير " 1 / 257، ومحمد بن هدية لم يوثق،
وباقي رجاله ثقات، وهو يصلح شاهدا لحديث عقبة، فيصح به.
(*)
(8/27)
حديث محفوظ، قد تابع فيه الوليد بن المغيرة ابن لهيعة، عن
مشرح وقد رواه عبد الله بن المبارك، عن عبدالرحمن بن شريح
المعافري، عن شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عن
عبد الله بن عمرو بن العاص.
وبالاسناد إلى الفريابي: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن
أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ويل للعرب من شر قد
اقترب، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا،
ويسمي كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، المتمسك منهم
يومئذ على دينه كالقابض على خبط الشوك، أو جمر الغضا "
(1).
وبه قال: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي
حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: سمعت أبا أيوب الانصاري
يقول: " ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من
النفاق، وإنه ليأتي عليه أحايين وما فيه موضع إبراة من
إيمان " (2).
__________
(1) رجاله ثقات عدا ابن لهيعة، وأخرجه أحمد 2 / 390، 391،
من حديث ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، وخبط
الشوك: ما انتفض منه إذا خبط، والغضا: نوع من أنواع الشجر،
وهو من أجود الوقود عند العرب.
وفي الباب عن زينب رضي الله عنها، عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "، وحلق بأصبعيه
الابهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا
الصالحون ؟ قال: " نعم، إذا كثر الخبث " أخرجه البخاري 13
/ 9، ومسلم (2880)، وأحمد 6 / 428، 429، وأخرج مسلم في "
صحيحه " (118)
في الايمان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح
الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع
دينه بعرض من الدنيا ".
(2) ابن لهيعة ضعيف، وأسلم مولى عمران مجهول، كما في "
الجرح والتعديل " 2 / 307.
(*)
(8/28)
رواه بنحوه ابن وهب عن حيوة بن شريح عن يزيد.
قرأت على أبي الفضل بن تاج الامناء، عن عبدالمعز بن محمد
البزاز، أن محمد بن إسماعيل الهروي أخبره، قال: أخبرنا
محلم بن إسماعيل الضبي، أخبرنا أبو سعيد الخليل بن أحمد
القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا أبو
رجاء قتيبة بن سعيد (1) الثقفي، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي
الاسود، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: إن الله يقول: " من أظلم ممن صور صورتي أو شبه
بها فليخلقوا حبة أو ذرة ".
هذا حديث غريب جدا (2)، وفيه رجل مجهول أيضا.
وبه قال قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الاسود، عن عروة
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجعلوا من
صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا، كما اتخذت
اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا، وإن البيت ليتلى فيه
القرآن فيتراءى لاهل السماء كما تتراءى النجوم لاهل الارض
".
هذا حديث نظيف الاسناد، حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في
البيوت (3)، وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن
يبنى على
__________
(1) في الاصل: " سعد " وهو تصحيف.
(2) لكن في الباب عند أحمد 2 / 391 من حديث ابن لهيعة عن
يزيد بن عمرو قال:
سمعت أبا سلمة بن عبدالرحمن يقول: سمعت أبا هريرة يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: " ومن
أظلم ممن أراد أن يخلق مثل خلقي، فليخلق حبة أو ذرة "،
وأخرجه البخاري 10 / 324 في اللباس: باب نقض الصور، و 13 /
446 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (والله خلقكم وما
تعملون)، ومسلم (2111) في اللباس: باب تحريم تصوير صورة
الحيوان، وأحمد 2 / 323 من طريق محمد بن الفضيل، عن عمارة،
عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عزوجل: " ومن أظلم ممن
ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرا ".
(3) وأخرج البخاري 1 / 441 في الصلاة: باب كراهية الصلاة
في المقابر، و 3 / 51 في = (*)
(8/29)
القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم، لصارت المقبرة والبيوت
شيئا واحدا، والصلاة في المقبرة، فمنهي عنها نهي كراهية،
أو نهي تحريم، وقد قال عليه السلام: " أفضل صلاة الرجل في
بيته إلا المكتوبة " (1).
فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورا.
وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به،
كما خص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خص بأن صلوا عليه
فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حيا وميتا في الدنيا
والآخرة، وكما خص بتأخير دفنه يومين، ويكره تأخير أمته،
لانه هو أمن عليه التغير بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلوا
كلهم عليه داخل بيته، فطال لذلك الامر، ولانهم ترددوا شطر
اليوم الاول في موته حتى قدم أبو بكر الصديق من السنح،
فهذا كان سبب التأخير.
قال أبو إسحاق الجوزجاني: ابن لهيعة لا نور على حديثه، ولا
ينبغي أن يحتج به، ولا أن يعتد به.
__________
= التطوع: باب التطوع في البيت، ومسلم (777) في صلاة
المسافرين: باب استحباب صلاة النافلة في بيته، من حديث عبد
الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا "،
وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 442 بعد إيراده حديث " ما
قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه " وهو
حديث صحيح بطرقه وشواهده: وإذا حمل دفنه صلى الله عليه
وسلم في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو
متجه، لان استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر،
فتصير الصلاة فيها مكروهة ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم
أصرح من حديث الباب، وهو قوله: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر "
فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا، والله
أعلم.
(1) أخرجه البخاري 2 / 179 في صفة الصلاة: باب صلاة الليل،
و 13 / 227 في الاعتصام: باب ما يكره من كثرة السؤال،
والترمذي (450) أبواب الصلاة: باب ما جاء في فضل صلاة
التطوع في البيت، وأحمد 5 / 182 من حديث زيد بن ثابت، وفي
الباب عن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر،
وعائشة، وعبد الله بن سعد، وزيد بن خالد الجهني.
(*)
(8/30)
البخاري، حدثني أحمد بن عبد الله، أخبرنا صدقة بن
عبدالرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن
عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو تمت
البقرة ثلاث مئة آية لتكلمت " (1).
وعن أبي الوليد بن أبي الجارود، عن يحيى بن معين قال: يكتب
عن ابن لهيعة ما كان قبل احتراق كتبه.
قلت: عاش ثمانيا وسبعين سنة، ومر أنه توفي سنة أربع وسبعين
ومئة.
وكان من أوعية العلم، ومن رؤساء أهل مصر، ومحتشميهم، أطلق
المنصور بن عمار الواعظ أراضي له.
الرمادي في " تاريخه ": حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا ابن
لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن حديج بن أبي عمرو، سمعت
المستورد بن شداد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " لكل أمة أجل، وإن لامتي مئة سنة، فإذا مر عليها
مئة سنة، أتاها ما وعدها الله " (2).
ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن عمرو المعافري، عن ابن حجيرة،
قال: استظل سبعون نفسا من قوم موسى تحت قحف رجل من
العمالقة.
هذا من الاسرائيليات، والقدرة صالحة، ولو استظل بذلك القحف
أربعة لكان عظيما.
__________
(1) أخرجه البخاري في " الضعفاء " فيما ذكره المؤلف عنه في
" الميزان " 2 / 483.
(2) لا يصح لضعف ابن لهيعة، وجهالة خديج بن أبي عمرو.
(*)
(8/31)
5 - سعيد بن عبد العزيز
* (م، 4) ابن أبي يحيى الامام القدوة، مفتي دمشق، أبو محمد
التنوخي الدمشقي، ويقال: أبو عبد العزيز.
ولد سنة تسعين، في حياة سهل بن سعد، وأنس بن مالك، رضي
الله عنهما، وقرأ القرآن على ابن عامر، ويزيد بن أبي مالك،
تلا عليه الوليد بن مسلم وأبو مسهر.
وحدث عن مكحول، والزهري، ونافع مولى ابن عمر، وربيعة بن
يزيد القصير، وإسماعيل بن عبيدالله، ويونس بن ميسرة بن
حلبس، وعمير ابن هانئ، وأبي الزبير المكي، وزيد بن أسلم،
وبلال بن سعد وعدة.
ودخل على عطاء بن أبي رباح، وسأله عن مسألة، وليس هو
بالمكثر
من الحديث.
ويروي أيضا عن عطية بن قيس، وسليمان بن موسى، وعبد الرحمن
بن سلمة الجمحي، ويحيى الذماري، وعثمان بن أبي سودة
المقدسي، ومعبد بن هلال، وعبد الكريم بن أبي المخارق،
ومعاذ بن سهل الجهني.
وقد جمع الطبراني مرويات سعيد في جزء واحد.
__________
* طبقات خليفة: 316، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير: 3
/ 497، التاريخ الصغير: 2 / 167، الجرح والتعديل: 4 / 42،
مشاهير علماء الامصار (1466)، حلية الاولياء: 6 / 124 -
129، تاريخ ابن عساكر: مجلد 7 / 148 / 2، الكامل لابن
الاثير: 6 / 76، تذكر الحفاظ: 1 / 219، العبر للذهبي 1 /
250، خلاصة تذهيب الكمال: 119، تهذيب ابن عساكر: 6 / 152،
طبقات القراء 1 / 307، طبقات الحفاظ: 93، شذرات الذهب 1 /
263، طبقات الشيرازي: 76، ميزان الاعتدال 2 / 149، تهذيب
الكمال لوحة: 500، تذهيب التهذيب 2 / 24 / 1، تهذيب
التهذيب 4 / 59.
(*)
(8/32)
حدث عنه (1) الوليد بن مسلم، والحسن بن يحيى الخشني، وعلي
ابن الحسن بن شقيق المروزي، وأبو مسهر، وأبو اليمان
الحمصي، وابن المبارك، ووكيع، وابن شابور، ويحيى بن حمزة،
وبقية بن الوليد، وأبو عاصم النبيل، وعبد الرزاق، وأبو
المغيرة عبد القدوس، ويحيى بن صالح الوحاظي، وعبد الله بن
صالح الكاتب، وأبو نصر التمار، وعبد الله بن يوسف التنيسي
(2)، وأبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي (3)، وإبراهيم
ابن هشام الغساني، وزيد بن يحيى بن عبيد، وعبد الله بن
كثير المقرئ الطويل، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي، والوليد
بن مزيد العذري،
وآخرون.
وقد حدث عنه من أقرانه شعبة، والثوري، وانتهت إليه مشيخة
العلم بعد الاوزاعي بالشام، فعاش بعده عشرة أعوام.
قال أبو مسهر: حدثنا سعيد، قال: دهشنا عن الهرولة، فسألنا
عطاء، فقال: لا شئ عليكم، قال أبو مسهر: ما سمع من عطاء
سواه.
وقال عبد الله بن زبر: كنا نجلس إلى مكحول ومعنا سعيد بن
عبد العزيز، فكان يسقي الماء في مجلس مكحول.
وقال أبو مسهر: حدثني سعيد، قال: كنت أجلس بالغدوات إلى
ابن أبي مالك، وأجالس بعد الظهر إسماعيل بن عبيدالله وبعد
العصر مكحولا.
الدارمي: أخبرنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز،
قال: ما كتبت حديثا قط.
يعني كان يتحفظ.
وقال أبو مسهر: سمعته
__________
(1) في الاصل: " ابنه " وهو خطأ.
(2) بكسر التاء والنون المشددة، نسبة إلى مدينة تنيس في
دلتا مصر.
(3) نسبة إلى الفراديس: موضع قريب من دمشق، ولها باب يقال
له: باب الفراديس، وهو المعروف الآن بباب العمارة.
(*)
(8/33)
يقول: ما كتبت حديثا، وسمعته يقول: لا يؤخذ العلم من صحفي
(1).
قال أبو حاتم الرازي: كان أبو مسهر يقدم سعيدا على
الاوزاعي.
قال أبو زرعة النصري: قلت لابن معين: أمحمد بن إسحاق حجة ؟
قال: كان ثقة، إنما الحجة عبيدالله بن عمر، ومالك،
والاوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز.
قال أحمد في " المسند ": ليس بالشام رجل أصح حديثا من سعيد
بن عبد العزيز.
وقال أبو عبد الله الحاكم: سعيد بن عبد العزيز لاهل الشام،
كمالك لاهل المدينة في التقدم والفقه والامانة.
وقال أبو زرعة: حدثني أبو النضر إسحاق بن إبراهيم، قال:
كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبد العزيز على الحصير في
الصلاة.
أحمد بن أبي الحواري: حدثني أبو عبد الرحمن الاسدي، قال:
قلت لسعيد بن عبد العزيز: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في
الصلاة ؟ فقال: يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك ؟ قلت: لعل
الله أن ينفعني به، فقال: ما قمت إلى صلاة إلى مثلت لي
جهنم.
أبو عبد الرحمن مروان بن محمد الطاطري (2): قال محمد بن
المبارك الصوري: كان سعيد إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.
قال الوليد بن مزيد: كان الاوزاعي إذا سئل عن مسألة، وسعيد
بن
__________
(1) الصحفي: من يأخذ العلم من الصحيفة لا عن أستاذ ومثل
هذا لا يعتد بعلمه، لما يقع له من الخطأ.
(2) بفتح الطائين، يقال لمن يبيع الثياب البيض بدمشق ومصر.
(*)
(8/34)
عبد العزيز حاضر، قال: سلوا أبا محمد.
وقال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا بعض مشايخنا عن الوليد بن
مسلم قال: كان سعيد بن عبد العزيز يحيي الليل، فإذا طلع
الفجر، جدد وضوءه وخرج إلى المسجد.
يزيد بن عبد الصمد: حدثنا أبو مسهر قال: ما رأيت سعيد بن
عبد العزيز ضحك قط، ولا تبسم، ولا شكا شيئا قط.
أبو زرعة، قال أبو مسهر: ينبغي للرجل أن يقتصر على علم
بلده،
وعلى علم عالمه، لقد رأيتني أقتصر على سعيد بن عبد العزيز،
فلما أفتقر معه إلى أحد.
وقال يحيى الوحاظي: سألت سعيد بن عبد العزيز عن حديث
فامتنع علي، وكان عسرا، وكذا قال أبو مسهر عنه.
قلت: شاخ وضاق خلقه، واشتغل بالله عن الرواية.
عباس الدوري، عن يحيى بن معين، قال: كان سعيد بن عبد
العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يعرض عليه قبل الموت، وكان
يقول: لا أجيزها (1).
أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: رأيت أصحابنا
يعرضون على سعيد بن عبد العزيز حديث المعراج، عن يزيد بن
أبي مالك، عن أنس، فقلت له: يا أبا محمد، أليس حدثتنا عن
يزيد بن أبي مالك قال: حدثنا أصحابنا عن أنس بن مالك ؟
قال: نعم، إنما يقرون على أنفسهم.
قال أبو مسهر: سمعته يقول: " لا أدري " لما لا أدري، نصف
__________
(1) " تاريخ يحيى بن معين ": 2 / 204.
(*)
(8/35)
العلم.
وسمعته يقول: ما كنت قدريا (1) قط.
وسمعت رجلا يقول لسعيد: أطال الله بقاءك، فقال: بل عجل
الله بي إلى رحمته (2).
محمد بن بكار البتلهي: حدثنا يزيد بن عبد الصمد، سمعت أبا
مسهر، سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: لا خير في الحياة إلا
لاحد رجلين: صموت واع، وناطق عارف (3).
وقال عقبة بن علقمة البيروتي: حدثني سعيد بن عبد العزيز
قال: من أحسن فليرج الثواب، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء،
ومن أخذ عزا بغير حق أورثه الله ذلا بحق، ومن جمع مالا
بظلم أورثه الله فقرا بغير ظلم.
__________
(1) المعتزلة يسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون
بالقدرية لانهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها
واستقلالها دون الله تعالى، ونفوا أن تكون الاشياء بقدر
الله وقضائه، والقدرية حدثت في آخر عصر الصحابة، وأصل
بدعتهم كما قال شيخ الاسلام كانت من عجز عقولهم عن الايمان
بقدر الله، والايمان بأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وظنوا أن
ذلك ممتنع، وكانوا قد آمنوا بدين الله وأمره ونهيه ووعده
ووعيده وظنوا أنه إذا كان كذلك، لم يكن قد علم قبل الامر
من يطيع ومن يعصي، لانهم ظنوا أن من علم ما سيكون، لم يحسن
منه أن يأمر وهو يعلم أن المأمور يعصيه ولا يطيعه وظنوا
أيضا أنه إذا علم أنهم يفسدون لم يحسن أن يخلق من يعلم أنه
يفسد، فلما بلغ الصحابة قولهم بإنكار القدر السابق أنكروه
إنكارا عظيما، وتبرؤوا منهم، حتى قال عبد الله بن عمر كما
في " صحيح مسلم " في أول كتاب الايمان رقم (8): " أخبر
أولئك أني برئ منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد
الله بن عمر لو أن لاحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه، ما قبل
الله منه حتى يؤمن بالقدر " وكان أكثر الخوض فيه بالبصرة
والشام، وبعضه في المدينة، فصار مقتصدوهم وجمهورهم يقرون
بالقدر السابق، وبالكتاب المتقدم، وصار نزاع الناس في
الارادة وخلق أفعال العباد، فصاروا في ذلك طائفتين:
النفاة، يقولون: لا إرادة إلا بمعنى المشيئة، وهو لم يرد
إلا ما أمر به، ولم يخلق شيئا من أفعال العباد، وقابلهم
الخائضون في القدر من المجبرة مثل جهم بن صفوان وأمثاله،
فقال: ليست الارادة إلا بمعنى المشيئة، والامر والنهي لا
يستلزم إرادة، وقالوا: العبد لا فعل له البتة ولا قدرة، بل
الله هو الفاعل القادر فقط.
(2) " الحلية " 6 / 125.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 153.
(*)
(8/36)
وقال الوليد بن مزيد العذري: سئل سعيد بن عبد العزيز عن
الكفاف من الرزق ما هو ؟ قال: شبع يوم وجوع يوم (1).
أنبأنا عدة عن عبد البر ابن الحافظ أبي العلاء العطار:
أخبرنا أبي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم
الحافظ، حدثنا سليمان الطبراني، حدثنا أبو زرعة، وأحمد بن
محمد بن يحيى بن حمزة، قالا: حدثنا يحيى ابن صالح، حدثنا
سعيد، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمود
الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري، فإذا هو نور
ساطع في الشام " (2).
رواه الوليد وأبو إسحاق الفزاري، عن سعيد بن عبد العزيز.
وبه حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو مسهر، حدثني سعيد، عن ربيعة
بن بزيد، عن عبدالرحمن بن أبي عميرة المزني، سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: " اللهم اجعله
هاديا مهديا، واهده، واهد به " (3).
وبه حدثنا عبدان، حدثنا علي بن سهل الرملي، حدثنا الوليد
بن مسلم، حدثنا سعيد عن يونس، هو ابن ميسرة، عن عبدالرحمن
بن أبي
__________
(1) " الحلية " 6 / 126.
(2) هو في " الحلية " 5 / 252، وأخرجه الحاكم في "
المستدرك " 4 / 509، وإسناده صحيح، وأورده الهيثمي في "
مجمع الزوائد " 10 / 58، وقال: رواه الطبراني في الكبير
والاوسط بإسنادين، وفي أحدهما ابن لهيعة، وهو حسن الحديث،
وقد توبع على هذا، وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من
حديث أبي الدرداء عند أحمد 5 / 198، 199 بلفظ: " بينا أنا
نائم إذا رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه
مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن
الايمان حين تقع الفتن بالشام ".
(3) وأخرج الترمذي (3842) في المناقب من طريق أبي مسهر،
وأحمد 4 / 216 من طريق الوليد بن مسلم، كلاهما عن سعيد بن
عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبدالرحمن بن أبي عميرة
الازدي، وقال الترمذي: حسن غريب.
(*)
(8/37)
عميرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر معاوية،
فقال: " اللهم اجعله هاديا مهديا، واهد به ".
فهذه علة الحديث قبله (1).
وبه حدثنا أبو زرعة، وأحمد بن محمد بن يحيى، قالا: حدثنا
أبو مسهر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن
عبدالرحمن ابن أبي عميرة المزني وكان من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية:
" اللهم علمه الكتاب، والحساب، وقه العذاب " (2).
قال الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، وشباب، وابن سعد، وأحمد:
مات سنة سبع وستين ومئة.
وما نقل من أنه مات سنة ثلاث أو أربع وستين فهو خطأ ووهم،
قاله ابن عساكر.
6 - زفر بن الهذيل * العنبري
، الفقيه المجتهد الرباني، العلامة أبو الهذيل بن الهذيل
بن قيس بن سلم.
__________
(1) يريد الاضطراب، فإن الوليد بن مسلم رواه عن سعيد بن
عبد العزيز مخالفا أبا مسهر في شيخه، فشيخ سعيد في رواية
الوليد يونس بن ميسرة، وشيخه في رواية أبي مسهر ربيعة بن
يزيد.
(2) وأخرجه الطبراني فيما ذكره الحافظ في " الاصابة " من
طريق سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، عن عبدالرحمن
بن أبي عميرة المزني..ورواه أحمد 4 / 127 من طريق عبد
الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن
الحارث بن زياد، عن أبي رهم، عن العرباض بن سارية قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور
في شهر رمضان: " هلموا إلى الغذاء المبارك " ثم سمعته
يقول: " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب "
والحارث بن زياد لين الحديث، وباقي رجاله ثقات.
* طبقات ابن سعد: 6 / 387 - 388، المعارف لابن قتيبة: 496،
الجرح والتعديل: 3 / 608، مشاهير علماء الامصار: 170،
الفهرست لابن النديم: 1 / 204، الانتفاء: 173، طبقات
الشيرازي: 40، وفيات الاعيان: 2 / 317 - 319، العبر
للذهبي: 1 / 229، لسان الميزان: 2 / 476 - 478، الجواهر
المضيئة: 1 / 243 و 2 / 534، شذرات الذهب: 1 / 243، تاريخ
أصبهان: 1 / 317، الفوائد البهية: 75، التاريخ لابن معين:
2 / 172.
(*)
(8/38)
قال أبو نعيم الحافظ: كان أبوه بأصبهان في دولة يزيد بن
الوليد، فكان له ثلاثة أولاد: زفر، وهرثمة، وكوثر (1).
قلت: ولد سنة عشر ومئة، وحدث عن الاعمش، وإسماعيل بن أبي
خالد، وأبي حنفية، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة،
وطبقتهم.
حدث عنه: حسان بن إبراهيم الكرماني، وأكثم بن محمد والد
يحيى ابن أكثم، وعبد الواحد بن زياد، وأبو نعيم الملائي
(2)، والنعمان بن عبد السلام التيمي، والحكم بن أيوب،
ومالك بن فديك، وعامتهم من رفقائه، وأقرانه، لانه مات قبل
أوان الرواية.
قال أبو نعيم الملائي: كان ثقة مأمونا، وقع إلى البصرة في
ميراث له من أخته، فتشبث به أهل البصرة، فلم يتركوه يخرج
من عندهم.
وذكره يحيى بن معين، فقال: ثقة مأمون (3).
قلت: هو من بحور الفقه، وأذكياء الوقت.
تفقه بأبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته، وكان ممن جمع بين
العلم والعمل، وكان يدري الحديث ويتقنه.
قال علي بن مدرك، عن الحسن بن زياد الفقيه، قال: كان زفر،
وداود الطائي متواخيين، فأما داود فترك الفقه وأقبل على
العباد، وأما زفر،
فجمعهما.
وقال الحسن بن زياد اللؤلؤي: ما رأيت فقيها يناظر زفر إلا
رحمته.
__________
(1) تاريخ أصبهان: 1 / 317.
(2) بضم الميم، نسبة إلى الملاءة التي تستتر بها النساء،
وأظن أن هذه النسبة إلى بيعها، واسم أبي نعيم: الفضل بن
دكين.
(3) تاريخ ابن معين: 2 / 172.
(*)
(8/39)
وقال أبو نعيم: كنت أمر على زفر، فيقول: تعال حتى أغربل لك
ما سمعت.
قال أبو عاصم النبيل: قال زفر: من قعد قبل وقته، ذل قال
أبو نعيم: كنت أعرض الاحاديث على زفر، فيقول: هذا ناسخ،
هذا منسوخ، هذا يؤخذ به، هذا يرفض.
قلت: كان هذا الامام منصفا في البحث متبعا.
قال عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال:
لقيت زفر رحمه الله، فقلت له: صرتم حديثا في الناس وضحكة
(1).
قال: وما ذاك ؟ قلت: تقولون: " ادرؤوا الحدود بالشبهات "
(2)، ثم
__________
(1) الضحكة: بضم الضاد وسكون الحاء: الشئ الذي يضحك منه.
(2) روي من حديث عائشة، ومن حديث علي، ومن حديث أبي هريرة،
أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي (1424) في الحدود: باب ما
جاء في درء الحدود بلفظ " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما
استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الامام أن يخطئ
في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " وقال: هذا حديث لا
نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة، عن يزيد بن زياد
الدمشقي، عن الزهري، ويزيد بن زياد ضعيف في الحديث، ورواه
وكيع عن يزيد بن زياد ولم يرفعه وهو أصح، ثم أخرجه عن
وكيع، عن يزيد به موقوفا، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4
/ 384، وقال: صحيح الاسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الامام
الذهبي، فقال: يزيد بن زياد، قال النسائي فيه: متروك.
وأما حديث علي، فأخرجه الدارقطني ص 324، وفي سنده مختار
التمار وهو ضعيف.
وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه ابن ماجة (2545)، وأبو يعلى
من حديث وكيع، حدثني إبراهيم بن الفضل المخزومي، عن سعيد
المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " ادرؤوا الحدود ما استطعتم " وإبراهيم بن الفضل
المخزومي ضعفه أحمد، وابن معين، والبخاري، وغيرهم.
وأخرجه ابن عدي في " جزء له " عن ابن عباس مرفوعا بلفظ "
ادرؤوا الحدود بالشبهات، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد
من حدود الله " وفيه ابن لهيعة، وروى صدره أبو مسلم الكجي،
وابن السمعاني في " الذيل " عن عمر بن عبد العزيز مرسلا
ومسدد في " مسنده " عن ابن مسعود موقوفا.
(*)
(8/40)
جئتم إلى أعظم الحدود، فقلتم: تقام بالشبهات.
قال: وما هو ؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لا يقتل مسلم بكافر " (1) فقلتم: يقتل به - يعني بالذمي -
قال: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.
قلت: هكذا يكون العالم وقافا مع النص.
قال ابن سعد (2): مات زفر سنة ثمان وخمسين ومئة، ولم يكن
في الحديث بشئ.
قلت: قد حكم له إمام الصنعة (3) بأنه ثقة المأمون.
7 - قيس * (د، ت، ق) ابن
الربيع الامام الحافظ المكثر، أبو محمد الاسدي
الكوفي
الاحول، أحد أوعية العلم على ضعف فيه من قبل حفظه.
ولد في حدود سنة تسعين.
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 79، والبخاري 12 / 217، في الديات: باب
العاقلة، وباب لا يقتل المسلم بالكافر، والدارمي 2 / 190،
والترمذي (1413) في الديات، والنسائي 8 / 23، في القسامة،
من طريق الشعبي عن أبي جحيفة قال: سألت عليا رضي الله عنه:
" هل عندكم شئ ما ليس في القرآن ؟ وقال مرة ما ليس عند
الناس ؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما عندنا إلا
ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في
الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة ؟ قال: العقل، وفكاك الاسير،
وأن لا يقتل مسلم بكافر ".
(2) 6 / 387، 388.
(3) هو الامام يحيى بن معين.
* طبقات خليفة: 169، تاريخ خليفة: 439 التاريخ الكبير: 7 /
156، التاريخ الصغير: 2 / 170 - 172، كتاب المجروحين
والضعفاء: 2 / 216 - 219، والكامل لابن عدي: 2 / 270،
تهذيب الكمال: 1135، الكاشف للذهبي: 2 / 404، العبر
للذهبي: 1 / 253، ميزان الاعتدال: 3 / 393 - 396، الضعفاء
والمتروكين: 89، تذهيب التهذيب: 3 / 162 / 2، تذكرة
الحفاظ: 1 / 226، المغني: 2 / 526 - 527، خلاصة تذهيب
الكمال 317، الضعفاء الصغير: 95، شذرات الذهب / 266، طبقات
الحفاظ للسيوطي: 96، تهذيب التهذيب: 8 / 391 - 395.
(*)
(8/41)
وروى عن: عمرو بن مرة، وزياد بن علاقة، وعلقمة بن مرثد،
وزبيد اليامي، ومحارب بن دثار، وأبي إسحاق السبيعي، وعدة،
وكان من المكثرين.
حدث عنه: رفيقاه شعبة، والثوري، ويحيى بن آدم، وإسحاق بن
منصور السلولي (1)، وعلي بن الجعد، ويحيى الحماني (2)،
ومحمد بن بكار بن الريان، وخلق سواهم.
وكان شعبة يثني عليه.
ووثقه عفان وغيره.
وقال ابن عدي (3): عامة رواياته مستقيمة، والقول فيه ما
قاله شعبة، وأنه لا بأس به.
وقال يعقوب بن شيبة: هو عند جميع أصحابنا صدوق، وكتابه
صالح.
ثم قال: وهو ردئ الحفظ جدا، كثير الخطأ.
وقال محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى وعبد الرحمن يحدثان عن
قيس شيئا قط.
وعن أبي بكر بن عياش قال: كان قيس لا يفرق بين " كره "
وبين " لا بأس ".
__________
(1) بفتح السين وضم اللام، نسبة إلى بني سلول، نزلوا
الكوفة، ولهم بها خطة نسبت إليهم.
(2) بكسر الحاء وتشديد الميم، نسبة إلى حمان: قبيلة من
تميم نزلوا الكوفة.
(3) " الكامل " 2 / 270.
(*)
(8/42)
وقال الفلاس: حدث عبدالرحمن عن قيس أولا، ثم تركه.
وقال ابن معين: ليس بشئ (1).
وقال مرة: يضعف.
ولينه أحمد بن حنبل.
وقال النسائي: متروك.
قلت: لا ينبغي أن يترك، فقد قال محمد بن المثنى: سمعت محمد
ابن عبيد يقول: لم يكن قيس عندنا بدون سفيان، لكنه ولي،
فأقام على رجل الحد فمات، فطفئ أمره.
وقال محمود بن غيلان: حدثنا محمد بن عبيد قال: استعمل
المنصور قيسا على المدائن، فكان يعلق النساء بثديهن، ويرسل
عليهن الزنابير، قال أبو الوليد: حضر شريك جنازة قيس بن
الربيع، فقال: ما ترك بعده مثله.
قال أبو الوليد: كتبت عن قيس ستة آلاف حديث.
قال سلم بن قتيبة: قال لي شعبة: أدرك قيسا لا يفوتك.
وقال أبو داود: سمعت شعبة يقول: ألا تعجبون من هذا الاحول
! يقع في قيس بن الربيع يريد يحيى القطان وقال أبو حاتم:
لا يحتج به.
قال قراد: سمعت شعبة يقول: ما أتينا شيخا بالكوفة إلا
وجدنا قيسا قد
__________
(1) " تاريخ ابن معين " 2 / 490، وفيه أيضا: سئل يحيى عن
قيس بن الربيع، فقال: لا يساوي شيئا، ونقل عن عفان قوله:
أتيناه، فكان يحدث، فربما أدخل حديث مغيرة في حديث منصور.
(*)
(8/43)
سبقنا إليه، كنا نسميه: قيسا الجوال (1).
وعن شريك قال: ما نشأ بالكوفة أطلب للحديث من قيس بن
الربيع.
قراد: سمعت شعبة يقول: جلست أنا وقيس في مسجد، فلم يزل
يقول: حدثنا أبو حصين، حتى تمنيت أن المسجد يقع علي وعليه.
قال ابن حبان: قد سبرت أحاديث قيس، وتتبعتها، فرأيته
صدوقا، مأمونا حين كان شابا، فلما كبر ساء حفظه، وامتحن
بابن سوء، فكان يدخل
عليه الحديث، فوقع في أخباره مناكير (2).
قال عفان: قدمت الكوفة، فأتينا قيسا، فجلسنا إليه، فجعل
ابنه يلقنه، ويقول له: حصين، فيقول: حصين، ويقول رجل آخر:
ومغيرة (3).
قال ابن حبان: مات سنة سبع وستين ومئة.
وكذا أرخه أبو نعيم الملائي.
8 - السيد الحميري * من فحول
الشعراء لكنه رافضي جلد، واسمه أبو هاشم إسماعيل بن
محمد بن يزيد بن ربيعة الحميري، له مدائح بديعة في أهل
البيت، كان
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 96، 97، وسمي بذلك لكثرة سماعه
وعلمه فيما قاله ابن سعد 6 / 377.
(2) " المجروحين والضعفاء " لابن حبان 2 / 218.
(3) وتمامه كما في " المجروحين والضعفاء " 2 / 219: فيقول:
ومغيرة، فيقول آخر: والشيباني، فيقول: والشيباني.
* أنساب الاشراف: 4 / 78، طبقات ابن المعتز: 32، الاغاني:
7 / 229، 278، الذريعة: 1 / 333 - 335، ابن الوردي: 1 /
250، وفيات الاعيان: 6 / 343، 348، الوافي بالوفيات: رقم
(5003)، فوات الوفيات: 1 / 188، روضات الجنات: 1 / 28،
البداية والنهاية 1 / 173، لسان الميزان: 1 / 436 - 438
منهج المقال: 60.
(*)
(8/44)
يكون بالبصرة، ثم ببغداد.
قال الصولي: الصحيح أن جده ليس بيزيد بن مفرغ (1) الشاعر،
وقيل: كان طوالا شديد الادمة.
قيل: إن بشارا قال له: لولا أن الله شغلك بمدح أهل البيت،
لافتقرنا.
وقيل: كان أبواه ناصبيين (2)، ولذلك يقول: لعن الله والدي
جميعا * ثم أصلاهما عذاب الجحيم حكما عدوه كما صليا الفج *
ر بلعن الوصي باب العلوم لعنا خير من مشى فوق ظهر ال * أرض
أو طاف محرما بالحطيم (3) وكان يرى رأي الكيسانية (4) في
رجعة ابن الحنفية إلى الدنيا، وهو القائل: بان الشباب ورق
عظمي وانحنى * صدر القناة وشاب مني المفرق
__________
(1) في الاصل: متفرغ، وهو تحريف، ويزيد هذا، هو ابن زياد
بن ربيعة، لقب بمفرغ لانه راهن أنه يشرب عسا من لبن فشربه
حتى فرغه، وهو شاعر غزل محسن، توفي سنة 69، وهو صاحب البيت
السائر: العبد يقرع بالعصا * والحر تكفيه الاشارة مترجم في
" الشعر والشعراء " 276، وابن خلكان 6 / 342، وخزانة الادب
2 / 213، 214، والاغاني 18 / 180، وطبقات ابن سلام: 554.
(2) النواصب: فرقة تبغض أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه،
وفي الاغاني 7 / 225: كانا إباضيين، والاباضية: أصحاب عبد
الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد، وهم قوم من
الحرورية الخوارج، زعموا أن مخالفهم كافر مشرك لا تجوز
مناكحته، وكفروا أكثر الصحابة.
(3) سمي بذلك لانحطام الناس فيه، أي: ازدحامهم، وهو ما بين
الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج منها، سمي به: لان
البيت رفع، وترك هو محطوما.
(4) الكيسانية: من الرافضة، هم أصحاب المختار بن أبي عبيد،
ويذكرون أن لقبه " كيسان ".
(*)
(8/45)
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * وبنا إليه من الصبابة أولق
(1) حتى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى * يا ابن الوصي وأنت
حي ترزق فقيل: إنه اجتمع بجعفر الصادق، فبين له ضلالته،
فتاب.
وقال ابن جرير في " الملل والنحل ": إن السيد كان يقول
بتناسخ الارواح.
قيل: توفي سنة ثلاث وسبعين ومئة، وقيل: سنة ثمان وسبعين
ومئة.
ونظمه في الذروة، ولذلك حفظ ديوانه أبو الحسن الدارقطني.
9 - صالح المري *
الزاهد الخاشع، واعظ أهل البصرة، أبو بشير بن بشير القاص
(2).
__________
(1) الشعب: ما انفرج بين جبلين، ورضوى: جبل منيف ذو شعاب
وأودية، وهو من ينبع على مسيرة يوم، ومن المدينة على سبع
مراحل، وهو المكان الذي زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية
به مقيم حي يرزق، وأنه بين أسد ونمر يحفظانه، عنده عينان
نضاختان، تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة، فيملا الارض
عدلا كما ملئت جورا، والاولق: شبه الجنون من الخفة،
والبيتان في " تاريخ ابن عساكر " 5 / 365، " وتاريخ
الاسلام " 3 / 295، ومروج الذهب 2 / 201، والثاني منها في
" طبقات الشعراء " ص 33 لابن المعتز.
* طبقات ابن سعد: 7 / 281، تاريخ خليفة: 448، طبقات خليفة:
223، التاريخ الكبير: 4 / 273، التاريخ الصغير: 201،
الضعفاء للعقيلي: 2 / 186، الكامل لابن عدي: 2 / 199، 200،
حلية الاولياء: 6 / 165 - 177، تاريخ بغداد: 9 / 305،
الكامل لابن الاثير: 6 / 134، ميزان الاعتدال: 2 / 289
العبر للذهبي: 1 / 262، تهذيب التهذيب: 4 / 382، خلاصة
تذهيب الكمال 170، صفة الصفوة: 3 / 350، الضعفاء الصغير:
59، الضعفاء والمتروكين: 57، المغني: 1 / 302، شذرات
الذهب: 1 / 281، تذهيب التهذيب: 2 / 85 / 2، الكاشف 2 /
18، اللباب: 3 / 201، تهذيب الكمال: لوحة 595،
وفيات الاعيان: 2 / 494، تاريخ ابن معين: 2 / 262.
(2) القاص: هو الواعظ الذي يجلس إلى الناس فيذكرهم بسرد
قصص النبيين والصالحين، وشرحها بأسلوب مشوق محبب، واستنباط
العبر منها، وفي ذلك عبرة لمعتبر، وعظة لمزدجر، واقتداء
بصواب لمتبع، وهو عمل سائغ يثاب عليه فاعله، إذا كان
المتصدي له = (*)
(8/46)
حدث عن: الحسن، ومحمد، وبكر بن عبد الله، وثابت، وقتادة،
وأبي عمران الجوني، وعدة.
وعنه: عفان، ومسلم بن إبراهيم، وعبيدالله العيشي، وخالد بن
خداش، وطالوت بن عباد، وآخرون.
روى عباس الدوري، عن يحيى: ليس به بأس.
وقال البخاري: منكر الحديث (1).
وقال أبو داود: لا يكتب حديثه.
وروى محمد بن أبي شيبة، عن ابن معين: ضعيف.
وقال عفان: كان شديد الخوف من الله، كأنه ثكلى إذا قص.
وقال ابن عدي: قاص، حسن الصوت، عامة أحاديثه منكرة، أتي من
قلة معرفته بالاسانيد، وعندي أنه لا يتعمد (2).
وقيل: لما سمعه سفيان الثوري قال: ما هذا قاص، هذا نذير.
قال ابن الاعرابي: كان الغالب على صالح كثرة الذكر،
والقراءة بالتحزين (3)، ويقال: هو أول من قرأ بالبصرة
بالتحزين.
ويقال: مات جماعة سمعوا قراءته.
توفي سنة اثنتين وسبعين ومئة.
ويقال: بقي إلى سنة ست وسبعين ومئة.
قال الاصمعي: شهدت صالحا المري عزى رجلا، فقال: لئن
__________
= عالما بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يتحرى
الصدق في مروياته، ويحترز عن إيراد القصص الخرافية،
والاحاديث المكذوبة، والحكايات التي تناقض ما جاء في كتاب
الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) في " التاريخ الكبير " 4 / 273.
(2) الكامل 199 / 2.
(3) في " تهذيب التهذيب ": كان من أحزن أهل البصرة صوتا،
وفي " الحلية ": صاحب قراءة وشجن ومخافة وحزن.
(*)
(8/47)
كانت مصيبتك بابنك لم تحدث لك موعظة في نفسك، فهي هينة في
جنب مصيبتك بنفسك فإياها فابك
10 - مالك الامام * (ع)
هو شيخ الاسلام ، حجة الامة، إمام دار الهجرة، أبو عبد
الله مالك ابن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث
بن غيمان بن خثيل (1) بن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح بن
عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن
__________
* جماع العلم للشافعي: (242)، تاريخ خليفة بن خياط: 1 /
432، 2 / 719، طبقات خليفة: 275، المعارف لابن قتيبة: 498
- 499، المنتخب من كتاب ذيل المذيل للطبري: 106، 107،
مشاهير علماء الامصار: ت (1110)، الحلية: 6 / 316، الفهرست
لابن النديم مع تراجم أصحابه: 280 - 284، أنساب العرب لابن
حزم: 1 / 435 436، الفهرست للطوسي: ت (740)، الانتقاء في
فضائل الثلاثة الفقهاء: 9 - 63، طبقات الشيرازي: 67، ترتيب
المدارك: 1 / 102 - 254، المبهمات في الحديث للنووي: 34 /
2، جزء فيه الاحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس: تخريج
الدارقطني 255 / 1 269 / 2، تذكرة الحفاظ لابن عبد الهادي:
49 / 2، صفة الصفوة: 2 / 177 - 180، الكامل لابن الاثير، 6
/ 147، تهذيب الاسماء واللغات للنووي: 2 / 75 - 79، وفيات
الاعيان 4 / 135 - 139، تهذيب الكمال: 1297، تذكرة الحفاظ:
1 / 207 - 213، العبر للذهبي:
1 / 272، مرآة الجنان لليافعي: 1 / 373 - 377، البداية
والنهاية: 10 / 174 - 175، الديباج المذهب: 1 / 55 - 139،
تهذيب التهذيب: 10 / 5، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 2
/ 96 - 97، شرح البخاري للقسطلاني: 1 / 6، مفتاح السعادة
طاش كبري زاده: 2 / 12، 84 - 88، التاريخ الكبير: 7 / 310،
التاريخ الصغير 2 / 220، الطبقات الكبرى للشعراني: 45،
شذرات الذهب: 2 / 12 - 15، تذهيب التهذيب: 4 / 14 / 2 - 1
/ 2، الكاشف: 3 / 112، تاريخ ابن معين: 2 / 543 - 546،
الانساب: 1 / 287، اللباب: 1 / 69، الرسالة المستطرفة: 13،
مروج الذهب: 3 / 350، طبقات الحفاظ: 89، تاريخ الخميس: 2 /
333، طبقات القراء: 2 / 35.
(1) بخاء معجمة مضمومة، وثاء مثلثة، وكذا قيده ابن ماكولا
وضبطه، وحكاه عن محمد ابن سعد، عن أبي بكر بن أبي أويس،
وقال أبو الحسن الدارقطني وغيره: جثيل بالجيم وحكاه عن
الزبير، وفي " القاموس ": خثيل كزبير جد للامام مالك أو هو
بالجيم.
وسيرد ضبطه عند المؤلف 71.
(*)
(8/48)
زرعة، وهو حمير الاصغر الحميري ثم الاصبحي المدني، حليف
بني تيم من قريش، فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيدالله
أحد العشرة (1).
وأمه هي: عالية بنت شريك الازدية، وأعمامه هم: أبو سهيل
نافع وأويس، والربيع، والنضر، أولاد أبي عامر.
وقد روى الزهري عن والده أنس، وعميه أويس وأبي سهيل.
وقال: مولى التيميين، وروى أبو أويس عبد الله عن عمه
الربيع، وكان أبوهم من كبار علماء التابعين.
أخذ عن عثمان وطائفة.
مولد مالك على الاصح في سنة ثلاث وتسعين عام موت أنس خادم
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشأ في صون ورفاهية وتجمل.
وطلب العلم وهو حدث بعيد موت القاسم، وسالم.
فأخذ عن نافع، وسعيد المقبري، وعامر بن عبد الله بن
الزبير، وابن المنكدر، والزهري، وعبد الله بن دينار، وخلق
سنذكرهم على المعجم، وإلى جانب كل واحد منهم ما روى عنه في
الموطأ، كم عدده.
وهم: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة (18)، أيوب بن أبي
تميمة السختياني عالم البصرة (4)، أيوب بن حبيب الجهني
مولى سعد بن مالك (1)، إبراهيم بن عقبة (1)، إسماعيل بن
أبي حكيم (1)، إسماعيل ابن محمد بن سعد (1)، ثور بن زيد
الديلي (3)، جعفر بن محمد (7)، حميد الطويل (6)، حميد بن
قيس الاعرج (2)، خبيب بن عبدالرحمن (2)، داود بن الحصين
(4)، داود أبو ليلى بن عبد الله في القسامة (1)، ربيعة
الرأي (5)، زيد بن أسلم (26)، زيد بن رباح (1)، زياد بن
سعد
__________
(1) أي المبشرين بالجنة.
(*)
(8/49)
(1)، زيد بن أبي أنيسة (1)، سالم أبو النضر (13)، سعيد بن
أبي سعيد (4)، سمي مولى أبي بكر (13)، سلمة بن دينار أبو
حازم (8)، سهيل بن أبي صالح (11)، سلمة بن صفوان الزرقي
(1)، سعد بن إسحاق (1)، سعيد ابن عمرو بن شرحبيل (1)، شريك
بن أبي نمر (1)، صالح بن كيسان (2)، صفوان بن سليم (2)،
صيفي مولى ابن أفلح (1)، ضمرة بن سعيد (2)، طلحة بن
عبدالملك (1)، عامر بن عبد الله بن الزبير (2)، عبد الله
بن الفضل (1) عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك (2)،
عبد الله بن أبي بكر ابن حزم (18)، عبد الله بن يزيد مولى
الاسود (5)، عبد الله بن دينار (31)، أبو الزناد عبد الله
بن ذكوان (64)، عبدالرحمن بن القاسم (8)، عبد
الرحمن بن أبي صعصعة (3)، عبد الله بن عبدالرحمن أبو طوالة
(2)، عبيد الله بن سليمان الاغر (1)، عبيدالله بن
عبدالرحمن (1)، عبدالرحمن بن حرملة (1)، عبدالرحمن بن أبي
عمرة (1)، عبدالمجيد بن سهيل (1)، عبد ربه بن سعيد (2)،
عبد الكريم الجزري (1)، عطاء الخراساني (1)، عمرو بن
الحارث (1)، عمرو بن أبي عمرو (1)، عمرو بن يحيى ابن عمار
(3)، علقمة بن أبي علقمة (2)، العلاء بن عبدالرحمن (1)،
فضيل بن أبي عبد الله (1)، قطن بن وهب (1)، الزهري (18)،
ابن المنكدر (4)، أبو الزبير (8)، محمد بن عبدالرحمن يتيم
عروة (4)، محمد بن عمرو بن حلحلة (2)، محمد بن عمارة (1)،
محمد بن أبي أمامة (1)، محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة
(1)، محمد بن أبي بكر الثقفي (1)، محمد بن عمرو بن علقمة
(1)، محمد بن يحيى بن حبان (4)، محمد بن أبي بكر بن حزم
(1)، أبو الرجال محمد (1)، موسى بن عقبة (2)، موسى بن
ميسرة (2)، موسى بن أبي تميم (1)، مخرمة بن سليمان (1)،
مسلم بن أبي مريم (2)، المسور بن رفاعة (1)، نافع (85)،
أبو
(8/50)
سهيل نافع بن مالك (1)، نعيم المجمر (3)، وهب بن كيسان
(1)، هاشم ابن هاشم الوقاصي (1)، هلال بن أبي ميمونة (1)،
هشام بن عروة (42)، يحيى بن سعيد الانصاري (40)، يزيد بن
خصيفة (3)، يزيد بن أبي زياد المدني (1)، يزيد بن عبد الله
بن الهاد (3)، يزيد بن رومان (1)، يزيد بن عبد الله بن
قسيط (1)، يونس بن يوسف بن حماس (2)، أبو بكر بن عمر
العمري (1)، أبو بكر بن نافع (2)، الثقة عنده (2)، الثقة
(3).
فعنهم كلهم ست مئة وست وثلاثون حديثا، وستة أحاديث عمن لم
يسم، واختلف في ذلك في أحد وسبعين حديثا.
وممن روى عنه مالك مقاطيع (1): عبد الكريم بن أبي المخارق،
ومحمد بن عقبة، وعمر بن حسين، وكثير بن زيد، وكثير بن
فرقد، ومحمد ابن عبيدالله بن أبي مريم، وعثمان بن حفص بن
خلدة، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، ويعقوب بن
يزيد بن طلحة، ويحيى بن محمد ابن طحلاء، وسعيد بن
عبدالرحمن بن رقيش، وعبد الرحمن بن المجبر، والصلت بن زييد
(2)، وأبو عبيد حاجب سليمان، ومحمد بن يوسف، وعفيف بن
عمرو، ومحمد بن زيد بن قنفذ، وأبو جعفر القارئ، وعمر بن
محمد بن زيد، وصدقة بن يسار المكي، وزياد بن أبي زياد،
وعمارة بن صياد، وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت، وسعيد بن
عمرو بن سليم، وعروة بن أذينة، وأيوب بن موسى، ومحمد بن
أبي حرملة، وأبو بكر بن عثمان، وجميل بن عبدالرحمن المؤذن،
وعبد الرحمن بن محمد بن عبد
__________
(1) هي الاحاديث الموقوفة والمرسلة وغير المسندة.
(2) زبيد بياء معجمة باثنتين من تحتها مكررة كما ضبطه ابن
ماكولا، وقد تصحف في " الجرح والتعديل " و " تعجيل المنفعة
" إلى " زبيد " بالباء الموحدة.
(*)
(8/51)
الله بن عبد، وعمرو بن عبيدالله الانصاري، وإبراهيم بن أبي
عبلة، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، ويزيد بن حفص، وعاصم
بن عبيدالله، وثابت الاحنف، وعبد الرحمن بن أبي حبيب، وعمر
بن أبي دلاف، وعبد الملك ابن قريز، والوليد بن عبد الله بن
صياد، وعائشة بنت سعد.
وفي " الموطأ " عدة مراسيل أيضا عن الزهري، ويحيى الانصاري
وهشام بن عروة.
عمل الامام الدارقطني أطراف (1) جميع ذلك في جزء
كبير، فشفي وبين، وقد كنت أفردت أسماء الرواة عنه في جزء
كبير يقارب عددهم ألفا وأربع مئة، فلنذكر أعيانهم.
حدث عنه من شيوخه: عمه أبو سهيل، ويحيى بن أبي كثير،
والزهري، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن الهاد، وزيد بن أبي
أنيسة، وعمر ابن محمد بن زيد، وغيرهم.
ومن أقرانه: معمر، وابن جريج، وأبو حنيفة، وعمرو بن
الحارث، والاوزاعي، وشعبة، والثوري، وجويرية بن أسماء،
والليث، وحماد بن زيد، وخلق، وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن
عيينة، وعبد الله بن المبارك، والدراوردي، وابن أبي
الزناد، وابن علية، ويحيى بن أبي زائدة، وأبو إسحاق
الفزاري، ومحمد بن الحسن الفقيه، وعبد الرحمن بن القاسم،
وعبد الرحمن بن مهدي، ومعن بن عيسى القزاز، وعبد الله بن
وهب، وأبو قرة موسى بن طارق، والنعمان بن عبد السلام،
ووكيع، والوليد بن مسلم، ويحيى القطان، وإسحاق بن سليمان
الرازي، وأنس بن عياض الليثي، وضمرة بن ربيعة، وأمية بن
خالد، وبشر بن السري
__________
(1) الاطراف: أن يذكر طرف الحديث (أول متنه) الدال على
بقية، ويجمع أسانيده إما مستوعبا، وإما مقيدا بكتب مخصوصة.
(*)
(8/52)
الافوه، وبقية بن الوليد، وبكر بن الشرود الصنعاني، وأبو
أسامة، وحجاج ابن محمد، وروح بن عبادة، وأشهب بن عبد
العزيز، وأبو عبد الله الشافعي، وعبد الله بن عبد الحكم،
وزياد بن عبدالرحمن شبطون الاندلسي، وأبو داود الطيالسي،
وأبو كامل مظفر بن مدرك، وأبو عاصم النبيل، وعبد الرزاق،
وأبو عامر العقدي، وأبو مسهر الدمشقي، وعبد الله
ابن نافع الصائغ، وعبد الله بن عثمان المروزي عبدان،
ومروان بن محمد الطاطري، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد
الله بن مسلمة القعنبي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومعلى بن
منصور الرازي، ومنصور بن سلمة الخزاعي، والهيثم بن جميل
الانطاكي، وهشام بن عبيدالله الرازي، وأسد ابن موسى، وآدم
بن أبي إياس، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وخالد بن مخلد
القطواني، ويحيى بن صالح الوحاظي، وأبو بكر، وإسماعيل ابنا
أبي أويس، وعلي بن الجعد، وخلف بن هشام، ويحيى بن يحيى
التميمي، ويحيى بن يحيى الليثي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن
بكير، وأبو جعفر النفيلي، وقتيبة بن سعيد، ومصعب بن عبد
الله الزبيري، وأبو مصعب الزهري، وأحمد بن يونس اليربوعي،
وسويد بن سعيد، ومحمد ابن سليمان لوين، وهشام بن عمار،
وأحمد بن حاتم الطويل، وأحمد بن نصر الخزاعي الشهيد، وأحمد
بن محمد الازرقي، وإبراهيم بن يوسف البلخي الماكياني،
وإبراهيم بن سليمان الزيات البخلي، وإسماعيل بن موسى
الفزاري، وإسحاق بن عيسى بن الطباع أخو محمد، وإسحاق بن
محمد الفروي، وإسحاق بن الفرات، وإسحاق بن إبراهيم
الحنيني، وبشر ابن الوليد الكندي، وحبيب بن أبي حبيب كاتب
مالك، والحكم بن المبارك الخاشتي (1)، وخالد بن خداش
المهلبي، وخلف بن هشام البزار، وزهير
__________
(1) نسبة إلى خاشت قرية من قرى بلخ.
(*)
(8/53)
ابن عباد الرؤاسي، وسعيد بن عفير المصري، وسعيد بن داود
الزبيري، وسعيد بن أبي مريم، وأبو الربيع سليمان بن داود
الزهراني، وصالح بن عبد الله الترمذي، وعبد الله بن نافع
بن ثابت الزبيري، وعبد الله بن نافع
الجمحي، وعبد الرحمن بن عمرو البجلي الحراني، وعبد الاعلى
بن حماد النرسي، وعبد العزيز بن يحيى المدني، وأبو نعيم
عبيد بن هشام الحلبي، وعلي بن عبدالحميد المعني، وعتبة بن
عبد الله اليحمدي (1) المروزي، وعمرو بن خالد الحراني،
وعاصم بن علي الواسطي، وعباس بن الوليد النرسي، وكامل بن
طلحة، ومحمد بن معاوية النيسابوري، ومحمد بن عمر الواقدي،
وأبو الاحوص محمد بن حبان البغوي، ومحمد بن جعفر الوركاني،
ومحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، ومنصور بن أبي مزاحم،
ومطرف بن عبد الله اليساري، ومحرز بن سلمة العدني، ومحرز
بن عون، والهيثم بن خارجة، ويحيى بن قزعة المدني، ويحيى بن
سلميان بن نضلة المدني، ويزيد بن صالح النيسابوري الفراء.
وآخر أصحابه موتا راوي " الموطأ " أو حذافة أحمد بن
إسماعيل السهمي، عاش بعد مالك ثمانين عاما (2).
وقد حج قديما، ولحق عطاء بن أبي رباح، فقال مصعب الزبيري:
سمعت ابن أبي الزبير، يقول: حدثنا مالك، قال: رأيت عطاء بن
أبي رباح دخل المسجد، وأخذ برمانة المنبر، ثم استقبل
القبلة (3).
__________
(1) نسبة إلى يحمد: بطن من الازد.
(2) للحافظ السيوطي كتاب " إسعاف المبطا برجال الموطا "
ترجم فيه الرواة المذكورين في " الموطأ " وهو مطبوع ألحق
بكتابه " تنوير الحوالك ".
(3) ذكره المؤلف في " تذكرته " 1 / 208.
(*)
(8/54)
قال معن، والواقدي، ومحمد بن الضحاك: حملت أم مالك بمالك
ثلاث سنين (1).
وعن الواقدي قال: حملت به سنتين.
وطلب مالك العلم، وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا،
وجلس للافادة، وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حي
شاب طري، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر
المنصور وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، وإلى
أن مات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الغني المعدل، أخبرنا عبد
اللطيف بن يوسف، أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن أبي
القاسم الخطيب، قالا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبدا
لباقي، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الانباري، أخبرنا عبد
الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي، أخبرنا محمد ابن
مخلد، حدثنا أبويحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار، حدثنا
ابن عيينة عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
ليضربن الناس أكباد الابل في طلب العلم، فلا يجدون عالما
أعلم من عالم المدينة " (2).
وبه إلى ابن مخلد: حدثنا ليث بن الفرج، حدثنا عبدالرحمن بن
مهدي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح،
عن
__________
(1) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 111، والوفيات 4 / 137،
والعبر 1 / 272، والانتفاء ص 12.
(2) أخرجه أحمد 2 / 299، والترمذي (2682)، وابن حبان
(2308)، والحاكم 1 / 91، والبيهقي: 1 / 386 كلهم من حديث
سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، ورجاله ثقات، إلا أن ابن جريج وأبا الزبير
مدلسان، وقد عنعنا، وأعله الامام أحمد بالوقف، كما ذكره
ابن قدامة في " المنتخب " ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، وصححه
ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
(*)
(8/55)
أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي
على الناس زمان يضربون أكباد الابل.." فذكر الحديث.
هذا حديث نظيف الاسناد، غريب المتن.
رواه عدة عن سفيان بن عيينة.
وفي لفظ: " يوشك أن يضرب الناس آباط الابل يلتمسون العلم
".
وفي لفظ: " من عالم بالمدينة " وفي لفظ: " أفقه من عالم
المدينة ".
وقد رواه المحاربي عن ابن جريج موقوفا، ويروى عن محمد بن
عبد الله الانصاري، عن ابن جريج مرفوعا.
وقد رواه النسائي فقال: حدثنا علي بن أحمد، حدثنا محمد بن
كثير، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يضربون أكباد
الابل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة ".
قال النسائي: هذا خطأ، الصواب عن أبي الزبير، عن أبي صالح.
معن بن عيسى، عن أبي المنذر زهير التميمي، قال: قال
عبيدالله بن عمر، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى
الاشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج
ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم، فلا يجدون عالما أعلم
من عالم المدينة " (1).
ويروى عن ابن عيينة قال: كنت أقول: هو سعيد بن المسيب، حتى
قلت: كان في زمانه سليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله،
وغيرهما، ثم أصبحت اليوم أقول: إنه مالك، لم يبق له نظير
بالمدينة.
__________
(1) هو مرسل.
سعيد بن أبي هند لم يسمع مع أبي موسى.
(*)
(8/56)
قال القاضي عياض: هذا هو الصحيح عن سفيان.
رواه عنه ابن مهدي وابن معين، وذؤيب بن عمامة (1)، وابن
المديني، والزبير بن بكار، وإسحاق بن أبي إسرائيل، كلهم
سمع سفيان يفسره بمالك، أو يقول: وأظنه، أو أحسبه، أو
أراه، أو كانوا يرونه (2).
وذكر أبو المغيرة المخزومي أن معناه: ما دام المسلمون
يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة.
فيكون على هذا: سعيد بن المسيب، ثم بعده من هو من شيوخ
مالك، ثم مالك، ثم من قام بعده بعلمه، وكان أعلم أصحابه.
قلت: كان عالم المدينة في زمانه بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وصاحبيه، زيد بن ثابت، وعائشة، ثم ابن عمر، ثم
سعيد بن المسيب، ثم الزهري، ثم عبيدالله بن عمر، ثم مالك.
وعن ابن عيينة قال: مالك عالم أهل الحجاز، وهو حجة زمانه.
وقال الشافعي وصدق وبر إذا ذكر العلماء فمالك النجم (3).
قال الزبير بن بكار في حديث: " ليضربن الناس أكباد
الابل.." كان سفيان بن عيينة إذا حدث بهذا في حياة مالك،
يقول: أراه مالكا.
فأقام على ذلك زمانا ثم رجع بعد، فقال: أراد عبد الله بن
عبد العزيز العمري الزاهد.
قال ابن عبد البر، وغير واحد: ليس العمري ممن يلحق في
العلم والفقه بمالك، وإن كان شريفا سيدا، عابدا.
__________
(1) ترجمه المؤلف في " الميزان " فقال: ضعفه الدارقطني
وغيره.
(2) ترتيب المدارك 1 / 83.
(3) وذكره أبو نعيم في " الحلية " 6 / 318، وابن أبي حاتم
في " الجرح والتعديل "
1 / 206، والمؤلف في " تذكرته " 1 / 108، وعبره 1 / 272.
(*)
(8/57)
قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا مصعب، قال: أخبرنا سفيان:
نرى هذا الحديث أنه هو مالك، وكان سفيان يسألني عن أخبار
مالك.
قلت: قد كان لهذا العمري علم وفقه جيد وفضل، وكان قوالا
بالحق، أمارا بالعرف، منعزلا عن الناس، وكان يحض مالكا إذا
خلا به على الزهد، والانقطاع والعزلة، فرحمهما الله.
فصل ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في
العلم، والفقه، والجلالة، والحفظ، فقد كان بها بعد الصحابة
مثل سعيد بن المسيب، والفقهاء السبعة (1)، والقاسم، وسالم،
وعكرمة، ونافع، وطبقتهم، ثم زيد بن أسلم، وابن شهاب، وأبي
الزناد، ويحيى بن سعيد، وصفوان بن سليم، وربيعة بن أبي
عبدالرحمن، وطبقتهم، فلما تفانوا، اشتهر ذكر مالك بها،
وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وسليمان بن بلال،
وفليح بن سليمان، والدراوردي، وأقرانهم، فكان مالك هو
المقدم فيهم على الاطلاق، والذي تضرب إليه آباط الابل من
الآفاق، رحمه الله تعالى.
وقد وقع لي من عواليه (2) " موطأ " أبي مصعب (3).
وفي الطريق
__________
(1) الفقهاء السبعة نظم أسماءهم بعضهم بهذين البيتين.
إذا قيل من في الفقه سبعة أبحر * روايتهم ليست عن العلم
خارجة فقل هم عبيدالله عروة قاسم * سعيد أبو بكر سليمان
خارجة (2) العوالي: جمع علو، وطلب العلو في الاسناد سنة
عمن سلف من هذه الامة، ولهذا حرص العلماء على الرحلة إليها
واستحبوها، وهو أنواع: منها كان قريبا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم،
ومنها ما كان قريبا من إمام من أئمة الحديث كالاعمش وابن
جريج ومالك وشعبة..، ومنها ما كان قريبا إلى كتاب من الكتب
المعتمدة، المشهورة كالموطأ والكتب الستة والمسند، وأشرف
أنواعه ما كان قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإسناد صحيح نظيف خال من الضعف.
(3) هو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب
بن عبدالرحمن بن عوف = (*)
(8/58)
إجازة، ووقع لي من عالي حديثه بالاتصال أربعون حديثا من
المئة الشريحية، وجزء بيبى (1)، وجزء البانياسي (2)،
والاجزاء المحامليات (3) فمن ذلك: أخبرنا أبو المعالي أحمد
بن إسحاق الهمداني، قال: أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة
الله بن عبد العزيز الدينوري ببغداد، سنة عشرين وست مئة،
أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن عبد العزيز في سنة تسع وثلاثين
وخمس مئة، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن
محمد الفارسي، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا أحمد
بن إسماعيل المدني، حدثنا مالك، عن عبد الله بن عبدالرحمن
الانصاري، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة، أن رجلا قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب، وأنا
أسمع: يا رسول الله، إني أصبح جنبا، وأنا أريد
__________
= الزهري العوفي، قاضي المدينة، وأحد شيوخ أهلها، لازم
مالكا، وتفقه عليه، وروى عنه موطأه، وقد قالوا: إن موطأه
آخر الموطآت، توفي سنة (242)، والموطأ بروايته لم يطبع،
والبغوي في " شرح السنة " يكثر الرواية عنه، والمطبوع من
الموطآت برواية يحيى بن يحيى المصمودي، ورواية محمد بن
الحسن تلميذ الامام أبي حنيفة.
(1) هي بيبى بنت عبدالرحمن بن علي أم الفضل وأم عربي
الهرثمية الهروية، لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبدالرحمن
بن أبي شريح توفيت سنة (477) أو في التي بعدها، وقد
استكملت تسعين سنة " العبر " 3 / 287.
(*) (2) هو أبو عبد الله مالك بن أحمد بن علي بن الفراء
البانياسي البغدادي، المتوفى سنة (485) ه، وخبره هذا فيه
مجلسان: أحدهما عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن
بشران، والثاني: عن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي
الفوارس.
" العبر " 3 / 208، 209.
(3) هي أمال مؤلفة من تسعة أجزاء للقاضي أبي عبد الله
الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي المحاملي، سمع أبا هشام
الرفاعي، ويعقوب الدورقي، والحسن بن الصالح البزار، ومحمد
بن المثنى، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وخلقا كثيرا، روى
عنه دعلج بن أحمد، والطبراني، والدارقطني وغيرهم.
قال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف
رجل، توفي سنة ثلاثين وثلاث مئة.
تذكرة الحفاظ ": 824.
(*)
(8/59)
الصيام، أفأغتسل وأصوم ذلك اليوم ؟ فقال: " وأنا أصبح جنبا
وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم ذلك اليوم " فقال له الرجل:
يا رسول الله، إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من
ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
" والله إني لارجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي "
(1).
هذا حديث صحيح.
أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك، ورواه النسائي في مسند
مالك له، عن محمد بن سلمة، عن عبدالرحمن بن القاسم الفقيه،
عن مالك.
وروى النسائي هذا المتن بنحوه عن أحمد بن حفص النيسابوري،
عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان، عن حجاج بن حجاج، عن قتادة،
عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عبدالرحمن بن الحارث، عن نافع
مولى أم سلمة، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فهذا إسناد غريب، عزيز (2)، قد توالى فيه خمسة تابعيون
بعضهم عن بعض، ومن حيث العدد: كأنني
صافحت (3) فيه النسائي.
ورواه أيضا ابن أبي عروبة، عن قتادة بإسناده، لكنه لم يسم
فيه نافعا، بل قال: عن مولى أم سلمة، عنها، وحديث عائشة هو
في صحيح
__________
(1) هو في " الموطأ " 1 / 289 في الصيام: باب ما جاء في
صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، وأبو داود (2389) في الصوم:
باب فيمن أصبح جنبا في شهر رمضان، وأخرجه أحمد 6 / 67.
(2) الحديث الغريب: ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقة، وقد
يكون ضعيفا، والغرابة قد تكون في المتن، بأن يتفرد بروايته
راو واحد أو في بعضه، كما إذا زاد فيه واحد زيادة لم يقلها
غيره، وقد تكون في الاسناد، كما إذا كان أصل الحديث محفوظا
من وجه آخر أو وجوه، ولكنه بهذا الاسناد غريب، وما اشترك
اثنان أو ثلاثة في روايته عن الشيخ يسمى " عزيزا ".
الباعث الحثيث: ص 166، 167.
(3) يعني: كأنه ساواه في عدد رجال السند.
(*)
(8/60)
مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن عبدالرحمن
وهو أبو طوالة، ولم يخرج البخاري لابي يونس شيئا فيما
علمت، والله أعلم.
قال أبو عبد الله الحاكم وذكر سادة من أئمة التابعين
بالمدينة، كابن المسيب، ومن بعده قال: فما ضربت أكباد
الابل من النواحي إلى أحد منهم دون غيره، حتى انقرضوا وخلا
عصرهم، ثم حدث مثل ابن شهاب، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وعبد
الله بن يزيد بن هرمز، وأبي الزناد، وصفوان بن سليم، وكلهم
يفتي بالمدينة، ولم ينفرد واحد منهم بأن ضربت إليه أكباد
الابل حتى خلا هذا العصر فلم يقع بهم التأويل في عالم أهل
المدينة.
ثم حدث بعدهم مالك، فكان مفتيها، فضربت إليه أكباد الابل
من الآفاق، واعترفوا له، وروت الائمة عنه ممن كان أقدم منه
سنا، كالليث عالم أهل مصر والمغرب، وكالاوزاعي عالم أهل
الشام ومفتيهم، والثوري، وهو المقدم بالكوفة، وشعبة عالم
أهل البصرة.
إلى أن قال: وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الانصاري حين
ولاه أبو جعفر قضاء القضاة، فسأل مالكا أن يكتب له مئة
حديث حين خرج إلى العراق، ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه.
أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: دخلت على أبي جعفر أمير
المؤمنين، وقد نزل على مثال له يعني فرشه وإذا على بساطه
دابتان ما تروثان ولا تبولان، وجاء صبي يخرج ثم يرجع، فقال
لي: أتدري من هذا ؟ قلت: لا.
قال: هذا ابني، وإنما يفزع من هيبتك، ثم ساءلني عن أشياء
منها جلال، ومنها حرام، ثم قال لي: أنت والله أعقل الناس،
وأعلم الناس.
قلت: لا والله يا أمير المؤمنين.
قال: بلى.
ولكنك تكتم.
ثم قال: والله لئن بقيت لاكتبن قولك كما تكتب المصاحف،
ولابعثن به إلى
(8/61)
الآفاق، فلاحملنهم عليه (1).
الحسن بن عبد العزيز الجروي: حدثنا عبد الله بن يوسف، عن
خلف ابن عمر، سمع مالكا يقول: ما أجبت في الفتوى حتى سألت
من هو أعلم مني: هل تراني موضعا لذلك ؟ سألت ربيعة، وسألت
يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك.
فقلت: فلو نهوك ؟ قال: كنت أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يبذل
نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه (2).
قال خلف: ودخلت عليه، فقال: ما ترى (3) ؟ فإذا رؤيا بعثها
بعض إخوانه، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في
المنام، في مسجد قد اجتمع الناس
عليه، فقال لهم: إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما،
وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس، فانصرف الناس وهم يقولون:
إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم بكى، فقمت عنه (4).
أحمد بن صالح: سمعت ابن وهب يقول: قال مالك: لقد سمعت من
ابن شهاب أحاديث كثيرة، ما حدثت بها قط، ولا أحدث بها.
نصر بن علي الجهضمي (5)، حدثني حسين بن عروة قال: قدم
المهدي، فبعث إلى مالك بألفي دينار، أو قال: بثلاثة آلاف
دينار، ثم أتاه الربيع بعد ذلك، فقال: إن أمير المؤمنين
يحب أن تعادله (6) إلى مدينة
__________
(1) أورده المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 209.
(2) ذكره في الحلية 6 / 317.
(3) نص الحلية: فقال لي: انظر ما ترى تحت مصلاي أو حصيري،
فنظرت، فإذا أنا بكتاب، فقال: اقرأه.
(4) " الحلية " 6 / 317.
(5) نسبة إلى الجهاضمة، محلة بالبصرة.
(6) أي تكون له عديلا في " المحمل " وتصاحبه في سفره إلى
بغداد.
(*)
(8/62)
السلام، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المدينة
خير لهم لو كانوا يعلمون ".
والمال عندي على حاله (1).
محمود بن غيلان، حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي: سمعت
مالكا يقول: أخذ ربيعة الرأي بيدي، فقال: ورب هذا المقام،
ما رأيت عراقيا تام العقل، وسمعت مالكا يقول: كان عطاء بن
أبي رباح ضعيف العقل.
ياسين بن عبدالاحد، حدثني عمر بن المحبر الرعيني، قال: قدم
المهدي المدينة، فبعث إلى مالك، فأتاه، فقال لهارون وموسى:
اسمعا منه، فبعث إليه، فلم يجبهما، فأعلما المهدي، فكلمه،
فقال: يا أمير المؤمنين، العلم يؤتى أهله.
فقال: صدق مالك، صيرا إليه، فلما صار إليه، فقال له
مؤدبهما، اقرأ علينا، فقال: إن أهل المدينة يقرؤون على
العالم، كما يقرأ الصبيان على المعلم، فإذا أخطؤوا،
أفتاهم.
فرجعوا إلى المهدي، فبعث إلى مالك، فكلمه، فقال: سمعت ابن
شهاب يقول: جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال، وهم يا
أمير المؤمنين: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وعروة،
والقاسم، وسالم، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، ونافع،
وعبد الرحمن بن هرمز، ومن بعدهم: أبو الزناد، وربيعة،
ويحيى بن سعيد، وابن شهاب، كل هؤلاء يقرأ عليهم
__________
(1) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 210، و " الانتفاء " ص
42، و " ترتيب المدارك " 1 / 210، ومقدمة الجرح والتعديل 1
/ 32، وحديث: " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " أخرجه
مالك في " الموطأ " 2 / 887، 888، والبخاري 4 / 78، 80،
ومسلم (1388) من حديث سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تفتح اليمن، فيأتي قوم
يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو
كانوا يعلمون، وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون
بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون،
وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن
أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ".
(*)
(8/63)
ولا يقرؤون، فقال: في هؤلاء قدوة، صيروا إليه، فاقرؤوا
عليه، ففعلوا.
قتيبة، حدثنا معن، عن مالك، قال: قدم هارون يريد الحج،
ومعه يعقوب أبو يوسف، فأتى مالك أمير المؤمنين، فقربه،
وأكرمه، فلما
جلس، أقبل إليه أبو يوسف، فسأله عن مسألة فلم يجبه، ثم عاد
فسأله فلم يجبه، ثم عاد فسأله.
فقال هارون: يا أبا عبد الله، هذا قاضينا يعقوب، يسألك،
قال: فأقبل عليه مالك، فقال: يا هذا، إذا رأيتني جلست لاهل
الباطل، فتعال أجبك معهم (1).
السراج، حدثنا قتيبة: كنا إذا دخلنا على مالك، خرج إلينا
مزينا مكحلا مطيبا، قد لبس من أحسن ثيابه، وتصدر الحلقة،
ودعا بالمراوح، فأعطى لكل منا مروحة.
محمد بن سعد: حدثنى محمد بن عمر، قال: كان مالك يأتي
المسحد، فيشهد الصلوات والجمعة، والجنائز، ويعود المرضى،
ويجلس في المسجد، فيجتمع إلى أصحابه، ثم ترك الجلوس، فكان
يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز، ثم ترك ذلك كله، والجمعة،
واحتمل الناس ذلك كله، وكانوا أرغب ما كانوا فيه، وربما
كلم في ذلك، فيقول: ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره (2).
__________
(1) أورد الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 210 من طريق
الحاكم، عن علي بن عيسى الحيري، عن محمد بن إبراهيم
العبدي، عن قتيبة، عن معن بن عيسى، قال شعيب: إن صح هذا
القول عن إمام دار الهجرة ولا إخاله يصح فإن ذلك يعد هفوة
منه رحمه الله في حق كبير القضاة الذي انعقدت الخناصر من
الموافق والمخالف على إمامته في الفقه، وبراعته في الحفظ،
وثقة مروياته، وسعة اطلاعه، واستقامه سيرته، وللمؤلف جزء
في ترجمة هذا الامام مطبوع، سرد فيه جملة صالحة من مناقبه،
وثناء الائمة عليه، فراجعه.
(2) الخبر في " طبقات ابن سعد " وابن خلكان في " الوفيات "
4 / 136، وعلق عليه كما = (*)
(8/64)
وكان يجلس في منزله على ضجاع له، ونمارق (1) [ مطروحة في
منزله يمنة ويسرة ] لمن يأتيه من قريش، والانصار، والناس.
وكان مجلسه مجلس وقار وحلم (2).
قال: وكان رجلا مهيبا نبيلا، ليس في مجلسه شئ من المراء،
واللغط، ولا رفع صوت، وكان (3) الغرباء يسألونه عن الحديث،
فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث، وربما أذن لبعضهم يقرأ
عليه، وكان له كاتب قد نسخ كتبه، يقال له: حبيب (4).
يقرأ للجماعة، ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم، هيبة
لمالك، وإجلالا له، وكان حبيب إذا قرأ، فأخطأ، فتح عليه
مالك، وكان ذلك قليلا (5).
ابن وهب: سمعت مالكا يقول: ما أكثر أحد قط فأفلح.
حرملة: حدثنا ابن وهب، قال لي مالك: العلم ينقص ولا يزيد،
ولم يزل العلم ينقص بعد الانبياء والكتب.
__________
= وجد بخطه بقوله: وإنما كان تخلفه عن المسجد، لانه سلس
بوله، فقال عند ذلك: لا يجوز أن أجلس في مسجد الرسول صلى
الله عليه وسلم، وأنا على غير طهارة، فيكون ذلك استخفافا.
(1) جمع نمرقة: الوسادة.
(2) في " ترتيب المدارك ": وعلم.
(3) في الاصل: " كانوا " وسيأتي الخبر قريبا بلفظ " كان "
كما أثبتنا.
(4) هو أبو محمد حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك بن أنس، قال
عنه الامام أحمد: ليس بثقة، وقال ابن معين: كان حبيب يقرأ
على مالك، وكان يخطرف (يسرع) بالناس يصفح ورقتين ثلاثا.
قال يحيى: وكان يحيى بن بكير سمع من مالك بعرض حبيب، وهو
شر العرض، واتهمه أبو داود بالكذب، وقال ابن حبان: كان
يروي عن الثقات الموضوعات، وقال النسائي: أحاديثه كلها
موضوعة عن مالك وغيره.
قال القاضي عياض في " الالماع " ص 77: ولهذه العلة لم يخرج
البخاري من حديث يحيى بن بكير عن مالك إلا القليل، وأكثر
عنه، عن
الليث، وقالوا: لان سماعه كان بقراءة حبيب، وقد أنكر هو
ذلك.
(5) " ترتيب المدارك " 1 / 153، 154، و " الانتفاء " ص 41.
(*)
(8/65)
أحمد بن مسعود المقدسي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني،
قال: كان مالك يقول: والله ما دخلت على ملك من هؤلاء
الملوك حتى أصل إليه، إلا نزع الله هيبته من صدري.
حرملة: حدثنا ابن وهب: سمعت مالكا يقول: اعلم أنه فساد
عظيم أن يتكلم الانسان بكل ما يسمع.
هارون بن موسى الفروي: سمعت مصعبا الزبيري يقول: سأل هارون
الرشيد مالكا، وهو في منزله، ومعه بنوه، أن يقرأ عليهم.
قال: ما قرأت على أحد منذ زمان وإنما يقرأ علي، فقال: أخرج
الناس حتى أقرأ أنا عليك، فقال: إذا منع العام لبعض الخاص،
لم ينتفع الخاص.
وأمر معن ابن عيسى، فقرأ عليه.
إسماعيل بن أبي أويس، قال: سألت خالي مالكا عن مسألة، فقال
لي: قر.
ثم توضأ، ثم جلس على السرير ثم قال: لا حول ولا قوة إلا
بالله.
وكان لا يفتي حتى يقولها.
ابن وهب: سمعت مالكا يقول: ما تعلمت العلم إلا لنفسي، وما
تعلمت ليحتاج الناس إلي، وكذلك كان الناس.
إسماعيل القاضي: سمعت أبا مصعب يقول: لم يشهد مالك الجماعة
خمسا وعشرين سنة، فقيل له: ما يمنعك ؟ قال: مخافة أن أرى
منكرا، فأحتاج أن أغيره.
إبراهيم الحزامي: حدثني مطرف بن عبد الله، قال لي مالك: ما
يقول الناس في ؟ قلت: أما الصديق فيثني، وأما العدو فيقع.
فقال: ما
(8/66)
زال الناس كذلك، ولكن نعوذ بالله من تتابع الالسنة كلها
(1).
أحمد بن سعيد الرباطي (2): سمعت عبد الرزاق يقول: سأل سندل
(3) مالكا عن مسألة، فأجابه، فقال: أنت من الناس، أحيانا
تخطئ، وأحيانا لا تصيب، قال: صدقت.
هكذا الناس.
فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك ؟ ففطن لها، وقال: عهدت
العلماء، ولا يتكلمون بمثل هذا، وإنما أجيبه على جواب
الناس.
حرملة: حدثنا ابن وهب: سمعت مالكا يقول: ليس هذا الجدل من
الدين بشئ.
ابن وهب، عن مالك، قال: دخلت على المنصور، وكان يدخل عليه
الهاشميون، فيقبلون يده ورجله عصمني الله من ذلك.
الحارث بن مسكين: أخبرنا ابن القاسم قال: قيل لمالك: لم لم
تأخذ عن عمرو بن دينار ؟ قال: أتيته، فوجدته يأخذون عنه
قياما، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه
قائما.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا معن، وغيره، عن مالك، قال: لا
يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإن كان أروى
الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس،
وإن كنت لا أتهمه في
__________
(1) أورده في " الحلية " 6 / 321.
(2) نسبة إلى الرباط: اسم لموضع رباط الخيل وملازمة
أصحابها الثغر لحفظه من عدو الاسلام، فيقال لفاعل ذلك:
مرابط وإنما قيل له: الرباطي، لان كان على الرباط وعمارته،
وتولي الاوقاف التي له.
(3) سندل: لقب عمر بن قيس المكي، تركه أحمد والنسائي
والدارقطني وقال يحيى بن معين ليس بثقة، وقال البخاري:
منكر الحديث، وقال أحمد أيضا: أحاديث بواطيل، والخبر أورده
المؤلف في " ميزانه " بنحوه.
(*)
(8/67)
الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
أصبغ: حدثنا ابن وهب، عن مالك وسئل عن الصلاة خلف أهل
البدع القدرية وغيرهم فقال: لا أرى أن يصلى خلفهم.
قيل: فالجمعة ؟ قال: إن الجمعة فريضة، وقد يذكر عن الرجل
الشئ، وليس هو عليه.
فقيل له: أرأيت إن استيقنت، أو بلغني من أثق به، أليس لا
أصلي الجمعة خلفه ؟ قال: إن استقينت.
كأنه يقول: إن لم يستيقن ذلك، فهو في سعة من الصلاة خلفه.
أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني: سمعت محمد بن الحسن
الشيباني يقول: كنت عند مالك فنظر إلى أصحابه، فقال:
انظروا أهل المشرق، فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب، إذا
حدثوكم، فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، ثم التفت، فرآني، فكأنه
استحيى، فقال: يا أبا عبد الله، أكره أن تكون غيبة، هكذا
أدركت أصحابنا يقولون.
قلت: هذا القول من الامام قاله لانه لو يكن له اعتناء
بأحوال بعض القوم، ولا خبر تراجمهم، وهذا هو الورع، ألا
تراه لما خبر حال أيوب السختياني العراقي كيف احتج به.
وكذلك حميد الطويل، وغير واحد ممن روى عنهم (1).
وأهل العراق كغيرهم، فيهم الثقة الحجة، والصدوق، والفقيه،
والمقرئ، والعابد، وفيهم الضعيف، والمتروك، والمتهم.
وفي " الصحيحين " شئ كثير جدا من رواية العراقيين رحمهم
الله.
وفيهم من التابعين كمثل علقمة، ومسروق، وعبيدة، والحسن،
__________
(1) يقول مالك فيما رواه عنه حمزة، كما في " إسعاف "
المبطأ ": إنما كانت العراق تجش علينا بالدراهم والثياب،
ثم صارت تجيش علينا بالعلم.
(*)
(8/68)
وابن سيرين، والشعبي، وإبراهيم، ثم الحكم، وقتادة، ومنصور،
وأبي إسحاق، وابن عون، ثم مسعر، وشعبة، وسفيان، والحمادين،
وخلائق أضعافهم، رحم الله الجميع.
وهذه الحكاية رواها الحاكم عن النجاد، عن هلال بن العلاء،
عن الصيدلاني.
صفة الامام مالك عن عيسى بن عمر قال: ما رأيت قط بياضا ولا
حمرة أحسن من وجه مالك، ولا أشد بياض ثوب من مالك.
ونقل غير واحد (1) أنه كان طوالا، جسيما، عظيم الهامة،
أشقر، أبيض الرأس واللحية، عظيم اللحية، أصلع، وكان لا
يحفي شاربه (2)، ويراه مثلة.
وقيل: كان أزرق العين.
روى بعض ذلك ابن سعد، عن مطرف بن عبد الله.
وقال محمد بن الضحاك الحزامي: كان مالك نقي الثوب، رقيقه،
يكثر اختلاف اللبوس.
وقال الوليد بن مسلم: كان مالك يلبس البياض، ورأيته
والاوزاعي يلبسان السيجان (3).
قال أشهب: كان مالك إذا اعتم، جعل منها تحت ذقنه، ويسدل
طرفها بين كتفيه.
__________
(1) وانظر الديباج المذهب: ص 18.
(2) أي لا يبالغ في قصة، وانظر " زاد المعاد " 1 / 178 -
182.
(3) السيجان: الطيالسة السود أو الخضر، واحدها ساج.
(*)
(8/69)
وقال خالد بن خداش: رأيت على مالك طيلسانا، وثيابا مروية
جيادا.
وقال أشهب: كان مالك إذا اكتحل للضرورة، جلس في بيته.
وقال مصعب: كان يلبس الثياب العدنية ويتطيب.
وقال أبو عاصم: ما رأيت محدثا أحسن وجها من مالك.
وقيل: كان شديد البياض إلى صفرة، أعين (1)، أشم (2)، كان
يوفر سبلته (3)، ويحتج يفتل عمر شاربه.
وقال ابن وهب: رأيت مالكا خضب بحناء مرة.
وقال أبو مصعب: كان مالك من أحسن الناس وجها، وأجلاهم
عينا، وأنقاهم بياضا، وأتمهم طولا، في جودة بدن.
وعن الواقدي: كان ربعة، لم يخضب، ولا دخل الحمام.
وعن بشر بن الحارث قال: دخلت على مالك، فرأيت عليه طيلسانا
يساوي خمس مئة، وقد وقع جناحاه على عينيه أشبة شئ بالملوك.
وقال أشهب: كان مالك إذا اعتم، جعل منها تحت حنكه، وأرسل
طرفها خلفه، وكان يتطيب بالمسك وغيره.
وقد ساق القاضي عياض (4) من وجوه، حسن بزة الامام ووفور
تجمله.
__________
(1) يقال: إنه أعين: إذا كان ضخم العين واسعها.
(2) الشمم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء في أعلاه،
وإشراف الارنبة قليلا، فإن كان فيها احديداب، فهو القنا.
(3) السبلة: ما على الشفة العليا من الشعر، يجمع الشاربين
وما بينهما.
(4) في " ترتيب المدارك " 1 / 113، 116.
(*)
(8/70)
في نسب مالك اختلاف (1)، مع اتفاقهم على أنه عربي أصبحي،
فقيل في جده الاعلى: عوف بن مالك بن زيد بن عامر بن ربيعة
بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن
قحطان، وإلى قحطان جماع اليمن.
ولم يختلفوا أن الاصبحيين من حمير، وحمير فمن قحطان.
نعم، وغيمان في نسبه المشهور بغين معجمة، ثم بآخر الحروف
على المشهور، وقيل: عثمان على الجادة وهذا لم يصح.
وخثيل: بخاء معجمة ثم بمثلثة.
قاله ابن سعد وغيره، وقال إسماعيل بن أبي أويس والدارقطني:
جثيل: بجيم ثم بمثلثة، وقيل: حنبل، وقيل: حسل، وكلاهما
تصحيف.
قال القاضي عياض: اختلف في نسب ذي أصبح، اختلافا كثيرا.
مولده: تقدم أنه سنة ثلاث وتسعين، قاله يحيى بن بكير،
وغيره، وقيل: سنة أربع، قاله: محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم، وعمارة بن وثيمة، وغيرهما.
وقيل: سنة سبع، وهو شاذ.
قال خليفة بن خياط، وإسماعيل بن أبي أويس: ذو أصبح من
حمير.
وروي عن ابن إسحاق أنه زعم أن مالكا وآله موالي بني تيم،
فأخطأ وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الامام مالك له، وطعنه
عليه.
وقد كان مالك إماما في نقد الرجال، حافظا، مجودا، متقنا.
قال بشر بن عمر الزهراني: سألت مالكا عن رجل، فقال: هل
رأيته
__________
(1) انظر " جمهرة أنساب العرب " 1 / 435، 436، و " الوفيات
" 4 / 138، و " ترتيب المدارك " 1 / 102، 107.
(*)
(8/71)
في كتبي ؟ قلت: لا، قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.
فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة.
ولا يلزم من ذلك أنه يروي عن كل الثقات، ثم لا يلزم مما
قال أن كل من روى عنه، وهو عنده ثقة، أن يكون ثقة عند باقي
الحفاظ، فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره، إلا أنه
بكل حال كثير التحري في نقد الرجال، رحمه الله.
ابن البرقي: حدثنا عثمان بن كنانة، عن مالك، قال: ربما جلس
إلينا الشيخ، فيحدث جل نهاره، ما نأخذ عنه حديثا واحدا،
وما بنا أن نتهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث.
إسماعيل القاضي: حدثنا عتيق بن يعقوب، سمعت مالكا يقول:
حدثنا ابن شهاب ببضعة وأربعين حديثا، ثم قال: أعدها علي،
فأعدت عليه منها أربعين حديثا.
وقال نصر بن علي: حدثنا حسين بن عروة، عن مالك، قال: قدم
علينا الزهري، فأتيناه ومعنا ربيعة، فحدثنا بنيف وأربعين
حديثا، ثم أتيناه من الغد، فقال: انظروا كتابا حتى أحدثكم
منه، أرأيتم ما حدثتكم به أمس، أيش في أيديكم منه ؟ فقال
ربيعة: ها هنا من يرد عليك ما حدثت به أمس (1).
قال: ومن هو ؟ قال: ابن أبي عامر.
قال: هات، فسرد له أربعين حديثا منها، فقال الزهري: ما كنت
أرى أنه بقي من يحفظ هذا
غيري.
__________
(1) في الاصل: أنس وهو تصحيف، والتصويب من " تهذيب الكمال
" و " تذهيب التهذيب " للمؤلف.
(*)
(8/72)
قال البخاري عن علي بن عبد الله: لمالك نحو من ألف حديث.
قلت: أراد ما اشتهر له في " الموطأ " وغيره، وإلا، فعنده
شئ كثير، ما كان يفعل أن يرويه (1).
وروى علي بن المديني، عن سفيان، قال: رحم الله مالكا، ما
كان أشد انتقاده للرجال (2).
ابن أبي خيثمة: حدثنا ابن معين، قال ابن عيينة: ما نحن عند
مالك، إنما كنا نتبع آثار مالك، وننظر الشيخ، إن كان كتب
عنه مالك، كتبنا عنه.
وروى طاهر بن خالد الايلي، عن أبيه، عن ابن عيينة، قال:
كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا، ولا يحدث إلا عن
ثقة، ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته يعني من العلم.
الطحاوي: حدثنا يونس: سمعت سفيان وذكر حديثا فقالوا:
يخالفك فيه مالك، فقال: أتقرنني بمالك ؟ ما أنا وهو إلا
كما قال جرير (3):
__________
(1) جاء في مناقب الشافعي ص 199 لابن أبي حاتم: قال
الشافعي: قيل لمالك بن أنس: إن عند ابن عيينة عن الزهري
أشياء ليست عندك ؟ فقال مالك: وأنا كل ما سمعت من الحديث
أحدث به ؟ انا إذن أريد أن أظلمهم.
ورواه أبو نعيم في " الحلية " 6 / 322 بنحوه.
(2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 23، وفي " الحلية " 6 /
322 عن علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: كان مالك ينتقي
الرجال ولا يحدث عن كل أحد، قال علي: ومالك أمان فيمن
حدث عنه من الرجال.
(3) ديوانه: 231 من قصيدة يهجو التيم، ومطلعها: حي الهدملة
من ذات المواعيس * فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس وهو من
شواهد سيبويه 1 / 265، و " المقتضب " 4 / 46، 320، و "
الجمل " للزجاجي ص 192، واللسان: (لبن، لز، قعس)، والمغني
1 / 75.
(*)
(8/73)
وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل
القناعيس (1) ثم قال يونس: سمعت الشافعي يقول: مالك وابن
عيينة القرينان، ولولا مالك وابن عيينة، لذهب علم الحجاز.
وهب بن جرير وغيره، عن شعبة، قال: قدمت المدينة بعد موت
نافع بسنة، ولمالك بن أنس حلقة.
وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب قال: لقد كان لمالك حلقة في
حياة نافع.
وقال أشهب: سألت المغيرة بن عبدالرحمن عن مالك، وابن
الماجشون، فرفع مالكا، وقال: ما اعتدلا في العلم قط.
ابن المديني: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: أخبرني وهيب
وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال أنه قدم المدينة، قال:
فلم أر أحدا إلا تعرف وتنكر إلا مالكا، ويحيى بن سعيد
الانصاري (2).
قال عبدالرحمن: لا أقدم على مالك في صحة الحديث أحدا.
وقال ابن لهيعة: قلت لابي الاسود: من للرأي بعد ربيعة
بالمدينة ؟ قال: الغلام الاصبحي (3).
__________
(1) ابن اللبون: ما أوفى على ثلاث سنين، لز: ربط.
القرن: الحبل الذي يشد به البعيران
ونحوهما فيقرنان معا، والبزل: جمع بازل: البعير الذي دخل
في السنة التاسعة، والقناعيس: جمع قنعاس: الجمل العظيم
الجسم، الشديد القوة، قال البغدادي: ضربه مثلا لمن يعارضه
ويهاجيه، يقول: من رام إدراكي كان بمنزلة ابن اللبون إذا
قرن في قرن مع البازل القنعاس، إن صال عليه لم يقدر على
دفع صولته ومقاومته، وإن رام النهوض معه قصر عن عدوته.
(2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 13 و 14.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 129.
(*)
(8/74)
الحارث بن مسكين: سمعت ابن وهب يقول: لولا أني أدركت
مالكا، والليث، لضللت.
هارون بن سعيد: سمعت ابن وهب ذكر اختلاف الحديث والروايات،
فقال: لولا أني لقيت مالكا لضللت (1).
وقال يحيى القطان: ما في القوم أصح حديثا من مالك، كان
إماما في الحديث.
قال: وسفيان الثوري فوقه في كل شئ.
قال الشافعي: قال محمد بن الحسن (2): أقمت عند مالك ثلاث
سنين وكسرا، وسمعت من لفظه أكثر من سبع مئة حديث، فكان
محمد إذا حدث عن مالك امتلا منزله، وإذا حدث عن غيره من
الكوفيين، لم يجئه إلا اليسير.
قال ابن أبي عمر العدني: سمعت الشافعي يقول: مالك معلمي،
وعنه أخذت العلم.
وعن الشافعي قال: كان مالك إذا شك في حديث، طرحه كله.
أبو عمر بن عبد البر: حدثنا قاسم بن محمد، حدثنا خالد بن
سعد،
__________
(1) الخبر في " ترتيب المدارك " 1 / 141، بلفظ: " لولا أن
الله استنقذنا بمالك والليث
لضللنا ".
(2) هو الامام المجتهد، صاحب التصانيف السائرة في الفقه
والحديث، صاحب أبي حنيفة وتلميذه، وراوي " الموطأ " عن
الامام مالك، وقد سمعه منه كله، وضمنه زيادات كثيرة، ليست
في غيره من الموطآت التي رواها غيره من الائمة عن مالك،
ولمحمد فيه اجتهادات كثيرة، خالف فيها مالكا وأبا حنيفة
وأصحابه، يعبر عنها بقوله: وبه نأخذ، وعليه الفتوى، وبه
يفتى، وعليه الاعتماد، وعليه عمل الامة، وهذا الصحيح، وهو
الاشهر، ونحو ذلك، وهو يعد بحق مصدرا من المصادر الاصلية
الوثيقة لفقه أهل المدينة والعراق، انظر " مقدمة اللكنوي "
لشرح " الموطأ " وسترد ترجمة محمد بن الحسن في الجزء
التاسع من هذا الكتاب.
(*)
(8/75)
حدثنا عثمان بن عبدالرحمن، حدثنا إبراهيم بن نصر، سمعت
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: قال لي
محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم من صاحبكم يريد أبا حنيفة
ومالكا وما كان لصاحبكم أن يتكلم، وما كان لصاحبنا أن
يسكت.
فغضبت، وقلت: نشدتك الله: من أعلم بالسنة، مالك، أو صاحبكم
؟ فقال: مالك، لكن صاحبنا أقيس.
فقلت: نعم، ومالك أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه، وبسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي حنيفة، ومن كان أعلم
بالكتاب والسنة كان أولى بالكلام (1).
قال يونس بن عبدالاعلى: قال لي الشافعي: ذاكرت يوما محمد
بن الحسن، ودار بيننا كلام واختلاف، حتى جعلت أنظر إلى
أوداجه تدر، وأزراره تتقطع.
فقلت: نشدتك بالله، تعلم أن صاحبنا كان أعلم بكتاب الله ؟
قال: اللهم نعم.
قلت: وكان عالما باختلاف الصحابة ؟ قال: نعم.
قال ابن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة: الثوري، ومالك،
والاوزاعي، وحماد بن زيد، وقال: ما رأيت أحدا أعقل من مالك
(2).
يونس بن عبدالاعلى: حدثنا ابن وهب، سمعت مالكا وقال له ابن
القاسم: ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر
فقال مالك: من أين علموا ذلك ؟ قال: منك يا أبا عبد الله.
فقال: ما أعلمها أنا، فكيف يعلمونها بي ؟
__________
(1) " الانتقاء " ص 24، 25 و " حلية الاولياء " 6 / 329 و
" مناقب الشافعي " ص 201.
(2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 31.
(*)
(8/76)
وعن مالك قال: جنة العالم: " لا أدري " فإذا أغفلها أصيبت
مقاتله (1).
قال مصعب بن عبد الله: كانت حلقة مالك في زمن ربيعة مثل
حلقة ربيعة وأكبر، وقد أفتى معه عند السلطان.
الزبير بن بكار: حدثنا مطرف، حدثنا مالك، قال: لما أجمعت
التحويل عن مجلس ربيعة، جلست أنا وسليمان بن بلال في ناحية
المسجد، فلما قام ربيعة، عدل إلينا، فقال: يا مالك، تلعب
بنفسك زفنت (2)، وصفق لك سليمان، بلغت إلى أن تتخذ مجلسا
لنفسك ؟ ! ارجع إلى مجلسك.
قال الهيثم بن جميل: سمعت مالكا سئل عن ثمان وأربعين
مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها ب " لا أدري ".
وعن خالد بن خداش، قال: قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما
أجابني منها إلا في خمس مسائل.
ابن وهب، عن مالك، سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول:
ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: " لا أدري ".
حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه.
قال ابن عبد البر: صح عن أبي الدرداء أن: " لا أدري "، نصف
العلم (3).
__________
(1) " الانتقاء " ص 37.
(2) زفنت: يقال زفن، يزفن بكسر العين: رقص.
(3) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 144، 152.
(*)
(8/77)
قال محمد بن رمح: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا
رسول الله، إن مالكا والليث يختلفان، فبأيهما آخذ ؟ قال:
مالك، مالك (1).
أشهب، عن عبد العزيز الدراوردي، قال: دخلت مسجد النبي صلى
الله عليه وسلم، فوافيته يخطب، إذا أقبل مالك، فلما أبصره
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إلي إلي، فأقبل حتى دنا
منه، فسل صلى الله عليه وسلم خاتمه من خنصره، فوضعه في
خنصر مالك.
محمد بن جرير: حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا إبراهيم بن
حماد (2) الزهري: سمعت مالكا يقول: قال لي المهدي: ضع يا
أبا عبد الله كتابا أحمل الامة عليه.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصقع وأشرت إلى المغرب
فقد كفيته، وأما الشام، ففيهم من قد علمت يعني الاوزاعي،
وأما العراق، فهم أهل العراق (3).
ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، سمعت مالكا يقول: لما حج
المنصور، دعاني فدخلت عليه، فحادثته، وسألني فأجبته، فقال:
عزمت أن آمر بكتبك هذه يعني الموطأ فتنسخ نسخا، ثم أبعث
إلى كل مصر من
أمصار المسلمين بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ويدعوا
ما سوى ذلك من العلم المحدث، فإني رأيت أصل العلم رواية
أهل المدينة وعلمهم.
قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإن الناس قد سيقت إليهم
أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق
إليهم، وعملوا به، ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد،
فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد
__________
(1) الانتقاء: 38.
(2) في الاصل " جماز " والتصويب من " ميزان الاعتدال " و "
لسان الميزان ".
(3) ذكره ابن عبد البر في " الانتقاء " ص 40، والقاضي عياض
في " ترتيب المدارك " 1 / 193.
(*)
(8/78)
لانفسهم.
فقال: لعمري، لو طاوعتني لامرت بذلك (1).
قال الزبير بن بكار: حدثنا ابن مسكين، ومحمد بن مسلمة،
قالا: سمعنا مالكا يذكر دخوله على المنصور، وقوله في
انتساخ كتبه، وحمل الناس عليها، فقلت: قد رسخ في قلوب أهل
كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير.
قال الواقدي: كان مالك يجلس في منزله على ضجاع ونمارق
مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتي، وكان مجلسه
مجلس وقار وحلم، وكان مهيبا، نبيلا، ليس في مجلسه شئ من
المراء واللغط، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث بعد
الحديث، وربما أذن لبعضهم، فقرأ عليه، وكان له كاتب يقال
له: حبيب.
قد نسخ كتبه، ويقرأ للجماعة، فإذا أخطأ فتح عليه مالك،
وكان ذلك قليلا (2).
أبو زرعة: حدثنا أبو مسهر، قال لي مالك: قال لي أبو جعفر:
يا أبا عبد الله، ذهب الناس، لم يبق غيري وغيرك.
ابن وهب، عن مالك: دخلت على أبي جعفر، فرأيت غير واحد من
بني هاشم يقبلون يده، وعوفيت، فلم أقبل له يدا (3).
المحنة قال محمد بن جرير: كان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف
في سبب ذلك، فحدثني العباس بن الوليد، حدثنا ابن ذكوان، عن
مروان
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 192، 193.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 153، و " الانتقاء " ص 41، و "
الديباج المذهب " 1 / 108.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 208.
(*)
(8/79)
الطاطري، أن أبا جعفر نهى مالكا عن الحديث: " ليس على
مستكره طلاق " (1) ثم دس إليه من يسأله، فحدثه به على رؤوس
الناس، فضربه بالسياط (2).
وحدثنا العباس، حدثنا إبراهيم بن حماد (3)، أنه كان ينظر
إلى مالك إذا أقيم من مجلسه، حمل يده بالاخرى.
ابن سعد: حدثنا الواقدي قال: لما دعي مالك، وشوور، وسمع
منه، وقبل قوله، حسد، وبغوه بكل شئ، فلما ولي جعفر بن
سليمان المدينة، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا:
لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشئ، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت
بن الاحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب
جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه، فأمر
بتجريده، وضربه بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من
__________
(1) لم يرد في المرفوع، وإنما هو موقوف على ابن عباس أخرجه
ابن أبي شيبة في " المصنف " 5 / 48 من طريق هشيم، عن عبد
الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن
ابن عباس قال: " ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق " ورجاله ثقات،
وعلقه البخاري 9 / 343 في الطلاق، ولفظه: وقال ابن عباس:
طلاق السكران والمستكره ليس بجائز.
وقال الحافظ: وصله ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، جميعا عن
هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المديني،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق.
والمضطهد: المغلوب المقهور، وثمة آثار في عدم وقوع طلاق
المكره عن عمر، وابن عمر، وابن الزبير، وعمر بن عبد
العزيز، والحسن، وعطاء، والضحاك، ذكرها ابن أبي شيبة في
مصنفه 5 / 48، 49.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 228، و " وفيات الاعيان " 4 /
137، و " الانتقاء " 43.
وجاء في " تاريخ الطبري " 7 / 560: وحدثني سعيد بن
عبدالحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان الحكمي
أخو الانصار، قال: أخبرني غير واحد أن مالك بن أنس استفتي
في الخروج مع محمد، وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لابي
جعفر، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين،
فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته.
(3) في الاصل: " جماز " والتصويب من " ميزان الاعتدال " و
" لسان الميزان ".
(*)
(8/80)
كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في
رفعة وعلو.
قلت: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند
المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن
كثير، " ومن يرد الله به خيرا يصب منه " (1)، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم: " كل قضاء المؤمن خير له " (2) وقال
الله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم
والصابرين) [ محمد:
31 ]، وأنزل تعالى في وقعة أحد قوله: (أو لما أصابتكم
مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم)
[ آل عمران: 165 ].
وقال: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن
كثير) [ الشورى: 30 ].
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ، واستغفر ولم يتشاغل بذم من
انتقم منه، فالله حكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه،
ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
قال القاضي عياض: ألف في مناقب مالك رحمه الله جماعة منهم
القاضي أبو عبد الله التستري (3) المالكي، له في ذلك ثلاث
مجلدات، وأبو الحسن بن فهر المصري (4) وجعفر بن محمد
الفريابي القاضي، وأبو بشر الدولابي الحافظ، والزبير بن
بكار، وأبو علاثة محمد بن أبي غسان،
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 94 في أول كتاب المرضى من حديث أبي
هريرة، وأكثر العلماء ضبطوا الصاد بالكسر، والفاعل هو
الله، قال أبو عبيد الهروي: معناه: يبتليه بالمصائب ليثيبه
عليها.
(2) قطعة من حديث أخرجه أحمد في " مسنده " 5 / 24 من حديث
أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له " وسنده
جيد.
(3) هو محمد بن أحمد بن عمر التستري المتوفى سنة خمس
وأربعين وثلاث مئة، مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 193،
194.
(4) هو علي بن الحسين بن محمد بن العباس فقيه مالكي مترجم
في " الديباج المذهب " 2 / 104.
(*)
(8/81)
وابن حبيب، وأبو محمد بن الجارود، وأحمد بن رشدين، وأبو
عمرو المغامي (1)، والحسن بن إسماعيل الضراب، وأبو الحسن
بن منتاب، وأبو
إسحاق بن شعبان، وأبو بكر أحمد بن محمد اليقطيني، والحافظ
أبو نصر بن الجبان، وأبو بكر بن روزبة الدمشقي، والقاضي
أبو عبد الله الزنكاني (2)، وأبو الحسن بن عبيدالله
الزبيري، وأبو بكر أحمد بن مروان الدينوري، والقاضي أبو
بكر الابهري، والقاضي أبو الفضل القشيري، وأبو بكر بن
اللباد، وأبو محمد بن أبي زيد، والحافظ أبو عبد الله
الحاكم، وأبو ذر عبد ابن أحمد الهروي، وأبو عمر الطلمنكي،
وأبو عمر بن حزم الصدفي، وأبو عمر بن عبد البر، والقاضي
أبو محمد بن نصر، وابن الامام التطيلي، وابن حارث القروي،
والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو مروان بن أصبغ (3).
وقد جمع الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا كبيرا في الرواة عن
مالك، وشئ من روايتهم عنه.
قلت: وللحافظ أبي نعيم ترجمة طولى في " الحلية " لمالك.
وممن ألف في الرواة عنه: الامام أبو عبد الله بن مفرج،
والامام أبو عبد الله بن أبي دليم، وعبد الرحمن بن محمد
البكري.
__________
(1) بضم الميم، وفتح الغين، وبعد الالف ميم ثانية، هذه
النسبة إلى مغامة: وهي مدينة بالاندلس، واسمه يوسف بن يحيى
بن يوسف الازدي من أهل قرطبة، توفي سنة 288 ه.
مترجم في " جذوة المقتبس " ص 373، و " نفح الطيب " 2 /
520.
(2) كذا في الاصل، وفي " الديباج المذهب ": 2 / 183،
البرنكاني، ويقال البركاني، وهو محمد بن أحمد بن سهل
القاضي البصري المتوفى سنة تسع عشر وثلاث مئة.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 44، 45، وذكر القاضي عياض أن
معوله في تأليفه " ترتيب المدارك " كان على كتابي التستري،
والضراب، وتلقط من غيرهما ما فيه زيادة فائدة أو نادرة لم
تقع فيهما.
(*)
(8/82)
قال عياض: واستقصينا كتابنا هذا في أخبار مالك من تصانيف
المحدثين: ككتب البخاري، والزبير، وابن أبي حاتم، ووكيع
القاضي، والدارقطني، وابن جرير الطبري، والصولي، وأحمد بن
كامل، وأبي سعيد بن يونس الصدفي، وأبي عمر الكندي، وأبي
عمر الصدفي القرطبي، وأبي عبد الله بن حارث القروي، وأبي
العرب التميمي، وأبي إسحاق بن الرفيق الكاتب، وأبي علي بن
البصري في القرويين، وتاريخ أبي بكر بن أبي عبد الله
المالكي في القرويين، وتواريخ الاندلس: ككتاب أبي عبد الله
بن عبد البر، وكتاب " الاحتفال " لابي عمر بن عفيف، و "
الانتخاب " لابي القاسم بن مفرج، وتاريخ أبي محمد بن
الفرضي، وتواريخ أبي مروان، وابن حيان، والرازي، وكتاب
أحمد بن عبدالرحمن ابن مظاهر (1).
وما وقع إلي من تاريخ الخطيب في البغداديين، وكتاب أبي نصر
الامير (2)، وطبقات أبي إسحاق الشيرازي، وكتاب ابن عبد
البر في الائمة الثلاثة ورواتهم (3).
قال القاضي: وحققنا من روى " الموطأ " عن مالك، ومن نص
عليهم أصحاب الاثر والنقاد: ابن وهب، ابن القاسم، محمد بن
الحسن، الغاز ابن قيس، زياد شبطون، الشافعي، القعنبي، معن
بن عيسى، عبد الله بن
__________
(1) قال ابن بشكوال في " الصلة " 1 / 70: عني بسماع العلم
ولقاء الشيوخ، والاخذ عنهم، وكان له بصر بالمسائل، وميل
إلى الاثر، وتقييد الخبر، وله كتاب في تاريخ فقهاء طليطلة
وقضاتها، وقد نقلنا منه في كتابنا هذا ما نسبناه إليه،
وكان ثقة فيما رواه ونقله.
(2) هو الحافظ الكبير النسابة الامير أبو نصر علي بن هبة
الله بن علي بن جعفر العجلي المعروف بابن ماكولا، المتوفى
سنة 487 ه.
قال المؤلف في " العبر " 3 / 317: ولم يكن في بغداد بعد
الخطيب أحفظ منه، واسم كتابه: " الاكمال في رفع الارتياب
عن المؤتلف والمختلف
في الاسماء والكنى والانساب " وهو كتاب عظيم في بابه، طبع
في سبع مجلدات بتحقيق العلامة عبدالرحمن المعملي اليماني
رحمه الله.
(3) واسمه " الانتقاء في فضائل الثلاثة الائمة الفقهاء "
وهو مطبوع.
(*)
(8/83)
يوسف، يحيى بن يحيى التميمي، يحيى بن يحيى الليثي، يحيى بن
بكير، مطرف بن عبد الله اليساري، عبد الله بن عبد الحكم،
موسى بن طارق، أسد بن الفرات، ومحمد بن المبارك الصوري،
أبو مسهر الغساني، حبيب كاتب الليث، قرعوس بن العباس (1)،
أحمد بن منصور الحراني، يحيى بن صالح الوحاظي، يحيى بن
مضر، سعيد بن داود الزبيري، مصعب بن عبد الله الزبيري، أبو
مصعب الزهري، سويد بن سعيد، سعيد ابن أبي مريم، سعيد بن
عفير، علي بن زياد التونسي، قتيبة بن سعيد الثقفي، عتيق بن
يعقوب الزبيري، محمد بن شروس الصنعاني (2)، إسحاق بن عيسى
بن الطباع، خالد بن نزار الايلي، إسماعيل بن أبي أويس،
وأخوه أبو بكر، عيسى بن شجرة المغربي، بربر المغني والد
الزبير ابن بكار، أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي.
خاتمة من روى عنه: قيل إن زكريا بن دويد الكندي لقي مالكا،
ولكنه كذاب، بقي إلى سنة نيف وستين ومئتين، وعليه بنى
الخطيب في كتاب: " السابق واللاحق " (3)، خلف بن جرير
القروي، محمد بن يحيى السبائي، محرز بن هارون، سعيد بن
عبدوس، عباس بن ناصح، عبيد بن حيان الدمشقي، أيوب بن صالح
الرملي، حفص بن عبد السلام، وأخوه حسان، يحيى وفاطمة ولدا
مالك، سليمان بن برد، عبدالرحمن بن
__________
(1) مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 154.
(2) مترجم في " ترتيب المدارك " 1 / 397، وهو محمد بن
عبدالرحيم بن شروس، وقد تصحف فيه " الصنعاني " إلى "
الصغاني ".
(3) في تباعد ما بين وفاة الروايين عن شيخ واحد، لم يطبع
بعد، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية تقع في 148 ورقة تحت
رقم (138، حديث)، ضمنه كما قال في مقدمته ذكر من اشتراك في
الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا،
وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا.
(*)
(8/84)
خالد، عبدالرحمن بن هند، عبدالرحمن بن عبد الله الاندلسي.
وقد قيل: إن قاضي البصرة محمد بن عبد الله الانصاري روى "
الموطأ " عن مالك إجازة (1).
وقيل: إن أبا يوسف القاضي رواه عن رجل، عن مالك، وما زال
العلماء قديما وحديثا لهم أتم اعتناء برواية " الموطأ "
ومعرفته، وتحصيله.
وقد جمع إسماعيل القاضي أحاديث الموطأ عن رجاله، عن مالك،
وسائر ما وقع له من حديث مالك.
وألف قاسم بن أصبغ الحافظ حديث مالك، وأبو القاسم الجوهري،
وأبو الحسن القابسي عمل " الملخص "، وحفظه خلق من الطلبة.
وألف أبو ذر الهروي مسند الموطآت، وألف أبو بكر القباب
حديث مالك.
ولابي الحسن ابن حبيب السجلماسي (2) مسند الموطأ، ولفلان
المطرز، ولابي عبد الله الجيزي، وأحمد بن بندار الفارسي،
وأبي سعيد بن الاعرابي، وابن مفرج.
وألف النسائي مسند مالك، وأبو أحمد بن عدي، وأحمد بن
إبراهيم ابن جامع السكري، وابن عفير، وأبو عبد الله
النيسابوري السراج، وأبو بكر ابن زياد النيسابوري، وأبو
حفص بن شاهين، وأبو العرب التميمي، ويحيى
ابن سعيد، والحافظ أبو القاسم الاندلسي، وأبو عمر بن عبد
البر، له: " التقصي "، ومحمد بن عيشون الطليطلي.
وألف مسند مالك أبو القاسم الجوهري، وذلك غير ما في
__________
(1) الاجازة: أن يأذن الشيخ لغيره أن يروي عنه مروياته أو
مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته عنه.
(2) نسبة إلى سجلماسة، مدينة في جنوب المغرب.
(*)
(8/85)
" الموطأ "، والحافظ عبد الغني بن سعيد الازدي، وأبو بكر
محمد بن عيسى الحضرمي، وأبو الفضل بن أبي عمران الهروي.
وعمل الدارقطني كتاب " اختلافات الموطأ ".
وألف دعلج السجزي (1) غرائب حديث مالك، وابن الجارود،
وقاسم بن أصبغ.
وعمل الدارقطني أيضا الاحاديث التي خولف فيها مالك.
ولابي بكر البزار مؤلف في ذلك.
وعمل محمد بن المظفر الحافظ ما وصله مالك خارج موطئه، وألف
أبو عمر بن نصر الطليطلي " مسند الموطأ " وكذا إبراهيم بن
نصر، وأحمد بن سعيد بن فرضخ الاخميمي، والمحدث أبو سليمان
بن زبر، وأسامة بن علي المصري، وموسى بن هارون الحمال
الحافظ، والقاضي أبو بكر بن السليم أفرد ما ليس في "
الموطأ ".
وعمل أبو الحسن بن أبي طالب العابر كتاب " موطأ الموطأ ".
وعمل الدارقطني الخطيب أطراف الموطأ.
وعمل له شرحا يحيى بن مزين الفقيه، وله كتاب في رجاله.
ولابن وهب فيه شرح، ولعيسى بن دينار، ولعبد الله بن نافع
الصائغ،
ولحرملة، ولابن حبيب، ولمحمد بن سحنون.
ولمسلم مؤلف في شيوخ مالك.
وللبرقي رجال الموطأ، وللطلمنكي (2)، وأبي عبد الله بن
الحذاء،
__________
(1) نسبة إلى سجستان على غير قياس.
(2) هو أبو عمر، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى
الطلمنكي نسبة إلى طلمنكة ثغر بالاندلس الشرقي، مترجم في "
ترتيب المدارك " 4 / 749، 750.
(*)
(8/86)
ولابي عبد الله بن مفرج، ولاحمد بن عمران الاخفش في غريبه.
وللبرقي، وللغساني المصري، ولابي جعفر الداوودي، ولابي
مروان القنازعي، ولابي عبدالملك البوني (1).
وجمع ابن جوصا بين " الموطأ " رواية ابن وهب وابن القاسم،
ولغيره جمع بين رواية يحيى بن يحيى، وأبي مصعب.
ولابن عبد البر شرحان، وهما: " التمهيد "، و " الاستذكار "
وله كتاب ما رواه مالك خارج الموطأ.
وعمل على " الموطأ " أبو الوليد الباجي كتاب: " الايمان "،
وكتاب: " المنتقى "، وعمل كتاب: " الاستيفاء "، طويل جدا،
ولم يتمه.
وشرحه أبو الوليد بن الصفار في كتاب اسمه: " الموعب ".
لم يتمه.
وكتاب: " المحلى في شرح الموطأ " للقاضي محمد بن سليمان
ابن خليفة.
ولابي محمد بن حزم شرح.
ولابي بكر بن سائق شرح، ولابن أبي صفرة شرح.
ولابي عبد الله بن الحاج القاضي شرح.
ولشيخنا أبي الوليد
ابن العواد: " الجمع بين التمهيد والاستذكار " ما تم.
ولابي محمد بن السيد البطليوسي شرح كبير.
ولابن عيشون: " توجيه الموطأ ".
__________
(1) هو مروان بن علي القطان، أندلسي الاصل، سكن بونة من
بلاد إفريقية، وكان من الفقهاء المتفننين، مترجم في "
ترتيب المدارك " 4 / 709، 710.
(*)
(8/87)
ولعثمان بن عبد ربه المعافري الدباغ شي ء في ذلك على أبواب
" الموطأ ".
ولابي القاسم بن الجد: " اختصار التمهيد ".
ولحازم بن محمد بن حازم كتاب " السافر عن آثار الموطأ ".
و " تفسير الموطأ " لابي الحسن الاشبيلي.
وتفسير لابن شراحيل.
وللطلمنكي تفسير لم يتم.
و " شرح مسند الموطأ " ليونس بن مغيث.
وللمهلب بن أبي صفرة في ذلك.
ولاخيه أبي عبد الله في ذلك.
وللقاضي أبي بكر بن العربي كتاب: " القبس في شرح الموطأ ".
ولابي محمد بن يربوع الحافظ كتاب على معرفة رجال الموطأ.
ولعاصم النحوي شريح لم يكمل.
ولابي بكر بن وهب القيري، شرح الملخص في مجلدات (1).
فصل ولمالك رحمه الله رسالة في القدر، كتبها إلى ابن وهب
وإسنادها صحيح (2).
وله مؤلف: في النجوم ومنازل القمر، رواه سحنون، عن ابن
نافع الصائغ، عنه مشهور (3).
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 198، 201.
(2) قال القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 204 بعد أن
أورد سنده فيه: وهذا سند صحيح مشهور الرجال، وكلهم ثقات.
(3) قال عياض 1 / 204، 205: وهو كتاب جيد مفيد جدا قد
اعتمد الناس عليه في هذا = (*)
(8/88)
ورسالة في الاقضية، مجلد، رواية محمد بن يوسف بن مطروح، عن
عبد الله بن [ عبد ] الجليل (1).
ورسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف (2).
ورسالة آداب إلى الرشيد، إسنادها منقطع، قد أنكرها إسماعيل
القاضي وغيره، وفيها أحاديث لا تعرف.
قلت: هذه الرسالة موضوعة.
وقال القاضي الابهري: فيها أحاديث لو سمع مالك من يحدث بها
لادبه (3).
وله جزء في التفسير يرويه خالد بن عبدالرحمن المخزومي،
يرويه القاضي عياض عن أبي جعفر أحمد بن سعيد، عن أبي عبد
الله محمد بن الحسن المقرئ، عن محمد بن علي المصيصي، عن
أبيه بإسناده (4).
وكتاب " السر " من رواية ابن القاسم عنه، رواه الحسن بن
أحمد العثماني، عن محمد بن عبد العزيز بن وزير الجروي، عن
الحارث بن مسكين، عنه (5).
قلت: هو جزء واحد سمعه أبو محمد بن النحاس المصري، من محمد
بن بشر العكري، حدثنا مقدام بن داود الرعيني، حدثنا الحارث
بن مسكين، وأبو زيد بن أبي الغمر، قالا: حدثنا ابن القاسم.
__________
= الباب، وجعلوه أصلا، وعليه اعتمد أبو محمد عبد الله بن
مسرور الفقيه القروي في تأليفه في هذا الباب.
(1) قال عياض: وهو مؤدب مالك بن أنس.
(2) وهو من كبار أهل المدينة، يعد قرينا لمالك، يروي عن
أبي حازم، وزيد بن أسلم، وروى عنه الثقات ووثقوه.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 206.
(4) " ترتيب المدارك " 1 / 207.
(5) " ترتيب المدارك " 1 / 207.
(*)
(8/89)
قال: ورسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة معروفة (1).
فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل، والفتاوى،
والفوائد، فشئ كثير.
ومن كنوز ذلك: " المدونة "، و " الواضحة "، وأشياء.
قال مالكي: قد ندر الاجتهاد اليوم، وتعذر، فمالك أفضل من
يقلد، فرجح تقليده.
وقال شيخ: إن الامام لمن التزم بتقليده، كالنبي مع أمته،
لا تجل مخالفته.
قلت: قوله لا تحل مخالفته: مجرد دعوى، واجتهاد بلا معرفة،
بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة
أقوى، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن
تمذهب لامام، فإذا لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي
مذهب كان، ومن تتبع رخص المذاهب، وزلات المجتهدين، فقد رق
دينه، كما قال الاوزاعي أو غيره: من أخذ يقول المكيين في
المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء،
والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر.
وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها، وفي
الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه، وشبه ذلك، فقد
تعرض للانحلال، فنسأل الله العافية والتوفيق.
ولكن: شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه، فإذا حفظه،
بحثه، وطالع الشروح، فإن كان ذكيا، فقيه النفس، ورأى حجج
الائمة، فليراقب الله، وليحتط لدينه، فإن خير الدين الورع،
ومن ترك الشبهات،
__________
(1) أوردها القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 64، 65
وانظر رد الليث عليها في " إعلام الموقعين " 3 / 72، 77.
(*)
(8/90)
فقد استبرأ لدينه وعرضه، والمعصوم من عصمه الله.
فالمقلدون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشرط ثبوت
الاسناد إليهم، ثم أئمة التابعين كعلقمة، ومسروق، وعبيدة
السلماني، وسعيد بن المسيب، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير،
وعبيدالله بن عبد الله، وعروة، والقاسم، والشعبي، والحسن،
وابن سيرين، وإبراهيم النخعي.
ثم كالزهري، وأبي الزناد، وأيوب السختياني، وربيعة،
وطبقتهم.
ثم كأبي حنيفة، ومالك، والاوزاعي، وابن جريج، ومعمر، وابن
أبي عروبة، وسفيان الثوري، والحمادين، وشعبة، والليث، وابن
الماجشون، وابن أبي ذئب.
ثم كابن المبارك، ومسلم الزنجي، والقاضي أبي يوسف، والهقل
بن زياد، ووكيع، والوليد بن مسلم، وطبقتهم.
ثم كالشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور،
والبويطي، وأبي بكر بن أبي شيبة.
ثم كالمزني، وأبي بكر الاثرم، والبخاري، وداود بن علي،
ومحمد ابن نصر المروزي، وإبراهيم الحربي، وإسماعيل القاضي.
ثم كمحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر بن خزيمة، وأبي عباس بن
سريج، وأبي بكر بن المنذر، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي بكر
الخلال.
ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد، ووضعت المختصرات،
وأخلد الفقهاء إلى التقليد، من غير نظرفي الاعلم، بل بحسب
الاتفاق، والتشهي، والتعظيم، والعادة، والبلد.
فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لابي حنيفة،
لعسر عليه، كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل
(8/91)
ببخارى، وسمرقند، لصعب عليه، فلا يجئ منه حنبلي، ولا من
المغربي حنفي، ولا من الهندي مالكي.
وبكل حال: فإلى فقه مالك المنتهى.
فعامة آرائه مسددة، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل،
ومراعاة المقاصد، لكفاه.
ومذهبه قد ملا المغرب، والاندلس، وكثيرا من بلاد مصر، وبعض
الشام، واليمن، والسودان، وبالبصرة، وبغداد، والكوفة، وبعض
خراسان.
وكذلك اشتهر مذهب الاوزاعي مدة، وتلاشى أصحابه، وتفانوا.
وكذلك مذهب سفيان وغيره ممن سمينا، ولم يبق اليوم إلا هذه
المذاهب الاربعة.
وقل من ينهض بمعرفتها كما ينبغي، فضلا عن أن يكون مجتهدا.
وانقطع أتباع أبي ثور بعد الثلاث مئة، وأصحاب داود إلا
القليل، وبقي مذهب ابن جرير إلى [ ما ] بعد الاربع مئة.
وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز وباليمن، لكنه معدود في
أقوال أهل البدع، كالامامية، ولا بأس بمذهب داود، وفيه
أقوال حسنة، ومتابعة للنصوص، مع أن جماعة من العلماء لا
يعتدون بخلافة، وله شذوذ في
مسائل شانت مذهبه.
وأما القاضي، فذكر ما يدل على جواز تقليدهم إجماعا، فإنه
سمى المذاهب الاربعة، والسفيانية، والاوزاعية، والداوودية.
ثم إنه قال: فهؤلاء الذين وقع إجماع الناس على تقليدهم، مع
الاختلاف في أعيانهم، واتفاق العلماء على اتباعهم،
والاقتداء بمذاهبهم، ودرس كتبهم، والتفقه على مآخذهم،
والتفريع على أصولهم، دون غيرهم ممن تقدمهم أو عاصرهم،
للعلل التي ذكرناها.
(8/92)
وصار الناس اليوم في الدنيا إلى خمسة مذاهب، فالخامس: هو
مذهب الداوودية.
فحق على طالب العلم أن يعرف أولاهم بالتقليد، ليحصل على
مذهبه.
وها نحن نبين أن مالكا رحمه الله هو ذلك، لجمعه أدوات
الامامة وكونه أعلم القوم.
ثم وجه القاضي دعواه، وحسنها ونمقها، ولكن ما يعجز كل واحد
من حنفي، وشافعي، وحنبلي، وداوودي، عن ادعاء مثل ذلك
لمتبوعه، بل ذلك لسان حاله، وإن لم يفه به.
ثم قال القاضي عياض: وعندنا ولله الحمد لكل إمام من
المذكورين مناقب، تقضي له بالامامة (1).
قلت: ولكن هذا الامام الذي هو النجم الهادي قد أنصف، وقال
قولا فصلا، حيث يقول: كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك، إلا
صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد،
فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لانه قد تبرهن
له مذهب الغير
__________
(1) راجع الفصل الذي كتبه القاضي عياض في " ترتيب المدارك
" 1 / 89، 102 في ترجيح مذهب الامام على غيره من الائمة،
فإنك ستعلم أن الامام الذهبي كان محقا في تعقبه ونقده في
مواطن من كلامه، فقد كتب هذا الفصل يدافع التعصب المقيت
الحامل على الغلو والاطراء في المدح، وإضفاء صفة الكمال
والعصمة لغير من هي له، ونسبة أقوال إلى غيره من الائمة لا
تصح عنهم، يلزم عنها الطعن فيهم والنبيل منهم، فالامام
مالك رحمه الله مع كونه صاحب فضل وعلم، واجتهاد وورع، هو
كغيره من الائمة المجتهدين، يصيب ويخطئ، فإن أصاب فله
أجران، وإن أخطأ، فله أجر واحد، وقد انتقده غير واحد من
الائمة كالشافعي وأحمد وغيرهما في أكثر من مسألة وبينوا أن
الصواب في غير ما ذهب إليه، وذلك مدون في مظانه من كتب
الخلاف، وجاء في " حلية الاولياء " 6 / 323 عن سعيد بن
سليمان قال: قلما سمعت مالكا يفتي بشئ إلا تلا هذه الآية:
(إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) ولست أشك في أن الامام
مالكا لو رأى الذي كتبه القاضي عياض لتبرأ منه، وأنحى
بالائمة عليه.
(*)
(8/93)
في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد
فيها إمامة، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الامام الآخر
بالبرهان، لا بالتشهي والغرض.
لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه، أو ليصمت فيما خفي
عليه دليله.
قال الشافعي: العلم يدور على ثلاثة: مالك، والليث وابن
عيينة.
قلت: بل وعلى سبعة معهم، وهم: الاوزاعي، والثوري، ومعمر،
وأبو حنيفة، وشعبة، والحمادان.
وروي عن الاوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكا يقول: عالم
العلماء، ومفتي الحرمين.
وعن بقية أنه قال: ما بقي على وجه الارض أعلم بسنة ماضية
منك يا
مالك.
وقال أبو يوسف: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة، ومالك، وابن
أبي ليلى.
وذكر أحمد بن حنبل مالكا، فقدمه على الاوزاعي، والثوري،
والليث، وحماد، والحكم، في العلم.
وقال: هو إمام في الحديث، وفي الفقه.
وقال القطان: هو إمام يقتدى به.
وقال ابن معين: مالك من حجج الله على خلقه.
وقال أسد بن الفرات: إذا أردت الله والدار الآخرة فعليك
بمالك.
(8/94)
وقد صنف مكي القيسي (1) كتابا فيما روي عن مالك في
التفسير، ومعاني القرآن.
وقد ذكره أبو عمرو الداني (2) في " طبقات القراء ".
وأنه تلا على نافع ابن أبي نعيم.
وقال بهلول بن راشد (3): ما رأيت أنزع بآية من مالك مع
معرفته بالصحيح والسقيم.
قرأت على إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أبو
المكارم التيمي، ونبأني ابن سلامة، عن أبي المكارم، أخبرنا
أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو محمد
بن حيان، حدثنا محمد بن أحمد ابن عمرو، حدثنا عبد الله بن
أحمد بن كليب، عن الفضل بن زياد، سألت أحمد بن حنبل: من
ضرب مالكا ؟ قال: بعض الولاة في طلاق المكره، كان لا
يجيزه، فضربه لذلك (4).
وبه قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن علي، حدثنا المفضل
الجندي،
__________
(1) هو مكي بن أبي طالب بن حيوس القيسي القيرواني، ثم
الاندلسي القرطبي، الامام العلامة المحقق أستاذ القراء
والمجودين، كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية،
حسن الفهم، كثير التآليف في علوم القرآن، توفي سنة 437 ه.
" طبقات القراء " 2 / 309، 310.
(2) هو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني الاموي، الامام
العلامة الحافظ شيخ المقرئين، صاحب التآليف الكثيرة في
علوم القرآن، المتوفى سنة 444 ه.
طبقات القراء 1 / 503، 505.
(*) (3) هو أبو عمرو البهلول بن راشد الحجري، ثم الرعيني
مولاهم من علماء القيروان، ألف كتابا في الفقه، والغالب
عليه اتباع مالك، وربما مال إلى قول الثوري، وأخباره في
الزهد كثيرة، توفي سنة 183 ه، ترجمته في " معالم الايمان "
1 / 264، 279 و " الجرح والتعديل " 2 / 429، و " لسان
الميزان " 2 / 66.
(4) " حلية الاولياء " 6 / 316.
(*)
(8/95)
سمعت أبا مصعب، سمعت مالكا، يقول: ما أفتيت حتى شهد لي
سبعون أني أهل لذلك (1).
ثم قال أبو مصعب: كان مالك لا يحدث إلا وهو على طهارة
إجلالا للحديث (2).
وبه قال: حدثنا ابن حيان، حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد،
حدثنا يونس بن عبدالاعلى، قال: قال الشافعي: إذا جاء الاثر
كان مالك كالنجم، وهو وسفيان القرينان (3).
وبه: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا السراج، حدثنا
محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة: أتيت المدينة
بعد موت نافع بسنة،
فإذا الحلقة لمالك (4).
وبه: حدثنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن أحمد بن راشد،
سمعت أبا داود يقول: حكى لي بعض أصحاب ابن وهب، عنه، أن
مالكا لما ضرب، حلق وحمل (5) على بعير، فقيل له: ناد على
نفسك.
فقال: ألا من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك
بن أنس، أقول: طلاق المكره ليس بشئ.
فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الامير، فقال: أدركوه، أنزلوه
(6).
__________
(1) " الحلية " 6 / 316.
(2) " الحلية " 6 / 318.
(3) " الحلية " 6 / 318.
(4) " الحلية " 6 / 319.
(5) في الاصل: " وتحمل ".
(6) " الحلية " 6 / 316.
(*)
(8/96)
وبه: حدثنا إبراهيم، حدثنا السراج، حدثنا الحسن بن عبد
العزيز، حدثنا الحارث بن مسكين، عن ابن وهب قال: قيل
لمالك: ما تقول في طلب العلم ؟ قال: حسن جميل، لكن انظر
الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي، فالزمه (1).
وبه عن ابن وهب: سئل مالك عن الداعي يقول: يا سيدي.
فقال: يعجبني دعاء الانبياء: ربنا، ربنا (2).
وبه: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا الابار، حدثنا أحمد
بن هاشم، حدثنا ضمرة، سمعت مالكا يقول: لو أن [ لي ]
سلطانا على من
يفسر القرآن، لضربت رأسه (3).
قلت: يعني تفسيره برأيه.
وكذلك جاء عن مالك، من طريق أخرى.
وبه: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا أبو إسماعيل
الترمذي، حدثنا نعيم بن حماد، سمعت ابن المبارك يقول: ما
رأيت أحدا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا
أن تكون له سريرة (4).
قلت: ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم
والصلاة لمن أراد به الله.
وبه: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا المقدام بن داود، حدثنا
عبد الله
__________
(1) " الحلية " 6 / 319.
(2) " الحلية " 6 / 320.
(3) " الحلية " 6 / 322.
(4) " الحلية " 6 / 330.
(*)
(8/97)
ابن عبد الحكم، سمعت مالكا يقول: شاورني هارون الرشيد في
ثلاثة: في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما
فيه، وفي أن ينقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويجعله من ذهب وفضة وجوهر، وفي أن يقدم نافعا إماما في
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت: أما تعليق " الموطأ "، فإن الصحابة اختلفوا في
الفروع، وتفرقوا، وكل عند نفسه مصيب.
وأما نقض المنبر، فلا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
وأما تقدمتك نافعا فإنه إمام في القراءة، لا يؤمن أن تبدر
منه بادرة في المحراب، فتحفظ عليه.
فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (1).
هذا إسناد حسن، لكل لعل الراوي وهم في قوله: هارون، لان
نافعا قبل خلافة هارون مات.
من قول مالك في السنة: وبه حدثنا محمد بن أحمد بن علي،
حدثنا الفريابي، حدثنا الحلواني، سمعت مطرف بن عبد الله،
سمعت مالكا يقول: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة
الامر بعده سننا، الاخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال
بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لاحد تغييرها، ولا
تبديلها، ولا النظر في شئ خالفها، من اهتدى بها، فهو مهتد،
ومن استنصر بها، فهو منصور، ومن تركها، اتبع غير سبيل
المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا
(2).
__________
(1) " الحلية " 6 / 332، وأورده القاضي عياض في " ترتيب
المدارك " 1 / 214، 215، لكن ذكر بدل " هارون " " المهدي
".
(2) " الحلية " 6 / 324.
(*)
(8/98)
وبه إلى الحلواني: سمعت إسحاق بن عيسى يقول: قال مالك:
أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على
محمد صلى الله عليه وسلم لجدله (1) ؟ ! وبه حدثنا الحسن بن
سعيد، حدثنا زكريا الساجي، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو ثور:
سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الاهواء،
قال: أما إني على بينة من ديني، وأما أنت، فشاك، اذهب إلى
شاك مثلك فخاصمه (2).
وبه حدثنا سليمان الطبراني، حدثنا الحسين بن إسحاق، حدثنا
يحيى
ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين، قال: كنت عند
مالك، فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن
يقول: القرآن مخلوق ؟ فقال مالك: زنديق، اقتلوه.
فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلاما سمعته، قال: إنما
سمعته منك، وعظم هذا القول (3).
وبه حدثنا ابن حيان، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا أحمد بن
صالح، حدثنا ابن وهب، قال: قال مالك: الناس ينظرون إلى
الله عزوجل يوم القيامة بأعينهم (4).
وبه حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم،
حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن
القدر: نعم (5).
قال الله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) [ السجدة:
12 ].
__________
(1) " الحلية " 6 / 324.
(2) " الحلية " 6 / 324.
(3) " الحلية " 6 / 325.
(4) " الحلية " 6 / 326.
(5) لفظه في " الحلية " 6 / 326: سمعت مالكا يقول لرجل:
سألتني أمس عن القدر ؟ قال: نعم.
(*)
(8/99)
وبه حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن أبي عاصم، سمعت
سعيد ابن عبد الجبار، سمعت مالكا يقول: رأيي فيهم أن
يستتابوا، فإن تابوا، وإلا قتلوا.
يعني القدرية (1).
وبه حدثنا محمد بن علي العقيلي، حدثنا القاضي أبو أمية
الغلابي، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا مهدي بن جعفر، حدثنا
جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك، فجاءه رجل، فقال: يا
أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) [ طه: 5 ].
كيف استوى ؟ فما وجد مالك من شئ ما
وجد من مسألته، فنظر إلى الارض، وجعل ينكت بعود في يده،
حتى علاه الرحضاء (2)، ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال:
الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والايمان
به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة.
وأمر به فأخرج (3).
قال سلمة بن شبيب مرة في رواية هذا: وقال للسائل: إني أخاف
أن تكون ضالا.
وقال أبو الربيع الرشيديني: حدثنا ابن وهب قال: كنا عند
مالك،
__________
(1) " الحلية " 6 / 326.
(2) الرحضاء: العرق إثر الحمى، أو عرق يغسل الجلد كثرة.
(3) " حلية الاولياء " 6 / 325، 326، وهذا هو المذهب الحق
في صفات الله سبحاناه، نؤمن بها، ونمرها على ظاهرها اللائق
بجلال الله تعالى من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف
ولا تمثيل (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)، فإن الله
أعلم بنفسه من كل أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم
الخلق، فمتى ورد النص من الكتاب أو السنة الصحيحة بإثبات
صفة أو نفيها، فلا يجوز لاحد العدول عنه إلى قياس أو رأي،
والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذى فيه
حذوه، ويتبع مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا
إثبات تكييف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات
تكييف، وهذا هو مذهب السلف المشهود لهم بالفضل والخيرية،
كما ثبت عن سيدنا محمد خير البرية، وإليه رجع كثير من
المتكلمين المتأخرين كإمام الحرمين الجويني والغزالي، وفخر
الدين الرازي.
(*)
(8/100)
فقال رجل: يا أبا عبد الله: (الرحمن على العرش استوى) كيف
استواؤه ؟.
فأطرق مالك، وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه، فقال: (الرحمن
على العرش استوى) كما وصف نفسه، ولا يقال له: كيف،
و " كيف " عنه مرفوع.
وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه.
وقال محمد بن عمرو قشمرد النيسابوري: سمعت يحيى بن يحيى
يقول: كنا عند مالك فجاءه رجل، فقال: (الرحمن على العرش
استوى) فذكر نحوه، وفيه، فقال: الاستواء غير مجهول.
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب: " الرد على
الجهمية " (1) له، قال: حدثني أبي، حدثنا سريج بن النعمان،
عن عبد الله بن نافع، قال: قال مالك: الله في السماء،
وعلمه في كل مكان لا يخلو من شئ.
وقال محمد بن إسحاق الصغاني: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد
العمري، حدثنا ابن أبي أويس، سمعت مالكا يقول: القرآن كلام
الله، وكلام الله منه، وليس من الله شئ مخلوق (2).
__________
(1) ويرى المؤلف رحمه الله أن هذا الكتاب موضوع على الامام
أحمد لا تصح نسبته إليه كما سيجئ ذلك في ترجمته في الجزء
الحادي عشر من هذا الكتاب، ومما يؤكد قوله أن في السند
إليه مجهولا وهو الخضر بن المثنى والرواية عن مجهول مقدوح
فيها، مطعون في سندها، على أن فيه آراء تخالف ما كان عليه
السلف الصالح من معتقد، ويختلف عما جاء عن الامام في غيره
مما صح عنه، ولا نجد لهذا الكتاب ذكرا لدى أقرب الناس إلى
الامام أحمد ممن عاصروه وجالسوه أو أتوا بعده مباشرة، وهم
على مشربه، وكتبوا في الموضوع ذاته كالامام البخاري ت 256،
وعبد الله مسلم بن قتيبة ت 276، وأبي سعيد الدارمي ت 280
وأبو الحسن الاشعري قد ذكر عقيدة الامام أحمد في كتابه "
مقالات الاسلاميين " ولكنه لم يشر إلى هذا الكتاب مطلقا،
ولم يستنفد منه شيئا.
(2) ذكره في " ترتيب المدارك " 1 / 174.
(*)
(8/101)
قال القاضي عياض في سيرة مالك (1): قال ابن نافع وأشهب
وأحدهما يزيد على الآخر قلت: يا أبا عبد الله: (وجوه يومئذ
ناضرة، إلى ربها ناظرة) [ القيامة: 22 - 23 ].
ينظرون إلى الله ؟ قال: نعم بأعينهم هاتين.
قلت: فإن قوما يقولون: ناظرة: بمعنى منتظرة إلى الثواب.
قال: بل تنظر إلى الله، أما سمعت قول موسى: (رب أرني أنظر
إليك) [ الاعراف: 143 ].
أتراه سأل محالا ؟ قال الله: (لن تراني)، في الدنيا، لانها
دار فناء، فإذا صاروا إلى دار البقاء، نظروا بما يبقى إلى
ما يبقى.
قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون).
[ المطففين: 15 ].
قال القاضي (2): وقال غير واحد عن مالك: الايمان قول وعمل،
يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض.
قال: وقال ابن القاسم: كان مالك يقول: الايمان يزيد.
وتوقف عن النقصان (3).
قال: وروى ابن نافع، عن مالك: من قال: القرآن مخلوق، يجلد
ويحبس.
قال: وفي رواية بشر بن بكر، عن مالك قال: يقتل، ولا تقبل
له توبة (4).
يونس الصدفي: حدثنا أشهب، عن مالك، قال: القدرية، لا
__________
(1) 1 / 172، 173، وانظر " الحلية " 6 / 326، و " الانتقاء
" ص 32.
(2) في " ترتيب المدارك " 1 / 173، 174.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 174.
(4) " ترتيب المدارك " 1 / 174.
(*)
(8/102)
تناكحوهم، ولا تصلوا خلفهم (1).
أحمد بن عيسى: حدثنا ابن وهب، قال: قال مالك: لا يستتاب من
سب النبي صلى الله عليه وسلم، من الكفار والمسلمين.
أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق
ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، قال:
قال ابن القاسم: سألت مالكا عمن حدث بالحديث، الذين قالوا:
" إن الله خلق آدم على صورته " (2).
والحديث الذي جاء: " إن الله يكشف عن ساقه " (3) " وأنه
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 176.
(2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 11 / 2 في أول الاستئذان،
ومسلم (2841) في الجنة: باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل
أفئدة الطير، وأحمد 2 / 315، وابن خزيمة في " التوحيد "
39، 40 من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته،
طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك نفر
من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية
ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة
الله، فزادوه: " ورحمة الله " فكل من يدخل الجنة على صورة
آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن "، وأخرجه مسلم
(2612) (115)، وأحمد 2 / 463 و 519، وابن خزيمة ص 37 من
طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل
أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته "،
وأخرجه أحمد 2 / 244، والآجري في " الشريعة ": 341،
والبيهقي في " الاسماء والصفات " 290، من طريق سفيان، عن
أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 323
من طريق المغيرة بن عبدالرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى بن
أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 251، و
434، وابن
خزيمة: 36 من طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي
هريرة.
(3) أخرجه البخاري 8 / 508 في التفسير من طريق سعيد بن أبي
هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد رضي
الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يكشف
ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد
في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا
" وهو قطعة من حديث أبي سعيد المطول في رؤية الله في
الآخرة والشفاعة، أخرجه البخاري في التوحيد 13 / 358، 360.
وأخرجه مسلم (183) في الايمان: باب معرفة طريق الرؤية، من
طريق سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، عن = (*)
(8/103)
يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد " (1).
فأنكر مالك ذلك إنكارا شديدا، ونهى أن يحدث بها أحد (2)،
فقيل له: إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به، فقال: من هو ؟
قيل: ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف
هذه الاشياء، ولم يكن عالما.
وذكر أبا الزناد، فقال: لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات.
رواها مقدام الرعيني، عن ابن أبي الغمر، والحارث بن مسكين،
قالا: حدثنا ابن القاسم.
قلت: أنكر الامام ذلك، لانه لم يثبت عنده، ولا اتصل به،
فهو معذور، كما أن صاحبي " الصحيحين " معذوران في إخراج
ذلك أعني الحديث الاول والثاني لثبوت سندهما، وأما الحديث
الثالث، فلا أعرفه
__________
= زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري،
ولفظه عنده: " فيكشف عن ساقه " وهذه الرواية أصح لموافقتها
لفظ القرآن كما قال الاسماعيلي، ونقله عنه الحافظ في "
الفتح " 8 / 508، وأقره.
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج الآجري في " الشريعة
" ص 346، من طريق هناد بن السري، عن أبي معاوية، عن أبي
إسحاق بن عبد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن
ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد بلغت الشفاعة يوم القيامة
حتى إن الله عزوجل ليقول للملائكة: أخرجوا برحمتي من كان
في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، قال: ثم يخرجهم حفنات
بيده بعد ذلك.
وأخرج أحمد 3 / 94، ومسلم (183)، والآجري في الشريعة ص 346
من حديث أبي سعيد الخدري المطول وفيه: " فيقول الله عزوجل:
شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا
أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم
يعملوا خيرا قط.." وقد ورد ذكر اليد في غاير ما حديث صحيح،
أوردها البيهقي في " الاسماء والصفات " 314، 323.
(2) جاء في " صحيح البخاري " 1 / 199 ما نصه: باب من خص
بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا، وقال علي: حدثوا
الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ! ثم ذكر
حديث معاذ.
قال الحافظ: وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر
عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت محدثا قوما
حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم في
مقدمة صحيحه 1 / 11 من طريق ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبد
الله بن عتبة عن ابن مسعود، وممن كره التحديث ببعض دون بعض
مالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب.
(*)
(8/104)
بهذا اللفظ، فقولنا في ذلك وبابه: الاقرار، والامرار،
وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم.
وقال ابن عدي: حدثنا محمد بن هارون بن حسان، حدثنا صالح بن
أيوب، حدثنا حبيب بن أبي حبيب، حدثني مالك قال: يتنزل ربنا
تبارك وتعالى أمره فأما هو، فدائم لا يزول.
قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى بن بكير، فقال: حسن والله، ولم
أسمعه من مالك.
قلت: لا أعرف صالحا، وحبيب مشهور، والمحفوظ عن مالك رحمه
الله رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات،
فقال: أمرها كما جاءت، بلا تفسير.
فيكون الامام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب.
أحمد بن عبدالرحيم بن البرقي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة،
حدثنا عمرو بن حسان أن أبا خليد قال لمالك: يا أبا عبد
الله إن أهل دمشق يقرؤون: إبراهام (1).
فقال: أهل دمشق بأكل البطيخ أعلم منهم بالقراءة (2).
قال له أبو خليد: إنهم يدعون قراءة عثمان، قال مالك: فهذا
مصحف عثمان عندي.
ودعا به، ففتح، فإذا فيه: إبراهام، كما قال أهل دمشق.
قلت: رسم المصحف محتمل للقراءتين، وقراءة الجمهور أفصح
وأولى.
__________
(1) هي قراءة ابن عامر الشامي أحد السبعة، وانظر " حجة
القراءات " ص: 113، 114.
(2) يغلب على ظني أن هذا القصة مفتعلة على مالك، إذ كيف
تعزب عنه هذه القراءة وينكرها على أهل دمشق وهي ثابتة في
مصحف عثمان الذي هو عنده كما جاء في آخر الخبر.
(*)
(8/105)
قال ابن قاسم: سألت مالكا عن علي وعثمان.
فقال: ما أدركت أحدا ممن أقتدي به إلا وهو يرى الكف عنهما،
قال ابن القاسم: يريد التفضيل بينهما.
فقلت: فأبو بكر وعمر ؟ فقال: ليس فيهما إشكال، إنهما أفضل
من غيرهما.
قال الحسن بن رشيق: سمعت النسائي يقول: أمناء الله على علم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: شعبة، ومالك، ويحيى
القطان.
قال القاضي عياض: قال معن: انصرف مالك يوما، فلحقه رجل
يقال له: أبو الجويرية، متهم بالارجاء.
فقال: اسمع مني، قال: احذر أن أشهد عليك.
قال: والله ما أريد إلا الحق، فإن كان صوابا، فقل به، أو
فتكلم.
قال: فإن غلبتني.
قال: اتبعني.
قال: فإن غلبتك، قال: اتبعتك.
قال: فإن جاء رجل فكلمنا، فغلبنا ؟ قال: اتبعناه.
فقال مالك: يا هذا، إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم
بدين واحد، وأراك تتنقل (1).
وعن مالك قال: الجدال في الدين ينشئ المراء، ويذهب بنور
العلم من القلب ويقسي، ويورث الضعن (2).
قال القاضي عياض: قال أبو طالب المكي: كان مالك رحمه الله
أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشد نقضا للعراقيين.
ثم قال القاضي عياض: قال سفيان بن عيينة: سأل رجل مالكا
فقال: (الرحمن على العرش استوى).
كيف استوى ؟ فسكت مالك حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء
منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 170 وفيه بعد قوله: " اسمع مني
" زيادة، وهي " شيئا أعلمك به وأحاجك، وأخبرك برأيي ".
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 170.
(*)
(8/106)
بدعة، والايمان به واجب، وإني لاظنك ضالا.
أخرجوه.
فناداه الرجل: يا أبا عبد الله، والله لقد سألت عنها أهل
البصرة والكوفة والعراق، فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له
(1).
فصل قال ابن عدي في " مسند مالك " بإسناد صح عن ابن وهب:
سمعت مالكا يقول: لقد سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما
حدثت بها قط.
وقال: نشر نافع عن ابن عمر علما كثيرا أكثر مما نشر عنه
بنوه.
الحارث بن مسكين: أخبرنا ابن وهب، قال مالك: كنت آتي
نافعا، وأنا غلام حديث السن، مع غلام لي، فينزل من درجه،
فيقف معي، ويحدثني، وكان يجلس بعد الصبح في المسجد، فلا
يكاد يأتيه أحد.
سعيد بن أبي مريم: سمعت مالكا يقول: جالس نعيم المجمر أبا
هريرة عشرين سنة.
قال معن: كان مالك يتقي في حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم الياء والتاء ونحوهما (2).
وقال ابن وهب: قال مالك: العلم حيث شاء الله جعله، ليس هو
بكثرة الرواية.
ابن وهب: سمعت مالكا يقول: حق على من طلب العلم أن يكون له
__________
" ترتيب المدارك " 1 / 170، 171.
(2) " حلية الاولياء " 6 / 318، و " ترتيب المدارك " 1 /
163، والكفاية ص 179، و " الالماع " ص 179، وتدريب الراوي
2 / 101.
(*)
(8/107)
وقار، وسكينة، وخشية، والعلم حسن لمن رزق خيره، وهم قسم من
الله تعالى (1)، فلا تمكن الناس من نفسك، فإن من سعادة
المرء أن يوفق للخير، وإن من شقوة المرء أن لا يزال يخطئ،
وذل وإهانة للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه
(2).
القعنبي: سمعت مالكا يقول: كان الرجل يختلف إلى الرجل
ثلاثين سنة يتعلم منه.
قال عبد الله بن نافع: جالست مالكا خمسا وثلاثين سنة.
قال ابن وهب: لو شئت أن أملا ألواحي من قول مالك: " لا
أدري " لفعلت.
حرملة: حدثنا ابن وهب، سمعت مالكا يقول: ليس هذا الجدل من
الدين بشئ.
وسمعته يقول: قلت لامير المؤمنين، فيمن يتكلم في هذه
المسائل المعضلة: الكلام فيها يا أمير المؤمنين يورث
البغضاء.
سلمة بن شبيب: حدثنا عبد الرزاق، سمعت سفيان، وابن جريج،
ومالكا، وابن عيينة، كلهم يقولون: الايمان قول وعمل يزيد
وينقص.
قال مخلد بن خداش: سألت مالكا عن الشطرنج.
فقال: أحق هو ؟ فقلت: لا.
قال: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) [ يونس: 32 ].
قال ابن وهب: حججت سنة ثمان وأربعين ومئة، وصائح يصيح: لا
يفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن الماجشون.
__________
(1) ترتيب المدارك 1 / 185 وبعده: ولكن انظر ما يلزمك حين
تصبح إلى حين تمسي، فالزمه.
(2) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 186 و 188 و 189.
(*)
(8/108)
ابن وهب، عن مالك قال: بلغني أنه ما زهد أحد في الدنيا
واتقى، إلا نطق بالحكمة.
ابن وهب، عن مالك قال: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه، ذهب
بهاؤه.
أحمد بن حنبل: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن مالك، قال:
التوقيت في المسح بدعة (1).
عبدالرحمن بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم:
سمعت الشافعي يقول: اجتمع مالك وأبو يوسف عند أمير
المؤمنين، فتكلموا في الوقوف، وما يحبسه الناس.
فقال يعقوب: هذا باطل.
قال شريح: جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس (2)،
فقال مالك: إنما أطلق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة
والسائبة (3).
فأما الوقوف، فهذا [ وقف ] عمر
__________
(1) ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، إلى توقيت
المسح على الخفين: للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام
بلياليها، على ما ورد في حديث علي رضي الله عنه المخرج في
" صحيح مسلم " (276) في الطهارة، باب التوقيت على المسح
على الخفين، وأحمد 1 / 96 و 100 و 113 و 117 و 118 و 120 و
149، والنسائي 1 / 84، وابن ماجه (552)، والشافعي 1 / 32،
والدارقطني 1 / 71، والبيهقي 1 / 28، وسنده حسن، وصحيح ابن
حبان (184)، وقول مالك في عدم التوقيت يروى عن عمر وعثمان
وعائشة كما في " شرح السنة " 1 / 462 للبغوي بتحقيقنا،
واستدل لمذهبهم بما أخرجه أبو داوود (157)، والترمذي (95)،
وقال: حسن صحيح عن خزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: " المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم
" قال: ولو استزدناه لزادنا ورواية ابن ماجه (553) لو مضى
السائل على مسألته خمسة لجعلها خمسا.
ورد هذا الاستدلال: بأن ذلك من ظن الراوي، والحجة إنما
تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوي.
(2) قال الازهري: الحبس جمع الحبيس: يقع على كل شئ وقفه
صاحبه وقفا محرما لا يورث ولا يباع من أرض ونخل وكرم
ومستغل.
(3) السائبة: الناقة إذا ولدت عشرة أبطن سيبت، فلم تركب
ولم يشرب لبنها إلا ولدها، أو = (*)
(8/109)
قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " حبس
أصلها، وسبل ثمرتها " (1) وهذا وقف الزبير، فأعجب الخليفة
ذلك منه.
وبقي يعقوب (2).
ابن وهب: حدثني مالك قال: كان بين جدار قبلة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبين
المنبر قدر ممر الرجل متحرجا، وقدر ممر الشاة، وإن أول من
قدم جدار القبلة حتى جعلها عند المقصورة عمر بن الخطاب.
وإن عثمان قربها إلى حيث هي اليوم.
داود بن رشيد: حدثنا الوليد بن مسلم: سألت مالكا عن تفضيض
المصاحف، فأخرج إلينا مصحفا، فقال: حدثني أبي، عن جدي:
أنهم جمعوا القرآن على عهد عثمان، وأنهم فضضوا المصاحف على
هذا أو نحوه (3).
قال ابن المديني: لمالك نحو ألف حديث، يعني مرفوعة.
وقال إسماعيل بن أبي أويس: قال لي مالك: قرأت على نافع بن
أبي نعيم.
وروى القعنبي، عن ابن عيينة، قال: ما ترك مالك على ظهر
الارض مثله.
__________
= الضيف حتى تموت، والبحيرة: ابنة السائبة الاخيرة فإنهم
يشقون أو يخرقون أذنها، ويكون حكمها حكم أمها.
(1) أخرجه النسائي 6 / 232 باب حبس المشاع، وابن ماجة
(2397) في الصدقات: باب من وقف...من حديث ابن عمر قال: قال
عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المئة سهم التي لي بخيبر
لم أصب مالا قط أعجب إلي منها، قد أردت أن أتصدق بها، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " احبس أصلها وسبل ثمرتها ".
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري 5 / 263 باب الشروط في الوقف، ومسلم (1632)
في الوصية: باب الوقف، بلفظ: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت
بها ".
(2) الخبر في " مناقب الشافعي " 198، 199 لابن أبي حاتم.
(3) انظر في حكم تحلية القرآن كتاب " المصاحف " لابن أبي
داود ص 150 وما بعدها.
(*)
(8/110)
قال ابن سعد: كان مالك ثقة، ثبتا، حجة، عالما، ورعا.
وقال ابن وهب: لولا مالك، والليث، لضللنا.
وقال الشافعي: ما في الارض كتاب في العلم أكثر صوابا من "
موطأ مالك ".
قلت: هذا قاله قبل أن يؤلف الصحيحان.
قال خالد بن نزار الايلي: بعث المنصور إلى مالك حين قدم
المدينة، فقال: إن الناس قد اختلفوا بالعراق، فضع كتابا
نجمعهم عليه.
فوضع " الموطأ ".
قال عبد السلام بن عاصم: قلت لاحمد بن حنبل: رجل يحب أن
يحفظ حديث رجل بعينه ؟ قال: يحفظ حديث مالك.
قلت: فرأي ؟ قال: رأي مالك.
قال ابن وهب: قيل لاخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته ؟
قالت: المصحف، التلاوة.
قال أبو مصعب: كانوا يزدحمون على باب مالك حتى يقتتلوا من
الزحام.
وكنا إذا كنا عنده لا يلتفت ذا إلى ذا، قائلون برؤوسهم
هكذا.
وكانت السلاطين تهابه، وكان يقول: لا، ونعم.
لا يقال له: من أين قلت ذا ؟ أبو حاتم الرازي: حدثنا
عبدالمتعال بن صالح من أصحاب مالك، قال: قيل لمالك: إنك
تدخل على السلطان، وهم يظلمون، ويجورون، فقال: يرحمك الله،
فأين المكلم بالحق (1).
__________
(1) الجرح والتعديل 1 / 30.
وفيه " التكلم بالحق " وفي " ترتيب المدارك " 1 / 207: =
(*)
(8/111)
وقال موسى بن داود: سمعت مالكا يقول: قدم علينا أبو جعفر
المنصور سنة خمسين ومئة، فقال يا مالك، كثر شيبك.
قلت: نعم يا أمير المؤمنين، من أتت عليه السنون، كثر شيبه.
قال: ما لي أراك تعتمد على قول ابن عمر من بين الصحابة ؟
قلت: كان آخر من بقي عندنا من الصحابة، فاحتاج إلى الناس،
فسألوه، فتمسكوا بقوله.
ذكر علي بن المديني أصحاب نافع، فقال: مالك وإتقانه، وأيوب
وفضله، وعبيدالله وحفظه.
ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد: أيهما
أعلم صاحبنا أم صاحبكم ؟ يعني أبا حنيفة ومالكا قلت: على
الانصاف ؟ قال: نعم.
قلت: أنشدك بالله، من أعلم بالقرآن ؟ قال: صاحبكم.
قلت: من أعلم بالسنة ؟ قال: صاحبكم.
قلت: فمن أعلم بأقاويل الصحابة والمتقدمين ؟ قال: صاحبكم.
قلت: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه
الاشياء، فمن لم يعرف الاصول، على أي شئ يقيس ؟ (1).
قلت: وعلى الانصاف، لو قال قائل: بل هما سواء في علم
الكتاب، والاول: أعلم بالقياس، والثاني: أعلم بالسنة،
وعنده علم جم
__________
= " وأين المتكلم بالحق " وفيه: وقال مالك: حق على كل مسلم
أو رجل جعل الله في صدره شيئا من العلم والفقه أن يدخل إلى
ذي سلطان يأمره بالخير، وينهاه عن الشر، ويعظه حتى يتبين
دخول العالم على غيره، لان العالم إنما يدخل على السلطان
يأمره بالخير، وينهاه عن الشر، فإذا كان، فهو الفضل الذي
ليس بعده فضل.
(1) الخبر في " الجرح والتعديل " 1 / 4 و 12، 13، و "
مناقب الشافعي " 159، 160، و " حلية الاولياء " 6 / 329، و
9 / 74، و " فيات الاعيان " 4 / 136، و " الانتقاء " 24، و
" الديباج المذهب " ص: 22، و " مناقب أحمد " ص 498 لابن
الجوزي، وانظر نقد هذا
الخبر في " تأنيب الخطيب " ص 181، 183.
(*)
(8/112)
من أقوال كثير من الصحابة، كما أن الاول أعلم بأقاويل علي،
وابن مسعود وطائفة ممن كان بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فرضي الله عنه الامامين، فقد صرنا في وقت
لا يقدر الشخص على النطق بالانصاف، نسأل الله السلامة.
قال مطرف بن عبد الله وغيره: كان خاتم مالك، الذي مات وهو
في يده، فصه أسود حجري، ونقشه: حسبي الله ونعم الوكيل.
وكان يلبسه في يساره، وربما لبسه في يمينه.
وعن ابن مهدي قال: ما رأيت أحدا أهيب، ولا أتم عقلا من
مالك، ولا أشد تقوى.
وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من
علمه.
وعن مالك قال: ما جالست سفيها قط.
قال ابن عبد الحكم: أفتى مالك مع نافع، وربيعة.
وقال أبو الوليد الباجي: روي أن المنصور حج، وأقاد مالكا
من جعفر ابن سليمان الذي كان ضربه.
فأبى مالك، وقال: معاذ الله.
قال مصعب بن عبد الله في مالك: يدع الجواب فلا يراجع هيبة
* والسائلون نواكس الاذقان عز الوقار ونور سلطان التقى *
فهو المهيب وليس ذا سلطان (1).
قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت عبد الله
بن عمر ابن الرماح، قال: دخلت على مالك، فقلت: يا أبا عبد
الله، ما في
__________
(1) " حلية الاولياء " 6 / 318، 319، و " ترتيب المدارك "
1 / 167.
(*)
(8/113)
الصلاة من فريضة ؟ وما فيها من سنة ؟ أو قال نافلة، فقال
مالك: كلام الزنادقة، أخرجوه.
وقال منصور بن سلمة الخزاعي: كنت عند مالك، فقال له رجل:
يا أبا عبد الله، أقمت على بابك سبعين يوما حتى كتبت ستين
حديثا، فقال: ستون حديثا ! وجعل يستكثرها.
فقال الرجل: ربما كتبنا بالكوفة أو بالعراق في المجلس
الواحد ستين حديثا، فقال: وكيف بالعراق دار الضرب، يضرب
بالليل، وينفق بالنهار ؟ قال أبو العباس السراج: سمعت
البخاري يقول: أصح الاسانيد: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد ": هذا كتبته من
حفظي، وغاب عني أصلي: إن عبد الله العمري العابد كتب إلى
مالك يحضه على الانفراد والعمل.
فكتب إليه مالك: إن الله قسم الاعمال كما قسم الارزاق، فرب
رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له
في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد.
فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه،
وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا
على خير وبر.
قال الحسين بن حسن بن مهاجر الحافظ: سمعت أبا مصعب الزهري
يقول: كان مالك بعد تخلفه (1) عن المسجد يصلي في منزله
جماعة يصلون بصلاته، وكان يصلي صلاة الجمعة في منزله وحده.
__________
(1) تقدم أن سبب تخلفه عن المسجد كان لمرض ألم به.
(*)
(8/114)
رواية بعض مشايخه عنه (1) أخبرنا علي بن عبد الغني المعدل،
أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وأنبأنا أبو المعالي الابرقوهي
(2)، أخبرنا محمد بن أبي القاسم الخطيب، قالا: أخبرنا أبو
الفتح بن البطي (3)، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد
الانباري في المحرم سنة أربع وثمانين وأربع مئة، أخبرنا
عبد الواحد ابن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن مخلد العطار،
حدثنا محمد بن الحارث أبو بكر الباغندي، حدثنا عبيد بن
محمد النساج، حدثنا أحمد بن شبيب، حدثنا أبي، عن يونس بن
يزيد، عن الزهري، حدثني رجل من أهل المدينة، يقال له: مالك
بن أنس، عن سعد بن إسحاق، عن عمته زينب، عن أبي سعيد (4)
أنه خرج في طلب أعلاج له، ثم قدم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكر الحديث مثل حديث الناس.
وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن جماعة، أن أبا علي الحداد
أخبرهم: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا ابن الصواف، ومحمد بن
حميد، قالا: حدثنا الباغندي، حدثنا عبيد النساج، حدثنا
أحمد بن شبيب، حدثنا أبي، عن يونس، عن الزهري، عن مالك بن
أنس، عن سعد بن إسحاق، عن عمته
__________
(1) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 254 وما بعدها، و "
الديباج المذهب " 1 / 136، 139.
(2) بفتح الالف والباء، وسكون الراء، وضم القاف، هذه
النسبة إلى أبرقوه، وهي بليدة بنواحي أصبهان على عشرين
فرسخا منها.
(3) نسبة إلى البطة، وهو لقب لبعض أجداده، وهو أبو الفتح
محمد بن عبدا لباقي بن أحمد بن سليمان بن البطي البغدادي،
ولعل واحدا من أجداده كان يبيع البط فنسب إلى ذلك.
(اللباب).
(4) أثبت في الاصل على كلمة " زينب وعن " علامة التضبيب،
إشارة إلى أن ثمت خطأ
في السند، وهو كذلك، فإن الذي يفهم من هذا السياق أن
الخارج هو أبو سعيد الخدري في طلب الاعلاج، بينما الرواية
الصحيحة تقول - كما ستأتي قريبا إن الذي خرج في طلب الاعبد
هو زوج الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري، وأنه قتل،
فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله..(*)
(8/115)
زينب، عن الفريعة أخت أبي سعيد، أن زوجها تكارى (1) علوجا
له فقتلوه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: إني لست في مسكن له، ولا يجري علي منه رزق، فأنتقل
إلى أهل أبياتي، فأقيم عليهم ؟ قال: " اعتدي حيث يبلغك
الخبر ".
وأخبرناه بتمامه عاليا أبو محمد عبد الخالق بن علوان
بقراءتي، أخبرنا البهاء عبدالرحمن، أخبرتنا شهدة الكاتبة،
أخبرنا أحمد بن عبد القادر، أخبرنا عثمان بن دوست، أخبرنا
محمد بن عبد الله، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا
القعنبي، أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق، عن عمته زينب بنت
كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي
سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن
زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بظهر القدوم
(2)، لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه،
ولا نفقة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.
فخرجت.
فقال: كيف قلت ؟ فرددت عليه القصة.
فقال: " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " فاعتددت فيه
أربعة أشهر وعشرا (3)، فلما كان عثمان بن عفان، أرسل إلي،
فسألني عن ذلك،
__________
(1) تكارى، واستكرى، واكترى: بمعنى، والعلوج: جمع علج، وهو
الرجل من العجم، والمراد: العبيد.
(2) بالتخفيف والتشديد، موضع على ستة أميال من المدينة.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 591 في الطلاق: باب مقام
المتوفى عنها في بيتها حتى تحل، وأبو داود (2300)،
والترمذي (1204)، وابن ماجة (2031)، والدارمي 2 / 168،
وأحمد 6 / 370 و 420، والنسائي 6 / 199، والطيالسي (1664)
وإسناده قوي، وصححه ابن حبان (1332)، والحاكم 2 / 208،
وأقره الذهبي، ونقل تصحيحه عن محمد بن يحيى الذهلي.
ومعنى قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله: أي القدر المكتوب من
العدة.
(*)
(8/116)
فأخبرته، فاتبعه، وقضى به.
وأخبرناه عاليا بدرجات: أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن
محمد، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا سعيد بن محمد،
أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا
أبو مصعب، حدثنا مالك بنحوه.
وبإسنادي إلى ابن مخلد، حدثنا زكريا بن يحيى الناقد، حدثنا
خالد ابن خداش، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن
مالك بن أنس، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد بن علي، عن
أبيه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن
متعة النساء يوم خيبر.
ثم قال حماد: وحدثنا به مالك، ومعمر بهذا الاسناد.
وأخبرناه عاليا سنقر الزيني بحلب، أخبرنا الموفق عبد
اللطيف، وأنجب الحمامي، وعبد اللطيف القبيطي، ومحمد بن
السباك، وغيرهم قالوا: أخبرنا محمد بن عبدا لباقي، أخبرنا
مالك البانياسي، أخبرنا أحمد ابن محمد بن الصلت، أخبرنا
إبراهيم بن عبد الصمد، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك،
عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن، ابني محمد ابن علي، عن
أبيهما، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن
متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الانسية (1).
__________
(1) أخرجه مالك 2 / 542 في النكاح: باب نكاح المتعة،
والبخاري 7 / 369 في المغازي: باب غزوة خيبر و 9 / 143،
144، في النكاح: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح
المتعة أخيرا، ومسلم (1407) في النكاح: باب نكاح المتعة.
ويرى ابن القيم في " زاد المعاد " 3 / 344 أن المتعة لم
تحرم يوم خيبر، إنما كان تحريمها عام الفتح بحديث سبرة
الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " (1406) (12) مرفوعا: " يا
أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن
اله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ".
وقال في حديث علي هذا: إن لفظة " يوم خيبر " ظرف لتحريم
الحمر لا للمتعة، كما جاء ذلك في مسند الامام أحمد بإسناد
صحيح أن = (*)
(8/117)
وأخبرنا به إسماعيل بن عبدالرحمن، أخبرنا الامام أبو محمد
بن قدامة، أخبرنا علي بن عبدالرحمن الطوسي، أخبرنا مالك
البانياسي، فذكره.
وبه إلى ابن مخلد، حدثنا عبدالملك الرقاشي، حدثنا أبو غسان
يحيى ابن كثير العنبري، حدثنا شعبة، عن مالك بن أنس، عن
عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل العشر، وأراد
أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره ".
أخرجه مسلم (1) عن شيخ له، عن العنبري.
فوقع لنا بدلا عاليا.
وبه حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، أخبرني يحيى بن معين،
حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن مالك، عن عمر أو عمرو بن مسلم
بنحوه.
هذا غريب، وليس ذا في " الموطأ ".
الحاكم في ترجمة مالك، في كتاب " مزكي الاخبار ": حدثنا
أبو الطيب محمد بن أحمد الكرابيسي، حدثنا الحسن بن محمد بن
سعيد، من
أصله، حدثنا هشام بن عمار، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو
بن دينار،
__________
= رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الاهلية
يوم خيبر، وحرم متعة النساء.
وفي لفظ: حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الاهلية يوم
خيبر، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما
به، ثم جاء بعضهم، فاقتصر على أحد المحرمين، وهو تحريم
الحمر، وقيده بالظرف، فمن ها هنا نشأ الوهم، وقصة خيبر لم
يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا أستأذنوا في ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقله أحد قط في هذه
الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا
تحريما، بخلاف غزاة الفتح، فإن قصة المتعة فيها فعلا
وتحريما مشهورة.
(1) أخرجه مسلم (1977) (41)، والنسائي 7 / 211، وابن ماجة
(3150)، والترمذي (1523) من طريق شعبة عن مالك بن أنس، عن
عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة..وأخرجه مسلم
(1977)، والنسائي 7 / 212، وابن ماجة (3149) والدارمي 2 /
76 من طريق سفيان بن عيينة، عن عبدالرحمن بن حميد بن عبد
الرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة.
(*)
(8/118)
عن مالك بن أنس، عن سمي، عن أبي صالح، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " السفر قطعة من العذاب " (1).
غريب جدا.
قرأت على إسحاق بن طارق، أخبرك ابن خليل، أخبرنا أبو
المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم،
حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا
القعنبي.
وبه إلى أبي نعيم، وحدثنا محمد بن حميد، حدثنا عبد الله بن
أبي داود، حدثنا عبدالملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن
جدي، عن يحيى بن أيوب، كلاهما عن مالك، عن أبي الزبير، عن
جابر، قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الحديبية البدنة عن سبعة (2).
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد،
حدثنا بكر بن سهل، حدثنا محمد بن مخلد الرعيني، حدثنا
مالك، عن أبي حازم، عن سهل، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، قلما ترد
فيهما دعوة: حضور الصلاة، وعند الزحف للقتال " (3).
__________
(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 980 في الاستئذان: باب
ما يؤمر به في العمل للسفر، من طريق سمي، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " السفر
قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى
أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله "، وأخرجه البخاري 3
/ 495، 496 في العمرة: باب السفر قطعة من العذاب، وأخرجه
مسلم (1927) في الامارة: باب السفر قطعة من العذاب، كلاهما
من طريق مالك، عن سمي، عن أبي صالح به.
(2) هو في الحلية 6 / 335، وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 /
37 في الضحايا: باب الشركة في الضحايا وعن كم تذبح البقرة
والبدنة، من طريق أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه
قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية
البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
(3) هو في " الحلية " 6 / 343 وصححه ابن حبان (297) و
(298) من طريق مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، وأخرجه
أبو داود (2540) من طريق موسى بن يعقوب = (*)
(8/119)
رواه أيضا أيوب بن سويد وأبو المنذر إسماعيل بن عمر، عن
مالك.
نحوه.
أخبرنا أبو المعالي الهمداني، أخبرنا محمد بن أبي القاسم
بحران (1)، أخبرنا محمد بن عبدا لباقي، أخبرنا علي بن محمد
الخطيب، أخبرنا أبو عمر الفارسي، أخبرنا محمد بن مخلد،
حدثنا جعفر بن أحمد بن عاصم، حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا
محمد بن حرب، عن ابن جريج، عن
مالك، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم:
دخل مكة زمن الفتح وعلى رأسه المغفر (2).
أخبرنا أبو المعالي، أخبرنا محمد، حدثنا محمد، أخبرنا علي،
أخبرنا أبو عمر، أخبرنا ابن مخلد، حدثنا العلاء بن سالم،
حدثنا شعيب بن حرب، حدثنا مالك، حدثنا عامر بن عبد الله بن
الزبير، عن عمرو بن سليم، عن أبي قتادة بن ربعي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد
فليصل ركعتين قبل أن يقعد ".
اتفقا عليه من حديث مالك (3).
__________
= الزمعي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: "
ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند
البأس حين يلحم بعضهم بعضا " وأخرج أبو داود (524) من حديث
عبد الله ابن عمرو أن رجلا قال: يا رسول الله، إن المؤذنين
يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل كما
يقولون، فإذا انتهيت فسل تعط ".
وسنده حسن، وصححه ابن حبان (295).
(1) مدينة بالجزيرة من ديار ربيعة لها شهرة واسعة في
التاريخ وكان منها جماعة من العلماء.
(2) هو في " الموطأ " 1 / 423 في الحج: باب جامع، وأخرجه
البخاري: 8 / 13 في المغازي: باب غزوة الفتح في رمضان،
ومسلم (1357) في الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام.
والمغفر: زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
(3) هو في " الموطأ ": 1 / 162 في قصر الصلاة في السفر:
باب انتظار الصلاة والمشي إليها، والبخاري: 1 / 447 في
المساجد: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، ومسلم (714)
في صلاة المسافرين: باب استحباب تحية المسجد بركعتين.
(*)
(8/120)
الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا البرقاني، حدثنا أبو القاسم
عبد الله ابن إبراهيم الجرجاني، قرئ على أبي عروبة
الحراني، حدثكم محمد بن
وهب، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبدالرحيم، عن زيد بن أبي
أنيسة، عن مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن أبيه، لا
أعلمه إلا عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: " رحم الله عبدا كانت عنده لاخيه مظلمة في نفس، أو
مال، فأتاه، فاستحل منه، قبل أن تؤخذ حسناته، فإن لم يكن
له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فتوضع في سيئاته " (1).
الحاكم: حدثنا عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا محمد بن
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا عبدالرحمن بن عبد الله بن
عبد الحكم، حدثني أبي، حدثنا بكر بن مضر، حدثنا ابن الهاد،
حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه،
أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته، وينثل ما فيه،
فلا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه " (2).
__________
(1) هو في " الحلية " 6 / 343، وأخرجه الترمذي (2421) في
صفة القيامة: باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، من طريق
عبدالرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي خالد يزيد بن
عبدالرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد المقبري، به،
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد المقبري، وقد
رواه مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وأخرجه البخاري: 5 / 73 في المظالم: باب الظلم ظلمات يوم
القيامة، من طريق آدم بن أبي إياس، حدثنا ابن أبي ذئب،
حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " من كانت له مظلمة لاخيه من عرضه أو شئ،
فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان
له عمل صالح أخذ بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من
سيئات صاحبه فحمل عليه ".
(2) وهو في " الموطأ ": 2 / 971 في الاستئذان: باب ما جاء
في أمر الغنم من طريق نافع، عن ابن عمر، وأخرجه البخاري: 5
/ 64، 65 في اللقطة: باب لا تحتلب ماشية أحد
بغير إذنه، ومسلم (1726) في اللقطة: باب تحريم حلب الماشية
بغير إذن مالكها كلاهما من = (*)
(8/121)
ورواه إسحاق بن بكر بن مضر، عن أبيه، وقد وقع لي عاليا
كأني سمعته من الحاكم.
أخبرناه عبد الحافظ بن بدران، بنابلس، أخبرنا موسى بن عبد
القادر والحسين بن مبارك، وأخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا
الحسن بن مبارك ونفيس بن كرم، وعبد اللطيف بن عسكر،
وأخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، وعدة، بمصر، وسنقر الزيني
بحلب، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، وأخبرنا عبد الله بن
محمد بن قوام، ويوسف بن أبي نصر، وعلي بن عثمان الامين،
ومحمد بن حازم، ومحمد بن يوسف الذهبي، ومحمد بن هاشم
العباسي، وعمر، وأبو بكر، أخبرنا أحمد بن عبد الدائم،
وسويج بن محمد، ومحمد بن أبي العز، وفاطمة بنت عبد الله
الآمدية، وخديجة بنت محمد المراتبية (1)، وفاطمة بنت
إبراهيم البطائحية، وهدية بنت عبد الحميد (2)، قالوا:
أنبأنا الحسين بن أبي بكر اليماني، وأخبرنا علي بن محمد
الفقيه، وأحمد بن هبة الله الحاجب، ونصر الله بن محمد،
وأحمد ابن العماد، وعلي بن أحمد، وأحمد بن محمد بن
المجاهد، وعلي بن محمد الملقن، وأحمد بن رسلان وعمر بن
محمد المذهب، وأحمد بن عبد الرحمن، وعبد الدائم بن أحمد
الوزان، وعبيد الحميد بن أحمد، ومحمد ابن علي بن فضل،
وأحمد بن عبد الله اليونيني، ومحمد بن قايماز الدقيقي،
وهدية بنت علي (3)، قالوا: أخبرنا الحسين بن أبي بكر وعبد
الله بن عمر،
__________
= طريق مالك..والمشربة: بفتح الراء وضمها: الغرفة التي
يخزن فيها الطعام.
ينثل: النثل: النثر مرة واحدة بسرعة.
(1) توفيت سنة (698) ه كما في " العبر " 5 / 397.
(2) توفيت سنة (699) انظر " العبر " 5 / 407، و " شذرات
الذهب " 5 / 454.
(3) قال ابن العماد في " الشذرات " 6 / 31: وفي سنة اثنتي
عشرة وسبع مئة توفيت = (*)
(8/122)
قالوا ستتهم: أخبرنا عبد الاول بن عيسى، أخبرنا محمد بن
عبد العزيز الفارسي سنة تسع وستين وأربع مئة، أخبرنا أبو
محمد عبدالرحمن بن أبي شريح الانصاري، أخبرنا أبو القاسم
عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا العلاء بن موسى إملاء سنة
سبع وعشرين ومئتين، حدثنا ليث بن سعد، عن نافع عن ابن عمر،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام، فقال: " لا
يحلبن أحدكم ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى
مشربته فتكسر باب خزانته، فينتقل طعامه، وإنما تخزن لهم
ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير
إذنه ".
أخرجه مسلم (1) عن محمد بن رمح، عن ليث.
محمد بن يوسف الزبيدي: حدثنا أبو قرة، عن موسى بن عقبة، عن
مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " لا تباع الثمرة حتى
يبدو صلاحها " (2).
أخبرنا علي بن تيمية، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وأخبرنا
الابرقوهي، أخبرنا ابن تيمية الخطيب قالا: أخبرنا ابن
البطي، أخبرنا علي ابن محمد، أخبرنا أبو عمر بن مهدي،
أخبرنا محمد بن مخلد، حدثنا الرمادي، حدثنا عبد الرزاق،
أخبرنا ابن جريج، عن سفيان الثوري، عن مالك، عن يزيد بن
عبد الله بن قسيط، عن ابن المسيب، أن عمر، وعثمان
__________
= المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس، ولها ست
وثمانون سنة تروي عن ابن الزبيدي حضورا، وعن ابن اللتي،
والمهذاني وغيرهم.
وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة
سمراء قابلة.
توفيت بالقدس في جمادى الاولى.
قاله الذهبي.
(1) رقم (1726).
(2) هو في " الموطأ " 2 / 618 في البيوع: باب النهي عن بيع
الثمار حتى يبدو صلاحها، من طريق نافع، عن ابن عمر، ومن
طريق مالك أخرجه البخاري 4 / 330 في البيوع: باب بيع
الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وباب بيع المزابنة، ومسلم
(1534) في البيوع: باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو
صلاحها.
(*)
(8/123)
فضيا في الملطاة وهي السمحاق بنصف ما في الموضحة.
قال عبد الرزاق: ثم قدم علينا سفيان، فسألناه، فحدثنا به
عن مالك، ثم لقيت مالكا، فقلت: إن سفيان حدثنا عنك، عن ابن
قسيط، عن ابن المسيب، أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف
الموضحة.
فقال: صدق حدثته به.
قلت: حدثني.
قال: ما أحدث به اليوم (1).
أخبرنا أحمد بن عبد المنعم، أخبرنا محمد بن سعيد، وأخبرنا
علي ابن محمد، وجماعة، قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك،
قالا: أخبرنا أبو زرعة، أخبرنا محمد بن أحمد الساوي (2)،
أخبرنا أبو بكر الحيري، حدثنا أبو العباس الاصم، حدثنا
الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثنا سعيد بن سالم، عن
ابن جريج، عن سفيان، عن مالك، نحوه.
وهذا إسناد عزيز، نزل الشافعي في إسناده كثيرا، تحصيلا
للعلم.
الحاكم: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ، حدثنا محمد
بن الضحاك بن عمرو، حدثنا عمران بن عبدالرحيم، حدثنا بكار
بن الحسن، حدثنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن أبيه،
عن أبي حنيفة، عن مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن
جبير، عن ابن عباس، قال:
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (17345)، وقال: قلت لمالك: إن الثوري
أخبرنا عنك عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب أن عمر
وعثمان..فقال لي: قد حدثته به، فقلت: فحدثني به، فأبى،
وقال: العمل عندنا على غير ذلك، وليس الرجل عندنا هنالك،
يعنى (يزيد بن قسيط)، وأخرجه البيهقي 8 / 83 من طريق عبد
الرزاق..ورد الطحاوي عليه قوله يعني ابن قسيط، وأثبت أن
المراد غيره، راجع " الجوهر النقي " 8 / 82.
والملطاة، والملطاء، والملطا من الشجاج: السمحاق أو القشر
الرقيق بين لحم الرأس وعظمه وكل قشرة رقيقة فهي سمحاق.
والموضحة: هي الشجة التي تبدي وضح العظم.
(2) نسبة إلى ساوة مدينة بين الري وهمذان.
(*)
(8/124)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الايم أحق بنفسها من
وليها والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " (1).
أخبرنا به أحمد بن هبة الله، عن المؤيد الطوسي، أخبرنا هبة
الله السيدي، أخبرنا أبو عثمان البحيري، أخبرنا زاهر بن
أحمد، أخبرنا إبراهيم ابن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب، عن
مالك، نحوه.
وساويت الحاكم، وقد رواه عن مالك سفيان الثوري، وشريك
القاضي، وشعبة.
الحاكم: أخبرنا أبو علي الحافظ، أخبرنا أبو الطاهر محمد بن
أحمد المديني بمصر، حدثنا يحيى بن درست، حدثنا أبو إسماعيل
القناد، عن يحيى بن أبي كثير، عن الاوزاعي، ومالك، عن
الزهري، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
قال " القطع في ربع دينار فصاعدا ".
غريب جدا.
ولا نعلم مالكا اجتمع بيحيى، ولو جرى ذلك لكان يروي
عنه، ولكان من كبراء مشيخة مالك.
تفرد به أبو الطاهر، وفيه مقال (2).
__________
(1) هو في " الموطأ " 2 / 524 في النكاح: باب استئذان
البكر والايم في أنفسهما من طريق عبد الله بن الفضل، عن
نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، ومن طريق مالك أخرجه
مسلم (1421) في النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح
بالنطق والبكر بالسكوت.
والايم: من لا زوج له رجلا أو امرأة، سواء كان تزوج من قبل
أو لم يتزوج، والمراد هنا: المرأة الثيب بدليل قوله:
والبكر.
وصماتها: سكوتها.
(2) قال المؤلف في " ميزانه " 3 / 460: روى مناكير، أراه
كان اختلط، لا تجوز الرواية عنه، وقال ابن عدي: يغلط ويثبت
عليه ولا يرجع.
قلت: لكن الحديث صحيح عن عائشة من غيره هذه الطريق، فقد
أخرجه الشافعي (270)، ومسلم (1684) من حديث ابن عيينة، عن
ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " القطع في ربع دينار فصاعدا "، = (*)
(8/125)
يعقوب بن شيبة السدوسي: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن
المغيرة بن النعمان، عن مالك بن أنس، عن هانئ بن حرام،
قال: كتب إلى عمر بن الخطاب في رجل وجد مع امرأته رجلا
فقتله، فكتب في السر: يعطي الدية، وكتب في العلانية: يقاد
منه (1).
قال يعقوب: أراد عمر أن يرهب بذلك.
وبإسنادي إلى ابن مخلد العطار: حدثنا أحمد بن محمد بن أنس،
حدثنا أبو هبيرة الدمشقي، حدثنا سلامة بن بشر، حدثنا يزيد
بن السمط، عن الاوزاعي، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن
ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الغادر
ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان " أخرجه
النسائي (2)، عن يزيد بن عبد الصمد، عن سلامة به.
ووقع لنا عاليا.
أخبرناه علي بن أحمد الحسيني (3)، أخبرنا محمد بن أحمد
القطيعي،
__________
= وأخرجه البخاري 12 / 89 من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن
شهاب، ومن طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبدالرحمن
الانصاري، كلاهما عن عمرة، به.
(1) أخرجه عبد الرزاق (17921)، عن الثوري، عن المغيرة بن
النعمان، عن هانئ ابن حرام.
(2) والبخاري: 10 / 464 في الادب: باب ما يدعى الناس
بآبائهم، ومسلم (1735) في الجهاد والسير: باب تحريم الغدر،
وأبو داود (2756)، وكلهم من حديث ابن عمر، وفي الباب عن
أنس، أخرجه مسلم (1737)، وعن أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم
أيضا (1738)، وعن عبد الله بن مسعود (1736)، والبخاري 6 /
202.
(3) هو علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي الامام
المحدث تاج الدين أبو الحسن الهاشمي الواسطي الغرافي، ثم
الاسكندراني المعدل، سمع عن غير واحد من الشيوخ، وحدث،
وأكثر عنه الرحالة من المشارقة والمغاربة، كان عالما فاضلا
محدثا، كثير التلاوة معمور الاوقات بالخير، إذا حصل له من
الكسب ما يقوم بأوده، اقتصر عليه، وانصرف إلى العبادة.
توفي سنة 704 ه.
مترجم في " مشيخة الذهبي " الورقة 93.
(*)
(8/126)
أخبرنا أحمد بن محمد العباسي، أخبرنا الحسن بن عبدالرحمن
الشافعي، أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبقسي (1)، أخبرنا محمد
بن إبراهيم الديبلي (2) حدثنا محمد بن أبي الازهر، حدثنا
إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد الله بن دينار بهذا.
وبإسنادي إلى ابن مخلد، قال: حدثني أحمد بن سعد الزهري،
قال: ذكر علي بن بحر القطان، سمعت ابن أبي حازم، يقول:
رأيت
البتي (3) قائما على رأس مالك بن أنس.
وبه: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين، حدثنا الاصمعي،
عن شعبة، قال: قدمت المدينة سنة ثمان عشرة ومئة، فوجدت
لمالك حلقة، ووجدت نافعا قد مات.
وبه: أخبرنا الرمادي، حدثنا الحكم بن عبد الله، أخبرني
أبي، عن مالك، قال: رحت إلى الظهر من بيت ابن هرمز اثنتي
عشرة سنة (4).
وبه: حدثنا الرمادي، حدثنا الحكم، أخبرنا أشهب، عن مالك،
قال: حدثني ابن شهاب، فقلت له: أعده علي.
قال: لا.
قلت: أما كان يعاد عليك ؟ قال: لا.
فقلت: كنت تكتب ؟ قال: لا.
وكف الحديدة يعني اللجام.
أخبرنا أحمد بن إسحاق بن محمد المؤيدي، أخبرنا أحمد بن
__________
(1) نسبة إلى عبدالقيس.
(2) نسبة إلى ديبل، مدينة على ساحل البحر الهندي قريبة من
السند.
(3) هو عثمان بن مسلم البتي أبو عمرو من رجال " التهذيب ".
(4) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 120، 121.
(*)
(8/127)
يوسف، والفتح بن عبد الله، قالا: أخبرنا محمد بن عمر
الارموي (1)، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن
عمر الحربي، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن
معين، حدثنا معن، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة،
قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح
امرأة قط " (2).
أخرجه النسائي في جمعه أحاديث مالك، عن معاوية بن صالح
الدمشقي، عن يحيى بن معين.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي غير مرة، أخبرنا عبد
الصمد بن محمد الشافعي سنة تسع وست مئة وأنا في الرابعة
أخبرنا علي بن المسلم الفقيه، أخبرنا أبو نصر الحسين بن
محمد الخطيب، سنة خمس وستين وأربع مئة، أخبرنا أبو الحسين
محمد بن أحمد الغساني، بصيدا، سنة أربع وتسعين وثلاث مئة،
حدثنا أبوروق أحمد بن محمد الهزاني (3) بالبصرة، حدثنا
محمد بن الوليد البسري، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن مالك.
(ح) (4) وأخبرنا بعلو أحمد بن هبة الله بن أحمد، عن المؤيد
بن محمد،
__________
(1) نسبة إلى أرمية من بلاد أذربيجان.
(2) إسناده صحيح، وفي " الموطأ ": 2 / 189 من حديث أميمة
بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في نسوة بايعنه على الاسلام فقلن: يا رسول الله، نيايعك
على ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل
أولادنا، ولا نأتي نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في
معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فيما استطعتن
وأطقتن "، قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا،
هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمئة امرأة كقولي
لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة "، وأخرجه
النسائي: 7 / 149 في البيعة: باب بيعة النساء، والترمذي
(1597) في السير: باب ما جاء في بيعة النساء، وقال: هذا
حديث حسن صحيح.
(3) نسبة إلى هزان وهو بطن من العتيك، والعتيك من ربيعة
وهو هزان بن صباح بن عتيك.
(4) رمز لتحويل السند إلى طريق آخر.
(*)
(8/128)
أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر
بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب،
حدثنا مالك، عن عبد
الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الايم أحق بنفسها من
وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " (1).
لفظ شعبة.
أخبرنا أبو المعالي الابرقوهي، أخبرنا زكريا بن علي بن
حسان ببغداد، وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ببعلبك،
وأحمد بن محمد بمصر، وجماعة، قالوا: أخبرنا أبوالمنجا عبد
الله بن عمر بن اللتي، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الاول
بن عيسى (ح) وأخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه كتابة،
أخبرنا عبد القادر الحافظ، أخبرنا عبد الجليل بن أبي سعد،
بهراة، قالا: أخبرتنا أم الفضل: بيبى بنت عبد الصمد، قالت:
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الانصاري، أخبرنا عبد الله بن
محمد، حدثنا مصعب الزبيري، حدثني مالك، عن نافع، عن ابن
عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل الكعبة هو
وأسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة الحجبي، فأغلقها عليهم،
ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ؟ فقال: جعل عمودا عن يساره، وعمودين عن
يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة
أعمدة، ثم صلى (2).
__________
(1) هو في " الموطأ " 2 / 524 في النكاح: باب استئذان
البكر، والايم أحق بنفسها، ومسلم (1421) في النكاح: باب
استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، وفي
الباب عن أبي هريرة أخرجه البخاري 9 / 164، 165 في النكاح:
باب لا ينكح الاب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ومسلم
(1419).
(2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ ": 1 / 398 في الحج: باب
الصلاة في البيت من طريق نافع عن ابن عمر، ومن طريق مالك
أخرجه البخاري: 1 / 477 في الصلاة: باب الصلاة بين السواري
في غير جماعة، ومسلم (1329) في الحج: باب استحباب دخول
الكعبة للحاج
وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها.
(*)
(8/129)
وبه حدثني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الولاء وعن
هبته " (1).
وفاة مالك قال القعنبي: سمعتهم يقولون: عمر مالك تسع
وثمانون سنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة.
وقال إسماعيل بن أبي أويس: مرض مالك، فسألت بعض أهلنا عما
قال عند الموت، قالوا: تشهد، ثم قال: (لله الامر من قبل
ومن بعد) [ الروم: 4 ] وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع
الاول سنة تسع وسبعين ومئة، فصلى عليه الامير عبد الله بن
محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
الهاشمي، ولد زينب بنت سليمان العباسية، ويعرف بأمه.
رواها محمد بن سعد عنه، ثم قال: وسألت مصعبا، فقال: بل مات
في صفر، فأخبرني معن بن عيسى بمثل ذلك.
وقال أبو مصعب الزهري: مات لعشر مضت من ربيع الاول سنة
تسع.
وقال محمد بن سحنون: مات في حادي عشر ربيع الاول.
وقال ابن وهب: مات لثلاث عشرة خلت من ربيع الاول.
قال القاضي عياض (2): الصحيح: وفاته في ربيع الاول يوم
الاحد لتمام اثنين وعشرين يوما من مرضه.
__________
(1) هو في " الموطأ ": 2 / 782 في العتق: باب مصير الولاء
لمن أعتق، وأخرجه البخاري 5 / 121 في العتق: باب بيع
الولاء وهبته من طريق شعبة، و 12 / 37 في الفرائض من طريق
سفيان، كلاهما عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، ومسلم
(1506) في العتق: باب
النهي عن بيع الولاء وهبته، من طرق عن عبد الله بن دينار،
عن ابن عمر.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 237.
(*)
(8/130)
وغسله ابن أبي زنبر وابن كنانة، وابنه يحيى وكاتبه حبيب
يصبان عليهما الماء، ونزل في قبره جماعة، وأوصى أن يكفن في
ثياب بيض، وأن يصلى عليه في موضع الجنائز، فصلى على الامير
المذكور.
قال: وكان نائبا لابيه محمد على المدينة، ثم مشى أمام
جنازته، وحمل نعشه، وبلغ كفنه خمسة دنانير.
قلت: تواترت وفاته في سنة تسع، فلا اعتبار لقول من غلط،
وجعلها في سنة ثمان وسبعين، ولا اعتبار بقول حبيب كاتبه،
ومطرف فيما حكي عنه، فقالا: سنة ثمانين ومئة.
ونقل القاضي عياض أن أسد بن موسى قال: رأيت مالكا بعد
موته، وعليه طويلة، وثياب خضر وهو على ناقة، يطير بين
السماء والارض.
فقلت: يا أبا عبد الله، أليس قدمت ؟ قال: بلى.
فقلت: فالام صرت ؟ فقال: قدمت على ربي وكلمني كفاحا (1)،
وقال: سلني أعطك، وتمن علي أرضك (2).
قال القاضي عياض: واختلف في سنه.
فقال عبد الله بن نافع الصائغ، وابن أبي أويس، ومحمد بن
سعد، وحبيب: إن عمره خمس وثمانون سنة.
قال: وقيل: أربع وثمانون سنة، وقيل: سبع وثمانون سنة، وقال
الواقدي: تسعون سنة، وقال الفريابي، وأبو مصعب: ست وثمانون
سنة.
وقال القعنبي: تسع وثمانون سنة، وعن عبدالرحمن بن القاسم،
قال: عاش سبعا وثمانين سنة.
وشذ أيوب بن صالح، فقال:
__________
(1) أي: مواجهة وبدون واسطة.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 239.
(*)
(8/131)
عاش اثنتين وتسعين سنة.
قال أبو محمد الضراب: هذا خطأ.
الصواب ست وثمانون (1).
واختلف في حمل أمه به: فقال معن، والصائغ، ومحمد بن
الضحاك: حملت به ثلاث سنين.
وقال نحوه والد الزبير بن بكار، وعن الواقدي: حملت به
سنتين (2).
قلت: ودفن بالبقيع اتفاقا، وقبره مشهور يزار، رحمه الله.
ويقال: إنه في الليلة التي مات فيها، رأى رجل من الانصار
قائلا ينشد: لقد أصبح الاسلام زعزع ركنه * غداه ثوى الهادي
لدى ملحد القبر إمام الهدى ما زال للعلم صائنا * عليه سلام
الله في آخر الدهر قال: فانتبهت، فإذا الصارخة على مالك.
ثم أورد القاضي عياض عدة منامات حسنة للامام (3)، وسائر
كتابه بلا أسانيد، وفي بعض ذلك ما ينكر.
قال ابن القاسم: مات مالك عن مئة عمامة، فضلا عن سواها.
وقال ابن أبي أويس: بيع ما في منزل خالي مالك من بسط،
ومنصات، ومخاد، وغير ذلك، بما ينيف على خمس مئة دينار.
وقال محمد بن عيسى بن خلف: خلف مالك خمس مئة زوج من
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 111.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 111، 112.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 238، 245.
(*)
(8/132)
النعال، ولقد اشتهى يوما كساء قوصيا، فما مات (1) إلا
وعنده منها سبعة، بعثت إليه.
وأهدى له يحيى بن يحيى النيسابوري هدية، فوجدت بخط جعفر:
قال مشايخنا الثقات: إنه باع منها من فضلتها بثمانين ألفا.
قال أبو عمرو: ترك من الناض (2) ألفي دينار وست مئة دينار،
وسبعة وعشرين دينارا، ومن الدراهم ألف درهم.
قلت: قد كان هذا الامام من الكبراء السعداء، والسادة
العلماء، ذا حشمة وتجمل، وعبيد، ودار فاخرة، ونعمة ظاهرة،
ورفعه في الدنيا والاخرة.
كان يقبل الهدية، ويأكل طيبا، ويعمل صالحا.
وما أحسن قول ابن المبارك فيه: صموت إذا ما الصمت زين أهله
* وفتاق أبكار الكلام المختم وعى ما وعى القرآن من كل حكمة
* وسيطت له الآداب باللحم والدم (3) قال القاضي عياض رحمه
الله فيه: يا سائلا عن حميد الهدي والسنن اطلب، هديت علوم
الفقه والسنن وعقد قلبك فاشدده على ثلج لا تطوينه على شك
ولا دخن (4)
__________
(1) في هامش الاصل: فمات بات.
(2) الناض: النقد من الدنانير والدراهم.
(3) وسيطت: مزجت.
(4) ثلج: اطمئنان، والدخن: الفساد.
(*)
(8/133)
واسلك سبيل الالى حازوا نهى وتقى كانوا فبانوا حسان السر
والعلن هم الائمة والاقطاب ما انخدعوا ولا شروا دينهم
بالبخس والغبن أصحاب خير الورى أحبار ملته خير القرون نجوم
الدهر والزمن من اهتدى بهداهم مهتد وهم نجاة من بعدهم من
غمرة الفتن وتابعوهم على الهدي القويم هم أهل التقى والهدى
والعلم والفطن فاختر لديبنك ذا علم تقلده مشهر الذكر في
شام وفي يمن حوى أصولهم ثم اقتفى أثرا نهجا إلى كل معنى
رائق حسن (1) ومالك المرتضى لا شك أفضلهم إمام دار الهدى
والوحي والسنن فعنه حز علمه إن كنت متبعا ودع زخارف
كالاحلام والوسن فهو المقلد في الآثار يسندها خلاف من هو
فيها غير مؤتمن
__________
(1) نهجا: سالكا.
(*)
(8/134)
وهو المقدم في فقه وفي نظر والمقتدى في الهدى في ذلك الزمن
وعالم الارض طرا بالذي حكمت شهادة المصطفى ذي الفضل والمنن
ومن إليه بأقطار البلاد غدت تنضى المطايا وتضحى بزل البدن
(1) من أشرب الخلق طرا حبه فجرى طي القلوب كجري الماء في
الغصن وقال كل لسان في فضائله قولا وإن قصروا في الوصف عن
لسن عليه من ربه أصفى عواطفه ومن رضاه كصوب العارض الهتن
(2) وجاد ملحده وطفاء هاطلة تسقي برحماه مثوى ذلك الجنن
(3)
11 - عبد القدوس * ابن حبيب
المحدث أبو سعيد الكلاعي الوحاظي الشامي.
__________
(1) تنضى: تهزل.
تضحى: تسعى.
البزل: جمع بازل: الناقة في التاسع من سنها.
البدن: الابل والبقر تهدى إلى مكة.
(2) العارض: السحاب يعترض في الافق، الهتن: الممطر.
(3) ملحده: لحده وقبره.
وطفاء: السحابة المسترخية لكثرة الماء.
الجنن: القبر
والميت.
والابيات في " ترتيب المدارك " 1 / 253، 254 وفيها تحريف
كثير تصحح من هنا.
* التاريخ الكبير 6 / 119، التاريخ الصغير: 2 / 203،
الضعفاء للعقيلي: 2 / 256، كتاب المجروحين والضعفاء: 2 /
131، الكامل لابن عدي: 4 / 253، الميزان 2 / 643.
(*)
(8/135)
روى عن: مجاهد، وعكرمة، وأبي الاشعث الصنعاني، والشعبي
والحسن، وعطاء، ومكحول، وابن شهاب.
وعنه: عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريح، والثوري وماتوا قبله
بمدة والوليد بن مسلم، وابن شابور، وعبد الرزاق، وعلي بن
الجعد، وأبوالجهم، وصالح بن مالك الخوارزمي، وإسحاق بن أبي
إسرائيل.
يقع من عواليه في الجعديات (1).
اتفقوا على ضعفه.
كذبه ابن المبارك.
وقال ابن معين: مطروح الحديث.
وقال الفلاس: تركوه.
وقال ابن عمار: ذاهب الحديث.
وقال ابن المبارك: لان أقطع الطريق، أحب إلي من أن أروي
عنه.
وقال النسائي: ليس بثقة، ولا مأمون.
قلت: بقي إلى [ ما ] بعد السبعين ومئة، وعمر دهرا.
12 - الليث بن سعد *
(ع) ابن عبدالرحمن، الامام الحافظ شيخ الاسلام، وعالم
الديار
__________
(1) هي اثنا عشر جزءا تصنيف الحافظ محدث بغداد أبي الحسن
علي بن الجعد الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري، روى عن
أحمد ويحيى والبخاري وأبي داود وخلق.
مات سنة
ثلاثين ومئتين عن ست وتسعين سنة.
انظر " العبر " 1 / 406.
* طبقات ابن سعد: 7 / 517، التاريخ لابن معين: 501، طبقات
خليفة: 296.
تاريخ خليفة: 449، التاريخ الكبير: 7 / 246، التاريخ
الصغير: 2 / 209، المعارف لابن (*) =
(8/136)
المصرية، أبو الحارث الفهمي مولى خالد بن ثابت بن ظاعن.
وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس، من أهل أصبهان.
ولا منافاة بين القولين.
مولده: بقرقشندة قرية من أسفل أعمال مصر في سنة أربع
وتسعين.
قاله يحيى بن بكير.
وقيل: سنة ثلاث وتسعين.
ذكره سعيد بن أبي مريم.
والاول أصح، لان يحيى يقول: سمعت الليث يقول: ولدت في
شعبان سنة أربع، قال الليث: وحججت سنة ثلاث عشرة ومئة.
سمع: عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ونافعا العمري،
وسعيد ابن أبي سعيد المقبري، وابن شهاب الزهري، وأبا
الزبير المكي، ومشرح ابن هاعان، وأبا قبيل المعافري، ويزيد
بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة، وعبيدالله بن أبي جعفر،
وبكير بن عبد الله بن الاشج، وعبد الرحمن بن القاسم،
والحارث بن يعقوب، ودراجا أبا السمح الواعظ، وعقيل بن
خالد، ويونس بن يزيد، وحكيم بن عبد الله بن قيس، وعامر بن
يحيى المعافري، وعمر مولى غفرة، وعمران بن أبي أنس، وعياش
بن عباس، وكثير بن فرقد، وهشام بن عروة، وعبد الله بن
عبدالرحمن بن أبي حسين، وأيوب بن موسى، وبكر بن سوادة،
وأبا كثير الجلاح، والحارث بن يزيد الحضرمي، وخالد بن
يزيد، وصفوان بن سليم، وخير بن نعيم، وأبا الزناد
__________
= قتيبة: 505، 506، الجرح والتعديل: 7 / 179 - 180، مشاهير
علماء الامصار:
(1536): 191، مروج الذهب: 3 / 349، الحلية: 7 / 318،
الفهرست: 1 / 199، تاريخ بغداد: 13 / 3، صفوة الصفوة: 4 /
281، وفيات الاعيان: 4 / 127 - 132، تهذيب الكمال للمزي:
1152، تذكرة الحفاظ: 1 / 224 - 226، ميزان الاعتدال 3 /
423، العبر للذهبي: 1 / 266، صبح الاعشى: 2 / 399، تهذيب
التهذيب: 8 / 459، النجوم الزاهرة: 2 / 82، الجواهر
المضيئة: 1 / 266، شذرات الذهب: 1 / 285.
(*)
(8/137)
وقتادة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ويزيد بن عبد الله بن
الهاد، ويحيى ابن سعيد الانصاري، وخلقا كثيرا.
حتى إنه يروي عن تلامذته، وحتى إنه روى عن نافع، ثم روى
حديثا بينه وبينه فيه أربعة أنفس، وكذلك فعل في شيخه ابن
شهاب، روى غير حديث بينه وبينه فيه ثلاثة رجال.
روى عنه خلق كثير.
منهم ابن عجلان شيخه، وابن لهيعة، وهشيم، وابن وهب، وابن
المبارك، وعطاف بن خالد، وشبابة وأشهب، وسعيد بن شرحبيل،
وسعيد بن عفير، والقعنبي، وحجين بن المثنى، وسعيد بن أبي
مريم، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن يونس، وشعيب بن الليث،
ولده، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن عبد الحكم، ومنصور بن
سلمة، ويونس بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن
يحيى الليثي، ويحيى بن يحيى التميمي، وأبوالجهم العلاء ابن
موسى، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن رمح، ويزيد بن موهب
الرملي، وكامل بن طلحة، وعيسى بن حماد زغبة، وعبد الله بن
صالح الكاتب، وعمرو بن خالد، وعبد الله بن يوسف التنيسي.
ولحقه الحارث بن مسكين، وسأله عن مسألة، ورآه يعقوب بن
إبراهيم الدورقي ببغداد وهو صبي.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح، أخبرنا الارموي، وابن
الداية، والطرائفي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة،
أخبرنا عبيدالله ابن عبدالرحمن، حدثنا جعفر بن محمد
الحافظ، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن يزيد بن أبي
حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل
المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا،
(8/138)
ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا ".
هذا الحديث حسن عال.
أخرجه الترمذي (1) عن قتيبة، فوافقناه بعلو.
أخبرنا أبو علي يوسف بن أحمد الصالحي، أخبرنا موسى بن عبد
القادر الجيلي، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء
(ح) وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد
القرافي، الزاهد، بمصر، أخبرنا أبو علي الحسن بن إسحاق بن
موهوب بن الجواليقي سنة عشرين وست مئة ببغداد (ح) وقرأت
على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الطائي، عن أبي اليمن زيد
بن الحسن الكندي، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله ابن
المهتدي بالله في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، قالوا:
أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو
بكر محمد بن عمر الوراق، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان
بن الاشعث الحافظ، حدثنا عيسى بن حماد التجيبي، أخبرنا
الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي
بكر، قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره
إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والله ما فيكم أحد على دين
إبراهيم غيري، وكان يحيي الموؤودة، يقول للرجل إذا أراد أن
يقتل ابنته: مه، لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها،
فإذا ترعرعت، قال لابيها: إن شئت، دفعتها إليك، وإن شئت،
كفيتك مؤنتها.
هذا حديث صحيح، وإنما يرويه الليث بن هشام بالاجازة، لان
__________
(1) (2198) وسنده حسن، كما قال المؤلف، وله شاهد من حديث
أبي هريرة عن مسلم (118) في الايمان: باب الحث على
المبادرة بالاعمال، بلفظ " بادروا بالاعمال فتنا كقطع
الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا
ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ".
(*)
(8/139)
البخاري، أخرجه في صحيحه (1) تعليقا، فقال: وقال الليث:
كتب إلي هشام بن عروة: فذكر الحديث.
فهو في الصحيح وجادة (2) على إجازة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق: أخبرنا أكمل بن أبي الازهر، أخبرنا
سعيد ابن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا محمد بن عمر
بن زنبور، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا عيسى بن حماد،
أخبرنا الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة شجرة
يسير الراكب في ظلها مئة سنة " (3).
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر،
والحسين ابن المبارك، وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا عبد
اللطيف بن عسكر، وحسن بن أبي بكر بن الزبيدي، والنفيس بن
كرم، وأخبرنا أحمد بن أبي
__________
(1) 7 / 110 في مناقب الانصار: باب حديث زيد بن عمرو بن
نفيل، وقال الحافظ: وهذا الحديث رويناه موصولا في حديث
زغبة، من رواية أبي بكر بن أبي داود، عن عيسى بن حماد، وهو
المعروف بزغبة، عن الليث.
(2) الوجادة، بكسر الواو: أن يقف المرء على أحاديث أو كتاب
بخط راويها، فله أن يرويها عن راويها، ويقول على سبيل
الحكاية: قرأت بخط فلان أو كتابه: حدثنا فلان، ويسوق
الاسناد والمتن، وله أن يقول: قال فلان، إذا لم يكن فيه
تدليس يوهم اللقاء، ولا يجوز له أن يقول: حدثنا أو أخبرنا
مما يدل على اتصال السند، وروي عن الامام الشافعي جواز
العمل به، وهذا هو الراجح.
ويقول ابن كثير في " الباعث الحثيث " 142: والوجادة: ليست
من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجد في الكتاب..قال
ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحاب الشافعي العمل به
عند حصول الثقة به.
(3) وأخرجه البخاري 8 / 481 في تفسير سورة الواقعة من طريق
سفيان، عن أبي الزناد عن الاعرج، عن أبي هريرة، وأخرجه
مسلم (2826) في صفة الجنة من طريق قتيبة، عن الليث، عن
سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه
البخاري 11 / 366 في الرقاق، ومسلم (2828) من حديث أبي
سعيد الخدري، وأخرجه البخاري 11 / 366 في الرقاق، ومسلم
(2827) من حديث سهل بن سعد، وأخرجه البخاري 6 / 233 من
حديث أنس.
(*)
(8/140)
طالب، وخلق، قالوا: أخبرنا أبوالمنجا عبد الله بن عمر بن
اللتي، قالوا ستتهم: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا محمد
بن أبي مسعود، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح، أخبرنا أبو
القاسم البغوي، أخبرنا العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا
الليث، عن نافع، أن ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل
النصرانية أو اليهودية، قال: إن الله حرم المشركات على
المسلمين، ولا أعلم من الاشراك شيئا أكبر من أن تقول
المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عبيد الله.
أخرجه البخاري (1)، عن قتيبة، عن الليث.
أخبرنا القاضي تاج الدين أبو محمد عبد الخالق بن عبد
السلام بن سعيد بن علوان ببعلبك، بقراءتي، أخبرنا أبو محمد
عبدالرحمن بن إبراهيم (ح) وأخبرنا عز الدين إسماعيل بن
عبدالرحمن المرداوي، أخبرنا محمد بن خلف الفقيه، سنة ست
عشرة وست مئة (ح) وأخبرنا بيبرس المجدي بحلب، أخبرنا عبد
الله بن عمر بن النخال، قالوا: أخبرتنا فخر النساء شهدة
بنت أحمد الكاتبة (2)، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد
السلام الانصاري، (ح) وأخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن
الفراء، أخبرنا أبو محمد
__________
(1) 9 / 367 في النكاح: باب قوله تعالى: (ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن).
وهذا رأي انفرد به ابن عمر، ولا يحفظ عن أحد من الاوائل
أنه حرم نساء أهل الكتاب.
ويروى عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن،
والجمهور على الاباحة وقالوا: إن عموم قوله تعالى: (ولا
تنكحوا المشركات حتى يؤمن) مخصوص بقوله تعالى (والمحصنات
من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) انظر " جامع البيان " 4 /
362، 367، و " فتح الباري " 9 / 367.
(2) قال المؤلف في " العبر " 4 / 220: هي شهدة بنت أبي نصر
أحمد بن الفرج الدينوري، ثم البغدادي، الكاتبة المسندة،
فخر النساء، كانت دينة عابدة صالحة، سمعها أبوها الكثير،
وصارت مسندة العراق.
روت عن طراد والنعالي وابن البطر وطائفة.
وكانت ذات بر وخير.
توفيت في رابع عشر المحرم عن نيف وتسعين سنة.
(*)
(8/141)
ابن قدامة الفقيه (1)، أخبرنا أبو الفتح بن البطي، ويحيى
بن ثابت البقال، قال أبو الفتح: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن
الحسن الحافظ، وقال البقال: أخبرنا أبي، قالوا: أخبرنا
أحمد بن محمد بن غالب الحافظ، قال: قرأت على أبي العباس بن
حمدان، حدثكم محمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن
بكير، حدثني الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن إبراهيم
بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن
أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
فذكر الحديث: " بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت ما
شاء الله أن أنزع ".
أخبرناه إسماعيل بن عبدالرحمن، وأحمد بن عبدالحميد، قالا:
أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو بكر بن
القنور، أخبرنا علي بن محمد العلاف، أخبرنا أبو الحسن بن
الحمامي، حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا محمد بن إبراهيم
البوشنجي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يزيد بن
الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب،
عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت
منها ما شاء الله، ثم نزع ابن قحافة ذنوبا أو ذنوبين، وفي
نزعه ضعف، وليغفر الله له، ثم استحالت غربا، فأخذ ابن
الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزعه حتى ضرب
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة
المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد شيخ الاسلام،
وأحد الاعلام، صاحب التصانيف الكثيرة الحسنة من أعظمها "
المغني " في الفقه المقارن ضمنه أقوال الصحابة والتابعين
وعلماء الامصار، وحكى أدلة كل واحد منهم بأمانة ووضوح
ودونما تعصب.
قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب
الاسلام في العلم مثله في جودته وتحقيق ما فيه، ولم تطب
نفسي بالفتيا حتى صارت نسخة من المغني عندي.
توفي سنة (620) ه.
(*)
(8/142)
الناس بعطن (1) ".
رواه من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد، مسلم في " صحيحه "،
عن أبيه، عن صالح نحوه، والبخاري، عن يسرة، عن إبراهيم، عن
الزهري بنفسه.
أخبرنا أبو المعالي القرافي، أخبرنا الفتح بن عبد الله،
أخبرنا الارموي، وابن الداية، والطرائفي، قالوا: أخبرنا
ابن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا الفريابي،
حدثنا يزيد بن خالد الرملي، حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل،
عن ابن شهاب، أن أبا إدريس عائذ الله الخولاني، أخبره أن
يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، قال: كان معاذ
لا يجلس مجلسا إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط تبارك اسمه،
هلك المرتابون.
كان الليث رحمه الله فقيه مصر، ومحدثها، ومحتشمها،
ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الاقليم، بحيث إن متولي مصر
وقاضيها وناظرها، من تحت أوامره، ويرجعون إلى رأيه،
ومشورته، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الاقليم،
فاستعفي من ذلك.
ومن غرائب حديث الليث، عن الزهري، عن أنس، حديث: " من كذب
علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (2) صححه أبو عيسى
وغربه.
__________
(1) أخرجه البخاري: 13 / 378 في التوحيد: باب في المشيئة
والارادة، ومسلم (2392) في الفضائل..والقليب: البئر.
والذنوب: الدلو المملوء.
والغرب: الدلو العظيمة.
والعبقري: هو السيد، وقيل: الذي ليس فوقه شئ.
ضرب الناس بعطن: أي أرووا إبلهم، ثم آووها إلى مستراحها.
(2) أخرجه الترمذي (2661) في العلم: باب ما جاء في تعظيم
الكذب على رسول الله = (*)
(8/143)
قال أبو مسهر الغساني شيخ أهل دمشق: قدم علينا الليث، فكان
يجالس سعيد بن عبد العزيز، فأتاه أصحابنا، فعرضوا عليه،
فلم أر أنا أخذ ذلك عرضا حتى قدمت على مالك.
عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت سعيد بن أبي مريم، سمعت
ليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط.
قلت: كانت الاهواء والبدع خاملة في زمن الليث، ومالك،
والاوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة.
فأما في زمن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، فظهرت
البدعة، وامتحن أئمة الاثر، ورفع أهل الاهواء رؤوسهم بدخول
الدولة معهم، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة،
ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول، فطال
الجدال، واشتد النزاع، وتولدت الشبه.
نسأل الله العافية.
قال ابن بكير: سمعت الليث يقول: سمعت بمكة سنة ثلاث عشرة
ومئة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة.
__________
= صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من
هذا الوجه من حديث الزهري، عن أنس، وقد روي هذا الحديث من
غير وجه عن أنس.
قلت: أخرجه البخاري 1 / 179، 180 في العلم، ومسلم (3) في
المقدمة، وأحمد 3 / 98 من طرق، عن عبد العزيز بن صهيب، عن
أنس بن مالك مرفوعا بلفظ " من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده
من النار " وأخرجه أحمد 3 / 223، وابن ماجه (32) من طريق
الليث، عن ابن شهاب، عن أنس، وأخرجه أحمد 3 / 113 من طريق
أبي معاوية، عن عاصم الاحول، عن أنس بن مالك و 116 و 117
من طريق يحيى وإسماعيل، عن التيمي، عن أنس، و 166 و 167 من
طريق المعتمر، عن أبيه، عن أنس، و 203 من طريق شعبة عن
حماد، عن أنس، و 209 من طريق شعبة، عن حماد، وعبد العزيز
بن رفيع، وعتاب مولى ابن هرمز، ورافع، عن أنس، و 278 من
طريق شعبة، عن قتادة، وحماد بن أبي سليمان، وسليمان
التيمي، عن أنس، و 280 من طريق هاشم، عن عيسى بن طهمان، عن
أنس والحديث متواتر رواه سبعون صحابيا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم انظر تخريجها في " الاسرار المرفوعة " 4،
38 للعلامة ملا علي القاري.
(*)
(8/144)
وقال عيسى بن زغبة، عن الليث قال: أصلنا من أصبهان،
فاستوصوا بهم خيرا.
قال يحيى بن بكير: أخبرني من سمع الليث يقول: كتبت من علم
ابن شهاب علما كثيرا، وطلبت ركوب البريد إليه، إلى
الرصافة، فخفت أن لا يكون ذلك لله، فتركته، ودخلت على
نافع، فسألني، فقلت: أنا مصري.
فقال: ممن ؟ قلت: من قيس ؟ قال: ابن كم ؟ قلت: ابن عشرين
سنة.
قال: أما لحيتك، فلحية ابن أربعين (1).
قال أبو صالح: خرجت مع الليث إلى العراق سنة إحدى وستين
ومئة.
خرجنا في شعبان، وشهدنا الاضحى ببغداد، قال: وقال لي الليث
ونحن ببغداد: سل عن منزل هشيم الواسطي، فقل له: أخوك ليث
المصري يقرئك السلام، ويسألك أن تبعث إليه شيئا من كتبك،
فلقيت هشيما، فدفع إلي شيئا، فكتبنا منه، وسمعتها مع الليث
(2).
قال الحسن بن يوسف بن مليح: سمعت أبا الحسن الخادم، وكان
قد عمي من الكبر في مجلس يسر، قال: كنت غلاما لزبيدة، وأتي
بالليث بن سعد تستفتيه، فكنت واقفا على رأس ستي زبيدة، خلف
الستارة، فسأله الرشيد، فقال له: حلفت (3) إن لي جنتين:
فاستخلفه الليث ثلاثا: إنك تخاف الله ؟ فحلف له، فقال: قال
الله: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [ الرحمن: 16 ].
قال: فأقطعه قطائع كثيرة بمصر (4).
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 13 / 5 و " الوفيات ": 4 / 129.
(2) " تاريخ بغداد ": 13 / 4.
(3) في الاصل " حملت " وهو خطأ.
(4) " تاريخ بغداد " 13 / 4، 5 و " حلية الاولياء " 7 /
223، و " الوفيات " 4 / 129.
(*)
(8/145)
قلت: إن صح هذا، فهذا كان قبل خلافة هارون.
قال محمد بن إبراهيم العبدي: سمعت ابن بكير يحدث عن يعقوب
ابن داود وزير المهدي، قال: قال أمير المؤمنين لما قدم
الليث العراق: الزم هذا الشيخ، فقد ثبت عندي أنه لم يبق
أحد أعلم بما حمل منه (1).
الفسوي: حدثنا ابن بكير، قال: قال الليث: قال لي أبو جعفر:
تلي لي مصر ؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، إني أضعف عن ذلك،
إني رجل من الموالي، فقال: ما بك ضعف معي، ولكن ضعفت نيتك
في العمل لي (2).
وحدثنا ابن بكير، قال: قال عبد العزيز بن محمد: رأيت الليث
عند ربيعة يناظرهم في المسائل، وقد فرفر أهل الحلقة (3).
أبو إسحاق بن يونس الهروي: حدثنا الدارمي، حدثنا يحى بن
بكير، حدثنا شرحبيل بن جميل قال: أدركت الناس أيام هشام
الخليفة، وكان الليث بن سعد حدث السن، وكان بمصر عبيدالله
بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يزيد، ويزيد بن
أبي حبيب، وابن هبيرة، وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن
إسلامه عن حداثة سنه، ثم قال ابن بكير: لم أر مثل الليث.
وروى عبدالملك بن يحيى بن بكير، عن أبيه، قال: ما رأيت
أحدا أكمل من الليث.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 5.
(2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 441، 442، و " تاريخ بغداد "
13 / 5.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 5، وفرفر أهل الحلقة: كسرهم،
وغلبهم بحجته، وإذا جعلت " أهل " فاعل لفرفر، فيكون
المعنى: إن أهل الحلقة استبد بهم الطيش والخفة لقوة عارضة
الليث، وبراعة استدلاله.
(*)
(8/146)
وقال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن
القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة، فما
زال يذكر خصالا جميلة، ويعقد بيده، حتى عقد عشرة: لم أر
مثله (1).
ونقل الخطيب في " تاريخه " (2)، عن محمد بن إبراهيم
البوشنجي، سمع ابن بكير، يقول: أخبرت عن سعيد بن أبي أيوب،
قال: لو أن مالكا والليث اجتمعا، لكان مالك عند الليث
أخرس، ولباع الليث مالكا فيمن يزيد.
قلت: لا يصح إسنادها لجهالة من حدث عن سعيد بها، أو أن
سعيدا ما عرف مالكا حق المعرفة.
أخبرنا المؤمل بن محمد، والمسلم بن علان كتابة، قالا:
أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني،
أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا ابن رزق، أخبرنا علي بن
محمد المصري، حدثنا محمد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة
المفرض (3)، حدثنا هارون بن سعيد: سمعت ابن وهب يقول: كل
ماكان في كتب مالك: وأخبرني من أرضى من أهل العلم، فهو
الليث بن سعد (4).
وبه إلى أبي بكر: حدثنا الصوري، أخبرنا عبدالرحمن بن عمر
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 6، و " الوفيات " 4 / 130.
(2) 13 / 6.
(3) بضم الميم وسكون الفاء، وكسر الراء، وفي آخرها ضاد
معجمة، يقال هذا لمن يعرف الفرائض، قال ابن الاثير: أهل
مصر يقولون له: المفرض، وأهل العراق يقولون له: الفرائضي
والفرضي، والمشهور بهذه النسبة أبو طيبة عبدالملك بن نصير
المفرض، كان عالم مصر بالفرائض.
(4) " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(*)
(8/147)
التجيبي، أخبرنا الحسن بن يوسف بن صالح بن مليح الطرائفي،
سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال ابن وهب: لولا مالك،
والليث، لضل الناس (1).
قال أحمد الابار: حدثنا أبو طاهر، عن ابن وهوب، قال: لولا
مالك، والليث، هلكت، كنت أظن كل ما جاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم يفعل به (2).
جعفر بن محمد الرسعني (3): حدثنا عثمان بن صالح، قال: كان
أهل مصر ينتقصون عثمان، حتى نشأ فيهم الليث، فحدثهم
بفضائله، فكفوا.
وكان أهل [ حمص ] (4) ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل
بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك.
محمد بن أحمد بن عياض المفرض: سمعت حرملة يقول: كان الليث
بن سعد يصل مالكا بمئة دينار في السنة، فكتب مالك إليه:
علي دين، فبعث إليه بخمس مئة دينار، فسمعت ابن وهب يقول:
كتب مالك إلى الليث: إني أريد أن أدخل بنتي علي زوجها،
فأحب أن تبعث لي بشئ من عصفر، فبعث إليه بثلاثين حملا
عصفرا، فباع منه بخمس مئة دينار،
وبقي عنده فضلة (3).
قال أبو داود: قال قتيبة: كان الليث يستغل عشرين ألف دينار
في كل سنة، وقال: ما وجبت علي زكاة قط.
وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(3) نسبة إلى رأس العين مدينة من مدن الجزيرة بين حران
ونصيبين.
(4) سقطت من الاصل، واستدركت من " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(5) " تاريخ بغداد " 13 / 7، 8، و " وفيات الاعيان " 4 /
130 و " حلية الاولياء " 7 / 319.
(*)
(8/148)
وأعطى مالكا ألف دينار، وأعطى منصور بن عمار الواعظ ألف
دينار وجارية تسوى ثلاث مئة دينار (1).
قال: وجاءت امرأة إلى الليث، فقالت: يا أبا الحارث، إن
ابنا لي عليل، واشتهى عسلا، فقال: يا غلام، أعطها مرطا من
عسل، والمرط: عشرون ومئة رطل.
قال عبدالملك بن شعيب بن الليث بن سعد: سمعت أبي يقول: ما
وجبت علي زكاة منذ بلغت.
وقال أبو صالح: سألت امرأة الليث منا [ من ] عسل، فأمر لها
بزق، وقال: سألت على قدرها، وأعطيناها على قدر السعة علينا
(2).
قال يعقوب بن شيبة: حدثني عبد الله بن إسحاق، سمعت يحيى بن
إسحاق السليحيني، قال: جاءت امرأة بسكرجة (3) إلى الليث
تطلب عسلا، فأمر من يحمل معها زقا، فجعلت تأبى، وجعل الليث
يأبى إلا أن
يحمل معها من عسل، وقال: نعطيك على قدرنا.
وعن الحارث بن مسكين، قال: اشترى قوم من الليث ثمرة،
فاستغلوها، فاستقالوه، فأقالهم، ثم دعا بخريطة فيها أكياس،
فأمر لهم بخمسين دينارا، فقال له ابنه الحارث في ذلك.
فقال: اللهم غفرا، إنهم قد كانوا أملوا فيها أملا، فأحببت
أن أعوضهم من أملهم بهذا.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 8، وتسوى: لغة في تساوي نادرة،
قال الازهري في " التهذيب " 13 / 126: وقولهم: لا يسوى.
ليس من كلام العرب، وهو من كلام المولدين.
(2) " تاريخ بغداد ": 13 / 8، و " الوفيات ": 4 / 131.
(3) إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الادم وهي فارسية،
وأكثر ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها.
(*)
(8/149)
أحمد بن عثمان النسائي: سمعت قتيبة، سمعت شعيب بن الليث
يقول: خرجت حاجا مع أبي، فقدم المدينة، فبعث إليه مالك بن
أنس بطبق رطب، قال: فجعل على الطبق ألف دينار، ورده إليه.
إسماعيل سمويه: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: صحبت الليث
عشرين سنة، لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع الناس.
وكان لا يأكل إلا بلحم إلا أن يمرض.
محمد بن أحمد بن عياض المفرض: حدثنا إسماعيل بن عمرو
الغافقي، سمعت أشهب بن عبد العزيز يقول: كان الليث له كل
يوم أربعة مجالس يجلس فيها: أما أولها، فيجلس لنائبه
السلطان في نوائبه وحوائجه، وكان الليث يغشاه السلطان،
فإذا أنكر من القاضي أمرا، أو من السلطان، كتب إلى أمير
المؤمنين، فأتيه العزل، ويجلس لاصحاب الحديث، وكان
يقول: نجحوا أصحاب الحوانيت، فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم.
ويجلس للمسائل، يغشاه الناس، فيسألونه، ويجلس لحوائج
الناس، لا يسأله أحد فيرده، كبرت حاجته أو صغرت، وكان يطعم
الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر، وفي الصيف
سويق اللوز في السكر (1).
وبه إلى الخطيب أبي بكر: أخبرنا البرقاني، أخبرنا أبو
إسحاق المزكي، أخبرنا السراج: سمعت قتيبة يقول: قفلنا مع
الليث بن سعد من الاسكندرية، وكان معه ثلاث سفائن: سفينة
فيها مطبخه، وسفينة فيها عائلته، وسفينة فيها أضيافه.
وكان إذا حضرت الصلاة يخرج إلى الشط، فيصلي.
وكان ابنه شعيب إمامه، فخرجنا لصلاة المغرب، فقال: أين
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 13 / 9 و " الوفيات " 4 / 131.
(*)
(8/150)
شعيب ؟، فقالوا: حم، فقام الليث، فأذن وأقام، ثم تقدم،
فقرأ (والشمس وضحاها)، فقرأ: (فلا يخاف عقباها) (1).
وكذلك في مصاحف أهل المدينة يقولون: هو غلط من الكاتب عن
أهل العراق، ويجهر: ببسم الله الرحمن الرحيم.
ويسلم تلقاء وجهه (2).
الفسوي: قال ابن بكير: سمعت الليث كثيرا يقول: أنا أكبر من
ابن لهيعة، فالحمد لله الذي متعنا بعلقنا (3).
ثم قال ابن بكير: حدثني شعيب بن الليث، عن أبيه قال: لما
ودعت أبا جعفر ببيت المقدس قال: أعجبني ما رأيت من شدة
عقلك، والحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك.
قال شعيب: كان أبي يقول: لا تخبروا بهذا ما دمت حيا (4).
قال قتيبة: كان الليث أكبر من ابن لهيعة بثلاث سنين، وإذا
نظرت
تقول: ذا ابن، وذا أب، يعني: ابن لهيعة الاب (5).
قال: ولما احترقت كتب ابن لهيعة، بعث إليه الليث من الغد
بألف دينار (6).
قال محمد بن صالح الاشج: سئل قتيبة: من أخرج لكم هذه
__________
(1) قال الطبري في " تفسيره " 30 / 216: قرأته عامة قراء
الحجاز والشام (فلا يخاف عقباها) بالفاء وكذلك هو في
مصاحفهم، وقرأته عامة العراق في المصرين (بالواو) (ولا
يخاف عقباها)، وكذلك هو في مصاحفهم، والصواب من القول في
ذلك: أنهما قراءتان معروفتان غير مختلفي المعنى فبأيتهما
قرأ القارئ، فمصيب.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 9، و " الوفيات " 4 / 131.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 10.
(4) " المعرفة والتاريخ " 2 / 441، و " تاريخ بغداد " 13 /
10.
(5) " تاريخ بغداد " 13 / 10.
(6) " حلية الاولياء " 7 / 322.
(*)
(8/151)
الاحاديث من عند الليث ؟ فقال: شيخ كان يقال له: زيد بن
الحباب (1).
وقدم منصور بن عمار على الليث، فوصله بألف دينار.
واحترقت دار ابن لهيعة، فوصله بألف دينار، ووصل مالكا بألف
دينار، وكساني قميص سندس، فهو عندي.
رواها صالح بن أحمد الهمذاني، عن محمد بن علي ابن الحسين
الصيدناني، سمعت الاشج (2).
أحمد بن عثمان النسائي: سمعت قتيبة، سمعت شعيبا يقول:
يستغل أبي في السنة ما بين عشرين ألف دينار إلى خمسة
وعشرين ألفا، تأتي عليه السنة وعليه دين.
وبه إلى الخطيب: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا عبدالرحمن
بن محمد بن جعفر، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرملي، سمعت
محمد بن رمح يقول: كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين
ألف دينار، ما أوجب الله عليه زكاة درهم قط (3).
قلت: ما مضى في دخله أصح.
أحمد بن محمد بن نجدة التنوخي: سمعت محمد بن رمح يقول:
حدثني سعيد الآدم، قال: مررت بالليث بن سعد فتنحنح لي،
فرجعت إليه، فقال لي: يا سعيد، خذ هذا القنداق (4)، فاكتب
لي فيه ما يلزم المسجد، ممن لا بضاعة له ولا غلة.
فقلت: جزاك الله خيرا يا أبا
__________
(1) ذكره في " تاريخ بغداد " 13 / 10، وزيد بن الحباب من
رجال مسلم، قال في " التقريب ": أصله من خراسان، وكان
بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق، يخطئ في حديث
الثوري.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 10، 11.
(3) " تاريخ بغداد ": 13 / 11، و " حلية الاولياء " 7 /
322.
(4) القنداق: صحيفة الحساب.
(*)
(8/152)
الحارث.
وأخذت منه القنداق ثم صرت إلى المنزل، فلما صليت، أوقدت
السراج، وكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قلت: فلان بن
فلان.
ثم بدرتني نفسي، فقلت: فلان بن فلان.
قال: فبينا أنا على ذلك إذ أتاني آت، فقال: ها الله يا
سعيد، تأتي إلى قوم عاملوا الله سرا، فتكشفهم لآدمي ؟ !
مات الليث، ومات شعيب، أليس مرجعهم إلى الله الذي (1)
عاملوه ؟ فقمت ولم أكتب شيئا، فلما أصبحت، أتيت الليث،
فتهلل
وجهه، فناولته القنداق، فنشره، فما رأى فيه غير: بسم الله
الرحمن الرحيم.
فقال: ما الخبر ؟ فأخبرته بصدق عما كان، فصاح صيحة، فاجتمع
عليه الناس من الحلق، فسألوه فقال: ليس إلا خير، ثم أقبل
علي، فقال: يا سعيد، تبينتها وحرمتها، صدقت.
مات الليث أليس مرجعهم إلى الله (2).
قال مقدام بن داود: رأيت سعيد الآدم، وكان يقال: إنه من
الابدال.
قال أبو صالح: كان الليث يقرأ بالعراق من فوق عليه (3) على
أصحاب الحديث، والكتاب بيدي، فإذا فرغ، رميت به إليهم،
فنسخوه.
روى عبدالملك بن شعيب، عن أبيه، قال: قيل لليث: أمتع الله
بك، إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: أو كل ما في
صدري في كتبي ؟ لو كتبت ما في صدري، ما وسعه هذا المركب.
ورواها الحافظ بن يونس، حدثنا أحمد بن محمد بن الحارث،
حدثنا محمد بن عبدالملك، عن أبيه.
__________
(1) في الاصل: الذين.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 11، 12، و " تهذيب الكمال "
1153.
(3) بضم العين وكسرها.
الغرفة.
(*)
(8/153)
يحيى بن بكير: قال الليث: كنت بالمدينة مع الحجاج وهي
كثيرة السرقين (1)، فكنت ألبس خفين، فإذا بلغت باب المسجد،
نزعت أحدهما، ودخلت.
فقال يحيى بن سعيد الانصاري: لا تفعل هذا، فإنك إمام منظور
إليك يريد لبس خف على خف.
الاثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: ما في هؤلاء المصريين
أثبت من
الليث، لا عمرو بن الحارث ولا أحد، وقد كان عمرو بن الحارث
عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير، ما أصح حديث ليث بن سعد،
وجعل يثني عليه، فقال رجل لابي عبد الله، إن إنسانا ضعفه.
فقال: لا يدري (2).
وقال الفضل بن زياد: قال أحمد: ليث كثير العلم، صحيح
الحديث (3).
وقال أحمد بن سعد الزهري: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الليث
ثقة ثبت.
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ليس في المصريين أصح حديثا
من الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث يقاربه.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: أصح الناس حدثنا عن
سعيد المقبري ليث بن سعد، يفصل ما روى عن أبي هريرة، وما
عن أبيه عن أبي هريرة.
هو ثبت في حديثه جدا.
وقال حنبل: سئل أحمد: ابن أبي ذئب أحب إليك عن المقبري أو
__________
(1) السرقين: بكسر السين، معرب السركين أو السرجين: الزبل.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 12.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 12.
(*)
(8/154)
ابن عجلان ؟ قال: ابن عجلان اختلط عليه سماعه من سماع
أبيه، الليث أحب إلي منهم في المقبري (1).
وقال عثمان الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: الليث أحب
إلي من يحيى بن أيوب، ويحيى ثقة.
قلت: فكيف حديثه عن نافع ؟ فقال: صالح، ثقة.
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم: قال ابن معين: الليث عندي
أرفع من ابن إسحاق.
قلت: فالليث أو مالك ؟ قال: مالك.
وعن أحمد بن صالح - وذكر الليث - فقال: إمام قد أوجب الله
علينا حقه، لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثله.
وقال سهل بن أحمد الواسطي: سمعت الفلاس يقول: ليث بن سعد
صدوق، سمعت ابن مهدي يحدث عن ابن المبارك، عنه.
قال ابن سعد: استقل الليث بالفتوى، وكان ثقة، كثير الحديث،
سريا من الرجال، سخيا، له ضيافة.
وقال يعقوب بن شيبة: في حديث عن الزهري بعض الاضطراب.
عن الليث قال: ارتحلت إلى الاسكندرية إلى الاعرج، فوجدته
قد مات، فصليت عليه.
وقال العجلي والنسائي: الليث ثقة.
وقال ابن خراش: صدوق صحيح الحديث.
__________
(1) انظر هذه الاخبار في " تاريخ بغداد " 13 / 13.
(*)
(8/155)
عباس الدوري: حدثنا يحيى بن معين، قال: هذه رسالة مالك إلى
الليث، حدثنا بها عبد الله بن صالح يقول فيها: وأنت في
إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قبلك إليك،
واعتمادهم على ما جاءهم منك.
أحمد بن عبدالرحمن بن وهب: سمعت الشافعي يقول: الليث أفقه
من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به (1).
وقال أبو زرعة الرازي: سمعت يحيى بن بكير يقول: الليث أفقه
من
مالك، ولكن الحظوة لمالك رحمه الله (2).
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: الليث أتبع للاثر من مالك.
وقال علي بن المديني: الليث ثبت.
وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من مفضل بن فضالة (3).
وقال أبو داود: حدثني محمد بن الحسين: سمعت أحمد يقول:
الليث ثقة ولكن في أخذه سهولة.
قال يحيى بن بكير: قال الليث: قال لي المنصور: تلي لي مصر
؟ فاستعفيت.
قال: أما إذا أبيت فدلني على رجل أقلده مصر.
قلت: عثمان ابن الحكم الجذامي (4)، رجل له صلاح، وله
عشيرة.
قال: فبلغ عثمان ذلك، فعاهد الله ألا يكلم الليث.
__________
(1) أورده ابن حجر في ترجمة الليث 2 / 243 من " مجموع
الرسائل المنيرية ".
(2) " الجرح والتعديل " 7 / 180.
(3) " الجرح والتعديل " 7 / 180.
(4) هو من رجال " التهذيب " قال الحافظ في " التقريب "
صدوق له أوهام من الطبقة الثامنة، مات سنة 163، ونقل عن
ابن وهب أنه أول من أدخل مسائل مالك إلى مصر.
(*)
(8/156)
قال: وولي لهم الليث ثلاث ولايات لصالح بن علي (1).
قال صالح لعمرو بن الحارث: لا أدع الليث حتى يتولى لي.
فقال عمرو: لا يفعل.
فقال: لاضربن عنقه، فجاءه عمرو فحذره، فولي ديوان العطاء،
وولي الجزيرة أيام أبي جعفر، وولي الديوان أيام المهدي.
قال أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري: سمعت محمد بن معاوية،
يقول وسليمان بن حرب إلى جنبه -: خرج الليث بن سعد يوما،
فقوموا
ثيابه، ودابته، وخاتمه، وما عليه، ثمانية عشر ألف درهم إلى
عشرين ألفا.
فقال سليمان: لكن خرج علينا شعبة يوما، فقوموا حماره
وسرجه، ولجامه، ثمانية عشر درهما إلى عشرين درهما.
عن أبي صالح كاتب الليث، قال: كنا على باب مالك، فامتنع عن
الحديث، فقلت: ما يشبه هذا صاحبنا ؟ قال: فسمعها مالك،
فأ..؟ ؟ وقال: من صاحبكم ؟ قلت: الليث، قال: تشبهونا برجل
كتبت إليه في قليل عصفر، نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفذ منه
ما بعنا فضلته بألف دينار (2) !.
قال عبدالملك بن شعيب بن الليث: سمعت أسد بن موسى يقول:
كان عبد الله بن علي يطلب بني أمية، فيقتلهم، قال: فدخلت
مصر في هيئة
__________
(1) هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي الامير عم
السفاح والمنصور، وأول من ولي مصر من قبل الخلفاء
العباسيين سنة 133، وضمت إليه ولاية فلسطين ثم ضمت إليه
إفريقية، وفي خلافة المنصور نقله إلى ولاية الجزيرة، وأنشأ
مدينة " أدنة " بلد من الثغور قرب المصيصة، وكسر الروم في
وقائع مرج دابق، وكان شجاعا حازما ولد بالشراة سنة 96
وتوفي بقنسرين سنة 151، " دول الاسلام ": 1 / 104، و "
النجوم الزاهرة ": 1 / 323 و " تهذيب ابن عساكر 6 / 378،
379، و " الولاة والقضاة ": 97.
(2) " حلية الاولياء " 7 / 319.
(*)
(8/157)
رثة، فأتيت الليث، فلما فرغت من المجلس، تبعني خادم له
بمئة دينار، وكان في حزتي (1) هميان فيه ألف دينار،
فأخرجتها، فقلت: أنا في غنى استأذن لي على الشيخ، فاستأذن،
فدخلت، وأخبرته بنسبي واعتذرت من الرد، فقال: هي صلة.
قلت: أكره أن أعود نفسي.
قال: ادفعها إلى من
ترى من أصحاب الحديث (2).
قال قتيبة: كان الليث يركب في جميع الصلوات إلى الجامع،
ويتصدق كل يوم على ثلاث مئة مسكين.
سليم بن منصور بن عمار: حدثنا أبي قال: دخلت على الليث
خلوة، فأخرج من تحته كيسا فيه ألف دينار، وقال: يا أبا
السري، لا تعلم بها ابني، فتهون عليه (3).
أبو صالح، عن الليث، قال لي الرشيد: ما صلاح بلدكم ؟ قلت:
باجراء النيل، وبصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكدر،
فإن صفت العين، صفت السواقي.
قال: صدقت (4).
وعن ابن وزير قال: قد ولي الليث الجزيرة، وكان أمراء مصر
لا يقطعون أمرا إلا بمشورته.
قفال أبو المسعد، ووصلها إلى المنصور: لعبد الله عبد الله
عندي * نصائح حكتها في السر وحدي أمير المؤمنين تلاف مصرا
* فإن أميرها ليث بن سعد (5).
__________
(1) الحزة، بضم الحاء: الحجزة، وهي موضع شد الازار
والسراويل.
(2) " حلية الاولياء " 7 / 322.
(3) " حلية الاولياء " 7 / 321.
(4) " حلية الاولياء " 7 / 322.
(5) " النجوم الزاهرة " 2 / 82.
(*)
(8/158)
قال بكر بن مضر: قدم علينا كتاب مروان بن محمد إلى حوثرة
(1).
والي مصر: إني قد بعثت إليكم أعرابيا بدويا فصيحا من حاله،
ومن حاله، فاجمعوا له رجلا يسدده في القضاء، ويصوبه في
المنطق.
فأجمع رأي
الناس على الليث بن سعد، وفي الناس معلماه: يزيد بن أبي
حبيب، وعمرو بن الحارث.
قال أحمد بن صالح: أعضلت الرشيد مسألة [ فجمع لها ] فقهاء
الارض، حتى أشخص الليث، فأخرجه منها.
قال سعيد بن أبي مريم: حدثنا الليث قال: قدمت مكة، فجئت
أبا الزبير، فدفع إلي كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت: لو
عاودته، فسألته: أسمعت هذا كله من جابر بن عبد الله ؟
فقال: منه ما سمعته، ومن ما حدثت به.
فقلت له: علم لي على ما سمعت، فعلم لي على هذا الذي عندي
(2).
قلت: قد روى الليث إسنادا عاليا في زمانه، فعنده عن عطاء
عن عائشة، وعن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، وعن نافع عن ابن
عمر، وعن المقبري عن أبي هريرة.
وهذا النمط أعلى ما يوجد في زمانه.
ثم تراه ينزل في أحاديث، ولا يبالي لسعة علمه، فقد روى
أحاديث عن الهقل بن زياد،
__________
(1) هو حوثرة بن سهيل أخو عجلان بن سهيل الباهلي، كان
بدويا قحا، فصيح اللسان، صاحب رأي وتدبير وقوة وخبرة
بالحروب، ولي مصر سنة 128 لمروان بن محمد واستمر إلى سنة
إحدى وثلاثين ومئة، ثم عزله مروان، وبعثه إلى العراق لقتال
الخراسانية دعاة بني العباس، فقتل هناك سنة 132 ه.
" النجوم الزاهرة " 1 / 305.
(2) قلت: ولذا قال العلماء: يرد من حديث أبي الزبير ما
يقول فيه " عن " أو " قال " ونحو ذلك سواء أكان حديثه في
الصحيح أو غيره، لانه موصوف بالتدليس، فإذا قال: " سمعت "
و " أخبرنا " احتج به، ويحتج به إذا قال " عن " فيما رواه
عنه الليث بن سعد خاصة.
(*)
(8/159)
وهو أصغر منه بكثير، عن الاوزاعي، عن داود بن عطاء، عن
موسى بن عقبة
عن نافع مولى ابن عمر.
وقال عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن
سعيد بن أبي هلال، عن ابن الهاد، عن ابن شهاب، عن عروة،
أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: (وإن خفتم ألا
تقسطوا في اليتامى) [ النساء: 3 ]...الحديث (1).
وقال أبو صالح: حدثنا الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد،
عن ابن عجلان، عن أبي الزبير، أخبره أنه رأى ابن عمر إذا
سجد، فرفع رأسه من السجدة الاولى، قعد على أطراف أصابعه
ويقول: إنه من السنة.
لم يروه إلا الليث، تفرد به عنه أبو صالح.
جماعة قالوا: حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الوهاب بن
أبي بكر، عن عبد الله بن مسلم، عن ابن شهاب، عن أنس، أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر فقال: " نهر
أعطانيه ربي، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه
طير كأعناق الجزر " فقال عمر: يا رسول الله، إن تلك الطير
ناعمة ! قال: " آكلها أنعم منها يا عمر " (2).
__________
(1) وتمامه: قالت: " يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر
وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من
سنة صداق نسائها، فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا،
فيكملوا لهن الصداق، ثم أمروا أن تنكحوا سواهن من النساء
إن لم يكملوا لهن الصداق ".
وأخرجه الطبري (8459) من طريق المثنى، عن أبي صالح عبد
الله كاتب الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة.
وعلقه البخاري في " صحيحه " 5 / 95، فقال: وقال الليث:
حدثني يونس..وأخرجه موصولا البخاري 8 / 179 في التفسير،
ومسلم (3018) من طرق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وأخرجه البخاري 9 / 162، ومسلم (3018) (7) من طريق هشام،
عن أبيه، عن عائشة.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 220، 221 من طريق أبي
سلمة الخزاعي، عن = (*)
(8/160)
سمعه ابن بكير ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمد منه، وعبد
الله هو أخو الزهري.
قال عبد الله بن عبد الحكم: كنا في مجلس الليث، فذكر
العدس، فقال مسلمة بن علي: بارك فيه سبعون نبيا، فقضى
الليث صلاته وقال: ولا نبي واحد، إنه بارد مؤذ (1).
قال عبد العزيز الدراوردي: لقد رأيت الليث، وإن ربيعة
ويحيى بن سعيد ليتزحزحون له زحزحة.
قال سعيد الآدم: قال العلاء بن كثير: الليث بن سعد سيدنا
وإمامنا وعالمنا.
قال ابن سعد: كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه.
قال يحيى بن بكير، وسعيد بن أبي مريم: مات الليث للنصف من
شعبان سنة خمس وسبعين ومئة.
قال يحيى: يوم الجمعة، وصلى عليه
__________
= الليث به، وأخرجه أحمد 3 / 236، وابن جرير 30 / 324 من
حديث الزهري، عن أخيه عبد الله، عن أنس، أن رجلا سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر،..فذكره، وأخرجه
الترمذي (2542) من طريق عبد بن حميد، عن عبد الله بن
مسلمة، عن محمد بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه، عن أنس..(1)
وحكى الخطيب في ترجمة سلم بن سالم من تاريخه 9 / 143 أن
ابن المبارك سئل عن الحديث الذي حدث في أكل العدس، وأنه
قدس على لسان سبعين نبيا ؟، فقال: ولا على لسان نبي واحد،
إنه لمؤذ منفخ، من يحدثكم به ؟ قالوا: سلم بن سالم، قال:
عمن ؟ قالوا: عنك، قال: وعني أيضا ؟ ! قلت: وسلم بن سالم
هذا ترجمه المؤلف في " الميزان " ونقل تضعيفه عن
ابن معين وأحمد، وأبي زرعة، وابن أبي حاتم والنسائي وابن
المبارك وغيرهم.
وقد أورد الحديث ابن القيم في كتابه " المنار المنيف "
(51) ضمن الاحاديث الموضوعة التي تعرف بتكذيب الحس لها،
وقال: ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على
المن والسلوى أو أشباههم.
(*)
(8/161)
موسى بن عيسى.
وقال سعيد: مات ليلة الجمعة.
قال خالد بن عبد السلام الصدفي: شهدت جنازة الليث بن سعد
مع والدي، فما رأيت جنازة قط أعظم منها، رأيت الناس كلهم
عليهم الحزن، وهم يعزي بعضهم بعضا، ويبكون، فقلت: يا أبت،
كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة، فقال: يا بني، لا
ترى مثله أبدا.
قال أبو بكر الخلال الفقيه: أخبرني أحمد بن محمد بن واصل
المقرئ، حدثنا الهيثم بن خارجة، أخبرنا الوليد بن مسلم،
قال: سألت مالكا، والثوري، والليث، والاوزاعي عن الاخبار
التي في الصفات.
فقالوا: أمروها كما جاءت.
وقال أبو عبيد: ما أدركنا أحدا يفسر هذه الاحاديث، ونحن لا
نفسرها.
قلت: قد صنف أبو عبيد (1) كتاب " غريب الحديث " وما تعرض
لاخبار الصفات الالهية بتأويل أبدا، ولا فسر منها شيئا.
وقد أخبر بأنه ما لحق أحدا يفسرها، فلو كان والله تفسيرها
سائغا، أو حتما، لاوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم
بأحاديث الفروع والآداب.
فلما لم يتعرضوا لها بتأويل، وأقروها على ما وردت عليه،
علم أن ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه.
وقد روى الليث عمن هو في طبقته، بل أصغر: روى عن سعيد بن
بشير، وسعيد بن عبدالرحمن الجمحي، وشعيب
__________
(1) هو القاسم بن سلام، و " غريب الحديث " طبع بالهند
بمطبعة دائرة المعارف العثمانية سنة 1385 ه ويقع في أربعة
أجزاء.
(*)
(8/162)
ابن إسحاق الدمشقي، وعبد العزيز بن الماجشون، وأبي معشر،
وهشام ابن سعد، وروى عن رجل، عن إبراهيم بن سعد، وإبراهيم
أصغر منه، وقد روى عن كاتبه أبي صالح حديثا واحدا.
فهذا ما انتهى إلينا من ترجمة الليث موجزا رحمه الله،
والحمد لله وحده.
(8/163)
13 - محمد بن موسى الفطري
* (م، 4) المحدث الحجة، أبو عبد الله المدني، مولى
الفطريين - بكسر الفاء وهم مواني بني مخزوم.
يروي عن: سعيد بن أبي سعيد المقبري، وعبد الله بن عبد الله
بن أبي طلحة، ومحمد بن عمر بن الامام علي، وعون بن محمد،
ويعقوب بن سلمة الليثي، وسعد بن إسحاق وغيرهم.
حدث عنه: عبدالرحمن بن مهدي، وابن أبي فديك، وإسحاق بن
محمد الفروي، وقتيبة بن سعيد.
وثقه أبو عيسى الترمذي.
وقال أبو حاتم: صدوق، يتشيع.
قلت: توفي سنة نيف وسبعين ومئة.
14 - ميسرة التراس * *
قيل: هو ميسرة بن عبد ربه الفارسي، ثم البصري، الاكول،
ذكرته
__________
* التاريخ الكبير: 1 / 237، الجرح والتعديل: 8 / 82، تهذيب
الكمال: 1279، تذهيب التهذيب: 4 / 3 / 2، تهذيب التهذيب: 9
/ 480، خلاصة تذهيب الكمال: 308.
* * التاريخ الكبير 7 / 337، الجرح والتعديل 8 / 254،
التاريخ الصغير: 2 / 171، = (*)
(8/164)
مطولا في " الميزان " (1).
ضعفوه.
يروي عن ليث بن أبي سليم، وجماعة.
وعنه: يحيى بن غيلان، وداود بن المحبر، وآخرون.
وقد اتهم (2).
قال الاصمعي: قال لي الرشيد: كم أكثر ما أكل ميسرة ؟ قلت:
مئة رغيف، ونصف مكوك ملح، فأمر الرشيد، فطرح للفيل مئة
رغيف، ففضل منها رغيفا.
وقيل: إن بعض المجان قالوا له: هل لك في كبش مشوي ؟ قال:
ما أكره ذلك، ونزل عن حماره، فأخذوا الحمار، وأتوه وقد جاع
بالشواء.
فأقبل يأكل، ويقول: أهذا لحم فيل ؟ ! بل لحم شيطان.
حتى فرغه، ثم طلب حماره، فتضاحكوا، وقالوا: هو والله في
جوفك.
وجمعوا له ثمنه.
وقيل: نذرت امرأة أن تشبعه، فرفق بها، وأكل ما يكفي سبعين
رجلا.
__________
= ميزان الاعتدال: 4 / 230 - 323، الضعفاء للعقيلي: لوحة
432، المجروحين لابن حبان، 3 / 11، الكامل لابن عدي: 4 /
340 / 1، لسان الميزان: 6 / 138، 140، المغني في
الضعفاء 2 / 689.
(1) 4 / 230.
(2) في " الميزان " قال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات
عن الاثبات، ويضع الحديث، وهو صاحب حديث فضائل القرآن
الطويل.
وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك،
وقال أبو حاتم: كان يفتعل الحديث، روى في فضل قزوين
والثغور.
وقال أبو زرعة: وضع في فضل قزوين أربعين حديثا، وكان يقول:
إني أحتسب في ذلك، وقال البخاري: ميسرة بن عبد ربه يرمى
بالكذب.
(*)
(8/165)
15 - المغيرة * (ع) ابن عبدالرحمن
بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد، القرشي، الاسدي،
الحزامي، المدني، الفقيه، النسابة ويعرف بقصي.
لازم أبا الزناد، وأكثر عنه، وعن سالم أبي النضر، والمطلب
بن عبد الله بن حنطب، وعبد المجيد بن سهيل، وطائفة.
حدث عنه القعنبي، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن منصور،
ويحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن بكير، وخالد بن خداش،
وقتيبة ابن سعيد، وجماعة.
وكان شريفا، وافر الحرمة، علامة بالنسب، صادقا، عالما.
قال أبو داود وغيره: لا بأس به.
وعن يحيى بن معين قال: ليس حديثه بشئ.
قلت: احتج به أرباب الصحاح، لكن له ما ينكر.
فأخرج له النسائي حديثه، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي
هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى باليمن مع الشاهد
(1).
وقد قال محمد بن عوف الحافظ: قال أحمد بن حنبل: ليس في
__________
* التاريخ لابن معين: 2 / 580، التاريخ الكبير 7 / 321،
الجرح والتعديل 8 / 225 226، تهذيب الكمال: 1364، 1365،
ميزان الاعتدال: 4 / 163، تذهيب التهذيب: 4 / 62 / 2،
الكاشف 3 / 169، تهذيب التهذيب: 10 / 266، خلاصة تذهيب
الكمال: 330.
(1) وأخرجه الشافعي 2 / 235، والترمذي (343) وأبو داود
(3610)، وابن ماجه (2368) وسنده حسن، وله شاهد من حديث ابن
عباس عند مسلم (1712) وشواهد أخر أوردها الزيلعي في " نصب
الراية " 4 / 100.
(*)
(8/166)
الباب شئ أصح من هذا الحديث.
وبالاسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا
المجذوم كما يتقى الاسد " وهذا خبر منكر (1).
توفي قصي هذا في حدود سنة ثمانين ومئة بالمدينة.
16 - ابن أبي الزناد *
الامام، الفقيه، الحافظ، أبو محمد عبدالرحمن بن الفقيه أبي
الزناد، عبد الله بن ذكوان، المدني.
ولد بعد المئة.
وسمع أباه، وسهيل بن أبي صالح، وعمرو بن أبي
__________
(1) بل هو حسن غير منكر، فقد أخرجه ابن وهب (106) من حديث
عبدالرحمن بن أبي الزناد عن أبيه مرسلا، وأخرجه البخاري في
" التاريخ الكبير " 1 / 155 من حديث ابن أبي الزناد عن
أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة، وأخرجه الخطيب البغدادي في "
تاريخه ": 2 / 307 من طريق عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن
عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان، عن أبي الزناد، عن
الاعرج، عن أبي هريرة، ثم رواه من طريق أبي يعلى الموصلي،
حدثنا عبدالرحمن بن
سلام، حدثنا عبد العزيز بن محمد، به..وأخرجه ابن عدي في "
الكامل " 326 وجه ثان عن يحيى بن عبد الله بن بكير، عن
المغيرة بن عبدالرحمن، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي
هريرة، وأخرجه البخاري 10 / 132، 133 من طريق عفان، عن
سليم بن حبان، عن سعيد بن مينا، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ
" وفر من المجذوم كما تفر من الاسد "، وأخرج ابن خزيمة في
كتاب " التوكل " له شاهدا من حديث عائشة بلفظ: " وإذا رأيت
المجذوم ففر منه كما تفر من الاسد ".
وأخرج مسلم (2231) من حديث عمرو بن الشريد الثقفي، عن أبيه
قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى
الله عليه وسلم: " إنا قد بايعناك، فارجع ".
* التاريخ لابن معين: 2 / 305 طبقات ابن سعد: 7 / 32،
طبقات خليفة: 275، تاريخ خليفة بن خياط: 248، التاريخ
الكبير: 5 / 315، المعارف لابن قتيبة: 220، الضعفاء
للعقيلي: لوحة 234 - 235، الجرح والتعديل: 5 / 49، كتاب
المجروحين: 2 / 56، الكامل لابن عدي: 3 / 230 / 1، الفهرست
لابن النديم: 1 / 225، تاريخ بغداد: 10 / 228، تذكرة
الحفاظ: 1 / 247 - 248، ميزان الاعتدال: 2 / 111، العبر
للذهبي: 1 / 265، تذهيب التهذيب: 2 / 210 / 1، غاية
النهاية 1 / 372، تهذيب التهذيب: 6 / 170، طبقات الحفاظ:
106، خلاصة تذهيب الكمال: 194، شذرات الذهب 1 / 284.
(*)
(8/167)
عمرو، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وطبقتهم.
وكان من أوعية العلم.
أخذ القراءة عرضا عن أبي جعفر القارئ (1).
قاله أبو عمرو الداني.
وحدث عنه ابن جريج، وهو من شيوخه، وسعيد بن منصور، وأحمد
ابن يونس، علي بن حجر، وهناد بن السري، وداود بن عمرو،
وعدد كبير.
قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام بن عروة.
وقال ابن سعيد: كان فقيها مفتيا.
وقال ابن مهدي: ضعيف.
قلت: احتج به النسائي وغيره.
وحديثه من قبيل الحسن.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن المديني يقول: حديثه
بالمدينة مقارب.
وما حدث به بالعراق، فهو مضطرب (2).
وقال صالح جزرة (3): قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره.
__________
(1) هو يزيد بن القعقاع المدني مولى عبد الله بن عياش بن
ربيعة المخزومي أحد القراء العشرة من التابعين، كان إمام
المدينة في القراءة، وعرف القارئ، وكان من المفتين
المجتهدين، توفي بالمدينة.
" تاريخ الاسلام " 5 / 188 للمؤلف.
(2) " الجرح والتعديل " 5 / 25، و " تاريخ بغداد " 10 /
229، و " تذكرة الحفاظ " 1 / 248.
(3) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 2 / 642: قال سهل بن
شاذويه: سمعت الامير خالد بن أحمد يسأل أبا علي: لم لقبت
جزرة ؟ فقال: قدم علينا عمر بن زرارة، فحدثهم بحديث.
لعبد الله بن بسر، أنه كان له خرزة للمريض، وأنا غائب،
فسألته عن الحديث، وصحفته " جزرة " فصاح المجان، فبقي علي.
(*)
(8/168)
وقد تكلم فيه مالك لروايته كتاب الفقهاء السبعة، عن أبيه.
وقال: أين كنا نحن من هذا ؟ (1).
قال الخطيب: تحول من المدينة، فسكن بغداد (2).
روى عنه الوليد بن مسلم، وابن وهب، وسليمان بن داود
الهاشمي.
وقال ابن المديني: ما حدث به بالمدينة صحيح، وما حدث به
ببغداد أفسده البغداديون.
وقال الفلاس: فيه ضعف.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: هو كذا وكذا - يلينه
-.
وقال سليمان بن أيوب البصري: سمعت ابن معين: إني لاعجب ممن
يعد فليحا وابن أبي الزناد في المحدثين.
قال ابن حبان: كان عبدالرحمن ممن يتفرد بالمقلوبات (3) عن
الاثبات.
وكان ذلك من سوء حفظه، وكثرة خطئه، فلا يجوز الاحتجاج به
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 230، و " تذكرة الحفاظ " 1 /
248.
والفقهاء السبعة - كما تقدم - هم: سعيد بن المسيب، وعروة
بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن
عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيدالله
بن عبد الله بن مسعود، وكانوا يفتون بالمدينة.
ونظمهم بعضهم فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر *
روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله، عروة، قاسم
* سعيد أبو بكر، سليمان، خارجة (2) " تاريخ بغداد " 10 /
228.
(3) المقلوبات: هي الاحاديث التي أبدل فيها راويها شيئا من
حديث بآخر في السند أو المتن سهوا أو عمدا، والمقلوب
بالسند: إبدال راو براو آخر نظير له للاغراب في الرواية أو
خطأ يقع فيه الراوي، أو يغير سند الحديث كله بسند آخر.
والمقلوب من المتن: أن توضع لفظه مكان لفظة في متن الحديث،
وهذا العمل محرم إلا إذا قصد به الاختبار ولم يستمر.
وانظر الامثلة على ذلك في " الباعث الحثيث " 87، 89 بتحقيق
المحدث أحمد شاكر رحمه الله.
(*)
(8/169)
إلا فيما وافق الثقات، فهو صادق (1).
قال الداني: أخذ القراءة عرضا عن أبي جعفر.
وروى الحروف عن نافع (2).
روى عنه الحروف حجاج الاعور.
وسمع منه علي الكسائي، وابن وهب.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم.
قلت: هو حسن الحديث.
وبعضهم يراه حجة.
توفي في سنة أربعين وسبعين ومئة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا
هبة الله الحاسب، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى
بن علي، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو،
حدثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
قال: أخذ العباس بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
العقبة، حين وافى السبعون من الانصار، فأخذ لرسول الله صلى
الله عليه وسلم عليهم، واشترط له، وذلك - والله في غرة
الاسلام، وأوله، من قبل أن يعبد الله أحد علانية (3).
__________
(1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 56.
(2) هو نافع بن عبد الله بن أبي نعيم المدني، أحد القراء
السبعة المشهورين المتوفى سنة 169 ه.
(3) رجال ثقات، ولكنه مرسل.
(*)
(8/170)
17 - مفضل بن فضالة
* (ع) ابن عبيد، الامام العلامة الحجة، القدوة، قاضي مصر،
أبو معاوية القتباني، المصري.
حدث عن: عياش بن عباس القتباني، ويزيد بن أبي حبيب، وعقيل
ابن خالد، وعبد الله بن سليمان الطويل، ويونس بن يزيد،
وجماعة.
وعنه: حسان بن عبد الله الواسطي المصري، وأبو صالح الكاتب،
ومحمد بن رمح، ويزيد بن موهب الرملي، وزكريا بن يحيى كاتب
العمري، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين، وغيره، وشذ محمد بن سعد، فقال: منكر
الحديث.
وذكره ابن يونس في " تاريخه " فقال: كان من أهل الدين،
والورع، والفضل.
وقال أبو داود: كان مجاب الدعوة، لم يحدث عنه ابن وهب،
لانه حكم عليه بأمر.
وروى عبدالرحمن بن عبد الله بن الحكم، عن شيخ، أن رجلا لقي
المفضل بعد العزل، فقال: قضيت علي بالباطل، وفعلت، وفعلت.
فقال: لكن الذي قضيت له يطيب الثناء [ علينا ] (1).
__________
* التاريخ لابن معين: 2 / 583 التاريخ الصغير: 223، الجرح
والتعديل: 8 / 317، الولاة والقضاة: 377 - 385، الحلية: 8
/ 321، تهذيب الكمال: 1367، العبر للذهبي: 1 / 282، تذكرة
الحفاظ: 251، ميزان الاعتدال: 4 / 170، تذهيب التهذيب: 4 /
64 / 1، البداية والنهاية: 10 / 179، تهذيب التهذيب: 10 /
273.
(1) الزيادة من " تهذيب الكمال " 1364، و " تذهيب التهذيب
" 4 / 64 / 2.
(*)
(8/171)
قال عيسى بن زغبة: كان المفضل قاضيا علينا، وكان مجاب
الدعوة، وكان مع ضعف بدنه يطيل القيام.
قال ابن معين: كان مصريا رجل صدق، إذا جاءه من كسرت يده أو
رجله جبرها، وكان يعمل الارحية (1).
قال لهيعة بن عيسى: كان المفضل دعا الله أن يذهب عنه
الامل، فأذهبه عنه، فكاد أن يختلس عقله، ولم يهنأه عيش.
فدعا الله أن يرد إليه الامل، فرده، فرجع إلى حاله.
قال ابن يونس: توفي سنة إحدى وثمانين ومئة، وله أربع
وسبعون سنة.
18 - جحا * أبو الغصن،
صاحب النوادر، دجين بن ثابت، اليربوعي، البصري.
وقيل: هذا آخر.
رأى دجين أنسا، وروى عن أسلم، وهشام بن عروة شيئا يسيرا.
وعنه: ابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابر محمد بن
عبد
__________
(1) تاريخ ابن معين: 2 / 582، 583.
* التاريخ الكبير: 3 / 257، التاريخ الصغير: 2 / 126،
الجرح والتعديل: 3 / 444، 445، المجروحين: 1 / 294، الصحاح
للجوهري: مادة: غصن، الفهرست لابن النديم: 435، أخبار
الحمقى والمغفلين لابن الجوزي من ص 25، ونثر الدر للوزير
الابي: 571 الفصل الخامس (مخطوط) والمشتبه في رجال الحديث
للذهبي: 1 / 283، ميزان الاعتدال: 2 / 32، حياة الحيوان
للدميري: 1 / 273 مادة: دجن، ثمرات الاوراق في المحاضرات
لابن حجة الحمري: 1 / 162، تبصير المنتبه لابن حجر: 2 /
558، لسان الميزان: 2 / 328، تاج العروس: 9 / 196، 10 /
67، 68.
(*)
(8/172)
الملك، والاصعمي، وبشر بن محمد السكري، وأبو عمر الحوضي.
قال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: ما يرويه ليس بمحفوظ.
وروي عن ابن معين قال: دجين بن ثابت هو جحا (1).
وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى، وقال: لانه أعلم بالرجال
من أن يقول هذا، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك، ووكيع،
وعبد الصمد، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا.
وأما أحمد الشيرازي، فذكر في " الالقاب " أنه جحا، ثم روى
عن مكي بن إبراهيم قال: رأيت جحا الذي الذي يقال فيه:
مكذوب عليه، وكان فتى ظريفا، وكان له جيران مخنثون يماز
حونه، ويزيدون عليه.
قال عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه
قال كاتبه: لعله كان يمزح أيام الشبيبة، فلما شاخ، أقبل
على شأنه، وأخذ عنه المحدثون.
وقد قيل: إن جحا المتماجن أصغر من دجين، لان عثمان بن أبي
شيبة لحق جحا، فالله أعلم.
وكذلك وهم من قال: إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو
جحا.
__________
(1) في " تاريخ يحيى " 2 / 155 الدجين ليس حديثه بشئ، وقد
سمع منه ابن المبارك.
(*)
(8/173)
19 - رياح * ابن عمرو القيسي
العابد، أبوالمهاصر، بصري زاهد، متأله، كبير القدر.
سمع مالك بن دينار، وحسان بن أبي سنان، وطائفة.
وهو قليل الحديث، كثير الخشية والمراقبة.
روى عنه سيار بن حاتم، وعلي بن الحسن بن أبي مريم،
وغيرهما.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا علي بن أبي مريم قال:
قال رياح
القيسي: لي نيف وأربعون ذنبا، قد استغفرت لكل ذئب مئة ألف
مرة.
قال أبو معمر المقعد: نظرت رابعة إلى رياح يضم صبيا من
أهله ويقبله.
فقالت: أتحبه ؟ قال: نعم.
قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك موضعا فارغا لمحبة غيره،
تبارك اسمه.
فغشي عليه، ثم أفاق، وقال: رحمة منه تعالى ألقاها في قلوب
العباد للاطفال (1).
سيار: حدثنا رياح بن عمرو، سمعت مالك بن دينار يقول: لا
يبلغ العبد منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة،
ويأوي إلى مزابل الكلاب (2).
__________
* حلية الاولياء: 6 / 192 - 197، ميزان الاعتدال: 2 / 61،
62، الطبقات الكبرى للشعراني: 40، الكواكب الدرية للمناوي:
105 وأخباره أيضا مع رابعة العدوية، فيمكن الرجوع إليها في
مراجعها التي ستأتي في صدر ترجمتها.
(1) " حلية الاولياء " 6 / 194.
(2) منزلة الصديقين لا تنال بهذا النسك الاعجمي المخالف
لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من مثل قوله " خيركم خيركم
لاهله وأنا خيركم لاهلي " وقوله " أكمل المؤمنين إيمانا
أحسنهم أخلاقا، وخيارهم خيارهم لنسائهم " وقوله: "
واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم " وقوله " ومن
حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " وقوله "
كل شئ ليس فيه ذكر الله، فهو لغو = (*)
(8/174)
قيل: إن رياحا روى عن الحسن البصري، وذلك في " حلية
الاولياء " (1).
20 - محمد بن النضر *
أبو عبد الرحمن، الحارثي، الكوفي، عابد أهل زمانه بالكوفة.
روى عن الاوزاعي، وغيره.
وعنه: ابن مهدي، وخالد بن يزيد، وجرير بن زياد، وأبو نصر
التمار، حكايات.
قال أبو أسامة: كان من أعبد أهل الكوفة.
وقال عبد الله بن محمد الكرماني: دخلت على محمد بن النضر،
فقلت: كأنك تكره مجالسة الناس.
قال: أجل ! كيف أستوحش، وهو يقول: أنا جليس من ذكرني (2).
وروى عبد القدوس بن بكر، عن محمد بن النضر قال: أول العلم
__________
= وسهو ولعب إلا أربع خصال: ملاعبة الرجل امرأته..".
وقوله: " إن لزوجك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، ولزورك عليك
حقا " وقوله: " أما إني أقوم وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج
النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني " قوله: " لا ينبغي
لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه ؟ قال: يتعرض من
البلاء ما لا يطيق ".
وقد عودنا المصنف رحمه الله أن لا يدع مثل هذا الخبر يمر
دون أن يعلق عليه، أو يتناوله بالنقد، وما أدري كيف أغفل
ذلك هنا.
(1) 6 / 196، 197.
* الكواكب الدرية للمناوي: (169) ص: 163.
(2) خبر لا يصح، ذكره السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 95،
96 وقال: رواه الديلمي بلا سند عن عائشة مرفوعا، وجاء في
البخاري 13 / 325، 326، ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " قال الله عزوجل:
أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني.." وقوله " وأنا
معه " أي: بعلمه سبحانه كما في قوله: (إنني معكما أسمع
وأرى).
(*)
(8/175)
الاستماع، والانصات، ثم حفظه، ثم العمل به، ثم بثه.
قال ابن المبارك: كان محمد بن النضر إذا ذكر الموت، اضطربت
مفاصلة.
وعن أبي الاحوص، قال: آلى محمد بن النضر على نفسه أن لا
ينام إلا ما غلبته عينه.
21 - محمد بن مسلم * (م، 4)
الطائفي، المكي، أبو عبد الله.
عن عمرو بن دينار، وابن طاووس، وإبراهيم بن ميسرة، وجماعة
وعنه: أسد السنة، والقعنبي، ويحيى بن يحيى، وسعيد بن أبي
مريم، وقتيبة، وخلق.
قال ابن مهدي: كتبه صحاح.
وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا، وله غرائب.
وقال أحمد بن حنبل: ما أضعف حديثه.
وقال معرف بن واصل: رأيت الثوري يكتب عن الطائفي.
قلت: توفي سنة سبع وسبعين.
22 - الزنجي * * (د، ق)
الامام، فقيه مكة، أبو خالد مسلم بن خالد، المخزومي،
الزنجي،
__________
* التاريخ لابن معين: 2 / 537، طبقات خليفة: 275، التاريخ
الكبير: 1 / 223، المعرفة والتاريخ: 1 / 435، الجرح
والتعديل: 8 / 77، مشاهير علماء الامصار: (1176)، الكامل
لابن عدي: 4 / 218 / 1، تهذيب الكمال: 1267، ميزان
الاعتدال: 4 / 40، العبر للذهبي: 1 / 270، تهذيب التهذيب:
9 / 444 - 445، خلاصة تذهيب الكمال: 359.
* * الطبقات الكبرى: 5 / 499، طبقات خليفة: 284، التاريخ
الصغير: 2 / 263، = (*)
(8/176)
المكي، مولى بني مخزوم.
ولد سنة مئة، أو قبلها بيسير.
حدث عن ابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، والزهري، وأبي
طوالة، وزيد بن أسلم، وعتبة بن مسلم، وعبد الله بن كثير
الداري (1)، نقل عنه الحروف.
روى عنه هذه القراءة الامام الشافعي، ولازمه، وتفقه به،
حتى أذن له في الفتيا.
وحدث عنه هو، والحميدي، ومسدد، والحكم بن موسى، ومروان ابن
محمد، وإبراهيم بن موسى الفراء، وهشام بن عمار، وجماعة.
قال يحيى بن معين: ليس به بأس.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
وقال ابن عدي: حسن الحديث، أرجو أنه لا بأس به.
وقال أبو داود: ضعيف.
قلت: بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن.
__________
= المعارف: 511، 596، الضعفاء للعقيلي: 404، الجرح
والتعديل: 8 / 183، تهذيب الكمال: 1324 - 1325، تذكرة
الحفاظ: 1 / 255، ميزان الاعتدال: 4 / 102، 103، العبر: 1
/ 277 تذهيب التهذيب: 4 / 37 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 128 -
130، العقد الثمين: 7 / 187، خلاصة تذهيب الكمال: 375.
(1) الداري: أحد القراء السبعة، كان قاضي الجماعة بمكة
وإمام أهل مكة في القراءة، المتوفى سنة 120 ه.
(*)
(8/177)
قال سويد بن سعيد: سمي الزنجي لسواده.
كذا قال: وخالفه ابن سعد وغيره، فقالوا: كان أشقر، وإنما
لقب: بالزنجي، بالضد.
قال أحمد الازرقي: كان فقيها، عابدا، يصوم الدهر.
قلت: تفقه بابن جريج.
قال إبراهيم الحربي: كان فقيه مكة، وكان أشقر مثل البصلة.
وقال ابن أبي حاتم: إمام في العلم والفقه، كان أبيض بحمرة،
ولقب بالزنجي لحبه للتمر.
قالت له جاريته: ما أنت إلا زنجي.
من " الجعديات " (1): حدثنا الزنجي بن خالد، حدثنا زيد بن
أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فإن سقاه
شرابا، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه، فإن خشي منه،
فليكسره بالماء ".
هذا حديث منكر.
قلت: مات سنة ثمانين ومئة.
23 - سليمان الخواص *
من العابدين الكبار بالشام، قال محمد بن يوسف الفريابي:
كنت في مجلس فيه الاوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وسليمان
الخواص، فذكر
__________
(1) هي اثنا عشر جزاء حديثيا لابي الحسن علي بن الجعد بن
عبيد الجوهري البغدادي المتوفي سنة ثلاثين ومئتين.
* حلية الاولياء: 8 / 276 - 277، طبقات الصوفية للسلمي:
98، الكواكب الدرية للمناوي: 118.
(*)
(8/178)
الاوزاعي الزهاد، فقال: ما نزيد أن نريد مثل هؤلاء (1).
فقال سعيد: ما رأيت أزهد من سليمان الخواص، وما شعر أنه في
المجلس، فقنع سليمان رأسه، وقام، فأقبل الاوزاعي على سعيد،
وقال: ويحك لا تعقل ما يخرج
من رأسك ! تؤذي جليسنا تزكية في وجهه.
وقيل لسليمان: قد شكوك أنك تمر، ولا تسلم.
قال: والله، ما ذاك لفضل أراه عندي، ولكني شبه الحش إذا
ثورته، ثار، وإذا جلست مع الناس، جاء مني ما أريد وما لا
أريد.
ويقال: إن سعيد بن عبد العزيز زار الخواص ليلة في بيته
ببيروت، فرآه في الظلمة، فقال: ظلمة القبر أشد، فأعطاه
دراهم، فردها، وقال: أكره أن أعود نفسي مثل دارهمك، فمن لي
بمثلها إذا احتجت.
فبلغ ذلك الاوزاعي فقال: دعوه.
فلو كان في السلف، لكان علامة.
24 - سلم بن ميمون * الخواص،
هو أصغر من سليمان الخواص.
حدث عن: مالك، والقاسم بن معن، وسفيان بن عيينة.
روى عنه: أحمد بن ثعلبة، وعمرو بن أسلم الطرسوسي، وغيرهما.
قال إسماعيل بن مسلمة القعنبي: رأيت كأن القيامة قد قامت،
وكأن مناديا ينادي: ألا ليقم السابقون.
فقام سفيان الثوري، ثم نادى: ألا ليقم
__________
(1) في " الحلية " 8 / 276: ما نريد أن نرى في دهرنا مثل
هؤلاء.
* الضعفاء للعقيلي: 73، الجرح والتعديل: 4 / 267، 268،
كتاب المجروحين: 1 / 345، حلية الاولياء: 8 / 277 - 281،
طبقات الصوفية للسلمي: 44، ميزان الاعتدال: 2 / 186،
الطبقات الكبرى للشعراني: 53.
(*)
(8/179)
السابقون.
فقام سلم الخواص، ثم قام إبراهيم بن أدهم.
وقال أحمد بن ثعلبة: سمعت سلما الخواص قال: قلت لنفسي: يا
نفس، اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به، فجاءت
الحلاوة.
بقي سلم إلى [ ما ] بعد سنة ثلاث عشرة ومئتين.
وقد قال أبو حاتم: أدركته، وكان مرجئا لا يكتب حديثه (1).
قلت: وروى عنه محمد بن عوف الطائي، ويونس بن عبدالاعلى.
نزل الرملة.
25 - صالح بن موسى *
(ت، ق) ابن عبد الله بن إسحاق بن طلحة بن عبيدالله،
التيمي، الطلحي، الكوفي، ليس بحجة.
روى عن: عبد العزيز بن رفيع، وعاصم بن بهدلة، وأبي حازم
الاعرج، وعمه معاوية بن إسحاق.
وعنه: قتيبة، ومنجاب بن الحارث، وسويد بن سعيد، وداود بن
عمرو الضبي، وآخرون.
قال ابن معين: لا يكتب حديثه.
__________
(1) في المطبوع من " الجرح والتعديل " 4 / 267: أدركت سلم
بن ميمون الخواص، ولم أكتب عنه، روى عن أبي خالد الاحمر
حديثا منكر شبه الموضوع.
* التاريخ لابن معين: 266، التاريخ الكبير: 4 / 291،
التاريخ الصغير: 2 / 200، الجرح والتعديل: 4 / 415، كتاب
المجروحين: 1 / 369، تهذيب الكمال: 601، ميزان الاعتدال: 2
/ 627، تذهيب التهذيب 2 / 89 / 2، تهذيب الكمال: 4 / 404،
خلاصة تذهيب الكمال: 172.
(*)
(8/180)
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن عدي: هو عندي ممن لا يتعمد الكذب.
وقال الجوزجاني: ضعيف الحديث على حسنه.
26 - زهير بن معاوية * (ع) ابن
حديج، بن الرحيل، الحافظ، الامام، المجود، أبو
خيثمة الجعفي، الكوفي، محدث الجزيرة، وهو أخو حديج،
والرحيل.
كان من أوعية العلم، صاحب حفظ وإتقان.
وسنة مولده في خمس وتسعين.
وحدث عن: أبي إسحاق السبيعي، وزبيد بن الحارث اليامي،
وزياد ابن علاقة، والاسود بن قيس، وسماك بن حرب، والحسن بن
الحرب، ومنصور بن المعتمر، وأبي الزبير المكي، وحميد
الطويل، وسليمان الاعمش، وأبان بن تغلب، وعاصم بن بهدلة،
وعبيدالله بن عمر، وكنانة مولى صفية حدثه عن أبي هريرة،
وقال: كنت ممن حمل الحسن بن علي جريحا من دار عثمان، وقدت
بصفية بنت حيي، لترد عن عثمان، فلقيها الاشتر، فضرب وجه
بغلتها، حتى مالت، فقالت: ردوني لا يفضحني هذا
__________
* الطبقات الكبرى: 6 / 376، 377، طبقات خليفة: 168،
التاريخ الكبير: 3 / 427، الجرح والتعديل 3 / 589 588،
تهذيب الكمال: 439، تذكرة الحفاظ: 1 / 233، ميزان
الاعتدال: 2 / 286، العبر: 1 / 263، تذهيب التهذيب: 1 /
241 / 1، تهذيب التهذيب: 3 / 351 - 353، طبقات الحفاظ: 98،
99، خلاصة تذهيب الكمال: 123.
شذرات الذهب 1 / 282.
(*)
(8/181)
الكلب، قال: فوضعت خشبا بين منزلها وبين منزل عثمان، تنقل
عليه الطعام والشراب.
أنبأنا بهذا الفخر بن البخاري، أخبرنا ابن طبرزد، أخبرنا
عبد
الوهاب، أخبرنا ابن هزارمرد، أخبرنا ابن حبابة، أخبرنا
البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا زهير، عن كنانة، فذكره.
وروى أيضا عن سهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة، وإبراهيم
بن مهاجر، وعروة بن عبد الله بن قشير، وعبد العزيز بن
رفيع، وآخرين.
قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: زهير أحفظ
من إسرائيل، وهما ثقتان.
قال ابن أبي خيثمة: وسمعت سعيد بن قديد، سمعت شعيب بن حرب
يقول: كنت مع زهير بن معاوية بالبصرة، فقال: يا شعيب، أنا
لا أكتب حديثا إلا بنية، فأقمنا بالبصرة، فما كتبنا إلا
حديثا واحدا.
قال يحيى بن أيوب: سمعت حميدا الرؤاسي يقول: كان زهير إذا
سمع الحديث من المحدث مرتين، كتب عليه: فرغت.
وقال معاذ بن معاذ: إذا سمعت الحديث من زهير، لا أبالي أن
لا أسمعه من سفيان الثوري.
وقال يحيى بن أيوب العابد: حدثنا شعيب بن حرب يوما بحديث
عن زهير، وشعبة، فقيل له: تقدم زهيرا على شعبة ؟ قال: كان
زهير أحفظ من عشرين مثل شعبة.
ثم قال: جاء زهير إلى شعبة، فسأله عن حديث فيه طول، أن
يمله عليه، فأبى شعبة وقال: أنا أردده عليك حتى تحفظه،
فقال زهير: أنا أرجو أن أحفظه، ولكن إلى أن أبلغ البيت
يعرض لي الشك.
(8/182)
قال: فإن لم تكن كذا، فأرحني، واسترح مني.
قال: يقول شعبة: لا والله لا تملني بلسان ألثغ.
وحكاه شعيب بن حرب.
عباس الدوري: قلت ليحيى بن معين: زهير بن معاوية، وأبو
عوانة، فكأنه ساوى بينهما.
قلت: فزائدة بن قدامة ؟ قال: هو أثبت من زهير.
قلت: يقولون: عرض زائدة كتبه على سفيان، قال: ما بأس بذلك،
كان يلقي السقط، ولا يزيد في كتبه، فقيل ليحيى: أيهما
أثبت، زهير أو وهيب بن خالد ؟ فقال: ما فيهما إلا ثبت (1).
قلت: حدث عنه: ابن جرير، وابن اسحاق وهما من شيوخه وزائدة،
وابن المبارك، وابن مهدي، وأبو داود الطيالسي، والحسن
الاشيب، ويحيى بن أبي بكير، وأبو نعيم، وأبو جعفر النفيلي،
وأحمد بن يونس، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو الوليد
الطيالسي، وعلي بن الجعد، ويحيى بن آدم، والهيثم بن جميل،
وسعيد بن منصور، وأحمد ابن عبدالملك بن واقد.
وخلق من آخرهم: عبدالرحمن بن عمرو البجلي شيخ أبي عروبة
الحراني.
قال الخطيب في كتاب: " السابق واللاحق ": آخر من روى عن
زهير: عبد السلام بن عبدالحميد الحراني، شيخ، بقي إلى سنة
أربع وأربعين ومئتين.
قال أحمد بن حنبل: زهير بن معاوية من معادن العلم.
وقال أبو حاتم الرازي: زهير أحب إلينا من إسرائيل في كل شئ
إلا في حديث جده أبي إسحاق.
قيل لابي حاتم: فزائدة، وزهير ؟ قال: زهير أتقن، وهو صاحب
__________
(1) تاريخ يحيى بن معين: 2 / 177.
(*)
(8/183)
سنة، غير أنه تأخر سماعه من أبي إسحاق.
وقال أبو زرعة الرازي: سمع زهير من أبي إسحاق بعد
الاختلاط، وهو ثقة.
قيل: تحول زهير إلى الجزيرة في سنة أربع وستين ومئة، وضربه
الفالج قبل موته بسنة أو أزيد، ولم يتغير، ولله الحمد.
قال سفيان بن عيينة لبعض الطلبة: عليك بزهير بن معاوية،
فما بالكوفة مثله.
قال أبو جعفر النفيلي، وعمرو بن خالد الحراني: توفي زهير
سنة ثلاثين وسبعين ومئة.
قال النفيلي: في رجب.
وبعضهم قال: توفي سنة أربع وسبعين، وهو وهم وكان من أبناء
الثمانين.
وقع لي من عواليه: قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق
الابرقوهي، أخبركم الفتح بن عبد السلام ببغداد، أخبرنا هبة
الله بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى
بن علي الوزير إملاء سنة تسع وثمانين وثلاث مئة، حدثنا أبو
القاسم عبد الله بن محمد إملاء، حدثنا علي ابن الجعد،
أخبرنا زهير، عن سماك وزياد بن علاقة، وحصين، كلهم، عن
جابر بن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
يكون بعدي اثنا عشر أميرا ".
ثم تكلم بشئ لم أفهمه.
وقال بعضهم في حديثه: فسألت أبي، وقال بعضهم: فسألت القوم،
فقالوا: " كلهم من قريش " (1).
__________
(1) وأخرجه البخاري: 13 / 181 في " الاحكام ": باب
الاستخلاف من طريق شعبة، ومسلم (1821) (6) في أول كتاب
الامارة، من طريق سفيان، كلاهما عن عبدالملك بن عمير، عن
جابر بن سمرة، وأخرجه الترمذي (2223)، وأحمد: 5 / 90 و 95
و 108.
ومسلم = (*)
(8/184)
أخبرنا محمد بن عبد السلام، وزينب بنت كندي، عن زينب
الشعرية، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم، أخبرنا عبد الغافر
بن محمد، أخبرنا بشر بن أحمد الاسفراييني، أخبرنا داود بن
الحسين البيهقي، حدثنا
يحيى بن يحيى التميمي، أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير، عن
أبي جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سفر، فمطرنا فقال: " ليصل من شاء منكم في رحله ".
أخرجه مسلم (1) عن يحيى بن يحيى.
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا
عبد الوهاب الانماطي، أخبرنا أبو محمد الصريفيني، أخبرنا
عبيدالله بن حبابة، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي
بن الجعد من حفظه، أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق قال: قال رجل
للبراء: يا أبا عمارة، أكنتم يوم حنين وليتم ؟ قال: لا
والله، ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنا لقينا
قوما رماة، لا يكاد يسقط لهم سهم: جمع هوازن، فرشقونا
رشقا، ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وهو على بغلته البيضاء (2).
__________
= (1821) (7) من طريق سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، وأخرجه
أبو داوود (4280) من طريق ابن نفيل، عن زهير، عن زياد بن
خيثمة، عن الشعبي، عن جابر، و (4281) من طريق الاسود بن
سعيد الهمذاني، عن جابر.
(1) (698) في صلاة المسافرين: باب الصلاة في الرحال في
المطر.
(2) وأخرجه البخاري: 6 / 76 في الجهاد: باب من صف أصحابه
عند الهزيمة، من طريق عمرو بن خالد الحراني، حدثنا زهير،
حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء وسأله رجل..وتمامه:
وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب يقود به، فنزل
واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبدالمطلب ثم
صف أصحابه.
وأخرجه أيضا 8 / 24 في المغازي، باب غزوة حنين، من طريق
محمد بن بشار، عن غندر، عن أبي إسحاق سمع البراء..، وأخرجه
مسلم (1776) من طرق عن أبي إسحاق، عن البراء.
(*)
(8/185)
وبه إلى زهير: عن أبي إسحاق، عن نوف، قال: كان طول سرير
عوج ثمان مئة ذراع في عرض نصف ذلك.
وكان موسى عليه السلام طوله عشرة أذرع، وعصاه عشرة، ووثبته
حين وثب ثمان أذرع، فأصاب كعبه، فخر على نيل مصر، فجسره
الناس عاما يمرون على صلبه وأضلاعه (1).
وبه: عن أبي الزبير، عن ابن أبي مليكة، أن عائشة كانت تصوم
الدهر وأيام التشريق (2).
وبه: أخبرنا الزبير، عن جابر قال: في جميع ظني، ولست أشك
أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ميز أهل الجنة
فدخلوا الجنة، ودخل أهل النار النار (3)، قامت الرسل
فشفعوا، فيقول عزوجل: انطلقوا فمن عرفتم فأخرجوه،
فيخرجونهم قد امتحشوا، فيلقون على نهر أو في نهر، يقال له:
الحياة، فتسقط محاشهم على حافتي النهر، ويخرجون بيضا مثل
الثعارير، فيشفعون، فيقول: اذهبوا أو انطلقوا، فمن وجدتم
في قلبه قيراطا من إيمان، فأخرجوه، فيخرجون بشرا كثيرا، ثم
يشفعون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه حبة من خردل من
إيمان، فأخرجوه، فيخرجون بشرا كثيرا، ثم يقول الله عزوجل:
الآن أخرج بعلمي ورحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا، وأضعافه،
فيكتب في رقابهم: عتقاء الله، ثم يدخلون
__________
(1) نوف البكالي: ربيب كعب الاحبار، وقد تلقى عنه
الاسرائيليات، وقصة عوج بن عنق التي تذكر بطولها في بعض
كتب التفسير والتاريخ قد أبطلها غير واحد من المحققين كابن
القيم وابن كثير وغيرهما، كما في " الفتاوى الحديثية " ص:
188 لابن حجر الفقيه، فراجعه.
(2) في سنده تدليس أبي الزبير، والذي صح عن عائشة رضي الله
عنها منع صيام أيام التشريق إلا للمتمتع الذي لا يجد
الهدي.
انظر " الموطأ " 1 / 426، و " فتح الباري "
4 / 210.
(3) في " المسند " " إذا ميز أهل الجنة وأهل النار، فدخل
أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار ".
(*)
(8/186)
الجنة فيسمون فيها: الجهنميين " (1).
وبه: إلى زهير عن زوجته وزعم انها صدوقة أنها سمعت مليكة
بنت عمرو وذكر أنها ردت الغنم على أهلها في إمرة عمر بن
الخطاب أنها وصفت لها من وجع بها، سمن بقر، وقالت: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألبانها شفاء، وسمنها
دواء، ولحمها داء " (2).
27 - زهير بن محمد * (ع)
التميمي، الحافظ المحدث، أبو المنذر المروزي
الخرقي، بفتحتين، من قرية خرق.
الخراساني.
نزيل الشام، ثم نزيل مكة.
وقيل: إنه هروي.
حدث عن: موسى بن وردان المصري صاحب أبي هريرة، وابن أبي
__________
(1) أخرجه أحمد: 3 / 325، 326 من طريق أبي النضر، عن ابن
زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر.
وقوله: امتحشوا: أي احترقوا.
الثعارير: أي القثاء الصغار، شبهوا بها لان القثاء ينمي
سريعا.
(2) زوجة زهير مجهولة، وكذا مليكة، والخبر أورده ابن عبد
البر في " الاستيعاب " ت (3497)، ونقله عنه الحافظ في "
الاصابة " ت (1010) قسم النساء، وقال: أخرجه أبو داود في "
المراسيل " ووصله ابن مندة، ووقع لنا بعلو، وفي الباب عن
ابن مسعود مرفوعا بلفظ " عليكم بألبان البقر، فإنها دواء،
وأسمانها فإنها شفاء.
وإياكم ولحومها، فإن لحومها داء " أخرجه الحاكم وصححه،
ووافقه الذهبي، وتعقبهما بعضهم، فقال: وفي صحته نظر، فإن
في
الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه
بالبقر، وهو لا يتقرب بالداء.
وأخرج الحاكم في " المستدرك " 4 / 197 بسند حسن، من حديث
ابن مسعود مرفوعا " إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له
شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل شجر
".
* التاريخ الكبير: 3 / 427، 428، التاريخ الصغير: 2 / 149،
الضعفاء للعقيلي، 145، 146، الجرح والتعديل: 3 / 589،
مشاهير علماء الامصار: ت (1473)، معجم البلدان: 2 / 360،
تهذيب الكمال: 438، 439، ميزان الاعتدال: 2 / 84، تذهيب
التهذيب 1 / 40 / 2، العبر: 1 / 239، تهذيب التهذيب: 3 /
348، خلاصة تذهيب الكمال: 123، تهذيب ابن عساكر: 5 / 394 -
395.
(*)
(8/187)
مليكة، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم،
وعبد الرحمن بن القاسم، وابن عقيل، وسهيل، وعدة.
وعنه: الوليد بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود،
وروح ابن عبادة، وعمرو بن أبي سلمة، وأبو عامر العقدي،
وخلق سواهم، وأبو حذيفة النهدي.
قال البخاري وغيره: روى عنه الشاميون مناكير.
قلت: وكذا روى عنه عمرو بن أبي سلمة التنيسي مناكير، وما
هو بالقوي ولا بالمتقن، مع أن أرباب الكتب الستة خرجوا له.
وقد ذكره أبو جعفر العقيلي في " الضعفاء "، فنقل عن أحمد
بن حنبل، قال: هو مقارب الحديث، وقال: هو مقارب الحديث،
وقال: كأن الذي يروي عنه أهل الشام زهير آخر، قلب اسمه
(1).
وروى معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: خراساني ضعيف.
ثم قال العقيلي: ومن حديثه: ما حدثنا أحمد بن محمد
النصيبي،
حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، حدثنا محمد بن سليم، حدثنا
زهير بن محمد أبو المنذر، حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي
هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صوموا
تصحوا، وسافروا تصحوا، واغزوا تغنموا " (2).
ثم قال: لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين.
قال النسائي: ليس بالقوي.
__________
(1) الضعفاء: 145، وفيه " فقلب اسمه ".
(2) الضعفاء: 145، وقال الحافظ في " تخريج الاحياء ": رواه
الطبراني في " الاوسط "، وأبو نعيم في " الطب النبوي " من
حديث أبي هريرة بسنده ضعيف.
(*)
(8/188)
وقال عثمان الدارمي: ثقة، له أغاليط.
وروى أحمد بن زهير عن يحيى: ثقة.
وقال مرة: صالح.
وقال عباس: سمعت يحيى يقول: زهير بن محمد ثقة (1).
وروى حنبل عن أحمد: ثقة.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: محله الصدق، وفي
حفظه سوء، وما حدث به من كتبه، فهو صالح.
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به (2).
وقال ابن قانع: توفي سنة اثنتين وستين ومئة.
أخبرنا من سمع ابن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا أبو علي،
أخبرنا أبو نعيم، حدثنا ابن فارس، حدثنا يونس بن حبيب،
حدثنا أبو داود، حدثنا زهير بن محمد، أخبرني موسى بن
وردان، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل " (3).
هذا حديث غريب عال.
أخرجه أبو داود والترمذي، عن بندار، عن
أبي داود، وحسنه الترمذي.
قال الترمذي (4): سألت محمدا عن حديث زهير بن محمد هذا،
__________
(1) تاريخ ابن معين: 2 / 176.
(2) قال الحافظ ابن رجب في " شرح العلل " 2 / 615: وفصل
الخطاب في حال رواياته أن أهل العراق يروون عنه أحاديث
مستقيمة، وما خرج عنه في الصحيح فمن رواياتهم عنه، وأهل
الشام يروون عنه روايات منكرة.
(3) أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2379)، وأحمد 2 /
303، 304، والحاكم 4 / 171، كلهم من حديث زهير بن محمد، عن
موسى بن وردان، عن أبي هريرة، وله طريق آخر عند الحاكم
يتقوى به، فهو حسن.
(4) في " الميزان ": قال الترمذي في العلل.
(*)
(8/189)
فقال: أنا أتقي هذا الشيخ، كأن حديثه موضوع، وليس هذا عندي
بزهير بن محمد، وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ، ويقول:
هذا شيخ ينبغي أن يكونوا قلبوا اسمه (1).
فهذا قاله عقيب حديث: " صلى ابن عمر محلول الازرار "، وقال
رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
28 - القاسم بن معن * (د، س)
ابن عبد الرحمن بن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم
عبد الله بن مسعود، الامام الفقيه المجتهد، قاضي الكوفة،
ومفتيها في زمانه، أبو عبد الله الهذلي المسعودي الكوفي،
أخو الامام أبي عبيدة بن معن، ولد بعد سنة مئة.
وحدث عن: منصور بن المعتمر، وحصين بن عبدالرحمن، وعبد
الملك بن عمير، وهشام بن عروة، وسليمان الاعمش، وطائفة
سواهم.
روى عنه: عبدالرحمن بن مهدي، وأبو نعيم، ومعلى بن منصور،
وأبو غسان النهدي، والمعافى بن سليمان، وعبد الله بن
الوليد العدني،
__________
(1) ونقل الترمذي أيضا في " سننه " كلام أحمد، بعد حديث
جابر (3291) في تفسير سورة الرحمن، وزاد بعد قوله: " قلبوا
اسمه ": لما يروون عنه من المناكير، وحديث: " صلى ابن عمر
وهو محلول الازرار ": أخرجه ابن خزيمة رقم (779)، والبيهقي
في " السنن " 2 / 240 من طريق صفوان بن صالح الدمشقي،
حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زهير بن محمد التميمي، حدثنا
زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصلي محلول ازراره، فسألته
عن ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
وقال: تفرد به زهير بن محمد، ثم نقل كلام الترمذي الآنف
الذكر، ثم قال: وأشار البخاري إلى بعض هذا في التاريخ،
وروي ذلك عن ابن عمر من أوجه دون السند.
* طبقات خليفة: 168، مشاهير علماء الامصار: 169، الجرح
والتعديل: 7 / 120، تهذيب الكمال: 1118، تذهيب التهذيب: 3
/ 152 / 2، خلاصة تذهيب الكمال: 314، شذرات الذهب: 1 /
286، العبر: 1 / 286، الجواهر المضية 1 / 42.
(*)
(8/190)
ومنجاب بن الحارث، وآخرون.
وكان ثقة، نحويا، أخباريا، كبير الشأن، لم يأخذ على القضاء
معلوما، نقله أحمد بن حنبل.
وقال أبو حاتم: ثقة، كان أروى الناس للحديث، والشعر،
وأعلمهم بالعربية، والفقه.
قلت: وكان عفيفا صارما، من أكبر تلامذة الامام أبي حنيفة.
أخذ عنه العربية محمد بن زياد بن الاعرابي (1)، وولاه
المهدي قضاء الكوفة.
وقيل: إنه كان يقال له: شعبي زمانه.
روى له أبو داود، والنسائي شيئا قليلا.
وتوفي في سنة خمس وسبعين ومئة.
29 - يونس * إمام النحو،
هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبي، مولاهم البصري.
__________
(1) ابن الاعرابي الراوي النسابة، أحد أئمة اللغة المشار
إليهم في معرفتها، قال ثعلب: شاهدت ابن الاعرابي وكان يحضر
مجلسه زهاء مئة إنسان، كل يسأله، أو يقرأ عليه، ويجيب من
غير كتاب، ولزمته بضع عشرة سنة، ما رأيت بيده كتابا قط،
وما أشك في أنه أملى على الناس ما يحمل على أجمال، ولم ير
أحد في علم الشعر واللغة أغزر منه، توفي سنة (231) ه.
" معجم الادباء " 18 / 189.
* المعارف: 541، البيان والتبيين: 1 / 77، تاريخ الطبري: 7
/ 23، مرات النحويين: 21، طبقات الزبيدي: 48، الفهرست: 42،
نزهة الالباء: 31، معجم الادباء: 20 / 64، تاريخ ابن
الاثير: 6 / 165، وفيات الاعيان: 7 / 244 - 249، تهذيب
التهذيب: 5 / 346، مرآة الجنان: 1 / 388، نور القبس، 48 -
55، المزهر: 2 / 231، بغية الوعاة، 426.
(*)
(8/191)
أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وحماد بن سلمة.
وعنه: الكسائي، وسيبويه، والفراء، وآخرون.
وعاش ثلاثا وثمانين سنة.
أرخ خليفة بن خياط موته في سنة ثلاث وثمانين ومئة.
وقد لقي عبد الله بن أبي إسحاق، فسأله عن لفظة، وكان ليونس
حلقة ينتابها الطلبة والادباء، وفصحاء الاعراب.
وذكره ثعلب، فقال: جاوز المئة.
وقيل: إنه لم يتزوج، ولا تسرى.
وله تواليف في القرآن واللغات.
30 - عبد العزيز بن مسلم
* (خ، م، د، ت، س) الامام، العابد، الرباني، أبو زيد
القسملي، الخراساني، ثم البصري، أحد الثقات.
حدث عن: عبد الله بن دينار، ومطر الوراق، وأيوب، وأبي
هارون العبدي، وحصين بن عبدالرحمن، وعدة.
روى عنه: العقدي، والقعنبي، وعبيدالله بن عائشة، وحفص بن
__________
* طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة: 445، التاريخ الكبير: 1
/ 205، التاريخ الصغير: 2 / 169، المعرفة والتاريخ للفسوي:
2 / 120، الضعفاء للعقيلي: 245، الجرح والتعديل: 5 / 394،
مشاهير علماء الامصار (1248)، تهذيب الكمال: 845، تذهيب
التهذيب: 2 / 244 / 1، العبر: 1 / 251، ميزان الاعتدال: 2
/ 635، تهذيب التهذيب: 6 / 356، خلاصة تذهيب الكمال: 241.
(*)
(8/192)
عمر الحوضي، وحفص بن عمر الضرير، وشيبان بن فروخ، وآخرون.
قال أبو عامر العقدي: كان من العابدين.
وقال يحيى بن إسحاق السيلحيني: سمعت منه، وكان من الابدال.
وقال يحيى بن معين وغيره: ثقة.
قال العيشي: مات سنة سبع وستين ومئة.
31 - أخوه المغيرة *
(ت، س، ق) ابن مسلم القسملي السراج.
كان الاكبر.
يروي عن: عكرمة، وأبي الزبير المكي، وفرقد السبخي.
روى عنه: أبو داود الطيالسي، وشبابة بن سوار، وإسحاق بن
سليمان الرازي، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين أيضا.
توفي في حدود الستين ومئة.
32 - سلم الخاسر * * هو من
فحول الشعراء، من تلامذة بشار بن برد.
هو سلم بن عمرو بن حماد.
__________
* التاريخ الكبير: 4 / 424، الجرح والتعديل: 8 / 229،
تهذيب الكمال: 1362، تذهيب التهذيب: 4 / 63 / 1، تهذيب
التهذيب: 10 / 268، خلاصة تذهيب الكمال: 385.
* * طبقات ابن المعتز: 99، تاريخ بغداد: 9 / 136، الاغاني:
19 / 214، معجم الادباء: 11 / 236، وفيات الاعيان: 2 / 352
350.
(*)
(8/193)
مدح المهدي، والرشيد، وعكف على المخازي، ثم نسك، ثم مرق،
وباع مصحفه، واشترى بثمنه ديوانا، فلقب: بالخاسر.
وقد أجازه الرشيد مرة بمئة ألف.
لا أعلم في أي سنة مات، لكنه مات قبل الرشيد.
33 - أبو المليح * (د،
ق) الامام، المحدث، أبو المليح، الحسن بن عمر الرقي،
ويقال: الحسن بن عمرو.
حج، فرأى عطاء بن أبي رباح، وما أظنه سمع منه.
وسمع ميمون بن مهران، وابن شهاب الزهري، وعبد الله بن محمد
ابن عقيل، وزياد بن بيان، وطائفة.
وعنه: عبد الله بن جعفر الرقي، وعمرو بن خالد الحراني،
وإبراهيم ابن مهدي المصيصي، وأبو جعفر النفيلي، وعبد
الجبار بن عاصم، وأبو نعيم عبيد بن هشام، وآخرون.
وثقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة.
مولده في حدود سنة تسعين.
وتوفي بالرقة في سنة إحدى وثمانين ومئة.
__________
* التاريخ لابن معين: 2 / 116، طبقات خليفة: 321، التاريخ
الكبير 2 / 299، التاريخ الصغير: 2 / 227، المعرفة
والتاريخ للفسوي: 1 / 172، الجرح والتعديل: 3 / 24 25،
تهذيب الكمال: 279، تذهيب التهذيب: 1 / 143 / 1، العبر: 1
/ 279، خلاصة تذهيب الكمال: 80، شذرات الذهب: 1 / 295.
(*)
(8/194)
34 - قزعة بن سويد
* (ت، ق) ابن حجير الباهلي، شيخ، عالم، بصري، صالح الحال.
حدث عن: أبيه، وابن أبي مليكة، ومحمد بن المنكدر، وحميد بن
قيس الاعرج.
وعنه: مسدد، وقتيبة، وإبراهيم بن الحجاج السامي، ولوين،
وجماعة.
مشاه ابن عدي.
وقال البخاري: ليس بذاك القوي.
ولابن معين فيه قولان.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
وقال أبو داود: ضعيف.
توفي سنة بضع وسبعين ومئة.
35 - بكر بن مضر * * (ع
سوى ق) ابن محمد، الامام، المحدث، الفقيه، الحجة، أبو عبد
الملك
__________
التاريخ لابن معين: 2 / 488، تاريخ خليفة: 391، 396،
الكامل لابن عدي: 4 / 272 / 1، الجرح والتعديل: 7 / 139،
الضعفاء للعقيلي: 365، كتاب المجروحين: 2 / 216، التاريخ
الكبير 7 / 192، تهذيب الكمال: 1129، تذهيب التهذيب: 3 /
160 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 389، تهذيب التهذيب: 8 /
376، خلاصة تذهيب الكمال: 316.
* * التاريخ الكبير: 2 / 295، التاريخ الصغير: 2 / 208،
المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 164، 165، الجرح والتعديل: 1
/ 392، مشاهير علماء الامصار: ت (1534)، تهذيب = (*)
(8/195)
المصري، مولى الامير شرحبيل بن حسنة، رضي الله عنه.
ولد سنة مئة.
وحدث عن: أبي قبيل المعافري، وجعفر بن ربيعة، ويزيد بن
الهاد، ومحمد بن عجلان، وعمرو بن الحارث، وجماعة.
روى عنه: ولده إسحاق بن بكر، وابن وهب.
وابن القاسم، وقتيبة بن سعيد، وآخرون.
وكان من الثقات العابدين.
قال الحارث بن مسكين: كان عبدالرحمن بن القاسم لا يقدم
عليه أحدا من أهل الفسطاط، وقد رأيته وأنا حدث، فحدثني
ابنه إسحاق قال: ما كنت أرى أبي يجلس في البيت على طنفسة،
ما كان يجلس إلا على حصير.
وكان طويل الحزن، وأحيانا تطيب نفسه، فيفرح، فربما جاء
الرجل يسأله المسألة، فيعلمه، ويرجع إلى حاله، ويتغير،
ويقول: مالي ولهذا، فنقول له: أفنصرفه ؟ فيقول: أو يحل لي
؟ وربما جاءه الاحداث يطلبون منه الحديث، فيقول لهم:
تعلموا الورع.
قال ابن يونس وغيره: توفي يوم عرفة سنة أربع وخمسين ومئة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبدالمعز بن محمد، أخبرنا
محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل الضبي، أخبرنا
الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن
سعيد، حدثنا بكر، عن عمرو بن
__________
= الكمال: 161، تذهيب التهذيب: 1 / 90 / 1، تذكرة الحفاظ:
1 / 221، العبر: 1 / 265، تهذيب التهذيب: 1 / 487.
خلاصة تذهيب الكمال: 52، شذرات الذهب 1 / 284.
(*)
(8/196)
الحارث، عن بكير، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة بن الاكوع،
قال: " لما نزلت هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين) [ البقرة: 184 ].
كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي
بعدها فنسختها " (1).
أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن
قتيبة، فوافقناهم بعلو درجة.
36 - جعفر بن سليمان *
(م، 4) الشيخ العالم الزاهد، محدث الشيعة، أبو سليمان
الضبعي، البصري.
كان ينزل في بني ضبيعة، فنسب إليهم.
حدث عن: أبي عمران الجوني، وثابت البناني، ويزيد الرشك،
ومالك بن دينار، والجعد أبي عثمان، وخلق كثير.
حدث عنه: سيار بن حاتم الزاهد، وعبد الرزاق، ومسدد بن
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 136 في تفسير سورة البقرة، ومسلم
(1145) في الصيام: باب بيان قوله تعالى: (وعلى الذين
يطيقونه..) وأبو داود (2315)، والترمذي (798)، والنسائي 4
/ 190 كلهم من حديث قتيبة، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن
الحارث، عن بكير، عن يزيد مولى سلمة بن الاكوع، عن سلمة بن
الاكوع.
* التاريخ لابن معين: 2 / 86، الطبقات الكبرى: 7 / 288،
353، طبقات خليفة: 224، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 169
و 2 / 49، الجرح والتعديل: 2 / 481، مشاهير علماء الامصار:
ت (1263)، تهذيب الكمال: 197، تذهيب التهذيب: 1 / 108،
تذكرة الحفاظ: 1 / 241، ميزان الاعتدال: 1 / 408، العبر: 1
/ 271، و 331، تهذيب التهذيب: 2 / 95، خلاصة تذهيب الكمال:
63.
(*)
(8/197)
مسرهد، وبشر بن هلال، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن
سليمان لوين، وغيرهم.
وكان من عباد الشيعة وعلمائهم، وقد حج، وتوجه إلى اليمن،
فصحبه عبد الرزاق، وأكثر عنه، وبه تشيع.
ويروى أن جعفرا كان يترفض، فقيل له: أتسب أبا بكر وعمر ؟
قال: لا، ولكن بغضا يا لك.
فهذا غير صحيح عنه.
وقال الحافظ زكريا الساجي: إنما عني بقوله: بغضا يا لك:
جارين له يؤذيانه، اسمهما: أبو بكر وعمر.
قال ابن المديني: أكثر عن ثابت البناني، وكتب عنه مراسيل،
فيها
مناكير.
وقال ابن سعد: ثقة، فيه ضعف.
وروى محمد بن عثمان العبسي، عن يحيى بن معين، قال: كان
يحيى القطان لا يحدث عن جعفر بن سليمان، ولا يكتب حديثه،
وكان عندنا ثقة.
قال أحمد بن المقدام: كنا في مجلس يزيد بن زريع، فقال: من
أتى جعفر بن سليمان، وعبد الوارث، فلا يقربني.
قال: وكان عبد الوارث ينسب إلى الاعتزال.
وروى عباس، عن يحيى بن معين: ثقة.
محمد بن أبي بكر المقدمي، سمعت عمي عمر بن علي يقول: رأيت
ابن المبارك يقول لجعفر بن سليمان: رأيت أيوب ؟ قال: نعم.
قال:
(8/198)
ورأيت ابن عون ؟ قال: نعم.
قال: فرأيت يونس ؟ قال: نعم.
قال: كيف لم تجالسهم، وجالست عوفا، والله ما رضي عوف ببدعة
حتى كانت فيه بدعتان: كان قدريا شيعيا.
قال البخاري: جعفر بن سليمان الحرشي يخالف في بعض حديثه.
وقال السعدي: روى مناكير، وهو متماسك لا يكذب.
وقال صاحب " الحلية ": صحب ثابتا، وأبا عمران الجوني،
وفرقد السبخي، وشميط بن عجلان.
وروى سيار، عن جعفر قال: اختلفت إلى ثابت البناني، ومالك
بن دينار، عشر سنين.
أخبرنا إسحاق الصفار، أخبرنا يوسف الآدمي، أخبرنا أبو
المكارم اللبان،
أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن
أحمد، حدثنا معاذ ابن المثنى، حدثنا مسدد، حدثنا جعفر بن
سليمان، عن يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم
عليا، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، قال: فتعاقد أربعة من
الصحابة، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرناه، وكان المسلمون إذا قدموا من سفر، بدؤوا برسول
الله، فسلموا عليه، فلما قدمت السرية، سلموا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الاربعة، فقال: يا رسول
الله، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا، فأقبل عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعرف الغضب في وجهه، فقال: " ما تريدون
من علي " ثلاث مرات.
" إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي " (1)
تابعه قتيبة، وبشر بن هلال، وعفان، وهو من أفراد جعفر.
__________
(1) إسناده قوي، وأخرجه الترمذي (3712) في المناقب: باب
مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحسنه، وهو في "
المسند " 4 / 437، 438.
(*)
(8/199)
أخرجه الترمذي، وحسنه، والنسائي.
توفي جعفر بن سليمان في سنة ثمان وسبعين ومئة.
احتج به مسلم.
37 - شريك * (4) ابن عبد الله
، العلامة، الحافظ، القاضي، أبو عبد الله النخعي، أحد
الاعلام، على لين ما في حديثه.
توقف بعض الائمة عن الاحتجاج بمفاريده.
قال أبو أحمد الحاكم: شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس.
ويقال: شريك بن عبد الله بن أبي شريك من مالك بن النخع،
وجده قاتل الحسين
رضوان الله عليه.
أدرك شريك عمر بن عبد العزيز، وسمع سلمة بن كهيل، ومنصور
بن المعتمر، وأبا إسحاق.
ليس بالمتين عندهم.
وقال أبو بكر الخطيب: شريك بن عبد الله بن الحارث بن أوس
القاضي أدرك عمر بن عبد العزيز.
قلت: وروى أيضا عن أبي صخرة جامع بن شداد، وجامع بن
__________
* طبقات خليفة: 169، المعارف: 508 - 509، المعرفة والتاريخ
للفسوي: 1 / 150، 168، أخبار القضاة 1 / 149 - 175، الجرح
والتعديل: 4 / 365، الكامل لابن عدي: 2 / 192 / 1، تاريخ
بغداد: 9 / 279، طبقات الشيرازي: الورقة 23، وفيات
الاعيان: 2 / 464، تهذيب الكمال: 581، ميزان الاعتدال: 2 /
270، العبر: 1 / 193 و 253 و 270، تذكرة الحفاظ: 1 / 232،
البداية والنهاية: 10 / 171، تهذيب التهذيب: 4 / 333،
خلاصة تذهيب الكمال: 169، شذرات الذهب: 1 / 287.
(*)
(8/200)
أبي راشد، وزياد بن علاقة، وسماك بن حرب، وعبد العزيز بن
رفيع، وزبيد بن الحارث، وبيان بن بشر، ويعلى بن عطاء،
وإبراهيم بن مهاجر، وعثمان بن أبي زرعة، وعاصم الاحول،
وسالم الافطس، وسليمان الاعمش، وعطاء بن السائب، ونسير بن
ذعلوق، وعبد الملك ابن عمير، وسلمة بن المحبق، وأشعث بن
أبي الشعثاء، وعبد الكريم ابن مالك الجزري، والمقدام بن
شريح، وسعيد بن مسروق، وهشام بن عروة، وعاصم بن بهدلة،
وعلي بن بذيمة، وزيد بن جبير، وحكيم بن جبير، وشبيب بن
غرقدة، ومخول بن راشد، وابن عقيل، وإبراهيم بن جرير بن عبد
الله البجلي، وعمار الدهني، وحبيب بن أبي ثابت،
وخلق سواهم.
وعنه: أبان بن تغلب، ومحمد بن إسحاق، وهما من شيوخه،
وشعبة، وسفيان، والليث بن سعد، وابن المبارك، ويحيى بن
آدم، وأبو نعيم، ويزيد بن هارون، وإسحاق بن يوسف الازرق،
ويقال: إن إسحاق الازرق أخذ عنه تسعة آلاف حديث.
وممن يروي عنه: أحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وأبو بكر ابن
أبي شيبة، وأخوه عثمان، وهناد بن السري، ولوين، ويحيى بن
يحيى، ومحمد بن سليمان لوين، ويحيى بن عبدالحميد الحماني،
وعباد بن يعقوب الرواجني، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعلي بن
حجر، وأمم سواهم.
وقد وثقه يحيى بن معين.
وقال: هو أثبت من أبي الاحوص.
قلت: مع أن أبا الاحوص من رجال " الصحيحين "، وما أخرجا
لشريك سوى مسلم في المتابعات قليلا.
وخرج له البخاري تعليقا.
(8/201)
قال ابن المبارك: شريك أعلم بحديث بلده من الثوري.
فذكر هذا لابن معين، فقال: ليس يقاس بسفيان أحد، لكن شريك
أروى منه في بعض المشايخ.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال الجوزجاني: سيئ الحفظ [ مضطرب الحديث ] مائل (1).
قلت: فيه تشيع خفيف على قاعدة أهل بلده.
وكان من كبار الفقهاء، وبينه وبين الامام أبي خنيفة وقائع
(2).
مولده: في سنة خمس وتسعين.
وقيل: إنه ولد ببخارى، أو نقل
إلى الكوفة.
وقد سمى البخاري جده سنانا، وسماه شيخه أبو نعيم: الحارث.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ شريك في أربع مئة حديث.
وعن عبدالرحمن بن شريك، قال: كان عند أبي، عن جابر الجعفي
عشرة آلاف مسألة، وعن ليث بن أبي سليم: عشرة آلاف مسألة.
قال أبو نعيم: سمعت شريكا يقول: قدم عثمان يوم قدم، وهو
أفضل القوم.
قلت: ما بعد هذا إنصاف من رجل كوفي.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 9 / 284، و " تهذيب الكمال " 582،
وميزان المؤلف 2 / 270.
(2) في الاصل: " واقع " وانظر " تاريخ بغداد " 13 / 374 و
397.
(*)
(8/202)
قال منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكا يقول في مجلس أبي
عبيدالله يعني وزير المهدي وفيه الحسن بن زيد بن الحسن،
ووالد مصعب الزبيري، وابن أبي موسى، والاشراف، فتذاكروا
النبيذ، فرخص من حضر من العراقيين فيه، وشدد الباقون، فقال
شريك: حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: قال عمر: "
إنا لنأكل لحوم هذه الابل، ليس يقطعها في بطوننا إلا هذا
لنبيذ الشديد " (1).
فقال الحسن بن زيد: " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن
هذا إلا اختلاق) [ ص: 7 ] فقال شريك، أجل ! شغلك الجلوس
على الطنافس في صدور المجالس عن استماع هذا ومثله، فلم
يجبه الحسن
بشئ.
وأسكت القوم، فتحدثوا بعد في النبيذ، وشريك ساكت.
فقال له أبو عبيد الله: حدثنا يا أبا عبد الله بما عندك.
فقال كلا ! الحديث أعز على أهله من أن يعرض للتكذيب.
فقال بعضهم: شرب سفيان الثوري، فقال قائل منهم: لا، بلغنا
أن سفيان تركه، فقال شريك: أنا رأيته يشرب في بيت خير أهل
الكوفة في زمانه، مالك بن مغول.
قال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا أورع في عمله من شريك.
قال محمد بن معاوية النيسابوري: سمعت عبادا يقول: قدم
علينا معمر، وشريك واسط.
فكان شريك أرجح عندنا منه.
قال عباس: ذكرت لابن معين، إسرائيل، وشريك، فقال: ما فيهما
إلا ثبت.
وقال: شريك أثبت من أبي الاحوص، ثم سمعت
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف شريك، والذي صح عن عمر رضي الله عنه
إباحة الطلاء وهو الدبس شبه بطلاء الابل، وهو القطران الذي
يدهن به، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمدد أشبه طلاء الابل،
وهو في تلك الحالة غالبا لا يسكر.
وانظر " فتح الباري " 10 / 55، 56.
(*)
(8/203)
ابن معين يقول: إسرائيل أثبت من شريك.
وقال: كان يحيى القطان لا يحدث عن هذين.
قال منجاب بن الحارث: قال رجل لشريك: كيف تجدك يا أبا عبد
الله ؟ قال: أجدني شاكيا (1) غير شاكي الله.
أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: كنا عند شريك
يوما، فظهر من أصحاب الحديث جفاء، فانتهر بعضهم، فقال له
رجل: يا أبا عبد الله، لو رفقت.
فوضع شريك يده على ركبة الشيخ، وقال: النبل عون على الدين.
قال ابن عيينة: قيل لشريك: ما تقول فيمن يفضل عليا على أبي
بكر ؟ قال: إذا يفتضح، يقول: أخطأ المسلمون.
وعن وكيع قال: ما كتبت عن شريك بعد ما ولي القضاء، فهو
عندي على حدة.
وقال أبو نعيم: لم أكتب عنه بعد القضاء غير حديث واحد.
البغوي: حدثنا عباس بن محمد، سمعت يحيى يقول: قضى شريك على
ابن إدريس بشئ.
فقال ابن إدريس: القضاء فيه كذا وكذا يعني الذي حكمت به
فقال له شريك: اذهب فأفت بهذا حاكة الزعافر، وكان شريك قد
حبسه في القضية، وكان ابن إدريس ينزل في الزعافر.
منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكا يقول: ترك الجواب في موضعه
إذابة القلب.
__________
(1) في الاصل: " شاك ".
(*)
(8/204)
قال إبراهيم بن أعين: قلت لشريك: أرأيت من قال: لا أفضل
أحدا.
قال: هذا أحمق، أليس قد فضل أبو بكر وعمر ؟ وروى أبو داود
الرهاوي، أنه سمع شريكا يقول: علي خير البشر، فمن أبى فقد
كفر.
قلت: ما ثبت هذا عنه.
ومعناه حق.
يعني: خير بشر زمانه، وأما خيرهم مطلقا، فهذا لا يقوله
مسلم.
قال عبدالرحمن بن يحيى العذري: أعلم أهل الكوفة سفيان،
وأحضرهم جوابا شريك، وذكر باقي الحكاية.
قال الفضل بن زياد: قلت لابي عبد الله في إسرائيل وشريك،
فقال: إسرائيل صاحب كتاب، ويؤدي ما سمع، وليس على شريك
قياس، كان يحدث الحديث بالتوهم.
ابن أبي خيثمة: حدثنا سليمان بن أبي شيخ: قال شريك لبعض
إخوانه: أكرهت على القضاء، قال: فأكرهت على أخذ الرزق ؟ ثم
قال سليمان: حكى لي عبد الله بن صالح بن مسلم، قال: كان
شريك على قضاء الكوفة، فخرج يتلقى الخيزران، فبلغ شاهي
(1)، وأبطأت الخيزران، فأقام ينتظرها ثلاثا، ويبس خبزه،
فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال الغنوي:
فإن كان الذي قد قلت حقا * بأن قد أكرهوك على القضاء فمالك
موضعا في كل يوم * تلقى من يحج من النساء ؟
__________
(1) موضع قرب القادسية.
قاله ياقوت.
(*)
(8/205)
مقيما في قرى شاهي ثلاثا * بلا زاد سوى كسر وماء (1) قال
سليمان: وحدثني عبدالرحمن بن شريك قال: كانت أم شريك من
خراسان، فرآها أعرابي وهي على حمار، وشريك صبي بين يديها،
فقال: إنك لتحملين جندلة من الجنادل.
وقال موسى بن عيسى لشريك: يا أبا عبد الله، عزلوك عن
القضاء، ما رأينا قاضيا عزل.
قال: هم الملوك، يعزلون ويخلعون، يعرض أن أباه خلع يعني من
ولاية العهد.
قال سليمان: قال أبو مطرف: قال لي شريك: حملت إلى أبي
جعفر، فقال لي: قد وليتك قضاء الكوفة.
فقلت: لا أحسن.
فقال:
قد بلغني ما صنعت بعيسى، والله ما أنا كعيسى.
يا ربيع، يكون عندك حتى يقبل، فخرجت مع الربيع، فقال: إنه
لا يعفيك.
فقبلت.
قال ابن أبي خيثمة: وأخبرني سليمان، قال: لقي عبد الله بن
مصعب الزبيري شريكا، فقال: بلغني أنك تنال من أبي بكر
وعمر.
فقال شريك: والله ما أنتقص الزبير، فكيف أنا من أبي بكر
وعمر ؟.
ثم قال سليمان: وأخبرني أبي، قال: قيل لابي شيبة القاضي:
قد ولي شريك قضاء الكوفة.
فقال: الحمد لله الذي لم يجعله من أصحاب حماد.
ابن المديني، عن يحيى القطان، قال: أحدث عن شريك أعجب إلي
من أن أحدث عن موسى بن عبيدة، وضعف شريكا، وقال:
__________
(1) الابيات في " تاريخ بغداد " 9 / 285، ومعجم البلدان:
شاهي 3 / 316.
وكان في الاصل " موضع " بدل " موضعا " و " مقيم " بدل "
مقيما " وهو خطأ.
(*)
(8/206)
أتيته بالكوفة، فأملى علي، فإذا هو لا يدري.
قال سليمان بن أبي شيخ: حدثني أبي، قال: لما وجه شريك إلى
قضاء الاهواز، جلس على القضاء، فجعل لا يتكلم حتى قام، ثم
هرب واختفى.
ويقال: إنه اختفى عند الوالي.
فحدثني يحيى بن سعيد الاموي، قال: كنت عند الحسن بن عمارة،
حين بلغه أن شريكا هرب، فقال: الخبيث استصغر قضاء الاهواز.
محمد بن يزيد الرفاعي: حدثني حمدان بن الاصبهاني، قال: كنت
عند شريك، فأتاه بعض ولد المهدي، فاستند، فسأله عن حديث،
فلم يلتفت إليه، وأقبل علينا، ثم أعاد، فعاد بمثل ذلك.
فقال: كأنك تستخف بأولاد الخليفة.
قال: لا، ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيعوه.
قال: فجثا على ركبتيه، ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب
العلم.
قال عباد بن العوام: قال شريك: أثر فيه بعض الضعف أحب إلي
من رأيهم.
قال علي بن سهل: سمعت عفان يقول: كان شريك يخضب بالحمرة.
قيل: إن شريكان أدخل على المهدي، فقال: لابد من ثلاث: إما
أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة.
ففكر ساعة، ثم قال: الاكلة أخف علي، فأمر المهدي الطباخ أن
يصلح ألوانا من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل.
فقال الطباخ: يا أمير المؤمنين، ليس يفلح بعدها.
قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم، وولي القضاء.
(8/207)
ولقد كتب له برزقه على الصيرفي، فضايقه في النقد، فقال:
إنك لم تبع به بزا.
فقال شريك: والله بعت أكبر من البز، بعت به ديني.
قال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي: سمعت أبا توبة الحلبي
يقول: كنا بالرملة، فقالوا: من رجل الامة ؟ فقال قوم: ابن
لهيعة.
وقال قوم: مالك، فقدم علينا عيسى بن يونس، فسألناه، فقال:
رجل الامة شريك، وكان شريك يومئذ حيا.
قال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا سلم بن قادم، حدثنا
موسى ابن داود، حدثنا عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك
من نحو خمسين
سنة، فقلنا له: إن عندنا قوما من المعتزلة، ينكرون هذه
الاحاديث: " إن أهل الجنة يرون ربهم " (1) و " إن الله
ينزل إلى السماء الدنيا "، فحدث شريك بنحو من عشرة أحاديث
في هذا، ثم قال: أما نحن، فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين،
عن الصحابة، فهم عمن أخذوا ؟ قال شريك، عن أشعث، عن محمد
بن سيرين، قال: أدركت بالكوفة أربعة آلاف شاب يطلبون
العلم.
قال أبو نعيم النخعي: سمعت شريكا يقول: ترى أصحاب الحديث
هؤلاء يطلبونه لله ؟ ! إنما يتظرفون به.
قال عمرو بن علي الفلاس: كان يحيى لا يحدث عن شريك، وكان
عبدالرحمن بن مهدي يحدث عنه.
قال معاوية بن صالح الاشعري: سألت أحمد بن حنبل عن شريك،
__________
(1) حديث الرؤية صحيح، وكذا حديث النزول، وقد مر تخريجهما
أكثر من مرة.
(*)
(8/208)
فقال: كان عاقلا، صدوقا، محدثا، وكان شديدا على أهل الريب
والبدع، قديم السماع من أبي إسحاق قبل زهير، وقبل إسرائيل.
فقلت له: إسرائيل أثبت منه ؟ قال: نعم.
قلت له: يحتج به ؟ قال: لا تسألني عن رأيي في هذا.
قلت: فإسرائيل يحتج به ؟ قال: إي لعمري.
قال: وولد شريك سنة خمس وتسعين.
قلت له: كيف كان مذهبه في علي وعثمان رضي الله عنهما ؟
قال: لا أدري.
قال حفص بن غياث، من طريق علي بن خشرم، عنه: سمعت شريكا
يقول: قبض النبي صلى الله عليه وسلم، واستخار المسلمون أبا
بكر، فلو علموا أن فيهم أحدا أفضل منه كانوا قد غشونا، ثم
استخلف أبو عمر، فقام بما قام
به من الحق والعدل، فلما حضرته الوفاة، جعل الامر شورى بين
ستة، فاجتمعوا على عثمان.
فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا.
قال علي بن خشرم: فأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث، أنه
عرض هذا على عبد الله بن إدريس، فقال ابن إدريس: أنت سمعت
هذا من حفص ؟ قلت: نعم.
قال: الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه، فوالله إنه لشيعي،
وإن شريكا لشيعي.
قلت: هذا التشيع الذي لا محذور فيه إن شاء الله إلا من
قبيل الكلام فيمن حارب عليا رضي الله عنه من الصحابة، قبيح
يؤدب فاعله.
ولا نذكر أحدا من الصحابة إلا بخير، ونترضى عنهم، ونقول:
هم طائفة من المؤمنين بغت على الامام علي، وذلك بنص قول
المصطفى صلوات الله عليه لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "
(1).
فنسأل الله أن يرضى عن الجميع،
__________
(1) أخرجه مسلم (2916) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى
يمر الرجل بقبر الرجل = (*)
(8/209)
وألا يجعلنا ممن في قلبه غل للمؤمنين.
ولا نرتاب أن عليا أفضل ممن حاربه، وأنه أولى بالحق رضي
الله عنه.
العقيلي: حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا الحسن، سمعت أبا نعيم
يقول: شهد ابن إدريس شهادة عند شريك، أو تقدم إليه في شئ،
فأمر به شريك، فأقيم، ودفع في قفاه، أو وجئ في قفاه.
وقال شريك: من أهل بيت حمق ما علمت.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: قد كتبت عن يحيى بن
سعيد، عن شريك عن ير وجه الحديث يعني في المذاكرة.
قال عبد الله: سمعت أبي يقول: كان شريك لا يبالي كيف حدث.
حسن بن صالح أثبت منه في الحديث.
قال خليفة بن خياط: شريك بن عبد الله بن أبي شريك، وهو [
الحارث بن ] أوس بن الحارث بن الاذهل بن وهبيل بن سعد بن
مالك بن النخع (1)، يكنى أبا عبد الله.
مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومئة.
__________
= فيتمنى أن يكون الرجل مكان الميت من البلاء، وهو حديث
متواتر، رواه جماعة من الصحابة منهم: أبو سعيد الخدري وهو
في " الصحيح "، وقتادة بن النعمان عند النسائي، وأبو هريرة
عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي،
وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن
ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص.
قال الحافظ في " فتح الباري " 1 / 452: وكلها عند الطبراني
وغيره، وغالب طرقها صحيحة وحسنة.
وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم.
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لعلي
وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في
حروبه.
ونقل المناوي في " فيض القدير " 6 / 366 عن كتاب الامامة
للامام عبدالقاهر الجرجاني قوله: أجمع فقهاء الحجاز
والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم: مالك، والشافعي،
وأبو حنيفة، والاوزاعي، والجمهور الاعظم من المتكلمين
والمسلمين، أن عليا مصيب في قتاله لاهل صفين، كما هو مصيب
في أهل الجمل، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له.
(1) طبقات خليفة ت (1295)، وابن سعد 6 / 378، ووفيات
الاعيان 2 / 464، والزيادة منها.
(إ *)
(8/210)
وقال أبو نعيم الفضل وغيره: مات سنة سبع وسبعين ومئة.
قلت: مات بالكوفة في أول شهر ذي القعدة سنة سبع.
عاش اثنتين وثمانين سنة.
قرأت على عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا:
أخبرنا
موسى بن عبد القادر سنة ثمان عشرة وست مئة، أخبرنا أبو
القاسم سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري،
أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا
سويد بن سعيد الحدثاني، حدثنا شريك، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت عند النبي صلى
الله عليه وسلم دباء، فقلت: ما هذا ؟ قال: " هذا الدباء
نكثر به طعامنا " (1).
هذا حديث صالح الاسناد.
وبه أخبرنا المخلص أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا
محمد بن سليمان بن حبيب لوين، قال: حدثنا شريك، عن أبي
إسحاق، عن البراء، في قوله عزوجل: (وذللت قطوفها تذليلا) [
الانسان: 14 ] قال: أهل الجنة يأكلون منها قياما، وقعودا،
ومضطجعين، وعلى أي حال شاؤوا (2).
__________
(1) وقد تابع شريكا عليه وكيع عند ابن ماجه (3304) فأخرجه
من طريقه عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن
أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته،
وعنده هذا الدباء، فقلت: أي شئ هذا ؟ قال: " هذا القرع، هو
الدباء نكثر به طعامنا ".
قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة 204: وهذا إسناد
صحيح، وجابر هو ابن طارق، ويقال: ابن أبي طارق، ويقال: ابن
عوف الاحمسي، ورواه الترمذي في " الشمائل " ص 84، والنسائي
في الوليمة، جميعا عن قتيبة، عن حفص بن غياث، عن إسماعيل
بن أبي خالد به.
(2) رجاله ثقات غير شريك، لكن رواه الحاكم في " المستدرك "
2 / 511 من طريق آخر وصححه، وأقره الذهبي، وأورده السيوطي
في " الدر المنثور " 6 / 300، وزاد نسبته إلى الفريابي،
وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وعباد بن
حميد، وعبد الله بن = (*)
(8/211)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد
السلام،
أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن
النقور، حدثنا عيسى ابن علي إملاء، حدثنا أبو القاسم عبد
الله بن محمد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا شريك، عن أبي
إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " علي مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا
أنا أو هو ".
هذا حديث حسن غريب رواه ابن ماجه في " سننه " (1) عن سويد،
فوافقناه بعلو.
أخبرنا الشيخ تاج الدين محمد بن عبد السلام، مدرس الشامية
(2)، وزينب بنت كندي (3) سماعا عن زينب بنت عبدالرحمن بن
حسن الشعرية،
__________
= أحمد في " زوائد الزهد " وابن المنذر، وابن أبي حاتم،
وابن مردويه، والبيهقي في " البعث ".
(1) (119) في المقدمة، والترمذي (3719)، وأحمد 4 / 165 من
حديث شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، وأخرجه أحمد 4
/ 164 من طريق يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا: حدثنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبيش بن جنادة وكان شهد يوم حجة
الوداع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي مني
وأنا منه، لا يودي عني إلا أنا أو علي " وهذا إسناده صحيح،
رجاله رجال الشيخين.
(2) هي المدرسة الشامية الجوانية، وتقع قبلي المارستان
النوري، ولم يبق الآن من رسمها سوى بابها، وكانت دارا ليست
الشام الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب، فجعلتها بعدها
مدرسة للفقهاء الشافعية، وأوقفت عليها أوقافا كثيرة.
وتاج الدين هذا ترجمه المؤلف في " مشيخته " الورقة: 139،
فقال: هو محمد بن عبد السلام بن المطهر بن العلامة قاضي
القضاة أبي سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي
عصرون، الامام المدرس الجليل المعمر المسند تاج الدين أبو
عبد الله بنأبي الفضل التميمي الحلبي ثم الدمشقي الشافعي
مدرس الشامية الصغرى، سمع أباه وابن روزنة مكرم بن محمد،
وكان خيرا متواضعا لطيفا، فيه عامية، إلا أنه يورد درسه
بحروفه إيرادا حسنا، سمعت منه عدة أجزاء، مولده في حلب
بالمحرم سنة عشر وست
مئة، ومات في ربيع الاول سنة خمس وتسعين وست مئة.
(3) ترجمها المؤلف في " مشيخته " الورقة: 50، فقال: زينب
بنت عمر بن كندي بن سعد بن علي أم محمد الدمشقية الكندية،
نزيلة بعلبك، شيخة صالحة جليلة كثيرة المعروف، حجت وبنت
رباطا، ووقفت على البر، روت الكثير بإجازة المؤيد الطوسي،
وأبي روح، وزينب بنت الشعري.
توفيت في أواخر شهر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وست مئة.
(*)
(8/212)
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم القارئ، سنة إحدى وثلاثين
وخمس مئة، أخبرنا أبو الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي،
أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد، أخبرنا داود بن الحسين، حدثنا
يحيى بن يحيى، قال: قرأت على شريك، عن محمد بن قيس، عن رجل
يكنى أبا موسى، قال: رأيت عليا رضي الله عنه سجد سجدة
الشكر حين وجد المخدج.
وقال: والله ما كذبت، ولا كذبت (1).
قال أبو داود: شريك ثقة، يخطئ على الاعمش.
وقال صالح جزرة: قل ما يحتاج إلى شريك في الاحاديث التي
يحتج بها، ولما ولي القضاء، اضطرب حفظه.
قال يعقوب بن شيبة: دعا المنصور شريكا، فقال: إني أريد أن
أوليك القضاء، فقال: أعفني يا أمير المؤمنين.
قال: لست أعفيك.
قال: فانصرف يومي هذا، وأعود، فيرى أمير المؤمنين رأيه.
قال: تريد أن تتغيب ؟ ولئن فعلت لاقدمن على خمسين من قومك
بما تكره، فولاه القضاء.
فبقي إلى أيام المهدي، فأقره المهدي، ثم عزله، قال: وكان
شريك ثقة مأمونا، كثير الحديث، أنكر عليه الغلط والخطأ.
__________
(1) وأخرجه أحمد في " المسند " 848 و 1254) من طريق
إسرائيل، عن إبراهيم
ابن عبدالاعلى، عن طارق بن زياد.
وهو في " المصنف " (5962)، و " سنن البيهقي " 2 / 371 من
طريق الثوري، عن محمد بن قيس، عن أبي موسى مالك بن الحارث
قال: كنت مع علي..والمخدج: ناقص الخلق.
وانظر خبر المخدج في " صحيح مسلم " (1066) (156) في
الزكاة: باب التحريض على قتل الخوارج، وفيه: فقال علي رضي
الله عنه: التمسوا فيهم المخدج: فالتمسوه فلم يجدوه، فقام
علي رضي الله عنه بنفسه، حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على
بعض، قال: أخرجوهم، فوجدوه مما يلي الارض فكبر، ثم قال:
صدق الله وبلغ رسوله، فقال: فقام إليه عبيدة السلماني،
فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو لسمعت
هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: إي
والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثا، وهو يحلف له
(*).
(8/213)
قال عيسى بن يونس: من يفلت من الخطأ ؟ ربما رأيت شريكا
يخطئ، ويصحف حتى أستحيي.
يعقوب السدوسي: حدثنا سليمان بن منصور، حدثنا إسماعيل بن
حماد بن أبي حنيفة، قال: قلت لمحمد بن الحسن: أما ترى كثرة
قول الناس في شريك ؟ يعني في حمده مع كثرة خطئه وخطله.
قال: اسكت ويحك، أهل الكوفة كلهم معه، يتعصب للعرب، فهم
معه، ويتشيع لهؤلاء الموالي الحمقى فهم معه.
قال عيسى بن يونس: ما رأيت في أصحابنا أشد تقشفا من شريك،
ربما رأيته يأخذ شاته، يذهب بها إلى الناس، وربما حزرت
ثوبيه قبل القضاء بعشرة دراهم، وربما دخلت بيته، فإذا ليس
فيه إلا شاة يحلبها، ومطهرة، وبارية (1)، وجرة، فربما بل
الخبز في المطهرة فيلقي إلي كتبه، فيقول: اكتب حديث جدك،
ومن أردت.
قال يعقوب السدوسي: وحدثني الهيثم بن خالد، قال: حدث شريك
يوما بحديث: " وضعت في كفة " فقال رجل لشريك: فأين كان علي
عليه السلام ؟ قال: مع الناس في الكفة الاخرى.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: سمعت بعض الكوفيين يقول: قال
شريك: قدم علينا سالم الافطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مئة
حديث.
فسألته، فحدثني بها، وسفيان يسمع، فلما فرغ قال لي سفيان:
أرني قرطاسك، فأعطيته، فخرقه، قال: فرجعت إلى منزلي
فاستلقيت على قفاي، فحفظت منها سبعة وتسعين حديثا، وحفظها
سفيان كلها.
__________
(1) البارية: الحصير، فارسي معرب.
(*)
(8/214)
قال الحافظ ابن عدي: حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد، بمصر،
حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، حدثنا نصر بن المجدر قال:
كنت شاهدا حين أدخل شريك، ومعه أبو أمية، وكان أبو أمية
رفع إلى المهدي أن شريكا حدثه عن الاعمش، عن سالم بن أبي
الجعد، عن ثوبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا زاغوا عن الحق فضعوا
سيوفكم على عواتقكم، ثم أبيدوا خضراءهم " (1).
قال المهدي: أنت حدثت بهذا ؟ قال: لا.
: فقال أبو أمية: علي المشي إلى بيت الله، وكل مالي صدقة،
إن لم يكن حدثني.
فقال شريك: وعلي مثل الذي عليه إن كنت حدثته.
فكأن المهدي رضي.
فقال أبو أمية: يا أمير المؤمنين، عندك أهدى العرب، إنما
يعني مثل الذي علي من الثياب.
قل له يحلف كما حلفت.
فقال: احلف.
فقال شريك: قد حدثته.
فقال المهدي: ويلي على شارب الخمر يعني الاعمش، وذلك
أنه كان يشرب المنصف (2) لو علمت موضع قبره لاحرقته.
__________
(1) شريك سيئ الحفظ، وسالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان،
وأخرجه أحمد 5 / 277 من طريق وكيع، عن الاعمش، عن سالم، عن
ثوبان مختصرا، وأخرجه الطبراني في " الصغير " ص: 74 من
طريق شعبة، عن الاعمش، عن سالم.
وفي الباب عن النعمان بن بشير، ذكره الهيثمي في " مجمع
الزوائد " 5 / 228 وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه.
ومعنى الحديث: أطيعوهم ما داموا مستقيمين على الدين وثبتوا
على الاسلام.
خضراؤهم: سوادهم، ودهماؤهم.
(2) المنصف من الشراب: العصير الذي يطبخ حتى يذهب نصفه.
وعلق البخاري في صحيحه 10 / 56 في الاشربة: وشرب البراء
وأبو جحيفة على النصف.
وقال الحافظ ابن حجر: أما أثر البراء فأخرجه ابن أبي شيبة
من رواية عدي بن ثابت عنه، أنه كان يشرب الطلاء على النصف،
أي: إذا طبخ فصار على النصف، وأما أثر أبي جحيفة فأخرجه
ابن أبي شيبة أيضا من طريق حصين بن عبدالرحمن قال: رأيت
أبا جحيفة..فذكر مثله.
ووافق البراء وأبا جحيفة: جرير وأنس، ومن التابعين ابن
الحنفية وشريح، وأطبق الجميع على أنه إن كان يسكر حرم.
(*)
(8/215)
قال شريك: لم يكن يهوديا، كان رجلا صالحا، قال: بل زنديق.
قال: للزنديق علامات: بتركه الجمعات، وجلوسه مع القيان،
وشربه الخمر.
فقال: والله لاقتلنك.
قال: ابتلاك الله بمهجتي.
قال: أخرجوه، فأخرج، وجعل الحرس يشققون ثيابه، وخرقوا
قلنسوته.
قال نصر: فقلت لهم: أبو عبد الله.
فقال المهدي: دعهم.
أحمد بن عثمان بن حكيم: أخبرنا أبي، قال: كان شريك لا يجلس
للحكم حتى يتغدى ويشرب أربعة أرطال نبيذ، ثم يصلي ركعتين،
ثم يخرج رقعة فينظر فيها، ثم يدعو بالخصوم.
فقيل لابنه عن الرقعة،
فأخرجها إلينا، فإذا فيها: يا شريك، اذكر الصراط وحدته، يا
شريك، اذكر الموقف بين يدي الله تعالى.
روى محمد بن يحيى القطان، عن أبيه، قال: رأيت تخليطا في
أصول شريك.
وقال أبو يعلى: سمعت ابن معين يقول: شريك ثقة إلا أنه يغلط
ولا يتقن، ويذهب بنفسه على سفيان، وشعبة.
وقال الدارقطني: ليس شريك بقوي فيما ينفرد به.
38 - غسان * (ق) ابن برزين
أبو المقدام الطهوي، البصري.
وثقه ابن معين وغيره.
____________________
* تهذيب الكمال: 1090، تذهيب التهذيب: 3 / 133 / 2، ميزان
الاعتدال: 3 / 333، تهذيب التهذيب: 8 / 246، خلاصة تذهيب
الكمال: 307.
(*)
(8/216)
يروي عن: ثابت البناني، وسيار بن سلامة، وجماعة.
روى عنه: حجاج بن منهال، وعفان، ومسلم، وعبد الواحد بن
غياث، ومسدد، وآخرون.
39 - أبو عوانة * (ع)
هو الامام الحافظ، الثبت، محدث البصرة، الوضاح بن عبد
الله، مولى يزيد بن عطاء اليشكري، الواسطي، البزاز.
كان الوضاح من سبي جرجان.
مولده: سنة نيف وتسعين.
رأى الحسن، ومحمد بن سيرين.
وروى عن: الحكم بن عتيبة، وزياد بن علاقة، وقتادة، وسماك
بن
حرب، والاسود بن قيس، وإسماعيل السدي، وعمرو بن دينار،
وعاصم ابن كليب، وأبي الزبير، وحصين بن عبدالرحمن، ويعلى
بن عطاء، ومنصور بن المعتمر، وعمر بن أبي سلمة، وأبي
إسحاق، ومغيرة بن مقسم، ومنصور بن زاذان العابد، وأبي بشر
جعفر بن إياس، وعمر بن أبي سلمة بن عبدالرحمن، وأبي مالك
الاشجعي، وإبراهيم بن مهاجر، وسعيد ابن مسروق الثوري،
ويزيد بن أبي زياد، وعاصم الاحول، وعبد الملك بن عمير،
وسعد بن إبراهيم الزهري، وداود الاودي، وعدة.
وكان من أركان الحديث.
__________
* التاريخ لابن معين: 429، التاريخ الكبير: 8 / 181،
التاريخ الصغير: 2 / 210 - 212، المعرفة والتاريخ للفسوي:
1 / 168، الجرح والتعديل: 9 / 40، تاريخ بغداد: 13 / 465،
تاريخ ابن الاثير: 6 / 134، تهذيب الكمال: 146، تذكرة
الحفاظ: 1 / 236، تذهيب التهذيب 4 / 130 / 1، ميزان
الاعتدال: 4 / 334، العبر: 1 / 69، 271، تهذيب التهذيب: 11
/ 118، خلاصة تذهيب الكمال: 42.
(*)
(8/217)
روى عنه: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، مع تقدمه، وابن
المبارك، وابن مهدي، وحبان بن هلال، وعفان بن مسلم، وخلف
بن هشام، وسعيد بن منصور، ومحمد بن أبي بكر المقدم، وشيبان
بن فروخ، وقتيبة بن سعيد، وأبو الوليد الطيالسي، ويحيى بن
يحيى، ويحيى بن عبدالحميد، وعمرو بن عون، ومحمد بن المنهال
الضرير، وأحمد بن عبدالملك الحراني، وخلق كثير.
وأكثر عنه ختنه يحيى بن حماد، وأبو كامل الجحدري، وأبو
الربيع الزهراني، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومسدد، ولوين،
والهيثم بن
سهل خاتمتهم.
قال عفان: أبو عوانة أصح حديثا عندنا من شعبة.
وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح الكتاب، وإذا حدث من حفظه،
ربما يهم.
وقال عفان بن مسلم: كان أبو عوانة صحيح الكتاب ثبتا، كثير
العجم، والنقط.
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما أشبه حديثه بحديث سفيان،
وشعبة.
وقال عفان: سمعت شعبة يقول: إن حدثكم أبو عوانة عن أبي
هريرة فصدقوه.
قال الحافظ ابن عدي: كان مولاه يزيد قد خيره بين الحرية،
وكتابة الحديث، فاختار كتابة الحديث.
وفوض إليه مولاه التجارة، فجاءه سائل، فقال: أعطني درهمين،
فإني أنفعك، فأعطاه، فدار السائل على رؤساء
(8/218)
البصرة، وقال: بكروا على يزيد بن عطاء، فإنه قد أعتق أبا
عوانة.
قال: فاجتمعوا إلى يزيد، وهنؤوه، فأنف من أن ينكر ذلك،
فأعتقه حقيقة.
وروى أبو عمر الضرير، عن أبي عوانة، قال: دخلت على همام بن
يحيى وهو مريض، أعوده، فقال لي: يا أبا عوانة، ادع الله أن
لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار.
فقلت: إن الاجل قد فرغ منه (1)، فقال لي: أنت بعد في
ضلالك.
قلت: بئس المقال هذا، بل كل شئ بقدر سابق، ولكن وإن كان
الاجل قد فرغ منه، فإن الدعاء بطول البقاء قد صح.
دعا الرسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه
أنس بطول العمر (2)، والله يمحو ما يشاء ويثبت.
فقد يكون طول العمر في
__________
(1) هذا خطأ بلا ريب، فإن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن
أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردا عن سببه، ولكن قدر سببه،
فمتى أتى الانسان بالسبب، وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب
انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالاكل والشرب،
وقدر الولد بالوطئ، وقدر حصول الزرع بالبذر، وخروج نفس
الحيوان بذبحه..والدعاء من أقوى الاسباب، فإذا قدر وقوع
المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: إن الاجل قد فرغ منه
فلا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الاكل
والشرب وجميع الحركات والاعمال، وليس شئ من الاسباب أنفع
من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب.
(2) أخرج البخاري 11 / 155 في الدعوات: باب الدعاء بكثرة
الولد مع البركة، من طريق شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنسا
رضي الله عنه قال: قالت أم سليم: أنس خادمك ادع الله له،
قال: " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته "،
وأخرجه مسلم (660) باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة
على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات، و (2480) باب من
فضائل أنس، والترمذي (3827) و (3828) في المناقب.
وجاء عند مسلم في آخر الحديث: قال أنس: فوالله إن مالي
لكثير، وإن ولدي ليتعادون على نحو المئة اليوم.
وأخرج البخاري في " الادب المفرد " (653) من طريق عارم،
حدثنا سعيد بن زيد، عن سنان، قال: حدثنا أنس كان النبي صلى
الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما فدعا لنا
فقالت أم سليم: خويدمك ألا تدعو له ؟ قال: " اللهم أكثر
ماله وولده وأطل حياته واغفر له " فدعا له بثلاث، فدفنت
مئة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي
حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة.
ورجاله ثقات غير سنان بن ربيعة، فقد قال ابن عدي: له
أحاديث قليلة وأرجو أنه لا بأس = (*)
(8/219)
علم الله مشروطا بدعاء مجاب، كما أن طيران العمر قد يكون
بأسباب جعلها من جور وعسف، و " لا يرد القضاء إلا الدعاء "
(1) والكتاب الاول، فلا
يتغير.
قال محمد بن غالب تمتام: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو
عوانة يقرأ، ولا يكتب.
وروى عباس الدوري، عن يحيى قال: كان أبو عوانة أميا يستعين
بمن يكتب له.
قال حجاج الاعور: قال لي شعبة: الزم أبا عوانة.
وقال جعفر بن أبي عثمان: سئل يحيى بن معين: من لاهل البصرة
مثل زائدة ؟ يعني في الكوفة.
فقال: أبو عوانة.
قال: وزهير كوهيب.
قال عبدالرحمن بن مهدي: أبو عوانة، وهشام الدستوائي كسعيد
بن
__________
= به، وروى له البخاري مقرونا بغيره في الصحيح، فالاسناد
محتمل للتحسين، لا سيما وأن المؤلف روى في ترجمة أنس من
السير 3 / 267 حديثا من طريق آخر بمعنى هذا الحديث، ونصه:
حسين بن واقد، عن ثابت، عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته
" فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين،
وولد لصلبي مئة وستة.
(1) أخرجه أحمد 5 / 277، 280 و 282، وابن ماجه (4022)،
والطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 169، وابن حبان (1090)،
والحاكم 1 / 493، من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزيد في العمر إلا
البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق
بالذنب يصيبه " وفي سنده جهالة أو انقطاع، لكن يشهد لقوله
" لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر "
حديث سلمان عند الترمذي (2140)، والطحاوي في " مشكل الآثار
" 4 / 169، وفي سنده أبو مودود فضة وفيه لين، فالحديث حسن
بهذا الشاهد.
قال الطحاوي رحمه الله: يحتمل أن يكون الله تعالى إذا أراد
أن يخلق نسمة جعل أجلها إن برت كذا وكذا، وإن لم تبر كذا
وكذا لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد منها كذ، وإن
لم يكن
منها الدعاء نزل بها كذا، ويكون ذلك في الصحيفة التي لا
يزاد على ما فيها ولا ينقص منها.
(*)
(8/220)
أبي عروبة، وهمام.
وقال يحيى القطان: أبو عوانة من كتابه أحب إلي من شعبة من
حفظه.
وروى حنبل، عن ابن المديني، قال: كان أبو عوانة في قتادة
ضعيفا، ذهب كتابه، وكان يتحفظ من سعيد، وقد أغرب فيها
أحاديث.
قال يعقوب السدوسي: الحافظ أبو عوانة هو أثبتهم في مغيرة،
وهو في قتادة ليس بذاك.
وقال عبيدالله بن موسى العبسي: قال شعبة لابي عوانة: كتابك
صالح، وحفظك لا يسوى شيئا، مع من طلب الحديث ؟ قال: مع
منذر الصيرفي.
قال: منذر صنع بك هذا.
قلت: استقر الحال على أن أبا عوانة ثقة.
وما قلنا: إنه كحماد بن زيد، بل هو أحب إليهم من إسرائيل،
وحماد بن سلمة، وهو أوثق من فليح ابن سليمان، وله أوهام
تجانب إخراجها الشيخان.
مات في ربيع الاول سنة ست وسبعين ومئة بالبصرة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا
محمد ابن عمر، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي،
قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل
الزهري، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو
عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل
الاترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب.." (1) وذكر الحديث.
وقد سقته في أخبار قتادة.
__________
(1) إسناده صحيح، وتمامه: " ومثل المؤمن الذي لا يقرأ
القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا = (*)
(8/221)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، بنابلس، ويوسف بن أحمد بن
غالية بدمشق، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا
سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو طاهر
المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا العباس بن الوليد
النرسي، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا
تزالون تسألون حتى يقال لكم: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله
؟ ".
قال أبو هريرة: إني لجالس يوما، إذ قال لي رجل: هذا الله
خلقنا، فمن خلق الله ؟ فجعلت أصبعي في أذني، ثم صرخت: صدق
الله ورسوله: الله الواحد الاحد، الصمد، لم يلد، ولم يولد،
ولم يكن له كفوا أحد (1).
هذا حديث حسن غريب.
__________
= ريح فيها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة
ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن
كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها ".
وهو في البخاري 9 / 58، 59 في فضائل القرآن: باب فضل
القرآن على سائر الكلام، ومسلم (797) في صلاة المسافرين:
باب فضيلة حافظ القرآن، وأخرجه أحمد وأصحاب السنن الاربعة.
(1) إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (4722) من طريق محمد بن
إسحاق قال: حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم، عن أبي سلمة
بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "
لا يزال الناس يتساءلون..فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد.
الله الصمد.
لم يلد ولم يولد.
ولم يكن له كفوا أحد.
ثم ليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان ".
وسنده قوي.
وأخرج البخاري 13 / 230 في الاعتصام من حديث أنس بن مالك
قال: قال رسول الله: " لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا:
هذا الله خالق كل شئ، فمن خلق الله ".
وأخرجه البخاري أيضا 6 / 240 في بدء الخلق، ومسلم (134) في
الايمان: باب بيان
الوسوسة، وأبو داود (4721) عن طريق عروة، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس
يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله، فمن
وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله "، ولمسلم (135) و
(215) من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزالون يسألونك يا أبا
هريرة حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله " قال فبينا أنا
في المسجد، إذ جاءني ناس من الاعراب، فقالوا: يا أبا
هريرة، هذا الله، فمن خلق الله، قال: فأخذ حصى بكفه
فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا، صدق خليلي.
قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك
فاستعاذ الشخص بالله منه، وكف عن مطاولته في ذلك اندفع،
وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر لذلك، فإنه يمكن قطعه
بالحجة والبرهان، = (*)
(8/222)
40 - وهيب * (ع) ابن خالد بن عجلان،
الحافظ الكبير المجود، أبو بكر البصري، الكرابيسي، الباهلي
مولاهم.
هو صغير عن هذه الطبقة، وإنما أدرجناه معهم، لانه قديم
الوفاة.
مات قبل حماد بن سلمة.
حدث عن: منصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، وأبي حازم،
وحميد الطويل، وعبد العزيز بن صهيب، ومنصور بن صفية، وموسى
بن عقبة، وسهيل بن أبي صالح، وخثيم بن عراك، وعبد الله بن
طاووس، وهشام بن عروة، وسليمان التيمي، ويونس بن عبيد،
وخالد الحذاء، وخلق من طبقتهم.
حدث عنه: ابن المبارك، وإسماعيل ابن علية، وابن مهدي،
وعفان ابن مسلم، وسليمان بن حرب، وعبد الاعلى بن حماد،
ومعلى بن أسد، وأبو الوليد، وعبد الواحد بن غياث، وإبراهيم
بن الحجاج، وعبيدالله
العيشي، وأبو سلمة التبوذكي، وعارم، ومسلم بن إبراهيم،
وهدبة بن خالد، وطائفة ز
__________
= والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال،
والجواب، والحال معه محصور، فإذا راعى الطريق وأصاب الحجة
انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته، انتهاء بل كلما ألزم
حجة زاغ إلى غيرها، إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة نعوذ
بالله من ذلك، على أن قوله: من خلق الله ؟ كلام متهافت
ينقض آخره أوله، لان الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا.
* الطبقات الكبرى: 7 / 43، التاريخ الكبير: 8 / 127،
التاريخ الصغير: 2 / 162، 163، الجرح والتعديل: 9 / 34،
مشاهير علماء الامصار: 160، تهذيب الكمال: 1482، تذهيب
التهذيب: 4 / 144 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 235، العبر: 1 /
246، تهذيب التهذيب: 11 / 169.
(*)
(8/223)
قال عبدالرحمن بن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث
والرجال.
وقال أبو حاتم الرازي: يقال: إنه لم يكن بعد شعبة أحد أعلم
بالرجال منه.
قال محمد بن سعد: سجن وهيب، فذهب بصره.
قال: وكان ثقة، حجة، يملي من حفظه، وكان أحفظ من أبي
عوانة.
روى البخاري عن أحمد بن أبي رجاء الهروي، أن وهيبا توفي
سنة خمس وستين ومئة.
وقال أحمد بن حنبل: عاش ثمانيا وخمسين سنة.
قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، قلت لحماد
بن سلمة: إن وهيب بن خالد يزعم أن علي بن زيد كان لا يحفظ
الحديث، فقال: وكان وهيب يقدر أن يجالس عليا ؟ إنما كان
يجالس عليا وجوه
الناس.
قلت: ما هذا جوابا، وصدق وهيب.
قال يحيى القطان: يزيد بن زريع، وابن علية أثبت من وهيب.
وقال أحمد بن حنبل: كان عبدالرحمن يختار وهيبا على إسماعيل
في كل شئ.
قال أبو العباس السراج، أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: كانوا
يقولون: الحفاظ أربعة: ابن علية، وعبد الوارث، ووهيب،
ويزيد بن رريع.
وكانوا يؤدون اللفظ.
لم يقع لي حديث وهيب عاليا إلا بإجازة.
(8/224)
أخبرنا أحمد بن هبة الله، وزينب بنت كندي قالا: أنبأنا
عبدالمعز بن محمد الساعدي، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا
أبو سعد الكنجروذي، سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة، أخبرنا
أبو عمرو محمد بن أبي جعفر، أخبرنا أبو يعلى الموصلي،
أخبرنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب، عن إسماعيل ابن
أمية، ويحيى بن سعيد، وعبيدالله بن عمر، عن محمد بن يحيى
بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، قال: " رقيت
فوق بيت حفصة فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم جالس على
مقعدته، مستقبل القبلة، مستدبر الشام " (1).
وأخبرنا ابن هبة الله، عن أبي روح، أخبرنا تميم بن أبي
سعيد، أخبرنا الكنجروذي بهذا.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبدالمعز بن محمد، أخبرنا
زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو يعلى إسحاق بن عبدالرحمن
الصابوني، أخبرنا أبو سعيد
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، أخبرنا محمد بن
أيوب البجلي الرازي، حدثنا عبدالاعلى بن حماد، حدثنا وهيب،
حدثنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ذات يوم لاصحابه: " أنبئوني بشجرة تشبه
المسلم لا يتحات ورقها، تؤتي أكلها كل حين بإذن
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 193، 194،
والبخاري 1 / 216، ومسلم (266)، والشافعي في " الرسالة "
رقم الفقرة: (812) من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى
بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر.
وإلى هذا الحديث ذهب جماعة من أهل العلم فقالوا: يباح في
الا بينة استقبال القبلة واستدبارها حال الاستنجاء، وهو
قول عبد الله بن عمر، وبه قال الشعبي ومالك والشافعي
وإسحاق ابن راهويه، وحملوا حديث أبي أيوب المتفق عليه: "
نهى صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة لغائط أو بول "
على الصحراء، وعمم النهي بين الصحراء والبنيان أبو أيوب
الانصاري، وهو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي
حنيفة.
(*)
(8/225)
ربها ".
قال: فوقع في قلبي أنها النخلة.
فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هي النخلة ".
فقلت لابي، فقال: لو كان قلت أحب إلي من كذا وكذا، فقلت:
كنت في القوم وأبو بكر فلم تقولا شيئا، فكرهت أن أقول (1).
41 - أبو شهاب * (خ، م، د، س)
الحناط المحدث، اسمه: عبد ربه بن نافع الكوفي، ثم
المدائني.
روى عن: العلاء بن المسيب، والاعمش، وسليمان بن شيباني،
ويونس بن عبيد، ومحمد بن سوقة، وابن أبي ليلى، وعاصم
الاحول، وخالد الحذاء، وابن أبي خالد، وعدة.
حدث عنه: سعيد بن منصور، وسعدويه (2)، وأحمد بن يونس،
وخلف بن هشام، ومحمد بن جعفر الوركاني، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين.
وقال يحيى القطان: لم يكن بالحافظ.
قال غيره: كان صادقا ذا ورع وفضل.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 133، 134 في العلم:
باب قول المحدث: حدثنا وأخبرنا، و 151 باب الفهم في العلم،
و 202 باب الحياء في العلم، ومسلم (2811) في صفات
المنافقين: باب مثل المؤمن مثل النخلة من طرق عن ابن عمر.
وجاء في الاصل تحت قوله فكرهت أن أقول ما نصه: " عبدالرحمن
بن أبي الزناد مرتب هنا " وترجمة عبدالرحمن تقدمت في
الصفحة 168.
* الطبقات الكبرى: 6 / 391، المعرفة والتاريخ للفسوي، 2 /
170، تهذيب الكمال: 772، العبر: 1 / 260، تذهيب التهذيب 2
/ 202، تاريخ بغداد: 11 / 128، تهذيب التهذيب: 6 / 128،
خلاصة تذهيب الكمال: 223.
(2) هو سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي الضبي،
الثقة الحافظ، وسعدويه لقبه.
(*)
(8/226)
مات بالموصل، وقيل: ببلد (1) سنة اثنتين وسبعين ومئة، وقيل
مات في سنة إحدى.
وهو أبو شهاب الاصغر.
أما أبو شهاب الحناط الاكبر، فهو موسى بن نافع، يروي عن
مجاهد، وعن سعيد بن جبير، وعطاء.
وعنه: يحيى القطان، وأبو نعيم، وأبو الوليد.
وثقه ابن معين أيضا، وغيره.
وقال أحمد: منكر الحديث.
وقال القطان: أفسدوه علينا.
42 - عبثر بن القاسم *
(ع) الامام الثقة، أبو زبيد الزبيدي الكوفي.
[ روى ] عن حصين بن عبدالرحمن، ومغيرة، والعلاء بن المسيب،
ومطرف بن طريف، وأشعث بن سوار، والاعمش.
وعنه: خلف البزار، وقتيبة، وهناد، وأحمد بن إبراهيم
الموصلي، وجمع، آخرهم موتا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن
عبد الله بن يونس.
__________
(1) بلد: مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل، وفي " تهذيب
الكمال ": " أو ببلد، وهي بقرب الموصل ".
* طبقات الكبرى: 6 / 382، التاريخ الكبير: 4 / 361 و 7 /
94، التاريخ الصغير: 2 / 216، المعرفة والتاريخ للفسوي: 3
/ 122، 145، تاريخ بغداد: 12 / 310، طبقات الصوفية للسلمي:
171، تهذيب الكمال: 662، تذكرة الحفاظ: 1 / 259، العبر: 1
/ 271، تذهيب التهذيب 2 / 128 / 2، تهذيب التهذيب: 5 /
136، خلاصة تذهيب الكمال: 304.
(*)
(8/227)
قال أبو داود: ثقة، ثقة.
قلت: توفي سنة ثمان وسبعين ومئة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح الهروي، أخبرنا
محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل، أخبرنا الخليل
بن أحمد، أخبرنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا عبثر
بن القاسم، عن أشعث، عن محمد، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام
شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين " (1).
رواه الترمذي عن قتيبة، وابن ماجه، عن الذهلي، عن قتيبة.
قال الترمذي: الصحيح
موقوف، ومحمد: هو ابن أبي ليلى، ويقال: ابن سيرين، وأشعث:
هو ابن سوار.
43 - إسماعيل بن جعفر *
(ع) ابن أبي كثير، الامام، الحافظ، الثقة، أبو إسحاق
الانصاري، مولاهم المدني.
ولد سنة بضع ومئة.
وسمع من: عبد الله بن دينار، وأبي طوالة عبد الله بن
عبدالرحمن، والعلاء بن عبدالرحمن الحرقي، وحميد الطويل،
وعمرو بن أبي عمرو،
__________
(1) أخرجه الترمذي (718) في الصوم: باب ما جاء من الكفارة،
وابن ماجه (1757) في الصوم: باب من مات وعليه صيام رمضان
قد فرط فيه، وإسناده ضعيف لضعف أشعث، ومحمد ابن أبي يعلى،
وقد أخطأ ابن ماجه في تسميته محمد بن سيرين.
* الجرح والتعديل: 2 / 162 - 163، تاريخ بغداد: 6 / 218،
البداية والنهاية: 10 / 275، تهذيب الكمال: 99، تذهيب
التهذيب: 1 / 62 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 250، العبر: 1 /
275، 377، 415، طبقات للجزري: 1 / 163، تهذيب التهذيب: 1 /
287، خلاصة تذهيب الكمال: 33.
(*)
(8/228)
وربيعة بن أبي عبدالرحمن، وهشام بن عروة، وطبقتهم.
وقرأ القرآن على شيبة بن نصاح، ثم عرض على نافع الامام،
وسليمان بن مسلم بن جماز، وبرع في الاداء، وتصدر للحديث،
والاقراء، ومنهم من يكنيه أبا إبراهيم، وكان مقرئ المدينة
في زمانه.
وقيل: إنه أخذ عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع سماعا، ثم إنه
تحول في آخر عمره إلى بغداد، ونشر بها علمه.
فأخذ عنه القراءة الامام أبو الحسن الكسائي، وأبو عبيد،
وسليمان بن
داود الهاشمي، وأبو عمر الدوري، وآخرون.
وروى عنه: قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، ومحمد بن سلام
البيكندي، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وداود بن عمرو
الضبي، ومحمد ابن الصباح الدولابي، وعيسى بن سليمان
الشيزري (1)، وأبو همام الوليد بن شجاع، ومحمد بن زنبور،
وخلق سواهم.
قال يحيى بن معين: ثقة، مأمون، قليل الخطأ، وهو وأخواه:
محمد وكثير يدينون (2).
ورواه أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى.
وقيل: هو آخر من روى عن شيبة.
__________
(1) نسبة إلى شيزر: مدينة شامية على العاصي، شمالي غرب
حماة تبعد عنها سبعة عشر ميلا تقريبا، وبها قلعة حصينة
كانت لآل منقذ الكنانيين، يتوارثونها من أيام صالح بن
مرداس سنة 417 ه.
وبقيت في أيديهم حتى خربت بالزلزال في سنة 552 ه، وقتل كل
من فيها من بني منقذ تحت أنقاضهم، ولم ينج منهم سوى الامير
أسامة بن منقذ، فإنه لم يكن فيها إذ ذاك.
ولما وقف عليها، وشاهد أطلالها الدارسة وآثارها العافية
ألف كتابه الطريف " المنازل والديار " المنشور بتحقيقنا.
(2) في " تاريخ ابن معين " ص 31: إسماعيل بن جعفر المدني
وأخوه محمد ثقتان جميعا، وانظر " تاريخ بغداد " 6 / 220.
(*)
(8/229)
وقد كان يؤدب ببغداد عليا ولد الخليفة المهدي، فعظمت حرمته
لذلك.
وقع لنا نسخة عالية من حديثه.
أخبرنا علي بن أحمد العلوي بالثغر، أخبرنا محمد بن أحمد
القطيعي، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي،
وقرأت على
عيسى بن يحيى، عن أبي الحسن بن المعتز سماعا، عن العباس
كتابة، أخبرنا الحسن بن عبدالرحمن الشافعي، أخبرنا أحمد بن
إبراهيم بن فراس، حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي
(1)، حدثنا أبو صالح محمد بن أبي الازهر، حدثنا إسماعيل بن
جعفر، أخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ابتاع طعاما فلا يبعه
حتى يقبضه ".
أخرجه مسلم (2)، عن غير واحد، عن إسماعيل.
فوقع بدلا (3) عاليا.
قال علي بن المديني: إسماعيل ثقة.
قلت: توفي سنة ثمانين ومئة.
وفات أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن عرفة السماع منه.
__________
(1) نسبة إلى " ديبل " مدينة على ساحل البحر الهندي قريبة
من السند.
(2) (1526) في البيوع: باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(3) البدل من اصطلاحات الاسناد، وهو أن يأتي الراوي إلى
حديث رواه أحد مصنفي الكتب الستة ونحوها، فيرويه بإسناده
إلى شيخ شيخ صاحب الكتاب، كالبخاري مثلا من طريق أخرى تكون
أقصر مما لو رواه من طريق البخاري.
(*)
(8/230)
44 - حفص بن ميسرة
* (خ، م، س، ق) المحدث، الامام الثقة، أبو عمر الصنعاني،
العقيلي، نزيل عسقلان.
يروي عن: زيد بن أسلم، وموسى بن عقبة، والعلاء بن
عبدالرحمن، وهشام بن عروة، ومقاتل بن حيان.
حدث عنه: الثوري، وهو أكبر منه، وابن وهب، وآدم، وسعيد بن
منصور، ومحمد بن أبي السري، والهيثم بن خارجة، وسويد بن
سعيد.
وثقه ابن معين، وأحمد.
وقال أبو زرعة: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: محله الصدق.
وقيل: كان ناسكا ربانيا.
قال الفسوي: مات سنة إحدى وثمانين ومئة.
45 - الوليد بن طريف * *
الشيباني، وقيل: هو من بني تغلب، أحد أمراء العرب.
__________
* المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 172 و 2 / 299 و 376،
الجرح والتعديل: 2 / 187، تهذيب الكمال: 312، تذهيب
التهذيب: 1 / 166 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 568، العبر 1 /
279، تهذيب التهذيب: 2 / 419، خلاصة تذهيب الكمال: 88.
* * تاريخ الطبري: 8 / 256، 261، سمط اللآلي: 913، تاريخ
ابن الاثير: 6 / 141، معاهد التنصيص: 3 / 161، وفيات
الاعيان: 6 / 31، العبر: 1 / 272، مرآة الجنان: 1 / 370،
الذهب المسبوك للمقريزي: 48، 49، النجوم الزاهرة: 2 / 95،
شذرات الذهب: 1 / 288.
(*)
(8/231)
خرج بالجزيرة في ثلاثين نفسا بسقي الفرات، فقتلوا تاجرا
نصرانيا، وأخذوا ماله، ثم عاث بدارا (1)، ونهب، وكثر جيشه،
فقصد ميافارقين، ففدوا البلد منه بعشرين ألفا، وصالحه أهل
خلاط (2) على مال وهزم عسكر الرشيد، واستفحل أمره واستباح
نصيبين، فقتل بها خمسة آلاف، إلى أن حاربه يزيد بن مزيد،
وظفر به فقتله.
ورثته أخته بأبيات مشهورة (3)، واسمها الفارعة (4).
ومن أبياتها.
فيا شجر الخابور ما لك مورقا كأنك لم تحزن على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المال إلا من قنا وسيوف
(5) ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم معاودة للكر بين صفوف (6)
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى فإن مات لم يرض الندى
بحليف (7) (1) بلد بالجزيرة ذات بساتين ومياه جارية.
(2) بلد في قصبة أرمينية الوسطى.
(3) وهي في حماسة البحتري: 276، 277 مطلعها: بتل نباثا رسم
قبر كأنه * على جبل فوق الجبال منيف (4) قال ابن خلكان:
وقيل: فاطمة، وسماها ابن حزم في " الجمهرة ": ليلى، وكذلك
ورد اسمها في حماسة البحتري.
(5) في حماسة البحتري: فتى لم يحب الزاد.
(6) رواية البيت في حماسة البحتري.
ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة * وأجرد عالي المنسجين عزوف
والصلدم: الشديد الحافر، ومعاودة: مواظبة لا تمل.
(7) في الحماسة: حليف الندى إن عاش.
(*)
(8/232)
فقدناك فقدان الشباب وليتنا فديناك من فتياننا بألوف (1)
ألا يا لقومي للحمام وللبلى وللارض همت بعده برجوف (2) ألا
يا لقومي للنوائب والردى ودهر ملح بالكرام عنيف فإن يك
أرداه يزيد بن مزيد فرب زحوف لفها بزحوف عليه سلام الله
وقفا فإنني أرى الموت وقاعا بكل شريف (3) قتل في سنة تسع
وسبعين ومئة.
46 - يزيد بن حاتم * ابن قبيصة
بن المهلب بن أبي صفرة، الازدي، البصري، الامير.
ولي إمرة مصر سنة أربع وأربعين ومئة، فدام سبع سنين، ثم
ولي
__________
(1) رواية البيت في الحماسة: فقدناه فقدان الربيع فليتنا *
فديناه من دهمائنا بألوف (2) هذا البيت لم يذكر في حماسة
البحتري، وهو في " وفيات الاعيان ".
(3) لم يرد في " الحماسة " وهو في " الوفيات ".
* تاريخ خليفة: 434، 441، تاريخ ابن الاثير: 5 / 482، 512،
و 6 / 5، 8، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 142، تاريخ
الطبري: 7 / 455، 495، وفيات الاعيان: 6 / 321، البيان
المغرب: 1 / 78، مرآة الجنان: 1 / 361، 396، النجوم
الزاهرة: 2 / 1، عيون الاخبار: 1 / 9، 129، خزانة الادب: 3
/ 51، مطالع البدور: 1 / 15، الاستقصاء: 1 / 58، ابن
خلدون: 4 / 193، رغبة الآمل: 5 / 203، 204.
(*)
(8/233)
المغرب مدة للمهدي، والهادي، والرشيد، ومهد إفريقية، وذلل
البربر، وكان بطلا شجاعا، مهيبا شديد البأس، كما قيل فيه:
وإذا الفوارس عددت أبطالها عدوك في أبطالهم بالخنصر (1)
وعن صفوان بن صفوان أنه قال بديها في يزيد: لم أدر ما
الجود إلا ما سمعت به حتى لقيت يزيدا عصمة الناس لقيت أكرم
من يمشي على قدم مفضلا برداء الجود والباس لو نيل بالمجد
ملك كنت صاحبه وكنت أولى به من آل عباس (2) وفيه يقول
ربيعة بن ثابت (3): لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد
سليم والاغر ابن حاتم
__________
(1) هو من أبيات أربعة لابن المولى، وهي: وإذا تباع كريمة
أو تشترى * فسواك بائعها وأنت المشتري وإذا تخيل من سحابك
لامع * سبقت مخيلته يد المستمطر وإذا صنعت صنيعة أتممتها *
بيدين ليس نداهما بمكدر " الوفيات " 6 / 325، 326.
(2) في الوفيات: لو نيل بالجود مجد.
(3) من قصيدة مطلعها: حلفت يمينا غير ذي مثنوية * يمين
امرئ آل بها غير آثم
مدح بها يزيد بن حاتم هذا، وهجا يزيد بن أسيد السلمي انظر
" الاغاني " 16 / 254، والوفيات 6 / 323.
(*)
(8/234)
فهم الفتى الازدي إتلاف ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
ولا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم مات
يزيد بن حاتم بالمغرب في رمضان سنة سبعين ومئة، واستخلف
ولده داود على المغرب.
47 - أخوه الامير روح بن حاتم
* ولي المغرب أيضا، ثم قدم فولي الكوفة والبصرة، وكان أحد
الابطال كأخيه، وولي السند أيضا.
توفي سنة أربع وسبعين ومئة، وله أخبار ومآثر في الكرم.
48 - أيوب بن جابر * *
(د، ت) السحيمي، اليمامي، الفقيه، المحدث، أبو سليمان.
أخذ عن الكوفيين: آذم بن علي، وحماد الفقيه، وسماك بن حرب،
وجماعة.
__________
* تاريخ الطبري: 7 / 453 و 8 / 117، 121، 164، المعرفة
والتاريخ للفسوي: 1 / 125، 155، وفيات الاعيان: 2 / 305،
البيان المغرب: 1 / 284، العبر: 1 / 266، الاستقصا: 1 /
59، الحلة السيراء 2 / 358، الكامل لابن الاثير 5 / 510 و
6 / 113، 114، شذرات الذهب: 1 / 275، 284، تهذيب ابن
عساكر: 5 / 339.
* * التاريخ الكبير: 1 / 410، المعرفة والتاريخ: 3 / 260،
الجرح والتعديل: 2 / 242،
تهذيب الكمال: 137، تذهيب التهذيب: 1 / 78 / 1، تهذيب
التهذيب: 1 / 399، خلاصة تهذيب الكمال: 43.
(*)
(8/235)
حدث عنه: خالد بن مرداس، وسعيد بن يعقوب الطالقاني، وقتيبة
بن سعيد، ولوين، وعلي بن حجر، وآخرون، وهو سيئ الحفظ.
قال أحمد بن حنبل: حديثه يشبه حديث أهل الصدق.
وقال الفلاس: صالح.
وقال ابن معين: ليس بشئ.
وقال النسائي: ضعيف.
قال ابن حبان: هو أيوب بن جابر بن سيار بن طلق الحنفي.
يروي عن بلال بن المنذر، وعبد الله بن عصم.
يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به لكثرة وهمه.
قلت: بقي إلى نحو الثمانين ومئة.
49 - أيوب بن عتبة *
(ق) الفقيه، قاضي اليمامة، أبويحيى.
حدث عن: عطاء بن أبي رباح، وقيس بن طلق، وأبي بكر بن محمد
ابن عمرو بن حزم، وإياس بن سلمة، ويحيى بن أبي كثير.
وعنه: الاسود شاذان، وحجاج بن محمد، وأحمد بن يونس،
وسعدويه، وعاصم بن علي، وآدم بن أبي إياس، ومحمود بن محمد
الظفري شيخ ابن صاعد، وآخرون.
__________
* التاريخ الكبير: 1 / 420، التاريخ الصغير: 2 / 265،
المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 171، الجرح والتعديل: 2 /
253، المجروحين لابن حبان: 1 / 169 - 170، تهذيب الكمال:
138، تذهيب التهذيب: 1 / 79 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 290،
تهذيب التهذيب: 1 / 408، خلاصة التذهيب: 43.
(*)
(8/236)
قال يحيى بن معين: ضعيف.
وقال البخاري وغيره: لين الحديث.
وقال بعضهم: هو مكثر عن يحيى بن أبي كثير، وكتابه عنه
صحيح.
وروى عباس عن يحيى قال: ليس بالقوي (1).
وقال أبو حاتم: فيه لين، حدث من حفظه، فغلط.
وقال ابن حبان: يخطئ كثيرا.
فمن ذلك: عن عطاء، عن ابن عباس، قال: جاء حبشي، فسأل النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: فضلتم علينا بالالوان والصور،
والنبوة، أفرأيت إن آمنت وعملت بما عملت، إني لكائن معك في
الجنة ؟ قال: " نعم.
إنه ليرى بياض الاسود من مسيرة ألف سنة " وذكر الحديث (2).
رواه عنه عفيف بن سالم.
قال ابن حبان: باطل.
قال أبو داود: كان أيوب بن عتبة صحيح الكتاب.
وقال أبو حاتم: أما كتبه، فصحيحة.
وقال النسائي: مضطرب الحديث.
قلت: وله عن قيس بن طلق، عن أبيه مرفوعا: " لا تمنع المرأة
نفسها ولو على قتب " (3).
__________
(1) التاريخ ص 50، وفيه أيضا: ليس بشئ.
(2) كتاب " المجروحين " 1 / 169، 170.
وأورد الحديث ابن الجوزي في " الموضوعات "، ونقل رأي ابن
حبان فيه، وكذا الشوكاني في " الفوائد المجوعة ": 417.
(3) وقد رواه من غير طريقه أحمد في " المسند " 4 / 23
بلفظ: " إذا اراد أحدكم من امرأته = (*)
(8/237)
قيل: مات في سنة سبعين ومئة.
50 - محمد بن جابر *
(د، ق) ابن سيار السحيمي، اليمامي، أخو أيوب.
حدث عن: حبيب بن أبي ثابت، ويحيى بن أبي كثير، وقيس بن
طلق، وعدة.
وعنه: أيوب السختياني، وابن عون وهما من شيوخه ومسدد،
ولوين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وآخرون.
ضعفه يحيى والنسائي.
وقال البخاري: ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: ساء حفظه، وذهبت كتبه (1).
قلت: ما هو بحجة، وله مناكير عدة كابن لهيعة.
توفي سنة بضع وسبعين ومئة.
__________
= حاجة فليأتها ولو كانت على التنور " وفي سنده محمد بن
جابر الحنفي، وهو سيئ الحفظ، لكن في الباب عن معاذ ما
يقويه عند أحمد 4 / 381، وابن ماجه (1853) وصححه ابن حبان
(1390)، فالحديث صحيح.
* التاريخ الكبير: 1 / 53، التاريخ الصغير: 2 / 188، تاريخ
الطبري: 7 / 617 و 8 / 44، المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 /
121، و 3 / 260، الجرح والتعديل: 7 / 219 - 220، كتاب
المجروحين: 2 / 270، تهذيب الكمال: 1180، ميزان الاعتدال:
3 / 496، تذهيب التهذيب: 3 / 193 / 2، تهذيب التهذيب: 9 /
90.
(1) الجرح والتعديل 7 / 219، وفيه: سئل أبي عن محمد بن
جابر، وابن لهيعة، فقال: محلهما الصدق، ومحمد بن جابر أحب
إلي من ابن لهيعة.
فهذا النص يدل على أنه يرجحه على ابن لهيعة ولا يعده مثله
كما قال المصنف.
(*)
(8/238)
51 - جعفر بن سليمان * ابن علي بن حبر الامة،
عبد الله بن عباس، الامير، سيد بني هاشم، أبو القاسم
العباسي.
ابن عم المنصور.
روى عن أبيه.
وعنه: ابناه: قاسم، ويعقوب، وعمر بن عامر، والاصعمي.
وكان من نبلاء الملوك جودا وبذلا، وشجاعة وعلما، وجلالة،
وسؤددا، ولي المدينة، ثم مكة معها، ثم عزل، فولي البصرة
للرشيد.
قال عبد السميع بن علي: لا نعرف في بني هاشم أغبط منه، حصل
له الشرف والامرة والمال الجم، والاولاد الزهر، والعبيد.
مات عن ثمانين ولدا لصلبه، منهم ثلاثة وأربعون ذكرا.
وولي ابنه أيوب اليمن في حياته.
وله مآثر كثيرة ووقف على المنقطعين.
قال الاصمعي: ما رأيت أكرم اخلاقا، ولا أشرف أفعالا منه.
وفيه يقول حبيب بن شوذب: يا أيها السائل عن هاشم * هل لك
في سيدها جعفر هل لك في أشبههم غرة * إذا بدا بالقمر
الازهر ولي المدينة سنة ست وأربعين ومئة بعد عبد الله بن
الربيع الحارثي.
__________
* المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 131، 132، 135، الكامل
لابن الاثير: 5 / 549، 564، 569، و 6 / 56 / 61، 119، عيون
الاخبار: 1 / 222 و 2 / 253 و 3 / 24، 199.
(*)
(8/239)
وقال الاصمعي: ركب جعفر بن سليمان في زي عجيب من التجمل،
وكان بالبصرة فقيه صالح غلب على عقله، فخرج إلى طريق جعفر،
فقال له: يا جعفر، انظر أي رجل تكون إذا خرجت من قبرك،
وحملت على الصراط، وهذا الجمع والزي لا يساوي غدا حبة، ولا
يغنون عنك من الله شيئا، إنك تموت وحدك، وتدخل قبرك وحدك،
وتقف بين يدي الله وحدك، وتحاسب وحدك، فانظر لنفسك، فقد
نصحتك.
ذكر ابن الفوطي (1) جعفر فلقبه بسيد بني هاشم، وقال: كان
له بالبصرة كل يوم غلة ثمانين ألف درهم.
وقال حماد بن زيد: غسلت جعفر بن سليمان، وزررت عليه قميصه
حين ألبسته الكفن.
ثم جاء عمه عبد الصمد بتسعة أثواب ليكفنه فيها، فما كفن
إلا في ثلاثة أثواب عملا بالسنة.
وقد امتدحه جماعة، وأخذوا جوائزه.
توفي سنة أربع وسبعين ومئة، وقيل سنة خمس.
52 - أخوه محمد بن سليمان
* ولي البصرة أيضا، وكان فارس بني هاشم، قتل إبراهيم بن
عبد الله
__________
(1) هو عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد الشيباني
البغدادي، المعروف بابن الفوطي الحافظ الاخباري المؤرخ
المتكلم، صاحب التصانيف الكثيرة، ومنها " مجمع الآداب "
قال الذهبي: لم يكن بالثبت فيما يترجمه، وكانت في دينه
رقة، مات سنة 724 ه، وقال أيضا: ما كان بدون أبي الفرج
الاصبهاني، وقال في " ذيل العبر ": له هنات وبوائق.
" لسان الميزان " 4 / 10.
* تاريخ بغداد: 5 / 291، المحبر: 61 و 305، الوافي
بالوفيات: 3 / 121، الكامل لابن الاثير: 6 / 17، النجوم
الزاهرة: 2 / 47 و 70 و 73، والبيان والتبيين تحقيق هارون:
1 / 295 ثم 2 / 129.
(*)
(8/240)
الخارج على المنصور (1).
وولي أيضا مملكة فارس، وكان جوادا ممدحا.
قيل: إن الرشيد احتاط على تركته، فكانت خمسين ألف ألف
درهم.
وقال الخطيب: كان عظيم قومه، ويقال: إنه قال عند الموت: يا
ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني كنت حمالا.
وكان رقيق القلب.
توفي سنة ثلاث وسبعين ومئة.
53 - رابعة العدوية * البصرية،
الزاهدة، العابدة، الخاشعة، أم عمرو، رابعة بنت إسماعيل،
ولاؤها للعتكيين.
ولها سيرة في جزء لابن الجوزي.
قال خالد بن خداش: سمعت رابعة صالحا المري يذكر الدنيا في
قصصه، فنادته، يا صالح، من أحب شيئا أكثر من ذكره.
وقال محمد بن الحسين البرجلاني: حدثنا بشر بن صالح العتكي،
قال: استأذن ناس على رابعة ومعهم سفيان الثوري، فتذاكروا
عندها
__________
(1) انظر " الكامل في التاريخ " لابن الاثير: 5 / 565، و "
تاريخ الطبري " 7 / 622، و " تاريخ الاسلام " للمؤلف 6 /
22، 27، و " دول الاسلام " للمؤلف 1 / 97.
* الاحياء للغزالي: 2 / 267، وفيات الاعيان: 3 / 215، عبر
الذهبي: 1 / 278، الرسالة القشيرية: 86، 173، قوت القلوب
للمكي: 1 / 103، 156، التعرف: للكلاباذي: 73، 121، نفحات
الانس: 716، الطبقات الكبرى للشعراني: 56، الكواكب الدرية
للمناوي: (96) ص: 108، شذرات الذهب: 1 / 193، تذكرة
الاولياء
للعطار: 1 / 59، الدر المنثور: 202، 203، النجوم الزاهرة:
1 / 330، الشريشي، شرح المقامات: 2 / 231.
(*)
(8/241)
ساعة، وذكروا شيئا من الدنيا، فلما قاموا قالت لخادمتها:
إذا جاء هذا الشيخ وأصحابه، فلا تأذني لهم، فإني رأيتهم
يحبون الدنيا.
وعن أبي يسار مسمع، قال: أتيت رابعة، فقالت: جئتني وأنا
أطبخ أرزا، فآثرت حديثك على طبيخ الارز، فرجعت إلى القدر
وقد طبخت.
ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن الحسين، حدثني عبيس بن
ميمون العطار، حدثتني عبدة بنت أبي شوال، وكانت تخدم رابعة
العدوية، قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله، فإذا طلع
الفجر، هجعت هجعة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول: يا
نفس كم تنامين، وإلى كم تقومين، يوشك أن تنامي نومة لا
تقومين منها إلا ليوم النشور.
قال جعفر بن سليمان: دخلت مع الثوري على رابعة، فقال
سفيان: واحزناه، فقالت: لا تكذب، قل: واقلة حزناه.
وعن حماد، قال: دخلت أنا وسلام بن أبي مطيع على رابعة،
فأخذ سلام في ذكر الدنيا، فقالت: إنما يذكر شئ هو شئ، أما
شئ ليس بشئ فلا.
شيبان بن فروخ: حدثنا رياح القيسي قال: كنت اختلفت إلى
شميط أنا ورابعة، فقالت مرة: تعال يا غلام، وأخذت بيدي،
ودعت الله، فإذا جرة خضراء مملوءة عسلا أبيض، فقالت: كل،
فهذا والله لم تحوه بطون النحل.
ففزعت من ذلك، وقمنا، وتركناه.
قال أبو سعيد بن الاعرابي: أما رابعة، فقد حمل الناس عنها
حكمة
كثيرة، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما
قيل عنها، وقد تمثلته بهذا:
(8/242)
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي * وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فنسبها بعضهم إلى الحلول بنصف البيت، وإلى الاباحة بتمامه.
قلت: فهذا غلو وجهل، ولعل [ من ] نسبها إلى ذلك مباحي
حلولي ليحتج بها على كفره كاحتجاجهم بخبر: " كنت سمعه الذي
يسمع به " (1).
قيل: عاشت ثمانين سنة.
توفيت سنة ثمانين ومئة (2).
54 - أما رابعة الشامية
* العابدة فأخرى مشهورة، أصغر من العدوية، وقد تدخل حكايات
هذه في حكايات هذه، والثانية هي القائلة ما روى أحمد بن
أبي الحواري عن
__________
(1) قطعة من حديث أخرجه البخاري 11 / 292 - 297 في الرقاق:
باب التواضع، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد
آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته
عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع، وبصره الذي يبصر به، ويده التي
يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لاعطينه، ولئن
استعاذني لاعيذنه، وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس
المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ".
قال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى: توفيق الله لعبده في
الاعمال التي يباشرها بهذه الاعضاء وتيسير المحبة له فيها،
بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه من الله مواقعة ما يكره الله
من الاصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى عنه
ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى
الباطل برجله.
وقال الطوفي: اتفق العلماء ومن يعتد بقوله أن هذا مجاز،
وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته
حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي
يستعين بها، ولهذا وقع في رواية: " فبي يسمع، وبي يبصر،
وبي يبطش، وبي يمشي ".
(2) في ابن خلطان نقلا عن ابن الجوزي أن وفاتها سنة 135،
وقال غيره: 185، وأوردها في " النجوم الزاهرة " فيمن توفي
في سنة 135، و 180.
* صفوة الصفوة لابن الجوزي: 4 / 300، طبقات الاولياء: 35،
شذرات الذهب: 2 / 110.
(*)
(8/243)
عباس بن الوليد أنها قالت: أستغفر الله من قلة صدقي في
قولي: أستغفر الله.
ملوك الاندلس
55 - عبدالرحمن بن معاوية بن
هشام * ابن عبدالملك بن مروان بن الحكم بن أبي
العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمير الاندلس
وسلطانها، أبو المطرف الاموي، المرواني، المشهور بالداخل،
لانه حين انقرضت خلافة بني أمية من الدنيا، وقتل مروان
الحمار، وقامت دولة بني العباس، هرب هذا، فنجا ودخل إلى
الاندلس فتملكها.
وذلك أنه فر من مصر في آخر سنة اثنتين وثلاثين إلى أرض
برقة، فبقي بها خمس سنين، ثم دخل المغرب، فنفذ مولاه بدرا
يتجسس له، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلا من بيت الخلافة،
أكنتم تبايعونه ؟ قالوا: وكيف لنا بذلك ؟ فقال: هذا
عبدالرحمن بن معاوية، فأتوه فبايعوه، فتملك الاندلس ثلاثا
وثلاثين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى سنة أربع مئة.
ولم يتلقب بالخلافة، لا هو ولا أكثر ذريته، إنما كان يقال:
الامير فلان.
وأول من تلقب بأمير المؤمنين منهم: الناصر لدين الله، في
حدود العشرين وثلاث مئة، عندما بلغه ضعف خلفاء العصر،
فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين.
__________
* الطبري: 7 / 500، العقد الفريد: 4 / 448، جذوة المقتبس:
8، 9، تاريخ ابن عساكر 10 / 103 ب.
، الكامل لابن الاثير 5 / 493، الحلة السيراء: 1 / 35،
البيان المغرب: 2 / 49، فوات الوفيات: 2 / 302، 303، ابن
خلدون: 4 / 120، نفح الطيب للمقري 1 / 327، نهاية الارب 22
/ 1، الاستقصا لاخبار دول المغرب الاقصى 1 / 118.
(*)
(8/244)
دخل عبدالرحمن بن معاوية الاندلس في سنة ثمان وثلاثين.
ومولده بأرض تدمر سنة ثلاث عشرة ومئة، في خلافة جده.
وأما أبو القاسم بن بشكوال الحافظ، فقال: فر من المشوق عند
انقراض ملكهم، هو وأخوان أصغر منه، وغلام لهم، فلم يزالوا
يخفون أنفسهم، والجعائل قد جعلت عليهم، والمراصد، فسلكوا
حتى وصلوا وادي بجاية (1)، فبعثوا الغلام يشتري لهم خبزا
فأنكرت الدراهم، وقبض على الغلام، وضرب فأقر، فأركبوا
خيلا، فرأى عبدالرحمن الفرسان، فتهيأ للسباحة، وقال
لاخويه: اسبحا معي، فنجا هو وقصرا، فأشاروا إليهما
بالامان، فلما حصلا في أيديهم ذبحوهما، وأخوهما ينظر من
هناك، ثم آواه شيخ كريم العهد، وقال: لاسترنك جهدي، فوقع
عليه التفتيش ببجاية، إلى أن جاء الطالب إلى دار الشيخ،
وكان له امرأة ضخمة، فأجلسها تتسرح، وأخفى عبدالرحمن تحت
ثيابها، وصيح الشيخ: يا سبحان الله، الحرم، فقالوا: غط
أهلك، وخرجوا، وستره الله مدة، ثم دخل الاندلس في قارب
سماك، فحصل بمدينة المنكب (2).
وكان قواد الاندلس وجندها موالي بني أمية، فبعث إلى قائد،
فأعلمه بشأنه، فقبل يديه وفرح به، وجعله عنده، ثم قال: جاء
الذي كنا نتحدث أنه إذا انقرض ملك بني أمية بالمشرق، نبغ
منهم عبدالرحمن بالمغرب، ثم كتب إلى الموالي، وعرفهم،
ففرحوا وأصفقوا (3) على بيعته، واستوثقوا من
__________
(1) مدينة على ساحل البحر المتوسط بين إفريقية والمغرب.
(2) بضم الميم وفتح النون وتشديد الكاف وفتحها: بلد على
ساحل جزيرة الاندلس من أعمال إلبيرة، وبينها وبين غرناطة
أربعون ميلا.
(3) رأي: اجتمعوا على بيعته.
قال زهير: رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا * علينا وقالوا
إننا نحن إكثر (*)
(8/245)
أمراء العرب، وشيوخ البربر، فلما استحكم الامر، أظهروا
بيعته بعد ثمانية أشهر، وذلك في ربيع الآخر سنة ثمان
وثلاثين ومئة، فقصد قرطبة، ومتولي الاندلس يومئذ: يوسف
الفهري، فاستعد جهده، فالتقوا، فانهزم يوسف، ودخل
عبدالرحمن بن معاوية الداخل قصر قرطبة يوم الجمعة، يوم
الاضحى من العام، ثم حاربه يوسف ثانيا، ودخل قرطبة،
واستولى عليها، وكر عبد الرحمن عليه، فهرب يوسف والتجأ إلى
غرناطة، فامتنع بإلبيرة، فنازله عبد الرحمن وضيق عليه،
ورأى يوسف اجتماع الامر للداخل، فنزل بالامان بمحضر من
قاضي الاندلس يحيى بن يزيد التجيبي، وكان رجلا صالحا،
استعمله على القضاء عمر بن عبد العزيز، فزاده الداخل
إجلالا وإكراما، فبقي على قضائه إلى أن مات سنة اثنتين
وأربعين ومئة، فاستعمل على القضاء معاوية بن صالح، فلما
أراد معاوية هذا، الحج، وجهه الداخل إلى أختيه بالشام،
وعمته رملة بنت هشام، ليعمل الحيلة في إدخالهن إلى
عنده، وأنشد عند ذلك: أيها الركب الميمم أرضي * أقر من
بعضي السلام لبعضي إن جسمي كما علمت بأرض * وفؤادي ومالكيه
بأرض قدر البين بيننا فافترقنا * فطوى البين عن جفوني غمضي
وقضى الله بالفراق علينا * فعسى باجتماعنا سوف يقضي (1)
فلما وصل إليهن، قلن: السفر، لا نأمن غوائله على القرب،
فكيف وقد حالت بيننا بحار ومفاوز، ونحن حرم، وقد آمننا
هؤلاء القوم على معرفتهم
__________
(1) الابيات في " نفح الطيب " 3 / 38، 54، و " جذوة
المقتبس " 9، و " الحلة السيراء " 1 / 36، وذكر صاحب
المغرب 1 / 103 أن معاوية بن صالح القاضي أنشدها، وقد نسبت
لعبد الرحمن المرواني الداخل، وفي ألفاظها بعض اختلاف.
(*)
(8/246)
بمكاننا منه، فحسبنا أن نتملى المسرة بعزة وعافية.
فانصرف بكتابهما، وبعثا إليه بأعلاق نفيسة من ذخائر
الخلافة، فسر بها الامير عبدالرحمن، وقضى لرأيهما
بالرجاحة، ثم بعد وصل آخر من الشام بكتاب منهن، وبهدايا
وتحف منها: رمان من رصافة جدهم هشام، فسر به الداخل، وكان
بحضرته سفر بن عبيد الكلاعي من أهل الاردن، فأخذ من
الرمان، وزرع من عجمه بقريته حتى صار شجرا، وزاد حسنا،
وجاء بثمره إلى الامير، وكثر هناك، ويعرف بالسفري، وغرس
منه بمنية الرصافة (1).
ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجت شجنه، وتذكر وطنه
فقال (2): تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت شبيهي في التغرب
والنوى وطول انثنائي عن بني وعن أهلي (3) نشأت بأرض أنت
فيها غريبة فمثلك في الاقصاء والمنتأى مثلي سقتك عوادي
المزن من صوبها الذي يسح وتستمري السماكين بالوبل
__________
(1) " نفح الطيب " 1 / 467، 468.
(2) الابيات في " نفح الطيب " 3 / 54، وابن عذاري 2 / 62،
و " الحلة السيراء ": 1 / 37.
(3) في " الحلة السيراء ": " وطول التنائي "، وفي " نفح
الطيب ": " طول اكتئابي ".
(*)
(8/247)
قال ابن حيان: وحين افتتح المسلمون قرطبة شاطروا أهلها
كنيستهم العظمى، كما فعل أبو عبيدة وخالد بأعاجم دمشق،
فابتنوا فيه مسجدا، وبقي الشطر بأيدي الروم إلى أن كثرت
عمارة قرطبة، وتداولتها بعوث العرب، فضاق المسجد، وعلق منه
سقائف، وصار الناس ينالون مشقة لقصر السقائف إلى أن أذخر
الله فيه الاجر لصحيفة الداخل، وابتاع الشطر الثاني من
النصارى بمئة ألف دينار، وقبضوها على ملا من الناس، ورضوا
بعد تمنع، وعمل هذا الجامع الذي هو فخر الارض، وشرفها من
مال الاخماس، وكمل على مراده، وكان تأسيسه في سنة سبعين
ومئة، فتمت أسواره في عام.
وبلغ الانفاق فيه إلى ثمانين ألف دينار، فقال دحية
البلوي: وأبرز في ذات الاله ووجهه * ثمانين ألفا من لجين
وعسجد وأنفقها في مسجد أسه التقى * ومنحته دين النبي محمد
(1) ترى الذهب الناري بين سموكه * يلوح كلمع البارق
المتوقد (2) وقال أيضا: بنيت لاهل الدين بالغرب مسجدا *
ليركع للرحمن فيه ويسجدا جمعت له الاكفاء من كل صانع *
فقام بمن الله بيتا ممجدا فما لبثوه غير حول وما خلا * إلى
أن أقاموه منيعا مشيدا
__________
(1) في " نفح الطيب " 1 / 561: " توزعها " بدل " وأنفقها
"، و " منهجه " بدل " ومنحته "، وللبيت رواية أخرى في "
النفح " 3 / 55: وأنفقها في مسجد زانه التقى * وقر به دين
النبي محمد (2) في " النفح " الرواية الاولى: يلوح كبرق
العارض المتوقد، وفي الرواية الثانية " الوهاج " بدل "
الناري "، و " كلمح " بدل " كلمع ".
(*)
(8/248)
وزخرف بالاصباغ منه سقوفه * كما تمم الوشاء بردا مقصدا
وبالذهب الرومي موه وجهه * فبورك من بان لذي العرش مسجدا
وكملت أبهاء الجامع سبعة أبهاء، ثم زاد من بعده حفيده
الحكم الربضي بهوين، ثم زاد عبدالرحمن بن الحكم بهوين،
فصارت أحد عشر بهوا، ثم زاد المنصور بن أبي عامر ثمانية
أبهاء، وعمل جامع إشبيلية وسورها بعد المئتين.
قال ابن بشكوال: كان عدد القومة لجامع قرطبة في مدة
المنصور وقبلها ثلاث مئة رجل.
وقال ابن مزين: في قبلته انحراف.
وقد ركب الحكم المستنصر بالله مع الوزراء والقاضي منذر
البلوطي وقد هم بتحريف القبلة، فقالوا: يا أمير المؤمنين،
قد صلى بهذه القبلة خيار الائمة والتابعون، وإنما فضل من
فضل بالاتباع، وأمير المؤمنين أولى من اتبع.
فترك القبلة بحالها.
قال ابن حيان: بلغا الانفاق في المنبر الحكمي إلى خمسة
وثلاثين ألف دينار وسبع مئة دينار ونيف، وقام من ستة
وثلاثين ألف وصلة من الابنوس، والصندل، والعناب، والبقم
(1) في مدة أربع سنين، وأول من خطب عليه منذر بن سعيد
البلوطي، وبلغت أعمدة جامع قرطبة إلى ألف وأربع مئة سارية
وتسع سواري، وعمل الناصر صومعة ارتفاعها من الارض إلى موقف
المؤذن أربعة وخمسون ذراعا، وعرضا ثمانية عشرة ذراعا،
وبأعلى ذروتها سفود طويل فيه ثلاث رمانات: إحداهما فضة،
والاخرى ذهب إبريز، وفوقها سوسنة ذهب مسدسة، فهذه المنارة
إحدى عجائب
__________
(1) بفتح الباء والقاف المشددة: خشب شجر عظام كورق اللوز
وساقه أحمر.
(*)
(8/249)
الدنيا، وذرع المحراب إلى داخل ثمانية أذرع ونصف، ومن
الشرق إلى الغرب سبعة أذرع ونصف، وارتفاع قبوه ثلاثة عشر
ذراعا ونصف، وذرع المقصورة من الشرق إلى الغرب خمسة وسبعون
ذراعا، وعرضها من جدار الخشب إلى القبلة اثنان وعشرون
ذراعا، وطول الجامع ثلاث مئة وثلاثون ذراعا، ومن الشرق إلى
الغرب مئتان وخمسون ذراعا (1).
وأما الاسلام فكان عزيزا منيعا بالاندلس في دولة الداخل.
فانظر إلى هذا الامان الذي كتب عنه للنصارى: بسم الله
الرحمن الرحيم
كتاب أمان ورحمة، وحقن دماء وعصمة، عقده الامير الاكرم
الملك المعظم عبدالرحمن بن معاوية، ذو الشرف الصميم،
والخير العميم، للبطارقة والرهبان، ومن تبعهم من سائر
البلدان، أهل قشتالة وأعمالها، ما داموا على الطاعة في
أداء ما تحملوه، فأشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا
على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب، وعشرة آلاف رطل من
الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال،
مع ذلك ألف درع وألف بيضة، ومن الرماح الدردار مثلها في كل
عام، ومتى ثبت عليهم النكث بأسير يأسرونه، أو مسلم
يغدرونه، انتكث ما عوهدوا عليه، وكتب لهم هذا الامان
بأيديهم إلى خمس سنين، أولها صفر عام اثنين وأربعين ومئة.
وذكر ابن عساكر بإسناده له، أن عبدالرحمن لما عدى إلى
الجزيرة، فنزلها، اتبعه أهلها، ثم مضى إلى إشبيلية، فاتبعه
أهلها، ثم مضى إلى
__________
(1) انظر في وصف جامع قرطبة " نفح الطيب " 1 / 545، 563.
(*)
(8/250)
قرطبة، فاتبعه من فيها، فلما رأى يوسف الفهري العساكر قد
أظلته، هرب إلى دار الشرك فتحصن هناك، وغزاه عبدالرحمن بعد
ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، ورد عبدالرحمن بلا حرب،
وجعل لمن أتاه برأس يوسف جعلا، فأتاه رجل من أصحاب يوسف
برأسه.
وقال الحميدي: دخل عبدالرحمن الاندلس، فقامت معه اليمانية،
وحارب يوسف بن عبدالرحمن الفهري متولي الاندلس، فهزمه،
وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل
(1).
وقال أبو المظفر الابيوردي في أخبار بني أمية: كان الناس
يقولون:
ملك الارض ابنا بربريتين يعني: عبدالرحمن والمنصور.
وكان المنصور يقول عن عبدالرحمن بن معاوية: ذاك صقر قريش،
دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية
بالقحطانية حتى ملك.
وقال سعيد بن عثمان اللغوي المتوفى سنة أربع مئة: كانت
بقرطبة جنة اتخذها عبدالرحمن بن معاوية، كان فيها نخلة
أدركتها.
وفي ذلك يقول عبدالرحمن بن معاوية: يا نخل أنت غريبة مثلي
* في الغرب نائية عن الاهل فابكي وهل تبكي ملمسة * عجماء،
لم تطبع على خبل (2) لو أنها تبكي إذن لبكت * ماء الفرات
ومنبت النخل
__________
(1) جذوة المقتبس: 8، 9.
(2) في " الحلة السيراء " 1 / 37: مكسبة.
(*)
(8/251)
لكنها ذهلت وأذهلني * بغضي بني العباس عن أهلي (1) وقد ولي
على الاندلس عبدالرحمن بن عبد الله الغافقي في أيام عمر بن
عبد العزيز، فبنى تلك القناطر بقرطبة بقبلي القصر والجامع،
وهي ثمانية عشر قوسا، طولها ثمان مئة باع، وعرضها سوى
ستائرها عشرون باعا، وارتفاعها ستون ذراعا، وهي من عجائب
الدنيا.
ولما انقرضت دولة بني أمية اتفق الناس على تقديم يوسف بن
عبد الرحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، فعمرت
البلاد في أيامه، واتسعت، فلما أراد الله ظهور ملك بني
أمية بالاندلس، ذلت لعبد الرحمن قبائل العرب، وسلم له
الامر، وقتل يوسف الفهري بوادي الزيتون، وخطب
لعبد الرحمن بجيمع الامصار بها، وشيد قرطبة، وغزا عدة
غزوات.
من ذلك: غزوة قشتالة، جاز إليها من هر طليطلة، وفرت الروم
أمامه، وتعلقت بالحبال، فلم يزل حتى وصل مدينة برنيقة، من
مملكة قشتالة، فنزل عليها، وأمر برفع الخيام، وشرع في
البناء، وأخذ الناس يبنون، فسلموا إليه بالامان عند إياسهم
من النجدة، وخرجوا بثيابهم فقط، وما يزودهم، ثم كتب لاهل
قشتالة ذلك الامان الذي تقدم، وهو بخط الوزير بشر بن سعيد
الغافقي.
ولما صفا الامر لعبد الرحمن بعد مقتل عثمان بن حمزة، من
ولد عمر
__________
(1) الابيات في " الحلة السيراء " 1 / 37، وأرودها المقري
في " نفح الطيب " 3 / 60، وهي تختلف عما هنا، ونسبها لعبد
الملك بن مروان، وهاكها: يا نخل أنت فريدة مثلي * في الارض
نائية عن الاهل تبكي وهل تبكي مكممة * عجماء لم تجبل على
جبلي لو انها عقلت إذا لبكت * ماء الفرات ومنبت النخل
لكنها حرمت وأخرجني * بغضي بني العباس عن أهلي (*)
(8/252)
ابن الخطاب، وذلك بعد سبعة أعوام من تمنعه بطليطلة، عظم
سلطانه، وامتدت أيامه وعاش ستين سنة، ثم توفي سنة اثنتين
وسبعين ومئة، وأيست بنو العباس من مملكة الاندلس لبعد
الشقة.
56 - هشام بن عبدالرحمن بن
معاوية * الامير أبو الوليد المرواني، بويع بالملك
بالاندلس عند موت والده، سنة اثنتين وسبعين، وعمره إذ ذاك
ثلاثون سنة، فإنه ولد بالاندلس، وكان دينا ورعا يشهد
الجنائز، ويعود المرضى، ويعدل في الرعية، ويكثر
الصدقات، ويتعاهد المساكين، وأمه أم ولد، اسمها حوراء.
ولما احتضر، عهد بالامر إلى ولده الحكم.
ومات في صفر سنة ثمانين ومئة، وله سبع وثلاثون سنة، رحمه
الله.
ولنذكر باقي المروانية على نسق واحد.
57 - الحكم بن هشام * *
ابن الداخل عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن
مروان ابن الحكم الاموي المرواني، أبو العاص، أمير
الاندلس، وابن أميرها، وحفيد أميرها، ويلقب بالمرتضى،
ويعرف بالربضي، لما فعل بأهل
__________
* العقد الفريد: 4 / 490، ابن القوطية: 42، جذوة المقتبس:
10، الكامل لابن الاثير: 5 / 583، الحلة السيراء: 1 / 42،
البيان المغرب: 2 / 61، ابن خلدون: 4 / 124، المعجب: 19
(طبعة الاستقامة)، أخبار مجموعة: 120، نفح الطيب: 1 / 334،
* * العقد الفريد: 4 / 490، جذوة المقتبس: 10، الكامل لابن
الاثير: 6 / 133، 149، 158، 162، 186، المغرب في حلي
المغرب: 1 / 38، المعجب للمراكشي: 44، الحلة السيراء: 1 /
43، البيان المغرب: 2 / 70، فوات الوفيات: 1 / 393، أخبار
مجموعة: 124، تاريخ ابن خلدون: 4 / 125.
(*)
(8/253)
الربض (1).
بويع بالملك عند موت أبيه في صفر سنة ثمانين ومئة.
وكان من جبابرة الملوك، وفساقهم، ومتمرديهم، وكان فارسا
شجاعا فاتكا، ذا دهاء وحزم وعتو وظلم، تملك سبعا وعشرين
سنة.
وكان في أول أمره على سيرة حميدة، تلا فيها أباه، ثم تغير،
وتجاهر بالمعاصي.
قال أبو محمد بن حزم: كان من المجاهرين بالمعاصي، سفاكا
للدماء، كان يأخذ أولاد الناس الملاح، فيخصيهم ويمسكهم
لنفسه.
وله شعر جيد.
قال اليسع بن حزم: همت الروم بما لم ينالوا من طلب الثغور،
فنكثوا العهد، فتجهز الحكم إليهم حتى جاز جبل السارة شمالي
طليطلة ففرت الروم أمامه حتى تجمعوا بسمورة، فلما التقى
الجمعان، نزل النصر، وانهزم الكفر، وتحصنوا بمدينة سمورة،
وهي كبيرة جدا، فحصرها المسلمون بالمجانيق، حتى افتتحوها
عنوة، وملكوا أكثر شوارعها، واشتغل الجند بالغنائم، وانضمت
الروم إلى جهة من البلد، وخرجوا على حمية فقتلوا خلقا في
خروجهم، فكانت غزوته من أعظم المغازي لولا ما طرأ فيها من
تضييح الحزم، ورامت الروم السلم، فأبى عليهم الحكم، ثم خرج
من بلادهم خوفا من الثلوج، فلما كان العام الآتي، استعد
أعظم استعداد،
__________
(1) وذلك أن الحكم هذا قد انهمك في لذاته، فاجتمع أهل
العلم والورع بقرطبة، فثاروا به، وخلعوه، وبايعوا بعض
قرابته، وكانوا بالربض الغربي من قرطبة، فقاتلهم الحكم
فغلبهم، فاقترقوا، وهدم دورهم ومساجدهم، ولحقوا بفاس من
أرض العدوة.
انظر سنة 189 وسنة 202 في " البيان المغرب في أخبار المغرب
" 2 / 106، وابن القوطية: 72، و " الحلة السيراء " 1 / 44،
وابن خلدون 4 / 126.
(*)
(8/254)
وقصد سمورة، فقتل وسبى كل ما مر به، ثم نازلها شهرين، ثم
دخلوها بعد جهد، وبذلوا فيها السيف إلى المساء، ثم انحاز
المسلمون، فباتوا على أسوارها، ثم صبحوها من الغد لا يبقون
على محتلم.
قال الرازي (1) في " مغازي الاندلس ": الذي أحصي ممن قتل
في سمورة ثلاث مئة ألف نفس، فلما بلغ الخبر ملك رومية، كتب
إلى الحكم
يرغب في الامان، فوضع الحكم على الروم ما كان جده وضع
عليهم، وزاد عليهم أن يجلبوا من تراب مدينة رومية نفسها ما
يصنع به أكوام بشرقي قرطبة صغارا لهم، وإعلاء لمنار
الاسلام، فهما كومان من التراب الاحمر في بسيط مدرتها
السوداء.
قلت: وكثرت العلماء بالاندلس في دولته، حتى قيل: إنه كان
بقرطبة أربعة آلاف متقلس متزيين بزي العلماء، فلما أراد
الله فناءهم، عز عليهم انتهاك الحكم للحرمات، وائتمروا
ليخعلوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالاندلس فتنة عظيمة على
الاسلام وأهله، فلا قوة إلا بالله، فذكر ابن مزين في
تاريخه: طالوت بن عبد الجبار المعافري، وأنه أحد العلماء
العاملين الشهداء الذين هموا بخلع الحكم، وقالوا: إنه غير
عدل، ونكثوه في نفوس العوام، وزعموا أنه لا يحل المكث ولا
الصبر على هذه السيرة الذميمة، وعولوا على تقديم أحد أهل
الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن
__________
(1) ذكره في " المغرب " 1 / 44 نقلا عن ابن حزم في كتابه "
نقط العروس ": هو أحمد ابن محمد بن موسى بن بشير بن جناد
بن لقيط الرازي الاندلسي، ذكره الحميدي في " جوذة المقتبس
": 104، فقال: هو أندلسي، أصله من الري، له في أخبار
الملوك الاندلس وخدمتهم وركبانهم وغزواتهم كتاب كبير، وألف
في صفة قرطبة خططها، ومنازل العظماء بها كتابا عظيما، وله
كتاب في أنساب مشاهير أهل الاندلس في خمسة مجلدات ضخمة،
توفي سنة 344 ه.
مترجم في " معجم الادباء " 4 / 235، 236.
(*)
(8/255)
المنذر بن الداخل الاموي ابن عم الحكم، لما عرفوا من
صلاحه، وعقله ودينه، فقصدوه وعرفوه بالامر، فأبدى الميل
إليهم، والبشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلة، فإن
الليل أستر، وناموا، وقام هو إلى ابن
عمه بجهل، فأخبره بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئت لسفك دمي
أو دمائهم، وهم أعلام، فمن أين نتوصل إلى ما ذكرت ؟ فقال:
أرسل معي من تثق به ليتحقق، فوجه من أحب، فأدخلهم أحمد في
بيته تحت ستر، ودخل الليل، وجاء القوم، فقال: خبروني من
معكم ؟ فقالوا: فلان الفقيه، وفلان الوزير، وعدوا كبارا،
والكاتب يكتب حتى امتلا الرق، فمد أحدهم يده وراء الستر،
فرأى القوم، فقام وقاموا، وقالوا: فعلتها يا عدو الله، فمن
فر لحينه، نجا، ومن لا، قبض عليه، فكان ممن فر عيسى بن
دينار الفقيه (1)، ويحيى بن يحيى الفقيه (2) صاحب مالك،
وقرعوس بن العباس الثقفي (3).
__________
(1) هو عيسى بن دينار الغافقي الطليطلي، رحل فسمع من
عبدالرحمن بن القاسم العتقي، وصحبه، وعول عليه، وانصرف إلى
الاندلس، كان إماما في الفقه على مذهب مالك ابن انس، وعلى
طريقة عالية من الزهد والعبادة، وكانت الفتيا تدور عليه،
لا يتقدمه في وقته أحد في قرطبة، وبه وبيحيى انتشر علم
مالك بالاندلس، وكان يعجبه ترك الرأي والاخذ بالحديث.
توفي سنة اثنتي عشرة ومئتين.
وسيترجمه المؤلف في الجزء العاشر.
(2) يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس المصمودي الليثي
مولاهم، رحل إلى المشرق، فسمع من مالك بن أنس، و...؟ ؟
عيينة، والليث بن سعد، وابن القاسم، وابن وهب، وتفقه
بالمدنيين، والمصريين، من أكابر أصحاب مالك بعد انتفاعه
بمالك وملازمته، وهو أحد رواة " الموطأ " عن مالك، وروايته
هي المطبوعة المتداولة في هذه الاعصار، وصفه ابن عبد البر
فقال: كان إمام بلده، المقتدى به، المنظور إليه، المعول
عليه، وكان ثقة عاقلا حسن الهدي والسمت، توفي سنة 230 ه
وسترد ترجمته في الجزء العاشر.
(3) هو قرعوس بن العباس بن قرعوس بن عبيد بن منصور بن محمد
بن يوسف الثقفي، أحد فقهاء الاندلس، سمع من مالك بن أنس،
وابن جريج، والليث، وغيرهم.
كان فاضلا ورعا عالما
بمذهب مالك وأصحابه، لا علم له بالحديث، روى عن مالك "
الموطأ " وشيئا من المسائل، توفي = (*)
(8/256)
وقبض على ناس كأبي كعب، وأخيه، ومالك بن يزيد القاضي،
وموسى بن سالم الخولاني، ويحيى بن مضر الفقيه، وأمثالهم من
أهل العلم والدين، في سبعة وسبعين رجلا، فضربت أعناقهم،
وصلبوا.
وأضاف إليهم عميه كليبا، وأمية، فصلبا، وأحرق القلوب
عليهم، وسار بأمرهم الرفاق، وعلم الحكم أنه محقود من الناس
كلهم، فأخذ في جمع الجنود والحشم وتهيأ، وأخذت العامة في
الهيج، واستأسد الناس، وتنمروا، وتأهبوا، فاتفق أن مملوكا
(1) خرج من القصر بسيف دفعه إلى الصيقل، فماطله، فسبه،
فجاوبه الصقيل، فتضاربا، ونال منه المملوك حتى كاد أن
يتلفه فلما تركه، أخذ الصيقل السيف فقتل به المملوك، فتألب
إلى المقتول جماعة، وإلى القاتل جماعة أخرى، واستفحل الشر،
وذلك في رمضان سنة اثنتين ومئتين، وتداعى أهل قرطبة من
أرباضهم، وتألبوا بالسلاح، وقصدوا القصر، فركب الجيش
والامام الحكم، فهزموا العامة، وجاءهم عسكر من خلفهم،
فوضعوا فيهم السيف، وكانت وقعة هائلة شنيعة، مضى فيها عدد
كثير زهاء عن أربعين ألفا من أهل الربض، وعاينوا البلاء من
قدامهم ومن خلفهم فتداعوا بالطاعة، وأذعنوا ولاذوا بالعفو،
فعفا عنهم على أن يخرجوا من قرطبة، ففعلوا وهدمت ديارهم
ومساجدهم، ونزل منهم ألوف بطليطلة، وخلق في الثغور، وجاز
آخرون البحر، ونزلوا بلاد البربر، وثبت جمع بفاس، وابتنوا
على ساحلها مدينة غلب على اسمها مدينة الاندلس، وسار جمع
منهم زهاء خمسة عشر ألفا،
__________
= بالاندلس سنة عشرين ومئتين.
" جذوة المقتبس ": 333، و " الديباج المذهب " 2 / 154 و
" ترتيب المدارك " 2 / 492.
(1) انظر " المغرب " 1 / 42.
(*)
(8/257)
وفيهم عمر بن شعيب الغليظ، فاحتلوا بالاسكندرية، فاتفق بعد
ذلك أن رجلا منهم اشترى لحما من جزار، فتضاجر معه، ورماه
الجزار بكرش في وجهه، فرجع بتلك الحالة إلى قومه، فجاؤوا
فقتلوا اللحام، فقام عليهم أهل الاسكندرية، فاقتتلوا،
وأخرجه الاندلسيون أهلها هاربين، وتملكوا الاسكندرية،
فاتصل الخبر بالمأمون، فأرسل إليهم، وابتاع المدينة منهم،
على أن يخرجوا منها وينزلوا جزيرة إقريطش (1)، فخرجوا،
ونزلوها، وافتتحوها، فلم يزالوا فيها إلى أن غلب عليها
أرمانوس بن قسطنطين سنة خمس وثلاث مئة.
وأما الحكم، فإنه اطمأن، وكتب إلى القائد محمد بن رستم
كتابا فيه: وأنه تداعى فسقة من أهل قرطبة إلى الثورة،
وشهروا السلاح، فأنهضنا لهم الرجال، فقتلنا فيهم قتلا
ذريعا، وأعان الله عليهم، فأمسكنا عن أموالهم وحرمهم.
ثم كتب الحكم كتاب أمان عام، وكان طالوت (2) اختفى سنة عند
يهودي، ثم خرج وقصد الوزير أبا البسام ليختفي عنده فأسلمه
إلى الحكم، فقال: ما رأي الامير في كبش سمين، وقف على
مذوده عاما، فقال الحكم: لحم ثقيل، ما الخبر ؟ قال: طالوت
عندي، فأمره بإحضاره،
__________
(1) هي في البحر المتوسط، وتعرف اليوم ب " كريت "، والذي
أنزلهم فيها هو عبد الله بن طاهر قائد المأمون المشهور،
ولاه مصر سنة 211، وقد خرج في جيوشه إلى الاسكندرية، فحاصر
أهلها ومن معهم من الاندلسيين سنة 212 ه، وصالحه
الاندلسيون على أن يخرجوا إلى
إقريطش (كريت) فيملكوها، وكان أميرهم أبو حفص عمر بن عيسى.
انظر " الولاة والقضاة " للكندي: 183، و " خطط المقريزي "
1 / 172، و " معجم البلدان " 1 / 236.
(2) هو طالوت بن عبد الجبار المعافري الاندلسي، دخل مصر،
وحج، ولقي مالك بن أنس، وعاد إلى قرطبة، " نفح الطيب " 2 /
639.
(*)
(8/258)
فأحضر، فقال: يا طالوت، أخبرني لو أن أباك أو ابنك ملك هذه
الدار، أكنت فيها في الاكرام والبر على ما كنت أفعل معك ؟
ألم أفعل كذا ؟ ألم أمش في جنازة امرأتك، ورجعت معك إلى
دارك ؟ أفما رضيت إلا بسفك دمي ؟ فقال الفقيه في نفسه: لا
أجد أنفع من الصدق.
فقال: إني كنت أبغضك لله فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله،
وإني لمعترف بذلك، أصلحك الله.
فوجم الخليفة وقال: اعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك،
فانصرف في حفظ الله، ولست بتارك برك، وليت الذي كان لم
يكن، ولكن أين ظفر بك أبو البسام لا كان، فقال: أنا أظفرته
بنفسي، وقصدته.
قال: فأين كنت في عامك ؟ قال: في دار يهودي، حفظني لله،
فأطرق الخليفة مليا، ورفع رأسه إلى أبي البسام وقال: حفظه
يهودي، وستر عليه لمكانه من العلم والدين، وغدرت به إذ
قصدك وخفرت ذمته، لا أرانا الله في القيامة وجهه إن رأينا
لك وجها.
وطرده وكتب لليهودي كتابا بالجزية فيما ملك، وزاد في
إحسانه، فلما رأى اليهودي ذلك، أسلم مكانه (1).
قال ابن مزين: وكان أهل طليطلة لهم نفوس أبية، وكانوا لا
يصبرون على ظلم بني أمية، فإن ولاتهم كان فيهم ظلم وتعد،
فكانوا يثبون على الوالي ويخرجونه، فولى عليهم الحكم
عمروسا (2)، رجلا منهم.
وكان عمروس داهية، فداخل الحكم، وعمل على رؤوس أهل طليطلة
حتى قتل
جماعة منهم.
__________
(1) انظر " المغرب " 1 / 43، و " نفح الطيب " 2 / 639.
(2) هو عمروس بن يوسف والي الحكم على الثغر، وأحد
المتفانين في الاخلاص له، وإن كانت بدرت منه بادرة عصيان،
ويشتهر بذبحه للزعماء المنشقين في فناء قصره كما ذكر
المؤلف فيما بدع.
انظر ابن خلدون 4 / 126.
(*)
(8/259)
قال ابن مزين: فأشار أولا على الاعيان ببناء قلعة تحميهم،
ففعلوا، فبعث إلى الخليفة كتابا بمعاملة منه، فيه شتمه
وسبه، فقام له، وقعد، وسب وأفحش، وبعث للخليفة ولده للغزو،
فاحتال عمروس على الاكابر حتى خرجوا، وتلقوه ورغبوه في
الدخول إلى قلعتهم، ومد سماطا واستدعاهم، فكان الداخل يدخل
على باب، ويخرج من باب آخر، فتضرب عنقه حتى كمل منهم كذلك
نحو الخمسة آلاف، حتى غلا بخار الدماء وظهرت الرائحة، ثم
بعث الحكم أمانا ليحيى بن يحيى الليثي.
مات الحكم سنة ست ومئتين في آخرها، وله ثلاث وخمسون سنة،
وولي الاندلس بعده ابنه أبو المطرف عبدالرحمن، فلنذكره.
58 - عبدالرحمن بن الحكم بن
هشام ابن الداخل، أمير الاندلس، أبو المطرف
المرواني، بويع بعد والده في آخر سنة ست ومئتين، فامتدت
أيامه، وكان وادعا حسن السيرة، لين الجانب، قليل الغزو،
غلبت المشركون في دولته على إشبيلية، ولكن الله سلم.
كتب إليه عبدالملك بن حبيب الفقيه يحرضه على بناء سور
إشبيلية، يقول له: حقن دماء المسلمين أيدك الله، وأعلى يدك
بابتناء السور أحق
وأولى.
فأخذ برأيه، وجمع بينه وبين زيادة جامع قرطبة، وابتنى أيضا
جامع إشبيلية على يد قاضيها عمرو بن عدبس، وكانت إشبيلية
من ناحية الوادي بلا سور.
__________
* العقد الفريد: 4 / 493، جذوة المقتبس: 10، الكامل لابن
الاثير: 6 / 9، 12، 35، 50، المغرب في حلي المغرب: 1 / 45،
51، الحلة السيراء: 61، البيان المغرب: 2 / 82، أخبار
مجموعة: 135، ابن خلدون: 4 / 127، نفح الطيب: 1 / 344.
(*)
(8/260)
فلما كانت سنة ثلاثين ومئتين طرق المجوس الاردمانيون (1)
إشبيلية في ثمانين مركبا في الوادي، فصادفوا أهلها على
غرارة بمطاولة أمد الامان لهم مع قلة خبرتهم بحربهم،
فطلعوا من المراكب، وقد لاح لهم خور من أهلها، فقاتلوهم،
وقووا على المسلمين، ووضعوا السيف فيهم، وملكوا إشبيلية
بعد القتل الذريع في أهلها حتى في النساء والبهائم،
وأقاموا بها سبعة أيام، فورد الخبر على الخليفة عبدالرحمن
بن الحكم، فاستنفر جيشه وبعث بهم إلى إشبيلية فحلوا
بالشرق، ووقع القتال، واشتد الخطب، وانتصر المسلمون،
واستحر القتل بالملاعين حتى فني جمع الكفرة، لعنهم الله،
وحرق المسلمون ثلاثين مركبا من مراكبهم، فكان بين دخولهم
إلى إشبيلية وهروبهم عنها ثلاثة وأربعون يوما.
وهذا كان السبب في بناء سور واديها (2).
وفي سنة خمس وثلاثين جاء سيل مهول حتى احتمل ربض قنطرة
قرطبة، واحتمل ست عشرة قرية إلى البحر بما فيها من الناس
والمواشي.
وهلك ما لا يعد ولا يحصى، فلا قوة إلا بالله.
وكان مولد عبدالرحمن بن الحكم بطليطلة في شعبان، سنة ست
وسبعين ومئة.
ومات في ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
__________
(1) هم النورمان، كانوا يغيرون على الاندلس من المنافذ
النهرية، وسماهم المسلمون " المجوس " لانهم كانوا يشعلون
النيران كثيرا، فظن المسلمون أنهم يعبدونها.
انظر ابن عذاري 2 / 130.
(2) انظر " المغرب " 1 / 49.
(*)
(8/261)
59 - محمد بن عبد الرحمن بن الحكم
* صاحب الاندلس، أبو عبد الله الاموي المرواني.
كان محبا للعلم، مؤثرا لاصحاب الحديث، مكرما لهم، حسن
السيرة، وهو الذي نصر بقي بن مخلد الحافظ على أهل الرأي.
قال بقي: ما كلمت أحدا من الملوك أكمل عقلا، ولا أبلغ لفظا
من الامير محمد، ولقد دخلت عليه يوما في مجلس خلافته،
فافتتح الكلام بحمد الله، والصلاة على نبيه، ثم ذكر
الخلفاء، فحلى كل واحد بحليته وصفته، وذكر مآثره بأفصح
لسان حتى انتهى إلى نفسه، فحمد الله على ما قدره، ثم سكت.
قلت: رأى مصنف أبي بكر بن أبي شيبة، إذ نازع أهل الرأي (1)
بقي ابن مخلد (2) فأمر بنسخه، وقال: لا تستغني خزانتنا عن
هذا.
__________
* العقد الفريذ: 4 / 493، جذوة المقتبس: 11، الكامل لابن
الاثير: 6 / 201، المغرب: 1 / 52، الحلة السيراء: 64،
البيان المغرب: 2 / 96، الوافي بالوفيات: 3 / 224، ابن
خلدون: 4 / 130، أخبار مجموعة: 141، نفح الطيب: 1 / 350.
(1) لقد خصص ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " جزءا أورد
فيه الاحاديث التي ادعى أن
أهل الرأي خالفوها، وقد رد عليه العلامة المحدث الشيخ زاهد
الكوثري في كتابه " النكت الطريفة " فراجعه.
قال ابن حزم: فلما دخل بقي بن مخلد الاندلسي بمصنف ابن أبي
شيبة، وقرئ عليه، أنكر عليه جماعة من أهل الرأي ما فيه من
الخلاف واستبشعوه، وقام جماعة من العامة عليه، ومنعوه من
قراءته، فاستحضره الامير محمد وإياهم، وتصفح الكتاب جزءا
جزءا، حتى أتى على آخره، ثم قال لخازن كتبه: هذا الكتاب لا
تستغني خزانتنا عنه، فانظر في نسخه لنا، وقال لبقي: انشر
علمك وارو ما عندك، ونهاهم أن يتعرضوا له.
" نفح الطيب " 2 / 519، و " جذوة المقتبس " 10، و " المغرب
" 1 / 52.
(2) هو الامام شيخ الاسلام أبو عبد الرحمن القرطبي، صاحب
المسند الكبير الذي روى فيه عن ألف وثلاث مئة صاحب ونيف،
ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنف، وكان
إماما ثقة ضابطا متقنا مجتهدا لا يقلد أحدا بل يفتي
بالاثر.
" تذكرة الحفاظ " 2 / 629، 630.
(*)
(8/262)
وكان ذا رأي وحزم وشجاعة وإقدام.
بويع عند موت والده في سنة ثمان وثلاثين، وله إحدى وثلاثون
سنة وذلك بعهد من والده.
وأمه: أم ولد.
وامتدت دولته، وقيل: إنه كان يتوغل في بلاد الروم، ويبقى
في الغزو السنة وأكثر.
قال أبو المظفر بن الجوزي: هو صاحب وقعة سليط (1).
وهي ملحمة مشهورة لم يعهد قبلها بالاندلس مثلها، يقال: قتل
فيها ثلاث مئة ألف كافر.
وهذا شئ لم نسمع بمثله.
قال: وللشعراء فيه مدائح كثيرة.
قال اليسع بن حزم: كان محمد يسمى: بالامين.
قلت: مات في آخر صفر سنة ثلاث وسبعين ومئتين عن أربع وستين
سنة.
رحمه الله.
60 - المنذر بن محمد بن
عبدالرحمن بن الحكم * أبو الحكم المرواني، صاحب
الاندلس، تملك بعد والده، فكانت دولته سنتين، فمات وهو
يحاصر عمر بن حفصون (2)، رأس الخوارج
__________
(1) انظر " الكامل " لابن الاثير 7 / 73، 74، و " نفح
الطيب " 1 / 350.
* العقد الفريد: 4 / 496، ابن القوطية: 119، جذوة المقتبس:
11، الكامل لابن الاثير: 7 / 51، الحلة السيراء: 65،
البيان المغرب: 2 / 116.
بلغة الظرفاء: 32، ابن خلدون: 4 / 132، نفح الطيب: 1 /
352، أخبار مجموعة.
149، ومخطوطة الرباط: 124.
(2) قال الحميدي في " جذوة المقتبس ": 301: هو عمر بن حفص
المعروف بابن حفصون، كان من الخوارج القائمين بالاندلس
بأعمال رية قبل سنة خمس وسبعين ومئتين، وكان جلدا شجاعا
أتعب السلاطين، وطال أمره، لانه كان يتحصن عند الضرورة
بقلعة هنالك، تعرف بقعلة ببشتر موصوفة بالامتناع.
(*)
(8/263)
بالاندلس.
وكان هذا بدويا يجلب السمك بالاندلس، فآل به الامر إلى أن
كثر جمعه، واستولى على جماعة حصون.
مات المنذر في نصف صفر سنة خمس وسبعين ومئتين، وله ست
وأربعون سنة.
61 - عبد الله بن محمد بن
عبدالرحمن * الامير أبو محمد المرواني، أخو المنذر.
تملك الاندلس بعد أخيه، وامتدت أيامه وكان أسن من أخيه
بعام، وكان لينا وادعا، يحب العافية.
فقام عليه في كل قطر من الاندلس متغلب،
وتناقض أمر المروانية في دولته.
قال أحمد بن محمد بن عبد ربه: كان الامير عبد الله من
أفاضل أمراء بني أمية.
بنى الساباط، وواظب الخروج عليه إلى الجامع، والتزم الصلاة
إلى جانب المنبر طول مدته.
وقال محمد بن وضاح: كان عبد الله الامير من الصالحين
المتقين العالمين، روى العلم كثيرا، وطالع الرأي، وأبصر
الحديث، وحفظ القرآن، وتفقه، وأكثر الصوم.
وكان يلتزم الصلوات في الجامع، فيمر بالصف، فيقوم الناس
له، فكتب إليه سعيد بن حمير: أيها الامام أنت من المتقين،
وإنما يقوم الناس لرب العالمين، فلا ترض من رعيتك بغير
الصواب، فإن العزة لله جميعا.
فأمر العامة بترك ذلك فلم ينتهوا، فحينئذ ابتنى الساباط
طريقا مشهورا من قصره إلى المقصورة.
__________
* العقد الفريد: 4 / 497، المقتبس: 12، الكامل لابن
الاثير: 8 / 24، الحلة السيراء: 65، ابن خلدون: 4 / 132،
نفح الطيب: 1 / 352.
(*)
(8/264)
قال اليسع بن حزم: استضعفت دولة بني أمية، وقام ابن حفصون،
وكان نصراني الاصل، فأسلم وتنصح (1) وألب وحشد، وصارت
الاندلس شعلة تضرم، ولم يبق لبني أمية منبر يخطب فيه إلا
منبر قرطبة، والغارات تشن عليها حتى قام عبدالرحمن الناصر،
فتراجع الامر.
مات عبد الله في أول ربيع الاول سنة ثلاث مئة، وله اثنتان
وسبعون سنة.
62 - عبدالرحمن بن محمد بن عبد
الله * ابن محمد بن عبدالرحمن بن الحكم بن هشام بن
الداخل عبد
الرحمن، سلطان الاندلس، المدعو: أمير المؤمنين، الناصر
لدين الله، أبو المطرف الاموي المرواني.
كان أبوه محمد ولي عهد والده عبد الله بن محمد، فقتله أخوه
أبو القاسم المطرف، فقتله أبوهما به.
ففي سنة سبع وسبعين ومئتين قتل محمد، وله سبع وعشرون سنة،
وتأخر قتل المطرف إلى رمضان سنة اثنتين ومئتين.
ولما قتل محمد، كان لعبد الرحمن هذا عشرون يوما.
وولي الخلافة بعد جده.
__________
(1) تنصح: أي تشبه بالنصحاء، والتنصح: كثرة النصح، ومنه
قول أكثم بن صيفي: إياكم والتنصح فإنه يورث التهمة.
* العقد الفريد: 4 / 498، جذوة المقتبس: 13، الكامل لابن
الاثير: 8 / 177، المغرب في حلي المغرب: 1 / 180، 186،
الحلة السيراء: 99، طبقات السبكي: 2 / 330، ابن خلدون: 4 /
137، نفح الطيب: 1 / 353 - 371، أزهار الرياض: 2 / 257 -
284، المنتخب لابن شقدة (مخطوط)، وأخبار مجموعة: 153،
غزوات العرب: 167 - 182، تراجم إسلامية: 142.
(*)
(8/265)
قال ابن حزم: كانت خلافته من المستطرف، لانه كان شابا
وبالحضرة جماعة من أعمامه، وأعمام أبيه، فلم يعترض معترض
عليه.
واستمر له الامر، وكان شهما صارما.
وكل من تقدم من آبائه لم يتسم أحد منهم بإمرة المؤمنين،
وإنما كانوا يخاطبون بالامارة فقط، وفعل مثلهم عبدالرحمن
إلى السنة السابعة والعشرين من ولايته، فلما بلغه ضعف
الخلافة بالعراق، وظهور الشيعة
العبيدية بالقيروان، رأى أنه أحق بإمرة المؤمنين، ولم يزل
منذ ولي الاندلس يستنزل المتغلبين، حتى صارت المملكة كلها
في طاعته، وأكثر بلاد العدوة، وأخاف ملوك الطوائف حوله
(1).
وابتدأ ببناء مدينة الزهراء في اول سنة خمس وعشرين وثلاث
مئة فكان يقسم دخل مملكته أثلاثا: فثلث يرصده للجند، وثلث
يدخره في بيت المال، وثلث ينفقه في الزهراء.
وكان دخل الاندلس يومئذ خمسة آلاف ألف دينار، وأربع مئة
ألف وثمانين ألفا، ومن السوق والمستخلص سبع مئة ألف دينار
وخمسة وستون ألفا.
ذكر ابن أبي الفياض في " تاريخه " قال: أخبرت أنه وجد في
تاريخ الناصر أيام السرور التي صفت له، فعدت، فكانت أربعة
عشر يوما، وقد ملك خمسين سنة ونصفا.
قال اليسع بن حزم: نظر أهل الحل والعقد، من يقوم بأمر
الاسلام،
__________
(1) " المغرب " 1 / 181، 182.
(*)
(8/266)
فما وجدوا في شباب بني أمية من يصلح للامر إلا عبدالرحمن
بن محمد، فبايعوه وطلب منهم المال فلم يجده، وطلب العدد
فلم يجدها، فلم يزل السعد يخدمه إلى أن سار بنفسه لابن
حفصون، فوجده مجتازا لوادي التفاح، ومعه أكثر من عشرين ألف
فارس كذا نقل اليسع، وما أحسب أن ابن حفصون بقي إلى هذا
التاريخ قال: فهزمه، وأفلت ابن حفصون في نفر يسير، فتحصن
بحصن مبشر.
ولم يزل عبدالرحمن يغزو حتى أقام العوج، ومهد البلاد، ووضع
العدل، وكثر الامن، ثم بعث جيشا إلى المغرب، فغزا برغواطة
بناحية سلا (1)، ولم تزل كلمته نافذة، وسجلماسة (2)، وجميع
بلاد القبلة، وقتل ابن حفصون.
وصارت الاندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالا، وصفا وجهه
للروم، وشن الغارات على العدو، وغزا بنفسه بلاد الروم
اثنتي عشرة غزوة، ودوخهم، ووضع عليه الخراج، ودانت له
ملوكها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في
بناء الزهراء التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة.
وساق إليها أنهارا، ونقب لها الجبل، وأنشأها مدورة، وعدة
أبراجها ثلاث مئة برج، وشرفاتها من حجر واحد، وقسمها
أثلاثا: فالثلث المسند إلى الجبل قصوره، والثلث الثاني دور
المماليك والخدم، وكانوا اثني عشر ألفا بمناطق الذهب،
يركبون لركوبه، والثلث الثالث بساتين تحت القصور.
وعمل مجلسا مشرفا على البساتين، صفح عمده بالذهب، ورصعه
بالياقوت والزمرد، واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع
قدامه بحرة مستديرة
__________
(1) مدينة المغرب على ساحل المحيط الاطلسي، قرب المعمورة
وبقربها برغواطة.
(2) مدينة داخلية في جنوب المغرب بينها وبين فاس عشرة
أيام.
(*)
(8/267)
ملاها زئبقا، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، فدخل عليه
قاضيه، منذر بن سعيد البلوطي (1)، فوقف وقرأ: (ولولا أن
يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم
سقفا من فضة.
) الآيتين: [ الزخرف: 33، 34 ].
فقال: وعظت أبا الحكم، ثم قام عن المجلس، وأمر بنزع الذهب
والجواهر.
وقال عبد الواحد المراكشي في " تاريخه ": اتسعت مملكة
الناصر،
وحكم على أقطار الاندلس، وملك طنجة وسبتة، وغيرهما من بلاد
العدوة، وكانت أيامه كلها حروبا.
وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين برهة.
ويقال: إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء
في اليوم، مع البناء اثنا عشر فاعلا.
حكى أبو الحسن الصفار: أن يوسف بن تاشفين ملك المغرب لما
دخل الزهراء، وقد خربت بالنيران والهدم، من تسعين سنة قبل
دخوله إليها، وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة وإشبيلية،
ونظر آثارا تشهد على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان
سفيها، فقال له أبو مروان بن سراج: كيف يكون سفيها وإحدى
كرائمه أخرجت مالا في فداء أسارى في أيامه، فلم يوجد ببلاد
الاندلس أسير يفدى.
__________
هو المنذر بن سعيد البلوطي، قاضي الجماعة بقرطبة، كان
عالما فقيها، وأديبا بليغا، وخطيبا مصقعا، متكلما بالحق،
متبينا بالصدق، له كتب مؤلفة في السنة والقرآن والورع
والرد على أهل الاهواء والبدع، وله اليوم المشهور الذي ملا
فيه الاسماع، وبهر القلوب بخطبته البليغة التي ارتجلها بين
يدي الناصر في ذلك الجمع الحاشد المهيب، الذي أعده
لاستقبال رسول ملك الروم، فأعجب به الناصر أيما إعجاب،
فقال لابنه: والله لقد أحسن ما شاء، ولئن أخرني الله بعد
لارفعن من ذكره، فضع يدك عليه، واستخلصه، وذكرني بشأنه،
فما للصنيعة مذهب عنه، ثم ولاه الصلاة والخطابة في المسجد
الجامع بالزهراء، " نفح الطيب " 1 / 366.
374.
(*)
(8/268)
توفي الناصر في رمضان سنة خمسين وثلاث مئة، وستعاد ترجمته
مختصرة بزيادات مهمة، وأنه افتتح سبعين حصنا.
رحمه الله.
63 - الحكم بن عبدالرحمن بن
محمد *
أمير المؤمنين بالاندلس، أبو العاص، المستنصر بالله بن
الناصر الاموي المرواني.
بويع بعد أبيه في رمضان سنة خمسين وثلاث مئة.
وكان حسن السيرة، جامعا للعلم، مكرما للافاضل، كبير القدر،
ذا نهمة مفرطة في العلم والفضائل، عاكفا على المطالعة.
جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك، لا قبله ولا
بعده، وتطلبها، وبذل في أثمانها الاموال، واشتريت له من
البلاد البعيدة بأغلى الاثمان، مع صفاء السريرة والعقل
والكرم، وتقريب العلماء.
أكثر عن زكريا بن الخطاب، وأجاز له قاسم [ بن ] ثابت (1)
كتاب: " الدلائل في غريب الحديث ".
وكتب عن خلق كثير منهم: قاسم بن أصبغ، ومحمد بن محمد بن
عبد السلام الخشني، وأحمد بن دحيم.
ولقد ضاقت خزائنه بالكتب إلى [ أن ] صارت إليه، وآثرها على
لذات
__________
* جمهرة الانساب: 92، جذوة المقتبس: 13، الكامل لابن
الاثير: 8 / 224، ابن خلدون: 4 / 144، نفح الطيب 1 / 382 -
396، أزهار الرياض: 2 / 286 - 294.
(1) هو قاسم بن ثابت السرقسطي الاندلسي الامام الجليل
الفقيه المحدث الورع الناسك، وكتابه " الدلائل " في شرح ما
أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث كتاب نفيس في
بابه، ولكنه لم يكمله، فأتمه بعده أبوه ثابت، فقد بقي حيا
بعد وفاة ابنه أحد عشر عاما، وكان كابنه فقيها محدثا
لغويا.
قال الحميدي: ذكره أبو محمد علي بن أحمد، وأثنى عليه،
وقال: ما شآه أبو عبيد إلا بتقدم العصر.
" الديباج المذهب " 2 / 147، 148.
(*)
(8/269)
الملوك، فغزر علمه، ودق نظره، وكان له يد بيضاء في معرفة
الرجال والانساب، والاخبار، وقلما تجد له كتابا إلا وله
فيه قراءة أو نظر، من أي فن
كان.
ويكتب فيه نسب المؤلف، ومولده ووفاته، ويأتي من ذلك بغرائب
لا تكاد توجد.
ومن محاسنه أنه شدد من مملكته في إبطال الخمور تشديدا
عظيما.
وكان أخوه الامير عبد الله المعروف بالولد، على أنموذجة في
محبة العلم، فقتل في أيام أبيه.
وكان المستنصر موثقا فيما ينقله.
ذكره ابن الابار في تاريخه.
وقال: عجبا لابن الفرضي، وابن بشكوال، كيف لم يذكراه.
مولده في سنة اثنتين وثلاث مئة.
قال اليسع بن حزم: كان الحكم عالما، راوية للحديث، فطنا،
ورعا.
وفد عليه أبو علي القاضي، وأبو علي الزبيدي، وغيرهما.
ولما توفي القاضي منذر بن سعيد استعمل على القضاء الفقيه
ابن بشير، فشرط عليه نفوذ الحق والعدل، فرفع إليه تاجر أنه
ضاعت له جارية صغيرة، وأنها في القصر، فانتهى الامر إلى
الحكم، فقال الحكم: نرضي هذا التاجر بكل ما عسى أن يرضى
به، فقال ابن بشير: لا يكمل عدلك حتى تنصف من نفسك، وهذا
قد ادعى أمرا، فلابد من إحضارها، وشهادة الشهود على عينها،
فأحضرها الحكم، وأنصف التاجر.
وفي دولة الحكم همت الروم بأخذ مواضع من الثغور، فقواها
بالمال والجيوش، وغزا بنفسه، وزاد في القطيعة على الروم،
وأذلهم.
(8/270)
وكان موته بالفالج في صفر ست وستين وثلاث مئة.
وخلف ولدا وهو هشام، فأقيم في الخلافة بتدبير الوزير ابن
أبي عامر القحطاني.
64 - هشام بن الحكم *
ابن عبد الرحمن الخليفة، المؤيد بالله بن المستنصر بالله
بن الناصر، الاموي الاندلسي، أبو الوليد.
ولي الامر بعد والده، وطالت أيامه.
مولده بمدينة الزهراء، في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين.
وبويع وله اثنا عشر عاما بإشارة الدولة، وقام بتدبير
الخلافة المنصور محمد بن أبي عامر، واستبد بالامور، فقبض
أول شئ على عمه المغيرة بن الناصر.
وكان هشام العاشر من ملوك بني أمية بالاندلس، وكان ضعيف
الرأي أخرق، محجورا عليه، فكان صورة، وكان المنصور هو
الكل، فساس المملكة أتم سياسة، وغزا عدة غزوات ضخام.
وسيأتي في حدود الاربع مئة خبر المؤيد، وهذا المنصور.
65 - يعلى بن الاشدق *
* العقيلي، البدوي، المعمر،
__________
جذوة المقتبس: 17، الكامل لابن الاثير: 8 / 224، النبراس:
22، البيان المغرب: 2 / 253 و 3 / 3، 112، 197، ابن خلدون
4 / 147، نفح الطيب: 1 / 187.
* * التاريخ الكبير: 8 / 419، التاريخ الصغير: 2 / 179،
المعرفة والتاريخ: 1 / 257، الجرح والتعديل: 9 / 330، كتاب
المجروحين والضعفاء: 3 / 141، الكامل لابن عدي: 4 / 469 /
1، ميزان الاعتدال 4 / 456 - 457.
(*)
(8/271)
حدث عن، عمه عبد الله بن جراد، ورقاد بن ربيعة، وكليب بن
جري الاعراب.
وزعم أن لهم صحبة، وعن النابغة الجعدي.
وعنه: عمر بن إسماعيل بن مجالد، وإسماعيل بن عبد الله قاضي
دمشق، وداود بن رشيد، وأبو وهب الوليد بن عبدالملك، وهاشم
بن قاسم الحرانيان، وأيوب بن محمد الوزان، وآخرون.
كنيته أبو الهيثم، وكان تالفا يدور النواحي، ويشحذ.
قال أحمد الابار: سألت الوزان عنه فقال: كان من أهل
البادية، كتب عنه أهل حران، رأيت له ابنا كأنه أكبر منه،
وبنتا كأنها أمه، فظننت أنها أمه.
فقال: هذه بنتي ولدت بعد المئة.
وقال أبو وهب: سمعته يقول: لي مئة وست وعشرون سنة ونصف.
وقال أبو حاتم: قال أبو مسهر: قدم يعلى دمشق، وكان
أعرابيا، فحدث عن عبد الله بن جراد سبعة أحاديث.
فقلنا: لعله حق، ثم جعلها عشرة، ثم عشرين، ثم جعلها
أربعين.
وكان سائلا يسأل الناس.
وقال البخاري: لا يكتب حديثه.
وقال أبو زرعة: لا يصدق.
وقال ابن عدي: بلغني عن أبي مسهر قال: قلت ليعلى: ما سمع
عمك من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: " جامع الثوري " و
" موطأ " مالك " وشيئا من الفوائد.
وقال ابن حبان: وضعوا له أحاديث، فحدث بها، ولم يدر.
(*)
(8/272)
قلت: بقي إلى [ ما ] بعد ثمانين ومئة.
66 - العطاف * (ت، س)
ابن خالد بن عبد الله بن العاص بن وابصة بن خالد بن عبد
الله بن عمر
ابن مخزوم، الامام أبو صفوان المخزومي المدني، أحد المشايخ
الثقات.
حدث عن: نافع، وزيد بن أسلم، وأبي حازم المديني، وجماعة.
وعنه: أبو اليمان، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن إياس، وسعيد
بن منصور، وقتيبة، وأبو مصعب، وآخرون.
وثقه أحمد بن حنبل.
وقال أبو داود: ليس به بأس.
وقال البخاري: لم يحمده مالك.
وقال أبو أحمد في " الكنى ": ليس بالمتين عندهم، غمزه
مالك.
وقال أبو حاتم: ليس بذاك.
قلت: تفرد عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه
وسلم: أقاد من خدش (1).
وهذا منكر، لكن تفرد به عنه مخلد بن مالك.
وللعطاف نحو من مئة حديث، وهو نحو فليح، وابن أبي حازم في
القوة.
__________
* التاريخ لابن معين: 406، المعرفة والتاريخ: 1 / 241،
242، و 2 / 300، الجرح والتعديل: 7 / 32، كتاب المجروحين:
2 / 193، تهذيب الكمال: 941، ميزان الاعتدال: 3 / 69،
تهذيب التهذيب: 7 / 221، خلاصة تذهيب الكمال: 306.
(1) ذكره ابن عدي في " الكامل " 4 / 260 / 2، من طريق سعيد
بن عثمان الحراني، والحسين بن أبي معشر، قالا: حدثنا مخلد
بن مالك، حدثنا العطاف بن خالد، عن نافع، عن ابن عمر..،
وقال: وهذا لم أسمعه بهذا الاسناد إلا منهما جميعا، وهو
منكر.
(*)
(8/273)
وسمعه يحيى بن بكير يقول: أنا أسن من مالك، ولدت سنة إحدى
وتسعين.
قلت: موته قريب من وفاة مالك.
67 - إبراهيم بن صالح * ابن
علي بن عبد الله بن عباس العباسي، أمير الشام
للمهدي، ثم أمير مصر للرشيد، وزوجه بأخته، وهو أخو
عبدالملك.
قيل: مرض إبراهيم، فقال الرشيد لجبريل الطبيب: ما أبطأك ؟
قال: تشاغلت بإبراهيم، لانه يموت.
فبكى وجزع، ولم يأكل.
فقال جعفر: هذا أعلم بطب الروم، وابن بهلة (1) أعلم بطب
الهند، فبعث بابن بهلة فرجع، وقال: إنه لا يموت في علته،
فأكل الرشيد وسكن.
فلما أمسوا جاءه الموت، فبكى الرشيد، فأتاه ابن بهلة وقال:
إنه لم يمت، فدخل الرشيد معه.
قال: فنخسه بمسلة تحت ظفره، فحرك يده شيئا، ثم أمر بنزع
الكفن عنه، ودعا بمنفاخ وكندس (2)، فنفخ في أنفه، فعطس
وفتح عينيه، فرأى الرشيد فأخذ يده، فقبلها، فقال: كيف حالك
؟ قال: كنت في ألذ نومة، فعض شئ أصبعي فآلمني، وعوفي.
ثم زوجه بأخته عباسة، وولاه مصر، وبها مات.
فكان يقال: رجل مات ببغداد، ومات ودفن بمصر.
__________
* الطبري: 8 / 148، المعرفة والتاريخ: 1 / 156، 682،
الولاة والقضاة: 123، 135، البداية والنهاية 10 / 169،
تهذيب تاريخ ابن عساكر: 1 / 222.
(1) قال ابن أبي أصيبعة في " عيون الانباء " ص 475: هو
صالح بن بهلة الهندي، متميز من علماء الهند، وكان خبيرا
بالمعالجات التي لهم، وكان بالعراق في أيام الرشيد هارون،
وقد أورد له هذا الخبر بأطول مما هنا.
(2) قال صاحب " القاموس ": هو عروق نبات، داخله أصفر
وخارجه أسود، مقيئ، مسهل، جلاء للبهق، وإذا سحق ونفخ في
الانف عطس وأنار البصر الكليل وأزال العشا.
(*)
(8/274)
مات سنة ست وسبعين ومئة في شعبان.
وله عدة إخوة أمراء، سادة، قادة، قل أن يتفق إخوة مثلهم في
الجلالة والسؤدد، وهم: إسماعيل، وعبد الوهاب، وعبد الله،
وعبد الملك، والفضل.
68 - الفيض * ابن أبي صالح
شيرويه، الوزير الكبير، أبو جعفر الفارسي، أسلم،
وكان نصرانيا، فوزر للمهدي في أواخر دولته.
وكان سخيا جوادا، يضرب بكرمه المثل، وفيه تيه مفرط، أنسى
الناس تيه الوزير أبي عبد الله (1).
قال الصولي: لم يزل وزيرا حتى مات المهدي، ثم ولي الفيض
ديوان الجيش إلى أن مات في سنة ثلاث وسبعين ومئة.
69 - عمارة بن حمزة * *
الهاشمي، مولاهم، الكاتب الاديب، أحد بلغاء زمانه، ورئيس
وقته، من أولاد عكرمة مولى ابن عباس، قاله ابن خلكان، قال:
وكان كاتب المنصور، وكان أعور.
__________
* تاريخ الطبري: 6 / 184، الوزراء والكتاب للجهشياري: 164،
166، 254، وفيات الاعيان: 7 / 26.
(1) هو يعقوب بن داود بن عمر، وستأتي ترجمته.
* * تاريخ خليفة: 436، تاريخ الطبري 6 / 183 و 8 / 51،
الفهرست لابن النديم: 1 / 118، معجم الادباء: 15 / 242،
257، إرشاد الاريب: 6 / 3 - 11، النجوم الزاهرة: 2 / 164،
رغبة الامل: 8 / 144.
(*)
(8/275)
وكان المنصور والمهدي يقدمانه لبلاغته، ويحتملان أخلاقه،
وله رسائل مجموعة.
كان فصيحا مفوها، جوادا، ممدحا، صلفا، تياها، يضرب بكبره
المثل.
ولي أعمالا جليلة.
صودر يحيى بن خالد البرمكي مرة، فبعث ولده إلى عمارة
ليقرضه مئتي ألف دينار، فأعطاه، فلما عاد أمره، ونفذ إليه
بالمال، عبس وقال: أكنت صيرفيا له ؟ ثم قال لولده الفضل بن
يحيى: خذها لك.
وعن عبد الله بن أبي أيوب قال: وصل عمارة أبي بثلاث مئة
ألف درهم.
وقيل: إن جماعة أتوه ليشفعوا في بر قوم، فأمر لهم بمئة ألف
درهم، وكان كثير الاموال والنعم.
70 - عبيس بن ميمون * [
ق ] الامام المحدث، أبو عبيدة التيمي، الرقاشي، البصري،
الخزاز.
[ روى ] عن بكر المزني، ومعاوية بن قرة، وثابت، ويحيى بن
أبي كثير، والقاسم بن محمد إن كان لحقه وعون بن أبي شداد،
وعدة.
__________
* التاريخ الكبير 7 / 79، التاريخ الصغير: 2 / 181، 205،
كتاب المجروحين والضعفا: 2 / 186، الضعفاء: 3 / 244، تهذيب
الكمال: 901، تذهيب التهذيب: 3 / 26 / 1، ميزان الاعتدال:
3 / 26، تهذيب التهذيب: 7 / 88، وقد تحرف في التقريب،
وتهذيب التهذيب إلى عبيدة.
الجرح والتعديل 7 / 34.
(*)
(8/276)
وعنه: الطيالسي، وأبو عصام، ومسلم، ويحيى بن غيلان، وسعيد
ابن منصور، وخلف بن هشام، وأحمد بن عبدة، وقتيبة، وداهر بن
نوح، وخلق.
قال أحمد: له أحاديث منكرة.
وقال ابن معين: متروك.
وقال أيضا: ليس بشي ء.
وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ترك.
قلت: له في ابن ماجه حديث واحد (1).
وتوفي في حدود الثمانين ومئة.
71 - خالد بن عبد الله
* (ع) ابن عبد الرحمن بن يزيد الحافظ الامام الثبت أبو
الهيثم، ويقال: أبو محمد المزني، مولاهم الواسطي، الطحان،
ويقال: ولاؤه للنعمان بن مقرن.
حدث عن حصين بن عبدالرحمن، وبيان بن بشر، وأبي طوالة،
وسهيل بن أبي صالح، وعاصم بن كليب، وعاء بن السائب، ومغيرة
بن مقسم، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وإسماعيل بن أبي
خالد، وأبي
__________
(1) (2234) في التجارات: باب الاسواق ودخولها، من حديث
سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الايمان، ومن غدا
إلى السوق غدا براية إبليس ".
وإسناده ضعيف لضعف عبيس بن ميمون، ولجهالة اثنين من رواته.
* طبقات الخليفة: 326، تاريخ خليفة: 456، المعرفة
والتاريخ: 1 / 171، 341، 2 / 536، 549، الجرح والتعديل: 3
/ 340، تاريخ بغداد: 8 / 295، تهذيب الكمال: 361، تذهيب
التهذيب: 1 / 189 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 259، العبر 1 /
273، 407، 443، تهذيب التهذيب: 3 / 100، خلاصة تذهيب
الكمال: 101.
(*)
(8/277)
بشر جعفر بن ابي وحشية، والجريري، وعمرو بن يحيى بن عمارة
المازني، ومطرف بن طريف، وواصل مولى أبي عيينة، وليث بن
أبي سليم، وسليمان التيمي، ويونس بن عبيد، وأبي إسحاق
الشيباني، وأبي حيان التيمي، ويزيد بن أبي زياد، وخلق
كثير، وأبي حصين، وما أظنه سمع من الاعمش.
وعنه: يحيى القطان، ووكيع، وابن مهدي، ومسدد، ويحيى بن
يحيى، وأبو عمر الحوضي، وسعيد بن يعقوب الطالقاني، ومحمد
بن الصباح الدولابي، وعمرو بن عون، ومحمد بن سلام
البيكندي، ومحمد ابن مقاتل المروزي، ومعلى بن منصور، ووهب
بن بقية، وقتيبة، وعبد الحميد بن بيان وإسحاق بن شاهين،
وخلق سواهم.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال أبي: كان خالد الطحان
ثقة صالحا في دينه.
بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات، وهو أحب إلينا من
هشيم.
وقال عبد الله بن أحمد أيضا: قال أبي: كان خالد من أفاضل
المسلمين، اشترى نفسه من الله أربع مرات، فتصدق بوزن نفسه
فضة أربع مرات.
وقال ابن سعيد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة.
وقال الترمذي: ثقة حافظ.
وقال أبو حاتم أيضا: صحيح الحديث.
قال أبو داود: قال إسحاق الازرق: ما أدركت أفضل من خالد
الطحان.
قيل: قد رأيت سفيان ؟ قال: كان سفيان رجل نفسه، وكان خالد
رجل عامة.
(8/278)
وقال محمد بن عبد الله بن عمار: هو أثبت من جرير بن
عبدالحميد.
وأما عثمان بن أبي شيبة، فكان يقدم جريرا على خالد بن عبد
الله.
قال عمرو بن عون: ما صليت خلف ابن عبد الله إلا سمعت قطر
دموعه على البارية (1).
وقال علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي: ولد سنة عشر ومئة.
وقال عبدالحميد بن بيان: مات خالد الطحان في رجب سنة تسع
وسبعين ومئة، وكان لا يخضب، وفيها أرخه يعقوب الفسوي (2).
وقال خليفة، وابن سعد: مات سنة اثنتين وثمانين ومئة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أكمل بن أبي الازهر، أخبرنا
سعيد ابن أحمد، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو بكر بن
زنبور، أخبرنا عبد الله ابن أبي داود، حدثنا إسحاق بن
شاهين، حدثنا خالد، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن
أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في الجنة
بحر الماء، وبحر اللبن، وبحر الخمر، وبحر العسل، ثم تتفجر
الانهار بعد ".
تابعه بهز بن حكيم، عن أبيه، أخرجه الترمذي من حديث يزيد
بن هارون عن بهز (3)، وصححه، وانفرد بإخراجه عن باقي
الائمة.
__________
(1) هو بفتح الباء، وتشديد الياء: الحصير المنسوج، فارسي
معرب.
(2) 1 / 171.
(3) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فليس في السند عند
الترمذي بهز بن حكيم، وإنما رواه هو (2571)، وأحمد 5 / 5،
والدارمي 2 / 337 من طريق يزيد بن هارون، عن الجريري سعيد
بن إياس، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه ورجاله ثقات.
وصححه ابن حبان (2623) من
طريق خالد بن عبد الله الواسطي، عن الجريري، عن حكيم بن
معاوية، عن أبيه.
ولفظ الترمذي: " ثم تشقق الانهار بعد "، ولفظ ابن حبان: "
ثم تنشق منها بعد الانهار "، ولفظ الدارمي: " ثم تشقق منه
الانهار ".
(*)
(8/279)
72 - موسى بن أعين
* (خ، م، د، س، ق) (1) الامام الحجة، أبو سعيد الحراني.
[ روى ] عن عطاء بن السائب، وليث، وعبد الكريم الجزري،
والاعمش، وعبد الله بن محمد بن عقيل، ومطرف بن طريف، ويزيد
بن أبي زياد، ومعمر، وخلق.
وعنه: إسماعيل بن عبد الله بن سماعة، وأحمد بن أبي شعيب،
وعبد الغفار بن داود، وسعيد بن حفص النفيلي، وقرابته أبو
جعفر النفيلي، ويحيى بن يحيى، وآخرون.
وثقه أبو حاتم وغيره.
توفي سنة سبع وسبعين ومئة.
73 - أما المفضل بن فضالة
* * (د، ت، ق) ابن أبي أمية، أبو مالك القرشي، مولاهم
البصري، أخو مبارك بن فضالة، فأقدم قليلا، من صاحب
الترجمة.
روى عن بكر بن عبد الله المزني، وثابت البناني، وحبيب بن
الشهيد، وعاصم بن أبي النجود، وجماعة.
__________
* طبقات خليفة: 32، الجرح والتعديل: 8 / 136، مشاهير علماء
الامصار: 186، تهذيب الكمال: 1385، تذهيب التهذيب: 4 / 77
/ 1، العبر: 1 / 271، تهذيب التهذيب: 10 / 335، خلاصة
تذهيب الكمال: 389.
(1) الرموز سقطت من الاصل، واستدركت من " التهذيب ".
* * التاريخ لابن معين: 582، الجرح والتعديل: 8 / 317،
الولاة والقضاة: 377، 385، حلية الاولياء: 8 / 321، الجمع:
511، ميزان الاعتدال: 4 / 169، تذكرة الحفاظ: 1 / 132،
البداية والنهاية: 10 / 179.
(*)
(8/280)
وعنه: حماد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو سلمة، ويونس
ابن محمد، وجماعة.
قال النسائي وغيره: ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
قلت: له في الكتب حديث واحد (1).
74 - أبو الأحوص * (ع)
الامام الثقة الحافظ، سلام بن سليم الحنفي، مولاهم الكوفي.
حدث عن: زياد بن علاقة، والاسود بن قيس، وآدم بن علي، وعبد
العزيز بن رفيع، وسعيد بن مسروق، وسماك بن حرب، وأبي
إسحاق، وإبراهيم بن مهاجر، وأبي بشر بيان بن بشر، وأشعث بن
أبي الشعثاء، وشبيب بن غرقدة، وأبي حصين، ومنصور، وعاصم بن
كليب، وعبد
__________
(1) وهو ما أخرجه أبو داود (3925) في الطب، والترمذي
(1818) في الاطعمة، وابن ماجه (3542) في الطب، من حديث
مفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن
جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم
فوضعها معه في القصعة، وقال: " كل ثقة بالله وتوكلا عليه
".
وهذا سند ضعيف لضعف المفضل، ثم إن الحديث مخالف لما أخرجه
مسلم في " الصحيح " (2231) في السلام: باب اجتناب المجذوم،
من حديث الشريد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل
إليه النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا قد بايعناك فارجع "،
وأخرج البخاري تعليقا
10 / 132، ووصله أبو نعيم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " وفر من المجذوم كما تفر من الاسد ".
* الطبقات الكبرى: 6 / 379، تاريخ خليفة: 451، طبقات
خليفة: 169، التاريخ الكبير: 4 / 135، التاريخ الصغير: 2 /
218، المعارف لابن قتيبة: 509، المعرفة والتاريخ: 1 / 171،
الجرح والتعديل: 4 / 259، تهذيب الكمال: 565، تذهيب
التهذيب: 2 / 66 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 605، ميزان
الاعتدال: 2 / 176، العبر: 1 / 274، تهذيب التهذيب: 4 /
283، خلاصة تذهيب الكمال: 160، شذرات الذهب: 1 / 292.
(*)
(8/281)
الكريم الجزري، وخلق سواهم.
وعنه: عبدالرحمن بن مهدي، ووكيع، ويحيى بن آدم، وخلف بن
تميم، والحسن بن الربيع البوراني، وأبو توبة الربيع بن
نافع، وسعيد بن منصور، وعاصم بن يوسف، وقتيبة، وأبو بكر بن
أبي شيبة، وأخوه عثمان، ومحمد بن سلام البيكندي، ومحمد بن
عبيد المحاربي، وهناد بن السري، ويحيى بن يحيى، وعبد الله
بن عمر بن أبان، وأحمد بن حواس الحنفي، وخلف بن هشام،
وسويد بن سعيد، وآخرون.
قال عبدالرحمن بن مهدي: هو أثبت من شريك.
وقال أحمد بن زهير عن يحيى: ثقة.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أبو الأحوص أحب إليك، أو
أبو بكر بن عياش ؟ قال: ما أقربهما.
وقال أحمد العجلي: كان ثقة صاحب سنة واتباع، وكان إذا ملئت
داره من أصحاب الحديث، قال لابنه أحوص: يا بني قم، فمن
رأيته في داري يشتم أحدا من الصحابة فأخرجه، ما يجئ بكم
إلينا ! ؟ !
وكان حديثه نحو أربعة آلاف حديث.
وهو خال المقرئ سليم (1) صاحب حمزة، وقرأ أبو الأحوص أيضا
القرآن على حمزة.
__________
(1) هو سليم بن عيسى بن سليم بن عامر الحنفي مولاهم الكوفي
المقرئ ضابط محرر حاذق، ولد سنة ثلاثين ومئة، وعرض القرآن
على حمزة بن حبيب الزيات من القراء السبعة، وهو أخص
أصحابه، وأضبطهم، وأقومهم بحرف حمزة، وهو الذي خلفه في
القيام بالقراءة.
" غاية النهاية " 1 / 318، 319.
(*)
(8/282)
وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق، هو دون زائدة وزهير في الاتقان، شريك
وأبو عوانة أحب إلي منه.
وسئل أبو حاتم عن أبي الاحوص وأبي بكر بن عياش، فقال: لا
تبال بأيهما بدأت.
قال عبد الله بن أبي الاسود وغيره: مات أبو الأحوص، ومالك،
وحماد بن زيد سنة تسع وسبعين ومئة.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، عن عبدالمعز بن محمد،
أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا محمد بن عبدالرحمن،
أخبرنا أبو عمرو ابن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي،
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن
موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إذا صلى أحدكم فليجعل بين يديه مثل آخرة الرحل ثم
يصلي، ولا يبالي من مر وراء ذلك ".
أخرجه مسلم (1) عن أبي بكر.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى، أخبرنا ابن
البناء،
أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى
بن محمد، حدثنا لوين، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن
بريد بن أبي مريم، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة:
اللهم أدخله الجنة، ومن استجار بالله من النار، قالت
النار: اللهم أجره من النار " (2) أخرجه الترمذي،
والنسائي، وابن ماجة،
__________
(1) (499) في الصلاة: باب سترة المصلي.
(2) أخرجه الترمذي (2572) آخر باب صفة الجنة، وابن ماجه
(4340) في الزهد: باب = (*)
(8/283)
من طريق أبي الاحوص، وهو حديث حسن.
75 - شهاب بن خراش *
(د) ابن حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم بن عبد
الله بن سعد ابن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة، الامام
القدوة العالم، أبو الصلت الشيباني، ثم الحوشبي، الواسطي،
أخو عبد الله، وابن أخي العوام بن حوشب.
أصله كوفي تحول إلى الرملة.
وحدث عن: عمرو بن مرة، وأبان بن أبي عياش، وعبد الملك بن
عمير، وعبد الكريم الجزري، ومنصور بن المعتمر، ومحمد بن
زياد القرشي، وقتادة، وعاصم بن بهدلة، وعمه العوام، وحماد
بن أبي سليمان، وشعيب بن رزيق الطائفي، والقاسم بن غزوان،
وينزل إلى الثوري، والربيع بن صبيح، وعدة.
وعنه: ابن مهدي، وعبد الله بن ميمون القداح، وابن أبي
فديك، والهيثم بن خارجة، وآدم بن أبي إياس، وعثمان بن سعيد
بن كثير
الحمصي، وسعيد بن منصور، والحكم بن موسى، وقتيبة، وعلي بن
__________
= صفة الجنة، والنسائي 8 / 279 في الاستعاذة: باب
الاستعاذة من حر النار، وسنده حسن، وصححه الحاكم 1 / 534،
535، ووافقه الذهبي في " المختصر " وقد تصحف اسم " بريد "
عند الحاكم إلى يزيد، وعند ابن ماجه إلى " زيد ".
* التاريخ لابن معين: 258، التاريخ الكبير: 4 / 236، تاريخ
الطبري: 4 / 190، المعرفة والتاريخ: 3 / 325، الجرح
والتعديل: 4 / 362، كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 326،
تهذيب الكمال: 590، تذهيب التهذيب، 2 / 82 / 2، ميزان
الاعتدال: 2 / 82، تهذيب التهذيب: 4 / 366، خلاصة تذهيب
الكمال: 167.
(*)
(8/284)
حجر، ويزيد بن موهب، وسويد بن سعيد، وخلق كثير.
وثقه ابن المبارك، وابن معين، وابن عمار، وأبو زرعة.
وقال أحمد وغيره: لا بأس به.
قال أحمد العجلي: ثقة، نزل الرملة.
قال أبو زرعة: ثقة، صاحب سنة.
وقال أبو حاتم: صدوق لا بأس به.
وقال ابن عدي: له أحاديث ليست كثيرة.
وفي بعض رواياته ما ينكر عليه، ولا أعرف للمتقدمين فيه
كلاما، فأذكره.
قلت: وذلك لانزوائه بفلسطين.
قال أبو بكر بن أبي الاسود: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول:
لم أر أحدا أجمع من عبد الله بن المبارك، ولم أر أحدا
أقدمه على بشر بن منصور، ولم أر أحدا أحسن وصفا للسنة من
شهاب بن خراش، ولم أر أحدا أعلم بالسنة من حماد بن زيد،
ولسفيان علمه وزهده.
بهلول بن إسحاق: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا شهاب بن خراش
قال: أدركت من أدركت من صدرة هذه الامة، وهم يقولون:
اذكروا مجلس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تأتلف
عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم، فتحرشوا عليهم
الناس.
محمد بن سعيد الخزيمي، عن هشام بن عمار: سمعت شهاب بن خراش
يقول: إن القدرية أرادوا أن يصفوا الله بعدله، فأخرجوه من
فضله.
قال هشام: لقيت شهابا وأنا شاب في سنة أربع وسبعين ومئة
فقال
(8/285)
لي: إن لم تكن قدريا ولا مرجئا، حدثتك، وإلا لم أحدثك،
فقلت: ما في من هذين شئ.
وقال مسلم في مقدمة كتابه: حدثنا محمد بن عبد الله بن
قهزاد، عن أبي إسحاق الطالقاني، قال: قلت لعبد الله بن
المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء: " إن من
البر بعد البر أن تصلي لابويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك
" فقال: يا أبا إسحاق، عمن هذا ؟ قلت: هذا من حديث شهاب بن
خراش، قال: ثقة، عمن ؟ قلت: عن الحجاج ابن دينار، قال:
ثقة، عمن ؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
إن بين الحجاج وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع
فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف (1).
خرج أبو داود لشهاب في سننه حديثين.
ومات قبل سنة ثمانين ومئة، فقد لحقه علي بن حجر.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب الشعرية، أخبرتنا فاطمة
بنت زعبل، أخبرنا أبو الحسين الفارسي، أخبرنا أبو عمرو بن
حمدان، حدثنا
الحسن بن سفيان، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا شهاب بن خراش،
عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: إن الله لعن المرجئة والقدرية على لسان سبعين
نبيا (2).
__________
(1) مقدمة " صحيح مسلم " 1 / 16، وقوله: ولكن ليس في
الصدقة اختلاف، معناه: أن هذا الحديث لا يحتج به، لكن من
أراد بر والديه فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت،
وينتفع بها، بلا خلاف بين المسلمين.
(2) خبر لا يصح، أخرجه الحافظ الامام شيخ خراسان الحسن بن
سفيان في كتابه " الاربعين " وعلته سويد بن سعيد، وقد عد
المؤلف حديثه هذا في " ميزانه " 2 / 250 من = (*)
(8/286)
أخبرنا الحافظ أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا الحسن بن
صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن
القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر البزاز سنة ثلاث عشرة
وأربع مئة، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد العامري، حدثنا
سليمان بن شعيب الكيساني، حدثنا سعيد الآدم، حدثنا شهاب بن
خراش، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أخوف ما أخاف على أمتي تصديق
بالنجوم وتكذيب بالقدر، ولا يؤمن عبد بالله حتى يؤمن
بالقدر خيره وشره، حلوه ومره "، وأخذ رسول الله بلحيته،
وقال: " آمنت بالقدر كله خيره وشره، حلوه ومره " وأخذ أنس
بلحيته، وقال: وآمنت بالقدر كله خيره وشره، حلوه ومره،
وأخذ يزيد الرقاشي بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله، خيره
وشره، حلوه ومره، وتسلسل إلي هذا الكلام.
وهو كلام صحيح، لكن الحديث واه لمكان الرقاشي (1).
76 - هشيم * (ع) ابن بشير بن
أبي خازم.
واسم أبي خازم قاسم بن دينار، الامام، شيخ
__________
= منكراته، وهو راوي حديث: " من عشق فعف وكتم ومات فهو
شهيد " وهو خبر باطل لا يصح أيضا، وقد توسع في بيان بطلانه
أيما توسع العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " 3 / 344،
346 بتحقيقنا، و " روضة المحبين " 180 - 182، و " الداء
والدواء " 353 - 354.
(1) لكن في الباب ما يقويه، فقد أخرج الطبراني من حديث أبي
أمامة مرفوعا: " إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها
النجوم وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان ".
* التاريخ الكبير: 8 / 242 (2867)، التاريخ الصغير: 2 /
230، 231، 232، المعرفة والتاريخ: 1 / 174، 234، 2 / 22،
33 و 3 / 36، 43، تاريخ الطبري: 1 / 87، 186 و 3 / 216،
الجرح والتعديل: 9 / 115، مشاهير علماء الامصار: 177،
مقاتل الطالبيين: 359 - 377، الفهرست لابن النديم: 1 /
288، تاريخ بغداد: 14 / 85، الكامل لابن الاثير: 6 / 165،
تهذيب الكمال: 1449، تذهيب التهذيب: 4 / 120 / 2، تذكرة
الحفاظ: 1 / 148 - 149، ميزان الاعتدال: 2 / 257، العبر: 1
/ 286، مرآة = (*)
(8/287)
الاسلام، محدث بغداد، وحافظها، أبو معاوية السلمي، مولاهم
الواسطي.
ولد سنة أربع ومئة.
وأخذ عن الزهري، وعمرو بن دينار بمكة، ولم يكثر عنهما،
وهما أكبر شيوخه.
وروى عن منصور بن زاذان، وحصين بن عبدالرحمن، وأبي بشر
وأيوب السختياني، وأبي الزبير، ومغيرة، وسليمان التيمي،
وعبد العزيز ابن صهيب، وعلي بن زيد، وأبي إسحاق الشيباني،
ويحيى بن سعيد، ويعلى بن عطاء، ويحيى بن أبي إسحاق، وأبي
هاشم الرماني، وحميد
الطويل، وعبد الله بن أبي صالح السمان، وعطاء بن السائب،
والاعمش، وخلق.
حدث عنه: ابن إسحاق، وعبد الحميد بن جعفر، وشعبة، وسفيان،
وهم من أشياخه، وحماد بن زيد، وابن المبارك، وطائفة من
أقرانه، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعفان،
وقتيبة، وأحمد، وعمرو بن عون، ومسدد، وابن المديني، وابنا
أبي شيبة، وعلي بن حجر، وعلي بن مسلم الطوسي، وعمرو
الناقد، وأبو عبيد، وابن الصباح الدولابي، والجرجرائي (1)،
وشجاع بن مخلد، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، ويعقوب
الدورقي، وأبو معمر القطيعي، وخلف بن سالم،
__________
= الجنان: 1 / 393، تهذيب التهذيب: 11 / 59 - 63، طبقات
المدلسين: 18، طبقات المفسرين: 2 / 352 - 353، والتبيان
لابن ناصر الدين (مخطوط).
(1) بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، نسبة إلى بلدة
قريبة من دجلة بين بغداد وواسط، واسمه محمد بن الصباح بن
سفيان.
(*)
(8/288)
وأبو خيثمة، وأحمد بن منيع، وأبو كريب، وأبو سعيد الاشج،
وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وهناد بن السري، وزياد بن أيوب،
والحسن بن عرفة، وإبراهيم بن مجشر (1)، وخلق كثير.
سكن بغداد، ونشر بها العلم، وصنف التصانيف.
قال يعقوب الدورقي: كان عند هشيم عشرون ألف حديث.
قلت: كان رأسا في الحفظ إلا أنه صاحب تدليس كثير، قد عرف
بذلك.
قال أحمد بن حنبل: لم يسمع هشيم من يزيد بن أبي زياد، ولا
من
الحسن بن عبيدالله، ولا من أبي خالد، ولا من سيار، ولا من
موسى الجهني، ولا من علي بن زيد بن جدعان، ثم سمى جماعة
كثيرة، يعني فروايته عنهم مدلسة.
قال إبراهيم الحربي: كان والد هشيم صاحب صحناء (2) وكامخ،
فكان يمنع هشيما من الطلب، فكتب العلم حتى ناظر أبا شيبة
القاضي، وجالسه، في الفقه.
قال: فمرض هشيم، فجاء أبو شيبة يعوده، فمضى رجل إلى بشير،
فقال: الحق ابنك، فقد جاء القاضي يعوده، فجاء، فوجد القاضي
في داره، فقال: متى أملت أنا هذا، قد كنت يا بني أمنعك،
أما اليوم فلا بقيت أمنعك.
قال وهب بن جرير: قلنا لشعبة: نكتب عن هشيم ؟ قال: نعم،
ولو
__________
(1) بضم الميم وفتح الجيم والشين المشددة، أورده المؤلف في
" ميزانه " وقال: له أحاديث مناكير من قبل الاسناد.
(2) الصحناء: بكسر الصاد: إدام يتخذ من السمك يمد ويقصر،
والكامخ، ما يؤتدم به، أو المخللات المشهية، والكلمتان
معربتان.
(*)
(8/289)
حدثكم عن ابن عمر، فصدقوه.
قال أحمد بن حنبل: لزمت هشيما أربع سنين، أو خمسا، ما
سألته عن شئ، إلا مرتين هيبة له، وكان كثير التسبيح بين
الحديث، يقول بين ذلك: لا إله إلا الله، يمد بها صوته.
وعن عبدالرحمن بن مهدي قال: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان
الثوري.
وقال يزيد بن هارون، ما رأيت أحدا أحفظ للحديث من هشيم إلا
سفيان إن شاء الله.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: هشيم ثقة، يعد من الحفاظ،
وكان يدلس.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني من سمع عمرو بن عون يقول: مكث
هشيم يصلي الفجر بوضوء العشاء قبل أن يموت عشرين سنة.
وقال عمرو بن عون: سمعت حماد بن زيد يقول: ما رأيت في
المحدثين أنبل من هشيم.
وسئل أبو حاتم عن هشيم، فقال: لا يسأل عنه في صدقة،
وأمانته، وصلاحه، وقال عبد الله بن المبارك: من غير الدهر
حفظه، فلم يغير حفظ هشيم.
قال يحيى بن أيوب العابد: سمعت نصر بن بسام وغيره من
أصحابنا، قالوا: أتينا معروفا الكرخي، فقال: رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم في المنام
(8/290)
وهو يقول لهشيم: جزاك الله عن أمتي خيرا.
فقلت لمعروف: أنت رأيت ؟ قال: نعم، هشيم خير مما نظن.
أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثنا أبو
سفيان الحميري، عن هشيم، قال: قدم الزبير رضي الله عنه
الكوفة في خلافة عثمان، وعلى الكوفة سعيد بن العاص، فبعث
إليه بسبع مئة ألف، وقال: لو كان في بيت المال أكثر من
هذا، لبعثت بها إليك، فقبلها الزبير.
قال أحمد: فحدثت بهذا مصعب بن عبد الله، فقال: ما كان الذي
بعث إليه عندنا إلا الوليد بن عقبة، وكنا نشكرها لهم،
وهشيم أعلم.
قال أبو سفيان: سألت هشيما عن التفسير: كيف صار فيه
الاختلاف ؟ قال: قالوا برأيهم، فاختلفوا.
قال إبراهيم بن عبد الله الهروي: سمع هشيم، وابن عيينة من
الزهري في سنة ثلاث وعشرين في ذي الحجة، فقال سفيان: أقام
عندنا إلى عمرة المحرم، ثم خرج إلى الجعرانة (1) فاعتمر
منها، ثم نفر، ومات من سننه.
وقد ذكر إبراهيم بن عبد الله الهروي حديثا، فقال: لم يسمعه
هشيم من الزهري، ولم يرو عنه سوى أربعة أحاديث سماعا،
منها: " حديث السقيفة " (2) وحديث " المضامين والملاقيح "
(3) وحديث " ما استيسر من
__________
(1) بتسكين العين والتخفيف: موضع قريب من مكة، وهي في
الحل، وميقات للاحرام.
(2) أورده البخاري 12 / 128 من طريق إبراهيم بن سعد، عن
صالح، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن
ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق (9758) في " المصنف " عن
معمر، عن الزهري به، وهو في " المسند " 1 / 55، 56، من
حديث مالك بن أنس، عن الزهري، ولم أجده عن هشيم، عن
الزهري.
وانظر " البداية " 5 / 245، 247.
(3) في " زوائد مسند البزار " (1267) من طريق محمد بن
المثنى، حدثنا سعيد بن = (*)
(8/291)
الهدي " (1)، وحديث: " اعتكف فأتته صفية " (2).
قلت: قد ذكرنا في ترجمة شعبة أنه اختطف صحيفة الزهري من يد
هشيم فقطعها، لكونه أخفى شأن الزهري على شعبة، لما رآه
جالسا معه وسأله: من ذا الشيخ ؟ فقال: شرطي لبني أمية، فما
عرفه شعبة، ولا سمع منه.
وهذه هفوة كانت من الاثنين في حال الشبيبة، ثم إن هشيما
كان يحفظ من تلك الصحيفة أربعة أحاديث، فكان يرويها.
قال أحمد بن حنبل: ليس أحد أصح حديثا من هشيم عن حصين.
__________
= سفيان، عن صالح بن أبي الاخضر، عن الزهري، عن سعيد، عن
أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع
الملاقيح والمضامين " وصالح بن أبي الاخضر ضعيف.
وروى مالك في " الموطأ " 2 / 654 عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب قوله: وإنما نهى من الحيوان عن المضامين والملاقيح
وحبل الحبلة، والمضامين: بيع ما في بطون إناث الابل،
والملاقيح: بيع ما في ظهور الجمال.
(1) قال الطبري في " تفسيره " 2 / 216: حدثنا أبو كريب
ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا هشيم، قال الزهري: أخبرنا،
وسئل عن قول الله جل ثناؤه: (فما استيسر من الهدي) قال:
كان ابن عباس يقول: من الغنم.
(2) أخرجه البخاري 4 / 240 و 10 / 493 و 13 / 142، ومسلم
(2175) من حديث الزهري، عن علي بن حسين، عن صفية بنت حيي
قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره
ليلا، فحدثته، ثم قمت لانقلب، فقام معي ليقلبني، وكان
مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر بنت حيي " فقالا: سبحان
الله يا رسول الله ! قال: " إن الشيطان يجري من الانسان
مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا، أو قال:
شيئا ".
ومعنى ليقلبني: أي ليردني إلى منزلي.
وقد ذكر الحافظ 13 / 142 أنه رواه سعيد بن منصور في سننه
عن...؟ عن الزهري.
قال الحافظ في مقدمة " فتح الباري " ص 449: هشيم بن بشير
الواسطي أحد الائمة متفق على توثيقه، إلا أنه كان مشهورا
بالتدليس، وروايته عن الزهري خاصة لينة عندهم، فأما
التدليس فقد ذكر جماعة من الحفاظ أن البخاري كان لا يخرج
عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، واعتبرت هذا في حديثه فوجدته
كذلك، إما أن يكون قد صرح به في نفس الاسناد، أو صرح به من
وجه آخر، وأما روايته عن الزهري فليس في الصحيحين منها شئ.
(*)
(8/292)
وقال عبدالرحمن بن مهدي: حفظ هشيم عندي أثبت من حفظ أبي
عوانة، وكتاب أبي عوانة أثبت.
روى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه قال: الذين رأيتهم
لا يختضبون: هشيم، معتمر، يحيى بن سعيد، معاذ بن معاذ، ابن
إدريس، ابن مهدي، إسماعيل بن إبراهيم، عبد الوهاب الثقفي،
يزيد بن هارون، أبو معاوية حفص بن غياث، عباد بن العوام.
إلى السواد: جرير بن نمير، غندر بن فضيل البرساني، عبد
الرزاق، عباد بن عباد بن أبي زائدة، الوليد بن مسلم.
خضابا خفيفا: مرحوم العطار، حجاج، سعد ويعقوب ابنا
إبراهيم، أبو داود، أبو النضر، أبو نعيم.
خضابا خفيفا: محمد بن عبيد، أخوه يعلى، أخوهما عمر.
خضابا خفيفا: أبو قطن، أبو المغيرة، علي بن عياش، أبو
اليمان، عصام بن خالد، بشر بن شعيب، يحيى بن أبي بكير،
غنام بن علي، مروان بن شجاع، شجاع بن الوليد، حميد
الرؤاسي، إبراهيم بن خالد.
رأيت هؤلاء يخضبون.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن
البسري، أخبرنا محمد بن عبدالرحمن المخلص، أخبرنا عبد الله
بن محمد البغوي، حدثنا أبو الأحوص محمد بن حبان البغوي،
سنة سبع وعشرين، وعبيدالله ابن عمر، وسريج بن يونس، قالوا:
أخبرنا هشيم، أخبرنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم
يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر "
(1).
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وهو في " سنن
الترمذي " (3615) = (*)
(8/293)
أخرجه الترمذي وابن ماجة بأطول من هذا من حديث سفيان بن
عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان وهو من أوعية العلم، لكن له
ما ينكر.
وقال الترمذي في هذا الحديث: حسن.
وفيه تصريح الاخبار عن علي كما ترى، وقد مر قول أحمد بن
حنبل، فالله أعلم.
أما هشيم بن أبي ساسان هشام * فكوفي مقل.
يكني أبا علي.
يروي عن أمي الصيرفي، وابن جريج.
وعنه: قتيبة، وإبراهيم الفراء، وأبو سعيد الاشج.
قال أبو حاتم وغيره: صالح الحديث.
77 - عباد بن عباد * *
(ع) ابن حبيب، ابن الامير المهلب بن أبي صفرة، الازدي،
العتكي، المهلبي، البصري، الحافظ الثقة، أبو معاوية.
حدث عن أبي حمزة الضبعي، وعاصم بن سليمان، وهشام بن عروة،
وجماعة.
__________
= في المناقب، و " سنن ابن ماجة " (4308) في الزهد، لكن
متن الحديث صحيح بشاهده الذي أخرجه مسلم (2278) في أول
الفضائل، وأحمد 2 / 540 من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "
أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر،
وأول شافع، وأول مشفع ".
وفي الباب عن ابن عباس عن الدارمي 1 / 26.
* التاريخ الكبير: 8 / 243، الجرح والتعديل: 9 / 116.
* * التاريخ الكبير: 6 / 40، التاريخ الصغير: 2 / 219،
تاريخ الطبري: 3 / 203، مشاهير علماء الامصار: 161، تهذيب
الكمال: 651، تذكرة الحفاظ: 1 / 261، ميزان
الاعتدال: 3 / 367، العبر 1 / 203، 293، تهذيب التهذيب: 5
/ 95، خلاصة تذهيب الكمال: 186.
(*)
(8/294)
حدث عنه مسدد، وأحمد بن حنبل، وخلف بن هشام، ويحيى بن
معين، وقتيبة بن سعيد، وأحمد بن منيع، والحسن بن عرفة،
وخلق سواهم.
وكان سريا نبيلا حجة من عقلاء الاشراف، وعلمائهم.
تعنت أبو حاتم كعادته، وقال: لا يحتج به.
وقال ابن سعد: لم يكن بالقوي في الحديث.
قلت: قد احتج أرباب الصحاح (1) به.
وقال فيه يحيى بن معين: ثقة، وقال: هو أوثق وأكثر حديثا من
عباد ابن العوام.
وقال ابن سعد أيضا: ثقة، ربما غلط.
مات ببغداد.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق.
قلت: توفي في رجب سنة إحدى وثمانين ومئة.
ولعله كمل السبعين.
وقال البخاري: قال سليمان بن حرب: مات قبل حماد بن زيد
بستة أشهر.
أنبأنا ابن أبي الخير وغيره، عن ابن كليب، أخبرنا ابن
بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا
الحسن بن عرفة، حدثنا عباد بن
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " فتح الباري " ص 410:
ليس له في البخاري سوى حديثين، أحدهما في الصلاة، عن أبي
جمرة، عن ابن عباس، وحديث وفد عبدالقيس بمتابعة
شعبة وغيره، والثاني في الاعتصام، عن عاصم الاحول بمتابعة
إسماعيل بن زكريا، واحتج به الباقون.
(*)
(8/295)
عباد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت:
دخلت علي امرأة من الانصار، فرأت فراش رسول الله صلى الله
عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت، فبعثت إلي بفراش حشوه صوف
فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما هذا " ؟
فأخبرته.
فقال: " رديه ".
فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاثا.
فقال: " رديه، فوالله لو شئت لاجرى الله معي جبال الذهب
والفضة " (1).
78 - يزيد بن زريع *
(ع) الحافظ، المجود، محدث البصرة مع حماد بن زيد، وعبد
الوارث، ومعتمر، وعبد الواحد بن زياد، وجعفر بن سليمان،
ووهيب بن خالد، وخالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وإسماعيل
بن علية.
فهؤلاء العشرة كانوا في زمانهم أئمة الحديث بالبصرة.
يكنى يزيد أبا معاوية العيشي البصري.
روى عن أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء،
وحسين المعلم، وحبيب المعلم، وحبيب بن الشهيد، وحجاج بن
حجاج، وحجاج بن أبي عثمان، وحميد الطويل، وداود بن أبي
هند، وابن أبي عروبة، وسليمان التيمي، وابن عون، وعوف،
وعمارة بن أبي
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وهو في " أخلاق النبي
صلى الله عليه وسلم وآدابه " ص: 156، لابي الشيخ
الاصبهاني.
* الطبقات الكبرى: 7 / 289، طبقات خليفة: 224، التاريخ
الكبير: 8 / 335،
التاريخ الصغير: 2 / 228، المعرفة والتاريخ: 1 / 173،
الجرح والتعديل: 9 / 263، مشاهير علماء الامصار: 162،
الكامل لابن الاثير: 6 / 160، تهذيب الكمال: 1531، تذهيب
التهذيب: 4 / 175 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 256، العبر: 1 /
284، تهذيب التهذيب: 11 / 325، خلاصة تذهيب الكمال: 371.
(*)
(8/296)
حفصة، وهشام بن عروة، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وسعيد
الجريري، وروح بن القاسم، وطائفة.
ولا رحلة له.
روى عنه عبدالرحمن بن مهدي، ومسدد، وعلي بن المديني، وأمية
ابن بسطام، والقواريري، ومحمد بن المنهال الضرير، ومحمد بن
منهال أخو حجاج، وأحمد بن المقدام، ونصر بن علي الجهضمي.
وخلق كثير.
قال أحمد بن حنبل: كان ريحانة البصرة، ما أتقنه، وما
أحفظه.
وقال أبو حاتم الرازي: ثقة إمام.
وقال أبو عوانة الوضاح: صحبت يزيد بن زريع أربعين سنة،
يزداد في كل سنة خيرا.
وقال بشر الحافي: كان يزيد بن زريع متقنا، حافظا، ما أعلم
أني رأيت مثله ومثل صحة حديثه.
قال يحيى بن سعيد القطان: لم يكن ها هنا أحد أثبت منه.
قلت: وكان صاحب سنة واتباع، كان يقول: من أتى مجلس عبد
الوارث، فلا يقربني.
قال نصر بن علي الجهضمي: رأيت يزيد بن زريع في المنام،
فقلت: ما فعل الله بك ؟ قال: أدخلت الجنة.
قلت: بماذا ؟ قال: بكثرة الصلاة.
قلت: كان أبوه واليا على الابلة (1).
مولده: في سنة إحدى ومئة.
ومات في سنة اثنتين وثمانين ومئة.
__________
(1) الابلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية
الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة.
(*)
(8/297)
قال صالح بن حاتم بن وردان: سمعت يزيد بن زريع يقول: لكل
دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الاسانيد.
وفي " التهذيب " من الرواة عنه أيضا: أحمد بن عبدة الضبي،
وأحمد بن أبي عبيدالله السليمي، وإسماعيل بن معسود، وبشر
بن معاد، وبشر بن هلال، وخليفة بن خياط، وبكر بن خلف، وبهز
بن أسد، وحبان ابن هلال، والحسن بن عمر بن شقيق، وحماد بن
مسعدة، وروح بن عبد المؤمن، وزكريا بن عدي، وأبو الربيع
الزهراني، وسهل بن عثمان، وسويد بن سعيد، وصالح بن حاتم،
والصلت بن محمد الخاركي (1)، والعباس بن الوليد النرسي،
والعباس بن يزيد البحراني، والقعنبي، وعبدان، وعبد الاعلى
بن حماد، والفلاس، وقتيبة، وبندار، ومحمد بن أبي بكر
المقدمي، ومحمد بن عبدالاعلى، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن
النضر بن مساور، ويحيى بن حبيب، ويحيى بن يحيى.
وروى أبو بكر الاسدي، عن أحمد بن حنبل قال: إليه المنتهى
في التثبت بالبصرة.
وقال أحمد: كل شئ رواه عن ابن أبي عروبة، فلا تبال أن لا
تسمعه من أحد، سماعه من سعيد قديم، وكان يأخذ الحديث بنية.
وقال عبد الخالق بن منصور، عن ابن معين: ثقة مأمون.
وقال معاوية بن صالح، عن ابن معين: هو أثبت شيوخ البصريين.
وقال ابن سعد: كان ثقة حجة، كثير الحديث، توفي سنة اثنتين
وثمانين [ ومئة ] (2).
__________
(1) نسبة إلى جزيرة في البحر قريبة من عمان اسمها " خارك
".
(2) طبقات ابن سعد 7 / 289، والزيادة منه.
(*)
(8/298)
وقال ابن حبان: مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين، في ثامن
شوال.
وكان من أورع أهل زمانه.
مات أبوه، وكان واليا على الابلة، فخلف خمس مئة ألف، فما
أخذ منها حبة، رحمه الله.
أخبرنا أبو المعالي الابرقوهي، أخبرنا الفتح بن عبد السلام
ببغداد، أخبرنا هبة الله الحاسب، أخبرنا أبو الحسين بن
النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، قال: قرئ على أبي بكر
محمد بن إبراهيم بن نيروز، وأنا أسمع، قيل له: حدثكم عمرو
بن علي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا محمد بن أبي حفصة، عن
الزهري، عن حميد بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع
خشبة في جداره، مالي أراكم عنها معرضين، والله لارمين بها
بين أكتافكم ".
هذا حديث غريب من الافراد العوالي (1).
79 - يعقوب القمي * (4)
الامام، المحدث، المفسر، أبو الحسن يعقوب بن عبد الله بن
سعد
__________
(1) وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 745 في الاقضية: باب
القضاء في المرفق، والبخاري 5 / 79 في المظالم: باب لا
يمنع جار جاره أن يغرس خشبة في جداره، ومسلم (1609) في
المساقاة: باب غرز الخشب في جدار الجار، من طريق الزهري،
عن الاعرج،
عن أبي هريرة...وانظر " الفتح " 5 / 79.
وقوله: " مالي أراكم.." هو من كلام أبي هريرة.
وفي رواية أبي داود (3634) " فنكسوا رؤوسهم " ولاحمد 2 /
240 " فلما حدثهم أبو هريرة بذلك طاطؤوا رؤوسهم " والعمل
على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا: إذا بنى الرجل بناء
فاحتاج فيه إلى أن يضع رأس الخشب على جدار الجار فليس
للجار منعه، وإليه ذهب الشافعي في القديم، وهو نص في
البويطي، وهو قول الامام أحمد، وقال البيهقي: لم نجد في
السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن
يخصها.
* الجرح والتعديل: 9 / 209، تهذيب الكمال: 1551، تذهيب
التهذيب: = (*)
(8/299)
ابن مالك، بن هانئ الاشعري، العجمي، القمي.
روى عن: زيد بن أسلم، وابن عقيل، وجعفر بن أبي المغيرة،
وعدة.
وعنه: عبدالرحمن بن مهدي، ويحيى الحماني، وابن حميد، وعمرو
بن رافع، وأبو الربيع الزهراني.
قال النسائي: ليس به بأس.
وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
توفي سنة أربع وسبعين ومئة.
80 - عبد الوارث بن سعيد
* (ع) ابن ذكوان، الامام، الثبت، الحافظ، أبو عبيدة
العنبري، مولاهم البصري، التنوري، المقرئ.
حدث عن: يزيد الرشك، وأيوب السختياني، وأيوب بن موسى،
وشعيب بن الحبحاب، والجعد أبي عثمان، وعمرو بن عبيد، وداود
بن أبي هند، والجريري، وعبد العزيز بن صهيب، وعبد الله بن
أبي نجيح، وعلي
ابن زيد، وعمرو بن دينار القهرمان، وسليمان التيمي، وأبي
عمرو بن *
__________
= 4 / 186 / 1، العبر: 1 / 265، تهذيب التهذيب: 11 / 390،
لسان الميزان: 7 / 445، خلاصة تذهيب الكمال: 436.
* التاريخ الكبير: 6 / 118، التاريخ الصغير: 2 / 221،
المعرفة والتاريخ: 1 / 171، مشاهير علماء الامصار: 160،
تهذيب الكمال: 872، ميزان الاعتدال: 2 / 677، تذكرة
الحفاظ: 1 / 257، العبر 1 / 276، تهذيب التهذيب: 6 / 441،
خلاصة تذهيب الكمال: 247.
(*)
(8/300)
العلاء، وسعيد بن أبي عروبة، وعدة.
وقرأ القرآن عرضا على أبي عمرو، وأقرأه، وقرأ أيضا على
حميد بن قيس المكي.
وجلس إلى عمرو بن دينار بمكة، وما أظنه روى عنه، فإنه قال:
قعدت إليه فلم أفهم كلامه.
فلما بلغ هذا القول سفيان بن عيينة قال: صدق.
أدركنا عمرا وقد سقطت أسنانه، وبقي له ناب واحد، فلولا أنا
أطلنا مجالسته، ما فهمنا عنه.
هذه حكاية صحيحة الاسناد.
وكان مولد عبد الوارث في سنة اثنتين ومئة.
تلا عليه محمد بن عمر القصبي، وأبو معمر المقعد، وعمران بن
موسى القزاز.
وحدث عنه: ولده عبد الصمد، وأبو معمر عبد الله بن عمرو
المقعد، وهو رواية كتبه، ومسدد بن مسرهد، وقتيبة بن سعيد،
وبشر بن هلال، وعبيدالله بن عمر القواريري، وعلي بن
المديني، وخلق سواهم.
وكان عالما مجودا، من فصحاء أهل زمانه، ومن أهل الدين
والورع،
إلا أنه قدري مبتدع.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن
أحمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي،
حدثنا بشر بن هلال الصواف، حدثنا عبد الوارث، عن يونس، عن
الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " لعن عبد الدينار، لعن عبد الدرهم ".
هذا
(8/301)
حديث صالح الاسناد، ولم يسمع الحسن من أبي هريرة، أخرجه
الترمذي (1) عن الصواف، فوافقناه بعلو.
قال أبو عمر الجرمي: ما رأيت فقيها أفصح من عبد الوارث إلا
حماد ابن سلمة.
وقال محمود بن غيلان: قيل لابي داود الطيالسي: لم لا تحدث
عن عبد الوارث ؟ فقال: أأحدثك عن رجل كان يزعم أن يوما من
عمرو بن عبيد أكبر من عمر أيوب السختياني، ويونس، وابن عون
؟ ! قال يعقوب الفسوي: حدثنا الحسن بن الربيع قال: كنا
نسمع من عبد الوارث، فإذا أقيمت الصلاة ذهبنا، فلم نصل
خلفه.
قال: وقيل لعبد الله بن المبارك: كيف رويت عن عبد الوارث،
وتركت عمرو بن عبيد ؟ قال: إن عمرا كان داعيا (2)، وقال
علي: سمعت يحيى القطان، وذكر له أن عبد الوارث قال: سألت
شعبة عن الخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن (3)، فأمرني
به، فأنكر ذلك يحيى، وقال:
__________
(1) رقم (2375) في الزهد، وقال: حديث حسن غريب من هذا
الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أتم من
هذا
وأطول.
قلت: حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 6 / 61 في الجهاد: باب
الحراسة من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد
الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا
شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله،
أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في
الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة " وقوله: " وإذا
شيك فلا انتقش " أي: إذا أصابته شوكة فلا وجد من يخرجها
منه بالمنقاش، تقول: نقشت الشوك: إذا استخرجته.
(2) أي: كان يدعو إلى بدعة الاعتزال، وقد رد غير واحد من
الائمة رواية المبتدع الصدوق المتقن الداعي إلى بدعته،
ورجع النووي هذا القول، وقال: هو الاظهر الاعدل، وقول
الكثير أو الاكثر، وقيد الحافظ أبو إسحاق الجوزجاني هذا
القبول بقبول روايته إذا لم يرو ما يقوي بدعته.
(3) هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب
أحد الامراء الاشراف = (*)
(8/302)
كان شعبة لا يراه في يوم صفين، ولا يرى الخروج مع علي رضي
الله عنه، أيرى الخروج مع إبراهيم ؟ أنا سمع شعبة يقول: ما
أدري أخطؤوا أم أصابوا.
قال يحيى بن معين: قال عبد الصمد: لم يكتب أبي عن أيوب
السختياني حرفا حتى مات.
هكذا هذه الرواية، وهي وهم.
قد حدث عن أيوب.
وقال عبيدالله القواريري: ما رأيت يحيى القطان روى عن أحد
من مشايخنا قبل موته إلا عن عبد الوارث.
وورد عن حماد بن زيد أنه كان ينهى عن الاخذ عن عبد الوارث
لمكان القدر.
وقال يزيد بن زريع: من أتى مجلس عبد الوارث، فلا يقربني.
قلت: ومع هذا، فحديثه في الكتب الستة.
وعاش بعد حماد بن زيد أشهرا قليلة، مات في المحرم سنة
ثمانين ومئة.
وقال معاذ بن معاذ: سألت أنا ويحيى القطان شعبة عن شئ من
حديث أبي التياح، فقال: ما يمنعكم من ذاك الباب ؟ يعني عبد
الوارث، فما رأيت أحدا أحفظ لحديث أبي التياح منه، فقمنا
فجلسنا إليه، فسألناه فجعل يمر كأنها مكتوبة في قلبه.
__________
= الشجعان، خرج بالبصرة على المنصور، وكانت بينه وبين جيوش
المنصور وقائع هائلة، انتهت بمقتله سنة 145 ه.
" دول الاسلام " 12 / 98، 100 للمؤلف.
(*)
(8/303)
وعن شعبة ونظر إلى عبد الوارث موليا فقال: تعرف الاتقان في
قفاه.
وروى حرب عن أحمد قال: كان عبد الوارث أصحهم حديثا عن حسين
المعلم.
وقال معاوية بن صالح: قلت لابن معين: من أثبت شيوخ
البصريين ؟ قال: عبد الوارث، وسمى جماعة.
عثمان بن سعيد، عن ابن معين قال: هو مثل حماد بن زيد في
أيوب.
وقال البخاري: قال عبد الصمد: إنه لمكذوب على أبي، وما
سمعته منه قط، يعني القدر.
وقال أبو زرعة: ثقة.
وقال النسائي: ثقة، ثبت.
وقال ابن سعد: ثقة، حجة.
مات في المحرم سنة ثمانين ومئة.
81 - إبراهيم بن سعد *
(ع) (1) ابن إبراهيم بن صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، عبدالرحمن بن عوف.
الامام
__________
* التاريخ الكبير: 1 / 188، التاريخ الصغير: 2 / 221،
المعرفة والتاريخ: 1 / 174، الجرح والتعديل: 2 / 101،
تاريخ بغداد: 6 / 81 - 86، تهذيب الكمال: 55، تذهيب
التهذيب: 1 / 36 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 252، ميزان
الاعتدال: 1 / 33، العبر: 1 / 288، تهذيب التهذيب: 1 /
121، خلاصة تذهيب الكمال: 17.
(1) سقط الرمز من الاصل، وهو في " التهذيب " وفروعه.
(*)
(8/304)
الحافظ الكبير، أبو إسحاق القرشي الزهري العوفي المدني.
حدث عن أبيه قاضي المدينة، وعن قرابته ابن شهاب الزهري،
ويزيد ابن الهاد، والوليد بن كثير، وصفوان بن سليم، وصالح
بن كيسان، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الملك بن
الربيع بن سبرة، وإبن إسحاق، ومحمد بن عكرمة المخزومي،
وعدة.
روى عنه ولداه: يعقوب وسعد، وشعبة، والليث وهما أكبر منه.
وأبو داود الطيالسي، وابن مهدي، وابن وهب، ويحيى بن آدم،
ويزيد بن هارون، ومحمد بن الصباح الدولابي، والقعنبي،
وأحمد بن حنبل، ولوين، ومنصور بن أبي مزاحم، ويسرة بن
صفوان، ويحيى بن قزعة، وإبراهيم بن حمزة، وسليمان بن داود
الهاشمي، وإسماعيل ابن ابنة السدي (1)، ويعقوب بن حميد بن
كاسب، ويعقوب بن محمد الزهري، وخلق كثير، آخرهم موتا عبد
الله بن عمران العابدي، والحسين بن سيار
الحراني.
وكان ثقة صدوقا، صاحب حديث.
وثقه الامام أحمد، وقال: كان وكيع كف عن الرواية عنه، ثم
حدث عنه.
وروى أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين قال: ثقة
حجة.
وروى علي بن الحسين بن حبان، عن ابن معين: هو أثبت من
الوليد ابن كثير، وابن إسحاق، وقال: هو أحب إلي من ابن أبي
ذئب في
__________
(1) في " التقريب " هو إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي أبو
محمد أو أبو إسحاق الكوفي نسيب السدي، أو ابن بنته، أو ابن
أخته: صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة 245.
(*)
(8/305)
الزهري.
ابن أبي ذئب لم يصحح عن الزهري شيئا.
وقال عباس: قلت لابن معين: إبراهيم بن سعد أحب إليك في
الزهري، أو ليث بن سعد ؟ فقال: كلاهما ثقتان.
وقال أحمد العجلي: مدني، ثقة، يقال: إنه كان أسود.
قال البخاري: قال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم عن
محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الاحكام سوى
المغازي، وإبراهيم من أكثر أهل المدينة حديثا في زمانه.
وقال أبو حاتم: ثقة.
وقال صالح بن محمد جزرة: سماعه من الزهري ليس بذاك، لانه
كان صغيرا.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ولد سنة ثمان ومئة.
أخبرني بذلك بعض ولده.
قلت: هو أصغر من ابن عيينة بسنة، وسمع من الزهري وهو حدث
باعتناء والده به.
روى أحمد بن سعد حفيده، عن علي بن الجعد، سألت شعبة عن
حديث لسعد بن إبراهيم، فقال لي، فأين أنت عن أبيه ؟ قلت:
وأين هو ؟ قال: نازل على عمارة بن حمزة، فأتيته فحدثني.
قال أبو داود: ولي إبراهيم بيت المال ببغداد.
قلت: كان ممن يترخص في الغناء على عادة أهل المدينة، وكأنه
ليم في ذلك، فانزعج على المحدثين، وحلف أنه لا يحدث حتى
يغني قبله،
(8/306)
فيما قيل (1).
وكان هو وهشيم شيخي الحديث في عصرهما ببغداد.
وقع لي من عواليه.
واختلف في وفاته على أقوال: فقال علي ابن المديني، وابن
سعد، وخليفة، ومحمد بن عباد المكي، وأحمد بن أبي خيثمة،
وغيرهم: إنه توفي سنة ثلاث وثمانين ومئة، فهذا هو الصحيح.
وقال سعيد بن عفير، وأبو حسان الزيادي: مات سنة أربع
وثمانين، وهو ابن خمس وسبعين سنة.
زاد ابن عفير أنه في هذه السنة قدم العراق.
وشذ أبو مروان العثماني بل غلط، فقال: سمعت من إبراهيم بن
سعد سنة خمس وثمانين ومئة، ومات بعد ذلك.
قال أبو بكر الخطيب في " السابق واللاحق ": حدث عنه يزيد
بن عبد الله بن الهاد، يعني شيخه، والحسين بن سيار، وبين
وفاتيهما مئة واثنتا عشرة سنة.
مات ابن سيار بعد الخمسين ومئتين.
وقد حدث الليث بن سعد، وهو أكبر من إبراهيم بن سعد، عن رجل
عنه.
__________
(1) للامام الذهبي المؤلف رسالة في المكتبة الظاهرية ضمن
مجموع برقم (7159) في 54 ورقة تحت عنوان: رسالة الرخصة في
الغناء والطرب بشرطه، مما اختصره وانتفاه الذهبي من كتاب "
الامتاع في أحكام السماع " للشيخ أبي الفضل جعفر بن ثعلب
الشافعي، يذكر فيها أقوال المجيزين وأدلتهم، وأقول
المانعين وأدلتهم، ويبين أن الغناء المجرد عن الآلات
الموسيقية قد أباحه غير واحد من العلماء بشرط أن لا يكون
باعثا على تهييج الشهوة، وألا يكون الشعر في معين.
(*)
(8/307)
فأخبرنا إسماعيل بن الفراء، وأحمد بن العماد، قالا: أخبرنا
الامام أبو محمد بن قدامة، أخبرنا أبو بكر بن النقور،
أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا علي بن أحمد بن الحمامي، حدثنا
دعلج بن أحمد، حدثنا محمد ابن إبراهيم البوشنجي، حدثنا
يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن ابن الهاد، عن إبراهيم بن
سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء
الله، ثم نزع ابن أبي قحافة ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف
وليغفر الله له، ثم استحالت غربا، فأخذ ابن الخطاب، فلم أر
عبقريا من الناس ينزع نزعه حتى ضرب الناس بعطن ".
هذا حديث محفوظ المتن.
اتفق عليه البخاري ومسلم (1) من طريق يونس، وعقيل، عن ابن
شهاب، وروايتنا هذه غريبة معللة، فإن البخاري أخرجه عن
يسرة بن صفوان، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري نفسه.
وأخرجه مسلم، عن الثقة، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن
صالح، كروايتنا، والله أعلم.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد ابن البناء، أخبرنا علي
بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد،
حدثنا عبد الله بن عمران العابدي، حدثنا إبراهيم بن سعد،
عن الزهري، عن ابن المسيب،
__________
(1) أخرجه البخاري 13 / 378 في التوحيد: باب المشيئة
والارادة، و 7 / 21 في الفضائل، و 12 / 363، 365، ومسلم
(2392) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر.
والقليب: البئر غير المطوية، والغرب: الدلو العظيمة،
والعبقري: وصف لكل شئ بلغ النهاية في معناه، والعطن: مناخ
الابل إذا صدرت عن الماء رواء، وقوله: حتى ضرب الناس بعطن،
أي: أرووا إبلهم، ثم آووها إلى عطنها.
(*)
(8/308)
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إن الله لافرح بتوبة عبده من أحدكم بضالته يجدها بأرض
مهلكة كاد يقتله العطش " وهذا حديث جيد الاسناد، ومتنه في
الصحيح (1) من وجه آخر.
وقد روى الليث بن سعد، عن ابن الهاد، عن إبراهيم بن سعد
نحوا من عشرة أحاديث.
وكان إبراهيم يجيد صناعة الغناء.
وقد ذكره ابن عدي في " كامله " وساق له عدة أحاديث
استنكرها له.
فمن أنكر ذلك: قال أبو داود السجستاني: سمعت أحمد بن حنبل
يسأل عن حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أنس، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: " الائمة من قريش " (2) فقال: ليس ذا
في كتب إبراهيم، لا ينبغي أن يكون له أصل.
قلت: رواه غير واحد، عن إبراهيم بن سعد.
__________
(1) أخرجه مسلم (2675) في أول التوبة من حديث أبي هريرة،
وأخرجه البخاري 11 / 91، 92 في الدعوات: باب التوبة، ومسلم
(2747) من حديث أنس بن مالك، وأخرجه البخاري 11 / 89، 90،
ومسلم (2744) من حديث النعمان بن بشير، و (2746) من حديث
البراء بن عازب.
وقوله: مهلكة: يفتح الميم واللام: أي يهلك من حصل بها،
ويروى بضم الميم وكسر اللام من الرباعي: أي تهلك هي من
يحصل بها.
وقال القرطبي وهو غير المفسر في " المفهم " 4 / 260: هذا
مثل قصد به بيان سرعة قبول الله تعالى لتوبة عبده التائب،
وأنه يقبل عليه بمغفرته ورحمته، ويعامله معاملة من يفرح
به، ووجه هذا المثل: أن العاصي حصل بسبب معصيته في قبضة
الشيطان وأسره، وقد أشرف على الهلاك، فإذا لطف الله تعالى
به وأرشده للتوبة، خرج من شؤم تلك المعصية، وتخلص من أسر
الشيطان، ومن المهلكة التي أشرف عليها، فأقبل الله تعالى
عليه برحمته ومغفرته.
(2) أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " 2 / 163 من طريق
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " الائمة من قريش، إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا
وفوا، وإن استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وإسناده صحيح، وأخرجه
أحمد 3 / 129.
عن أنس.
(*)
(8/309)
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ذكر عند
يحيى بن سعيد عقيل (1) وإبراهيم بن سعد، فجعل كأنه
يضعفهما، ثم قال أبي: أيش ينفع هذا، هؤلاء ثقات لم يخبرهما
يحيى.
82 - عبيدالله بن عمرو
* (ع) ابن أبي الوليد الاسدي، مولاهم الرقي، الحافظ
الكبير، أبو وهب.
حدث عن: عبدالملك بن عمير، وزيد بن أبي أنيسة، وعبد الكريم
بن
مالك، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وأيوب السختياني، وليث
بن أبي سليم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وإسماعيل بن
أبي خالد، والاعمش، ويحيى بن سعيد الانصاري، ويونس بن
عبيد، وينزل إلى معمر، والثوري.
كان ثقة حجة، صاحب حديث.
حدث عنه: بقية بن الوليد، والهيثم بن جميل، وزكريا بن عدي،
وأخوه يوسف بن عدي، وجندل بن واثق، وأحمد بن عبدالملك
الحراني، وعبد الله بن جعفر، والعلاء بن هلال، وعمرو بن
قسيط، وعلي بن معبد بن شداد، وحكيم بن سيف، وعلي بن
الزعزاع، وعبد الله بن سليم، وإسماعيل بن عبد الله،
الرقيون.
وأبو توبة الربيع بن نافع، وعبيد بن هشام، وعبد الرحمن بن
عبيدالله ابن أخي الامام، الحلبيون، وعلي بن
__________
(1) هو عقيل بن خالد بن عقيل الايلي، أبو خالد الاموي،
مولاهم ثقة ثبت، أخرج حديثه الستة.
* التاريخ لابن معين: 384، طبقات خليفة: 321، تهذيب
الكمال: 891، تذهيب التهذيب: 3 / 20 / 2، تذكرة الحفاظ: 1
/ 241، العبر: 1 / 276، تهذيب التهذيب: 7 / 42، خلاصة
تذهيب الكمال: 252.
(*)
(8/310)
حجر، ومحمد بن سليمان لوين، وعبد الجبار بن عاصم، وعمرو بن
عثمان الكلابي، وعيسى بن سالم الشاشي، والوليد بن صالح
النحاس، ويحيى بن يوسف الزمي، وخلق كثير.
وثقه ابن معين، والنسائي.
وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، لا أعرف له حديثا منكرا، وهو أحب
إلي
من زهير بن محمد.
وروى أبو حاتم، عن علي بن معبد الرقي، قال: قيل لعبيد الله
بن عمرو: بلغني أن عندك من حديث ابن عقيل كثيرا، لم تحدث
عنه، ثم ألقيته.
قال: لان ألقيه أحب إلي من أن يلقيني الله تعالى.
قال: وزعم أنه سمع بعض ذلك الكتاب مع رجل لم يثق به.
قال ابن سعد: كان عبيدالله ثقة صدوقا، كثير الحديث، وربما
أخطأ، وكان أحفظ من روى عن عبد الكريم الجزري، ولم يكن أحد
ينازعه في الفتوى في دهره.
ومات بالرقة سنة ثمانين ومئة.
وقال غيره: كان مولده في سنة إحدى ومئة.
حديثه في البخاري في تفسير حم (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 427 في تفسير حم
السجدة، من طريق يوسف بن عدي، عن عبيدالله بن عمرو، عن زيد
بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال: قال رجل
لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: (فلا
أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (وأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون) (ولا يكتمون الله حديثا) (ربنا ما كنا مشركين)
فقد كتموا في هذه الآية.
وقال: (أم السماء بناها) إلى قوله..(دحاها) فذكر خلق
السماء قبل خلق الارض، ثم قال: (أئنكم لتكفرون بالذي خلق
الارض في يومين) إلى..(طائعين) فذكر في هذه خلق الارض قبل
خلق السماء.
وقال تعالى: وكان الله غفورا رحيما، عزيزا حكيما، سميعا
بصيرا، فكأنه كان ثم مضى.
فقال: فلا أنساب بينهم في النفخة الاولى، ثم = (*)
(8/311)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن
أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن
محمد، حدثنا عبد
الجبار بن عاصم، حدثني عبيدالله بن عمرو، عن عبدالملك بن
عمير، عن جابر بن سمرة، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي ؟ قال: " نعم،
إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله ".
هذا حديث صحيح من العوالي لامثالنا.
أخرجه ابن ماجه (1) وحده، عن شيخ له، عن عبيدالله بن عمرو
الرقي.
83 - إسماعيل بن عياش *
(د، ت، س، ق) ابن سليم، الحافظ الامام محدث الشام، بقية
الاعلام، أبو عتبة
__________
= ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض إلا من
شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون.
ثم في النفخة الآخرة، أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله: ما كنا مشركين، ولا يكتمون الله، فإن الله يغفر
لاهل الاخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن
مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف أن
الله لا يكتم حديثا، وعنده يود الذين كفروا..الآية.
وخلق الارض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء
فسواهن في يومين آخرين، ثم دحا الارض، ودحوها أن أخرج منها
الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والاكام وما بينهما في
يومين آخرين، فذلك قوله: دحاها.
وقوله: خلق الارض في يومين، فجعلت الارض وما فيها من شئ في
أربعة أيام، وخلقت السموات في يومين.
وكان الله غفورا، سمى نفسه كذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل
كذلك، فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد، فلا
يختلف عليه القرآن فإن كلا من عند الله.
(1) رقم (542) في الطهارة: باب الصلاة في الثوب الذي يجامع
فيه، وأخرج أبو داود (366)، والنسائي 1 / 55، وابن ماجه
(540) من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد
بن قيس، عن معاوية بن حديج، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه
سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع
فيه ؟ قالت: نعم إذا لم يكن في أذى.
* التاريخ لابن معين: 36، تاريخ خليفة: 32، التاريخ
الكبير: 1 / 369، التاريخ = (*)
(8/312)
الحمصي العنسي، مولاهم.
ولد سنة ثمان ومئة.
وسمع من: شرحبيل بن مسلم الخولاني، ومحمد بن زياد
الالهاني، وعبد الله بن دينار البهراني، وعبد الرحمن بن
جبير بن نفير، إن صح ذلك وهو في سنن أبي داود، وضمضم بن
زرعة، وتميم بن عطية العنسي، وأسيد بن عبدالرحمن الخثعمي،
وبحير بن سعد، والزبيدي، وحبيب بن صالح الطائي، وثور بن
يزيد، وحريز بن عثمان، وعاصم بن رجاء بن حيوة، وعبد الله
بن بسر الحضرمي، وصفوان بن عمرو، وثابت بن عجلان، وسليمان
بن سليم الكناني، وخلق من الشاميين، إلى أن ينزل فيروي عن
ضمرة بن ربيعة.
وروى أيضا عن: زيد بن أسلم، وسهيل بن أبي صالح، وأبي
طوالة، وعبد الله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن
عثمان بن خثيم، وعمارة بن غزية، وموسى بن عقبة، وهشام بن
عروة، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، وليث بن أبي سليم، وخلق
من الحجازيين والعراقيين.
وهو فيه كثير الغلط بخلاف أهل بلده، فإنه يحفظ حديثهم،
ويكاد أن يتقنه، إن شاء الله.
وكان من بحور العلم، صادق اللهجة، متين الديانة، صاحب سنة
__________
= الصغير: 2 / 226، المعرفة والتاريخ: 1 / 172، الجرح
والتعديل: 2 / 191، الضعفاء للعقيلي: 1 / 30، كتاب
المجروحين والضعفاء: 1 / 124، الكامل لابن عدي: 1 / 16 /
2، تهذيب الكمال: 108، تذهيب التهذيب: 1 / 66 / 1، تذكرة
الحفاظ: 1 / 233، ميزان
الاعتدال: 1 / 240، العبر: 1 / 227، 278، 279، تهذيب
التهذيب: 1 / 321، خلاصة تذهيب الكمال: 35، شذرات الذهب: 1
/ 294، تهذيب ابن عساكر: 3 / 39.
(*)
(8/313)
واتباع، وجلالة ووقار.
حدث عنه: ابن إسحاق، وسفيان الثوري، والاعمش، وهم من
شيوخه، والليث بن سعد، وأبيض بن الاغر المنقري، وموسى بن
أعين، وجماعة ماتوا قبله، وبقية بن الوليد، وابن المبارك،
والوليد بن مسلم، وفرج بن فضالة، ويزيد بن هارون، وحجاج بن
محمد، وحيوة بن شريح، وأبو اليمان، وسعيد بن منصور، وأبو
الجماهر الكفرسوسي، ومروان بن محمد، والهيثم بن خارجة،
والحكم بن موسى، وأبو مسهر، وعثمان بن أبي شيبة، وأخوه أبو
بكر، ومحمد بن سلام البيكندي، وأبو عبيد، وهناد ابن السري،
ويحيى بن معين، ومحمد بن عبيد المحاربي، والحسن بن عرفة،
وعمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، ويحيى بن يحيى التميمي،
وأمم سواهم.
قال ابن معين: إسماعيل بن عياش مولى عنس.
وقال أبو خيثمة: كان أحول.
وقال محمد بن أحمد المقدمي: كان أزرق.
وقال الخطيب: قدم بغداد على المنصور، فولاه خزانة الكسوة،
وروى ببغداد كثيرا.
قال محمد بن مهاجر: قال لي أخي عمرو: ليس تحسن تسأل، لم لا
تسألني مسألة هذا الازرق، ما سألني أحد أحسن مسألة منه،
قلت: كيف أكون مثله وهو فقيه، يعني إسماعيل ؟
وفي رواية لابي مسهر عن محمد، قال أخي: لم لا تسألني مسألة
هذا الاحمر الحمصي ؟
(8/314)
وقال عبد الوهاب بن نجدة: سمعت إسماعيل بن عياش يقول: كان
ابن أبي حسين المكي يدنيني، فقال له أصحاب الحديث: نراك
تقدم هذا الغلام الشامي، وتؤثره علينا، فقال: إني أؤمله،
فسألوه يوما عن حديث يحدث به عن شهر، إذا جمع الطعام أربعا
فقد كمل، فذكر ثلاثة، ونسي الرابعة، فسألني عن ذلك، فقال
لي: كيف حدثتكم ؟ قلت: حدثتنا عن شهر بن حوشب أنه قال: إذا
جمع الطعام فقد كمل، إذا كان أوله حلالا، وسمي الله عليه
حين يوضع، وكثرت عليه الايدي، وحمد الله حين يرفع، فأقبل
على القوم، وقال: كيف ترون ؟ سليمان بن أحمد الواسطي، عن
يزيد بن هارون قال: رأيت شعبة عند فرج بن فضالة، يسأله عن
حديث إسماعيل بن عياش.
محمد بن عوف، عن أبي اليمان قال: كان منزل إسماعيل إلى
جانب منزلي، فكان يحيي الليل، وكان ربما قرأ، ثم يقطع، ثم
رجع، فقرأ من الموضع الذي قطع منه، فلقيته يوما، فقلت: يا
عم، قد رأيت منك في القراءة كيت وكيت، قال: يا بني، وما
سؤالك ؟ قلت: أريد أن أعلم.
قال: يا بني، إني أصلي، فأقرأ، فأذكر الحديث في الباب من
الابواب التي أخرجتها، فأقطع الصلاة، فأكتبه فيه، ثم أرجع
إلى صلاتي، فابتدئ من الموضع الذي قطعت منه.
قال سليمان بن عبدالحميد، عن يحيى الوحاظي: ما رأيت رجلا
كان أكبر نفسا من إسماعيل بن عياش، كنا إذا أتيناه إلى
مزرعته لا يرضى لنا إلا
بالخروف والخبيص.
سمعته يقول: ورثت من أبي أربعة آلاف دينار، فأنفقتها في
طلب العلم.
(8/315)
جعفر بن محمد الرسعني (1)، عن عثمان بن صالح، قال: كان أهل
مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث بن سعد، فحدثهم
بفضائل عثمان فكفوا عن ذلك، وكان أهل حمص ينتقصون عليا،
حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا
عن ذلك.
عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي لداود بن عمرو، وأنا
أسمع: يا أبا سليمان، كان إسماعيل بن عياش يحدثكم هذه
الاحاديث حفظا ؟ قال: نعم، ما رأيت معه كتابا قط، فقال:
لقد كان حافظا، كم كان يحفظ ؟ قال: شيئا كثيرا.
قال له: كان يحفظ عشرة آلاف ؟ قال: عشرة آلاف وعشرة آلاف،
وعشرة آلاف.
قال أبي: هذا كان مثل وكيع.
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم: عن علي ابن المديني، قال:
رجلان هما صاحبان حديث بلدهما: إسماعيل بن عياش، وابن
لهيعة.
وروى الفضل بن زياد، عن أحمد، قال: ليس أحد أروى لحديث
الشاميين من إسماعيل بن عياش، والوليد بن مسلم.
وقال يعقوب الفسوي: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام
عند إسماعيل، والوليد.
فسمعت أبا اليمان يقول: كان أصحابنا لهم رغبة في العلم،
وطلب شديد بالشام والمدينة ومكة، وكانوا يقولون: نجهد في
الطلب، ونتعب أبداننا، ونغيب، فإذا جئنا، وجدنا كل ما
كتبنا عند إسماعيل.
ثم قال الفسوي: وتكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل،
أعلم الناس بحديث الشاميين، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما
تكلموا قالوا:
__________
(1) نسبة إلى رأس العين من أرض الجزيرة، بينها وبين حران
يومان، ومنها ينبع نهر الخابور.
(*)
(8/316)
يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين (1).
وقال الهيثم بن خارجة: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما رأيت
أحفظ من إسماعيل بن عياش، ما أدري ما سفيان الثوري ؟.
وقال سليمان بن أحمد الواسطي: سمعت يزيد يقول: ما رأيت
شاميا ولا عراقيا أحفظ من إسماعيل.
قال أبو داود: قدم إسماعيل العراق قدمتين، قدم هو وحريز بن
عثمان الكوفة في مساحة أرض حمص، سمع منه يزيد بن هارون في
القدمة الاولى.
وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين: إسماعيل بن عياش ثقة،
كان أحب إلى أهل الشام من بقية، وقد سمع إسماعيل من
شرحبيل، وإسماعيل أحب إلي من فرج بن فضالة، مضيت إليه
فرأيته عند دار الجوهري قاعدا على غرفة، ومعه رجلان ينظران
في كتاب، فيحدثهم خمس مئة في اليوم أقل أو أكثر، وهم أسفل،
وهو فوق، فيأخذون كتابه فينسخون من غدوة إلى الليل، فرجعت
ولم أسمع منه شيئا.
وقال أيضا: شهدته يملي إملاء، فكتب عنه.
وقال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن
عياش، فقال: إذا حدث عن الشيوخ الثقات مثل محمد بن زياد،
وشرحبيل بن مسلم، قلت: فكتبت عنه ؟ قال: نعم، سمعت منه
شيئا.
وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عن إسماعيل بن عياش،
__________
(1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 423، 424، و " تاريخ بغداد "
6 / 224، و " ميزان الاعتدال " 1 / 241.
(*)
(8/317)
فقال: ليس بأس في أهل الشام، والعراقيون يكرهون حديثه.
قيل ليحيى: أيما أثبت هو أو بقية ؟ قال: كلاهما صالحان.
وروى عثمان بن سعيد عن ابن معين: أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت يحيى يقول: هو ثقة
فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز، فإن
كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.
وقال مضر بن محمد عن يحيى: إذا حدث عن الشاميين، وذكر
الخبر، فحديثه مستقيم، وإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين،
خلط ما شئت.
وقال أبو بكر المروذي: سألت أحمد عن إسماعيل بن عياش، فحسن
روايته عن الشاميين، وقال: هو أحسن حالا فيهم مما روى عن
المدنيين وغيرهم.
وقال أبو داود: سألت أحمد عنه، فقال: ما حدث عن مشايخهم،
فأما ما حدث عن غيرهم، فعنده مناكير عن الثقات.
وقال أحمد بن الحسن الترمذي (1): قال احمد بن حنبل: هو
أصلح من بقية، لبقية مناكير.
__________
(1) هو الحافظ العلم، أبو الحسن أحمد بن الحسن بن جنيدب
الترمذي، سمع يعلى بن عبيد، وأبا النضر، وعبد الله بن
موسى، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهم فأكثر، وأكثر الترحال،
حدث عنه البخاري، وأبو عيسى الترمذي، وابن خزيمة وغيرهم،
وسألوه عن العلل والرجال
والفقه، وكان من أصحاب أحمد بن حنبل.
توفي سنة بضع وأربعين ومئتين رحمه الله.
" تذكرة الحفاظ " 2 / 536.
(*)
(8/318)
وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: نظرت في كتاب
إسماعيل، عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وأحاديث مضطربة.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: يوثق فيما روى عن أصحابه
أهل الشام، فأما ما روى عن غيرهم، ففيه ضعف.
وروى عثمان الدارمي عن دحيم، قال: إسماعيل بن عياش في
الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين.
وقال الفلاس: إذا حدث عن أهل بلده، فصحيح، وليس بشئ في
المدنيين، كان عبدالرحمن لا يحدث عنه.
وقال ابن المديني: ضرب عبدالرحمن على حديثه، وعلى حديث
المبارك بن فضالة.
وقال عبد الله بن علي ابن المديني: سألت أبي عن إسماعيل بن
عياش، فضعفه فيما روى عن أهل الشام وغيرهم، وسمعت أبي
يقول: ما أحد أعلم منه بحديث أهل الشام لو ثبت على حديث
أهل الشام، ولكنه خلط في حديثه عن أهل العراق، وحدثنا عنه
عبدالرحمن، ثم ضرب على حديثه.
قال يعقوب بن شيبة: إسماعيل ثقة عند يحيى بن معين
وأصحابنا، فيما روى عن الشاميين خاصة، وفي روايته عن أهل
العراق وأهل المدينة اضطراب كثير، وكان عالما بناحيته.
وقال البخاري، إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن
غيرهم ففيه نظر.
(8/319)
وقال مرة: ما روى عن الشاميين فهو أصح.
وكذلك قال أبو بشر الدولابي.
وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعا يقول: قدم علينا
إسماعيل بن عياش، فأخذ مني أطرافا لاسماعيل بن أبي خالد،
فرأيته يخلط في أخذه.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: سألت أبا مسهر عن إسماعيل بن
عياش، وبقية، فقال: كل كان يأخذ عن غير ثقة، فإذا أخذت
حديثهم عن الثقات، فهو ثقة.
قال الجوزجاني: قلت لابي اليمان: ما أشبه حديث إسماعيل بن
عياش إلا بثياب سابور، يرقم على الثوب المئة، وأقل شرائه
دون عشرة دراهم.
قال: كان من أروى الناس على الكذابين، وهو في حديث الثقات
عن الشاميين أحمد منه في حديث غيرهم.
وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث إسماعيل بن
عياش فقال: هو لين يكتب حديثه، لا أعلم أحد أكف عنه إلا
أبا (1) إسحاق الفزاري.
قال مسلم: حدثنا أبو محمد الدارمي، حدثنا زكريا بن عدي،
قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: اكتب عن بقية ما روى عن
المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين، ولا
تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا غيرهم.
وقال أبو صالح الفراء: قلت لابي إسحاق الفزاري: أكتب عن
__________
(1) في الاصل " أبو ".
(*)
(8/320)
إسماعيل بن عياش ؟ قال: لا، ذاك رجل لا يدري ما يخرج من
رأسه.
قال أبو صالح: كان الفزاري قد روى عن إسماعيل ثم تركه،
وذاك أن رجلا جاء إلى أبي إسحاق.
فقال: يا أبا إسحاق، ذكرت عند إسماعيل بن عياش، فقال: أيما
رجل لولا أنه شكي.
قلت: هذا يدل على أن إسماعيل كان لا يرى الاستثناء في
الايمان (1)، فلعله من المرجئة.
قال ابن عدي: إذا روى إسماعيل عن قوم من أهل الحجاز كيحيى
ابن سعيد، ومحمد بن عمرو، وهشام بن عروة، وابن جريج، وعمر
بن محمد، وعبيدالله الوصافي، فلا يخلو من غلط فيغلط، إما
يكون حديثا برأسه، أو مرسلا يوصله، أو موقوفا يرفعه،
وحديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة، فهو مستقيم، وفي
الجملة هو ممن يكتب حديثه، ويحتج به من حديث الشاميين
خاصة.
قلت: حديث إسماعيل عن الحجازيين والعراقيين لا يحتج به،
وحديثه عن الشاميين صالح من قبيل الحسن، ويحتج به إن لم
يعارضه أقوى منه.
__________
(1) أي: لا يرى للمؤمن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله،
والقائل بحرمة ذلك هو من يجعل الايمان شيئا واحدا، فيقول:
أنا أعلم أني مؤمن، كما أني أعلم أني تكلمت بالشهادتين
فيقول: أنا مؤمن، كقولي: أنا مسلم، فمن استثنى في إيمانه
فهو شاك فيه، وسمي من الذين يستثون في إيمانهم: الشكاكة.
والصواب: أنه إذا أراد المستثني الشك في أصل إيمانه منع من
الاستثناء، وهذا مما لا خلاف فيه، وإن أراد أنه مؤمن من
المؤمنين الذين وصفهم الله بقوله: (إنما المؤمنون الذين
إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم
إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون
الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) [ الانفال: 2، 3 ].
وفي قوله: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم
يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون) [ الحجرات: 14 ] فالاستثناء جائز حينئذ، وكذلك
من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة، وكذلك من استثنى
تعليقا للامر بمشيئة الله لا شك في إيمانه.
(*)
(8/321)
وقد قال النسائي: ضعيف الحديث.
وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديث فخرج عن حد الاحتجاج
به.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: عرضت على أبي حديثا حدثناه
الفضل بن زياد الطستي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن
عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ".
فقال أبي: هذا باطل.
يعني أن إسماعيل وهم.
قلت: أخبرناه أحمد بن سلامة وغيره كتابة، عن عبد المنعم بن
كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل
الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل، فذكره.
أخرجه الترمذي (1)، عن ابن عرفة، فوافقناه بعلو.
إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن دينار، وسعيد بن يوسف، عن
يحيى بن أبي كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن
الله كره لكم العبث في الصلاة،
__________
(1) رقم (131)، وابن ماجه (595)، ولكن له طريقان آخران عند
الدارقطني: 43، أحدهما عن المغيرة بن عبدالرحمن، عن موسى
بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر.
والثاني عن محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل، عن أبي معشر،
عن موسى بن عقبة.
وفي الباب: عن علي رضي الله عنه، أخرجه أحمد 1 / 83 و 84 و
107 و 124 و 134، وأبو داود (229)، والنسائي 1 / 144،
والترمذي (146)، وابن ماجه (594)، والحاكم 4 / 107 بلفظ "
أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن وكان لا
يحجبه أو يحجزه عن قراءة القرآن شئ ليس الجنابة "، وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن السكن وعبد الحق
الاشبيلي وابن حبان، وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 340:
والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة.
وهذا قول أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم أنه لا يجوز
للجنب ولا للحائض قراءة القرآن، وهو قول الحسن، وبه قال
سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ومالك وأصحاب
الرأي، إلا أن مالكا جوز للحائض قراءة القرآن لان زمان
حيضها قد يطول فتنسى القرآن.
(*)
(8/322)
والرفث في الصيام، والضحك عند المقابر ".
رواه ابن المبارك عنه (1).
أخبرنا أبو المعالي الابرقوهي، أخبرنا زيد بن هبة الله،
أخبرنا أحمد ابن قفرجل، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد
الواحد بن مهدي، أخبرنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا أبو
حاتم الرازي، حدثنا أبو مسهر، حدثنا إسماعيل بن عياش،
حدثني بحير، عن خالد بن معدان، عن جبير ابن نفير، عن أبي
الدرداء، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " قال الله عزوجل: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول
النهار أكفك آخره " (2).
هذا حديث حسن متصل الاسناد شامي.
إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة
مرفوعا: " من قاء أو رعف فأحدث في صلاته فليذهب فليتوضأ ثم
ليبن على صلاته " (3).
قال أحمد بن حنبل: الصواب مرسل.
يحيى بن معين: حدثنا إسماعيل، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي
أمامة مرفوعا، قال: " الزعيم غارم " (4).
هذا إسناد قوي.
__________
(1) إسناده ضعيف لارساله، وأورده السيوطي في " الجامع
الصغير " ونسبه إلى سعيد بن منصور.
(2) وأخرجه الترمذي (475) في الصلاة: باب ما جاء في صلاة
الضحى، وإسناده صحيح، وله شاهد عند أحمد 5 / 286، 287،
وأبي داود (1289) في الصلاة، من حديث ابن همار قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عزوجل: " يا
ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره "
وإسناده صحيح.
(3) وأخرجه ابن ماجه (1221) في إقامة الصلاة: باب ما جاء
في البناء على الصلاة، ورواه الدارقطني في " سننه ": 56،
وقال: الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج، عن
أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ورواه ابن عدي
في " الكامل " في ترجمة إسماعيل بن عياش، ثم قال: هكذا
رواه ابن عياش مرة، ومرة قال: عن ابن جريج، عن أبيه، عن
عائشة، وكلاهما غير محفوظ.
(4) وأخرجه أحمد 5 / 267، وأبو داود (3565)، والترمذي
(2121) كلهم من طريق = (*)
(8/323)
محمد بن حرب النشائي: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة،
عن فرج بن فضالة، عن إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي
مريم، عن حبيب بن عبيد، عن عوف بن مالك، أن النبي صلى الله
عليه وسلم " صلى على جنازة.." الحديث (1).
ثم قال يزيد، وقدم علينا إسماعيل بعد، فحدثناه.
قال أبو زرعة الدمشقي: لم يكن بالشام بعد الاوزاعي وسعيد
بن عبد العزيز أحفظ من إسماعيل بن عياش.
إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: " تعافوا الحدود
بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب " (2).
__________
= إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة،
ولفظه بتمامه: " العارية مؤداة،
والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم " وقول المصنف:
هذا إسناد قوي: ليس بقوي، لان شرحبيل بن مسلم الخولاني
مختلف فيه، وثقه أحمد، وضعفه ابن معين، ولذا قال الحافظ في
" التقريب ": صدوق فيه لين.
لكن متن الحديث صحيح بشاهده عند أحمد 5 / 293 من حديث ابن
المبارك، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن سعيد بن أبي
سعيد، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إن
العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم
" وإسناده صحيح.
والزعيم: الكفيل، وكل من تكفل دينا عن غيره فعليه غرمه.
(1) وتمامه: فحفظت من دعائه وهو يقول: " اللهم اغفر له
وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله
بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب
الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من
أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب
القبر أو من عذاب النار ".
أخرجه مسلم (963)، وأحمد 6 / 23، والبيهقي 4 / 40 من طريق
معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد، عن جبير بن نفير، عن عوف
بن مالك، وأخرجه أبو داود الطيالسي، 1 / 164 من طريق الفرج
بن فضالة، عن أبي بكر بن مريم، عن حبيب بن عبيد، عن عوف بن
مالك، وقال: ويروى هذا الحديث عن حبيب بن عبيد، وأخرجه ابن
ماجه (1500) من طريق الطيالسي، عن عصمة بن راشد، عن حبيب
بن عبيد، عن عوف ابن مالك.
(2) وأخرجه أبو داود (4376) في الحدود: باب العفو عن
الحدود ما لم تبلغ السلطان، = (*)
(8/324)
محمد بن حمير الحمصي: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد ابن
عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعا قال: " إذا كتب
أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة " (1).
إسماعيل بن عياش، عن الاوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن عمر
بن الخطاب يرفعه، قال: " يكون في هذه الامة رجل يقال له
الوليد،
هو أشد على أمتي من فرعون على قومه " (2).
قال أبو حاتم بن حبان: وهذا باطل، هكذا قال.
وليس كما زعم بل إسناده نظيف.
إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن
أبي راشد الحبراني، عن عبدالرحمن بن شبل، قال: " نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب " (3).
هذا حديث منكر، وأراه مرسلا.
ابن عياش، عن يحيى بن سعيد، وابن جريج، عن عمرو بن
__________
= والنسائي 8 / 70 في السرقة: باب ما يكون حرزا وما لا
يكون، من طريق ابن وهب، قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو
بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهذا سند حسن.
وصححه الحاكم 4 / 383، وأقره المؤلف في مختصره.
وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أحمد 1 / 419 و 438،
والحاكم 4 / 382 و 383، ولا بأس به في الشواهد.
(1) إسناده ضعيف لضعف إسماعيل في روايته عن غير الشاميين،
وأخرجه الترمذي (2713) من طريق محمود بن غيلان، عن شبابة،
عن حمزة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال..وقال: هذا حديث
منكر لا نعرفه عن أبي الزبير إلا من هذا الوجه، وحمزة هو
عندي ابن عمرو النصيبي، وهو ضعيف في الحديث.
(2) وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 18 من طريق أبي
المغيرة، حدثنا ابن عياش، قال: حدثني الاوزاعي وغيره، عن
الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، وسنده ضعيف لانقطاعه،
سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر، وقد حكم الحافظ العراقي
عليه بالوضع، فرده عليه تلميذه الحافظ ابن حجر في " القول
المسدد ": 5، 6، و 11، 16.
(3) وأخرجه أبو داود (3796) في الاطعمة: باب في أكل الضب،
وقال المنذري في مختصره: وإسماعيل بن عياش، وضمضم، فيهما
مقال.
وقال الخطابي: ليس إسناده بذاك، وقال البيهقي: لم يثبت
إسناده، إنما تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة.
(*)
(8/325)
شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا: " ليس لقاتل من الميراث شئ
" (1).
لا يصح هذا، فقد رواه جماعة، عن عمرو بن شعيب، عن عمر، من
قوله، فهو منقطع موقوف.
أبو اليمان، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن أنس
ابن مالك مرفوعا: " خير نسائكم العفيفة الغلمة ".
هذا حديث منكر (2).
وقد صحح الترمذي لاسماعيل بن عياش غير ما حديث من روايته
عن أهل بلده.
منها حديث: " لا وصية لوارث " (3).
وحديث: " بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه " (4).
__________
(1) وأخرجه أبو داود (4564) من طريق محمد بن راشد، عن
سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، في
حديث طويل في الديات، وفي آخره: وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " ليس للقاتل شئ، وإن لم يكن له وارث فوارثه
أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئا " وفي الباب عن أبي
هريرة عند الترمذي (2110)، وابن ماجه (2735) وسنده ضعيف،
وعن عمر بن شيبة بن أبي كبير أخرجه الطبراني في قصة عمر بن
شيبة كما في " مجمع الزوائد " 4 / 230، وعن ابن عباس عند
الدارقطني: 465.
وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وأخرج عبد الرزاق
(17778) من طريق البيهقي 6 / 220 عن معمر، عن رجل، عن
عكرمة، عن ابن عباس قال: من قتل قيتلا فإنه لا يرثه، وإن
لم يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه ليس لقاتل ميراث.
والرجل المذكور هو عمرو بن برق، قاله عبد الرزاق راوي
الحديث، وهو ضعيف عندهم، فالحديث بهذه الشواهد قوي يصلح
للاستشهاد.
(2) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " ونسبه للديلمي في
" مسند الفردوس ".
(3) حديث صحيح، أخرجه أبو داود (2870)، وابن ماجه (2713)
والترمذي (2121) من حديث أبي أمامة، سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " إن لله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا
وصية لوارث ".
وله شاهد من حديث عمرو بن خارجة عند الترمذي (2122)،
والنسائي 6 / 247، وابن ماجه (2712)، وآخر عن أنس عند ابن
ماجه (1714)، وثالث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند
الدارقطني 2 / 446، ورابع عند الدارقطني أيضا 2 / 466،
وخامس عن علي عند ابن أبي شيبة.
(4) أخرجه الترمذي (2380)، وأحمد 4 / 132 من حديث المقدام
بن معديكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطن، بحسب
ابن آدم = (*)
(8/326)
اختلفوا في مولد ابن عياش ووفاته، فقال محمد بن عوف، عن
يزيد ابن عبدربه: مولده سنة اثنتين ومئة (1).
وروى سعيد بن عمرو السكوني، عن بقية: أن إسماعيل ولد سنة
خمس ومئة، وولدت سنة عشر.
وروى أبو زرعة الدمشقي، عن يزيد بن عبدربه: ولد سنة ست
ومئة.
قلت: هذا أصح.
كان كذلك.
قال أحمد بن حنبل: وروى عمرو بن عثمان الحمصي، عن أبيه،
قال: قال لي ابن عيينة: مولد إسماعيل بن عياش قبلي، سنة
ست، ومولدي سنة ثمان ومئة.
قلت: يا أبا محمد أنت بكرت، يعني بالطلب.
وروى أبو التقي اليزني، عن بقية قال: ولد إسماعيل سنة ثمان
ومئة.
ومولدي: سنة اثنتي عشرة.
وأما وفاة إسماعيل، ففي سنة إحدى وثمانين ومئة.
قاله يزيد بن عبد ربه، وحيوة بن شريح، وأحمد، وابن مصفى،
وعدة.
فزاد ابن مصفى: يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الاول.
وقال الحجاج بن محمد الخولاني: يوم الثلاثاء لست مضت من
جمادى.
وقال ابن سعد، وخليفة، وأبو حسان الزيادي، وأبو عبيد، وأبو
مسلم الواقدي: سنة اثنتين وثمانين.
وما خرجا له في " الصحيحين " شيئا.
__________
= أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث
لشرابه، وثلث لنفسه " وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن
صحيح.
(1) كذا الاصل، وقد كتب فوق الكلمة: لعله ست، وفي " تذهيب
التهذيب " للمؤلف 1 / 67: قال يزيد بن عبد ربه: ولد
إسماعيل بن عياش سنة اثنتين ومئة، وقال مرة: سنة ست ومئة،
وفي " تهذيب الكمال ": 110: سنة خمس ومئة.
(*)
(8/327)
ومن غرائبه ما يرويه علي بن عياش عنه، قال: حدثنا مطعم بن
المقدام، عن ابن غنيم الكلاعي، عن نصيح العنسي، عن ركب
المصري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " طوبى لمن تواضع من
غير منقصة " (1) وذكر الحديث.
وليس في الاربعين الودعانية (2) متن أمثل منه، لكنه ساقه
ابن ودعان بسند موضوع.
84 - ابن السماك *
الزاهد، القدوة، سيد الوعاظ، أبو العباس محمد بن صبيح
__________
(1) أخرجه البخاري في " تاريخه " 3 / 338 - 339، وركب
المصري هذا: نقل الحافظ في الاصابة ت (1777) عن عباس
الدوري أن له صحبة، وقال غيره: لا تعرف له صحبة، وحديثه
هذا أخرجه البغوي والبارودي وابن شاهين والطبراني وغيرهم.
ولفظه بتمامه: " طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه
في غير مسكنة، وأنفق من مال جمعه في غير معصية، وخالط أهل
الفقه والحكمة، ورحم أهل الذل والمسكنة.
طوبى لمن ذل نفسه، وطاب كسبه، وحسنت سريرته، وكرمت
علانيته، وعزل عن الناس شره.
طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من
قوله ".
ونقل المناوي في " فيض القدير " عن " المهذب " للمؤلف
قوله: ركب يجهل،
ولم تصح له صحبة، ونصيح ضعيف، وقال ابن مندة والبغوي: ركب
مجهول لا تعرف له صحبة، وأقرهم الحافظ العراقي، وقال
الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: نصيح العنسي عن ركب لم
أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر في "
الاصابة " وتلميذه السخاوي.
(2) هي أربعون خطبة منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم جمعها ابن ودعان محمد بن علي القاضي، وهي موضوعة، سئل
المزي عنها فأجاب: لا يصح منها على هذا النسق بهذه
الاسانيد شئ، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة معروفة، يحتاج في
تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من
زيد بن رفاعة، وقيل: زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة
الهاشمي.
قال السلفي: تبين لي حين تصفحت الاربعين له تخليط عظيم يدل
على كذبه وتركيبه الاسانيد.
انظر " ميزان الاعتدال " 3 / 657، و " لسان الميزان " و "
الفوائد المجموعة ": 423.
* المعرفة والتاريخ: 2 / 671، الجرح والتعديل: 7 / 290،
حلية الاولياء: 8 / 203 - 207، وفيات الاعيان: 4 / 301 -
302، العبر: 1 / 287، ميزان الاعتدال: 3 / 584، الطبقات
الكبرى للشعراني: 52، الكواكب الدرية للمناوي: ص: 168،
شذرات الذهب: 1 / 303 (*)
(8/328)
العجلي، مولاهم الكوفي، ابن السماك.
روى عن: هشام بن عروة، والاعمش، ويزيد بن أبي زياد،
وطائفة.
ولم يكثر.
روى عنه: يحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن أيوب
العابد، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وآخرون.
قال ابن نمير: صدوق.
قلت: ما وقع له شئ في الكتب الستة.
وهو القائل: كم من شئ إذا لم ينفع لم يضر، لكن العلم إذا
لم ينفع، ضر.
قيل: وعظ مرة، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك بين يدي الله
مقاما، وإنه لك من مقامك منصرفا، فانظر إلى أين تكون.
فبكى الرشيد كثيرا.
قيل: دخل ابن السماك على رئيس في شفاعة لفقير.
فقال: إني أتيتك في حاجة، والطالب والمعطي عزيزان إن قضيت
الحاجة، ذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل عن ذلك
المنع، وعز النجح على ذل الرد.
وعنه قال: همة العاقل في النجاة والهرب، وهمة الاحمق في
اللهو والطرب.
عجبا لعين تلذ بالرقاد، وملك الموت معها على الوساد، حتى
متى يبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة، حتى كأن النفوس عليها
واقفة، والعيون ناظرة، أفلا منتبه من نومته، أو مستيقظ من
غفلته، ومفيق من سكرته، وخائف من صرعته، كدحا للدنيا كدحا،
أما تجعل للآخرة منك حظا، أقسم بالله، لو رأيت القيامة
تخفق بأهوالها، والنار مشرفة على آلها، وقد
(8/329)
وضع الكتاب، وجئ بالنبيين والشهداء، لسرك أن يكون لك في
ذلك الجمع منزلة، أبعد الدنيا دار معتمل، أم إلى غير
الآخرة منتقل ؟.
هيهات ولكن صمت الآذان عن المواعظ، وذهلت القلوب عن
المنافع، فلا الواعظ ينتفع، ولا السامع ينتفع.
وعنه: هب الدنيا في يديك، ومثلها ضم إليك، وهب المشرق
والمغرب يجئ إليك، فإذا جاءك الموت، فماذا في يديك ؟ ! ألا
من امتطى الصبر، قوي على العبادة، ومن أجمع الناس، استغنى
عن الناس، ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها (1) غيره، ومن أحب
الخير، وفق له، ومن كره
الشر، جنبه، ألا متأهب فيما يوصف أمامه، ألا مستعد ليوم
فقره، ألا مبادر فناء أجله.
ما ينتظر من ابيضت شعرته بعد سوادها، وتكرش وجهه بعد
انبساطه، وتقوس ظهره بعد انتصابه، وكل بصره، وضعف ركنه،
وقل نومه، وبلي منه شئ بعد شئ في حياته، فرحم الله امرأ
عقل الامر، وأحسن النظر، واغتنم أيامه.
وعنه: الدنيا كلها قليل، والذي بقي منها قليل، والذي لك من
الباقي قليل، ولم يبق من قليلك إلا قليل، وقد أصبحت في دار
العزاء، وغدا تصير إلى دار الجزاء، فاشتر نفسك لعلك تنجو.
توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومئة، وقد أسن.
85 - مرحوم * (ع) ابن عبد
العزيز بن مهران، الامام المحدث الثقة، أبو محمد،
وقيل *
__________
(1) تحرفت في " الحلية " 8 / 206 إلى " مسرتها ".
* المعارف: 306، المعرفة والتاريخ للفسوي: 3 / 180، الكامل
لابن عدي: = (*)
(8/330)
أبو عبد الله الاموي، مولاهم البصري، العطار، من موالي آل
معاوية، وهو والد عبيس، وجد بشر بن عبيس.
حدث عن: ثابت البناني، وأبي عمران الجوني، وأبي نعامة
السعدي، وعبد الرحيم بن زيد العمي، وأبيه عبد العزيز، وأبي
سمير حكيم ابن خذام، وسهل بن عطية، وعمه عبدالحميد بن
مهران، وعسل بن سفيان، وينزل إلى أن يروي عن داود بن
عبدالرحمن العطار.
وليس هو بالمكثر.
روى عنه: الثوري: أحد مشايخه، والخريبي، وأبو نعيم، وزكريا
بن
عدي، ومسدد، وعبدان بن عثمان، وعلي ابن المديني، وأبو بكر
بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وسوار بن عبد الله
العنبري، وخليفة بن خياط، وبندار، وابن مثنى، وعمرو
الناقد، ونصر بن علي، وأبو بكر محمد بن خلاد الباهلي،
وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وبكر بن خلف، والحسين بن الحسن
المروزي، ويحيى بن حبيب، ويعقوب الدورقي، وخلق سواهم.
وثقة أحمد، وابن معين، والنسائي.
وقال الخريبي: ما رأيت بالبصرة أفضل منه، ومن سليمان بن
المغيرة.
قال البخاري: قال بشر بن عبيس: مات جدي سنة ثمان وثمانين
ومئة.
وكان له يوم موت الحسن البصري سبع سنين.
__________
= 4 / 344 / 1، تهذيب الكمال: 1335، تذهيب التهذيب: 4 / 45
/ 1، ميزان الاعتدال: 4 / 128، العبر: 1 / 291، تهذيب
التهذيب: 10 / 177، خلاصة تذهيب الكمال: 379.
(*)
(8/331)
وقال أبو داود: مات سنة سبع وثمانين.
أخبرنا أحمد بن عبدالحميد، ومحمد بن أبي بكر بن بطيخ،
وأحمد ابن مؤمن، وعبد الحميد بن أحمد، قالوا أخبرنا
عبدالرحمن بن نجم، أخبرتنا شهدة الكاتبة، أخبرنا الحسين بن
طلحة، أخبرنا عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين بن
إسماعيل، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا مرحوم بن عبد
العزيز العطار، حدثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان
النهدي، عن أبي موسى الاشعري قال: كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في غزاة، فقال: " يا عبد الله بن قيس ألا
أعلمك كنزا من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة
إلا بالله " (1) رواه سليمان التيمي، وخالد الحذاء، وعاصم
الاحول، وآخرون عن النهدي نحوه.
86 - المطلب بن زياد *
(بخ، س، ق) ابن أبي زهير الثقفي.
وقيل: القرشي.
مولاهم.
وقيل: مولى جابر
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 363، باب غزوة خيبر، وفي الجهاد:
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، وفي الدعوات: باب
الدعاء إذا علا عقبة، وباب لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي
القدر: باب لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي التوحيد: باب
قوله تعالى: (وكان الله سميعا بصيرا)، ومسلم (2704) في
الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب استحباب خفض الصوت
بالذكر.
ولفظه بتمامه: عن أبي موسى الاشعري قال: لما غزا رسول الله
صلى الله عليه وسلم خيبر، أو قال: لما توجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى خيبر، أشرف الناس على واد، فرفعوا
أصواتهم بالتكبير: الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " اربعوا على أنفسكم إنكم لا
تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم "
وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا
أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: " يا عبد الله بن
قيس " قلت: لبيك يا رسول الله، قال: " ألا أدلك على كلمة
من كنز الجنة ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي،
قال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " وقوله: اربعوا على
أنفسكم: أي ارفقوا بها.
قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال
عامة السلف من الصحابة والتابعين.
نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 6 / 135،
وأقره.
* تاريخ خليفة بن خياط: 127، التاريخ الكبير: 8 / 60،
التاريخ الصغير: 2 / 244، = (*)
(8/332)
ابن سمرة السوائي.
وكان جابر من حلفاء بني زهرة، فمن ثم قيل له: القرشي.
من كبار المحدثين بالكوفة.
ولد قبل المئة.
وروى عن: زياد بن علاقة، وإسماعيل السدي، وأبي إسحاق، وعبد
الله بن محمد بن عقيل، وعبد الملك بن عمير، وإسحاق بن
إبراهيم بن عمير مولى ابن مسعود، وزيد بن علي بن الحسين،
وليث بن أبي سليم، وطائفة.
وما هو بالمكثر ولا بالحافظ، لكنه صدوق، صاحب حديث ومعرفة.
حدث عنه: ابن المبارك، ويوسف بن عدي، وأبو الوليد
الطيالسي، وأحمد، وإسحاق، وابن معين، وأبو بكر بن أبي
شيبة، وعثمان أخوه، وسويد بن سعيد، وأبو غسان النهدي،
ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو سعيد الاشج، وشريح بن
يونس، وإبراهيم بن موسى الفراء، وسفيان بن وكيع، وعلي بن
الحسن التميمي الرازي، كراع، وأبو هشام الرفاعي، وهارون بن
إسحاق الهمداني، وخلق.
قال أحمد وابن معين: ثقة.
وقال أحمد: لم ندرك بالكوفة أكبر منه، ومن عمر بن عبيد.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
وقال أبو داود: هو عندي صالح.
__________
= المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 230، تهذيب الكمال: 1313،
خلاصة تذهيب الكمال: 379.
(*)
(8/333)
وقال عيسى بن شاذان: عنده مناكير.
قلت: روى له البخاري في " الادب " له، وابن ماجه، والنسائي
في الخصائص من " سننه ".
قال مطين: مات سنة خمس وثمانين ومئة.
أخبرنا محمد بن يعقوب الاسدي، وابن عمه أيوب بن أبي بكر،
وإسماعيل بن عميرة، وأحمد بن مؤمن، وعبد الكريم بن محمد بن
محمد، وبيبرس المجدي، ومحمد بن علي بن الواسطي، قالوا:
أخبرنا إبراهيم بن عثمان، وأخبرنا أبو المعالي الابرقوهي،
أخبرنا محمد بن أبي القاسم المفسر، ومحمد بن إبراهيم بن
معالي، وصفية بنت عبد الجبار، وسعيد بن ياسين، وعمر بن
بركة، وأنجب بن أبي السعادات (ح) وأخبرنا سنقر بن عبد الله
الحلبي، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وأنجب الحمامي، وعلي
بن أبي الفخار، وعبد اللطيف بن محمد، ومحمد بن محمد بن
السباك، قالوا جميعا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبدا
لباقي، وزاد إبراهيم بن عثمان فقال: وأخبرنا علي بن
عبدالرحمن الطوسي، قالا: أخبرنا مالك بن أحمد الفراء،
أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى الصلتي، حدثنا إبراهيم بن عبد
الصمد إملاء، حدثنا أبو سعيد الاشج، حدثنا المطلب ابن
زياد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: كنت عند جابر في
بيته، وعلي بن الحسين، ومحمد بن الحنفية، وأبو جعفر، فدخل
رجل من أهل العراق، فقال: أنشدك بالله إلا حدثتني ما رأيت
وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كنا
بالجحفة بغدير خم (1)، وثم ناس كثير من جهينة ومزينة
__________
(1) قال الزمخشري: خم: اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي
هو بين مكة والمدينة = (*)
(8/334)
وغفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء
أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه
فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (1).
هذا حديث حسن عال جدا، ومتنه فمتواتر.
87 - عبد السلام * (خ، 4) ابن
حرب الملائي البصري، ثم الكوفي، شريك أبي نعيم.
كان صاحب حديث وحفظ، وعمر دهرا.
حدث عن: أيوب السختياني، وعطاء بن السائب، وإسحاق بن عبد
الله بن أبي فروة، وخالد الحذاء، وجماعة.
وعنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وهناد بن السري، وأبو سعيد
الاشج والحسن بن عرفة، وآخرون.
__________
= بالجحفة، وقيل: على ثلاثة أميال من الجحفة، وذكر صاحب "
المشارق " أن خما اسم غيضة هناك، وبها غدير نسب إليها،
قال: وخم: موضع تصب فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه (121) من حديث سعد بن أبي
وقاص، وأخرجه أحمد 4 / 368، والترمذي (713) من حديث زيد بن
أرقم، وأخرجه أحمد 1 / 84 و 118 و 119 و 152 من حديث علي،
و 331 من حديث ابن عباس، و 4 / 281 من حديث البراء، و 4 /
368 و 370 و 372 من حديث زيد بن أرقم، و 5 / 347 من حديث
بريدة، و 419 من حديث أبي أيوب الانصاري.
* تاريخ خليفة بن خياط: 193، 199، التاريخ الصغير، 2 /
234، المعرفة والتاريخ للفسوي: 3 / 219، الجرح والتعديل: 6
/ 47، الضعفاء للعقيلي: 2 / 255، مشاهير علماء الامصار:
(1366) ص: 172، الكامل لابن عدي: 4 / 252 / 2، تهذيب
الكمال: 832، تذكرة الحفاظ: 1 / 271، تذهيب التهذيب: 2 /
236 / 2، ميزان الاعتدال: 2 / 614، العبر: 1 / 297، تهذيب
التهذيب: 6 / 316، خلاصة تذهيب الكمال: 238، شذرات الذهب:
1 / 316، البيان: (مخطوط).
(*)
(8/335)
وروى عنه من شيوخه: محمد بن إسحاق، وقيس بن الربيع.
قال الترمذي: ثقة حافظ.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة وفي حديثه لين، وكان عسرا في
الحديث.
سمعت ابن المديني يقول: كان يجلس في كل عام مرة مجلسا
للعامة، فقيل لعلي: أكثرت عنه ؟ قال: نعم حضرت له مجلس
العامة، وقد كنت أستنكر بعض حديثه حتى نظرت في حديث من
يكثر عنه، فإذا حديثه مقارب عن مغيرة والناس، وذلك أنه كان
عسرا، فكانوا يجمعون غرائبه في مكان، فكنت أنظر إليها
مجموعة، فاستنكرتها.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
والكوفيون يوثقونه.
قال القواريري: أتيته، فقلت: حدثني، فإني غريب من البصرة،
فقال: كأنك تقول: جئت من السماء.
فلم يحدثني.
قيل: ولد في حياة أنس، سنة إحدى وتسعين، ومات سنة سبع
وثمانين ومئة.
قلت: لعله ما طلب إلا وقد تكهل.
88 - عمر بن عبيد * (ع) ابن
أبي أمية الكوفي الطنافسي، الحافظ، أخو الحافظين:
يعلى، ومحمد، وإبراهيم، وإبراهيم فهو أسنهم.
__________
* تهذيب الكمال: 1020، تذهيب التهذيب: 3 / 90 / 2، ميزان
الاعتدال: 3 / 213، العبر للذهبي: 1 / 291، الجرح
والتعديل: 6 / 123، خلاصة تذهيب الكمال: 285، شذرات الذهب:
1 / 308.
(*)
(8/336)
حدث عمر عن: آدم بن علي، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن
عمير، ومنصور بن المعتمر، وجماعة.
حدث عنه: أخواه: يعلى وإبراهيم، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن
عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه، وزياد بن أيوب،
والحسن بن عرفة، وآخرون.
وكان من الثقات.
قال أبو حاتم: محله الصدق.
قلت: توفي سنة خمس وثمانين ومئة.
89 - أما عمر بن عبيد * البصري الخزاز، بياع الخمر، أبو
حفص، فجاور بمكة.
وحدث عن سهيل بن أبي صالح.
روى عنه: أبو عبد الرحمن المقرئ، وأبو بكر الحميدي،
وغيرهما.
ضعفه أبو حاتم الرازي.
ذكرته للتمييز.
90 - يحيى بن زكريا * *
(ع) ابن أبي زائدة، الحافظ، العلم، الحجة، أبو سعيد
الهمداني
__________
* الجرح والتعديل: 6 / 123، الضعفاء للعقيلي: 2 / 285،
الكامل لابن عدي: 3 / 261 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 212.
* * تاريخ خليفة بن خياط: 118، 158، التاريخ الكبير: 8 /
273، التاريخ الصغير: 2 / 231، الجرح والتعديل: 9 / 144،
مشاهير علماء الامصار: (1381) ص: 174، الفهرست لابن
النديم: 1 / 226، تاريخ بغداد: 14 / 114، تهذيب الكمال:
1465، = (*)
(8/337)
الوادعي، واسم جده ميمون بن فيروز، مولى امرأة وادعية.
وقيل: بل مولى محمد بن المنتشر الهمداني.
مولده: سنة عشرين ومئة تقريبا، أو فيها.
حدث عن: أبيه، وعاصم الاحول، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد
الانصاري، والاعمش، وداود بن أبي هند، وأبي مالك الاشجعي،
وعبيدالله ابن عمر، ومجالد، والعلاء بن المسيب، وهاشم بن
هاشم الزهري، وموسى الجهني، وابن عون، وصالح بن صالح بن
حي، وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية، ومسعر، وحجاج بن
أرطاة، وشعبة، وابن إسحاق، وخلق كثير.
وينزل إلى سفيان بن عيينة، ومالك.
وكان من أوعية العلم.
حدث عنه: أبو داود الحفري، ويحيى بن آدم، ومعلى بن منصور،
ويحيى ابن يحيى، وأحمد، وابن معين، وابنا أبي شيبة، وهارون
بن معروف، وأبو كريب، وهناد، وعمرو بن رافع القزويني، وعلي
بن مسلم الطوسي، وأحمد ابن منيع، والحسن بن عرفة، وزياد بن
أيوب، وابن زرارة عمرو لا عمر، ومحمد بن عبيد المحاربي،
ويعقوب الدورقي، وأمم سواهم.
قال أبو خالد الاحمر: كان جيد الاخذ.
وعن الحسن بن ثابت قال: نزلت بأفقه أهل الكوفة، يعني يحيى
بن أبي زائدة.
وروى عمرو الناقد عن ابن عيينة، قال: ما قدم علينا أحد من
أصحابنا يشبه
__________
= تذهيب التهذيب: 4 / 153 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 146،
ميزان الاعتدال: 4 / 374، مرآة الجنان: 1 / 382، العبر: 1
/ 283، 415، تهذيب التهذيب: 11 / 208 - 210، خلاصة تذهيب
تهذيب الكمال: 423، مفتاح السعادة: 2 / 119، الجواهر
المضية: 2 / 211، شذرات الذهب: 1 / 298، هدية العارفين
للبغدادي: 2 / 513.
(*)
(8/338)
هذين الرجلين: عبد الله بن المبارك، ويحيى بن أبي زائدة.
وروى الحارث بن سريج، عن يحيى القطان قال: ما خالفني أحد
بالكوفة أشد علي من ابن أبي زائدة.
وقال أحمد، ويحيى بن معين: ثقة.
وقال ابن المديني: هو من الثقات.
وقال مة: لم يكن أحد بالكوفة بعد الثوري أثبت من ابن أبي
زائدة، وقال أيضا: انتهى العلم إلى الشعبي في زمانه، ثم
إلى الثوري، في زمانه، ثم إلى يحيى بن أبي زائدة في زمانه.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ابن أبي زائدة في
الاتقان أكبر من ابن إدريس.
وقال النسائي: ثقة، ثبت.
وقال أبو حاتم: مستقيم الحديث، ثقة.
وقال أحمد العجلي: ثقة، جمع له الفقه والحديث، ويعد من
حفاظ الكوفيين، مفتيا ثبتا، صاحب سنة.
وكان على قضاء المدائن.
ووكيع إنما صنف كتبه على كتب يحيى بن أبي زائدة.
وقال ابن أبي حاتم: هو أول من صنف الكتب بالكوفة.
وروى حسين بن عمرو العنقزي، عن إسماعيل بن حماد بن أبي
حنيفة، قال: يحيى بن أبي زائدة في الحديث مثل العروس
العطرة.
وروى عباس الدوري وغيره، عن يحيى، قال: كان يحيى بن أبي
زائدة كيسا، لا أعلمه أخطأ إلا في حديث واحد عن سفيان، عن
أبي إسحاق.
وقال الغلابي: عن سفيان، عن أبي حصين، ثم اتفقا عن قبيصة
بن برمة، قال: قال
(8/339)
عبد الله: ما أحب أن يكون عبيدكم مؤذنيكم.
وإنما هو عن واصل، عن قبيصة.
قال زياد بن أيوب: ولي ابن أبي زائدة قضاء المدائن أربعة
أشهر، ثم
مات.
وكان يحدث حفظا.
وقال يعقوب السدوسي: توفي بالمدائن، وهو قاض لامير
المؤمنين هارون، كانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومئة.
وعاش ثلاثا وستين سنة.
وكان ثقة حسن الحديث، ويقولون: إنه أول من صنف الكتب
بالكوفة، وكان يعد من فقهاء المحدثين بالكوفة، وكانت وفاته
في جمادى الاولى.
وقال هارون بن حاتم، وابن سعد، ومطين، وغيرهم: مات سنة
ثلاث، وقال خليفة: سنة ثلاث أو أربع وثمانين.
وقال مسروق بن المرزبان، وابن قانع: سنة أربع.
قال عيسى بن يونس: رأيت زكريا بن أبي زائدة، يجئ إلى
مجالد، فيقول ليحيى، يعني ابنه: يا بني، احفظ.
أنبأنا عبدالرحمن بن قدامة، والمسلم بن محمد، قالا: أخبرنا
حنبل بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو
علي بن المذهب، أخبرنا أحمد ابن جعفر، حدثنا عبد الله بن
أحمد، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن زكريا، قال: أخبرني عاصم
الاحول، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " إذا وقعت رميتك في الماء فغرق فلا تأكل
".
هذا حديث صحيح غريب، أخرجه أبو داود (1) عن محمد بن يحيى
الذهلي، عن أحمد، فوقع بدلا بعلو درجتين.
__________
(1) (2850) في الصيد: باب في الصيد، وإسناده صحيح، وهو في
" مسند أحمد " 4 / 378.
(*)
(8/340)
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن صرما، والفتح بن عبد
السلام، قالا: أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أحمد بن
محمد البزاز،
أخبرنا علي بن عمر الحربي، أخبرنا أحمد بن الحسن، حدثنا
يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن مجالد، قال:
أشهد على أبي الوداك، أنه شهد على أبي سعيد عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما
ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر لمنهم،
وأنعما ".
فقال له إسماعيل وهو جالس مع مجالد على الطنفسة: وأنا أشهد
على عطية أنه شهد على أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول ذلك (1).
حديث عطية هو المشهور، رواه أئمة عنه.
وأما حديث أبي الوداك ففرد غريب.
حسن الترمذي خبر عطية.
91 - خلف بن خليفة *
(4، م تبعا) ابن صاعد، الامام المعمر، أبو أحمد الاشجعي،
مولاهم الكوفي، نزيل واسط، ثم تحول إلى بغداد.
وبعضهم يعده من صغار التابعين لكونه ذكر أنه
__________
(1) وأخرجه أبو داود (3987)، والترمذي (3659)، وابن ماجه
(96)، وعطية ضعيف لا يحتج به، لكن تابعه أبو الوداك جبر بن
نوف في سند المؤلف، وعند أحمد 3 / 26، ولا بأس بإسناده
فيتقوى به.
وقوله: وأنعما: أي زادا على ذلك، يقول: قد أحسنت إلي
وأنعمت: أي زدت على الاحسان.
وقيل: أنعما: أي صارا إلى النعيم ودخلا فيه، كما يقال:
أجنب الرجل، إذا دخل في الجنوب، وأشمل، إذا دخل في الشمال.
* الطبقات لابن خياط العصفري: 170، 326، التاريخ الكبير: 3
/ 194، التاريخ الصغير: 2 / 225، المعرفة والتاريخ للفسوي:
2 / 74، 75، و 3 / 245، الجرح والتعديل: 3 / 369، مشاهير
علماء الامصار (1387) ص: 175، الكامل لابن عدي: 2 / 123 /
1، تهذيب الكمال: 379، تذهيب التهذيب: 1 / 199 / 1، ميزان
الاعتدال: 1 / 659، العبر: 1 / 280، تهذيب التهذيب: 3 /
150، خلاصة تذهيب الكمال: 105، شذرات الذهب: 1 / 295.
(*)
(8/341)
رأى عمرو بن حريث رضي الله عنه.
روى عن أبيه، ومحارب بن دثار، وأبي بشر جعفر بن إياس، وحفص
ابن أخي أنس، وأبي هاشم الرماني، وعدة.
وعنه: قتيبة، وعلي بن حجر، وشريح بن يونس، والحسن بن عرفة.
وقد حدث عنه من الكبار هشيم.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
وقال ابن سعد: تغير قبل موته واختلط.
وقال احمد بن حنبل: رأيته، ووضعه رجل، فصاح (1) فسئل عن
حديث، فلم أفهم كلامه.
وقال ابن معين: ليس به بأس.
قال خلف: فرض لي عمر بن عبد العزيز وأنا ابن ثمان سنين.
قلت: هذا ينفي رؤيته عمرو بن حريث.
مات سنة 181.
92 - علي بن هاشم * (م،
4) ابن البريد، الامام الحافظ الصدوق، أبو الحسن العائذي
القرشي
__________
(1) يعني من الكبر، كما في التذهيب 1 / 199 / 2.
* التاريخ الكبير: 6 / 300، التاريخ الصغير: 2 / 246،
الجرح والتعديل: 6 / 207، 208، كتاب المجروحين: 2 / 110،
الضعفاء للعقيلي: 2 / 301، مشاهير علماء الامصار = (*)
(8/342)
مولاهم الكوفي، الشيعي، الخزاز، مولى امرأة قرشية.
حدث عن: هشام بن عروة، والاعمش، وابن أبي ليلى، ويحيى بن
أبي أنيسة، وأبي الجحاف داود بن أبي عوف، وإسماعيل بن أبي
خالد، وطلحة بن يحيى، وكثير النواء، وأبي الجارود زياد بن
المنذر، وعبد الملك ابن أبي سليمان، والعلاء بن صالح، وفطر
بن خليفة، وأبي حمزة الثمالي، وخلق سواهم.
وعنه: يونس بن محمد المؤدب، وعمرو بن حماد القناد، وأحمد،
وابن معين، وابن أبي شيبة، وعثمان أخوه، ومحمد بن عبيد
المحاربي، وأبو معمر إسماعيل القطيعي، والحسن بن حماد
سجادة، وداود بن رشيد، وعبد الله بن عمر بن أبان، ومحمد بن
مقاتل المروزي، ومحمد بن معاوية ابن مالج، وخلق كثير.
قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس.
وقال ابن معين: ويعقوب السدوسي، وعلي بن المديني، وطائفة:
ثقة.
وعن ابن المديني رواية أخرى: صدوق يتشيع.
وقال الجوزجاني: كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما.
وقال أبو زرعة: صدوق.
وقال أبو حاتم: كان يتشيع، يكتب حديثه.
وعن عيسى بن يونس قال: هم أهل بيت تشيع، وليس ثم كذب.
__________
= (1359) ص: 171، الكامل 3 / 293 / 1، تهذيب الكمال: 996،
تذهيب التهذيب: 3 / 76 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 160،
العبر: 1 / 281، خلاصة تذهيب الكمال: 278، شذرات الذهب: 1
/ 297.
(*)
(8/343)
وقال ابن حبان في الثقات: كان غاليا في التشيع، وروى
المناكير عن
المشاهير، هكذا يقول ابن حبان.
أنبأني إبراهيم بن الدرجي فيما قرئ عليه، أخبرنا أبو جعفر
الصيدلاني، وغيره إذنا قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله،
أخبرنا أبو بكر ابن ريذة، أخبرنا الطبراني، حدثنا محمد بن
الفضل السقطي، حدثنا سعيد ابن سليمان، حدثنا علي بن هاشم،
حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت، عن
عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: نهى عن [ قتل ] حيات البيوت، فقال: " إذا رأيتم
منهن شيئا في مساكنكم فقولوا: نشدناكم العهد الذي أخذ
عليكم نوح، ونشدناكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان، فإن عدن
فاقتلوهن ".
غريب، وحسنه الترمذي (1) عن هناد، عن ابن أبي زائدة، عن
ابن أبي ليلى.
قال أحمد بن حنبل: سمعت من علي بن هاشم في سنة تسع وسبعين
ومئة مجلسا، ثم عدت إليه المجلس الآخر وقد مات.
وهي السنة التي مات فيها مالك.
وقال محمد بن المثنى: مات سنة ثمانين ومئة.
وقال يعقوب بن شيبة ومطين: مات سنة إحدى وثمانين.
*
__________
(1) (1485) في الاحكام: باب ما جاء في قتل الحيات، مع أن
محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ، وأخرجه أبو داود
(5260) في الادب: باب قتل الحيات، وفيه " أنشدكن " بدل "
أنشدناكم " و " عليكن " بدل " عليكم ".
وفي البخاري 6 / 253، ومسلم (2233) (129) من حديث ابن عمر
أنه كان يقتل الحيات، فحدثه أبو لبابة أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن قتل حيات البيوت فأمسك عنها.
(*)
(8/344)
قال مطين: في رجب، ويقال في شعبان.
قال يعقوب: مات بالكوفة.
قلت: إنما سمع منه أحمد ويحيى ببغداد.
أخبرنا أحمد بن هبة الله غير مرة، عن عبدالمعز بن محمد،
أخبرنا تميم ابن أبي سعيد، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي،
أخبرنا عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو
معمر إسماعيل بن إبراهيم، عن علي بن هاشم، عن هشام بن
عروة، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة،
قالت: " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط،
ولا ضرب خادما له قط، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد
في سبيل الله، وما نيل منه شئ فانتقمه من صاحبه إلا أن
تنتهك محارم الله فينتقم [ لله عزوجل ].
أخرجه النسائي عن أحمد بن علي المروزي، عن أبي معمر (1).
أخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا أحمد بن صرما، أخبرنا محمد
بن عمر، أخبرنا ابن النقور، أخبرنا علي بن عمر، أخبرنا
أحمد الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن هاشم،
ووكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إذا مات صاحبكم فدعوه ".
رواه أبو داود (2) عن أبي خيثمة، عن أحدهما.
__________
(1) وأخرجه أحمد 6 / 31، 32، والترمذي في الشمائل (341)،
ومسلم (2328) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
(2) (4899) في الادب: باب في النهي عن سب الموتى، وتمامه
عنده: " ولا نقعوا فيه " وإسناده صحيح، وفي البخاري 3 /
206 من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لا تسبوا الاموات فإنهم قد أفضوا إلى ما
قدموا ".
(*)
(8/345)
93 - يعقوب * الوزير الكبير،
الزاهد، الخاشع، أبو يعقوب بن داود بن طهمان الفارسي
الكاتب.
كان والده كاتبا للامير نصر بن سيار، متولي خراسان، فلما
خرج هناك يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بعد مصرع أبيه زيد،
كان داود يناصح يحيى سرا، ثم قتل يحيى، وظهر أبو مسلم صاحب
الدعوة، وطلب بدم يحيى، وتتبع قتلته، فجاءه داود مطمئنا
إليه، فطالبه بمال، ثم أمنه، وتخرج أولاده في الآداب وهلك
أبوهم، ثم أظهروا مقالة الزيدية، وانضموا إلى آل حسن،
ونزحوا ظهورهم.
وجال يعقوب بن داود في البلاد، ثم صار أخوه علي بن داود
كاتبا لابراهيم بن عبد الله الثائر بالبصرة، فلما قتل
إبراهيم اختفوا مدة، ثم ظفر المنصور بهذين فسجنهما، ثم
استخلف المهدي فمن عليهما، وكان معهما في المطبق إسحاق بن
الفضل الهاشمي فلزماه، وبقي المهدي يتطلب عيسى بن زيد بن
علي، والحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فأخبر بأن
يعقوب يدري، فأدخل عليه يعقوب في عباءة وعمامة قطن ففاتحه،
فوجده من نبلاء الرجال، فسأله عن عيسى، فقيل: وعده بأن
يدخل بينه وبينه، فعظمه المهدي وملا عينه، واختص به، ولم
يزل في ارتقاء، وتقدم حتى وزر له، ففوض إليه أزمة الامور،
وتمكن، فولى الزيدية المناصب، حتى قال بشار بن برد: بني
أمية هبوا طال نومكم * إن الخليفة يعقوب بن داود
__________
* تاريخ الطبري: 8 / 158 - 160، معجم المرزباني: 495،
تاريخ بغداد: 14 / 262، الوزراء والكتاب للجهشياري: 158 -
163، الكامل لابن الاثير: 6 / 69 - 72، وفيات الاعيان: 7 /
19 - 26، العبر: 1 / 247، نكت الهميان: 309، مرآة الجنان:
1 / 417، البداية والنهاية: 10 / 147، تاريخ ابن خلدون: 3
/ 211.
(*)
(8/346)
ضاعت خلافتنا يا قوم فاطلبوا * خليفة الله بين الدن والعود
(1) ثم إن الخواص حسدوا يعقوب، وسعوا فيه عند المهدي.
ومما عظم به يعقوب عند المهدي، أنه أحضر له الحسن بن
إبراهيم بن عبد الله، فجمع بينهما بمكة، وبايعه فتألم بنو
حسن من صنيع يعقوب، وعرف هو أنهم إن ملكوا، أهلكوه، وكثرت
السعاة، فمال إلى إسحاق بن الفضل، وسعوا إلى المهدي،
وقالوا: الممالك في قبضة يعقوب وأصحابه، ولو كتب إليهم،
لثاروا في وقت على ميعاد، فيملكوا الارض، ويستخلف إسحاق.
فملا هذا الكلام مسامع المهدي، وقف شعره.
فعن بعض خدم المهدي أنه كان قائما على رأس المهدي، إذ دخل
يعقوب، فقال: يا أمير المؤمنين قد عرفت اضطراب أمر مصر،
وأمرتني أن ألتمس لها رجلا، وقد وجدته.
قال: ومن ؟ قال: ابن عمك إسحاق بن الفضل.
فتغير المهدي، وفطن يعقوب فخرج.
فقال المهدي: قتلني الله إن لم أقتلك.
ثم نظر إلي، وقال: ويلك، اكتم هذا.
وقيل: كان يعقوب قد عرف أخلاق المهدي ونهمته في النساء،
فكان يباسطه.
فروى علي بن يعقوب، عن أبيه قال: بعث إلي المهدي فدخلت،
فإذا هو في مجلس مفروش وبستان فيه من أنواع الزهر، وعنده
جارية لم أر مثلها.
فقال: كيف ترى ؟ قلت: متع الله أمير المؤمنين، لم أر
كاليوم.
فقال: هولك بما حوى، والجارية، ولي حاجة.
قلت: الامر لك.
فحلفني بالله فحلفت، وقال ضع يدك على رأسي واحلف، ثم قال:
هذا فلان من ولد فاطمة أرحني منه وأسرع.
قلت: نعم، فأخذته، وذهبت بالجارية والمفارش، وأمر لي بمئة
__________
(1) البيتان في الديوان 3 / 94، و " الاغاني " 3 / 243، و
" وفيات الاعيان " 7 / 22.
(*)
(8/347)
ألف، فمضيت بالجميع، فلشدة سروري بالجاري تركتها معي،
وكلمت العلوي، فقال: ويحك، تلقى الله غدا بدمي، وأنا ابن
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: هل فيك خير ؟ قال: نعم ولك عندي دعاء واستغفار.
فأعطيته مالا، وهيأت معه من يوصله في الليل، فإذا الجارية
قد حفظت علي قولي، فبعثت به إلى المهدي، فسخر الطرق برجال،
فجاؤوه بالعلوي، فلما أصبحنا، دخلت على المهدي، فإذا
العلوي، فبهت.
فقال: حل دمك، ثم حبسني دهرا في المطبق، وأصيب بصري، وطال
شعري.
وقال: فإني لكذلك إذ دعي به فمضوا بي فقيل لي: سلم على
أمير المؤمنين وقد عميت.
فسلمت، فقال: من أنا ؟ قلت: المهدي.
قال: رحم الله المهدي.
قلت: فالهادي.
قال: رحم الله الهادي.
قلت: فالرشيد.
قال: نعم، سل حاجتك.
قلت: المجاورة بمكة.
قال: نفعل، فهل غير هذا ؟ قلت: ما بقي في مستمتع.
قال: فراشدا.
فخرجت إلى مكة (1).
قال ابنه: فلم يطول.
قلت: مات بها سنة اثنتين وثمانين ومئة.
وعن يعقوب الوزير قال: كان المهدي لا يحب النبيذ، لكنه
يتفرج على غلمانه فيه فألومه، وأقول: على ماذا استوزرتني ؟
أبعد الصلوات في الجامع يشرب النبيذ عندك، وتسمع السماع ؟
فيقول: قد سمعه عبد الله بن جعفر.
فأقول: ليس ذا من حسناته.
وقال عبيدالله بن يعقوب: ألح أبي على المهدي في السماع
وضجر من الوزارة، ونوى الترك.
وكان يقول: لخمر أشربه وأتوب منه أحب إلي من الوزارة، واني
__________
(1) الخبر في " وفيات الاعيان " 7 / 23، 24.
(*)
(8/348)
لاركب اليك يا أمير المؤمنين، فأتمنى يدا خاطئة تصيبني،
فأعفني، وول من شئت، فإني أحب أن أسلم عليك أنا وولدي، فما
أتفرغ، وليتني أمور الناس، وإعطاء الجند، وليس دنياك عوضا
من ديني.
فيقول: اللهم أصلح قلبه.
وقال شاعر: فدع عنك يعقوب بن داود جانبا * وأقبل على صهباء
طيبة النشر ولما عزله المهدي، عزل أصحابه، وسجن عدة من آله
وغلمانه وأعوانه.
94 - عبدالرحمن * (ت، ق) ابن
زيد بن أسلم العمري المدني، أخو أسامة، وعبد الله،
وفيهم لين.
وكان عبدالرحمن صاحب قرآن وتفسير، جمع تفسيرا في مجلد،
وكتابا في الناسخ والمنسوخ.
وحدث عن أبيه، وابن المنكدر.
روى عنه أصبغ بن الفرج، وقتيبة، وهشام بن عمار، وآخرون.
توفي سنة اثنتين وثمانين ومئة.
__________
* التاريخ الكبير: 5 / 284، التاريخ الصغير: 2 / 227،
المعرفة والتاريخ: 2 / 809، الضعفاء للعقيلي: 2 / 231،
الجرح والتعديل: 5 / 233، كتاب المجروحين والضعفاء: 2 /
57، الفهرست لابن النديم: 1 / 225، تهذيب الكمال: 789،
تذهيب التهذيب: 2 / 211، ميزان الاعتدال: 2 / 565، العبر:
1 / 282، خلاصة تذهيب الكمال: 227، شذرات الذهب: 1 / 297.
(*)
(8/349)
95 - سفيان بن حبيب
* (4) الحافظ الثبت، أبو محمد البصري البزاز.
حدث عن: عاصم الاحول، وسليمان التيمي، وخالد الحذاء، وحجاج
بن أبي عثمان في آخرين.
روى عنه: أبو حفص الفلاس، والحسن بن قزعة، وحميد بن مسعدة،
ونصر بن علي، وآخرون.
قال أبويحيى صاعقة: سمعت عليا يقول: لم يكن أحد من أصحابنا
ممن تطلب الحديث وعني به، وحفظه، وأقام عليه، لم يزل فيه،
إلا ثلاثة: يحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن حبيب، ويزيد بن
زريع.
هؤلاء لم يدعوه، ولم يشتغلوا عنه إلى أن حدثوا.
وقال أبو حاتم الرازي: سفيان بن حبيب ثقة، أعلم الناس
بحديث سعيد بن أبي عروبة.
وقال خليفة: توفي سنة ثلاث وثمانين ومئة.
وقال غيره: سنة ست وثمانين.
96 - سفيان بن موسى * *
(م) البصري.
__________
* طبقات خليفة: 225، تاريخ خليفة: 456، التاريخ الكبير: 4
/ 90، التاريخ الصغير: 2 / 227، الجرح والتعديل: 4 / 228،
تهذيب الكمال: 513، تذهيب التهذيب: 2 / 32 / 2، العبر: 1 /
293، خلاصة تذهيب الكمال: 145، شذرات الذهب: 1 / 309.
* * الجرح والتعديل: 4 / 229، تهذيب الكمال: 519، تذهيب
التهذيب: 2 / 37 / 1، ميزان الاعتدال: 2 / 172، خلاصة
تذهيب الكمال: 146.
(*)
(8/350)
يروي عن: أيوب السختياني، وسيار أبي الحكم، وطائفة.
وعنه: الصلت بن مسعود، وعبد الله مشكدانة، ونصر بن علي،
وأبو حفص الفلاس، وعدة.
أورده ابن حبان في " الثقات ".
وروى له مسلم حديثا.
وسئل أبو حاتم عنه فقال: مجهول، يعني مجهول الحال عنده
(1).
97 - سيبويه * إمام النحو،
حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسي، ثم
البصري.
وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع
وساد أهل العصر وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه
فيه.
استملى على حماد بن سلمة، وأخذ النحو عن عيسى بن عمر،
ويونس بن حبيب، والخليل، وأبي الخطاب الاخفش الكبير.
وقد جمع يحيى البرمكي ببغداد بينه وبين الكسائي للمناظرة،
بحضور سعيد الاخفش، والفراء، وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب:
أظن
__________
(1) جهالة العين ترتفع برواية اثنين فأكثر عنه، وأما جهالة
الحال فلا ترتفع إلا بتوثيق أحد الائمة الذين عرفوا بهذا
الشأن له.
انظر " الباعث الحثيث " ص 96، 97.
* طبقات النحويين: 66 - 74، الفهرست لابن النديم: 1 / 51،
52، تاريخ بغداد: 12 / 195، نزهة الالباء للانباري: 60 -
66، معجم الادباء: 16 / 114 - 127، إنباه الرواة للقفطي: 2
/ 346 - 360، وفيات الاعيان: 1 / 487، 488، العبر: 1 /
278، 350، 448، مرآة الجنان لليافعي: 1 / 445، البداية
والنهاية: 1 / 176 - 177، بغية الوعاة: 2 / 229، النجوم
الزاهرة: 2 / 88، مفتاح السعادة لطاش كبري زادة: 1 / 128 -
130، نفح الطيب: 2 / 387،
شذرات الذهب: 1 / 252، أخبار النحويين البصريين للزبيدي:
15، 16، الشريشي: 2 / 17.
(*)
(8/351)
الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها.
فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل: فإذا هو هي.
وتشاجرا طويلا، وتعصبوا للكسائي دونه، ثم وصله يحيى بعشرة
آلاف، فسار إلى بلا فارس، فاتفق موته بشيراز فيما قيل.
وكان قد قصد الامير طلحة بن طاهر الخزاعي.
وقيل: كان فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في
قلمه.
قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه، لان وجنتيه كانتا
كالتفاحتين، بديع الحسن.
قال أبو زيد الانصاري: كان سيبويه يأتي مجلسي، ولو
ذؤابتان، فإذا قال: حدثني من أثق به فإنما يعنيني.
وقال العيشي (1): كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابا
جميلا نظيفا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم من كل أدب
مع حداثة سنه (2).
وقيل: عاش اثنتين وثلاثين سنة، وقيل: نحو الاربعين.
قيل: مات سنة ثمانين ومئة، وهو أصح، وقيل: سنة ثمان
وثمانين ومئة.
__________
(1) نسبة إلى عائشة بنت طلحة بن عبيدالله، لانه من ولدها،
وهو عبيدالله بن محمد العيشي البصري الاخباري أحد الفصحاء
الاجواد، روى عن حماد بن سلمة وطبقته.
قال يعقوب بن شيبة: أنفق ابن عائشة على إخوانه أربع مئة
ألف دينار، وعن إبراهيم الحربي قال: ما رأيت مثل ابن
عائشة، وقال ابن خراش: صدوق.
" العبر " 1 / 402، 403.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 12 / 197، و " إنباه الرواة
" 2 / 352.
(*)
(8/352)
98 - الهيثم بن حميد
* (4) الامام العلامة، فقيه دمشق، أبو أحمد، وأبو الحارث
الغساني، مولاهم الدمشقي.
حدث عن: العلاء بن الحارث، وتميم بن عطية، ويحيى الذماري،
وأبي وهب الكلاعي، وثور بن يزيد، والمطعم بن المقدام، وزيد
بن واقد، وداود بن أبي هند، والاوزاعي، وجماعة.
حدث عنه: الوليد بن مسلم رفيقه، وعبد الله بن يوسف، وهشام
بن عمار، ومحمد بن عائذ، وعلي بن حجر، وآخرون.
قال أبو داود: ثقة، قدري.
وقال النسائي وغيره: ليس به بأس.
وقال دحيم: كان أعلم الاولين والآخرين بقول مكحول.
وقال أحمد بن حنبل: ما علمت إلا خيرا.
وجاء عن ابن معين توثيقه.
وقال علي بن حجر: يكنى أبا الحارث، وكناه النسائي: أبا
أحمد.
وقال أبو مسهر: كان ضعيفا قدريا.
قلت: ما ذكر ابن عساكر له وفاة.
وقد عاش إلى قريب من سنة تسعين ومئة.
__________
* المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 395، الجرح والتعديل: 9 /
82، تهذيب الكمال: 1354، تذهيب التهذيب: 4 / 126 / 1،
تذكرة الحفاظ: 1 / 285، ميزان الاعتدال: 4 / 321، تهذيب
التهذيب 11 / 92 - 93 لسان الميزان: 7 / 422، خلاصة تذهيب
الكمال: 412.
(*)
(8/353)
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا ابن عبد السلام، أخبرنا
الارموي والطرائفي، وابن الداية، قالوا: أخبرنا أبو جعفر
بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا جعفر
الفريابي، حدثنا محمد بن عائذ، حدثنا الهيثم بن حميد،
حدثنا الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مرثد، قال: ذكر الدجال
في مجلس فيه أبو الدرداء، فقال نوف البكالي: لغير الدجال
أخوف مني من الدجال.
فقال أبو الدرداء: وما هو ؟ قال: أخاف أن أسلب إيماني وأنا
لا أشعر.
فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا ابن الكندية، وهل في الارض
مئة يتخوفون ما تتخوف.
وذكر الحديث (1).
99 - يحيى بن حمزة * (ع) ابن
واقد، الامام الكبير، الثقة، أبو عبد الرحمن
الحضرمي، مولاهم البتلهي (2) الدمشقي.
قاضي دمشق.
__________
(1) رجاله ثقات عدا الوضين بن عطاء، فإنه سيئ الحفظ، ونوف
البكالي هو ابن امرأة كعب الاحبار، قال الحافظ ابن حجر في
" التقريب ": شامي مستور، وإنما كذب ابن عباس ما رواه عن
أهل الكتاب، له ذكر في " الصحيحين " في حديث سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، في قصة موسى والخضر، وذكره
ابن حبان في الثقات، وقال: كان رواية للقصص.
* التاريخ الكبير: 8 / 268، التاريخ الصغير: 2 / 224،
المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 174، الضعفاء للعقيلي: 3 /
460، الجرح والتعديل: 9 / 136، الجمع: 558، تاريخ ابن
عساكر: 18 / 29 / ب، تهذيب الكمال: 1493، تذهيب التهذيب: 4
/ 152 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 264، العبر: 1 / 222، 288،
ميزان الاعتدال: 4 / 369، مرآة الجنان: 1 / 396، تهذيب
التهذيب: 11 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 422، شذرات الذهب:
1 / 305.
(2) بفتح الباء والتاء وسكون اللام: نسبة إلى بيت لهيا من
أعمال دمشق بالغوطة، ذكرها
الشاعر أحمد بن منير الاطرابلسي: سقاها وروى من النيربين *
إلى الغوطتين وحمورية إلى بيت لهيا إلى برزة * ولاح مكفكفة
الاوعية (*)
(8/354)
ولد سنة ثلاث ومئة، فيما نقله أبو مسهر.
وقال المفضل الغلابي: سنة ثمان ومئة.
قرأ القرآن على يحيى الذماري.
وحدث عن: عطاء الخراساني، وعروة بن رويم، وعمرو بن مهاجر،
وأبي وهب الكلاعي عبيدالله، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وثور
بن يزيد، ويزيد بن أبي مريم، والاوزاعي.
وعنه: الوليد بن مسلم، وابن مهدي، وأبو مسهر، ومحمد بن
المبارك، والحكم بن موسى، وهشام بن عمار، وعلي بن حجر،
وولده محمد، وخلق.
قال ابن سعد: كان كثير الحديث، صالحه.
وقال أحمد: ليس به بأس.
وقال دحيم: ثقة، عالم عالم.
وقال يحيى: ثقة قدري.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال مروان الطاطري: استعمل المنصور سنة ثلاث وخمسين لما
قدم دمشق على القضاء يحيى بن حمزة، وقال: يا شاب، أرى أهل
بلدك قد أجمعوا عليك، فإياك والهدية.
قال أبو زرعة الدمشقي: أعلمهم بقول مكحول هو والهيثم بن
حميد.
قال دحيم وجماعة: توفي ثلاث وثمانين ومئة.
قلت: دام على القضاء ثلاثين عاما، وكان ثبتا في الحديث،
وإن كان يميل إلى القدر فلم يكن داعية.
(8/355)
100 - يحيى بن يمان
* (م، 4) الامام الحافظ الصادق العابد المقرئ، أبو زكريا
العجلي الكوفي.
روى عن: هشام بن عروة، والمنهال بن خليفة، وإسماعيل بن أبي
خالد، وجماعة.
وتلا على حمزة الزيات (1).
وصحب الثوري وأكثر عنه، وكان من العلماء العاملين.
حدث عنه: ولده داود الحافظ، وبشر بن الحارث، وأبو كريب،
وسفيان بن وكيع، وعلي بن حرب، والحسن بن عرفة.
وخلق كثير.
قال ابن المديني: صدوق، فلج فتغير حفظه.
وعن وكيع قال: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث من يحيى
بن يمان.
كان يحفظ في مجلس واحد خمس مئة حديث، ثم نسي.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان سريع الحفظ، سريع
النسيان.
وقال أحمد بن حنبل: ليس بحجة.
قلت: قد رضيه مسلم.
وقد قال يحيى بن معين: أرجو أن يكون صدوقا، وقال مرة:
ضعيف.
وقال مرة: ليس به بأس.
__________
* طبقات خليفة: 172، طبقات القراء: 2 / 381، تاريخ خليفة:
458، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 681، 721، 722، الضعفاء
للعقيلي: 3 / 446، الجرح والتعديل:
9 / 199، تهذيب الكمال: 1526، تذهيب التهذيب: 4 / 171 / 2،
العبر: 1 / 304، ميزان الاعتدال: 4 / 416، تهذيب التهذيب:
11 / 306، خلاصة تذهيب الكمال: 429.
(1) الكوفي التيمي بالولا، أحد القراء السبعة، المتوفى سنة
(156) ه، كان إمام الناس بعد عاصم والاعمش، وقد اتفق
الائمة على تلقي قراءته بالقبول.
(*)
(8/356)
وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي.
قلت: حديثه من قبيل الحسن.
قال يعقوب بن شيبة: يعد مع الاشجعي في الكثرة عن سفيان،
أنكروا عليه كثرة الغلط.
قلت: توفي سنة تسع وثمانين ومئة.
وقد ذكره أبو بكر بن عياش، فقال: ذاك راهب.
ومات ولده داود بن يحيى في سنة ثلاث ومئتين قبل محل
الرواية.
روى عن أبيه شيئا يسيرا.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا ابن عبد القادر،
أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو
طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا سفيان بن وكيع،
حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله
بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من طاف بالبيت خمسين مرة يخرج من
ذنوبه كيوم ولدته أمه " أخرجه [ الترمذي ] (1) عن ابن
وكيع.
101 - عبدالرحيم * (ع) ابن
سليمان، الامام الحافظ المصنف، أبو علي الرازي،
نزيل الكوفة.
__________
(1) سقطت من الاصل، وهو في سننه (866) في الحج: باب ما جاء
في فضل الطواف، وإسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، وشريك،
وقال الترمذي: حديث غريب، سألت محمدا عنه، فقال: إنما يروي
هذا عن ابن عباس قوله.
* تهذيب الكمال: 830، تذهيب التهذيب: 2 / 235 / 1، تذكرة
الحفاظ: 1 / 291، العبر: 1 / 296، الوافي بالوفيات: 16 /
82، تهذيب التهذيب: 6 / 306، طبقات الحفاظ 121 وفيه
المروزي، خلاصة تذهيب الكمال: 237.
(*)
(8/357)
يروي عن: عاصم الاحول، وأشعث بن سوار، وسليمان الاعمش،
وإسماعيل بن أبي خالد، وعدة.
حدث عنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه، وأبو كريب، وهناد،
وأبو سعيد الاشج، وعدد كثير.
وكان رفيقا لحفص بن غياث في طلب العلم.
قال يحيى بن معين وغيره: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث، صنف الكتب.
قلت: توفي في آخر سنة سبع وثمانين ومئة.
ويقال: توفي سنة أربع وثمانين، فالله أعلم.
فأما الميت في سنة أربع ف:
102 - عبدالرحيم بن زيد بن
الحواري * العمي البصري، أحد المتروكين، وهو من
طبقة الرازي.
يروي عن مالك بن دينار، وعن والده.
103 - إسماعيل بن صالح
* * ابن علي، الهاشمي العباسي، نائب مصر، ثم حلب.
روى عن أبيه.
_____________
* التاريخ الكبير: 6 / 137، التاريخ الصغير: 2 / 254،
تهذيب الكمال: 829، تذهيب التهذيب: 2 / 234 / 2، ميزان
الاعتدال: 2 / 605، تهذيب التهذيب: 6 / 305، خلاصة تذهيب
الكمال: 237، تذهيب ابن عساكر 3 / 24 - 25.
* * تاريخ ابن عساكر: 2 / 421 / ب، النجوم الزاهرة: 2 /
105.
(*)
(8/358)
وعنه: ابنه الامير طاهر، والوليد بن مسلم.
وله ذرية بحلب.
وكان يصلح للخلافة.
قال سعيد بن عفير: ما رأيت أخطب منه على هذه الاعواد.
كان جامعا لكن سؤدد، ويعرف الفلسفة، وضرب العود، والنجوم.
قلت: علمه هذا الجهل خير منه.
وكان مليح النظم، وكان الرشيد يحترمه، وتحيل عليه حتى ضرب
له بالعود، فوصله بجوهر ثمنه ثلاثون ألف دينار، وولاه مصر،
وعقد له اللواء بيده، فوليها ست سنين.
وعاش إلى حدود سنة تسعين ومئة بحلب، وبها ولد، وله عدة
إخوة أمراء، وكلهم بنو عم المنصور.
104 - بشر بن منصور *
(م، د، س) الامام المحدث الرباني القدوة، أبو محمد الازدي
السليمي، البصري، الزاهد.
روى عن: أيوب السختياني، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم الاحول،
وسعيد الجريري، وطبقتهم.
حدث عنه: ابنه إسماعيل، وبشر الحافي، وعلي بن المديني،
وعبد
الاعلى بن حماد، وعبيدالله القواريري، وعبد الرحمن بن
مهدي.
__________
* التاريخ الكبير: 2 / 284، التاريخ الصغير: 2 / 221،
الجرح والتعديل: 2 / 365، تهذيب الكمال: 154، تذهيب
التهذيب: 1 / 85 / 2، ميزان الاعتدال: 1 / 325، العبر: 1 /
275، خلاصة تذهيب الكمال: 49، شذرات الذهب 1 / 293 حلية
الاولياء 6 / 239.
(*)
(8/359)
وحدث عنه من أقرانه الفضيل بن عياض.
قال ابن مهدي: ما رأيت أحدا أقدمه عليه في الورع والرقة.
قال علي بن المديني: ما رأيت أخوف لله منه، كان يصلي كل
يوم خمس مئة ركعة.
وقال القواريري: هو أفضل من رأيت من المشايخ.
وقال الامام أحمد: هو ثقة وزيادة.
قال ابن المديني: حفر قبره، وختم فيه القرآن، وكان ورده
ثلث القرآن.
وكان ضيغم صديقا له، فتوفيا في يوم.
قال غسان الغلابي: كنت إذا رأيت وجه بشر بن منصور ذكرت
الآخرة، رجل منبسط، ليس بمتماوت، فقيه، ذكي.
وقال عباس النرسي: ربما قبض بشر بن منصور على لحيته، وقال:
أطلب الرياسة بعد سبعين سنة ؟ وعن بشر وقيل له: أتحب أن لك
مئة ألف قال: لان تندر عيناي أحب إلي من ذلك.
قال غسان: حدثني ابن أخي بشر، قال: ما رأيت عمي فاتته
التكبيرة الاولى، وأوصاني في كتبه أن أغسلها، أو أدفنها.
قال غسان: وكنت أراه إذا زاره الرجل من إخوانه، قام معه
حتى يأخذ بركابه، وفعل بي ذلك كثيرا.
رواها أحمد الدورقي عنه
قال علي ابن المديني: ما رأيت أحد أخوف لله من بشر بن
منصور، كان يصلي كل يوم خمس مئة ركعة.
الدورقي: حدثنا إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي، حدثني عبد
(8/360)
الخالق أبو همام، قال: قال بشر بن منصور: أقل من معرفة
الناس، فإنك لا تدري ما يكون، فإن كان يعني فضيحة غدا، كان
من يعرفك قليلا.
قال: وحدثنا سهل بن منصور قال: كان بشر يصلي فيطول، ورجل
وراءه ينظر ففطن له، فلما انصرف قال: لا يعجبك ما رأيت
مني، فإن إبليس قد عبد الله دهرا مع الملائكة.
وعن بشر بن منصور قال: ما جلست إلى أحد فتفرقنا إلا علمت
أني لو لم أقعد معه كان خيرا لي.
سيار بن حاتم: حدثنا بشر بن المفضل، قال: رأيت بشر بن
منصور في المنام، فقلت: ما صنع الله بك ؟ قال: وجدت الامر
أهون مما كنت أحمل على نفسي.
قلت: توفي هذا الامام رحمة الله عليه، في سنة ثمانين ومئة،
وله نيف وسبعون سنة.
وكان في عصره: بشر بن منصور الحناط، كوفي، قليل الرواية
(1).
أخذ عنه عبدالرحمن بن مهدي، وأبو سعيد الاشج.
والحناط: بمهملة ثم نون.
وبشر بن المفضل البصري (2)، الحافظ، وبشر بن السري الواعظ
الافوه (3)، بصري أيضا.
__________
(1) تهذيب الكمال: 154، وتهذيب التهذيب 1 / 460.
(2) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (9) (3) سترد ترجمته
في الجزء التاسع برقم (109).
(*)
(8/361)
وبشر بن عمر الزهراني (1)، بصري، حافظ بعد المئتين.
وبشر بن بكر التنيسي (2)، أحد الثقات.
وبشر بن آدم الضرير (3)، بغدادي، ثقة ثم بشر بن شعيب (4)،
محدث حمص.
وبشر بن الحارث (5)، الحافي الزاهد.
وبشر بن الحكم (6) العبدي، النيسابوري.
وبشر بن محمد المروزي (7) السختياني، شيخ للبخاري وبشر بن
معاذ العقدي (8) الضرير.
وبشر بن هلال (9) وعدة.
ومن رؤوس المبتدعة: بشر بن غياث المريسي (10).
وبشر بن المعتمر (11).
__________
(1) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (146).
(2) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (194).
(3) تهذيب الكمال: 148، وتهذيب التهذيب 1 / 442.
(4) تهذيب الكمال: 152، وتهذيب التهذيب 1 / 451.
(5) سترد ترجمته في الجزء العاشر برقم (153.
(6) تهذيب الكمال: 150، وتهذيب التهذيب 1 / 447.
(7) تهذيب الكمال: 153، وتهذيب التهذيب 1 / 457.
(8) تهذيب الكمال: 153، وتهذيب التهذيب 1 / 458.
(9) تهذيب الكمال: 155، وتهذيب التهذيب 1 / 462.
(10) سترد ترجمته في الجزء العاشر برقم (45).
(11) سترد ترجمته في الجزء العاشر برقم (46).
(*)
(8/362)
105 - عبد العزيز * (ع) ابن أبي حازم
سلمة بن دينار، الامام الفقيه، أبو تمام المدني.
حدث عن: أبيه، وزيد بن أسلم، والعلاء بن عبدالرحمن، وسهيل
ابن أبي صالح، ويزيد بن الهاد، وموسى بن عقبة، وهشام بن
عروة، ويحيى بن سعيد، وخلق.
حدث عنه: الحميدي، وسعيد بن منصور، وأبو مصعب، والقعنبي،
وعلي بن حجر، وعمرو الناقد، ويعقوب الدورقي، ويحيى بن
أكثم، وبشر كثير.
وكان من أئمة العلم بالمدينة.
قال يحيى بن معين: صدوق.
وقال أحمد بن زهير: قيل لمصعب الزبيري: ابن أبي حازم ضعيف
في حديث أبيه.
فقال: أو قد قالوها ؟ أما هو، فسمع مع سليمان بن بلال،
فلما مات سليمان، أوصى إليه بكتبه، فكانت عنده، فقد بال
عليها الفأر، فذهب بعضها، فكان يقرأ ما استبان له، ويدع ما
لا يعرف منها، أما حديث أبيه، فكان يحفظه.
قال أحمد بن حنبل: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه من عبد
العزيز بن أبي حازم.
__________
* طبقات خليفة: 275، تاريخ خليفة: 51، التاريخ الكبير: 6 /
25، التاريخ
الصغير: 2 / 336، المعارف: 479، المعرفة والتاريخ: 1 /
429، 685، الضعفاء للعقيلي: 243، الجرح والتعديل: 5 / 382،
مشاهير علماء الامصار (1119) ص: 141، تهذيب الكمال: 837،
تذهيب التهذيب: 2 / 239 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 247، ميزان
الاعتدال: 2 / 626، العبر: 1 / 289، تهذيب التهذيب: 6 /
233، خلاصة تذهيب الكمال: 239، شذرات الذهب: 1 / 306.
(*)
(8/363)
وقال أبو حاتم الرازي: هو أفقه من عبد العزيز الدراوردي.
وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي حازم
ليس بثقة في حديث أبيه، كذا جاء هذا.
بل هو حجة في أبيه وغيره.
وقال أحمد بن [ حنبل ]: لم يكن بالمدينة في وقته أفقه منه،
يرون أنه سمع من أبيه.
وأما هذه الكتب، فيقولون: إن كتب سليمان بن بلال صارت
إليه.
وقال أحمد مرة: لم يكن يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه،
فيقولون: سمعها.
قلت: حديثه في الصحاح.
قال ابن سعد: ولد سنة سبع ومئة، وتوفي وهو ساجد، في سنة
أربع وثمانين ومئة رحمه الله.
أخبرنا عمر بن القواس، أخبرنا عبد الصمد بن الحرستاني
حضورا، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا نصر بن طلاب، أخبرنا
ابن جميع، حدثنا الحسين بن إسماعيل ببغداد، حدثنا
عبدالرحمن بن يونس، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن
أبيه، عن سهل بن سعد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن بيع الغرر (1).
__________
(1) رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 80،
وقال: رواه الطبراني في " الاوسط "، ورجاله رجال الصحيح
خلا إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي، وثقه أبو حاتم ولم يتكلم
فيه أحد.
وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم (1513)، وأبي داود
(3376)، والترمذي (1230)، وابن ماجه (2194)، والنسائي 7 /
262.
(*)
(8/364)
106 - صريع الغواني * هو مسلم بن الوليد
الانصاري، مولاهم البغدادي، حامل لواء الشعر.
وقيل: بل هو كوفي: نزل بغداد.
كان شاعرا، مداحا، محسنا، مفوها، وهو القائل في جعفر
البرمكي: كأنه قمر أو ضيغم هصر أو حية ذكر أو عارض هطل لا
يضحك الدهر إلا حين تسأله ولا يعبس إلا حين لا يسل (1) وهو
القائل في يزيد بن مزيد: يكسو السيوف نفوس الناكثين به
ويجعل الهام تيجان القنا الذبل إذا انتضى سيفه كانت مسالكه
مسالك الموت في الابدان والقلل (2) مات في أواخر دولة
الرشيد.
وديوانه مشهور.
__________
* التاريخ لابن معين: 367، طبقات خليفة: 276، التاريخ
الكبير 6 / 25، التاريخ الصغير 2 / 236، الشعر والشعراء:
528، الضعفاء للعقيلي 245، الجرح والتعديل 5 / 395،
تاريخ بغداد 13 / 96.
(1) ديوانه: ص (250) من قصيدة مطلعها: استمطر العين أن
أحبابه احتملوا * لو كان رد البكاء الحي إذ رحلوا ورواية
الشطر الثاني من البيت الثاني فيه: " وليس يعبس ".
(2) البيتان في " ديوانه " ص: (11، 14) من قصيدته السائرة،
ومطلعها: أجررت حبل خليع في الصبا غزل * وشمرت همم العذال
في العذل = (*)
(8/365)
107 - عبد العزيز بن محمد
* (م، 4، خ مقرونا) ابن عبيد، الامام العالم المحدث، أبو
محمد الجهني، مولاهم المدني الدراوردي.
قيل: أصله من دراورد: قرية بخراسان.
وروى سليمان الطبراني، عن أحمد بن رشدين، عن أحمد بن صالح
قال: الدراوردي من أهل أصبهان، نزل المدينة.
وكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: أندرون (1) ؟ فلقبوه:
الدراوردي.
قلت: حدث عن صفوان بن سليم، وأبي طوالة عبد الله، ويزيد بن
الهاد، وأبي حازم الاعرج، وثور بن زيد، والعلاء بن
عبدالرحمن، وعمرو ابن أبي عمرو، وسهيل بن أبي صالح، وشريك
بن أبي نمر، وجعفر الصادق، وجماعة.
روى عنه: شعبة، والثوري، وهما أكبر منه، وإسحاق بن راهويه،
__________
= وبعد البيت الاول: يغدو فتغدو المنايا في أسنته * شوارعا
تتحدى الناس بالاجل إذا طغت فئة عن غب طاعتها * عبى لها
الموت بين البيض والاسل
قد عود الطير عادات وثقن بها * فهن يتبعنه في كل مرتحل
تراه في الامن في درع مضاعفة * لا يأمن الدهر أن يدعى على
عجل صافي القيان طموح العين همته * فك العناة وأسر الفاتك
الخطل لا يعبق الطيب خديه ومفرقه * ولا يمسح عينيه من
الكحل * التاريخ لابن معين: 367، طبقات خليفة: 276،
التاريخ الكبير: 6 / 25، التاريخ الصغير: 2 / 236، الضعفاء
للعقيلي: 245، الجرح والتعديل: 5 / 395، مشاهير علماء
الامصار: (1120)، ص 142، تهذيب الكمال: 844، تذهيب
التهذيب: 2 / 243 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 269، ميزان
الاعتدال: 2 / 633، تهذيب التهذيب: 6 / 353، خلاصة تذهيب
الكمال: 241، شذرات الذهب: 1 / 316.
(1) أندرون: كلمة فارسية معناها: داخل، باطن، بيت داخلي
تابع للمنزل.
(*)
(8/366)
ويعقوب الدورقي، وعلي بن خشرم، وأبو حذافة السهمي، وأحمد
بن عبدة، وخلق كثير.
قال معن بن عيسى: يصلح أن يكون الدراوردي أمير المؤمنين.
وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح بن سليمان.
وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ.
وقال الفلاس: حدث ابن مهدي عنه بحديث واحد.
قال الاثرم: قيل لابي عبد الله: إن الدراوردي يروي عن
عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: أنه كان يرخي عمامته من خلفه (1).
فتبسم وأنكره وقال: إنما هذا موقوف.
وعن أحمد قال: كان الدراوردي إذا حدث من حفظه يهم، ليس هو
بشئ، وإذا حدث من كتابه فنعم.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
__________
(1) أخرجه الترمذي في الشمائل (110)، والسنن (1736) من
طريق هارون بن إسحاق الهمداني، عن يحيى بن محمد المدني، عن
عبد العزيز الدراوردي، عن نافع، عن ابن عم: قال: " كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه "
وسنده حسن كمال قال الترمذي، وله طريق أخرى عند الخطيب
البغدادي 11 / 293، وثالثة عند الهيثمي في " المجمع " 5 /
120، نسبها للطبراني في الاوسط، وقال: رجاله رجال الصحيح،
خلا أبي عبد السلام راويه عن ابن عمر، وهو ثقة.
وفي الباب عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
رواه الطبراني في " الاوسط "، وفيه الحجاج ابن رشدين وهو
ضعيف، وعن عمرو بن حريث عند مسلم (2821) قال: كأني أنظر
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة
سوداء قد أرخى طرفيها، وفي رواية: طرفها بين كتفيه، وعن
عائشة أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم
على برذون وعليه عمامة طرفها بين كتفيه، فسألت النبي صلى
الله عليه وسلم، فقال: " رأيته ؟ ذاك جبريل عليه السلام "،
أخرجه أحمد 6 / 148 و 152، والحاكم 4 / 193، 194، وسنده
حسن في الشواهد.
(*)
(8/367)
قلت: حديثه في دواوين الاسلام الستة، لكن البخاري روى له
مقرونا بشيخ آخر، وبكل حال فحديثه وحديث ابن أبي حازم لا
ينحط عن مرتبة الحسن.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا
إسماعيل بن مالك، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثني علي بن
أحمد بن صالح المقرئ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي، حدثنا
الزبير بن بكار، حدثني العباس بن المغيرة بن عبدالرحمن، عن
أبيه قال: جاء عبد العزيز الدراوردي في جماعة إلى أبي،
ليعرضوا عليه كتابا، فقرأه لهم الدراوردي، وكان ردئ
اللسان، يلحن لحنا قبيحا، فقال أبي: ويحك يا دراوردي،
أنت كنت إلى إصلاح لسانك قبل النظر في هذا الشأن أحوج منك
إلى غير ذلك.
أخبرنا أحمد بن إسحاق بن محمد الوبري، أخبرنا محمد بن هبة
الله ابن عبد العزيز الزهري، أخبرنا عمي محمد بن أبي حامد،
أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي،
حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني،
حدثنا الدراوردي، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات
الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم
ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".
أخرجه أبو داود (1) نازلا عن ثقة، عن ابن وهب، عن سليمان
بن بلال، عن العلاء بنحوه.
__________
(1) رقم (2880) في الوصايا: باب ما جاء في الصدقة عن
الميت، من طريق الربيع بن سليمان، عن ابن وهب..وأخرجه أحمد
2 / 372، ومسلم (1631)، والترمذي (1376)، والنسائي 6 /
251، من طريق إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن
أبيه، عن أبي هريرة.
(*)
(8/368)
توفي الدراوردي سنة سبع وثمانين ومئة بالمدينة.
108 - عبد العزيز بن عبد الصمد
* (ع) المحدث الحافظ الثبت، أبو عبد الصمد العمي البصري.
ولد بعد المئة.
وروى عن: أبي عمران الجوني، ومنصور بن المعتمر، وحصين بن
عبدالرحمن، ومطر الوراق، وجماعة.
حدث عنه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعمرو الفلاس
وبندار، وابن المثنى، وزياد بن يحيى الحساني، والحسن بن
عرفة، وعبيد الله القواريري، وخلق كثير.
قال القواريري: كان حافظا.
وقال أحمد بن حنبل وغيره: كان ثقة.
وقال عمرو بن علي: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول يوم مات
عبد العزيز العمي: ما مات لكم شيخ منذ ثلاثين سنة مثله.
قلت: يقع لنا من عواليه في كتاب البعث (1).
وكان موته في سنة سبع وثمانين ومئة.
__________
* طبقات خليفة: 225، الجرح والتعديل: 5 / 388، تهذيب
الكمال: 842، تذهيب التهذيب: 2 / 242 / 1، تذكرة الحفاظ: 1
/ 270، العبر: 1 / 297، ميزان الاعتدال: 1 / 270، الكاشف:
2 / 200، تهذيب التهذيب: 6 / 346، خلاصة تذهيب الكمال:
240، شذرات الذهب: 1 / 316.
(1) تأليف أبي بكر عبد الله بن أبي داود، المحدث المشهور،
صاحب كتاب " السنن " وقد طبع، متوفى سنة 267 ه.
(*)
(8/369)
أخبرنا أحمد بن إسحاق الهمداني، أخبرنا أكمل بن أبي
الازهر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد
الزينبي، أخبرنا محمد بن عمر الوراق، أخبرنا أبو بكر بن
أبي داود، حدثنا محمد بن محمد بن بشار، ونصر بن علي، قالا:
حدثنا أبو عبد الصمد العمي، حدثنا أبوعمران الجوني، عن أبي
بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان
من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا
إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه
في جنة عدن ".
أخرجه مسلم (1) عنهما، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه
عن ابن بشار.
109 - الهقل * (م، 4) ابن زياد،
الامام المفتي، أبو عبد الله الدمشقي، كاتب الاوزاعي
وتلميذه.
حدث عن: هشام بن حسان، والمثنى بن الصباح، وطلحة بن عمرو
المكي، وحريز بن عثمان، والاوزاعي، وجماعة.
حدث عنه: الليث بن سعد، وهو أكبر منه، وأبو صالح كاتب
الليث،
__________
(1) (180) في الايمان: باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة
ربهم سبحانه وتعالى، من حديث نصر بن علي الجهضمي، وأبي
غسان المسمعي، وإسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز ابن عبد
الصمد، عن أبي عبد الصمد، به، وأخرجه الترمذي (2528) في
صفة الجنة، وابن ماجة (186)، وأحمد في " المسند " 4 / 411
و 416، والدارمي 2 / 333.
* المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 467، تهذيب الكمال: 1447،
تذهيب التهذيب: 4 / 121 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 262،
العبر: 1 / 227، تهذيب التهذيب: 11 / 64، خلاصة تذهيب
الكمال: 414، شذرات الذهب: 1 / 292.
(*)
(8/370)
وأبو مسهر الغساني، والحكم بن موسى، وهشام بن عمار،
وسليمان بن عبدالرحمن، وعلي بن حجر، وجماعة.
قال يحيى بن معين: ما كان بالشام أوثق من الهقل.
وقال مروان الطاطري: كان الهقل أعلم الناس بالاوزاعي
وبمجلسه وفتياه.
قال ابن عساكر: الهقل أبو عبد الله السكسكي.
اسمه: محمد، وقيل: عبد الله، ولقبه: الهقل.
وقال أحمد بن حنبل: لا يكتب حديث الاوزاعي عن أحد أوثق من
الهقل.
وقال الفسوي: هو أعلى أصحاب الاوزاعي.
قال أبو سعيد بن يونس: قدم الهقل مصر، وكتب عنه أهلها.
وتوفي ببيروت سنة تسع وسبعين ومئة.
وكذا روي عن أبي مسهر في تاريخ موته، ولم يبلغنا مولده،
ولكنه مات قبيل الشيخوخة.
110 - يوسف بن يعقوب *
(خ، م، ت، س، ق) ابن أبي سلمة الماجشون، الامام المحدث
المعمر، أبو سلمة التيمي المنكدري، مولاهم المدني.
__________
* التاريخ الكبير: 2 / 381، التاريخ الصغير: 2 / 235،
المعارف: 462، الجرح والتعديل: 9 / 234، مشاهير علماء
الامصار (1104)، تهذيب الكمال: 1563، تذهيب التهذيب: 4 /
192 / 2، العبر: 1 / 292، تهذيب التهذيب: 11 / 430، خلاصة
تذهيب الكمال: 440، شذرات الذهب: 1 / 309.
(*)
(8/371)
حدث عن: أبيه، وعن الزهري، ومحمد بن المنكدر، وصالح بن
إبراهيم العوفي، وطائفة.
وعنه: علي بن المديني، وأبو مصعب، وأحمد بن حنبل، ومحمد
ابن أبي بكر المقدمي، وسريج بن يونس، وعلي بن مسلم الطوسي،
وعدد كثير.
وثقه يحيى بن معين، وأبو داود.
قال يحيى بن أيوب المقابري: سمعت يوسف بن الماجشون يقول:
ولدت على عهد سليمان بن عبدالملك، ففرض لي في المقاتلة،
فلما قام عمر بن عبد العزيز، مر بي باسمي، وكان بنا عارفا،
فقال: ما أعرفني بمولد هذا الغلام.
فنحاني من المقاتلة، وردني عيلا.
قال ابن معين: كنا نأتي يوسف بن الماجشون يحدثنا، وجواريه
في بيت آخر يضربن بالمعزفة.
قلت: أهل المدينة يترخصون في الغناء، هم معروفون بالتسمح
فيه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الانصار يعجبهم
اللهو (1).
توفي يوسف بن الماجشون في سنة خمس وثمانين ومئة.
عاش ثمانيا وثمانين سنة.
قال عفان: حدثنا يوسف الماجشون، قال لي ابن شهاب، ولاخي،
__________
(1) أخرجه البخاري 9 / 194، 195 في النكاح، باب النسوة
اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة، من حديث
عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الانصار، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: " ما كان معكم لهو فإن الانصار يعجبهم
اللهو ".
(*)
(8/372)
ولابن عم لي ونحن فتيان أحداث نسأله: لا تحقروا أنفسكم
لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به أمر،
دعا الشباب، فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم.
قلت: أخوه: هو عبد العزيز بن يعقوب (1) صدوق.
يروي عن ابن المنكدر، وعن أبيه، والزهري.
روى عنه علي بن هاشم.
قال أبو حاتم: لا بأس به.
وأما ابن عمهما، فهو مفتي المدينة مع مالك، عبد العزيز بن
عبد الله قد ذكر (2).
111 - العمري * الامام
القدوة الزاهد العابد، أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عبد
العزيز ابن عبد الله بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي العمري المدني.
__________
(1) مترجم في الجرح والتعديل 5 / 399.
(2) انظر الجزء السابع من هذا الكتاب ص: 309.
* التاريخ الكبير: 5 / 140، التاريخ الصغير: 2 / 235،
المعارف: 186، الجرح والتعديل: 5 / 103، مشاهير علماء
الامصار: (1009)، ص 129، نسب قريش: 359، حلية الاولياء: 8
/ 283، تهذيب الكمال: 706، تذهيب التهذيب: 2 / 162 / 1،
العبر: 1 / 289، ميزان الاعتدال: 2 / 457، تهذيب التهذيب:
5 / 302، خلاصة تذهيب الكمال: 205، الكواكب الدرية
للمناوي: 133، شذرات الذهب: 1 / 306.
(*)
(8/373)
روى عن أبيه، وعن أبي طوالة.
وعنه: ابن عيينة، وابن المبارك، وعبد الله بن عمران
العائذي.
وغيرهم.
وهو قليل الرواية، مشتغل بنفسه، قوال بالحق، أمار بالعرف،
لا تأخذه في الله لومة لائم.
كان ينكر على مالك الامام اجتماعه بالدولة.
قال ابن عيينة فيما رواه عنه نعيم بن حماد، عن أبي الزبير،
عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم، " يوشك أن يضرب
الناس أكباد الابل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة "
(1).
وقد قال ابن عيينة في العمري هذا: هو عالم المدينة الذي
فيه الحديث.
علي بن حرب، عن أبيه قال: مضى الرشيد على حمار، ومعه غلام
إلى العمري، فوعظه، فبكى، وغشي عليه.
قال ابن أبي أويس: كتب العمري إلى مالك، وابن أبي ذئب،
وغيرهما، بكتب أغلظ لهم فيها، وقال: أنتم علماء تميلون إلى
الدنيا، وتلبسون اللين، وتدعون التقشف.
فجاوبه ابن أبي ذئب بكتاب أغلظ له.
وجاوبه مالك جواب فقيه.
وقيل: إن العمري وعظ الرشيد مرة، فكان يتلقى قوله بنعم يا
عم، فلما ذهب، أتبعه الامين والمأمون بكيسين فيهما ألفا
دينار، فردها وقال: هو أعلم بمن يفرقها عليه، وأخذ دينارا
واحدا، وشخص عليه بغداد، فكره
__________
(1) تقدم تخريجه ولا يصح.
(*)
(8/374)
مجيئه، وجمع العمريين، وقال: مالي ولابن عمكم ! احتملته
بالحجاز، فأتى إلى دار ملكي، يريد أن يفسد علي أوليائي،
ردوه عني.
قالوا: لا يقبل منا.
فكتب إلى الامير موسى بن عيسى: أن ترفق به حتى ترده.
قال مصعب الزبيري: كان العمري أصفر جسيما، لم يكن يقبل من
السلطان ولا غيره، ومن ولي من أقاربه ومعارفه لا يكلمه.
وولي أخوه عمر المدينة وكرمان، فهجره، ما أدركت بالمدينة
رجلا أهيب منه.
وكان يقبل صلة ابن المبارك.
وقدم الكوفة ليخوف الرشيد بالله، فرجف لمجيئه الدولة، حتى
لو كان نزل بهم من العدو مئة ألف، ما زاد من هيبته، فرد من
الكوفة، ولم يصل إليه.
وروي أنه كان يلزم المقبرة كثيرا، معه كتاب يطالعه، ويقول:
لا أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من وحدة.
عمر بن شبة: حدثنا أبويحيى الزهري: قال العمري عند موته:
بنعمة ربي أحدث، لو أن الدنيا تحت قدمي ما يمنعني من أخذها
إلا أن أزيل قدمي، ما أزلتها، معي سبعة دراهم من لحاء شجرة
فتلته بيدي.
قال ابن عيينة: دخلت على العمري الصالح، فقال: ما أحد أحب
إلي منك، وفيك عيب.
قلت: ما هو ؟ قال: حب الحديث، أما إنه ليس من زاد الموت،
أو قال: من أبزار الموت.
قال أبو المنذر إسماعيل بن عمر: سمعت أبا عبدالرحمن العمري
الزاهد يقول: إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله، بأن ترى
ما يسخطه فتجاوزه، ولا تأمر، ولا تنهى خوفا من المخلوق.
من ترك الامر بالمعروف خوف المخلوقين، نزعت منه الهيبة،
فلو أمر ولده، لاستخف به.
(8/375)
قال محمد بن حرب المكي: قدم العمري، فاجتمعنا إليه، فلما
نظر إلى القصور المحدقة بالكعبة صاح: يا أصحاب القصور
المشيدة، اذكروا ظلمة القبور الموحشة، يا أهل التنعم
والتلذذ اذكروا الدود والصديد، وبلاء الاجسام في التراب،
ثم غلبته عينه، فقام.
أنبئت عن الكاغدي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا
سليمان الطبراني، حدثنا إسحاق الخزاعي، حدثنا الزبير بن
بكار، حدثنا سليمان ابن محمد، سمعت عبد الله بن عبد العزيز
يقول: قال لي موسى بن
عيسى: ينهى إلى أمير المؤمنين أنك تشتمه وتدعو عليه، فبم
استجزت هذا ؟ قلت: أما شتمه، فوالله هو أكرم علي من نفسي،
لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الدعاء
عليه، فوالله ما قلت: اللهم إنه قد أصبح عبثا ثقيلا على
أكتافنا، فلا تطيقه أبداننا، وقذى في جفوننا لا تطرف عليه
جفوننا، وشجى في أفواهنا لا تسيغه حلوقنا، فاكفنا مؤنته،
وفرق بيننا وبينه.
ولكن قلت: اللهم إن كان تسمى بالرشيد ليرشد، فأرشده، أو
لغير ذلك فراجع به، اللهم إن له في الاسلام بالعباس على كل
مؤمن كفا (1)، وله بنبيك صلى الله عليه وسلم قرابة ورحم،
فقربه من كل خير، وباعده من كل سوء، وأسعدنا به، وأصلحه
لنفسه ولنا.
فقال موسى: رحمك الله أبا عبدالرحمن، كذاك لعمري الظن بك.
قال المسيب بن واضح: سمعت الزاهد العمري بمسجد منى يقول:
لله در ذوي العقول * والحرص في طلب الفضول سلاب أكسية
الارامل * واليتامى والكهول (2)
__________
(1) في " الحلية " 8 / 286: " حقا ".
(2) في " الحلية " 8 / 284: " بثلاث أكسبه الارامل " وهو
تحريف.
(*)
(8/376)
والجامعين المكثرين * من الجناية والغلول وضعوا عقولهم من
* الدنيا بمدرجة السيول ولهوا بأطراف الفروع * وأغفلوا علم
الاصول وتتبعوا جمع الحطام * وفارقوا أثر الرسول ولقد رأوا
غيلان ريب * الدهر غولا بعد غول وفي تاريخ ابن جرير
بإسناد: أن الرشيد قال: والله ما أدري ما آمر في
هذا العمري، أكره أن أقدم عليه، وله سلف (1).
وإني أحب أن أعرف رأيه فينا.
فقال عمر بن بزيع، والفضل بن الربيع: نحن له، فخرجا من
العرج إلى موضع له بالبادية في مسجده، فأناخا، وأتياه على
زي الملوك في حشمة، فجلسا إليه، فقالا: نحن رسل من وراءنا
من المشرق، يقولون لك: اتق الله، إن شئت فانهض.
فقال: ويحكما، فيمن، ولمن ؟ قالا: أنت.
قال: والله، ما أحب أني لقيت الله بمحجمة دم مسلم وإن لي
ما طلعت عليه الشمس، فلما أيسا منه، قالا: إن معنا عشرين
ألفا، تستعين بها، قال: لا حاجة لي بها.
قالا: أعطها من رأيت، قال: أعطياها أنتما، فلما أيسا منه،
ذهبا، ولحقا بالرشيد، فحدثاه، فقال: ما أبالي ما صنع بعد
هذا.
فبينا العمري في المسعى إذا بالرشيد يسعى على دابة، فعرض
له العمري، فأخذ بلجامه، فأهووا إليه، فكفهم الرشيد،
وكلمه، فرأيت دموع الرشيد تسيل (2).
قال يحيى بن أيوب العابد: حدثني بعض أصحابنا قال: كتب مالك
__________
(1) في " تاريخ الطبري " 8 / 354: وله خلف أكرههم.
(2) " تاريخ الطبري " 8 / 354، 355، ونص المؤلف مروي
بالمعنى، وفيه اختصار قليل.
(*)
(8/377)
إلى العمري: إنك بدوت، فلو كنت عند مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
فكتب: إني أكره مجاورة مثلك، إن الله لم يرك متغير الوجه
فيه ساعة قط.
قلت: هذا على سبيل المبالغة في الوعظ، وإلا فمالك من أقول
العلماء بالحق، ومن أشدهم تغيرا في رؤية المنكر.
وأما العمري فما علمت به بأسا، وقد وثقه النسائي.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن عبدالرحيم بن محمد، أخبرنا
أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن
أحمد، حدثنا موسى بن محمد بن كثير السريني (1)، حدثنا
عبدالملك الجدي (2) حدثنا عبد الله بن عبد العزيز العمري،
عن أبي طوالة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " الزبانية أسرع إلى فسقة القرآن منهم، إلى
عبدة الاوثان، فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة الاوثان ؟
فيقال: ليس من علم كمن لا يعلم " (3) غريب منكر، ولا أعرف
موسى هذا.
قال مصعب الزبيري: مات العمري سنة أربع وثمانين ومئة، وله
ست وستون سنة، رحمه الله تعالى.
112 - عبد الله بن المبارك
* (ع) ابن واضح، الامام شيخ الاسلام عالم زمانه، وأمير
الاتقياء في وقته،
__________
(1) نسبة إلى " سرين ": بليدة قريبة من مكة.
(2) نسبة إلى جدة.
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 286، وقال المصنف في
ترجمة موسى بن محمد في " الميزان ": وحدث عنه الطبراني
بخبر منكر في عذاب فسقة القراء.
وقال ابن حبان: حديث باطل.
* طبقات خليفة: 323، تاريخ خليفة: 146، التاريخ الكبير: 5
/ 212، التاريخ = (*)
(8/378)
أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم التركي، ثم المروزي،
الحافظ، الغازي، أحد الاعلام، وكانت أمة خوارزمية.
مولده في سنة ثمان عشرة ومئة.
فطلب العلم وهو ابن عشرين سنة.
فأقدم شيخ لقيه: هو الربيع بن أنس الخراساني، تحيل ودخل
إليه إلى السجن، فسمع منه نحوا من أربعين حديثا، ثم ارتحل
في سنة إحدى وأربعين ومئة، وأخذ عن بقايا التابعين، وأكثر
من الترحال والتطواف، وإلى أن مات في طلب العلم، وفي
الغزو، وفي التجارة، والانفاق على الاخوان في الله،
وتجهيزهم معه إلى الحج.
سمع من: سليمان التيمي، وعاصم الاحول، وحميد الطويل، وهشام
ابن عروة، والجريري، وإسماعيل بن أبي خالد، والاعمش، وبريد
بن عبد [ الله ] بن أبي بردة، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد
الانصاري، وعبد الله بن عون، وموسى بن عقبة، وأجلح الكندي،
وحسين المعلم، وحنظلة السدوسي، وحيوة بن شريح المصري،
وكهمس، والاوزاعي، وأبي حنيفة، وابن جريج، ومعمر، والثوري،
وشعبة، وابن أبي ذئب، ويونس الايلي، والحمادين، ومالك،
والليث، وابن لهيعة،
__________
= الصغير: 2 / 225، المعارف: 511، الجرح والتعديل: 5 /
179، الولاة والقضاة: 368، حلية الاولياء: 8 / 162،
الانتفاء: 132، تاريخ بغداد: 10 / 152، طبقات الشيرازي:
الورقة: 26، ترتيب المدارك: / 300، صفوة لصفوة: 4 / 134 -
147، وفيات الاعيان: 3 / 32، تهذيب الكمال: 730، تذهيب
التهذيب: 2 / 177 / 2 تذكرة الحفاظ: 1 / 174، العبر: 1 /
280، الديباج المذهب: 130، غاية النهاية: 1 / 446، تهذيب
التهذيب: 5 / 382، النجوم الزاهرة: 2 / 27، خلاصة تذهيب
الكمال: 211، الطبقات الكبرى للشعراني: 50، شذرات الذهب: 1
/ 295.
(*)
(8/379)
وهشيم، وإسماعيل بن عياش، وابن عيينة، وبقية بن الوليد،
وخلق كثير.
وصنف التصانيف النافعة الكثيرة.
حدث عنه: معمر، والثوري، وأبو إسحاق الفزاري، وطائفة من
شيوخه، وبقية، وابن وهب، وابن مهدي، وطائفة من أقرانه،
وأبو داود، وعبد الرزاق بن همام، والقطان، وعفان، وابن
معين، وحبان بن موسى، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن آدم،
وأبو أسامة، وأبو سلمة المنقري، ومسلم بن إبراهيم، وعبدان،
والحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن منيع، وعلي بن حجر،
والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحسين بن الحسن المروزي،
والحسن بن عرفة، وإبراهيم بن مجشر، ويعقوب الدورقي، وأمم
يتعذر إحصاؤهم، ويشق استقصاؤهم.
وحديثه حجة بالاجماع، وهو في المسانيد والاصول.
ويقع لنا حديثه عاليا.
وبيني وبينه بالاجازة العالية ستة أنفس.
أنبأنا أحمد بن سلامة، وعدة، عن عبد المنعم بن كليب،
أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار،
حدثنا ابن عرفة، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس بن
يزيد الايلي، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي بن
كعب، قال: إنما كانت الفتيا في الماء من الماء رخصة في أول
الاسلام، ثم نهي عنها.
أخرجه الترمذي (1) عن أحمد بن منيع، عن ابن المبارك،
ورواته
__________
(1) رقم (110) في الطهارة: باب ما جاء أن الماء من الماء،
وأخرجه أحمد 5 / 115، 116، وابن ماجة (609)، وابن حبان
(228)، من طريق الزهري، عن سهل بن سعد، ورواه أبو داود
(214) من طريق الزهري، حدثني بعض من أرضى، أن سهل بن سعد
الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره..قال ابن حجر في "
التلخيص " ص (49): وجزم موسى بن هارون = (*)
(8/380)
ثقات.
لكن له علة، لم يسمعه ابن شهاب من سهل.
ارتحل ابن المبارك إلى الحرمين، والشام، ومصر، والعراق
والجزيرة، وخراسان، وحدث بأماكن.
قال قعنب بن المحرر: ابن المبارك مولى بني عبد شمس من تميم
(1).
وقال البخاري: ولاؤه لبني حنظلة.
وقال العباس بن مصعب في " تاريخ مرو ": كانت أم عبد الله
بن المبارك خوارزمية، وأبوه تركي، وكان عبدا لرجل تاجر من
همذان، من بني حنظلة، فكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع
لوالديه، ويعظمهم.
أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد القيسي، وغيره كتابة،
أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني،
حدثنا أبو بكر الخطيب، حدثني أبو عبد الله أحمد بن أحمد
السيبي، حدثنا محمد بن أحمد بن حماد ابن سفيان بالكوفة،
حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا عبد الله بن
إبراهيم بن قتيبة، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة،
سمعت أبي، سمعت ابن المبارك يقول: نظر أبو حنيفة إلى أبي،
فقال: أدت أمه
__________
= والدارقطني بأن الزهري لم يسمع من سهل، لكن للحديث طريق
آخر صحيح أخرجه أبو داود (215)، والدارمي 1 / 194 من حديث
محمد بن مهران الرازي قال: حدثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي
غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب:
إن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة
رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الاسلام، ثم
أمر بالاغتسال بعد.
وذكره البيهقي في " السنن " 1 / 165 / 166، من طريق أبي
داود، ووصفه بأن إسناده موصول صحيح، ورواه الدارقطني في "
سننه " ص (46) وقال: صحيح، وصححه ابن حبان (229)، وابن
خزيمة (225).
(1) الخبر في " تاريخ بغداد " 10 / 153.
(*)
(8/381)
إليك الامانة، وكان أشبه الناس بعبد الله.
قال أبو حفص الفلاس، وأحمد بن حنبل: ولد ابن المبارك سنة
ثمان عشرة ومئة.
وأما الحاكم، فروى عن أبي أحمد الحمادي، سمعت محمد بن موسى
الباشاني، سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبد الله يقول:
ولدت سنة تسع عشرة ومئة.
وقال الفسوي: حدثنا بشر بن أبي الازهر، قال: قال ابن
المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السنن، فقلت: إن العجم
لا يكادون يحفظون ذلك، لكني أذكر أني لبست السواد وأنا
صغير عندما خرج أبو مسلم، وكان أخذ الناس كلهم بلبس
السواد، الصغار والكبار.
نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته،
فقيل له: ألا تستوحش ؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه ؟ ! قال أحمد بن سنان القطان:
بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد، فنظر إليه، فأعجبه
سمته فقال: من أين أنت ؟ قال: من أهل خراسان، من مرو.
قال: تعرف رجلا يقال له: عبد الله بن المبارك ؟ قال: نعم.
قال: ما فعل ؟ قال: هو الذي يخاطبك، قال: فسلم عليه، ورحب
به.
وقال إسماعيل الخطبي: بلغني عن ابن المبارك أنه حضر عند
حماد ابن زيد، فقال أصحاب الحديث لحماد: سل أبا عبدالرحمن
أن يحدثنا.
فقال: يا أبا عبدالرحمن، تحدثهم، فإنهم قد سألوني ؟ قال:
سبحان الله، يا أبا إسماعيل أحدث وأنت حاضر ؟ ! فقال:
أقسمت عليك لتفعلن.
(8/382)
فقال: خذوا.
حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد، فما حدث بحرف إلا عن حماد
(1).
قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا ابن حميد، قال: عطس رجل
عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أيش يقول الرجل إذا
عطس ؟ قال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله (2).
قال أحمد العجلي: ابن المبارك ثقة ثبت في الحديث، رجل صالح
يقول الشعر، وكان جامعا للعلم.
قال العباس بن مصعب: جمع عبد الله الحديث، والفقه،
والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والسخاء، والتجارة،
والمحبة عند الفرق.
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء
الثلاثة: ابن المبارك، والنضر بن شميل، ويحيى بن يحيى.
عثمان الدارمي: سمعت نعيم بن حماد، سمعت يحيى بن آدم يقول:
كنت إذا طلبت دقيق المسائل، فلم أجده في كتب ابن المبارك،
أيست منه.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 155، وإسماعيل الخطبي هو إسماعيل
بن علي بن إسماعيل الخطبي أبو محمد، نسبة إلى الخطب
وإنشائها.
(2) أخرج البخاري في " صحيحه " 10 / 502 في الادب: باب إذا
عطس كيف يشمت من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له
أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله،
فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم " وفي " المصنف " (19678)
بسند صحيح من حديث أنس بن مالك قال: عطس عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجلان، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال
الرجل: يا رسول الله، شمت فلانا ولم تشتمتني، فقال: " إن
هذا حمد الله وإنك لم تحمد ".
وأخرجه البخاري 10 / 504، ومسلم
(2991) من طريق آخر عن أنس.
(*)
(8/383)
علي بن زيد الفرائضي: حدثنا علي بن صدقة، سمعت شعيب بن حرب
قال: ما لقي ابن المبارك رجلا إلا وابن المبارك أفضل منه.
وقال: وسمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في المحدثين مثل
أمير المؤمنين في الناس.
عمر بن مدرك: حدثنا القاسم بن عبدالرحمن، حدثنا أشعث بن
شعبة المصيصي، قال: قدم الرشيد الرقة، فانجفل الناس خلف
ابن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم
ولد لامير المؤمنين من [ برج من ] قصر الخشب، فقالت: ما
هذا ؟ قالوا: عالم من أهل خراسان، قدم.
قالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس
إلا بشرط وأعوان (1).
قال عثمان بن خرزاذ: حدثنا محمد بن حيان، حدثنا عبدالرحمن
بن زيد الجهضمي، قال: قال الاوزاعي: رأيت ابن المبارك ؟
قلت: لا.
قال: لو رأيته لقرت عينك.
وقال عبد العزيز بن أبي رزمة: قال لي شعبة: ما قدم علينا
من ناحيتكم مثل ابن المبارك.
الدغولي: حدثنا عبدالمجيد بن إبراهيم، حدثنا وهب بن زمعة،
حدثنا معاذ بن خالد، قال: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد
الله بن المبارك، فقال إسماعيل: ما على وجه الارض مثل ابن
المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد
جعلها في عبد الله بن المبارك.
ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة، فكان يطعمهم
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 156، و " وفيات الاعيان " 3 /
33.
(*)
(8/384)
الخبيص، وهو الدهر صائم.
قال الحاكم: أخبرني محمد بن أحمد بن عمر، حدثنا محمد بن
المنذر، حدثني عمر بن سعيد الطائي، حدثنا عمر بن حفص
الصوفي بمنبج، قال: خرج ابن المبارك من بغداد، يريد
المصيصة، فصحبه الصوفية، فقال لهم: أنتم لكم أنفس تحتشمون
أن ينفق عليكم، يا غلام هات الطست، فألقى عليه منديلا، ثم
قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، فجعل الرجل
يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين، فأنفق عليهم إلى
المصيصة، ثم قال: هذه بلاد نفير.
فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارا، فيقول: يا
أبا عبدالرحمن، إنما أعطيت عشرين درهما، فيقول: وما تنكر
أن يبارك الله للغازي في نفقته (1).
قال الخطيب: أخبرنا عمر بن إبراهيم، وأبو محمد الخلال،
قالوا: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الكاتب، حدثنا
أحمد بن الحسن المقرئ، سمعت عبد الله بن أحمد الدورقي،
سمعت محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سمعت أبي قال: كان ابن
المبارك إذا كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو،
فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم،
فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من
مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، ويطعمهم أطيب الطعام،
وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة،
حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل
واحد: ما أمرك
عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها ؟ فيقول: كذا
وكذا، ثم
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 157، 158.
(*)
(8/385)
يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما
أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول: كذا وكذا،
فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن
يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد
ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا
بالصندوق، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته، عليها اسمه.
قال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم
إلى الناس خمسة وعشرين خوانا فالوذج.
فبلغنا أنه قال للفضيل: لولاك وأصحابك ما اتجرت.
وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم (1).
علي بن خشرم: حدثني سلمة بن سليمان قال: جاء رجل إلى ابن
المبارك، فسأله أن يقضي دينا عليه، فكتب له إلى وكيل له،
فلما ورد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدين الذي سألته
قضاءه ؟ قال: سبع مئة درهم، وإذا عبد الله قد كتب له أن
يعطيه سبعة آلاف درهم، فراجعه الوكيل، وقال: إن الغلات قد
فنيت، فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت، فإن
العمر أيضا قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي (2).
قال محمد بن المنذر: حدثني يعقوب بن إسحاق، حدثني محمد بن
عيسى، قال: كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان
ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه،
ويسمع منه
الحديث، فقدم عبد الله مرة، فلم يره، فخرج في [ النفير ]
مستعجلا، فلما
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 158.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 158، 159.
(*)
(8/386)
رجع، سأل عن الشاب، فقال: محبوس على عشرة آلاف درهم،
فاستدل على الغريم، ووزن له عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر
أحدا ما عاش، فأخرج الرجل، وسرى ابن المبارك، فلحقه الفتى
على مرحلتين من الرقة، فقال لي: [ يا ] فتى، أين كنت ؟ لم
أرك.
قال: يا أبا عبدالرحمن كنت محبوسا بدين.
قال: وكيف خلصت ؟ قال: جاء رجل، فقضى ديني، ولم أدر.
قال: فاحمد الله.
ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبد الله (1).
أبو العباس السراج: سمعت إبراهيم بن بشار، حدثني علي بن
الفضيل، سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد
والتقلل، والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع، كيف ذا ؟ قال: يا
أبا علي، إنما أفعل ذا لاصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به
على طاعة ربي.
قال: يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا (2).
الفتح بن سخرف: حدثنا عباس بن يزيد، حدثنا حبان بن موسى،
قال: عوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون
بلده، قال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث،
فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم، احتاجوا، فإن تركناهم،
ضاع علمهم، وإن أعناهم، بثوا العلم لامة محمد صلى الله
عليه وسلم، لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم (3).
عباس الدوري: سمعت يحيى يقول: ما رأيت أحدا يحدث لله إلا
ستة نفر، منهم: ابن المبارك.
أبو حاتم: حدثنا ابن الطباع، عن ابن مهدي قال: الائمة
أربعة:
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 159.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 160.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 160.
(*)
(8/387)
سفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك.
وروي عن ابن مهدي قال: ما رأيت رجلا أعلم بالحديث من
سفيان، ولا أحسن عقلا من مالك، ولا أقشف من شعبة، ولا أنصح
للامة من ابن المبارك.
وقال محمد بن المثنى: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: ما رأت
عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد
تقشفا من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصح للامة من ابن
المبارك (1).
أبو نشيط: سمعت نعيم بن حماد: قلت لابن مهدي: أيهما أفضل،
ابن المبارك، أو سفيان الثوري ؟ فقال: ابن المبارك.
قلت: إن الناس يخالفونك، قال: إنهم لم يجربوا، ما رأيت مثل
ابن المبارك (2).
نوح بن حبيب: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا ابن المبارك، وكان
نسيج وحده (3).
أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز: سمعت يحيى بن معين يقول:
سمعت ابن مهدي يقول: ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري
(4).
وقال محمد بن أعين: سمعت عبدالرحمن بن مهدي، واجتمع إليه
أصحاب الحديث، فقالوا له: جالست الثوري، وسمعت منه، ومن
ابن المبارك، فأيهما أرجح ؟ قال: لو أن سفيان جهد على أن
يكون يوما مثل عبد
الله لم يقدر (5).
__________
(1) الاخبار الاربعة في " تاريخ بغداد " 10 / 160، 161.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 161.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 161.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 161.
(5) " تاريخ بغداد " 10 / 161.
(*)
(8/388)
ابن أبي العوام: حدثنا أبي، سمعت شعيب بن حرب، يقول: قال
سفيان: إني لاشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن
المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام (1).
محمد بن المنذر: حدثنا إبراهيم بن بحر الدمشقي، حدثنا
عمران بن موسى الطرسوسي، قال: سأل رجل سفيان، فقال: من أين
أنت ؟ قال: من أهل المشرق، قال: أو ليس عندكم أعلم أهل
المشرق ؟ قال: ومن هو ؟ قال: عبد الله بن المبارك.
قال: وهو أعلم أهل المشرق ؟ قال: نعم، وأهل المغرب (2).
قال محمد بن المنذر: وحدثني محمد بن أحمد بن الحسين
القرشي، حدثنا أحمد بن عبدة، قال: كان فضيل وسفيان ومشيخة
جلوسا في المسجد الحرام، فطلع ابن المبارك من الثنية، فقال
سفيان: هذا رجل أهل المشرق.
فقال فضيل: رجل أهل المشرق والمغرب وما بينهما (3).
وقال علي بن زيد: حدثني عبدالرحمن بن أبي جميل قال: كنا
حول ابن المبارك بمكة، فقلنا له: يا عالم الشرق حدثنا
وسفيان قريب منا يسمع فقال: ويحكم عالم المشرق والمغرب وما
بينهما (4).
وقال محمد بن عبد الله بن قهزاذ: سمعت أبا الوزير يقول:
قدمت
على سفيان بن عيينة، فقالوا له: هذا وصي عبد الله، فقال:
رحم الله عبد الله، ما خلف بخراسان مثله (5).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 162.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 162.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 162.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 262.
(5) " تاريخ بغداد " 10 / 162.
(*)
(8/389)
أحمد بن أبي الحواري: حدثنا أبو عصمة، قال: شهدت سفيان
وفضيل بن عياض، فقال سفيان لفضيل: يا أبا علي، أي رجل ذهب
يعني ابن المبارك قال: يا أبا محمد، وبقي بعد ابن المبارك
من يستحيى منه ؟ (1).
محمد بن مخلد: حدثنا عبد الصمد بن حميد، سمعت عبد الوهاب
ابن عبد الحكم يقول: لما مات ابن المبارك بلغني أن هارون
أمير المؤمنين قال: مات سيد العلماء (2).
المسيب بن واضح: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ابن المبارك
إمام المسلمين أجمعين (3).
قلت: هذا الاطلاق من أبي إسحاق معني بمسلمي زمانه.
قال المسيب: ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك قاعدا
يسأله.
قال أبو وهب أحمد بن رافع وراق سويد بن نصر: سمعت علي ابن
إسحاق بن إبراهيم يقول: قال ابن عيينة: نظرت في أمر
الصحابة، وأمر عبد الله، فما رأيت لهم عليه فضلا إلا
بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وغزوهم معه (4).
محمود بن والان، قال: سمعت عمار بن الحسن يمدح ابن المبارك
ويقول:
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 263.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 163.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 163، وكلمة " أجمعين " لم ترد
فيه.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 163.
(*)
(8/390)
إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نورها وجمالها
إذ ذكر الاحبار في كل بلدة فهم أنجم فيها وأنت هلالها (1).
هاشم بن مرثد: حدثنا عثمان بن طالوت، سمعت علي بن المديني
يقول: انتهى العلم إلى رجلين: إلى ابن المبارك، ثم إلى ابن
معين (2).
وقال احمد بن يحيى بن الجارود: قال علي بن ابن المديني:
عبد الله بن المبارك أوسع علما من عبدالرحمن بن مهدي،
ويحيى بن آدم (3).
قال أبو سلمة التبوذكي: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: ما
خلف ابن المبارك بالمشق مثله (4).
إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، وذكروا
عبد الله بن المبارك، فقال رجل: إنه لم يكن حافظا، فقال
ابن معين: كان عبد الله رحمه الله كيسا، مستثبتا، ثقة،
وكان عالما صحيح الحديث، وكانت كتبه التي يحدث بها عشرين
ألفا أو واحدا وعشرين ألفا (5).
قال أبو معشر حمدويه بن الخطاب البخاري: سمعت نصر بن
المغيرة
البخاري، سمعت إبراهيم بن شماس يقول: رأيت أفقه الناس ابن
المبارك، وأورع الناس الفضيل، وأحفظ الناس وكيع بن الجراح
(6).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 163.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 164.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 164.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 164.
(5) " تاريخ بغداد " 10 / 164.
(6) " تاريخ بغداد " 10 / 164.
(*)
(8/391)
أحمد بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول وذكر أصحاب
سفيان فقال: خمسة: ابن المبارك، فبدأ به، ووكيع، ويحيى،
وابن مهدي، وأبو نعيم (1).
قال جعفر بن أبي عثمان: قلت لابن معين: اختلف القطان ووكيع
؟ قال: القول قول يحيى.
قال: فإذا اختلف عبدالرحمن، ويحيى ؟ قال: يحتاج من يفصل
بينهما.
قلت: فأبو نعيم وعبد الرحمن ؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما.
قلت: الاشجعي ؟ قال: مات الاشجعي، ومات حديثه معه.
قلت: ابن المبارك ؟ قال: ذاك أمير المؤمنين في الحديث (2).
محمود بن والان: سمعت محمد بن موسى، سمعت إبراهيم بن موسى
يقول: كنت عند يحيى بن معين، فجاءه رجل، فقال: من أثبت في
معمر ؟ ابن المبارك أو عبد الرزاق ؟ وكان يحيى متكئا فجلس،
وقال: كان ابن المبارك خيرا من عبد الرزاق ومن أهل قريته،
[ كان ] عبد الله سيدا من سادات المسملين (3).
وسئل إبراهيم الحربي: إذا اختلف أصحاب معمر ؟ قال: القول
قول
ابن المبارك.
الدغولي: حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا محمد بن النضر بن
مساور، قال: قال أبي: قلت لابن المبارك: هل تتحفظ الحديث ؟
فتغير لونه، وقال: ما تحفظت حديثا قط، إنما آخذ الكتاب
فأنظر فيه، فما اشتهيته، علق بقلبي (4).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 164.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 165.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 165.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 165.
(*)
(8/392)
قال الحسن بن عيسى: أخبرني صخر، صديق ابن المبارك، قال:
كنا غلمانا في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك، ورجل يخطب،
فخطب خطبة طويلة، فلما فرغ، قال لي ابن المبارك: حفظتها،
فسمعه رجل من القوم، فقال: هاتها، فأعادها، وقد حفظها (1).
نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك قال: قال لي أبي: لئن وجدت
كتبك، لاحرقنها، قلت: وما علي من ذلك وهي في صدري (2).
وقال أبو وهب محمد بن مزاحم: العجب ممن يسمع الحديث من ابن
المبارك عن رجل، ثم يأتي ذلك الرجل حتى يحدثه [ به ] (3).
قال ابن خراش: ابن المبارك مروزي ثقة.
قال القاسم بن محمد بن عباد: سمعت سويد بن سعيد يقول: رأيت
ابن المبارك بمكة أتي زمزم، فاستقى شربة، ثم استقبل
القبلة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموال، حدثنا عن محمد بن
المنكدر عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
ماء زمزم لما شرب له " وهذا أشربه لعطش القيامة، ثم
شربه (4).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 165، 166، (2) " تاريخ بغداد "
10 / 166.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 166.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 166، وحديث " ماء زمزم لما شرب
له " أخرجه أحمد، 3 / 357، وابن ماجه (3062) من طريق عبد
الله بن المؤمل، أنه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن
عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
ماء زمزم لما شرب له " وهذا سند ضعيف لضعف عبد الله بن
المؤمل، لكن له شاهد عن ابن عباس، أخرجه الدار قطني في "
سننه " من حديث محمد بن حبيب الجارودي، عن سفيان بن عيينة،
عن أبي نجيح، عن مجاهد عنه، رفعه به، وأخرجه مسلم في "
صحيحه " (2473) في حديث أبي ذر الطويل قوله صلى الله عليه
وسلم: " إنها مباركة، وإنها طعام طعم "، ولفظ أبي داود
الطيالسي 2 / 158 " إنها لمباركة وهي طعام طعم وشفاء سقم
".
(*)
(8/393)
كذا قال: ابن أبي الموال، وصوابه ابن المؤمل عبد الله
المكي، والحديث به يعرف، وهو من الضعفاء، لكن يرويه عن أبي
الزبير، عن جابر، فعلى كل حال خبر ابن المبارك فرد منكر،
ما أتى به سوى سويد، رواه الميانجي، عن ابن عباد.
أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب: سمعت الخليل أبا محمد، قال:
كان عبد الله بن المبارك إذا خرج إلى مكة قال: بغض الحياة
وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت
الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما أتزنا (1)
قال نعيم بن حماد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق،
يصير كأنه ثور منحور، أو بقرة منحورة، من البكاء، لا يجتزئ
أحد منا أن يسأله عن شئ إلا دفعه (2).
أبو حاتم الرازي: حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال: كنا
سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما
التقى الصفان، خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج
إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى
البراز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم
إليه الناس، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو
يكتم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو هو.
فقال: وأنت
__________
(1) تاريخ بغداد 10 / 166.
(2) تاريخ بغداد 10 / 167.
(*)
(8/394)
يا أبا عمرو ممن يشنع علينا (1) ! قال العباس بن مصعب:
حدثني بعض أصحابنا قال: سمعت أبا وهب يقول: مر ابن المبارك
برجل أعمى، فقال له: أسألك أن تدعو لي أن يرد الله علي
بصري، فدعا الله، فرد عليه بصره، وأنا أنظر.
وقال أبو حسان عيسى بن عبد الله البصري: سمعت الحسن بن
عرفة يقول: قال لي ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشام،
فذهبت على أن أرده، فلما قدمت مرو، نظرت فإذا هو معي،
فرجعت إلى الشام حتى رددته [ على صاحبه ] (2).
قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماما يقتدى به، كان من
أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك،
فاتهمه على
الاسلام (3).
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد المصري بها،
أخبرنا الفتح بن عبد الله بن محمد الكاتب، ببغداد، أخبرنا
أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، وأبو غالب محمد بن علي بن
الداية، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الطرائفي (ح) وأخبرنا
يحيى بن أبي منصور، وعلي بن أحمد كتابة، قالا: أخبرنا عمر
بن طبرزد [ أخبرنا ] أبو منصور محمد بن عبدالملك المقرئ،
وأنبأنا يحيى، أنبأنا عمر بن محمد، أخبرنا يحيى بن علي بن
الطراح، وعبد الخالق بن عبد الصمد، وأبو غالب بن البناء
(ح)، وأخبرنا أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم القيسي،
أخبرنا بن محمد الرزاز (ح)،
__________
(1) تاريخ بغداد 10 / 167.
(2) تاريخ بغداد 10 / 167، والزيادة منه.
(3) تاريخ بغداد 10 / 168.
(*)
(8/395)
وأخبرنا المسلم بن محمد بن علان في كتابه، وغيره، أن داود
بن أحمد بن محمد الوكيل، أخبرهم قالوا: أخبرنا أبو الفضل
الارموي، وكتب إلينا الفخر علي بن البخاري، قال: أخبرتنا
نعمة بنت علي بن يحيى بن علي، أخبرنا جدي، قال سبعتهم:
أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد المعدل، أخبرنا أبو الفضل
عبيدالله بن عبدالرحمن الزهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد
الفريابي، حدثنا محمد بن الحسن البلخي بسمرقند، سنة ست
وعشرين ومئتين، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا ابن
لهيعة، حدثنا أبو المصعب مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر
الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر
منافقي أمتي قراؤها " (1).
وبه إلى الفريابي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة
عن مشرح فذكره.
وبه إلى الفريابي: حدثني أبو بكر سعيد بن يعقوب الطالقاني،
حدثنا عبد الله بن المبارك، عن الاوزاعي، عن هارون بن
رئاب، أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة قال: انظروا
فلانا لرجل من قريش، فإني كنت قلت له في ابنتي قولا كشبيه
العدة، وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم
أني قد زوجته.
هارون ثقة، لكنه لم يحلق عبد الله بن عمرو.
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 151 و 154، 155،
والفريابي في " صفة النفاق " ص 54، والخطيب في تاريخه 1 /
357 من طرق عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن
عامر، وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " ص 451، وأحمد 2 /
175، والفريابي في " صفة النفاق " ص 53، 54 من طريق
عبدالرحمن بن شريح المعافري، عن شراحيل بن يزيد، عن محمد
بن هدية الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وسنده حسن في الشواهد.
(*)
(8/396)
قال أحمد بن حنبل: لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب
للعلم منه.
وعن شعبة قال: ما قدم علينا أحد مثل ابن المبارك.
وقال أبو أسامة: ما رأيت رجلا أطلب للعلم من ابن المبارك،
وهو في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس.
قال الحسن بن عيسى بن ماسرجس مولى ابن المبارك: اجتمع
جماعة مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن الحسين، فقالوا: تعالوا
نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: العلم،
والفقه، والادب، والنحو،
واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة،
والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام
فيما لا يعنيه، والانصاف، وقلة الخلاف على أصحابه.
قال نعيم بن حماد: قال رجل لابن المبارك: قرأت البارحة
القرآن في ركعة، فقال: لكني أعرف رجلا لم يزل البارحة يكرر
(ألهاكم التكاثر) إلى الصبح، ما قدر أن يتجاوزها يعني
نفسه.
قال العباس بن مصعب: عن إبراهيم بن إسحاق البناني، عن ابن
المبارك، قال: حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف
شيخ، ثم قال العباس: فتتبعتهم حتى وقع لي ثمان مئة شيخ له.
قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي
الانسان ؟ قال: غريزة.
قلت: فإن لم يكن ؟ قال: حسن أدب.
قلت: فإن لم يكن ؟ قال: أخ شفيق يستشيره.
قلت: فإن لم يكن ؟ قال: صمت طويل.
قلت: فإن لم يكن ؟ قال: موت عاجل.
(8/397)
وروى عبدان بن عثمان، عن عبد الله، قال: إذا غلبت محاسن
الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن
المحاسن لم تذكر المحاسن.
قال نعيم: سمعت ابن المبارك يقول: عجبت لمن يطلب العلم،
كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة.
قال عبيد بن جناد: قال لي عطاء بن مسلم: رأيت ابن المبارك
؟ قلت: نعم.
قال: ما رأيت ولا ترى مثله.
قال عبيد بن جناد: وسمعت العمري يقول: ما رأيت في دهرنا
هذا
من يصلح لهذا الامر يعني الامامة إلا ابن المبارك.
قال معتمر بن سليمان: ما رأيت مثل ابن المبارك، تصيب عنده
الشئ الذي لا تصيبه عند أحد.
قال شقيق البلخي: قيل لابن المبارك: إذا أنت صليت لم لا
تجلس معنا ؟ قال: أجلس مع الصحابة والتابعين، أنظر في
كتبهم وآثارهم، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس.
وعن ابن المبارك قال: ليكن عمدتكم الاثر، وخذوا من الرأي
ما يفسر لكم الحديث.
محبوب بن الحسن: سمعت ابن المبارك يقول: من بخل بالعلم،
ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم
السلطان، فيذهب علمه.
وعن ابن المبارك قال: أول منفعة العلم أن يفيد بعضهم بعضا.
(8/398)
المسيب بن واضح: سمعت ابن المبارك، وقيل له: الرجل يطلب
الحديث لله يشتد في سنده، قال: إذا كان لله، فهو أولى أن
يشتد في سنده.
وعنه، قال: حب الدنيا في القلب، والذنوب فقد احتوشته، فمتى
يصل الخير إليه ؟ وعنه قال: لو اتقى الرجل مئة شئ، ولم يتق
شيئا واحدا لم يك من المتقين، ولو تورع عن مئة شئ سوى شئ
واحد لم يكن ورعا، ومن كانت فيه خلة من الجهل كان من
الجاهلين.
أما سمعت الله يقول لنوح عليه السلام من أجل ابنه: (إني
أعظك أن تكون من الجاهلين)
[ هود.
46 ] إسنادها لا يصح.
وقد تقدم عن ابن المبارك خلاف هذا، وأن الاعتبار بالكثرة،
ومراده بالخلة من الجهل: " الاصرار عليها.
وجاء أن ابن المبارك سئل: من الناس ؟ فقال: العلماء.
قيل: فمن الملوك ؟ قال: الزهاد، قيل: فمن الغوغاء ؟ قال:
خزيمة وأصحابه، يعني من أمراء الظلمة.
قيل: فمن السفلة ؟ قال: الذين يعيشون بدينهم.
وعنه قال: ليكن مجلسك مع المساكين، وإياك أن تجلس مع صاحب
بدعة.
وعن ابن المبارك قال: إذا عرف الرجل قدر نفسه، يصير عند
نفسه أذل من كلب.
وعنه قال: لا يقع موقع الكسب على العيال شئ، ولا الجهاد في
سبيل الله.
(8/399)
وقال: رب عمل صغير تكثره النية، ورب عمل كثير تصغره النية.
أخبرنا أحمد بن سلامة، إجازة، عن عبدالرحيم بن محمد
الكاغدي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ،
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا
أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو إسحاق الطالقاني، قال:
سألت ابن المبارك عن الرجل يصلي عن أبويه.
فقال: من يرويه ؟ قلت: شهاب بن خراش.
قال: ثقة.
عمن ؟ قلت: عن الحجاج بن دينار.
قال: ثقة، عمن ؟ قلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها
أعناق
الابل (1).
أخبرنا بيبرس بن عبد الله المجدي، أخبرنا هبة الله بن
الحسن الدوامي، أخبرتنا تجني مولاة ابن وهبان، وأخبرنا
إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أخبرنا الامام أبو محمد
بن قدامة، أخبرنا عبد الله ابن أحمد الخطيب، وتجني
الوهبانية، وفخر النساء شهدة (ح) وأخبرنا أبو الحسين علي
بن محمد، وأحمد بن تاج الامناء، قالا: أخبرنا محمد ابن
إبراهيم (ح) وأخبرتنا ست الاهل بنت الناصح، أخبرنا البهاء
عبد الرحمن، قالا: أخبرتنا شهدة، قالوا: أخبرنا طراد بن
محمد الزينبي (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الوهاب الاغلبي،
أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا
القاسم بن الفضل، قالا: أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر
الحفار، حدثنا الحسين بن يحيى القطان، حدثنا إبراهيم بن
مجشر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن
__________
(1) ذكره مسلم في مقدمة " صحيحه " 1 / 16، والمفاوز جمع
مفازة: الارض القفر البعيدة عن العمارة، وعن الماء التي
يخاف الهلاك فيها.
(*)
(8/400)
عاصم، عن عبيد بن أبي عبيد، عن أبي هريرة قال: ومررت معه
ببقعة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
رب يمين لا تصعد إلى الله عزوجل في هذه البقعة " (1).
قال أبو هريرة: فرأيت فيها النخاسين.
وبه إلى ابن المبارك: أخبرنا ابن عجلان، عن نافع، عن ابن
عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر حرام،
وكل مسكر خمر " (2).
أخبرنا إسحاق بن طارق الاسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا عبد
الرحيم بن محمد الكاغدي، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا
أبو نعيم الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد
بن إسحاق، سمعت ابن أبي رزمة، سمعت علي بن الحسن بن شقيق،
سمعت عبد الله بن المبارك يقول: إنا لنحكي كلام اليهود
والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية (3).
وبه إلى محمد بن إسحاق السراج: سمعت أبا يحيى يقول:
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيدالله العمري، وشيخه عبيد
بن أبي عبيد لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهو في "
المسند " 2 / 303 من طريق عبدالرحمن، عن سفيان، عن عاصم،
عن عبيد، عن أبي هريرة.
(2) إسناده حسن، وأخرجه مسلم (2003) من طريق حماد بن زيد،
عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " كل مسكر خمر، وكل
مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم
يتب، لم يشربها في الآخرة " وأخرجه أحمد 2 / 98، والترمذي
(1861)، وأبو داود (3679)، والنسائي 9 / 558.
(3) أتباع جهم بن صفوان الراسبي المكنى بأبي محرز، نشأ في
سمرقند بخراسان، ثم قضى فترة من حياته الاولى في ترمذ،
وكان مولى لبني راسب من الازد، وقد أطبق السلف على ذمه
بسبب تغاليه في التنزيه، وإنكار صفات الله، وتأويلها
المفضي إلى تعطيلها.
وقد قتل سنة 128 ه مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية
(*)
(8/401)
سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول: قلت لعبد الله بن
المبارك: كيف يعرف ربنا عزوجل ؟ قال: في السماء على العرش.
قلت له: إن الجهمية تقول هذا.
قال: لا نقول كما قالت الجهمية: هو معنا هاهنا.
قلت: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان، والسلف
يقولون: إن علم الباري في كل مكان، ويحتجون بقوله تعالى
(وهو معكم أينما كنتم) [ الحديد: 4 ] يعني: بالعلم،
ويقولون: إنه على عرشه استوى، كما نطق به القرآن والسنة.
وقال الاوزاعي، وهو إمام وقته: كنا - والتابعون متوافرون
نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من
صفاته، ومعلوم عند أهل العلم من الطوائف أن مذهب السلف
إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولا
تحريف، ولا تشبيه ولا تكييف، فإن الكلام في الصفات فرع على
الكلام في الذات المقدسة.
وقد علم المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقة، لا مثل لها،
وكذلك صفاته تعالى موجودة، لا مثل لها.
أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه، إجازة، أخبرنا عبد
القادر الحافظ، أخبرنا محمد بن أبي نصر بأصبهان، أخبرنا
حسين بن عبد الملك، أخبرنا عبد الله بن شبيب، أخبرنا أبو
عمر السلمي، أخبرنا أبو الحسن اللبناني، حدثنا أبو عبد
الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب " الرد على
الجهمية " (1) له، قال: حدثني أحمد بن إبراهيم
__________
(1) ينفي غير واحد من أهل العلم ومنهم المؤلف نسبة هذا
الكتاب إلى الامام أحمد، فقد رواه عن عبد الله بن الامام
أحمد الخضر بن المثنى، وهو مجهول، والرواية عن مجهول = (*)
(8/402)
الدورقي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال: سألت ابن
المبارك: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا ؟ قال: على السماء
السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا،
في الارض.
وروى عبد الله بن أحمد بن هذا الكتاب بإسناده، عن ابن
المبارك، أن رجلا قال له: يا أبا عبدالرحمن، قد خفت الله
تعالى من كثرة ما أدعو على الجهمية.
قال: لا تخف، فإنهم يزعمون إن إلهك الذي في السماء ليس
بشئ.
قال عبد الله بن إدريس: كل حديث لا يعرفه ابن المبارك،
فنحن منه براء.
وعن ابن المبارك قال: في صحيح الحديث شغل عن سقيمه (1).
أخبرنا يحيى بن أحمد الجذامي، أخبرنا محمد بن عماد، أخبرنا
ابن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا ابن الحاج،
أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبدالرحمن الرملي، حدثنا العباس
بن الفضل الاسفاطي، حدثنا أحمد بن يونس، سمعت ابن المبارك
قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق، فقد كفر
بالله العظيم.
__________
= مقدوح فيها، ومطعون في سندها، ومما يقوي قولهم: أنا لا
نجد له ذكرا لدى أقرب الناس إلى الامام أحمد ممن عاصروه
وجالسوه، أو أتوا بعده مباشرة، وكتبوا في الموضوع نفسه،
كالامام البخاري، وابن قتيبة، وأبي سعيد الدارمي.
(1) لقد صدق هذ الامام رحمه الله، فإن في ما صح من حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء وأي غناء على الاحاديث
الضعيفة، ذات الضرر السيئ بالعقيدة والعبادة والسلوك، وقد
نبه غير واحد من الائمة على تجنب رواية الحديث، والاستشهاد
به ما لم تعلم صحته من طريق حافظ مشهور متثبت من حفاظ
الحديث.
(*)
(8/403)
قال علي بن الحسن بن شقيق: قمت لاخرج مع ابن المبارك في
ليلة باردة من المسجد، فذاكرني عند الباب بحديث، أو
ذاكرته، فما
زلنا نتذاكر، حتى جاء المؤذن للصبح.
وقال فضالة النسائي: كنت أجالسهم بالكوفة، فإذا تشاجروا في
حديث قالوا: مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله، يعنون ابن
المبارك.
قال وهب بن زمعة المروزي: حدث جرير بن عبدالحميد بحديث عن
ابن المبارك، فقالوا له: يا أبا عبدالحميد، تحدث عن عبد
الله، وقد لقيت منصور بن المعتمر ؟ فغضب، وقال: أنا مثل
عبد الله، أحمل علم أهل خراسان، وعلم أهل العراق، وأهل
الحجاز، وأهل اليمن، وأهل الشام.
قال أحمد بن أبي الحواري: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد
الله ابن المبارك ليسمع منه، فأبى أن يحدثه، فقال الشريف
لغلامه: قم، فإن أبا عبدالرحمن لا يرى أن يحدثنا، فلما قام
ليركب، جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، فقال: يا أبا
عبدالرحمن تفعل هذا ولا ترى أن تحدثني ! فقال: أذل لك
بدني، ولا أذل لك الحديث.
روى المسيب بن واضح: أنه سمع ابن المبارك، وسأله رجل عمن
يأخذ، فقال: قد يلقى الرجل ثقة، وهو يحدث عن غير ثقة، وقد
يلقى الرجل غير ثقة يحدث عن ثقة، ولكن ينبغي أن يكون: ثقة
عن ثقة.
عثمان بن سعيد الدارمي: سمعت نعيم بن حماد يقول: ما رأيت
(8/404)
ابن المبارك يقول قط: " حدثنا " كان يرى " أخبرنا " أوسع
(1)، وكان لا يرد على أحد حرفا إذا قرأ.
وقال نعيم: ما رأيت أعقل من ابن المبارك، ولا أكثر اجتهادا
في العبادة.
الحسن بن الربيع: قال ابن المبارك في حديث ثوبان، عن النبي
صلى الله عليه وسلم: " استقيموا لقريش ما استقاموا لكم "
(2): يفسره حديث أم سلمة: " لا تقتلوهم ما صلوا " (3).
واحتج ابن المبارك في مسألة الارجاء، وأن الايمان يتفاوت،
بما روى عن ابن شوذب، عن سلمة بن كهيل، عن هزيل بن شرحبيل،
قال: قال عمر: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الارض،
لرجح.
قلت: مراد عمر رضي الله عنه أهل أرض زمانه.
نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: السيف الذي وقع بين
الصحابة فتنة، ولا أقول لاحد منهم هو مفتون.
__________
(1) قال أبو عبد الله الحاكم في " معرفة علوم الحديث "
260: الذي أختاره في الرواية، وعهدت عليه أكثر مشايخي،
وأئمة عصري: أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس
معه أحد: " حدثني فلان "، وما يأخذه عن المحدث لفظا مع
غيره: " حدثنا فلان "، وما قرأ على المحدث بنفسه: " أخبرني
فلان "، وما قرئ على المحدث وهو حاضر: " أخبرنا فلان ".
وقال يحيى بن سعيد: " أخبرنا " و " أنبأنا " واحد.
(2) تقدم تخريج هذا الحديث في ص 215 تعليق رقم (1) فارجع
إليه.
(3) أخرجه مسلم (1854) في الامارة، والترمذي (2266)، وأبو
داود (4760)، وأحمد 6 / 295، 302، 305، 321، من حديث أم
سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنه يستعمل
عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر
فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم ؟ قال:
لا، ما صلوا ".
(*)
(8/405)
وعن ابن المبارك، وسئل: من السفلة ؟ قال: الذي يدور على
القضاة يطلب الشهادات.
وعنه قال: إن البصراء لا يأمنون من أربع: ذنب قد مضى لا
يدرى ما يصنع فيه الرب عزوجل، وعمر قد بقي لا يدري ما فيه
من الهلكة، وفضل قد أعطي العبد لعله مكر واستدراج، وضلالة
قد زينت، يراها هدى، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء دينه
ولا يشعر.
قال منصور بن دينار، صاحب ابن المبارك: إن عبد الله كان
يتصدق لمقامه ببغداد كل يوم بدينار.
وعن عبد الكريم السكري قال: كان عبد الله يعجبه إذا ختم
القرآن أن يكون دعاؤه في السجود.
قال إبراهيم بن نوح الموصلي: قدم الرشيد عين زربة (1)،
فأمر أبا سليم أن يأتيه بابن المبارك، قال: فقلت: لا آمن
أن يجيب ابن المبارك بما يكره فيقتله.
فقلت: يا أمير المؤمنين، هو رجل غليظ الطباع، جلف، فأمسك
الرشيد.
الفضل بن محمد الشعراني: حدثنا عبدة بن سليمان قال: سمعت
رجلا يسأل ابن المبارك عن الرجل يصوم يوما ويفطر يوما.
قال: هذا رجل يضيع نصف عمره، وهو لا يدري.
يعني لم لا يصومها.
قلت: أحسب ابن المبارك لم يذكر حينئذ حديث: " أفضل
__________
(1) بلد بالثغر من نواحي المصيصة.
(*)
(8/406)
الصوم صوم داود " (1) ولا حديث: النهي عن صوم الدهر (2).
قال أبو وهب المروزي: سألت ابن المبارك: ما الكبر ؟ قال:
أن، تزدري الناس.
فسألته عن العجب ؟ قال: أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك،
لا أعلم في المصلين شيئا شرا من العجب.
قال حاتم بن الجراح: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، سمعت ابن
المبارك، وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين،
وقد عالجتها بأنواع العلاج، وسألت الاطباء، فلم أنتفع به.
فقال له: اذهب، فاحفر بئرا في مكان حجة إلى الماء، فإني
أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل، فبرأ.
قال أحمد بن حنبل: كان ابن المبارك يحدث من الكتاب، فلم
يكن له سقط كثير، وكان وكيع يحدث من حفظه، فكان يكون له
سقط كم يكون حفظ الرجل.
وروى غير واحد أن ابن المبارك قيل له: إلى متى تكتب العلم
؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد.
قال عمرو الناقد: سمعت ابن عيينة يقول: ما قدم علينا أحد
يشبه ابن المبارك، ويحيى بن أبي زائدة.
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 13، 14، في التجهد: باب من نام عند
السحر، ومسلم (1159) (189) في الصيام: باب النهي عن صوم
الدهر، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحب الصيام إلى الله صيام
داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان
ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما
ويفطر يوما ".
(2) انظر صحيح البخاري 6 / 327 في الانبياء: باب قول الله
تعالى (وآتينا داود زبورا) ومسلم (1159) في الصيام: باب
النهي عن صوم الدهر.
(*)
(8/407)
وقال مخلد بن الحسين: جالست أيوب وابن عون، فلم أجد فيهم
من أفضله على ابن المبارك.
قال عبدان: قال ابن المبارك، وذكر التدليس، فقال فيه قولا
شديدا (1)، ثم أنشد: دلس للناس أحاديثه * والله لا يقبل
تدليسا عن ابن المبارك قال: من استخف بالعلماء، ذهبت
آخرته، ومن استخف بالامراء، ذهبت دنياه، ومن استخف
بالاخوان، ذهبت مروءته.
قد أسلفنا لعبد الله ما يدل على فروسيته.
وقال محمد بن المثنى: حدثنا عبد الله بن سنان قال: كنت مع
ابن المبارك، ومعتمر بن سليمان بطرسوس، فصاح الناس:
النفير، فخرج ابن المبارك والناس، فلما اصطف الجمعان، خرج
رومي، فطلب البراز، فخرج إليه رجل، فشد العلج عليه فقتله،
حتى قتل ستة من المسلمين، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب
المبارزة، ولا يخرج إليه أحد، فالتفت إلي ابن المبارك،
فقال: يا فلان، إن قتلت فافعل كذا وكذا، ثم حرك دابته،
وبرز للعلج، فعالج معه ساعة، فقتل العلج، وطلب المبارزة،
فبرز له علج آخر فقتله، حتى قتل ستة علوج، وطلب البراز،
فكأنهم كاعوا (2) عنه،
__________
(1) التدليس: أن يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمع منه
بصيغة لا تقتضي السماع، أو يصف الشيخ الذي روى عنه بأوصاف
لا تعرف، وهو مذموم على الاطلاق، حتى بالغ إمام الجرح
والتعديل شعبة بن الحجاج، فقال: لان أزني أحب إلي من أن
أدلس، وقال: التدليس أخو الكذب، والصحيح الذي رجحه أئمة
الحديث وجهابذته أن ما رواه الموصوف بالتدليس بلفظ محتمل
لم يصرح فيه بالسماع لا يقبل، وما صرح فيه بالسماع يقبل،
وهذا إذا كان المدلس ثقة في روايته.
(2) كاعوا عنه: جبنوا، والكاعي: المنهزم.
(*)
(8/408)
فضرب دابته، وطرد بين الصفين، ثم غاب، فلم نشعر بشئ، وإذا
أنا به في الموضع الذي كان، فقال لي: يا عبد الله لئن حدثت
بهذا أحدا، وأنا حي، فذكر كلمة.
قال أبو صالح الفراء: سألت ابن المبارك عن كتابة العلم،
فقال: لولا الكتاب ما حفظنا.
وسمعته يقول: الحبر في الثوب خلوق العلماء.
وقال: تواطؤ الجيران على شئ أحب إلى من شهادة عدلين.
وقيل: إن ابن المبارك مر براهب عند مقبرة ومزبلة، فقال: يا
راهب، عندك كنز الرجال، وكنز الاموال، وفيهما معتبر.
وقد تفقه ابن المبارك بأبي حنيفة، وهو معدود في تلامذته.
وكان عبد الله غنيا شاكرا، رأس ماله نحو الاربع مئة ألف.
قال حبان بن موسى: رأيت سفرة ابن المبارك حملت على عجلة.
وقال أبو إسحاق الطالقاني: رأيت بعيرين محملين دجاجا مشويا
لسفرة ابن المبارك.
وروى عبد الله بن عبد الوهاب، عن محمد بن عبدالرحمن بن
سهم، قال: كنت مع ابن المبارك، فكان يأكل كل يوم، فيشوى له
جدي، ويتخذ له فالوذق (1).
فقيل له في ذلك.
فقال: إن دفعت إلى وكيلي ألف دينار، وأمرته أن يرسع علينا.
قال الحسن بن حماد: دخل أبو أسامة على ابن المبارك، فوجد
في
__________
(1) الفالوذق، كالفالوذج نوع من الحلواء تسوى من لب
الحنطة، فارسي معرب.
(*)
(8/409)
وجهه عبد الله أثر الضر، فلما خرج، بعث إليه أربعة آلاف
درهم، وكتب إليه: وفتى خلا من ماله * ومن المروءة غير خال
أعطاك قبل سؤاله * وكفاك مكروه السؤال وقال المسيب بن
واضح: أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف
درهم، فقال: سد بها فتنة القوم عنك.
قال علي بن خشرم: قلت لعيسى بن يونس: كيف فضلكم ابن
المبارك، ولم يكن بأسن منكم ؟ قال: كان يقدم، ومعه الغلمة
الخراسانية، والبزة الحسنة، فيصل العلماء، ويعطيهم، وكنا
لا نقدر على هذا.
قال نعيم بن حماد: قدم ابن المبارك أيلة على يونس بن يزيد،
ومعه غلام مفرغ لعمل الفالوذج، يتخذه للمحدثين.
أخبرنا ابن أبي الخير في كتابه، عن عبدالرحيم بن محمد،
أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن
جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا نعيم بن حماد،
حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك، عن خالد الحذاء،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " البركة مع أكابركم " (1).
فقلت للوليد: أين سمعت من ابن المبارك ؟ قال: في الغزو.
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 171، من طريق نعيم
بن حماد، عن الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك..وأخرجه
ابن حبان (1912) من طريق عمرو بن عثمان، حدثنا الوليد بن
مسلم، حدثنا ابن المبارك..وهذا سند قوي، وأخرجه الحاكم 1 /
62 من طريق
أحمد بن سيار، حدثنا وارث بن عبيدالله، حدثنا ابن
المبارك...وصححه، ووافقه الذهبي.
(*)
(8/410)
عن ابن المبارك قال: ليكن مجلسك مع المساكين، واحذر أن
تجلس مع صاحب بدعة.
قال الحسن بن الربيع: لما احتضر ابن المبارك في السفر قال:
أشتهي سويقا، فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان، وكان
معنا في السفينة، فذكرنا ذلك لعبد الله، فقال: دعوه، فمات
ولم يشربه.
قال العلاء بن الاسود: ذكر جهم عند ابن المبارك، فقال:
عجبت لشيطان أتى الناس داعيا * إلى النار وانشق اسمه من
جهنم أخبرنا إسحاق الاسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا
عبدالرحيم بن محمد، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو
نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن يحيى
الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن ابن المبارك، عن معمر،
عن محمد بن حمزة، عن عبد الله بن سلام، قال: " كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة، ثم
قرأ (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن
نرزقك) (1).
هذا مرسل، قد انقطع فيه ما بين محمد وجد أبيه عبد الله.
وقد كان ابن المبارك رحمه الله شاعرا، محسنا، قوالا بالحق.
قال أحمد بن جميل المروزي: قيل لابن المبارك: إن إسماعيل
بن علية، قد ولي القضاء، فكتب إليه.
يا جاعل العلم له بازيا * يصطاد أموال المساكين
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 176، وقد تحرف فيه "
الضيق " إلى " الضيف ".
وانظر تفسير ابن كثير 3 / 171.
(*)
(8/411)
احتلت للدنيا ولذاتها * بحيلة تذهب بالدين فصرت مجنونا بها
بعدما * كنت دواء للمجانين أين رواياتك في سردها * عن ابن
عون وابن سيرين أين رواياتك فيما مضى * في ترك أبواب
السلاطين إن قلت أكرهت فماذا كذا * زل حمار العلم في الطين
وروى عبد الله بن محمد قاضي نصيبين، حدثنا محمد بن إبراهيم
بن أبي سكينة، قال: أملى علي ابن المبارك سنة سبع وسبعين
ومئة، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس: يا عابد
الحرمين لو أبصرتنا * لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان
يخضب جيده بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب
خيلة في باطل * فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم
ونحن عبيرنا * رهج السنابك والغبار الاطيب (1) ولقد أتانا
من مقال نبينا * قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي وغبار خيل
الله في * أنف امرئ ودخان نار تلهب (2) هذا كتاب الله ينطق
بيننا * ليس الشهيد بميت لا يكذب
__________
(1) الرهج والرهج: الغبار، والسنابك جمع سنبك طرف حافر
الخيل وجانباه من قدام.
(2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2 / 256 و 342 و 441.
والنسائي 6 / 12، 13، 14، والحاكم 2 / 72، والبيهقي 9 /
161، من حديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في
جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والايمان في قلب عبد أبدا "
وفي سنده ابن اللجلاج لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله
ثقات، وله طريق آخر عند أحمد 2 / 340، والنسائي 6 / 12،
13، والحاكم 2 / 72 من حديث الليث، عن محمد
ابن عجلان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وهذا سند حسن، وصححه ابن حبان (1597) و (1599).
(*)
(8/412)
فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه وبكى، ثم قال: صدق
أبو عبدالرحمن ونصح.
قال ابن سهم الانطاكي: سمعت ابن المبارك ينشد: فكيف قرت
لاهل العلم أعينهم أو استلذوا لذيد النوم أو هجعوا والنار
ضاحية لابد موردها وليس يدرون من ينجو ومن يقع وطارت الصحف
في الايدي منشرة فيها السرائر والجبار مطلع إما نعيم وعيش
لا انقضاء له أو الجحيم فلا نبقي لا تدع تهوي بساكنها طورا
وترفعه إذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا لينفع العلم قبل
الموت عالمه قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا وروى إسحاق
بن سنين لابن المبارك: إني امرؤ ليس في ديني لغامزه لين
ولست على الاسلام طعانا فلا أسب أبا بكر ولا عمرا
ولن أسب معاذ الله عثمانا ولا ابن عم رسول الله أشتمه حتى
ألبس تحت الترب أكفانا
(8/413)
ولا الزبير حواري الرسول ولا أهدي لطلحة شتما عز أوهانا
ولا أقول علي في السحاب إذا قد قلت والله ظلما ثم عدوانا
ولا أقول بقول الجهم إن له قولا يضارع أهل الشرك أحيانا
ولا أقول تخلى من خليقته رب العباد وولى الامر شيطانا ما
قال فرعون هذا في تمرده فرعون موسى ولا هامان طغيانا الله
يدفع بالسلطان معضلة عن ديننا رحمة منه ورضوانا لولا
الائمة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لاقوانا فيقال:
إن الرشيد أعجبه هذا، فلما أن بلغه موت ابن المبارك بهيت
(1) قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
يا فضل: إيذن للناس يعزونا في ابن المبارك.
وقال: أما هو القائل: الله يدفع بالسلطان معضلة.
فمن الذي يسمع هذا من ابن المبارك، ولا يعرف حقنا ؟ قال
الكديمي: حدثنا عبدة بن عبدالرحيم قال: كنت عند فضيل
__________
(1) مدينة على الفرات فوق الانبار من أعمال العراق، لكنها
في بر الشام، والانبار في بر بغداد، والفرات يفصل بينهما،
ودجلة تفصل بين الانبار وبغداد، وبها قبر هذا الامام.
(*)
(8/414)
ابن عياض وعنده ابن المبارك، فقال قائل: إن أهلك وعيالك قد
احتاجوا مجهودين محتاجين إلى هذا المال، فاتق الله، وخذ من
هؤلاء القوم، فزجره ابن المبارك، وأنشأ يقول: خذ من
الجاروش وال * آرز والخبز والشعير واجعلن ذاك حلالا * تنج
من حر السعير وانأ ما اسطعت هذا * ك الله عن دار الامير لا
تزرها واجتنبها * إنها شر مزور توهن الدين وتد * نيك من
الحوب الكبير قبل أن تسقط يا مغرور في حفرة بير وارض يا
ويحك من * دنياك بالقوت اليسير إنها دار بلاء * وزوال
وغرور ما ترى قد صرعت * قبلك أصحاب القصور كم ببطن الارض
من * ثاو شريف ووزير وصغير الشأن عبد * خامل الذكر حقير لو
تصفحت وجو * ه القوم في يوم نضير لم تميزهم ولم * تعرف
غنيا من فقير خمدوا فالقوم صرعى * تحت أشقاق الصخور
واستووا عند مليك * بمساويهم خبير احذر الصرعة يا * مسكين
من دهر عثور أين فرعون وها * مان ونمرود النسور أو ما
تخشاه أن * يرميك بالموت المبير أو ما تحذر من * يوم عبوس
قمطرير اقمطر الشر فيه * بعذاب الزمهرير
(8/415)
قال: فغشي على الفضيل، فرد ذلك ولم يأخذه.
ولابن المبارك: جربت نفسي فما وجدت لها * من بعد تقوى
الاله كالادب في كل حالاتها وإن كرهت * أفضل من صمتها عن
الكذب أو غيبة الناس إن غيبتهم * حرمها ذو الجلال في الكتب
قلت لها طائعا وأكرهها * الحلم والعلم زين ذي الحسب إن كان
من فضة كلامك يا * نفس فإن السكوت من ذهب قال أبو العباس
السراج: أنشدني يعقوب بن محمد لابن المبارك: أبإذن نزلت بي
يا مشيب * أي عيش وقد نزلت يطيب وكفى الشيب واعظا غير أني
* آمل العيش والممات قريب كم أنادي الشباب إذ بان مني *
وندائي موليا ما يجيب وبه: يا عائب الفقر ألا تزدجر * عيب
الغنى أكثر لو تعتبر من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى لو
صح منك النظر انك تعصي لتنال الغنى * وليس تعصي الله كي
تفتقر
قال حبان بن موسى: سمعت ابن المبارك ينشد: كيف القرار وكيف
يهدأ مسلم * والمسلمات مع العدو المعتدي الضاربات خدودهن
برنة * الداعيات نبيهن محمد القائلات إذا خشين فضيحة * جهد
المقالة ليتنا لم نولد ما تستطيع ومالها من حيلة * إلا
التستر من أخيها باليد
(8/416)
قال أبو إسحاق الطالقاني: كنا عند ابن المبارك، فانهد
القهندز (1) فأتى بسنين، فوجد وزن أحدهما منوان (2)، فقال
عبد الله: أتيت بسنين قد رمتا * من الحصن لما أثاروا
الدفينا على وزن منوين إحداهما * تقل به الكف شيئا رزينا
ثلاثون سنان على قدرها * تباركت يا أحسن الخالقينا فماذا
يقوم لافواهها * وما كان يملا تلك البطونا إذا ما تذكرت
أجسامهم * تصاغرت النفس حتى تهونا وكل على ذاك ذاق الردى *
فبادوا جميعا فهم هامدونا وجاء من طرق عن ابن المبارك،
ويقال: بل هي لحميد النحوي: اغتنم ركعتين زلفى إلى الله *
إذا كنت فارغا مستريحا وإذا ما هممت بالنطق بالباطل *
فاجعل مكانه تسبيحا فاغتنام السكوت أفضل من * خوض وإن كنت
بالكلام فصيحا وسمع بعضهم ابن المبارك وهو ينشد على سور
طرسوس: ومن البلاء وللبلاء علامة * أن لا يرى لك عن هواك
نزوع العبد عبد النفس في شهواتها * والحر يشبع مرة ويجوع
قال أبو أمية الاسود: سمعت ابن المبارك يقول: أحب
الصالحين،
ولست منهم، وأبغض الصالحين، وأنا شر منهم، ثم أنشأ يقول:
__________
(1) ضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه، وسكون النون، وفتح
الدال، وزاي، وقال: هو في الاصل: اسم الحصن أو القلعة في
وسط المدينة، وهي لغة كأنها لاهل خراسان وما وراء النهر
خاصة.
أما السمعاني فقد ضبطه بضم القاف والهاء وسكون النون وضم
الدال المهملة، وقال: هو من بلاد شتى، وهو المدينة الداخلة
المسورة.
(2) المن: معيار قديم كان يكال به أو يوزن، ومقداره 810
غرامات تقريبا.
(*)
(8/417)
الصمت أزين بالفتى * من منطق في غير حينه والصدق أجمل
بالفتى * في القول عندي من يمينه وعلى الفتى بوقاره * سمة
تلوح على جبينه فمن الذي يخفى علي * ك إذا نظرت إلى قرينه
رب امرئ متيقن * غلب الشقاء على يقينه فأزاله عن رأيه *
فابتاع دنياه بدينه قال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثني
أبي قال: لما احتضر ابن المبارك، جعل رجل يلقنه، قل: لا
إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال له: لست تحسن، وأخاف أن
تؤذي مسلما بعدي.
إذا لقنتني، فقلت: لا إله إلا الله، ثم لم أحدث كلاما
بعدها، فدعني، فإذا أحدثت كلاما، فلقني حتى تكون آخر
كلامي.
يقال: إن الرشيد لما بلغه موت عبد الله قال: مات اليوم سيد
العلماء.
قال عبدان بن عثمان: مات ابن المبارك بهيت وعانات (1) في
شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة.
قال حسن بن الربيع: قال لي ابن المبارك قبل أن يموت: أنا
ابن ثلاث وستين سنة.
قال أحمد بن حنبل: ذهبت لاسمع من ابن المبارك، فلم أدركه،
وكان قد قدم بغداد فخرج إلى الثغر، ولم أره.
__________
(1) قال ياقوت: بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال
الجزيرة، وهو مشرف على الفرات قرب حديثة النورة وبها قلعة
حصينة.
(*).
(8/418)
قال محمد بن الفضيل بن عياض: رأيت ابن المبارك في النوم،
فقلت: أي العمل أفضل ؟ قال: الامر الذي كنت فيه.
قلت: الرباط والجهاد ؟ قال: نعم.
قلت: فما صنع بك ربك ؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة.
رواها رجلان عن محمد.
وقال العباس بن محمد النسفي: سمعت أبا حاتم الفربري يقول:
رأيت ابن المبارك واقفا على باب الجنة بيده مفتاح، فقلت:
ما يوقفك ههنا ؟ قال: هذا مفتاح الجنة، دفعة إلي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في
السماء، كما كنت أميني في الارض.
وقال إسماعيل بن إبراهيم المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في
النوم، فسألته، فقال: غفر لي.
قلت: فابن المبارك، قال: بخ بخ ذاك في عليين ممن يلج على
الله كل يوم مرتين.
وعن نوفل، قال: رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: ما فعل
الله بك ؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث.
عليك بالقرآن، عليك بالقرآن.
قال علي بن أحمد السواق: حدثنا زكريا بن عدي قال: رأيت ابن
المبارك في النوم، فقلت: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي
برحلتي.
قال النسائي: أثبت الناس في الاوزاعي عبد الله بن المبارك.
قال الفسوي في " تاريخه ": سمعت الحسن بن الربيع يقول:
شهدت موت ابن المبارك، مات لعشر مضى من رمضان سنة إحدى
وثمانين ومئة.
ومات سحرا، ودفناه بهيت.
ولبعض الفضلاء: مررت بقبر ابن المبارك غدوة * فأوسعني وعظا
وليس بناطق
(8/419)
وقد كنت بالعلم الذي في جوانحي * غنيا وبالشيب الذي في
مفارقي ولكن أرى الذكرى تنبه عاقلا * إذا هي جاءت من رجال
الحقائق قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الطائي،
أخبركم القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن مميل الشافعي،
سنة ثلاثين وست مئة بمنزلة، أخبرنا عبدالرحمن بن علي
الخرقي، أخبرنا نصر بن أحمد السوسي، أخبرنا سهل بن بشر،
أخبرنا علي بن منير الخلال، حدثني خالي أحمد بن عتيق
الخشاب، حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الاصبغ، حدثنا هاشم بن
مرثد، سمعت أبا صالح الفراء، سمعت ابن المبارك يقول: المرء
مثل هلال عند رؤيته * يبدو ضئيلا تراه ثم يتسق حتى إذا ما
تراه ثم أعقبه * كر الجديدين نقصا ثم يمحق من تاريخ أبي
عمر أحمد بن سعيد الصدفي: محمد بن وضاح، عن يحيى بن يحيى
الليثي قال: كنا عند مالك، فاستؤذن لعبد الله بن المبارك
بالدخول، فأذن له، فرأينا مالكا تزحزح له في مجلسه، ثم
أقعده بلصقة، وما رأيت مالكا تزحزح لاحد في مجلسه غيره،
فكان القارئ يقرأ على مالك، فربما مر بشئ فسأله مالك: ما
مذهبكم في
هذا ؟ أو ما عندكم في هذا ؟ فرأيت ابن المبارك يجاوبه، ثم
قام فخرج فأعجب مالك بأدبه، ثم قال لنا مالك: هذا ابن
المبارك فقيه خراسان.
وعن المسيب بن واضح قال: أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن
عياش بأربعين ألف درهم، وقال: سد بهذه فتنة القوم عنك.
وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال:
إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا.
(8/420)
قال أحمد: كان ابن المبارك يحدث من كتاب، ومن حدث من كتاب
لا يكاد أن يكون له سقط كثير.
وكان وكيع يحدث من حفظه، فكان يكون له سقط، كم يكون حفظ
الرجل ؟
113 - ضيغم * ابن مالك،
الزاهد القدوة الرباني، أبو بكر الراسبي البصري.
أخذ عن التابعين.
روى عنه: ابن مالك، وسيار بن حاتم، وأبو أيوب مولى ضيغم.
قال عبدالرحمن بن مهدي: ما رأيت مثل ضيغم في الصلاح
والفضل.
قال ابن الاعرابي: كان ورده في اليوم والليلة أربع مئة
ركعة، وصلى حتى انحنى، وكان من الخائفين البكائين.
وقال علي ابن المديني: دفن ضيغم كتبه.
وكان ينام ثلث الليل، ويتعبد ثلثيه.
توفي ضيغم سنة ثمانين ومئة، هو وصاحبه بسر بن منصور العابد
في يوم.
وعنه، قال: قووا على الاجتهاد بما يدخل قلوبهم من حلاوة
العبادة.
114 - الفضيل بن عياض *
* (خ، م، د، س، ت) ابن مسعود بن بشر، الامام القدوة الثبت،
شيخ الاسلام، أبو علي * (هامش * * الجرح والتعديل 4 / 470.
* * التاريخ الكبير: 7 / 123، التاريخ الصغير: 2 / 241،
المعارف: 511، = (*)
(8/421)
التميمي اليربوعي الخراساني، المجاور بحرم الله.
ولد بسمرقند، ونشأ بأبيورد، وارتحل في طلب العلم.
فكتب بالكوفة عن منصور والاعمش، وبيان بن بشر، وحصين بن
عبد الرحمن، وليث، وعطاء بن السائب، وصفوان بن سليم، وعبد
العزيز بن رفيع، وأبي إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد
الانصاري، وهشام بن حسان، وابن أبي ليلى، ومجالد، وأشعث بن
سوار، وجعفر الصادق، وحميد الطويل، وخلق سواهم من الكوفيين
والحجازيين.
حدث عنه: ابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي،
وابن عيينة، والاصعمي، وعبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي
ابن هلال، شيخ واسطي، وحسين الجعفي، وأسد السنة (1)،
والشافعي، وأحمد بن يونس، ويحيى بن يحيى التميمي، وابن
وهب، ومسدد، وقتيبة، وبشر الحافي، والسري بن مغلس السقطي،
وأحمد بن المقدام، وعبيدالله القواريري، ومحمد بن زنبور
المكي، ولوين، ومحمد بن يحيى العدني، والحميدي، وعبد الصمد
بن يزيد مردويه، وعبدة بن عبدالرحيم المروزي، ومحمد بن أبي
السري العسقلاني، ومحمد بن قدامة
__________
= المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 179، الجرح والتعديل: 7 /
73، طبقات الصوفية للسلمي:
6 / 14، حلية الاولياء: 8 / 84، تاريخ ابن عساكر: 14 / 129
/ أس، صفوة الصفوة: 2 / 134، التوابون: للمقدسي: 27، وفيات
الاعيان: 4 / 47 - 50، تهذيب الكمال: 1104، تذهيب التهذيب:
3 / 141 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 245، العبر: 1 / 298،
ميزان الاعتدال: 3 / 361، روض الرياحين لليافعي: 41، تهذيب
التهذيب: 8 / 294، النجوم الزاهرة: 2 / 121، 143، البصائر
والذخائر: 4 / 188، خلاصة تذهيب الكمال: 310، الجواهر
المضية: 1 / 409، شذرات الذهب: 1 / 361.
(1) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك بن
داود الاموي الملقب بأسد السنة، قال الحافظ في " التقريب
": صدوق يغرب.
(*)
(8/422)
المصيصي، ويحيى بن أيوب المقابري، وخلق كثير، آخرهم موتا
الحسين ابن داود البخلي.
وروى عنه سفيان الثوري أجل شيوخه، وبينهما في الموت مئة،
وأربعون عاما.
وروى عنه سفيان الثوري أجل شيوخه، وبينهما في الموت مئة،
وأربعون عاما.
قال أبو عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، قال: كان
الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان
سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها،
إذا سمع تاليا يتلو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع
قلوبهم..) [ الحديد: 16 ] فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد
آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال
بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى [ نصبح ] (1) فإن فضيلا على
الطريق يقطع علينا.
قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من
المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا
لارتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت
الحرام.
وقال إبراهيم بن محمد الشافعي: سمعت سفيان بن عيينة يقول:
فضيل ثقة.
وقال أبو عبيد: قال ابن مهدي: فضيل رجل صالح، ولم يكن
بحافظ.
__________
(1) سقطت من الاصل.
(*)
(8/423)
وقال العجلي: كوفي ثقة متعبد، رجل صالح سكن مكة.
وقال محمد بن عبد الله (1) بن عمار: ليت فضيلا كان يحدثك
بما يعرف، قيل لابن عمار: ترى حديثه حجة ؟ قال: سبحان
الله.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال النسائي: ثقة مأمون، رجل صالح.
وقال الدارقطني: ثقة.
قال محمد بن سعد: ولد بخراسان بكورة أبيورد، وقدم الكوفة،
وهو كبير، فسمع من منصور وغيره، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة،
ونزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومئة.
في خلافة هارون، وكان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ورعا، كثير
الحديث.
وقال أبو وهب محمد بن مزاحم: سمعت ابن المبارك يقول: رأيت
أعبد الناس عبد العزيز بن أبي رواد، وأورع الناس الفضيل بن
عياض، وأعلم الناس سفيان الثوري، وأفقه الناس أبا حنيفة،
ما رأيت في الفقه
مثله.
وروى إبراهيم بن شماس، عن ابن المبارك، قال: ما بقي على
ظهر الارض عندي أفضل من الفضيل بن عياض.
قال نصر بن المغيرة البخاري: سمعت إبراهيم بن شماس يقول:
رأيت أفقه الناس، وأورع الناس، وأحفظ الناس وكيعا والفضيل
وابن المبارك.
__________
(1) في الاصل: محمد بن عمار بن عمار، وهو خطأ، والصواب ما
أثبتناه عن " التهذيب ".
(*)
(8/424)
وقال عبيدالله القواريري: أفضل من رأيت من المشايخ: بشر بن
منصور، وفضيل بن عياض، وعون بن معمر، وحمزة بن نجيح.
قلت: عون وحمزة لا يكادان يعرفان، وكانا عابدين.
قال النضر بن شميل: سمعت الرشيد يقول: ما رأيت في العلماء
أهيب من مالك، ولا أورع من الفضيل.
وروى أحمد بن أبي الحواري، عن الهيثم بن جميل، سمعت شريكا
يقول: لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم، وإن فضيل بن عياض
حجة لاهل زمانه، فقام فتى من مجلس الهيثم، فلما توارى، قال
الهيثم: إن عاش هذا الفتى يكون حجة لاهل زمانه.
قيل: من كان الفتى ؟ قال: أحمد ابن حنبل.
قال عبد الصمد مردويه الصائغ: قال لي ابن المبارك: إن
الفضيل بن عياض صدق الله، فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل
ممن نفعه علمه.
وقال أبو بكر عبدالرحمن بن عفان: سمعت ابن المبارك يقول
لابي مريم القاضي: ما بقي في الحجاز أحد من الابدال إلا
فضيل بن عياض، وابنه علي، وعلي مقدم في الخوف، وما بقي أحد
في بلاد الشام إلا يوسف ابن أسباط، وأبو معاوية الاسود،
وما بقي أحد بخراسان إلا شيخ حائك، يقال له: معدان.
قال أبو بكر المقاريضي المذكر: سمعت بشر بن الحارث يقول:
عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال، لا يدخلون بطونهم إلا حلالا
ولو استفوا التراب والرماد.
قلت: من هم يا أبا نصر ؟ قال: سفيان، وإبراهيم بن
(8/425)
أدهم، والفضيل بن عياض، وابنه، وسليمان الخواص، ويوسف بن
أسباط، وأبو معاوية نجيح الخادم، وحذيفة المرعشي، وداود
الطائي، ووهيب بن الورد.
وقال إبراهيم بن الاشعث: ما رأيت أحدا كان الله في صدره
أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده، أو سمع
القرآن، ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى حتى
يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت
رجلا يريد الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله،
وبغضه وحبه، وخصاله كلها، غيره.
كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي كأنه
مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس
مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من
الآخرة يخبر عنها.
وقال عبد الصمد بن يزيد مروديه: سمعت الفضيل يقول: لم
يتزين الناس بشي ء أفضل من الصدق، وطلب الحلال.
فقال ابنه علي: يا أبة إن
الحلال عزيز.
قال: يا بني، وإن قليله عند الله كثير.
قال سري بن المغلس: سمعت الفضيل يقول: من خاف الله لم يضره
أحد، ومن خاف غير الله، لم ينفعه أحد.
وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل بن عياض، وسأله عبد الله
ابن مالك: يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه ؟ قال:
أخبرني، من أطاع الله هل تضره معصية أحد ؟ قال: لا.
قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد ؟ قال: لا.
قال: هو الخلاص إن أردت الخلاص.
قال إبراهيم بن الاشعث: سمعت الفضيل يقول: رهبة العبد من
الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر رغبته
في الآخرة، من عمل
(8/426)
بما علم استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم وفقه الله
لما لا يعلم، ومن ساء خلقه شان دينه وحسبه ومروءته.
وسمعته يقول: أكذب الناس العائذ في ذنبه، وأجهل الناس
المدل بحسناته، وأعلم الناس بالله أخوفهم منه، لن يكمل عبد
حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على
دينه.
وقال محمد بن عبدويه: سمعت الفضيل يقول: ترك العمل من أجل
الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والاخلاص أن يعافيك
الله عنهما.
قال سلم بن عبد الله الخراساني: سمعت الفضيل يقول: إنما
أمس مثل، واليوم عمل، وغدا أمل.
وقال فيض بن إسحاق: قال الفضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي
كلبا ولا خنزيرا بغير حق، فكيف تؤذي مسلما.
وعن فضيل: لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه.
وعنه: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما
يعظم عندك يصغر عند الله.
قال محرز بن عون: أتيت الفضيل بمكة، فقال لي: يا محرز،
وأنت أيضا مع أصحاب الحديث، ما فعل القرآن ؟ والله لو نزل
حرف باليمن، لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه، والله لان
تكون راعي الحمر وأنت مقيم على ما يحب الله، خير لك من
الطواف وأنت مقيم على ما يكره الله.
المفضل الجندي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري، قال: ما
رأيت أحدا أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل.
كانت قراءته
(8/427)
حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنه يخاطب إنسانا، وكان إذا
مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها، وسأل، وكانت صلاته
بالليل أكثر ذلك قاعدا، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي من
أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينه، فيلقي نفسه على الحصير،
فينام قليلا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم هكذا
حتى يصبح.
وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان
هكذا.
وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا
حدث، وكان يثقل عليه الحديث جدا، وربما قال لي: لو أنك
طلبت مني الدنانير كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث.
فقلت: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحب إلي من
أن تهب لي عددها دنانير.
قال: إنك مفتون، أما والله لو عملت بما سمعت، لكان لك في
ذلك شغل عما لم تسمع، سمع سليمان بن مهران يقول: إذا كان
بين يديك طعام
تأكله، فتأخذ اللقمة، فترمي بها خلف ظهرك متى تشبع ؟
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا
الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن
زكريا الغلابي، حدثنا أبو عمر الجرمي النحوي، حدثنا الفضل
بن الربيع، قال: حج أمير المؤمنين يعني هارون فقال لي:
ويحك، قد حك في نفسي شئ، فانظر لي رجلا أسأله.
فقلت: هاهنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه،
فقرعت بابه، فقال: من ذا ؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج
مسرعا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي أتيتك.
فقال: خذ لما جئتك له، فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دين.
قال: نعم.
فقال لي: اقض دينه، فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك
شيئا.
قلت: هاهنا عبد الرزاق.
قال: امض بنا إليه،
(8/428)
فأتيناه، فقرعت الباب فخرج، وحادثه ساعة، ثم قال: عليك دين
؟ قال: نعم.
قال: أبا عباس، اقض دينه.
فلما [ خرجنا ] (1) قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي
رجلا أسأله، قلت: هاهنا الفضيل ابن عياض، قال: امض بنا
إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية يرددها، فقال:
اقرع الباب، فقرعت، فقال: من هذا ؟ قلت: أجب أمير
المؤمنين.
قال: مالي ولامير المؤمنين ؟ قلت: سبحان الله، أما عليك
طاعة، فنزل، ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ
السراج ثم التجأ إلى زاوية، فدخلنا، فجعلنا نجول عليه
بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما
ألينها إن نجت غدا من عذاب الله، فقلت في نفسي: ليكلمنه
الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال
له: خذ لما جئناك له، رحمك الله، فقال: إن عمر بن عبد
العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن
كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء،
فأشيروا علي.
فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة.
فقال له سالم: إن أردت النجاة، فصم الدنيا وليكن إفطارك
منها الموت.
وقال له ابن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير
المسلمين عندك أبا، وأوسطهم أخا، وأصغرهم ولدا، فوقر أباك،
وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.
وقال له رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله، فأحب للمسلمين
ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت،
وإني أقول لك هذا، وإني أخاف عليك أشد الخوف يوما (2) تزل
فيه الاقدام، فهل معك رحمك الله من
__________
(1) سقطت من الاصل، واستدركت من " الحلية " 8 / 106.
(2) في الاصل: " يوم " وما أثبتناه من " الحلية ".
(*)
(8/429)
يشير عليك بمثل هذا.
فبكى بكاء شديدا حتى غشي عليه.
فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع
تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا ؟ ثم أفاق، فقال له: زدني
رحمك الله.
قلت: بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، فكتب
إليه: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود
الابد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد
وانقطاع الرجاء، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه،
فقال: ما أقدمك ؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى
ولاية حتى ألقى الله.
فبكى هارون بكاء شديدا فقال: يا أمير المؤمنين إن العباس
عم النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه فقال: أمرني، فقال
له: " إن الامارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن
لا تكون أميرا
فافعل " (1).
فبكى هارون، وقال: زدني.
قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم
القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل،
وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لاحد من رعيتك، فإن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة
الجنة " (2).
فبكى هارون وقال له:
__________
(1) ذكر الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الاحياء: 2 / 350
حديث العباس بلفظ: " يا عباس، يا عم النبي، نقس تنجيها خير
من إمارة لا تحصيها " وقال: أخرجه ابن أبي الدنيا معضلا
بغير إسناد، ورواه البيهقي من حديث جابر متصلا، ومن رواية
ابن المنكدر مرسلا، وقال: هذا هو المحفوظ مرسلا، والمحفوظ
أيضا حديث أبي ذر قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال: "
إن ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من
أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ".
أخرجه مسلم في صحيحه (1825)، وحديث عبدالرحمن بن سمرة: "
لا تسأل الامارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن
أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها "، أخرجه البخاري: 13 /
110، ومسلم (1625) وحديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " إنكم ستحرصون على الامارة وستكون ندامة
يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة " أخرجه البخاري:
13 / 111، والنسائي في البيعة: باب ما يكره من الحرص على
الامارة، والقضاء: باب النهي عن مسألة الامارة، وأحمد: 2 /
476.
(2) أخرجه البخاري: 13 / 112، 113، في الاحكام: باب: من
استرعي رعية فلم ينصح، ومسلم (142) في الايمان: باب:
استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، من حديث = (*)
(8/430)
عليك دين ؟ قال: نعم، دين لربي، لم يحاسبني عليه.
فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن
لم ألهم حجتي.
قال: إنما أعني من دين العباد.
قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أصدق وعده، وأطيع
أمره، فقال عزوجل: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) [
الذاريات:
56.
] الآيات.
فقال: هذه ألف دينار خذها، فأنفقها على عيالك، وتقو بها
على عبادة ربك.
فقال: سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني
بمثل هذا.
سلمك الله، ووفقك.
ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا، فقال هارون: أبا عباس، إذا
دللتني، فدلني على متل هذا، هذا سيد المسلمين.
فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: قد ترى ما نحن فيه من
الضيق، فلو قبلت هذا المال.
قال: إنما مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه،
فلما كبر، نحروه، فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام
قال: ندخل فعسى أن يقبل المال، فلما علم الفضيل، خرج فجلس
في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون، فجلس إلى جنبه، فجعل
يكلمه فلا يجيبه.
فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: يا هذا، قد
آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف فانصرفنا.
حكاية عجيبة، والغلابي غير ثقة، وقد رواها غيره.
أخبرتنا عائشة بنت عيسى، أخبرنا ابن راجح، أخبرنا السلفي،
أخبرنا العلاف، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا جعفر بن
محمد بن الحجاج بالموصل، حدثنا محمد بن سعدان الحراني،
حدثنا أبو عمر النحوي، هو
__________
= مغفل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " ما من أحد يسترعيه الله عزوجل رعية يموت يوم يموت
وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وفي رواية: "
فلم يحطها بنصح لم يرح الرائحة الجنة ".
(*)
(8/431)
الجرمي، عن الفضل بن الربيع، بها.
قال محمد بن علي بن شقيق: حدثنا أبو إسحاق قال: قال
الفضيل: لو
خيرت بين أن أعيش كلبا وأموت كلبا، ولا أرى يوم القيامة،
لاخترت ذلك.
وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل يقول: والله لان أكون
ترابا أحب إلي من أن أكون في مسلاخ أفضل أهل الارض، وما
يسرني أن أعرف الامر حق معرفته، إذا لطاش عقلي.
وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري: سمعت الفضيل يقول: لو قلت:
إنك تخاف الموت ما قبلت منك، لو خفت الموت ما نفعك طعام
ولا شراب، ولا شئ.
ما يسرني أن أعرف الامر حق معرفته إذا لطاش عقلي، ولم
أنتفع بشئ.
عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل يقول: لا تجعل الرجال
أوصياءك، كيف تلومهم أن يضعيوا وصيتك، وأنت قد ضيعتها في
حياتك.
وسمعته يقول: إذا أحب الله عبدا، أكثر غمه، وإذا أبغض
عبدا، وسع عليه دنياه.
وقال إبراهيم بن الاشعث: سمعت الفضيل يقول: من أحب أن يذكر
لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر.
وسمعته يقول: وعزته، لو أدخلني النار ما أيست.
وسمعته وقد أفضنا من عرفات يقول: واسوأتاه والله منك - وإن
عفوت.
وسمعته يقول: الخوف أفضل من الرجاء مادام الرجل صحيحا،
فإذا نزل به الموت، فالرجاء أفضل.
(8/432)
قلت: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن أحدكم إلا
وهو يحسن الظن بالله " (1).
روى أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن علي بن الحسن قال: بلغ
الفضيل
أن حريزا يريد أن يأتيه، فأقفل الباب من خارج، فجاء فرأى
الباب مقفلا، فرجع، فأتيته، فقلت له: حريز.
قال: ما يصنع بي، يظهر لي محاسن كلامه، وأظهر له محاسن
كلامي، فلا يتزين لي، ولا أتزين له، خير له.
ثم قال علي: ما رأيت أنصح للمسلمين، ولا أخوف منه، ولقد
رأيته في المنام قائما على صندوق يعطي المصاحف، والناس
حوله، فيهم: سفيان بن عيينة، وهارون أمير المؤمنين، فما
رأيته يودع أحدا، فيقدر أن يتم وداعه.
قال فيض بن وثيق (2): سمعت الفضيل يقول: إن استطعت أن لا
تكون محدثا ولا قارئا، ولا متكلما.
إن كنت بليغا، قالوا: ما أبلغه، وأحسن حديثه، وأحسن صوته،
فيعجبك ذلك، فتنتفخ، وإن لم تكن بليغا، ولا حسن الصوت،
قالوا: ليس يحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك ذلك، وشق
عليك، فتكون مرائيا، وإذا جلست، فتكلمت، فلم تبال من ذمك
ومن مدحك، فتكلم.
وقال محمد بن زنبور: قال الفضيل: لا يسلم لك قلبك حتى لا
تبالي من أكل الدنيا.
__________
(1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2877) في الجنة وصفة نعيمها
وأهلها، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: " لا
يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عزوجل ".
(2) كذا الاصل: " فيض بن وثيق " وهو مترجم في " الجرح
والتعديل " ولكنه لم يذكر في شيوخه الفضيل، وربما يكون
محرفا عن فيض بن إسحاق وهو خادم الفضيل، وقد روى عنه أكثر
من خبر تقدمت في هذه الترجمة وسيأتي بعضها.
وانظر " الجرح والتعديل " 7 / 88.
(*)
(8/433)
وقيل له: ما الزهد ؟ قال: القنوع، قيل: ما الورع ؟ قال:
اجتناب
المحارم.
قيل: ما العبادة ؟ قال: أداء الفرائض.
قيل: ما التواضع ؟ قال: أن تخضع للحق.
وقال: أشد الورع في اللسان.
قلت: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعا في مأكله وملبسه
ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن
يتحرى الصدق، فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق، فينمق حديثه
ليمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم، وإما
أن يسكت في موضع الكلام، ليثنى عليه.
ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من الجماعة.
قال عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل يقول: لو أن لي دعوة
مستجابة ما جعلتها إلا في إمام، فصلاح الامام صلاح البلاد
والعباد.
وسمعته يقول: إنما هما عالمان: فعالم الدنيا علمه منشور،
وعالم الآخرة علمه مستور.
احذروا عالم الدنيا، لا يضركم بسكره، العلماء كثير،
والحكماء قليل.
وعنه: لا يبلغ العبد حقيقة الايمان حتى يعد البلاء نعمة،
والرخاء مصيبة، وحتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله.
قال الحسين بن زياد المروزي: سمعت فضيلا يقول: لو حلفت أني
مراء كان أحب إلي من أن أحلف أني لست بمراء، ولو رأيت رجلا
اجتمع الناس حوله لقلت: هذا مجنون، من الذي اجتمع الناس
حوله، لا يحب أن يجود كلامه لهم ؟ فيض بن إسحاق: سمعت
فضيلا يقول: ليست الدنيا دار إقامة، وإنما آدم [ أهبط ]
إليها عقوبة، ألا ترى كيف يزويها عنه، ويمررها عليه
بالجوع،
(8/434)
بالعري، بالحاجة، كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها، تسقيه
مرة حضضا (1)
ومرة صبرا، وإنما تريد بذلك ما هو خير له.
وعن الفضيل: حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الايمان حتى
تزهدوا في الدنيا.
وعنه: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم
أنك محروم، كبلتك خطيئتك.
وعن فضيل، ورأى قوما من أصحاب الحديث يمرحون ويضحكون،
فناداهم: مهلا يا ورثة الانبياء، مهلا ثلاثا، إنكم أئمة
يقتدى بكم.
قال ابن عيينة: سمعت الفضيل بن عياض يقول: يغفر للجاهل
سبعون ذنبا مالا يغفر للعالم ذنب واحد (2).
قال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو جعفر الحذاء، سمعت الفضيل
يقول: أخذت بيد سفيان بن عيينة في هذا الوادي، فقلت: إن
كنت تظن أنه بقي على وجه الارض شر مني ومنك، فبئس ما تظن.
قال عبد الصمد مردويه: سمعت الفضيل يقول: من أحب صاحب
بدعة، أحبط الله عمله، وأخرج نور الاسلام من قلبه، لا
يرتفع لصاحب بدعة إلى الله عمل، نظر المؤمن إلى المؤمن
يجلو القلب، ونظر الرجل إلى صاحب بدعة يورث العمى، من جلس
مع صاحب بدعة.
لم يعط الحكمة.
قال أبو العباس السراج: حدثني أبو النضر إسماعيل بن عبد
الله، حدثنا يحيى بن يوسف الزمي، عن فضيل بن عياض قال: لما
دخل علي هارون أمير
__________
(1) الحضض: عصارة شجر معروف مر المذاق يتداوى به، ويشبه
الصبر.
(2) في الاصل " ذنبا واحدا " والتصويب من " حلية الاولياء
" 8 / 100.
(*)
(8/435)
المؤمنين قلت: يا حسن الوجه، لقد كلفت أمرا عظيما، أما إني
ما رأيت أحدا
أحسن وجها منك، فإن قدرت أن لا تسود هذا الوجه بلفحة من
النار، فافعل.
قال: عظني.
قلت: بماذا أعظك ؟ هذا كتاب الله بين الدفتين، انظر ماذا
عمل بمن أطاعه، وماذا عمل بمن عصاه، إني رأيت الناس يغوصون
على النار غوصا شديدا، ويطلبونها طلبا حثيثا، أما والله لو
طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر، لنالوها، وقال: عد إلي، فقال:
لو لم تبعث إلي لم آتك، وإن انتفعت بما سمعت، عدت إليك.
قال إبراهيم بن الاشعث: سمعت الفضيل يقول في مرضه: ارحمني
بحبي إياك فليس شئ أحب إلي منك.
وسمعته يقول وهو يشتكي: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
وسمعته يقول: من استوحش من الوحدة، واستأنس بالناس، لم
يسلم من الرياء، لا حج ولا جهاد أشد من حبس اللسان، وليس
أحد أشد غما ممن سجن لسانه.
قال الحسين بن زياد: سمعت الفضيل كثيرا يقول: احفظ لسانك،
وأقبل على شأنك، واعرف زمانك، وأخف مكانك.
وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثنا الفيض بن إسحاق، سمعت
الفضيل يقول: وددت أنه طار في الناس أني مت حتى لا أذكر.
إني لاسمع صوت أصحاب الحديث، فيأخذني البول فرقا منهم.
وقال الدورقي: حدثنا الحسين بن زياد، سمعت فضيلا يقول
لاصحاب الحديث: لم تكرهوني على أمر تعلمون أني كاره له
يعني الرواية ؟ لو كنت عبدا لكم، فكرهتكم كان نولي أن
تبيعوني، لو أعلم أني إذا دفعت ردائي هذا
(8/436)
إليكم ذهبتم عني، لفعلت.
الدورقي: وسمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: سمعت الفضيل يخاطب
نفسه: ما أراه أخرجك من الحل فدسك في الحرم إلا ليضعف عليك
الذنب، أما تستحي تذكر الدينار والدرهم، وأنت حول البيت،
إنما كان يأتيه التائب والمستجير.
وعن الفضيل قال: المؤمن يغبط ولا يحسد، الغبطة من الايمان،
والحسد من النفاق.
قلت: هذا يفسر لك قوله عليه الصلاة والتسليم: " لا حسد إلا
في اثنتين: رجل آتاه الله ما لا ينفقه في الحق، ورجل آتاه
الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار " (1).
فالحسد هنا معناه: الغبطة، أن تحسد أخاك على ما آتاه الله،
لا أنك تحسده، بمعنى أنك تود زوال ذلك عنه، فهذا بغي وخبث.
وعن الفضيل قال: من أخلاق الانبياء الحلم والاناة وقيام
الليل.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر،
أخبرنا الحسن بن عبد الله العسكري، حدثنا ابن أخي أبي
زرعة، حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، حدثنا أبو عمار، عن
الفضل بن موسى قال: كان الفضيل شاطرا (2) يقطع الطريق،
فذكر الحكاية، وقد مضت.
__________
(1) أخرجه البخاري: 9 / 65، ومسلم (815) من حديث ابن عمر،
وأخرجه البخاري: 1 / 152، 153، ومسلم (816) من حديث ابن
مسعود.
(2) قال في " اللسان ": وشطر عن أهله شطورا وشطورة وشطارة:
إذا نزح عنهم وتركهم مراغما أو مخالفا، وأعياهم خبثا،
والشاطر مأخوذ منه، وأراه مولدا.
وقال الجوهري: شطر وشطر بالضم شطارة فيهما.
قال أبو إسحاق: قول الناس فلان شاطر معناه أنه أخذ في نحو
غير الاستواء، ولذلك قيل له: شاطر، لانه تباعد عن
الاستواء.
(*)
(8/437)
وقال إبراهيم بن الليث: حدثنا المحدث علي بن خشرم قال:
أخبرني رجل من جيران الفضيل من أبيورد، قال: كان الفضيل
يقطع الطريق وحده، فبينا هو ذات لليلة، وقد انتهت إليه
القافلة، فقال بعضهم: اعدلوا بنا إلى هذه القرية، فإن
الفضيل يقطع الطريق.
فسمع ذلك، فأرعد، فقال: يا قوم جوزوا، والله لاجتهدن أن لا
أعصي الله.
وروي نحوها من وجه آخر، لكنه في الاسناد ابن جهضم، وهو
هالك.
وبكل حال: فالشرك أعظم من قطع الطريق، وقد تاب من الشرك
خلق صاروا أفضل الامة.
فنواصي العباد بيد الله تعالى، وهو يضل من يشاء، ويهدي
إليه من أناب.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: قال لي المأمون، قال لي
الرشيد: ما رأت عيناي مثل فضيل بن عياض، دخلت عليه فقال
لي: فرغ قلبك للحزن وللخوف حتى يسكناه، فيقطعاك عن
المعاصي، ويباعداك من النار.
وعن ابن أبي عمر قال: ما رأيت بعد الفضيل أعبد من وكيع.
قال إبراهيم بن الاشعث: رأيت سفيان بن عيينة يقبل يد
الفضيل مرتين، وعن ابن المبارك قال: إذا نظرت إلى الفضيل،
جدد لي الحزن، ومقت نفسي، ثم بكى.
قال يحيى بن أيوب: دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن
عياض، فإذا معه شيخ، فدخل زافر، وأقعدني على الباب.
قال زافر: فجعل الفضيل ينظر إلي ثم قال: هؤلاء المحدثون
يعجبهم قرب الاسناد، ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه، رسول
الله عن جبريل، عن الله: (نارا وقودها الناس والحجارة
عليها ملائكة غلاظ شداد) [ التحريم: 6 ].
فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس، ثم
(8/438)
غشي عليه، وعلى الشيخ، وجعل زافر ينظر إليهما، ثم خرج
الفضيل، وقمنا، والشيخ مغشي عليه.
قال سهل بن راهويه: قلت لابن عيينة: ألا ترى إلى الفضيل لا
تكاد تجف له دمعة.
قال: إذا قرح القلب، نديت العينان.
قال الاصمعي: نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل، فقال: يا
هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
قال أحمد بن [ أبي ] الحواري: حدثنا أبو عبد الله الانطاكي
قال: اجتمع الفضيل والثوري، فتذاكرا، فرق سفيان وبكى، ثم
قال: أرجو أن يكون هذا المجلس علينا رحمة وبركة.
فقال له الفضيل: لكني يا أبا عبد الله أخاف أن لا [ يكون ]
أضر علينا منه.
ألست تخلصت إلى أحسن حديثك، وتخلصت أنا إلى أحسن حديثي،
فتزينت لي وتزينت لك ؟ فبكى سفيان، وقال: أحييتني أحياك
الله.
وقال الفيض: قال لي الفضيل: لو قيل لك: يا مرائي، غضبت،
وشق عليك، وعسى ما قيل لك حق، تزينت للدنيا وتصنعت، وقصرت
ثيابك، وحسنت سمتك، وكففت أذاك حتى يقال: أبو فلان عابد،
ما اح سن سمته فيكرمونك، وينظرونك، ويقصدونك ويهدون إليك،
مثل الدرهم الستوق (1) لا يعرفه كل أحد فإذا قشر، قشر عن
نحاس.
إبراهيم بن الاشعث: سمعت الفضيل يقول: بلغني أن العلماء
فيما مضى
__________
(1) هو الردئ الزيف الذي لا خير فيه، وضبطوه بفتح السين
وبضمها مع تشديد التاء المضمومة فيهما، قال في " اللسان ":
وكل ماكان على هذا المثال، فهو مفتوح الاول إلا أربعة أحرف
جاءت نوادر وهي: سبوح، وقدوس، وذو روح، وستوق، فإنها تفتح
وتضم.
(*)
(8/439)
كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، وإذا شغلوا
فقدوا، وإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا.
وعنه قال: كفى بالله محبا وبالقرآن مؤنسا، وبالموت واعظا،
وبخشية الله علما، وبالاغترار جهلا.
وعنه: خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الاكل.
وعنه: كيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف علمه، وفني عمره،
ولم يتزود لمعاده.
وعنه: يا مسكين، أنت مسئ وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى
أنك عالم، وتبخل وترى أنك كريم، وأحمق وترى أنك عاقل، أجلك
قصير، وأملك طويل.
قلت: إي والله، صدق، وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل
للحرام وترى أنك متورع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم
للدنيا وترى أنك تطلبه لله.
عباس الدوري: حدثنا محمد بن عبد الله الانباري، قال: سمعت
فضيلا يقول: لما قدم هارون الرشيد إلى مكة قعد في الحجر
(1) هو وولده، وقوم من
__________
(1) هو من الكعبة، إلا قريشا عجزت عن بنائه حين جددت بناء
الكعبة، فقد أخرج الترمذي (876) والنسائي 5 / 219، وأبو
داود (2028) من طريق علقمة، عن أمه، عن عائشة قالت: كنت
أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيدي، فأدخلني الحجر، فقال: صل في الحجر إن أردت
دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه
حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت ".
وأخرج مسلم في " صحيحة " (1333) (401) من طريق سعيد بن
ميناء، عن عبد الله بن الزبير قال: حدثنتني خالتي عائشة
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عائشة لولا
أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالارض،
وجعلت لها = (*)
(8/440)
الهاشميين، وأحضروا المشايخ، فبعثوا إلي فأردت أن لا أذهب،
فاستشرت جاري، فقال: اذهب لعله يريد أن تعظه، فدخلت
المسجد، فلما صرت إلى الحجر، قلت لادناهم: أيكم أمير
المؤمنين ؟ فأشار إليه، فقلت: السلام عليك يا أمير
المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فرد علي، وقال: اقعد، ثم
قال: إنما دعوناك لتحدثنا بشئ، وتعظنا، فأقبلت عليه.
فقلت: يا حسن الوجه، حساب الخلق كلهم عليك.
فجعل يبكي ويشهق، فرددت عليه، وهو يبكي، حتى جاء الخادم
فحملوني وأخرجوني، وقال: اذهب بسلام.
وقال محرز بن عون: كنت عند الفضيل، فأتى هارون ومعه يحيى
بن خالد، وولده جعفر، فقال له يحيى: يا أبا علي، هذا أمير
المؤمنين يسلم عليك.
قال: أيكم هو ؟ قالوا: هذا.
فقال: يا حسن الوجه، لقد طوقت أمرا عظيما، وكررها.
ثم قال: حدثني عبيد المكتب، عن مجاهد في قوله: (وتقطعت بهم
الاسباب) [ البقرة: 166 ].
قال: الاوصال التي كانت في الدنيا (1).
وأومأ بيده إليهم.
قال عبد الله بن خبيق: قال الفضيل: تباعد من القراء، فإنهم
إن أحبوك.
مدحوك بما ليس فيك، وإن غضبوا شهدوا عليك، وقبل منهم.
__________
= بابين، بابا شرقيا، وبابا غريبا، وزدت فيها ستة أذرع من
الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة ".
وأخرج عبد الرزاق في المصنف (9149) عن ابن عباس قال: الحجر
من البيت، قال (وليطوفوا بالبيت العتيق) قال: وطاف رسول
الله صلى الله عليه وسلم من ورائه.
وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 1 / 460، ووافقه الذهبي.
(1) إسناده صحيح، وأخرجه الطبري 2 / 71 من طريق الفضيل بن
عياض وجرير بن عبد
الحميد الضبي، كلاهما عن عبيد المكتب، عن مجاهد.
وأورده في تفسير مجاهد 1 / 93، 94 من طريق ورقاء، عن أبي
نجيح عن مجاهد.
(وتقطعت بهم الاسباب): يعني المودة.
وكذلك رواه الطبري.
(*)
(8/441)
قال قطبة بن العلاء: سمعت الفضيل يقول: آفة القراء العجب.
وللفضيل رحمه الله مواعظ، وقدم في التقوى راسخ، وله ترجمة
في كتاب " الحلية " وفي تاريخ أبي القاسم ابن عساكر.
وكان يعيش من صلة ابن المبارك ونحوه من أهل الخير، ويمتنع
من جوائز الملوك.
قال بعضهم: كنا جلوسا عن الفضيل بن عياض، فقلنا له: كم سنك
؟ فقال: بلغت الثمانين أو جزتها * فماذا أؤمل أو أنتظر
علتني السنون فأبلينني * فدق العظام وكل البصر قلت: هو من
أقران سفيان بن عيينة في المولد، ولكنه مات قبله بسنوات.
وكان ابنه:
115 - علي * من كبار الاولياء،
ومات قبل والده.
روى عن: عبد العزيز بن أبي رواد، وعباد بن منصور، وجماعة.
حدث عنه: سفيان بن عيينة، وأبوه، وموسى بن أعين، وجماعة،
حكايات، وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي، فرأيته وله
حديث في سنن النسائي، رواه لنا أحمد بن سلامة، عن أبي
الفضائل الكاغدي، ومسعود الحمال، قالا: أخبرنا أبو علي،
أخبرنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن
__________
* الحلية 8 / 297، تهذيب الكمال: 990، تذهيب التهذيب: 3 /
73 / 2، تهذيب التهذيب: 7 / 373، خلاصة تذهيب الكمال: 277،
الكواكب الدرية للمناوي: (143) ص: 140.
(*)
(8/442)
حمزة، ومحمد بن علي بن حبيش، قالا: أخبرنا أحمد بن يحيى
الحلواني حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا علي بن فضيل، عن عبد
العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأى رجل من
الانصار فيما يرى النائم أنه قيل له: بأي شئ يأمركم نبيكم
صلى الله عليه وسلم قال: أمرنا أن نسبح ثلاثا وثلاثين،
ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين، فذلك مئة.
قال: فسبحوا خمسا وعشرين، واحمدوا خمسا وعشرين، وكبروا
خمسا وعشرين، وهللوا خمسا وعشرين.
فتلك مئة.
فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "
افعلوا كما قال الانصاري ".
غريب من الافراد.
أخرجه النسائي (1) عن أبي زرعة، عن أحمد، فوافقناه في شيخ
شيخه.
وعلي: صدوق، قد قال فيه النسائي: ثقة مأمون.
قلت: خرج هو وأبوه من الضعف الغالب على الزهاد والصوفية،
وعدا في الثقات إجماعا.
وكان علي قانتا لله، خاشعا، وجلا، ربانيا، كبير الشأن.
قال الخطيب: مات قبل أبيه بمدة من آية سمعها تقرأ، فغشي
عليه، وتوفي في الحال.
قال إبراهيم بن الحارث العبادي: حدثنا عبدالرحمن بن عفان،
حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: صليت خلف فضيل بن عياض المغرب
وابنه علي إلى
جانبي، فقرأ: (ألهاكم التكاثر).
فلما قال: (لترون الجحيم) سقط
__________
(1) 3 / 76 في السهو.
باب: نوع آخر من عدد التسبيح، وإسناده حسن.
(*)
(8/443)
علي على وجهه مغشيا عليه، وبقي فضيل عند الآية.
فقلت في نفسي: ويحك أما عندك من الخوف ما عند الفضيل وعلي،
فلم أزل أنتظر عليا، فما أفاق إلى ثلث من الليل بقي.
رواها ابن أبي الدنيا، عن عبدالرحمن بن عفان، وزاد: وبقي
فضيل لا يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، وقال: فما
أفاق إلى نصف من الليل.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني عبد الصمد بن يزيد، عن فضيل بن
عياض قال: بكى علي ابني.
فقلت: يا بني ما يبكيك ؟ قال: أخاف ألا تجمعنا القيامة
(1).
وقال لي ابن المبارك: يا أبا علي ما أحسن حال من انقطع إلى
الله، فسمع ذلك علي ابني، فسقط مغشيا عليه.
مسدد بن قطن: حدثنا الدورقي، وحدثنا محمد بن نوح المروزي،
حدثنا محمد بن ناجية قال: صليت خلف الفضيل، فقرأ: (الحاقة)
في الصبح.
فلما بلغ إلى قوله: (خذوه فغلوه) غلبه البكاء فسقط ابنه
علي مغشيا عليه، وذكر الحكاية.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن عبدالرحيم بن محمد، أخبرنا أبو
علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن إبراهيم،
حدثنا أبو يعلى، حدثنا عبد الصمد بن يزيد، سمعت الفضيل
يقول: أشرفت ليلة على علي، وهو في صحن الدار، وهو يقول:
النار، ومتى الخلاص من النار ؟ وقال لي: يا أبه سل الذي
وهبني لك في الدنيا أن يهبني لك في الآخرة.
ثم قال: لم يزل منكسر القلب
حزينا.
ثم بكى الفضيل، ثم قال: كان يساعدني على الحزنوا لبكاء، يا
ثمرة
__________
(1) " حلية الاولياء " 8 / 297، وطبقات الاولياء ": 270.
(*)
(8/444)
قلبي، شكر الله لك ما قد علمه فيك (1).
قال الدورقي: حدثني محمد بن شجاع، عن سفيان بن عيينة قال:
ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه.
قال إبراهيم الحربي: حدثنا ابن أبي زياد، عن شهاب بن عباد
قال: كانوا يعودون علي بن الفضيل، وهو يمشي، فقال: لو ظننت
أني أبقى إلى الظهر، لشق علي.
وعن الفضيل قال: اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليا، فلم أقدر
على تأديبه، فأدبه أنت لي (2).
قال أبو سليمان الداراني: كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن
يقرأ (القارعة) ولا تقرأ عليه (3) الحسن بن عبد العزيز
الجروي: حدثنا محمد بن أبي عثمان قال: كان علي بن الفضيل
عند سفيان بن عيينة، فحدث بحديث فيه ذكر النار، فشهق علي
شهقة، ووقع.
فالتفت سفيان فقال: لو علمت أنك هاهنا ما حدثت به، فما
أفاق إلا بعد ما شاء الله.
وبه، قال الفضيل لابنه: لو أعنتنا على دهرنا، فأخذ قفة،
ومضى إلى السوق ليحمل، فأتاني رجل، فأعلمني، فمضيت فرددته،
وقلت: يا بني لست أريد هذا، أو لم أرد هذا كله (4).
__________
(1) " حلية الاولياء " 8 / 299.
(2) " حلية الاولياء " 8 / 299 وقد تحرفت فيه " فأدبه "
إلى " فأذنته ".
(3) " حلية الاولياء " 8 / 299.
(4) " حلية الاولياء " 8 / 298.
(*)
(8/445)
وبالاسناد عن فضيل، أنهم اشتروا شعيرا بدينار، وكان
الغلاء، فقالت أم علي للفضيل: قورته لكل إنسان قرصين، فكان
علي يأخذ واحدا، ويتصدق بالآخر، حتى كاد أن يصيبه الخواء
(1).
وبه، أن عليا كان يحمل على أباعر لابيه، فنقص الطعام الذي
حمله، فحبس عنه الكراء فأتى الفضيل إليهم، فقال: أتفعلون
هذا بعلي، فقد كانت لنا شاة بالكوفة، أكلت شيئا يسيرا من
علف أمير، فما شرب لها لبنا بعد.
قالوا: لم: نعلم يا أبا علي أنه ابنك (2).
حماد بن الحسن: حدثنا عمر بن بشر المكي، عن الفضيل قال:
أهدى لنا ابن المبارك شاة فكان ابني لا يشرب منها، فقلت له
في ذلك.
فقال: إنها قد رعت بالعراق.
أنبأني المقداد القيسي، أخبرنا أحمد بن الدبيقي، أخبرنا
أبو بكر الانصاري، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو
الحسين بن بشران، أخبرنا علي ابن محمد المصري، سمعت أبا
سعيد الخراز، سمعت إبراهيم بن بشار يقول: الآية التي مات
فيها علي بن الفضيل، في الانعام: (ولو ترى إذ وقفوا على
النار فقالوا يا ليتنا نرد) [ الانعام: 27 ].
مع هذا الموضع مات.
وكنت فيمن صلى عليه، رحمه الله (3).
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى ابن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي
بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا أبو محمد يحيى بن
محمد، حدثنا محمد بن زنبور المكي،
__________
(1) " حلية الاولياء " 8 / 298، 299.
(2) " حلية الاولياء " 8 / 298.
(3) الخبر بنحوه، وبأخصر مما هنا في " طبقات الصوفية ":
271.
(*)
(8/446)
حدثنا فضيل بن عياض، عن الاعمش، عن أبي سفيان بن جابر، عن
أم مبشر قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في
نخل لي.
فقال: " من غرس هذا النخل، أمسلم أو كافر " ؟ فقلت: مسلم.
قال: " إنه لا يغرس مسلم غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه
إنسان ولا سبع ولا طائر إلا كان له صدقة ".
أخرجه مسلم (1).
قرأت على إسماعيل بن عميرة المعدل، أخبركم أبو محمد عبد
الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وست مئة، أخبرنا خطيب
الموصل، وتجني، وشهدة، قالوا: أخبرنا طراد بن محمد، وقرأت
على محمد بن عبد الوهاب الكاتب، أخبرنا علي بن مختار،
أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا نصر بن أحمد، قالا: أخبرنا
هلال بن محمد الحفار، أخبرنا الحسين بن يحيى القطان، حدثنا
أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا الفضيل بن عياض، عن هشام،
عن الحسن: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) [
النساء: 56 ] قال: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة،
فلما أكلتهم قيل لهم: عودوا، فيعودون كما كانوا (2).
وبه: حدثنا الفضيل، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس (يعلم السر وأخفى) [ طه: 7 ] قال: يعلم
ما تسر في نفسك، ويعلم ما تعمل غدا (3).
قال مجاهد بن موسى: مات الفضيل سنة ست وثمانين ومئة.
__________
(1) (1552) (8) في المسافاة: باب: فصل الغرس والزرع.
(2) وأخرجه الطبري: 5 / 142 من طريق المثنى، عن سويد بن
نصر، عن ابن المبارك، قال: بلغني عن الحسن.
وأخرجه أيضا من طريق هشام بن حسان، عن الحسن.
(3) وأخرجه الطبري: 16 / 140 من طريق أبي كدينة يحيى بن
المهلب، عن عطاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وعطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط، وباقي رجاله ثقات.
(*)
(8/447)
وقال أبو عبيد، وابن المديني، وابن معين، وابن نمير،
والبخاري، وآخرون: مات سنة سبع بمكة.
زاد بعضهم في أول المحرم.
وقال هشام بن عمار: يوم عاشوراء منها.
قلت: وله نيف وثمانون سنة، وهو حجة كبير القدر.
ولا عبرة بما نقله أحمد بن أبي خيثمة، سمعت قطبة بن العلاء
يقول: تركت حديث فضيل بن عياض، لانه روى أحاديث أزرى على
عثمان بن عفان.
قلت: فلا نسمع قول قطبة، ليته اشتغل بحاله، فقد قال
البخاري: فيه نظر، وقال النسائي وغيره: ضعيف.
وأيضا فالرجل صاحب سنة واتباع.
قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا عبد الصمد بن يزيد الصائغ،
قال: ذكر عند الفضيل وأنا أسمع الصحابة، فقال: اتبعوا فقد
كفيتم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
قلت: إذا كان مثل كبراء السابقين الاولين قد تكلم فيهم
الروافض والخوارج، ومثل الفضيل يتكلم فيه، فمن الذي يسلم
من ألسنة الناس، لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله، لم يضره
ما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل
والورع.
وأما قول ابن مهدي: لم يكن بالحافظ، فمعناه: لم يكن في علم
الحديث كهؤلاء الحفاظ البحور، كشعبة، ومالك وسفيان، وحماد،
وابن
المبارك، ونظرائهم، لكنه ثبت قيم بما نقل، ما أخذ عليه في
حديث فيما علمت.
وهل يراد من العلم إلا ما انتهى إليه الفضيل رحمة الله
عليه ؟.
(8/448)
116 - فضيل بن عياض الخولاني
* روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحث على العلم،
لا يعرف من ذا.
رواه الحارث بن عبد الله الحارثي، عن محمد بن زياد، عن عبد
الكريم ابن مالك الجزري، عنه.
117 - فضيل بن عياض الصدفي
* * شيخ مصري.
روى حديثا عن أبي سلمة بن عبدالرحمن.
وعنه: حيوة بن شريح، وموسى بن أيوب الغافقي.
قال ابن يونس: مات قبل سنة عشرين ومئة.
ذكرتهما تمييزا.
118 - النعمان * * * ابن عبد
السلام بن حبيب الامام مفتي أصبهان، أبو المنذر
التيمي، تيم الله بن ثعلبة الاصبهاني، الفقيه، الزاهد.
له مصنفات.
حدث عن: ابن جريج، وأبي حنيفة، ومسعر، وسفيان الثوري،
وشعبة بن الحجاج، وعدة.
__________
* تهذيب الكمال: 1106، تذهيب التهذيب: 3 / 144 / 1، ميزان
الاعتدال: 3 / 361، تهذيب التهذيب: 8 / 297، خلاصة تذهيب
الكمال: 310.
* * تهذيب الكمال: 1106، تذهيب التهذيب: 3 / 144 / 1،
ميزان الاعتدال:
3 / 362، تهذيب التهذيب: 8 / 297، خلاصة تذهيب الكمال:
310.
* * * الجرح والتعديل: 8 / 449، تهذيب الكمال: 1417، تذهيب
التهذيب: 4 / 101 / 2، العبر: 1 / 287، الوافي: 27 / 66
(مخطوط)، مرآة الجنان، 1 / 395، تهذيب التهذيب: 10 / 454،
خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب: 1 / 305.
(*)
(8/449)
وعنه: ابنه محمد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعفان، وسليمان
الشاذكوني، ومحمد بن المنهال، وعامر بن إبراهيم، وصالح بن
مهران، ومحمد بن المغيرة، وآخرون.
قال أبو نعيم الحافظ: كان أحد العباد والزهاد، زهد في ضياع
لملابسته للسلطان، وكان على مذهب الثوري، وجالس أبا حنيفة
إلى أن قال: توفي سنة ثلاث وثمانين ومئة.
رحمه الله.
119 - إبراهيم بن أبي يحيى
* (ق) هو الشيخ العالم المحدث، أحد الاعلام المشاهير، أبو
إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الاسلمي، مولاهم
المدني، الفقيه.
ولد في حدود سنة مئة، أو قبل ذلك.
وحدث عن: صالح مولى التوأمة، وابن شهاب، ومحمد بن المنكدر،
وموسى بن وردان، وصفوان بن سليم، ويحيى بن سعيد، وخلق
كثير.
وصنف " الموطأ " وهو كبير أضعاف موطأ الامام مالك.
حدث عنه جماعة قليلة، منهم: الشافعي، وإبراهيم بن موسى
الفراء، والحسن بن عرفة، وقد كان الشافعي مع حسن رأيه فيه
إذا روى
__________
* التاريخ الكبير: 1 / 323، التاريخ الصغير: 2 / 257،
المعرفة والتاريخ:
3 / 23، 55، الجرح والتعديل: 2 / 125، كتاب المجروحين
والضعفاء: 1 / 105، الفهرست لابن النديم: 3، الفهرست
للطوسي: 3، تهذيب الكمال: 64، تذهيب التهذيب: 1 / 42 / 1،
تذكرة الحفاظ: 1 / 264، ميزان الاعتدال: 1 / 57، العبر 1 /
288، تهذيب التهذيب: 1 / 158، خلاصة تذهيب الكمال: 21.
(*)
(8/450)
عنه ربما دلسه، ويقول: أخبرني من لا أتهم.
فتجد الشافعي لا يوثقه، وإنما هو عنده ليس بمتهم بالكذب،
وقد اعترف الشافعي بأنه كان قدريا، ونهى ابن عيينة عن
الكتابة عنه.
وقال أبو همام السكوني: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يشتم بعض
السلف.
وقال بشر بن عمر: نهاني مالك عن إبراهيم بن أبي يحيى.
فقلت: من أجل القدر تنهاني ؟ فقال: ليس هو في حديثه بذاك.
وقال القاضي هارون بن عبد الله الزهري: حدثنا إبراهيم بن
سعد قال: كنا نسمي إبراهيم بن أبي يحيى ونحن نطلب الحديث
خرافة.
وقال سفيان بن عبدالملك: سألت ابن المبارك، لم تركت حديث
إبراهيم بن أبي يحيى ؟ قال: كان مجاهرا بالقدر، وكان صاحب
تدليس.
إبراهيم بن محمد بن عرعرة: سمعت يحيى القطان يقول: سألت
مالكا عن إبراهيم بن أبي يحيى: أثقة في الحديث ؟ قال: لا،
ولا في دينه.
وقال أحمد بن حنبل، عن المعيطي، عن يحيى بن سعيد قال: كنا
نتهمه بالكذب، يعني ابن أبي يحيى، ثم قال أحمد: قدري
جهمي، كل بلاء فيه، تركوا حديثه، وأبوه ثقة.
وروى عباس عن ابن معين قال: هو رافضي قدري.
وقال مرة: كذاب.
وقال أبو داود نحو ذلك.
(8/451)
وقال البخاري: قدري جهمي، تركه ابن المبارك والناس وقال
مؤمل بن إسماعيل: سمعت يحيى القطان يقول: أشهد على إبراهيم
بن أبي يحيى أنه يكذب.
وقال محمد بن عبد الله بن البرقي: كان يرى، أو قال: يرمى
بالقدر والتشيع والكذب.
وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.
وقال العقيلي: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا أبو بكر
ابن عفان، قال: خرج علينا ابن عيينة، فقال: ألا فاحذروا
ابن أبي رواد المرجئ، لا تجالسوه، واحذروا إبراهيم بن أبي
يحيى، لا تجالسوه.
قال أبو محمد الدارمي: سمعت يزيد بن هارون يكذب زياد بن
ميمون، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخالد بن محدوج (1).
قال ابن حبان: اسم جده أبي يحيى: سمعان.
كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه.
وتركه القطان، وابن مهدي، إلى أن قال ابن حبان: وكان يكذب
في الحديث (2).
حجاج الاعور، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي عطاء، عن
موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " من مات مريضا مات شهيدا، ووقي فتان القبر، وغدي
عليه، وريح برزقه من الجنة " (3).
__________
(1) ويقال: ابن مقدوح، مترجم في " ميزان الاعتدال " 1 /
642.
(2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 1 / 105.
(3) ذكره ابن حبان في " المجروحين " 1 / 106، وأخرجه ابن
ماجه (1615) في الجنائز: باب ما جاء فيمن مات مريضا.
وإسناده ضعيف جدا، من أجل إبراهيم بن أبي يحيى.
(*)
(8/452)
قال يحيى بن معين: إبراهيم بن أبي عطاء هو إبراهيم بن أبي
يحيى.
قلت: لعله " مرابطا " بدل " مريضا ".
وقال علي بن خشرم: كان عيسى بن يونس إذا مر بأحاديث
إسماعيل بن عياش، وإبراهيم بن أبي يحيى يقول: يضرب عليه.
قال ابن حبان: كان الشافعي يجالس ابن أبي يحيى في حداثته،
ويحفظ عنه حفظ الصبي، فلما دخل مصر في آخر عمره أخذ يصنف،
واحتاج إلى الاخبار، ولم تكن معه كتبه، فأكثر ما أودع
الكتب من حفظه، وربما كنى عن إبراهيم، ولا يسميه.
قال: وروى عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن يسار، عن أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل على دين
خليله، فلينظر أحدكم من يخالط " (1).
رواه عنه بسطام بن جعفر.
وروى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: استأذنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن أبني كنيفا بمنى فلم يأذن لي
(2).
قال ابن عدي: لم أجد لابراهيم حديثا منكر إلا عن شيوخ
يحتملون، وقد حدث عنه ابن جريج، والثوري، والكبار، وموطؤه
أضعاف موطأ مالك، وأحاديثه كثيرة.
__________
(1) ذكره في " المجروحين " 1 / 107، ولكن متن الحديث صحيح،
فقد الحديث صحيح، فقد أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي
(2379)، وأحمد: 2 / 303، والحاكم: 4 / 171 من طريق أبي
داود
وأبي عامر، ومؤمل الخراساني عن زهير بن محمد، عن موسى بن
وردان، عن أبي هريرة، وهذا سند قوي، زهير بن محمد رواية
غير أهل الشام عنه قوية، وهذا منها، وله طريق عند الحاكم
يتقوى بها، وقد صححها الحاكم، ووافقه المؤلف الذهبي في "
مختصره ".
(2) ذكره ابن حبان في " المجروحين " 1 / 107.
(*)
(8/453)
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: لا يشتغل بحديثه.
قلت: لا يرتاب في ضعفه.
بقي: هل يترك أم لا ؟ ابن خزيمة: حدثنا ابن عبد الحكم،
سمعت الشافعي يقول: كان ابن أبي يحيى أحمق أو قال: أبله
كان لا يمكنه الجماع، فأخبرني من رآه، معه فأس، فقال:
بلغني أنه من بال في ثقب فأس أمكنه الجماع، فدخل خربة،
فبال في الفأس.
قلت: توفي سنة أربع وثماني ومئة.
يقع لي حديثه في مسند الشافعي.
120 - سفيان بن عيينة *
(ع) ابن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم، أخي الضحاك
ابن مزاحم، الامام الكبير حافظ العصر، شيخ الاسلام، أبو
محمد الهلالي الكوفي، ثم المكي.
__________
(1) طبقات ابن سعد: 5 / 497، التاريخ الكبير: 4 / 94،
التاريخ الصغير: 2 / 283، المعارف: 507 506، المعرفة
والتاريخ: 1 / 185، 186، 187، تاريخ الطبري: 1 / 10 - 12،
ذيل المذيل: 108، الجرح والتعديل: 1 / 32، 54 و 4 / 225،
رجال ابن حبان: 146، حلية الاولياء: 7 / 270، الفهرست لابن
النديم: 1 / 226، تاريخ بغداد: 9 / 174، صفوة الصفوة: 2 /
130، وفيات الاعيان: 2 / 391 - 393، تهذيب الكمال:
517، تذهيب التهذيب: 2 / 36 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 262،
ميزان الاعتدال: 2 / 170، العبر: 1 / 208، 209، 228، العقد
الثمين: 4 / 591، تهذيب التهذيب: 4 / 117، خلاصة تذهيب
الكمال: 145، طبقات المفسرين: 1 / 190، الكواكب الدرية
للمناوي: (107) ص 117، الطبقات الكبرى للشعراني: 40، شذرات
الذهب: 354، إيضاح المكنون للبغدادي: 203، الرسالة
المستطرفة: 31، خلاصة تذهيب الكمال: 187، أعيان الشيعة
للعاملي: 35 / 151 - 154.
(*)
(8/454)
مولده: بالكوفة، في سنة سبع ومئة.
وطلب الحديث، وهو حدث، بل غلام، ولقي الكبار، وحمل عنهم
علما جما، وأتقن، وجود وجمع وصنف، وعمر دهرا، وازدحم الخلق
عليه، وانتهى إليه علو الاسناد، ورحل إليه من البلاد،
وألحق الاحفاد بالاجداد.
سمع في سنة تسع عشرة ومئة، وسنة عشرين، وبعد ذلك، فسمع من
عمرو بن دينار، وأكثر عنه، ومن زياد بن علاقة، والاسود بن
قيس، وعبيدالله بن أبي يزيد، وابن شهاب الزهري، وعاصم بن
أبي النجود، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الله بن دينار، وزيد
بن أسلم، وعبد الملك بن عمير، ومحمد بن المنكدر، وأبي
الزبير، وحصين بن عبدالرحمن، وسالم أبي النضر، وشبيب بن
غرقدة، وعبدة بن أبي لبابة، وعلي بن زيد بن جدعان، وعبد
الكريم الجزري، وعطاء بن السائب، وأيوب السختياني، والعلاء
بن عبدالرحمن، وقاسم الرجال، ومنصور بن المعتمر، ومنصور بن
صفية الحجبي، ويزيد بن أبي زياد، وهشام بن عروة، وحميد
الطويل، ويحيى بن سعيد الانصاري، وأبي
يعفور العبدي، وابن عجلان، وابن أبي ليلى، وسليمان الاعمش،
وموسى بن عقبة، وسهيل بن أبي صالح، وعبد الله بن أبي نجيح،
وعبد الرحمن بن القاسم، وأمية بن صفوان الجمحي، وجامع بن
أبي راشد، وحكيم بن جبير، وسعد بن إبراهيم، قاضي المدينة،
وصالح مولى التوأمة وقال: سمعت منه، ولعابه يسيل وعبد الله
بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وأبي الزناد عبد الله بن
ذكوان، وعبد العزيز ابن رفيع، وإسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة، وإسماعيل بن محمد
(8/455)
ابن سعد، وأيوب بن موسى، وبرد بن سنان، وبكر بن وائل،
وبيان بن بشر، وسالم بن أبي حفصة، وأبي حازم الاعرج، وسمي
مولى أبي صالح، وصدقة بن يسار، وصفوان بن سليم، وعاصم بن
كليب الجرمي، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن
طاووس، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، ومحمد بن جحادة، ومحمد
بن السائب بن بركة، ويزيد بن يزيد بن جابر الدمشقي، ويونس
بن عبيد، وسفيان، وشعبة، وزياد بن سعد، وزائدة بن قدامة،
وخلق كثير، وتفرد بالرواية عن خلق من الكبار.
حدث عنه: الاعمش، وابن جريج، وشعبة وهؤلاء من شيوخه وهمام
بن يحيى، والحسن بن حي، وزهير بن معاوية، وحماد بن زيد،
وإبراهيم بن سعد، وأبو إسحاق الفزاري، ومعتمر بن سليمان،
وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان،
والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وسعيد بن منصور، ويحيى
بن معين، وعلي ابن المديني، وإبراهيم بن بشار الرمادي،
وأحمد بن حنبل،
وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق
بن راهويه، وأبو جعفر النفيلي، وأبو كريب، ومحمد بن
المثنى، وعمر بن علي الفلاس، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر
العدني، وعمرو بن محمد الناقد، وأحمد بن منيع، وإسحاق بن
منصور الكوسج، وزهير بن حرب، ويونس بن عبدالاعلى، والحسن
بن محمد الزعفراني، والحسن بن الصباح البزار، وعبد الرحمن
بن بشر بن الحكم، ومحمد ابن عاصم الثقفي، وعلي بن حرب،
وسعدان بن نصر، وزكريا بن يحيى المروزي، وبشر بن مطر،
والزبير بن بكار، وأحمد بن شيبان
(8/456)
الرملي، ومحمد بن عيسى بن حبان المدائني، وأمم سواهم،
خاتمهم في الدنيا شيخ مكي يقال له: أبو نصر اليسع بن زيد
الزينبي، عاش إلى سنة اثنتين وثمانين ومئتين.
وما هو بالقوي.
ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج، وما المحرك لهم
سوى لقي سفيان بن عيينة، لامامته وعلو إسناده.
وجاور عنده غير واحد من الحفاظ.
ومن كبار أصحابه المكثرين عنه: الحميدي، والشافعي، وابن
المديني، وأحمد، وإبراهيم الرمادي.
قال الامام الشافعي: لولا مالك وسفيان بن عيينة، لذهب علم
الحجاز.
وعنه قال: وجدت أحاديث الاحكام كلها عند ابن عيينة سوى ستة
أحاديث، ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثا.
فهذا يوضح لك سعة دائرة سفيان في العلم، وذلك لانه ضم
أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين.
وارتحل ولقي خلقا كثيرا ما لقيهم مالك.
وهما نظيران في الاتقان، ولكن مالكا أجل وأعلى، فعنده
نافع، وسعيد المقبري.
قال عبدالرحمن بن مهدي: كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث
الحجاز.
وقال أبو عيسى الترمذي: سمعت محمدا يعني البخاري
(8/457)
يقول: ابن عيينة أحفظ من حماد بن زيد.
قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أحدا فيه من آلة
العلم ما في سفيان بن عيينة، وما رأيت أكف عن الفتيا منه.
قال: وما رأيت أحدا أحسن تفسيرا للحديث منه.
قال عبد الله بن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بفسير القرآن من
ابن عيينة، وقال: أحمد بن حنبل أعلم بالسنن من سفيان.
قال وكيع: كتبنا عن ابن عيينة أيام الاعمش.
قال علي ابن المديني: ما في أصحاب الزهري أحد أتقن من
سفيان بن عيينة.
قال ابن عيينة: حج بي أبي وعطاء بن أبي رباح حي.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ابن عيينة ثبتا في
الحديث، وكان حديثه نحوا من سبعة آلاف، ولم تكن له كتب.
قال بهز بن أسد: ما رأيت مثل سفيان بن عيينة.
فقيل له: ولا شعبة ؟ قال: ولا شعبة.
قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في عمرو بن دينار.
وقال ابن مهدي: عند ابن عيينة من معرفته بالقرآن وتفسير
الحديث، ما لم يكن عند سفيان الثوري.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر
السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبدالبجار، أخبرنا أبو يعلى
الخليلي، سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، سمعت الحسن بن
علي
(8/458)
الطوسي، سمعت محمد بن إسماعيل السلمي، سمعت البويطي، سمعت
الشافعي يقول: أصول الاحكام نيف وخمس مئة حديث، كلها عند
مالك إلا ثلاثين حديثا، وكلها عند ابن عيينة إلا ستة
أحاديث.
رواته ثقات.
القاضي أبو العلاء الواسطي، مما سمعته منه، الخطيب، أنبأنا
عبد الله بن موسى السلامي، سمعت عمار بن علي اللوري، سمعت
أحمد بن النضر الهلالي، سمعت أبي يقول: كنت في مجلس سفيان
بن عيينة، فنظر إلى صبي، فكأن أهل المسجد تهاونوا به
لصغره، فقال سفيان: [ كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ] [
النساء 94 ].
ثم قال: يا نضر لو رأيتني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار،
ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي
قصار، وذيلي بمقدار، ونعلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء
الامصار، كالزهري،، وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار،
محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا
أتيت، قالوا: أوسعوا للشيخ الصغير.
ثم ضحك.
في صحة هذا نظر، وإنما سمع من المذكورين وهو ابن خمس عشرة
سنة أو أكثر.
قال أحمد بن حنبل: دخل سفيان بن عيينة على معن بن زائدة
يعني أمير اليمن ولم بكن سفيان تلطخ بعد بشئ من أمر
السلطان، فجعل يعظه.
قال علي بن حرب الطائي: سمعت أبي يقول: أحب أن تكون لي
جارية في غنج سفيان بن عيينة إذا حدث.
قال رباح خالد الكوفي: سألت ابن عيينة فقلت: يا أبا محمد،
إن
(8/459)
أبا معاوية يحدث عنك بشئ ليس تحفظه اليوم، وكذلك وكيع.
فقال: صدقهم، فإني كنت قبل اليوم أحفظ مني اليوم.
قال محمد بن المثنى العنزي: سمعت ابن عيينة يقول ذلك لرباح
في سنة إحدى وتسعين ومئة.
قال حامد بن يحيى البلخي: سمعت ابن عيينة يقول: رأيت كأن
أسناني سقطت، فذكرت ذلك للزهري، فقال: تموت أسنانك، وتبقي
أنت.
قال: فمات أسناني وبقيت أنا، فجعل الله كل عدو لي محدثا.
قلت: قال هذا من شدة ما كان يلقى من ازدحام أصحاب الحديث
عليه حتى يبرموه.
قال غياث بن جعفر: سمعت ابن عيينة يقول: أول من أسندني إلى
الاسطوانة، مسعر بن كدام، فقلت له: إني حدث.
قال: إن عندك الزهري، وعمرو بن دينار (1).
قال أبو محمد الرامهرمزي: حدثنا موسى بن زكريا، حدثنا زياد
ابن عبد الله بن خزاعي، سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان أبي
صيرفيا بالكوفة، فركبه دين فحملنا إلى مكة، فصرت إلى
المسجد، فإذا عمرو بن
دينار، فحدثني بثمانية أحاديث، فأمسكت له حماره حتى صلى،
وخرج، فعرضت الاحاديث عليه، فقال: بارك الله فيك.
وروى أبو مسلم المستملي: قال ابن عيينة: سمعت من عمرو ما
لبث نوح في قومه، يعني تسع مئة وخمسين سنة.
__________
(1) تاريخ بغداد 9 / 176.
(*)
(8/460)
قال مجاهد بن موسى: سمعت ابن عيينة يقول: ما كتبت شيئا إلا
حفظته قبل أن أكتبه.
قال ابن المبارك: سئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة،
فقال: ذاك أحد الا حدين (1)، ما أغربه.
وقال ابن المديني: قال لي يحيى القطان.
ما بقي من معلمي أحد غير سفيان بن عيينة، وهو إمام منذ
أربعين سنة.
وقال علي: سمعت بشر بن المفضل يقول: ما بقي على وجه الارض
أحد يشبه ابن عيينة.
وحكى حرملة بن يحيى أن ابن عيينة قال له وأراه خبز شعير:
هذا طعامي منذ ستين سنة.
الحميدي، سمع سفيان يقول: لا تدخل هذه المحابر بيت رجل إلا
أشقى أهله وولده.
وقال سفيان مرة لرجل: ما حرفتك ؟ قال: طلب الحديث.
قال: بشر أهلك بالافلاس.
وروى علي بن الجعد عن ابن عيينة قال: من زيد في عقله، نقص
من رزقه.
ونقل سنيد بن داود عن ابن عيينة قال: من كانت معصيته في
الشهوة فارج له، ومن كانت معصيته في الكبر، فاخش عليه، فإن
آدم عصى مشتهيا، فغفر له، وإبليس عصى متكبرا فلعن.
__________
(1) مقدمة الجرح والتعديل 1 / 33 وفيه بعد قوله " الا حدين
" يقول: ليس له نظير.
(*)
(8/461)
ومن كلام ابن عيينة قال: الزهد: الصبر، وارتقاب الموت.
وقال: العلم إذا لم ينفعك، ضرك.
قال عثمان بن زائدة: قلت لسفيان الثوري: ممن نسمع ؟ قال:
عليك بابن عيينة، وزائدة.
قال نعيم بن حماد: ما رأيت أحدا أجمع لمتفرق من سفيان بن
عيينة.
وقال علي بن نصر الجهضمي: حدثنا شعبة بن الحجاج قال: رأيت
ابن عيينة غلاما، مع ألواح طويلة عند عمرو بن دينار، وفي
أذنه قرط، أو قال: شنف (1).
وقال ابن المديني: سمعت ابن عيينة يقول: جالست عبد الكريم
الجزري سنتين، وكان يقول لاهل بلده: انظروا إلى هذا الغلام
يسألني وأنتم لا تسألوني.
قال ذؤيب بن عمامة السهمي: سمعت ابن عيينة يقول: سمعت من
صالح مولى التوأمة هكذا وهكذا، وأشار بيديه يعني كثرة سمعت
منه، ولعابه يسيل، فقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: فلا نعلمه
روى عنه شيئا، كان منتقدا للرواة.
قال علي: سمعت سفيان يقول: عمرو بن دينار أكبر من الزهري،
سمع من جابر، وما سمع الزهري منه.
__________
(1) الشنف: بفتح الشين من الحلي: يعلق في أسفلها، وقيل:
هما واحد.
(*)
(8/462)
قال أحمد بن سلمة النيسابوري: حدثنا سليمان بن مطر، قال:
كنا على باب سفيان بن عيينة، فاستأذنا عليه، فلم يأذن لنا،
فقلنا: ادخلوا حتى نهجم عليه، قال: فكسرنا بابه، ودخلنا
وهو جالس، فنظر إلينا، فقال: سبحان الله، دخلتم داري بغير
إذني، وقد حدثنا الزهري عن سهل ابن سعد أن رجلا اطلع في
جحر، من باب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله
عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فقال: " لو علمت أنك تنظرني،
لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر "
(1).
قال: فقلنا له: ندمنا يا أبا محمد.
فقال: ندمتم ؟ حدثنا عبد الكريم الجزري عن زياد، عن عبد
الله بن معقل، عن عبد الله بن مسعود، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " الندم توبة " (2).
اخرجوا فقد أخدتم رأس مال ابن عيينة.
سليمان هذا هو أخو قتادة بن مطر، صدوق إن شاء الله.
وزياد المذكور في الحديث هو ابن أبي مريم.
قال محمد بن يوسف الفريابي: كنت أمشي مع ابن عيينة، فقال
لي: يا محمد، ما يزهدني فيك إلا طلب الحديث.
قلت: فأنت يا أبا محمد، أي شئ كنت تعمل إلا طلب الحديث ؟
فقال: كنت إذ ذاك صبيا لا أعقل.
قلت: إذا [ كان ] مثل هذا الامام يقول هذه المقالة في زمن
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19431) والبخاري: 12
/ 215 في الديات: باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه.
وفي اللباس: باب الامتشاط، وفي الاستئذان: باب الاستئذان
من أجل البصر، ومسلم (2156 في الاداب: باب تحريم النظر في
بيت غيره،
والحميدي (924) عن سفيان وغيره، عن الزهري، عن سهل بن سعد
الساعدي أن رجلا اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر
الحجرة، وفي يد النبي مدرى، فقال: " لو أعلم أن هذا ينظرني
حتى آتيه لطعنت بالمدرى في عينه، وهل جعل الاستئذان إلا من
أجل البصر ".
(2) أخرجه أحمد 1 / 376 و 423 و 433، وابن ماجه (4252).
(*)
(8/463)
التابعين، أو بعد هم بيسير، وطلب الحديث مضبوط بالاتفاق،
والاخذ عن الاثبات الائمة، فكيف لو رأى سفيان رحمه الله
طلبة الحديث في وقتنا، وما هم عليه من الهنات والتخبيط،
والاخذ عن جهلة بني آدم، وتسميع ابن شهر (1).
أما الخيام فإنها كخيامهم * وأرى نساء الحي غير نسائها قال
عبدالرحمن بن يونس: حدثنا ابن عيينة قال: أول من جالست عبد
الكريم أبو أمية وأنا ابن خمس عشرة سنة.
قال: وقرأت القرآن وأنا ابن أربع عشرة سنة.
قال يحيى بن آدم: ما رأيت أحدا يختبر الحديث إلا ويخطئ،
إلا سفيان بن عيينة.
قال أحمد بن زهير: حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي، حدثنا
سفيان قال: قال حماد بن أبي سليمان، ولم أسمعه منه، إذا
قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت بالاولى،
وبطلت الثنتان.
قال سفيان: رأيت حمادا قد جاء إلى طبيب على فرس.
قال أبو حاتم الرازي: سفيان بن عيينة إمام ثقة، كان أعلم
بحديث عمرو بن دينار من شعبة، قال: وأثبت أصحاب الزهري، هو
ومالك.
وقال عبد الرزاق: ما رأيت بعد ابن جريج مثل ابن عيينة في
حسن
المنطق.
وروى إسحاق الكوسج عن يحيى: ثقة.
__________
(1) للمؤلف رسالة بعنوان: " زغل العلم ".
وصف فيها محدثي زمانه، فلتراجع فإنها نفيسة في بابها.
(*)
(8/464)
وعن ابن عيينة قال: الورع طلب العلم الذي به يعرف الورع.
روى سليمان بن أيوب، سمعت سفيان بن عيينة يقول: شهدت
ثمانين موقفا.
ويروى أن سفيان كان يقول في كل موقف: اللهم لا تجعله آخر
العهد منك، فلما كان العام الذي مات فيه لم يقل شيئا.
وقال: قد استحييت من الله تعالى.
وقد كان لسفيان عدة إخوة، منهم: عمران بن عيينة، وإبراهيم
بن عيينة، وآدم بن عيينة، ومحمد بن عيينة.
فهؤلاء قد رووا الحديث.
وقد كان سفيان مشهورا بالتدليس، عمد إلى أحاديث رفعت إليه
من حديث الزهري، فيحذف اسم من حدثه، ويدلسها، إلا أنه لا
يدلس إلا عن ثقة عنده (1).
فأما ما بلغنا عن يحيى بن سعيد القطان، أنه قال: اشهدوا أن
ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومئة، فهذا منكر من القول،
ولا يصح، ولا هو بمستقيم، فإن يحيى القطان مات في صفر من
سنة ثمان وتسعين مع قدوم الوفد من الحج.
فمن الذي أخبره باختلاط سفيان، ومتى لحق أن يقول هذا
__________
(1) قال ابن حبان في " صحيحه ": 122: وأما المدلسون الذين
هم ثقات وعدول، فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع
فيما رووا مثل الثوري، والاعمش، وأبي إسحاق وأضرابهم
من الائمة المتقين، وأهل الورع والدين، لانا متى قبلنا خبر
مدلس لم يبين السماع فيه وإن كان ثقة، لزمنا قبول المقاطيع
والمراسيل كلها لانها لا يدرى لعله هذا المدلس دلس هذا
الخبر عن ضعيف يهي الخبر بذكره إذا عرف.
اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة،
فإذا كان كذلك، قبلت روايته، وإن لم يبين السماع، وهذا ليس
في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس، ولا
يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر
دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل
نفسه.
(*)
(8/465)
القول وقد بلغت التراقي ؟ وسفيان حجة مطلقا، وحديثه في
جميع دواوين الاسلام، ووقع لي كثير من عواليه، بل وعند
عبدالرحمن سبط الحافظ السلفي من عواليه جملة صالحة.
منها: جزء ابن عيينة، رواية المروزي عنه، وفي جزء علي ابن
حرب رواية العبادان، وجز آن لعلي بن حرب، رواية نافلته أبي
جعفر محمد بن يحيى بن عمر الطائي، وفي " الثقفيات " وغير
ذلك.
وقد جمع عوالي ابن عيينة: أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد
الله الحاكم، وبعد هما أبو إسحاق الحبال.
وكان سفيان رحمه الله صاحب سنة واتباع.
قال الحافظ بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى،
حدثنا محمد بن منصور الجواز، قال: رأيت سفيان بن عيينة
سأله رجل: ما تقول في القرآن ؟ قال: كلام الله، منه خرج،
وإليه يعود.
وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا لوين، قال: قيل لابن
عيينة: هذه الاحاديث التي تروى في الرؤية ؟ قال: حق على ما
سمعناها ممن نثق به ونرضاه.
وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني أحمد بن نصر قال:
سألت ابن عيينة وجعلت الح عليه، فقال: دعني أتنفس.
فقلت: كيف حديث عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "
إن الله يحمل السماوات على إصبع " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري: 8 / 423.
في التفسير: باب قوله: [ والارض جميعا قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه ] و 13 / 331 في التوحيد: باب قول
الله [ لما خلقت بيدي ] وباب قوله تعالى [ إن الله يمسك
السموات والارض أن تزولا ] وباب كلام الرب يوم القيامة مع
الانبياء وغيرهم، ومسلم (2786) في أول صفة القيامة والجنة
والنار، والترمذي (3238) في = (*)
(8/466)
وحديث: " إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن "
(1).
وحديث: " إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الاسواق "
(2).
فقال سفيان: هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف (3).
أبو عمر بن حيويه: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيدالله بن
محمد بن عمار، حدثنا عمر بن شبة، حدثني عبيد بن جناد، سمعت
ابن عيينة، وسألوه أن يحدث، فقال: ما أراكم للحديث موضعا،
ولا أراني أن يؤخذ عني أهلا، وما مثلي ومثلكم إلا ما قال
الاول: افتضحوا فاصطلحوا.
قال إبراهيم بن الاشعث: سمعت ابن عيينة يقول: من عمل بما
__________
= التفسير، من طريق عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود،
قال: جاء حبر من الاحبار إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على
إصبع، والارضين على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول:
أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه
تصديقا لقول الخبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [
وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ] [
الزمر: 67 ].
(1) أخرجه مسلم (2654) في القدر: باب: تصريف الله القلوب
كيف يشاء، من حديث
عبد الله بن عمرو مرفوعا " إن قلوب بني آدم كلها بين
أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها حيث يشاء ".
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم مصرف القلوب
صرف قلوبنا على طاعتك ".
وفي الباب: عن أنس عند الترمذي (2140)، وعن النواس بن
سمعان عند ابن ماجه (199)، وعن عائشة عند أحمد: 6 / 250،
251، وعن أم سلمة عند أحمد: 6 / 302.
(2) أخرجه من حديث علي: الترمذي (3446) وأبو داود (2602)
وسنده حسن، وصححه ابن حبان (2380) و (2381)، والحاكم 2 /
98، ولفظه: " إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي
ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب غيرك ".
والبخاري: 8 / 484، 485 من حديث أبي هريرة وفيه: " لقد عجب
الله عزوجل أو ضجك من فلان وفلانة ".
(3) وهو مذهب السلف في الصفات يؤمنون بما وصف الله به
نفسه، ووصفه به رسوله، ويجرونها على ظاهرها اللائق بجلال
الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا
تمثيل، وهو آخر قول أبي المعالي الجويني شيخ الحرمين أستاذ
الامام الغزالي، فقد صرح في النظامية ": 23، 24، بالمنع من
تأويل الصفات الخبرية، وذكر أن هذا إجماع السلف، وأن
لتأويل لو كان مسوغا أو محتوما، لكان اهتمامهم بها أعظم من
اهتمامهم بغيرها.
(*)
(8/467)
يعلم، كفي ما لم يعلم.
وعن سفيان بن عيينة قال: من رأى أنه خير من غيره فقد
استكبر، ثم ذكر إبليس.
وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لسفيان بن عيينة: ما الزهد
في الدنيا ؟ قال: إذا أنعم عليه فشكر، وإذا ابتلي ببلية
فصبر، فذلك الزهد.
قال علي ابن المديني: كان سفيان إذا سئل عن شئ يقول: لا
أحسن.
فنقول: من نسأل ؟ فيقول: سل العلماء، وسل الله التوفيق.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت ابن عيينة يقول:
الايمان
قول وعمل، يزيد وينقص.
الطبراني: حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي: قيل لسفيان
ابن عيينة: إن بشرا المريسي يقول: إن الله لا يرى يوم
القيامة.
فقال: قاتل الله الدويبة، ألم تسمع إلى قوله تعالى: [ كلا
إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ] [ المطففين: 15 ] فإذا
احتجب عن الاولياء والاعداء، فأي فضل للاولياء على الاعداء
؟ وقال أبو العباس السراج في " تاريخه ": حدثنا عباس بن
أبي طالب، حدثنا أبو بكر عبدالرحمن بن عفان، سعمت ابن
عيينة في السنة التي أخذوا فيها بشرا المريسي بمنى، فقام
سفيان في المجلس مغضبا، فقال: لقد تكلموا في القدر
والاعتزال، وأمرنا باجتناب القوم، رأينا علماءنا، هذا عمرو
بن دينار، وهذا محمد بن المنكدر، حتى ذكر أيوب بن موسى،
والاعمش، ومسعرا، ما يعرفونه إلا كلام الله، ولا نعرفه إلا
كلام الله، فمن قال غير ذا، فعليه لعنة الله مرتين، فما
أشبه هذا بكلام النصارى فلا تجالسوهم.
(8/468)
قال المسيب بن واضح: سئل ابن عيينة عن الزهد: قال: الزهد
فيما حرم الله.
فأما ما أحل الله، فقد أباحكه الله، فإن النبيين قد نكحوا،
وركبوا، ولبسوا، وأكلوا، لكن الله نهاهم عن شئ، فانتهوا
عنه، وكانوا به زهادا.
وعن ابن عيينة قال: إنما كان عيسى ابن مريم لا يريد
النساء، لانه لم يخلق من نطفة.
قال أحمد بن حنبل: حدثنا سفيان قال: لم يكن أحد فيما نعلم
أشد
تشبها بعيسى ابن مريم من أبي ذر.
وروى علي بن حرب، وسمعت سفيان بن عيينة في قوله: [
والشهداء والصالحين ] [ النساء: 69 ] قال: الصالحون: هم
أصحاب الحديث.
وروى أحمد بن زيد بن هارون، حدثنا إبراهيم بن المنذر، سمعت
ابن عيينة يقول: أنا أحق بالبكاء من الحطيئة، هو يبكي على
الشعر، وأنا أبكي على الحديث.
قال شيخ الاسلام عقيب هذا: أراه قال هذا حين حصر في البيت
عن الحديث، لانه اختلط قبل موته بسنة.
قلت: هذا لا نسلمه فأين إسنادك به ؟ أخبرنا أحمد بن سلامة
الحداد في كتابه، انبأنا مسعود الجمال، وجماعة، قالوا:
أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ (1)، حدثنا
عبد الله بن جعفر، حدثنا محمد بن عاصم الثقفي، سمعت سفيان
بن
__________
(1) " الحلية ": 7 / 308.
(*)
(8/469)
عيينة سنة سبع وتسعين يقول: عاصم، عن زر، قال: أتيت صفوان
بن عسال، فقال: ما جاء بك ؟ قلت: جئت ابتغاء العلم، قال:
فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب.
قلت: حك في نفسي أو صدري مسح على الخفين بعد الغائط
والبول، فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
شيئا ؟ قال: نعم.
كان يأمرنا إذا كنا سفرا، أو مسافرين أن لا ننزع خلفافنا،
ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط أو بول أو
نوم (1).
قلت: هل سمعته يذكر الهوى ؟ قال: نعم: بينا نحن معه صلى
الله عليه وسلم في
مسير، إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري، فقال: يا محمد،
فأجابه على نحو من كلامه: هاؤم.
قال: أرأيت رجلا أحب قوما ولما يحلق بهم ؟ قال: " المرء مع
من أحب ".
ثم أنشأ يحدثنا: أن من قبل المغرب بابا يفتح الله للتوبة
مسيرة عرضه أربعون سنة، فلا يزال مفتوحا حتى تطلع الشمس من
قبله.
وذلك قوله تعالى: [ يوم يأتي بعض آيات ربك..] الآية (2) [
الانعام: 158 ].
وبه، قال ابن عاصم: سمعت من ابن عيينة، وأنا محرم لبعض
النساء، ومن حج بعدي لم يره، مات سنة ثمان وتسعين ومئة.
__________
(1) قال الخطابي: كلمة (لكن) هنا موضوعة للاستدراك: وذلك
لانه تقدمه نفي واستثناء، وهو قوله: " كان يأمرنا ألا ننزع
خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ".
ثم قال: " لكن من بول وغائط ونوم "، فاستدرك ب (لكن) ليعلم
أن الرخصة جاءت في هذا النوع من الاحداث دون الجنابة، فإن
المسافر الماسح على خفه إذا أجنب كان عليه نزع الخف وغسل
الرجل مع سائر البدن، وهذا كما تقول: ما جاءني زيد لكن
عمرو، وما رأيت زيدا لكن خالدا.
(2) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي بطوله (3535) و (3536)،
وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (79) و (179) و (2507) وفي
الاصل: مسيرة عرضه أربعين، وهو خطأ.
(*)
(8/470)
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر، أخبرنا أبو
المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري، ببغداد،
أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز في سنة تسع وثلاثين وخمس
مئة، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا أبو عمر بن مهدي، حدثنا
الحسين بن إسماعيل المحاملي، إملاء، حدثنا أبو موسى محمد
بن المثنى، حدثنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة،
عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء
إلى مكة دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها.
أخرجه الشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي (1).
أخبرنا أحمد بن إسحاق المصري، أخبرنا أحمد بن يوسف، والفتح
ابن عبد السلام قالا: أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا
أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر
السكري، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي سنة
ثلاث وثلاث مئة، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا ابن عيينة، عن
حميد الاعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم، " أمر بوضع الجوائح، ونهى عن
بيع السنين ".
أخرجه أبو داود (2) عن يحيى.
__________
(1) أخرجه البخاري: 3 / 347 في الحج: باب من أين يخرج من
مكة، وفي المغازي: باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من
أعلى مكة، ومسلم (1258) في الحج: باب استحباب دخول مكة من
الثنية العليا، والترمذي (853)، وأبو داود (1868) و
(1869).
(2) رقم (3374) في الاجازة: باب وضع الجائحة، وباب بيع
السنين، وسنده قوي، وأخرجه مسلم (1554) (17) من طريق ابن
عيينة عن حميد الاعرج، عن سليمان بن عتيقة، عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، ولمسلم (1554)
(14) من حديث أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو بعت من أخيك تمرا
فأصابته جائحة (هي الآفة التي تصيب الثمار وتهلكها) فلا
يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ؟ ".
وبيع السنين: هو أن يبيع الرجل ما تثمره الشجرة بأعيانه
سنين ثلاثا أو أربعا أو أكثر.
(*)
(8/471)
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر سنة ثماني عشرة وست مئة، أخبرنا سعيد
بن أحمد بن البناء، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا
محمد بن عبدالرحمن
الذهبي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن
ابن عمر، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رخص في العرايا (1).
أخبرنا عبد الحافط بن بدران بنابلس، أخبرنا الشيخ موفق
الدين عبد الله بن أحمد المقدسي في سنة خمس عشرة وست مئة،
أخبرنا محمد بن عبدا لباقي، وكتب إلي عبدالرحمن بن محمد
الفقيه، وجماعة، أن القاضي أبا القاسم عبد الصمد بن محمد
الانصاري، أخبرهم في سنة عشر وست مئة، قال: أخبرنا أبو
الفتح نصر الله بن محمد، قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن
محمد بن محمد الانباري، حدثنا أبو أحمد عبيدالله بن محمد
بن أبي مسلم الفرضي، حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب الكاتب،
حدثنا بشر بن مطر، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن
إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله عزوجل: [ لا يحب
الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم..] [ النساء: 148 ]
قال: ذلك في الضيافة، إذا أتيت
__________
(1) أخرجه البخاري: 4 / 320، و 321، ومسلم (1539) وأبو
داود (3362) والنسائي: 7 / 267، 268، والترمذي (1302)
والموطأ: 2 / 620.
والعرايا: جمع عرية، قال في " النهاية " هي أن من لا نخل
له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب
لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته
تمر، فيجئ إلى صاحب النخل فيقول له: بعني ثمر نخلة أو
نخلتين بخرصها من التمر، فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر
تلك النخلات، ليصيب من رطبها مع الناس، فرخص فيه إذا كان
دون خمسة أوسق.
والعرية: فعلية بمعنى مفعولة، من عراه يعروه: إذا قصده،
ويحتمل أن تكون، فعيلة بمعنى من عري يعرى إذا خلع ثوبه،
كأنها عريت من جملة التحريم فعريت، أي خرجت.
(*)
(8/472)
رجلا، فلم يضفك، فقد رخص لك أن تقول (1).
قال ابن داود في كتاب " الشريعة ": حدثنا عبد الله بن محمد
بن النعمان، حدثنا ابن أبي بزة، سمعت سفيان بن عيينة يقول:
لو صليت خلف من يقرأ بقراءة حمزة، لاعدت.
وثبت مثل هذا عن ابن مهدي، وعن حماد بن زيد نحوه.
وقال محمد بن عبد الله الحويطبي: سمعت أبا بكر بن عياش
يقول: قراءة حمزة بدعة.
قلت: مرادهم بذلك ما كان من قبيل الاداء، كالسكت، والاضجاع
في نحو شاء وجاء، وتغيير الهمز، لا ما في قراءته من
الحروف.
هذا الذي يظهر لي، فإن الرجل حجة ثقة فيما ينقل (2).
قال محمود بن والان: سمعت عبدالرحمن بن بشر، سمعت ابن
عيينة يقول: غضب الله الداء الذي لا دواء له، ومن استغنى
بالله، أحوج الله إليه الناس.
__________
(1) تفسير مجاهد 1 / 179، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا
أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك
قوله [ إلا من ظلم ] وإن صبر، فهو خير له.
وقال الحسن البصري: هو الرجل يظلم الرجل، فلا يدع عليه،
ولكن ليقل، اللهم أعني عليه.
اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بينه وبين ما يريد.
وقال السدي: إن الله لا يحب الجهر بالسوء من أحد من الخلق،
ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناح.
انظر: الطبري 9 / 343، 350.
(2) جاء في " المغني " لابن قدامة: 1 / 492: ونقل عن أحمد
أنه كان يختار قراءة نافع من طريق إسماعيل بن جعفر، قال:
فإن لم يكن، فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش، وأثنى
على قراءة عمرو بن العلاء، ولم يكره قراءة أحد من العشرة
إلا قراءة حمزة والكسائي لما فيها
من الكسر والادغام والتكلف، وزيادة المد.
(*)
(8/473)
قال الحسين بن محمد القباني: حدثني عبدالرحمن بن بشر، قال
سمعت ابن عيينة عشية السبت نصف شعبان سنة ست وتسعين ومئة
يقول: كمل لي في هذا اليوم تسع وثمانون سنة.
ولدت للنصف من شعبان سنة سبع ومئة.
قلت: عاش إحدى تسعين سنة في فاصل الرامهرمزي (1)، قال محمد
بن الصباح الجرداني، قال الخطيم في ابن عيينة: سيري نجاء
وقاك الله من عطب * حتى تلاقي بعد البيت سفيانا شيخ الانام
ومن حلت مناقبه * لا قى الرجال وحاز العلم أزمانا حوى
بيانا وفهما عاليا عجبا * إذا ينص حديثا نص برهانا ترى
الكهول جميعا عند مشهده * مستنصتين وشيخانا وشبانا يضم
عمرا إلى الزهري يسنده * وبعد عمرو إلى الزهري صفوانا
وعبدة وعبيدالله ضمهما * وابن السبيعي أيضا وابن جدعانا
فعنهم عن رسول الله يوسعنا * علما وحكما وتأويلا وتبيانا
وقال الرياشي: قال الاصمعي يرثي ابن عيينة: ليبك سفيان
باغي سنة درست * ومستبين أثارات وآثار ومبتغي قرب إسناد
وموعظة * وواقفيون من طار ومن ساري أمست منازله وحشا معطلة
* من قاطنين وحجاج وعمار من الحديث عن الزهري يسنده *
وللاحاديث عن عمرو بن دينار ما قام من بعده من قال حدثنا *
الزهري في أهل بدو أو بإحضار
__________
(1) ص 224، 226، وقد تصحف فيه " الخطيم " إلى الحطيم ".
(*)
(8/474)
وقد أراه قريبا من ثلاث منى * قد خف مجلسه من كل أقطار بنو
المحابر والاقلام مرهفة * وسماسمات فراها كل نجار (1)
أخوه:
121 - إبراهيم بن عيينة
* أبو إسحاق، محدث، إمام خير.
ولد نحو سنة عشرين ومئة.
وسمع: أبا حيان التيمي، وطلحة بن يحيى، وصالح بن حسان،
ومسعرا.
وليس بالمكثر ولا المجود.
روى عنه: يحيى بن معين، والفلاس، والعدني، وعلي بن محمد
الطنافسي، وطائفة، آخرهم موتا: الحسن بن علي بن عفان.
قال ابن معين: كان مسلما صدوقا، لم يكن من أصحاب الحديث.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
قيل: توفي سنة تسع وتسعين ومئة.
122 - الخلقاني * * (ع)
إسماعيل بن زكريا، المحدث الحافظ، أبو زياد الكوفي
الخلقاني.
__________
(1) " المحدث الفاصل ": 226، 227.
* التاريخ الصغير 2 / 286، الجرح والتعديل: 2 / 118، تهذيب
الكمال: 62، تذهيب التهذيب: 1 / 40 / 2، ميزان الاعتدال: 1
/ 51، تهذيب التهذيب: 1 / 149، خلاصة تذهيب الكمال 20.
* * تاريخ ابن معين: 34، المعرفة والتاريخ: 2 / 170، الجرح
والتعديل: 2 / 170، الضعفاء للعقيلي: 34، تهذيب الكمال:
103، تذهيب التهذيب: 1 / 63 / 1، ميزان
الاعتدال: 1 / 228، العبر: 263، تهذيب التهذيب: 1 / 297،
خلاصة تذهيب الكمال: 34.
(*)
(8/475)
مولده سنة ثمان ومئة.
وسمع وقد كبر من عاصم الاحول، والعلاء بن عبدالرحمن، وبريد
بن عبد الله بن أبي بردة، وإسماعيل بن أبي خالد، وسليمان
الاعمش، وعبيدالله بن عمر، وحجاج بن دينار، وطبقتهم.
حدث عنه: سعيد بن منصور، ومحمد بن الصباح الدولابي، وأبو
الربيع الزهراني، ومحمد بن سليمان لوين، وجماعة.
اختلف قول يحيى بن معين فمرة يقول: ثقة، ومرة ضعفه، ومرة
يقول: ليس به بأس.
وقال أحمد بن حنبل: هو مقارب الحديث.
وقال الميموني: قلت لابي عبد الله: كيف هو ؟ قال: أما
الاحاديث المشهورة التي يرويها، فهو فيها مقارب الحديث،
ولكنه ليس ينشرح الصدر له.
هو شيخ ليس يعرف بالطلب.
قال الخطيب في " تاريخه ": إسماعيل بن زكريا بن مرة، أبو
زياد الخلقاني، مولى بني أسد بن خزيمة، كوفي، يلق شقوصا،
نزل بغداد.
قال العقيلي: حدثنا محمد بن أحمد، حدثني إبراهيم بن
الجنيد، حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، حدثني خالي
إبراهيم، سمعت إسماعيل الخلقاني شقوصا، يقول: الذي نادى من
جانب الطور عبده علي بن أبي طالب، وسمعته يقول: هو الاول
والآخر، علي.
إسنادها مظلم، فلعل إسماعيل هذا، آخر زنديق، غير الخلقاني.
توفي الخلقاني في سنة ثلاث وسبعين ومئة.
وقيل سنة أربع.
وعاش خمسا وستين سنة.
(8/476)
123 - معتمر * (ع) ابن سليمان بن طرخان،
الامام الحافظ القدوة، أبو محمد بن الامام أبي المعتمر،
التيمي البصري، وهو من موالي بني مرة، ونسب إلى تيم لنزوله
فيهم هو وأبوه.
حدث عن: أبيه، ومنصور بن المعتمر، وأيوب، وحميد، وعمرو بن
دينار البصري القهرمان، وليث بن أبي سليم، وفضيل بن ميسرة،
وإسحاق بن سويد، وأشعث بن عبدالملك، وإسماعيل بن أبي خالد،
وحبيب بن أبي محمد العجمي، وبهز بن حكيم، وخالد الحذاء،
وعبد الله ابن عبدالرحمن بن يعلى الطائفي، وعاصم الاحول،
وعبيدالله بن عمر، ومحمد بن عمرو، ويونس بن عبيد، وخلق
كثير.
وينزل إلى أن يروي عن صاحبه عبد الرزاق.
كان من كبار العلماء.
حدث عنه: ابن المبارك، وعبد الرزاق، والقعنبي، والاصمعي،
ويحيى بن يحيى، وموسى بن إسماعيل، ومسدد، وأحمد، وإسحاق،
علي، وابن أبي شيبة، وأمية بن بسطام، ونصر بن علي، وعمرو
الفلاس، وزياد الحساني، وخليفة بن خياط، والحسين بن الحسن
المروزي، والحسن بن عرفة، وعمرو الناقد، ومحمد بن
عبدالاعلى الصنعاني، وهارون بن إسحاق، ويحيى بن حبيب بن
عربي، ويعقوب
__________
* طبقات ابن سعد: 7 / 290، طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة:
6، 338،
458، المعرفة والتاريخ: 1 / 178، الجرح والتعديل: 8 / 402،
تهذيب الكمال: 1350، تذهيب التهذيب: 4 / 54 / 2، تذكرة
الحفاظ: 1 / 245، تهذيب التهذيب: 10 / 227، خلاصة تذهيب
الكمال: 397، الرسالة المستطرفة: 82، شرح ألفية العراقي: 3
/ 84 (*).
(8/477)
الدورقي، وأحمد بن المقدام، وخلق عظيم.
قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ثقة صدوق.
وقال معاذ بن معاذ: سمعت قرة بن خالد يقول: ما معتمر عندنا
بدون سليمان التيمي.
وقال ابن سعد: كان ثقة، ولد سنة ست ومئة.
ومات بالبصرة سنة سبع وثمانين ومئة.
وقال محمد بن محبوب: مات في المحرم سنة سبع.
وقال عمرو بن علي: مات في صفر سنة سبع وهو ابن إحدى
وثمانين سنة.
وقال سعيد بن عيسى الكريزي (1): مات معتمر يوم قتل زبان
الطليقي بالبصرة، فكان الناس يقولون: مات اليوم أعبد
الناس، وقتل أشطر الناس.
وفي كتاب: " السابق واللاحق " للخطيب، أن معتمرا روى عنه
سفيان الثوري، والحسن بن عرفة، وبينهما في الموت ست وتسعون
سنة، فإن الثوري مات سنة إحدى وستين ومئة.
وأعلى ما يروى اليوم حديث معتمر في " جزء ابن عرفة ".
فأخبرنا أحمد بن سلامة، وغيره إجازة، عن عبد المنعم بن
كليب،
أخبرنا علي بن بيان، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل
الصفار،
__________
(1) في تهذيب الكمال: محمد بن عيسى، وتذهيب التهذيب: سعيد
بن موسى.
(*)
(8/478)
حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي،
سمعت عاصما الاحول يقول: حدثني شرحبيل أنه سمع أبا هريرة،
وأبا سعيد، وابن عمر، يحدثون أن نبي الله صلى الله عليه
وسلم قال: " الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل، من زاد،
أو ازداد، فقد أربى ".
إن لم أكن سمعته منهم، فأدخلني الله النار.
هذا حديث غريب عال، وشرحبيل بن سعد مدني ليس بقوي (1).
124 - مروان بن أبي حفصة * رأس
الشعراء، أبوالمسط، وقيل: أبو الهندام، مروان بن
سليمان ابن يحيى بن أبي حفصة يزيد، مولى مروان بن الحكم،
الاموي.
أعتقه مروان يوم الدار (2)، لكونه بين يومئذ (3).
وقيل: بل كان أبو حفصة طبيبا يهوديا، فأسلم على يد عثمان،
أو يد مروان، ويقال: إن أبا حفصة من سبي اصطخر.
وكان مروان بن أبي حفصة من أهل اليمامة، فقدم بغداد، ومدح
المهدي والرشيد.
__________
(1) وقد نقل المؤلف في " الميزان " تضعيفه عن ابن معين،
ومالك، والنسائي، وأبي زرعة، والدارقطني، وابن عدي، لكن
معنى الحديث ثابت من حديث عبادة بن الصامت عند مسلم (1587)
وأبي داود (3349)، والترمذي (1240).
* الشعر والشعراء: 395، تاريخ الطبري: 8 / 153، 181، 225،
المعرفة والتاريخ: 1 / 173، الاغاني: 10 / 71، 95، معجم
المرزباني: 396، أمالي المرتضى: 2 / 155، و 3 / 4، 16، 26،
تاريخ بغداد: 13 / 145، رغبة الامل: 6 / 82، و 7 / 37، 45،
الكامل لابن الاثير: 6 / 217، 7 / 56، وفيات الاعيان 5 /
189، الفلاكة والمفلوكون: 80، مطالع البدور: 1 / 73.
(2) أي: دار عثمان بن عفان الخليفة الراشد، وكان لزم داره
يوم هاجت الفتنة، فاستشهد فيها رضي الله عنه، فسمي ذلك
اليوم يوم الدار.
(3) في " طبقات الشعراء " 42 لابن المعتز: لانه أبلى
يومئذ.
(*)
(8/479)
قال ابن المعتز: أجود ماله: اللامية، التي فضل بها على
شعراء زمانه في معن بن زائدة، فأجازه عليها بمال عظيم.
قال: وأخذ من خليفة على بيت واحد ثلاث مئة ألف درهم.
قلت: فمن اللامية (1): بنو مطر يوم اللقاء كأنهم * أسود
لها في بطن خفان أشبل هم يمنعون الجار حتى كأنما * لجارهم
بين السماكين منزل تجنب " لا " في القول (2) حتى كأنه *
حرام عليه قول " لا " حين يسأل تشابه يوماه علينا فأشكلا *
فلا نحن ندري أي يوميه أفضل أيوم نداه العمر أم يوم بأسه *
وما منهما إلا أغر محجل بهاليل في الاسلام سادوا ولم يكن *
كأولهم (3) في الجاهلية أول هم القوم إن قالوا أصابوا وإن
دعوا * أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا فما يستطيع
الفاعلون فعالهم * وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا ويروى
أن ولدا لمروان بن أبي حفصة دخل على الامير شراحبل بن معن،
فأنشده: أيا شراحيل بن معن بن زائدة * يا أكرم الناس من
عجم ومن عرب أعطى أبوك أبي مالا فعاش به * فأعطني مثل ما
أعطى أبوك أبي
ما حل قط أبي أرضا أبوك بها * إلا وأعطاه قنطارا من الذهب
(4)
__________
(1) هي في " أمالي المرتضى " 1 / 587، وحماسة ابن الشجري
109، 110، وطبقات الشعراء 43، 44، وزهر الآداب ص 843،
والشعر والشعراء 482، والاغاني 10 / 90، ووفيات الاعيان 5
/ 190.
(2) في الاصل: الفؤاد، وهو خطأ.
(3) في الاصل: فأولهم، وهو خطأ.
(4) الابيات في " الوفيات " 5 / 191.
(*)
(8/480)
فأعطاه شراحيل قنطارا من الذهب.
مات مروان سنة اثنتين وثمانين ومئة.
125 - حفيده * هو مروان بن أبي
الجنوب بن مروان بن أبي حفصة، من فحول الشعراء في
زمانه، ويقال له: مروان الاصغر (1).
126 - مبارك * * (د، ت) ابن
سعيد بن مسروق، الفقيه المحدث، أبو عبد الرحمن
الثوري، الكوفي، الضرير.
نزيل بغداد.
وحدث عن: أبيه، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهما.
روى عنه: ابن المبارك مع تقدمه، وأبو النضر، ويحيى بن
يحيى،
__________
* طبقات الشعراء: 392، 393، معجم الشعراء: 321، الاغاني 23
/ 206، 215، وفيات الاعيان: 5 / 193.
(1) في " طبقات الشعراء " 392 لابن المعتز: كان علي بن
الجهم يساجل مروان بن أبي حفصة الاصغر هو أبو السمط
ويناضله ويهاجيه، فخاض الناس في أمرهما، فقال فريق:
علي أشعر، وقال أكثر الناس: مروان أشعر، حتى قال مروان
بيتيه هذين: لعمرك ما جهم بن بدر بشاعر * هذا على ابنه
يدعي الشعرا ولكن أبي قد كان جارا لامه * فلما روى الاشعار
أوهمني أمرا فأجابه علي بن الجهم بهذين البيتين: بلاء ليس
يشبهه بلاء * عداوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضا لم
يصنه * ويقدح منك في عرض مصون فحكم الناس جميعا لمروان أنه
أشعر، وأن الذي قال علي ليس بجواب إنما هو استخداء.
* * التاريخ الكبير: 4 / 426، المعرفة والتاريخ: 2 / 42،
الكامل لابن الاثير: 6 / 153، تهذيب الكمال: 1300، تذهيب
التهذيب: 4 / 20 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 431، العبر: 1 /
277، تهذيب التهذيب: 10 / 28، خلاصة تذهيب الكمال: 368،
شذرات الذهب: 1 / 249.
(*)
(8/481)
ويحيى بن معين، والحسن بن عرفة، وآخرون.
يقع حديثه عاليا في " جزء ابن عرفة "، وهو ثقة، صالح
الحديث.
توفي سنة ثمانين ومئة.
وهو أخو سفيان الثوري.
127 - معاذ بن مسلم * شيخ
النحو، أبو مسلم الكوفي النحوي، الهراء، مولى محمد
بن كعب القرظي.
روى عن عطاء بن السائب وغيره، وما هو بمعتمد في الحديث.
وقد نقلت عنه حروف في القراءات.
أخذ عنه الكسائي.
ويقال: إنه صنف في العربية، ولم يظهر ذلك.
وكان شيعيا معمرا.
مات أولاده وأحفاده، وهو باق.
وكان يصغر نفسه.
قال عثمان بن أبي شيبة: رأيته يشد أسنانه بالذهب.
__________
* الحيوان: 7 / 51، طبقات النحويين واللغويين: 135، 136،
الكامل لابن الاثير: 6 / 189، وفيات الاعيان: 5 / 218،
العبر: 1 / 298، إنباه الرواة: 3 / 288، نور القيس: 276.
(*)
(8/482)
وفيه يقول سهل بن أبي غالب الخزرجي (1): إن معاذ بن مسلم
رجل * ليس لميقات عمره أمد قد شاب رأس الزمان واكتهل ال *
دهر وأثواب عمره جدد قل لمعاذ إذا مررت به * قد ضج من طول
عمرك الابد يا بكر حواء كم تعيش وكم * تسحب ذيل البقاء يا
لبد (2) قد أصبحت دار آدم خربت * وأنت فيها كأنك الوتد
تسأل غربانها إذا نعبت * كيف يكون الصداع والرمد مصححا
كالظليم ترفل في * برديك مثل السعير تتقد صاحبت نوحا ورضت
بغلة (3) ذي ال * قرنين شيخا لولدك الولد
__________
(1) قال ابن خلكان في " الوفيات " 5 / 221: إنه نشأ
بسجستان، وادعى رضاع الجن، وأنه صار إليهم، ووضع كتابا ذكر
فيه أمر الجن وحكمتهم وأنسابهم وأشعارهم، وزعم أنه بايعهم
للامين بن هارون الرشيد ولي العهد، فقربه الرشيد وابنه
الامين، وزبيدة ام الامين، وبلغ معهم، وأفاد منهم، وله
أشعار حسان وضعها على الجن والشياطين والسعالي، وقال له
الرشيد:
إن كنت رأيت ما ذكرت لقد رأيت عجبا، وإن كنت ما رأيته لقد
وضعت أدبا.
وأخباره كلها غريبة عجيبة.
ويرى ابن مكتوم أن هذه الابيات لم تقل في معاذ بن مسلم
هذا، فإنها مقولة في غيره وهو معاذ بن مسلم، صاحب معاذ بن
عبد الله الاسدي، وهي لمحمد بن مناذر، قالها في معاذ
الحاجب، وقد ذكر ذلك وأوضحه على الصواب في كتابه الكبير
المسمى: " بالجمع المتناه في أخبار اللغويين والنحاة "،
والابيات في " الحيوان " 3 / 423 و 6 / 327 و 7 / 51
منسوبة إلى محمد ابن مناذر، وبغير نسبة في " عيون الاخبار
" 4 / 59، 60.
(2) لبد: كزفر: آخر نسور لقمان يزعم الاخباريون أن لقمان
كان أطول الناس عمرا وأنه أعطي عمر سبعة أنسر، فجعل يأخذ
فرخ النسر الذكر، فيجعله في الجبل الذي هو في أصله، فيعيش
منه ما عاش، فإذا مات أخذ آخر، فرباه حتى كان آخرها ليدا،
وكان أطوالها عمرا، فقيل: " طال الابد على لبد " وقد ذكرت
العرب لبدا في أشعارها كثيرا.
فمن ذلك قول النابعة: أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا *
أختى عليها الذي أخنى على لبد (3) في الاصل: ورضيت بعلمه،
والتصويب من ابن خلكان: 5 / 218.
(*)
(8/483)
فارحل ودعنا فإن غايتك ال * موت وإن شد ركنك الجلد ولبد:
هو آخر نسور لقمان الذي عمر.
وكان معاذ صديقا للكميت الشاعر.
يقال: عاش تسعين عاما، وتوفي سنة سبع وثمانين ومعة.
وله شعر قليل.
والهراء: هو الذي يبيع الثياب الهروية.
ولولا هذه الكلمة السائرة لما عرفنا هذا الرجل، وقل ما
روى.
128 - علي بن مسهر *
(ع) العلامة الحافظ، أبو الحسن، القرشي، الكوفي، قاضي
الموصل، أخو قاضي جبل (1)، عبدالرحمن بن مسهر، ذاك المغفل
الذي بلغه أن المأمون قادم على ناحية جبل، فكلم أهل جبل
ليثنوا عليه عند المأمون، فوجد منهم فتورا، وأخلفوه الموعد
فلبس ثيابه، وسرح لحيته، ووقف على جانب دجلة، فلما حاذاه
المأمون، سلم بالخلافة، وقال: يا أمير المؤمنين، نحن في
عافية وعدل بقاضينا ابن مسهر.
فغلب الضحك
__________
* التاريخ الكبير: 3 / 297، الكامل لابن الاثير: 1 / 74،
121، وفيات الاعيان.
6 / 387، تهذيب الكمال: 993، تذهيب التهذيب: 3 / 74 / 2،
تذكرة الحفاظ: 1 / 290، نكت الهميان: 19، تهذيب التهذيب: 7
/ 383، خلاصة تذهيب الكمال: 277، شذرات الذهب: 1 / 325.
(1) بفتح الجيم وتشديد الباء وضمها، بليدة بين النعمانية
وواسط في الجانب الشرقي، وينسب إليها جماعة من أهل العلم
منهم، أبو الخطاب محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجبلي
الذي قال فيه أبو العلاء قصيدته: غير مجد في ملتي واعتقادي
* نوح باك ولا ترنم شادي (*)
(8/484)
على يحيى بن أكثم، فعجب منه المأمون وقال: ما بك.
قال: يا أمير المؤمنين، إن الذي يبالغ في الثناء على قاضي
جبل هو القاضي.
فضحك المأمون كثيرا، ثم قال ليحيى: اعزل هذا، فإنه أحمق.
فأما علي هذا، فكان من مشايخ الاسلام.
ولد في حدود العشرين ومئة.
سمع: يحيى بن سعيد الانصاري، ومطرف بن طريف، وهشام بن
عروة، وعاصما الاحول، والمختار بن فلفل، والاعمش، وأبا
إسحاق الشيباني، وأبا حيان التيمي، وداود بن أبي هند،
وأجلح بن عبد الله، وأشعث بن سوار، وبريد بن عبد الله بن
أبي بردة، وإسماعيل بن أبي خالد، وزكريا بن أبي زائدة،
وسعد بن طريف الاسكاف، وعبيدالله بن عمر، وموسى الجهني،
ويزيد بن أبي زياد، وأبا مالك الاشجعي، وخلقا كثيرا.
حدث عنه: خالد بن مخلد، وزكريا بن عدي، ومعلى بن منصور
الرازي، وفروة بن أبي المغراء، وإسماعيل بن أبان الوراق،
وإسماعيل بن الخليل، وبشر بن آدم الضرير، والسري السقطي،
وأبو بكر بن أبي شيبة، وسهل بن عثمان، وسويد بن سعيد، وعبد
الله بن عامر بن زرارة، وعلي بن حجر، وعثمان بن أبي شيبة،
وعلي بن حكيم الاودي، وعلي بن سعيد بن مسروق، ومحرز بن
عون، ومحمد بن عبيد المحاربي، ومنجاب بن الحارث، وأبو همام
السكوني، وهناد، وخلق سواهم.
قال أحمد بن حنبل: هو أثبت من أبي معاوية في الحديث.
وقال عثمان بن سعيد: قلت لابن معين: علي بن مسهر أحب إليك
أو أبو خالد الاحمر ؟.
فقال: علي أحب إلي.
قلت: فعلي ويحيى بن أبي
(8/485)
زائدة ؟ فقال: كلاهما ثقتان.
قال يحيى بن معين: قال عبد الله بن نمير: كان علي بن مسهر
يجيئني فيسألني: كيف حديث كذا ؟ وكان قد دفن كتبه.
قال يحيى: علي أثبت من ابن نمير.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: علي بن مسهر قرشي من
أنفسهم، كان ممن جمع الحديث والفقه، ثقة.
وقال شيخنا أبو الحجاج: هو من خزيمة بن لؤي بن غالب، وهم
عائذة قريش.
وقال أبو زرعة: صدوق ثقة.
وعن يحيى بن معين قال: ولي قضاء إرمينية، فلما سار إليها،
اشتكى عينه، فجعل يختلف إليه متطبب.
فقال القاضي الذي كان بإرمينية: أكجله بشئ يذهب عينه حتى
أعطيك كذا وكذا، فكحله بشئ، فذهبت عينه فرجع إلى الكوفة
أعمى.
قال أبو بكر بن منجويه: مات سنة تسع وثمانين ومئة.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي، أخبرنا سعيد بن أحمد،
أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص،
حدثنا عبد الله ابن محمد البغوي، حدثنا عثمان، حدثنا علي
بن مسهر قاضي الموصل، عن سعد بن طارق، عن ربعي بن حراش، عن
حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن حوضي لابعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته
أكثر من عدد النجوم وهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من
العسل،
(8/486)
والذي نفسي بيده إني لاذود عنه الرجال كما يذود الرجال
الغريبة من الابل عن حوضه.
قال: قيل: يا رسول الله، وهل تعرفنا يومئذ ؟ قال: نعم،
تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء ليست لاحد غيركم ".
هذا حديث صحيح أخرجه ملم (1) وابن ماجه، عن عثمان وهو ابن
أبي شيبة.
129 - غنجار * (خت، ق)
محدث بخارى، الشيخ أبو أحمد عيسى بن موسى البخاري
الازرق، غنجار.
له رحلة ومعرفة.
حدث عن: سفيان الثوري، وعيسى بن عبيد الكندي، وورقاء بن
عمر، وأبي حمزة السكري، وخلق.
حدث عنه: بحير بن النضر، ومحمد بن سلام البيكندي، وإسحاق
ابن حمزة البخاري، ومحمد بن أمية الساوي، ومحمد بن الفضل،
وآخرون.
قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب الحديث على كبر السن، ورحل،
وهو في نفسه صدوق.
تتبعت رواياته عن الثقات، فوجدتها مستقيمة، يروي عن أكثر
من مئة شيخ من المجهولين.
قلت: له حديث معلق في صحيح البخاري.
وهو: روى عيسى
__________
(1) رقم (248) في الطهارة: باب استحباب إطالة الغرة
والتحجيل في الوضوء، وابن ماجه (4302) في الزهد باب: ذكر
الحوض.
* التاريخ الكبير: 5 / 366، التاريخ الصغير: 2 / 329،
الضعفاء للعقيلي: 3 / 336، تهذيب الكمال: 1085، تذهيب
التهذيب: 3 / 131 / 2، ميزان الاعتدال: 3 / 325، لسان
الميزان: 4 / 406، الوافي بالوفيات: 1 / 48، تهذيب
التهذيب: 8 / 232، خلاصة تذهيب الكمال: 303.
(*)
(8/487)
عن رقبة، عن قيس بن مسلم في: بدء الخلق (1).
وقد سقط رجل بين عيسى ورقبة وهو أبو حمزة السكري، وما أدرك
غنجار رقبة.
توفي غنجار في آخر سنة ست وثمانين ومئة.
قال الدارقطني: غنجار لا شئ.
أنبأنا عبدالرحمن بن محمد، وفاطمة بنت علي، قالا: أخبرنا
عمر بن محمد، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن غيلان، أخبرنا
أبو إسحاق المزكي، أخبرنا أحمد بن حمدون بن رستم قال: قلت،
ببلخ، لمحمد بن الفضل البخاري: حدثكم عيسى بن موسى غنجار،
حدثنا أبو حمزة السكري، عن الاعمش، عن أيوب، عن محمد بن
سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " لا يقولن أحدكم للعنب الكرم، فإنما الكرم قلب ابن
آدم " (2).
فأقر به، وقال: نعم، غريب ما رواه عن الاعمش، عن أيوب غير
أبي حمزة، ولا عنه سوى غنجار، وقع لنا عاليا.
رواه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن إبراهيم الرازي،
حدثنا إبراهيم بن محمد المؤدب، حدثنا أبي، حدثنا غنجار.
__________
(1) 6 / 207 في أول بدء الخلق، ونصه: وروى عيسى (غنجار) عن
رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر رضي
الله عنه يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما
فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل
النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظ، ونسيه من نسيه.
(2) رجاله ثقات وهو في " معجم الطبراني الصغير " 1 / 77،
وقد تحرف فيه عيسى بن موسى إلى: أبو عيسى، وأخرجه البخاري:
10 / 465، 467، ومسلم (2247) من حديث أبي هريرة مرفوعا: "
لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم المسلم ".
وفي رواية: " فإن الكرم قلب المؤمن "، وأخرجه مسلم (2248)
من حديث واثل بن حجر مرفوعا بلفظ: " لا تقولوا الكرم، ولكن
قولوا العنب والحبلة ".
قال ابن الجوزي: إنما نهي عن هذا لان العرب كانوا يسمونها
كرما لما يدعون من إحداثها في قلوبي شاربيها من الكرم،
فنهي عن تسميتها بما تمدح به لتأكيد ذمها وتحريمها، وعلم
أن قلب المؤمن لما فيه من نور الايمان أولى بذلك الاسم.
(*)
(8/488)
130 - عيسى بن يونس
* (ع)
ابن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، الامام القدوة، الحافظ،
الحجة، أبو عمرو، وأبو محمد الهمداني، السبيعي الكوفي،
المرابط بثغر الحدث (1)، أخو الحافظ إسرائيل.
أخبرنا أبو حفص عمر بن غدير الطائي، أخبرنا عبد الصمد بن
محمد، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن محمد،
أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، أخبرنا عبد الله بن علي بن
إبراهيم العمري بالموصل، حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن
أبي خداش حدثنا عيسى ابن يونس، عن محمد بن عمرو، عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل ".
هذا حديث غريب جدا (2).
__________
* التاريخ الكبير: 6 / 406، التاريخ الصغير: 2 / 143،
تاريخ الطبري: 7 / 634، مشاهير علماء الامصار: 186، تاريخ
بغداد: 11 / 152، تهذيب الكمال: 1068، تذهيب التهذيب: 3 /
13 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 279، ميزان الاعتدال: 3 / 328،
العبر: 1 / 203، 300، 449، تهذيب التهذيبب: 8 / 237، خلاصة
تذهيب الكمال: 304.
(1) قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش.
من الثغور الشامية، ويقال لها الحمراء، لان تربتها حمراء،
وقلعتها على جبل يقال له: الاحيدب، وفي كتاب أحمد بن يحيى
بن جابر: كان حصن الحدث مما فتح في أيام عمر رضي الله عنه،
فتحه حبيب بن مسلمة الفهري من قبل عياض ابن غنم، وكان
معاوية يتعاهده بعد ذلك، وسميت بعد ذلك بالمهدية، نسبة إلى
المهدي الذي بناها بعد خرابها وذلك في سنة 162، قال
الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشقاء وكثرت الامطار
ولم يكن بناؤها وثيقا فهدم سور المدينة، ثم أعاد الرشيد
عمارتها وأسكنها الجند، وفي أيام سيف الدولة كان له به
وقعات وخربته الروم في أيامه، وخرج سيف الدولة في سنة 343
لعمارته، فعمره وأتاه الدمستق في جموعه فردهم سيف الدولة
مهزومين وفي ذلك يقول المتنبي:
هل الحدث الحمراء تعرف لونها * وتعلم أي الساقيين الغنائم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا * وموج المنايا حملها
متلاطم (2) والصحيح ما أخرجه مالك في " الموطأ ": 2 / 855،
والبخاري: 12 / 218، = (*)
(8/489)
قرأت على أحمد بن هبة الله، عن عبدالمعز بن محمد، أخبرنا
تميم المؤدب، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو
بن حمدان، حدثنا أبو يعلى، حدثنا أحمد بن جناب، حدثني عيسى
بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيروا الشيب ولا تشبهوا
باليهود " (1).
أخرجه النسائي عن عثمان بن خرزاذ، عن أحمد بن جناب.
حدث عن أبيه وأخيه، ولم يدرك السماع من جده، كان صبيا في
زمانه، وروى أيضا عن: سليمان التيمي، وهشام بن عروة، وأبي
حيان التيمي، والجريري، وزكريا بن أبي زائدة، والاعمش،
وإسماعيل بن أبي خالد، وطلحة بن يحيى وعبد الملك بن أبي
سليمان، وعبيدالله بن أبي زياد القداح، وعمر بن سعيد بن
أبي حسين، وعوف، ومجالد، وعبيدالله بن عمر، ويحيى بن سعيد
الانصاري، وعمر مولى غفرة، وحسين المعلم، وهشام بن حسان،
وابن أبي ليلى، ومعمر، والاوزاعي، وشعبة، ومسعر، والثوري،
وخلق كثير.
وكان واسع العلم، كثير الرحلة، وافر الجلالة.
حدث عنه: بقية، وابن وهب، والوليد بن مسلم، وإسماعيل بن
__________
= 219، ومسلم (1681) من طريق ابن شهاب، عن أبي سلمة بن
عبدالرحمن، عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما
الاخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بغرة
عبد أو وليد.
وروى البخاري: 12 / 20، ومسلم (1681) (35) من طريق ابن
شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أنه قضى رسوله
الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط
ميتا بغرة عبد أو أمة.
(1) رجاله ثقات، وهو في سنن النسائي: 8 / 137 كتاب الزينة:
باب الاذن في الخضاب، وأخرجه أحمد: 2 / 261 و 499،
والترمذي (1752 من طريق آخر، وسنده حسن.
(*)
(8/490)
عياش، وطائفة من أقرانه.
وحدث عنه: حماد بن سلمة أحد شيوخه، والحكم بن موسى، وبشر
الحافي، وسليمان بن بنت شرحبيل، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، وعلي بن خشرم، ومسدد،
وعمرو الناقد، ومحمد بن مهران الجمال، ومؤمل بن الفضل،
ونصر بن علي الجهضمي، ويحيى بن معين، ويزيد بن موهب،
ويعقوب الدورقي، وهشام بن عمار، وأبو نعيم الحلبي، وأحمد
بن جناب، وأحمد بن عبدة الضبي، والحسن بن عرفة، وسعيد بن
يحيى الاموي، وسفيان، ووكيع، والنفيلي، وأمم سواهم.
وقد حدث عنه أبوه يونس بن أبي إسحاق، ومات أبوه قبل ابن
عرفة بأكثر من مئة عام.
وثقه أحمد، وأبو حاتم، والنسائي، وابن خراش، وطائفة.
قال أحمد بن حنبل: هو أصح حديثا من أبيه.
قيله له: فإسرائيل ؟ قال: ما أقربهما.
وقال المروذي، عن أحمد: ثبت.
وكنا نخبر أنه سنة في الغزو، وسنة في الحج.
وقد قدم بغداد في شئ من
أمر الحصون، فأمر له بمال، فأبى أن يقبله.
الاثرم، عن أحمد قال: كان عيسى بن يونس يسند حديث عائشة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، [ ويثيب
عليها) (1).
والناس
__________
(1) أخرجه البخاري: 5 / 154 في الهداية: باب المكافأة في
الهبة، وأبو داود (3536) في البيوع: باب في قبول الهدايا،
والترمذي (1954) في البر: باب في قبول الهدية والمكافأة
عليها، من طرق، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقبل...(*)
(8/491)
يرسلونه، وكذا قال ابن معين.
قال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين، قلت: فعيسى بن يونس
أحب إليك أو أبو معاوية ؟ فقال: ثقة وثقة.
وقال حرب بن إسماعيل: سئل علي ابن المديني عن عيسى بن
يونس، فقال: بخ بخ، ثقة، مأمون.
وقال ابن عمار: هو أثبت من إسرائيل، عيسى حجة.
وقال العجلي: ثقة ثبت يسكن الثغر.
وقيل: إنه زار ابن عيينة، فقال: مرحبا بالفقيه ابن الفقيه
ابن الفقيه.
وقال أبو زرعة: كان حافظا.
وقال أبو همام السكوني: حدثنا عيسى بن يونس الثقة الرضى.
وقال ابن راهويه: قلت لوكيع: إني أريد أن أذهب إلى عيسى بن
يونس، قال: تأتي رجلا قد قهر العلم.
إبراهيم بن هاشم البغوي: سمعت بشر بن الحارث يقول: كان
عيسى بن يونس يعجبه خطي، فكان يأخذ القرطاس، فيقرؤه علي.
قال: كتبت من نسخة قوم شيئا ليس من حديثه.
قال: كأنهم لما رأوا إكرامه لي، أدخلوا عليه في حديثه.
قال: فجعل يقرأ علي، ويضرب على تلك الاحاديث، فغمني ذلك،
فقال: لا يغملك، لو كان واوا ما قدروا أن يدخلوه علي، أو
قال: لو كان واوا، لعرفته.
وروى حنبل، عن أبي نعيم، أنه فضل عيسى بن يونس على
(8/492)
إبراهيم بن يوسف السبيعي.
وقال: لم يسمع إبراهيم من أبيه.
قال أحمد بن داود الحداني: سمعت عيسى بن يونس يقول: لم يكن
من أسناني أو قال: من أترابي أبصر بالنحو مني، فدخلني منه
نخوة فتركته.
قال: ورأيت فرجا خادم أمير المؤمنين جاء إلى عيسى وهو قاعد
بدرب الحدث على بابه، فكلمه، فما رفع به رأسا، ولا نظر
إليه، فانصرف ذليلا.
أبو سعيد الاشج: حدثنا عمر بن أبي الرطيل، عن أبي بلال
الاشعري، عن جعفر البرمكي قال: ما رأينا في القراء مثل
عيسى بن يونس، أرسلنا إليه، فأتانا بالرقة، فاعتل قبل أن
يرجع.
فقلت له: يا أبا عمرو، قد أمرنا لك بعشرة آلاف.
فقال: هيه.
قلت: خمسون ألفا.
قال: لا حاجة لي فيها.
فقلت: ولم ؟ والله، لاهنينكها، هي والله مئة ألف، قال: لا
والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنا، ألا كان
هذا قبل أن ترسلوا إلي، فأما على الحديث، فلا، ولا شربة
ماء، ولا إهليلجة (1).
قال أحمد بن داود: وسمعت محمد بن عبيد الطنافسي يقول
لاصحاب الحديث: ألا تكونون مثل عيسى بن يونس، كان إذا أقبل
إلى الاعمش ومعه الشباب والشيوخ ينظرون إليه، وإلى هديه
وسمته.
وروى محمود بن غيلان، عن محمد بن عبيد قال: رأيت أصحاب
__________
(1) الاهليلج، بكسر الالف وفتح اللام، وقد تكسر، والواحدة
بهاء: شجر ينبت في الهند وكابل والصين ثمره على هيئة حب
الصنوبر الكبار.
(*)
(8/493)
الاعمش الذين لا يفارقونه: عيسى بن يونس، وأبو بكر بن
عياش، وحفص بن غياث.
الحسن بن علي الحلواني، عن محمد بن داود، سمعت عيسى ابن
يونس يقول: أربعون حديثا حدثنا بها الاعمش، فيها ضرب
الرقاب، لم يشركني فيها غير محمد بن إسحاق، وربما قال له
الاعمش: من معك ؟ فيقول: عيسى.
فيقول: ادخلا، وأجيفا الباب، وكان يسأله عن حديث الفتن.
إبراهيم بن موسى، عن الوليد بن مسلم، قال: ما أبالي من
خالفني في الاوزاعي ما خلا عيسى بن يونس، فإني رأيت أخذه
أخذا محكما.
قال أحمد بن جناب: غزا عيسى بن يونس خمسا وأربعين غزوة،
وحج كذلك.
قال يحيى بن معين: رأيت عيسى بن يونس عليه قباء محشو،
وخفان أحمران يعني كان بزي الاجناد.
وقال محمد بن المنكدر الكندي: جاء المأمون إلى عيسى بن
يونس، فسمع منه، فأعطاه عشرة آلاف فردها.
قال أحمد بن جناب، وسليمان بن عمرو، وعلي بن بحر، وعبد
الله بن جعفر: مات سنة سبع وثمانين، وقال المدائني، ومحمد
بن المثنى، والداني، ومحمد بن مصفى: سنة ثمان وثمانين.
زاد ابن مصفى في نصف شعبان.
(8/494)
131 - أبو بكر بن عياش
* (خ، 4) ابن سالم الاسدي، مولاهم الكوفي الحناط بالنون
المقرئ، الفقيه، المحدث، شيخ الاسلام، وبقيه الاعلام، مولى
واصل الاحدب.
وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، فإن أبا هاشم الرفاعي، وحسين
ابن عبد الاول، سألاه عن اسمه، فقال: شعبة.
وسأله يحيى بن آدم وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي.
وأما النسائي فقال: اسمه محمد.
وقيل: اسمه مطرف.
وقيل: رؤبة.
وقيل: عتيق.
وقيل: سالم.
وقيل: أحمد، وعنترة، وقاسم، وحسين، وعطاء، وحماد، وعبد
الله.
قال هارون بن حاتم: سمعته يقول: ولدت سنة خمس وتسعين.
قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات على عاصم بن أبي
النجود، وعرضه أيضا فيما بلغنا على عطاء بن السائب، وأسلم
المنقري.
وحدث عن: عاصم، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير،
وإسماعيل السدي، وصالح مولى عمرو بن حريث، حدثه عن
__________
* التاريخ لابن معين: 666، طبقات خليفة: 170، تاريخ خليفة:
466، التاريخ الكبير: 9 / 14، التاريخ الصغير: 2 / 272،
المعرفة والتاريخ: 1 / 150، 182، 183، و 2 / 172، حلية
الاولياء: 7 / 303، تهذيب الكمال: 1585، تذهيب التهذيب: 4
/ 202 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 265، ميزان الاعتدال: 4 /
494، العبر 1 / 304، 311، 312، معرفة القراء: 1 / 110،
115، طبقات القراء: 325، 327، تهذيب التهذيب: 12 / 34،
مقدمة فتح الباري: 456، خلاصة تذهيب الكمال: 445، شذرات
الذهب: 1 / 334.
(*)
(8/495)
أبي هريرة، وحصين بن عبدالرحمن، وأبي حصين عثمان بن عاصم،
وحميد الطويل، والاعمش، وهشام بن حسان، ومنصور بن المعتمر،
ومغيرة بن مقسم، ومطرف بن طريف، ويحيى بن هاني ء المرادي،
ودهثم بن قران، وسفيان التمار، وحبيب بن أبي ثابت، وهو من
كبار شيوخه، وعبد العزيز بن رفيع، وهشام بن عروة، وخلق
سواهم.
حدث عنه: ابن المبارك، والكسائي، ووكيع، وأبو داود، وأحمد
ابن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه،
وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأبو كريب، وعلي بن محمد الطنافسي،
والحسن بن عرفة، وأبو هشام الرفاعي، ويحيى الحماني، وهناد
بن السري، وخلق كثير، آخرهم موتا: أحمد بن عبد الجبار
العطاردي.
وتلا عليه جماعة، منهم: أبو الحسن الكسائي، ومات قبله،
ويحيى العليمي، وأبو يوسف الاعشى، وعبد الحميد بن صالح
البرجمي، وعروة بن محمد الاسدي، وعبد الرحمن بن أبي حماد،
وأخذ عنه الحروف تحريرا وإتقانا: يحيى بن آدم.
ذكره أحمد بن حنبل فقل: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن وخير.
قال أبو حاتم: سمعت علي بن صالح الانماطي، سمعت أبا بكر
ابن عياش يقول: القرآن كلام الله ألقاه إلى جبريل، وألقاه
جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، منه بدأ، وإليه يعود.
وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر
بن عياش
(8/496)
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال غير واحد: إنه صدوق، وله أوهام.
وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي بكر، وإذا ذكر
عنده، كلح وجهه.
وروى منها بن يحيى، عن أحمد بن حنبل، قال: أبو بكر كثير
الغلط جدا، وكتبه ليس فيها خطأ.
قال علي ابن المديني: سمعت يحيى القطان، يقول: لو كان أبو
بكر بن عياش بين يدي ما سألته عن شئ.
ثم قال: إسرائيل فوقه.
قال محمد بن عبد الله بن نمير: أبو بكر ضعيف في الاعمش
وغيره.
وقال عثمان الدارمي: أبو بكر وأخوه حسن ليسا بذاك.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي بكر، وأبي الاحوص.
فقال: ما أقربهما، لا أبالي بأيهما بدأت.
وقال أبي: أبو بكر وشريك في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر
أصح كتابا.
وقال نعيم بن حماد: سمعت أبا بكر يقول: سخاء الحديث كسخاء
المال.
قلت: فأما حاله في القراءة، فقيم بحرف عاصم، وقد خالفه حفص
في أزيد من خمس مئة حرف، وحفص أيضا حجة في القراءة، لين في
الحديث.
وقد وقع لي حديث أبي بكر عاليا، فأنبأنا أحمد بن سلامة،
(8/497)
والخضر بن عبد الله بن حمويه، وأحمد بن أبي عصرون، عن أبي
الفرج بن كليب، أخبرنا علي بن بيان، أخبرنا محمد بن محمد،
أخبرنا إسماعيل بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني أبو
بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأحرمنا بالحج،
فلما قدمنا مكة قال: " اجعلوا حجكم عمرة "، فقال الناس: يا
رسول الله، فكيف نجعلها عمرة، وقد أحرمنا بالحج ؟ قال: "
انظروا الذي آمركم به، فافعلوا " فردوا عليه القول فغضب،
ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه
فقالت: من أغضبك أغضبه الله.
قال: " ومالي لا أغضب وأنا آمر بالامر فلا أتبع ".
هذا حديث صحيح من العوالي، يرويه عدة في وقتنا عن النجيب،
وابن عبد الدائم بسماعهما من ابن كليب.
أخرجه ابن ماجة (1) عن الثقة عن أبي بكر.
قال عثمان بن أبي شيبة: أحضر هارون الرشيد أبا بكر بن عياش
من الكوفة، فجاء ومعه وكيع، فدخل ووكيع يقوده، فأدناه
الرشيد، وقال له: قد أدركت أيام بني أمية وأيامنا، فأينا
خير ؟ قال: أنتم أقوم
بالصلاة، وأولئك كانوا أنفع للناس.
قال: فأجازه الرشيد بستة آلاف دينار، وصرفه، وأجاز وكيعا
بثلاثة آلاف.
رواها محمد بن عثمان عن أبيه.
__________
(1) رقم (2982) في المناسك: باب فسخ الحج من طريق محمد بن
الصباح، حدثنا أبو بكر بن عياش: عن أبي إسحاق، عن البراء،
وأخرجه أحمد في المسند: 4 / 286، وأورده الهيثمي في "
المجمع ": 3 / 233، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال
الصحيح، والامر بفسخ الحج إلى العمرة، رواه غير واحد من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أورد أحاديثهم ابن القيم
في " زاد المعاد ": 2 / 169 - 187 بتحقيقنا، فراجعه، فإنه
نفيس.
(*)
(8/498)
قال أبو داود: حدثنا حمزة بن سعيد المروزي، وكان ثقة، قال:
سألت أبا بكر بن عياش.
فقلت: قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن.
قال: ويلك، من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق
عدو الله لا نجالسه ولا نكلمه.
روى يحيى بن أيوب، عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يفرش
لابي بكر بن عياش فراش خمسين سنة.
ابن أبي شيخ: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: زاملت أبا بكر بن
عياش إلى مكة، فما رأيت أورع منه، لقد أهدى له رجل رطبا،
فبلغه أنه من بستان أخذ من خالد بن سلمة المخزومي، فأتى آل
خالد، فاستحلهم، وتصدق بثمنه.
قال أبو عبد الله المعيطي: رأيت أبا بكر بن عياش بمكة جاءه
سفيان ابن عيينة، فبرك بين يديه، فجاء رجل يسأل سفيان عن
حديث، فقال: لا تسألني عن حديث مادام هذا الشيخ قاعدا.
رواها يعقوب بن شيبة عن
المعيطي، وقال: فجعل أبو بكر يقول: يا سفيان، كيف أنت ؟
وكيف عائلة أبيك ؟ قال أحمد بن حنبل: سمعت أبا بكر يقول:
قال لي عبدالملك بن عمير: حدثني.
وكنت أحدث أبا إسحاق السبيعي، فيستمع إلي، وكنت أحدث
الاعمش، فيستعيدني.
قال أبو هشام (1) الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: أنا أكبر من
سفيان الثوري بسنتين.
__________
(1) في الاصل: " أبو هشام " وما أثبتناه هو الصواب.
(*)
(8/499)
وقال سفيان بن عيينة: أبو بكر أكبر مني بعشر سنين.
وقال الاخنسي: سمعت أبا بكر يقول: والله لو أعلم أن أحدا
يطلب الحديث بمكان كذا وكذا، لاتيت منزله حتى أحدثه.
وعن محمد بن عيسى بن الطباع، قال: شهد أبو بكر بن عياش عند
شريك، فكأنه رأى من شريك استخفافا.
فقال: أعوذ بالله أن أكون جبارا، قال: فقال شريك: ما كنت
أظن أن هذا الحناط هكذا أحمق.
وقال أبو أحمد الزبيري: كنت عند الثوري، وكان أبو بكر بن
عياش غائبا، فجاءه أخوه الحسن بن عياش، فقال سفيان: أيش
حال شعبة، قدم بعد ؟ يعني أخاه.
وقال بشر الحافي: قال عيسى بن يونس: سألت أبا بكر بن عياش
عن الحديث، فقال: إن كنت تحب أن تحدث فلست بأهل أن تؤتى،
وإن كنت تكره أن تؤتى، فبالحري أن تنجو.
قال يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن يونس، وذكروا له حديثا
أنكروه من حديث أبي بكر، عن الاعمش.
فقال: كان الاعمش يضرب هؤلاء ويشتمهم ويطردهم، وكان يأخذ
بيد أبي بكر، فيجلس معه في زاوية لحال القرآن.
وقال أبو هشام الرفاعي: قال أبو بكر بن عياش للحسن بن
الحسن بالمدينة: ما أبقت الفتنة منك ؟ فقال: وأي فتنة
رأيتني فيها ؟ قال: رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم.
أبو هشام الرفاعي: سمعت أبو بكر بن عياش يقول: أبو بكر
الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نص القرآن،
لان الله تعالى يقول: [ للفقراء
(8/500)
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من
الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون ] [
الحشر: 8 ].
قال: فمن سماه الله صادقا فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال يعقوب بن شيبة الحافظ: كان أبو بكر معروفا بالصلاح
البارع، وكان له فقه، وعلم الاخبار، وفي حديثه اضطراب.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر
غلطا من أبي بكر.
وقال يزيد بن هارون: كان أبو بكر بن عياش خيرا فاضلا، لم
يضع جنبه [ على ] الارض أربعين سنة.
وقال يحيى بن عبدالحميد الحماني: حدثني أبو بكر بن عياش
قال: جئت ليلة إلى زمزم، فاستقيت منه دلوا لبنا وعسلا.
قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة:
معذور، ومخبور، ومجبور، ومثبور.
فالمعذور: البهائم، والمخبور: ابن آدم، والمجبور: الملك،
والمثبور: الجن.
وعن أبي بكر بن عياش قال: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى
به عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية.
روى عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين، قال: الحسن
ابن عياش، وأخوه أبو بكر: ثقتان.
قال أحمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: سمعت الاعمش
(8/501)
يقول لاصحاب الحديث، إذا حدث بثلاثة أحاديث: قد جاءكم
السيل، وأنا اليوم مثل الاعمش.
فقلت: من فوائد أبي عمرو أحمد بن محمد النيسابوري، حدثنا
أبو تراب محمد بن الفرج، قال: سمعت خالد بن عبد الله
الكوفي يقول: كان في سكة أبي بكر بن عياش كلب، إذا رأى
صاحب محبرة حمل عليه، فأطعمه أصحاب الحديث شيئا فقتلوه،
فخرج أبو بكر، فلما رآه ميتا، قال: إنا لله، ذهب الذي كان
يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
قال يحيى بن آدم: قال لي أبو بكر: تعلمت من عاصم القرآن
كما يتعلم الصبي من المعلم، فلقي مني شدة، فما أحسن غير
قراءته.
وهذا الذي أحدثك به من القراءات، إنما تعلمته من عاصم
تعلما.
وفي رواية عن أبي بكر قال: أتيت عاصما، وأنا حدث.
وقال هارون بن حاتم: سمعت رجلا أنه سأل أبا بكر: أقرأت على
أحد غير عاصم ؟ قال: نعم، على عطاء بن السائب، وأسلم
المنقري.
هذا إسناد لم يصح.
قال يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش قال: تعلمت القرآن من
عاصم خمسا خمسا، ولم أتعلم من غيره، ولا قرأت على غيره.
يحيى، عن أبي بكر قال: اختلفت إلى عاصم نحوا من ثلاث سنين،
في الحر والشتاء والمطر، حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني
كاهل.
وقال لي عاصم: احمد الله تعالى، فإنك جئت وما تحسن شيئا،
فقلت: إنما خرجت من المكتب ثم جئت إليك.
(8/502)
قال: فلقد فارقت عاصما، وما أسقط من القرآن حرفا.
قال عبيد بن يعيش: سمعت أبا بكر يقول: ما رأيت أحدا أقرأ
من عاصم، فقرأت عليه، وما رأيت أحدا أفقه من المغيرة (1)
فلزمته.
وعن أبي بكر بن عياش قال: الدخول في العلم سهل، لكن الخروج
منه إلى الله شديد.
وعن بشر بن الحارث، سمع أبا بكر بن عياش يقول: يا ملكي
ادعوا الله لي، فإنكما أطوع لله مني.
وقد روي من وجوه متعددة، أن أبا بكر بن عياش مكث نحوا من
أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة.
وهذه عبادة يخضع لها، ولكن متابعة السنة أولى.
فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عبد الله بن عمرو
أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث (2).
وقال عليه السلام: " لم يفقه من قرأ [ القرآن ] في أقل من
ثلاث " (3).
قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا يحيى الحماني، قال: لما
__________
(1) هو المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث بن عياش المخزومي،
أبو هاشم، فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس، عرض عليه
الرشيد القضاء بها فامتنع، قال ابن عبد البر: كان مدار
الفتوى في آخر زمان مالك وبعده على المغيرة بن عبدالرحمن،
وعلى محمد بن إبراهيم بن دينار، ولد سنة 124 وتوفي سنة
186.
مترجم في " التهذيب " 10 / 264.
(2) أخرجه البخاري: 4 / 195.
(3) أخرجه أبو داود (1394) في الصلاة: باب تحزيب القرآن،
والترمذي (1950) في القراءات: باب في كم يختم القرآن،
وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن مسعود رضي
الله عنه: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح فيما ذكره الحافظ
في " الفتح " 9 / 83 عنه: اقرؤ وا القرآن في سبع ولا
تقرؤوه في أقل من ثلاث.
(*)
(8/503)
حضرت أبا بكر الوفاة، بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك ؟
انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف
ختمة.
قال سفيان بن عيينة: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا
في النوم عجوزا مشوهة.
وروى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن عبيد القرشي وهو والده،
إن شاء الله قال: قال أبو بكر بن عياش: وودت أنه صفح لي
عما كان مني في الشباب، وأن يدي قطعتا.
سئل أبو بكر عن القرآن فقال: هو كلام الله غير مخلوق.
وعن أبي بكر قال: إمامنا (1) يهمز (مؤصدة) (2)، فأشتهي أن
أسد أذني إذا همزها.
قال أحمد بن يونس: قلت لابي بكر بن عياش: لي جار رافضي قد
مرض.
قال: عده مثل ما تعود اليهودي والنصراني، لا تنوي فيه
الاجر.
قال يوسف بن يعقوب الصفار: سمعت أبا بكر يقول: ولدت سنة
سبع
وتسعين، وأخذت رزق عمر بن عبد العزيز، ومكثت خمسة أشهر، ما
شربت ماء، وما أشرب إلا النبيذ.
قلت: النبيذ الذي هو نقيع التمر، ونقيع الزبيب، ونحو ذلك،
__________
(1) هو عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة، إمام أبي
بكر بن عياش في القراءة.
(2) قرأ أبو عمرو وحمزة وحفص، عن عاصم " مؤصدة " بالهمز،
وقرأ الباقون بغير همز، فمن همزه " مفعلة " من: آصدت
الباب، أي أطبقته، مثل " آمنت "، فاء الفعل همزة آصد يؤصد
إيصادا، ومن ترك الهمز، جعله من: أوصد يوصد إيصادا، فاء
الفعل واو، قال الكسائي: أوصدت وآصدته: إذا رددته.
(*)
(8/504)
والفقاع، حلال شربه، وأما نبيذ الكوفيين الذي يسكر كثيره،
فحرام الاكثار منه عند الحنفية وسائر العلماء، وكذلك يحرم
يسيره عنه الجمهور، ويترخص فيه الكوفيون، وفي تحريمه عدة
أحاديث (1).
وكان الامام أبو بكر قد قطع الاقراء قبل موته بنحو من
عشرين سنة، ثم كان يروي الحروف، فقيدها عنه يحيى بن آدم
عالم الكوفة، واشتهرت قراءة عاصم من هذا الوجه وتلقتها
الامة بالقبول، وتلقاها أهل العراق.
وأما الحديث، فيأتي أبو بكر فيه بغرائب، ومناكير.
قال محمد بن المثنى: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أبي
بكر ابن عياش عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب، قال:
قال عمر: لا تقطع الخمس إلا في خمس، وحديث مطرف عن الشعبي،
أن عمر قال: لا يرث قاتل خطأ ولا عمدا.
حدث بهما أبو بكر، فأيهما أنكر عندك ؟ وكان حديث مطرف عندي
أنكر فقال: حديث منصور، ثم قال عبدالرحمن: قد سمعتهما منه
منذ أربعين سنة (2).
قال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن
ابن
__________
(1) منها حديث عائشة في الموطأ: 2 / 845، والبخاري: 10 /
35، ومسلم (2001) أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن البتع ؟ فقال: " كل شراب أسكر حرام " وفي البخاري:
8 / 50، ومسلم (1586) رقم الحديث الخاص (70) عن أبي موسى
قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل
إلى اليمن، فقلت: يارسول الله، إن شرابا يصنع بأرضنا، يقال
له: المزر، من الشعير، وشراب يقال له: البتع، من العسل،
فقال: " كل مسكر حرام " وأخرج أبو داود (3681) والترمذي
(1866) وابن ماجه (3391) من حديث جابر بن عبد الله أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أسكر كثيره فقليله حرام
" وسنده قوي، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385).
(2) الخبر في " ميزان الاعتدال " 4 / 500.
(*)
(8/505)
سيرين، عن أبي هريرة قال: أتى رجل أهله، فرأى ما بهم من
الخصاصة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما
يعتجن، ويختبز، قال: فإذا الجفنة ملاى عجينا، وإذا الرحى
تطحن، وإذا التنور ملاى جنوب شواء.
فجاء زوجها، فقال: عندكم شئ ؟ قالت: نعم رزق الله، فجاء
فكنس ما حول الرحى، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: " لو تركها لدارت أو لطحنت إلى يوم القيامة "
(1) فهذا حديث منكر.
قال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد ينكر حديث أبي بكر بن
عياش، عن أبي إسحاق، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: ذكر عند
ابن مسعود امرأة، فقالوا: إنها تغتسل ثم تتوضأ.
فقال: أما إنها لو كانت عندي لم تفعل ذلك.
قال أحمد: نراه وهم ؟ أبو بكر، وإنما هذا يرويه الاعمش، عن
إبراهيم، عن علقمة.
الحسن بن عليل العنزي: حدثنا محمد بن إسماعيل القرشي، عن
أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد: كيف استخلف أبو بكر
رضي الله عنه ؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله، وسكت
رسوله، وسكت المؤمنون.
فقال: والله ما زدتني إلا عمى.
قلت: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام، فدخل
عليه بلال، فقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس، فصلى بالناس
ثمانية أيام، والوحي ينزل، فسكت رسول الله لسكوت الله،
وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبه
ذلك.
وقال: بارك الله فيك.
زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثني محمد بن
عبد الله، حدثني إبراهيم بن أبي بكر بن عياش، قال: طلب
الرشيد أبي،
__________
(1) أورده المصنف في " الميزان ": 4 / 500.
(*)
(8/506)
فمضى إليه، فقال: إن أبا معاوية حدثني بحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " يكون قوم بعدي ينبزون بالرافضة،
فاقتلوهم فإنهم مشركون ".
فوالله لئن كان الحديث حقا لاقتلنهم، فلما رأيت ذلك خفت
وقلت: يا أمير المؤمنين، لئن كان ذلك، فإنهم ليحبونكم أشد
من بني أمية، وهم إليكم أميل.
قال: فسري عنه وأمر لي بأربع (1) بدر، فأخذتها.
قلت: محمد بن عبد الله مجهول.
قال أبو سعيد الاشج: قدم جرير بن عبدالحميد، فأخلي له مجلس
أبي بكر بن عياش، فقال أبو بكر: والله لاخرجن غدا من رجالي
رجلين لا يبقى عند جرير أحد.
قال: فأخرج أبا إسحاق السبيعي، وأبا حصين.
الاحمسي: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش.
قال نعيم بن حماد: كان أبو بكر بن عياش يبزق في وجوه أصحاب
الحديث.
وقد اعتنى أبو أحمد بن عدي بامر أبي بكر، وقال: لم أر له
حديثا منكرا من رواية ثقة عنه.
قال يوسف بن يعقوب الصفار وغيره، ويحيى بن آدم، وأحمد بن
حنبل: مات أبو بكر في جمادى الاولى سنة ثلاث وتسعين ومئة.
قلت: عاش ستا وتسعين سنة.
أخبرنا ابن قوام، وجماعة قالوا: أخبرنا ابن الزبيدي،
أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداوودي، أخبرنا ابن حمويه،
أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا
أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو
__________
(1) أورده المصنف في " الميزان " 4 / 501، وزاد: ولم تصح
هذه الحكاية.
(*)
(8/507)
بكر، عن حميد، عن أنس سمعه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: " إذا كان يوم القيامة شفعت.
فقلت: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، فيدخلون، ثم
أقول: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شئ " (1).
فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله.
هذا من أغرب ما في الصحيح.
ويوسف: هو القطان، نسبه إلى جده، وأحمد: هو اليربوعي.
132 - عبيدة بن حميد *
(خ، 4) ابن صهيب، العلامة الامام الحافظ، أبو عبد الرحمن
الكوفي الحذاء، يقال: ولاؤه لبني تيم، وقيل: لبني ليث،
وقيل: لضبة.
ولم يكن حذاء.
حدث عن: الاسود بن قيس، ويزيد بن أبي زياد، ويحيى بن سعيد
الانصاري، والركين بن الربيع، والاعمش، ومنصور، ويوسف بن
صهيب، وموسى بن أبي عائشة، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد
الملك بن عمير، ومطرف بن طريف، وأبي مالك الاشجعي، وحميد
الطويل، وعطاء بن السائب، وقابوس بن أبي ظبيان، وخلق
سواهم.
__________
(1) أخرجه البخاري: 13 / 395 في التوحيد: باب كلام الرب
تعالى مع الانبياء وغيرهم.
* التاريخ لابن معين: 386، طبقات خليفة: 328، التاريخ
الكبير: 3 / 25، التاريخ الصغير: 2 / 252، المعرفة
والتاريخ: 2 / 171، مشاهير علماء الامصار: 171.
تهذيب الكمال: 900، تذهيب التهذيب: 3 / 25 / 1، تذكرة
الحفاظ: 1 / 311، ميزان الاعتدال: 3 / 25، العبر: 1 / 306،
تهذيب التهذيب: 7 / 81، خلاصة تذهيب الكمال: 256.
(*)
(8/508)
وعنه: سفيان الثوري وهو أكبر منه، وأحمد بن حنبل، وفروة بن
أبي المغراء، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه
عثمان، وعلي بن حجر، وعمرو الناقد، وهناد بن السري، ووهب
بن بيان، وابن نمير، وإبراهيم بن مجشر، والحسن بن محمد
الزعفراني، وخلق كثير.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، سئل أبي عنه، فقال: هو أحب
إلي من زياد البكائي، وأصلح حديثا.
وروى الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل قال: ما أحسن حديثه،
هو أحب إلي من زياد بن عبد الله.
وقال أبو بكر الاثرم: أحسن أبو عبد الله الثناء على عبيدة
بن حميد جدا، ورفع أمره، وقال: ما أدري ما للناس وله ؟، ثم
ذكر صحة حديثه،
فقال: كان قليل السقط، وأما التصحيف، فليس تجده عنده.
قال أبو عبد الله: أول ما كتبت عنه في مسجد عفان، ثم كتبت
عنه سنة ثمانين، وسنة إحدى وثمانين في مدينة الوضاح.
وقال أحمد بن سعد، عن يحيى بن معين: ثقة.
وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى قال: ما به المسكين من بأس،
ليس له بخت.
وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيى بن معين: لم يكن
به بأس.
كان ينزل في درب المفضل، ثم انتقل إلى قصر وضاح، فعابوه
أنه يقعد عند أصحاب الكتب.
وقال على بن المديني: أحاديثه صحاح، وما رويت عنه شيئا،
(8/509)
وضعفه.
وقال مرة: ما رأيت أصح حديثا من عبيدة الحذاء، ولا أصح
رجالا.
وقال يعقوب بن شيبة: لم يكن من الحفاظ المتقنين.
ذكره سعدويه يوما فقال: كان صاحب كتاب، وكان مؤدبا للامين،
وكان حذاء.
وقال ابن عمار: ثقة.
وقال زكريا الساجي: ليس بالقوي، هو من أهل الصدق.
كان أحمد ابن حنبل يقول: هو قليل السقط، وأما التصحيف، فلى
تجده عنده، ورفع أمره جدا.
وقال النسائي وغيره: ليس به بأس.
وعن ابن نمير قال: قرأت عليه القرآن منذ خمسين سنة، وكتبت
عنه
صحيفة عن عمار الدهني.
وكان شريك يستعين به في المسائل.
وقال ابن سعد: ثقة، صالح الحديث، صاحب نحو وعربية، وقراءة.
قدم من الكوفة أيام هارون أمير المؤمنين، فصيره مع ابنه
محمد، فلم يزل معه حتى مات.
قال هارون بن حاتم: سألت عبيدة بن حميد: متى ولدت ؟ قال:
سنة سبع ومئة.
قال: ومات سنة تسعين ومئة.
وقال مطين: مات سنة تسعين.
(8/510)
133 - عبدة بن سليمان
* (ع) الحافظ الحجة القدوة، أبو محمد الكلابي الكوفي.
حدث عن: عاصم الاحول، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي
خالد، والاعمش، وطائفة.
وعنه: أحمد، وابن راهويه، وأبو خيثمة، وأبو كريب، وأبو
سعيد الاشج، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثقة وزيادة، مع صلاح وشدة فقر،
عليه فروة خلقة لا تساوي كبير شئ.
وقال أحمد العجلي: ثقة صالح، صاحب قرآن.
كان يقرئ.
قلت: توفي في ثالث رجب سنة ثمان وثمانين ومئة بالكوفة،
وصلى عليه قرابته المحدث محمد بن ربيعة الكلابي.
134 - عباد بن العوام *
* (ع) ابن عمر بن عبد الله بن المنذر، الامام المحدث
الصدوق، أبو سهل الكلابي الواسطي.
__________
* التاريخ لابن معين: 379، طبقات خليفة: 171، التاريخ
الكبير: 3 / 315، 6 / 115، التاريخ الصغير: 2 / 243، تاريخ
الطبري: 1 / 117، المعرفة والتاريخ: 2 / 167، تهذيب
الكمال: 874، تذهيب التهذيب: 2 / 261 / 2، تذكرة الحفاظ: 1
/ 312، العبر: 1 / 299، تهذيب التهذيب: 6 / 459، خلاصة
تذهيب الكمال: 249.
* * التاريخ لابن معين: 295، طبقات خليفة: 328، تاريخ
خليفة 457، التاريخ الكبير: 6 / 41، التاريخ الصغير: 2 /
238، مشاهير علماء الامصار: 177، تاريخ بغداد: 11 / 104 -
105، تهذيب الكمال: 652، تذهيب التهذيب: 2 / 121 / 2،
تذكرة الحفاظ: 1 / 261، العبر: 1 / 203، تهذيب التهذيب: 5
/ 99، خلاصة تذهيب الكمال: 187 (*)
(8/511)
حدث عن: أبي مالك الاشجعي، وعبد الله بن أبي نجيح المكي،
وأبي إسحاق الشيباني، وابن عون، وسعيد الجريري، وعدة.
وعنه: أحمد بن حنبل، وعمرو الناقد، وزياد بن أيوب، وعلي بن
مسلم الطوسي، والحسن بن عرفة، وخلق سواهم.
وثقه أبو داود وغيره.
وقال ابن سعد: كان من نبلاء الرجال في كل أمره.
قال: وكان يتشيع، فحبسه الرشيد زمانا، ثم خلى عنه، فأقام
ببغداد.
قلت: أظنه خرج مع إبراهيم، فلذلك سجنه.
قال الحسن بن عرفة: سألني وكيع عن عباد بن العوام، ثم قال:
ليس عندكم أحد يشبهه.
قلت: توفي سنة بضع وثمانين ومئة.
أخبرنا عبد الحافظ، أخبرنا موسى، أخبرنا ابن البناء،
أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا المخلص، حدثنا عبد الله بن
محمد، حدثنا محمد بن أبي
سمينة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن قتادة، عن
زرارة، عن عمران بن حصين: " أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يؤتر بثلاث: يقرأ في الاولى: بسبح.
وفي الثانية: بقل يا أيها الكافرون.
وفي الثالثة: بقل هو الله أحد " (1).
__________
(1) أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " وأخرجه
النسائي: 3 / 245 من طريق شبابة، عن شعبة، عن قتادة، عن
زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين، وفي الباب عن عبد الرحمن
بن أبزى عند النسائي 3 / 245، وسنده صحيح، وأخرجه هو: 3 /
235، وأحمد 5 / 123، وابن ماجه (1171) عن عبدالرحمن بن
أبزى، عن أبي بن كعب، وعن ابن عباس = (*)
(8/512)
135 - عمر بن علي * (ع) ابن عطاء
بن مقدم، الامام الحافظ الحجة، المدلس، أبو حفص الثقفي،
مولاهم المقدمي البصري، والد محمد وعاصم، وعم الامام محمد
ابن أبي بكر المقدمي.
يروي عن: هشام بن عروة، وأبي حازم الاعرج، وخالد الحذاء،
وإسماعيل بن أبي خالد، وابن إسحاق، والاعمش، وطبقتهم.
حدث عنه: أحمد، وعمرو بن علي، وابن المديني، وخليفة بن
خياط، وأحمد بن المقدام، وأحمد بن عبدة، وحفص بن عمرو
الربالي، ومحمد بن بشار، وخلق كثير.
وثقه ابن سعد وغيره.
وقال ابن معين: ما به بأس.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
وقال محمد بن سعد: ثقة، وكان يدلس تدليسا شديدا، يقول:
سمعت، وحدثنا، ثم يسكت ساعة، ثم يقول: هشام بن عروة،
سليمان الاعمش.
__________
= عند الترمذي (462) والدارمي 1 / 372، والنسائي: 3 / 236،
وسنده قوي، وعن عائشة، أخرجه الحاكم في " المستدرك " 1 /
305، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه المؤلف في
مختصره.
* التاريخ الكبير: 6 / 180، التاريخ الصغير: 2 / 250، 251،
الضعفاء للعقيلي: 2 / 285، مشاهير علماء الامصار: 160،
تهذيب الكمال: 1021، تذكرة الحفاظ: 1 / 262، ميزان
الاعتدال: 3 / 241، تهذيب التهذيب: 7 / 485، مقدمة فتح
الباري: 430، خلاصة تذهيب الكمال: 285.
(*)
(8/513)
قلت: قد احتمل أهل الصحاح تدليسه، ورضوا به (1).
توفي في جمادى الاولى سنة تسعين ومئة.
أخبرنا علي بن أحمد العلوي، أخبرنا أبو الحسن القطيعي،
أخبرنا أبو بكر ابن الزاغوني، أخبرنا أبو نصر الزينبي،
أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا الحسن
بن داود المكندري، حدثنا عمر بن علي المقدمي، حدثنا ابن
إسحاق، سمعت أبا سعد (2) الخطمي، قال ابن صاعد وهو شرحبيل
بن سعد قال: سمعت جابرا يقول: صلى بي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وبجبار بن صخر فأقامنا خلفه (3).
غريب.
136 - الاشجعي * (خ، م،
ت، س، ق) عبيدالله بن عبيد الرحمن وقيل: ابن عبدالرحمن
الحافظ، الثبت الامام أبو عبد الرحمن الاشجعي الكوفي، نزيل
بغداد.
حدث عن: هشام بن عروة، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وإسماعيل
ابن أبي خالد، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، ومجمع بن يحيى
الانصاري، وهارون بن عنترة، ومساور الوراق، ومالك بن مغول،
وسفيان، وشعبة، وجماعة.
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص: 430: ولم أر
له في الصحيح إلا ما توبع عليه.
(2) في الاصل " سعيد " والتصحيح من التهذيب وفروعه.
(3) شرحبيل بن سعد صدوق لكنه اختلط بأخرة، وباقي رجاله
ثقات.
* المعرفة والتاريخ: 1 / 716، 717، تاريخ بغداد: 10 / 311،
تهذيب الكمال: 886، تذهيب التهذيب: 3 / 19 / 1، تذكرة
الحفاظ: 1 / 311، العبر 1 / 282، تهذيب التهذيب: 7 / 34،
خلاصة تذهيب الكمال: 252.
(*)
(8/514)
وعنه: ابن المبارك، وأبو النضر هاشم، وعبد الرحمن بن
غزوان، قراد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن يمان، ويحيى بن
معين، وأبو خيثمة، وعثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن حميد
الكوفي، وأبو كريب، وأبو همام السكوني، ويعقوب الدورقي،
وخلق، وابناه: أبو عبيدة، وعباد.
قال إبراهيم بن إسماعيل بن النضير: سمعت الاشجعي: سمعت من
سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث.
وقال أبو داود السجستاني: كان عند الاشجعي ويحيى بن آدم،
عن سفيان، ثلاثون ألفا.
وقال ابن سعد: روى الاشجعي كتب الثوري على وجهها، وروى عنه
" الجامع ".
وكان من أهل الكوفة، فلم يزل ببغداد حتى مات.
وقال أحمد بن سليمان الرهاوي: سمعت قبيصة يقول: لما مات
سفيان، أرادوا الاشجعي على أن يقعد يعني مكان سفيان فأبي
حتى كلموا زائدة فقعد.
قال أبو بكر الاعين: سألت أحمد بن حنبل عن أصحاب سفيان،
فقال: يحيى القطان، ووكيع، وعبد الرحمن ثم الاشجعي.
وروى أبو داود عن أحمد قال: كان الاشجعي يكتب في المجلس،
فمن ذاك صح حديثه وروى عباس عن يحيى بن معين قال: ليس أحد
في حديث الثوري يشبه هؤلاء: ابن المبارك ويحيى بن سعيد،
ووكيع وابن مهدي، وأبو نعيم.
فقيل له: والاشجعي ؟ قال: الاشجعي ثقة مأمون، ولكن هاتوا
من يروي عنه.
(8/515)
قلت: صدق، فإن الرواية عنه عزيزه لتقدم موته، وقلة ما خرج
عنه.
ثم قال: وبعد هؤلاء في سفيان: يحيى بن آدم، وعبيدالله بن
موسى، وأبو أحمد الزبيري، وأبو حذيفة، وقبيصة، ومعاوية بن
هشام، والفريابي، وأبو داود الحفري.
وروى عثمان بن سعيد، عن ابن معين: ثقة صالح.
وروى أحمد بن محمد بن محرز، عن ابن معين، قال: ما كان
بالكوفة أحد أعلم بسفيان من الاشجعي.
كان أعلم به من ابن مهدي، ومن يحيى بن سعيد، وسمى جماعة.
وقال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عن مهران بن أبي عمر،
والاشجعي في سفيان، فقال: الاشجعي كأنه قدمه ومهران كانت
فيه عجمة.
وقال النسائي: ثقة.
قال ابن حبان: عبيد الرحمن أخو مبارك بن فضالة، عن بكر
المزني، يروي عنه مسلم بن إبراهيم، قال: وليس في المحدثين
عبيد الرحمن سواه، ووالد الاشجعي.
وقال أبو داود: في أول سنة اثنتين وثمانين ومئة مات
الاشجعي.
وقال الاشجعي: كتبت عن سفيان ثلاثين ألفا.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن أبي الفتح، والفتح
بن عبد الله، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أبو
الحسين بن النقور، أخبرنا علي بن عمر (الحربي، أخبرنا أحمد
بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن
(8/516)
معين، حدثنا الاشجعي، عن موسى، فروى عن الحسن قال: إن أزهد
الناس في العالم جيرانه، وشر الناس لميت أهله، يبكون عليه
ولا يقضون دينه.
137 - عبد الله بن مصعب
* ابن ثابت، ابن الخليفة عبد الله بن الزبير بن العوام،
الامير الكبير، أبو بكر الاسدي الزبيري، والد مصعب
الزبيري.
روى عن: موسى بن عقبة، وأبي حازم، وهشام بن عروة.
وعنه: ابنه، وهشام بن يوسف، وآخرون.
وكان جميلا، سريا، محتشما، فصيحا، مفوها، وافر الجلالة،
محمود الولاية.
كان يحبه المهدي ويحترمه.
جمع له الرشيد مع اليمن إمرة المدينة.
بعث إليه الوزير أبو عبيد الله بألفي دينار فأبى، وقال: لا
أقبل إلا من
خليفة.
وقد لينه ابن معين.
وقال أبو حاتم: هو من بابة عبدالرحمن بن أبي الزناد.
قلت: عاش سبعين سنة، وتوفي سنة أربع وثمانين ومئة.
__________
* تاريخ خليفة: 461، تاريخ بغداد: 10 / 173، البداية
والنهاية: 10 / 185، سمط اللآلي: 570، مجالس ثعلب: 1 / 81.
(*)
(8/517)
138 - حاتم بن إسماعيل
* (ع) المحدث الحافظ، أبو إسماعيل الكوفي، ثم المدني، مولى
بني عبدالمدان.
حدث عن: هشام بن عروة، ويزيد بن أبي عبيد، وجعفر الصادق،
وخثيم بن عراك، والجعيد بن عبدالرحمن، ومعاوية بن أبي
مزرد، وعمران القصير.
وعنه: القعنبي، وقتيبة، وإسحاق، وهناد، وأبو بكر بن أبي
شيبة، وأبو كريب، وعدد كثير.
قال أحمد بن حنبل: هو أحب إلي من الدراوردي ووثقه جماعة.
قال ابن حبان: توفي في جمادى الاولى في تاسعه، سنة سبع
وثمانين ومئة.
139 - بقية بن الوليد *
* (خت، م، 4) ابن صائد بن كعب بن حريز، الحافظ العالم،
محدث حمص،
__________
* التاريخ لا بن معين: 91، طبقات خليفة: 276، الجرح
والتعديل: 3 / 258،
تهذيب الكمال: 213، تذهيب التهذيب: 1 / 112 / 2، ميزان
الاعتدال: 1 / 428، العبر: 1 / 292، تهذيب التهذيب: 2 /
128، خلاصة تذهيب الكمال: 66، شذرات الذهب: 1 / 309.
* * طبقات خليفة: 317، التاريخ الكبير: 2 / 150، الضعفاء
للعقيلي: 1 / 59، الجرح والتعديل: 2 / 434 - 436، كتاب
المجروحين والضعفاء: 1 / 200 - 202، الكامل لابن عدي: 1 /
44 43 / 2، تاريخ بغداد: 7 / 123، تاريخ دمشق لابن عساكر:
196 / 2 - 203 / 2 (مخطوط)، الكامل لابن الاثير: 6 / 277،
تهذيب الكمال: 158 159، تذهيب التهذيب: 1 / 87 / 2، تذكرة
الحفاظ: 1 / 266، ميزان الاعتدال: 1 / 154، تهذيب التهذيب:
1 / 473 - 478، خلاصة تذهيب الكمال: 54.
(*)
(8/518)
أبو يحمد الحميري، الكلاعي، ثم الميتمي الحمصي، أحد
المشاهير الاعلام.
ولد سنة عشر ومئة.
سمع ذلك منه يزيد بن عبد ربه الجرجسي.
وروى عن: محمد بن زياد الالهاني، وصفوان بن عمرو السكسكي،
وبحير بن سعد، وثور بن يزيد، وبشر بن عبد الله بن يسار،
وحبيب بن صالح الطائي، وحصين بن مالك الفزاري، والسري ابن
ينعم الجبلاني، وضبارة بن مالك، وعثمان بن زفر، وعتبة بن
أبي حكيم، ومحمد بن عبدالرحمن بن عرق اليحصبي، ومحمد بن
الوليد الزبيدي، ومسلم بن زياد، ويونس بن يزيد الايلي،
والوضين بن عطاء، ويزيد بن عوف، وأبي بكر بن أبي مريم،
وحريز بن عثمان، وأمم سواهم.
والاوزاعي، وشعبة، ومالك، وابن المبارك، وينزل إلى يزيد بن
هارون، وأقرانه.
وقد روى عن تلميذه إسحاق بن راهويه.
وكان من أوعية العلم، لكنه كدر ذلك بالاكثار عن الضعفاء
والعوام، والحمل عمن دب ودرج.
روى عنه: شعبة، والحمادان، والاوزاعي، وابن جريج، وهم من
شيوخه، وابن المبارك، ويزيد بن هارون، والوليد بن مسلم،
ووكيع، وهم من أقرانه، وإسماعيل بن عياش وهو أكبر منه،
وحيوة بن شريح، ويزيد بن عبد ربه، وأسد بن موسى، وداود بن
رشيد، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، ونعيم بن حماد،
وهشام بن عمار، وإبراهيم ابن موسى الفراء، وسويد بن سعيد،
وعمرو بن عثمان بن سعيد، وأخوه يحيى، وأبو التقي هشام بن
عبدالملك، ومحمد بن مصفى، وعيسى ابن أحمد العسقلاني، ومحمد
بن عمرو بن حنان، ومهنا بن يحيى،
(8/519)
وهشام بن خالد الازرق، ويعقوب الدورقي، وعبدة بن عبدالرحيم
المروزي، وخلق كثير، خاتمتهم: أبو عتبة أحمد بن الفرج
الحجازي.
روى رباح بن زيد الكوفي، عن ابن المبارك قال: إذا اجتمع
إسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد، فبقية أحب إلي.
وروى سفيان بن عبدالملك، عن ابن المبارك قال: بقية كان
صدوقا، لكنه يكتب عمن أقبل وأدبر.
وقال يحيى بن المغيرة الرازي، عن ابن عيينة: لا تسمعوا من
بقية ما كان في سنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
قلت: لهذا أكثر الائمة على التشديد في أحاديث الاحكام،
والترخيص قليلا، لا كل الترخص في الفضائل والرقائق،
فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده، لا ما اتهم رواته، فإن
الاحاديث الموضوعة،
والاحاديث الشديدة الوهن لا يلتفتون إليها، بل يروونها
للتحذير منها، والهتك لحالها، فمن دلسها أو غطى تبيانها،
فهو جان على السنة، خائن لله ورسوله.
فإن كان يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل، ولكن سلوا أهل الذكر
إن كنتم لا تعلمون (1).
__________
(1) قال محدث الديار الشامية في عصره العلامة الشيخ بدر
الدين الحسني فيما نقله عنه الشيخ محمود ياسين في مجلة
الهداية الاسلامية: 8 / 264: لا يجوز إسناد حديث إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على صحة هذا الحديث
حافظ من الحفاظ المعروفين، ومن قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ
يوشك أن يصدق عليه حديث: " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ
مقعده من النار ".
فليحذر الخطباء والمدرسون الوعاظ من إسناد حديث إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ
مشهور من حفاظ الحديث، وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا
الحديث معزوا إلى الكتاب الذي نقلوا منه كالترمذي
والنسائي، وبذلك يخرجون من العهدة، أما الذين يحملون
بأيديهم الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث = (*)
(8/520)
قال أبو معين الرازي، عن يحيى بن معين قال: كان شعبة مبجلا
لبقية حيث قدم بغداد.
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سئل أبي عن بقية وإسماعيل،
فقال: بقية أحب إلي، وإذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين، فلا
تقبلوه.
قال أحمد بن زهير: سئل ابن معين عن بقية، فقال: إذا حدث عن
الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره، وأما إذا حدث عن أولئك
المجهولين، فلا، وإذا كنى الرجل، أو لم يسم اسمه، فليس
يساوي شيئا.
وسئل: أيما أثبت هو أو إسماعيل ؟ قال: كلاهما صالحان.
يعقوب بن شيبة عن أحمد بن العباس، سمع يحيى بن معين يقول:
بقية يحدث عمن هو أصغر منه، وعنده ألفا حديث عن شعبة صحاح،
كان يذاكر شعبة بالفقه.
ولقد قال لي أبو نعيم: كان بقية يضن بحديثه عن الثقات.
طلبت منه كتاب صفوان قال: كتاب صفوان ؟ ثم قال ابن معين:
كان يحدث عن الضعفاء بمئة حديث، قبل أن يحدث عن الثقة
بحديث.
__________
= الشريف، ككثير من كتب الاخلاق والوعظ المنتشرة بالايدي،
فلا يكفي عز والحديث إليها، ولا يخرج القارئ من الوزر.
والذين سوغوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال،
ذكروا له شروطا ثلاثة: الاول أن يكون مندرجا تحت أصل عام،
والثاني: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من
الكذابين والمتهمين ومن فحش غلطه، والثالث: ألا يعتقد عند
العمل به ثبوته، لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ما لم يقله.
وقد اشترط الشيخ محدث الديار الشامية رحمه الله في جواز
العمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال شرطين: الاول: عدم
إسناد لفظه للنبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: ألا يخالف
ما فيه من حكم حديثا صحيحا أو حكما معروفا..(*)
(8/521)
قال يعقوب بن شيبة: بقية ثقة، حسن الحديث إذا حدث عن
المعروفين، ويحدث عن قوم متروكي الحديث وضعفاء، ويحيد عن
أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم (1)، ويحدث عمن
هو أصغر منه.
حدث عن سويد بن سعيد الحدثاني.
قال ابن سعد: كان بقية ثقة في الرواية عن الثقات، ضعيفا في
روايته عن غير الثقات.
قلت: وهو أيضا ضعيف الحديث إذا قال: " عن " فإنه مدلس.
وقال أحمد العجلي: ثقة عن المعروفين، فإذا روى عن مجهول،
فليس بشئ.
وقال أبو زرعة: بقية عجب.
إذا روى عن الثقات، فهو ثقة، ويحدث عن قوم لا يعرفون ولا
يضبطون.
وقال: ماله عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق،
فلا يؤتى من الصدق.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو أحب إلي من
إسماعيل بن عياش.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: إذا قال: حدثنا، وأخبرنا،
فهو ثقة، وإذا قال: عن فلان فلا يؤخذ عنه، لانه لا يدرى
عمن أخذه.
وقال أبو أحمد بن عدي: يخالف في بعض رواياته الثقات، وإذا
__________
(1) بل قد وصفوه بأخبث أنواع التدليس، وهو تدليس التسوية،
وهو أن يسند من سنده غير شيخه لكونه ضعيفا أو صغيرا، ويأتي
بلفظ محتمل أنه عن الثقة الثاني تحسينا للحديث، قال في
التدريب: وهو شر أقسامه (انظر التدريب: 2 / 336).
(*)
(8/522)
روى عن أهل الشام، فإنه ثبت، وإذا روى عن غيرهم، خلط، وإذا
روى عن المجهولين، فالعهدة منهم لا منه، وهو صاحب حديث،
يروي عن الصغار والكبار، ويروي عنه الكبار من الناس، وهذه
صفة بقية.
وقال ابن حبان: سمع بقية من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث
مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذابين عن شعبة ومالك، فروى عن
الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء.
قال أبو مسهر الغساني: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها
على
تقية.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: رحم الله بقية ما كان يبالي إذا
وجد خرافة عمن يأخذه، فإن حدث عن الثقات، فلا بأس به.
وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن ضمرة وبقية، فقال:
ضمرة أحب إلينا، ضمرة ثقة، رجل صالح.
قال أبو داود: بقية أحسن حالا من الوليد بن مسلم، وليس هذا
عند الناس كذا.
قال حجاج بن الشاعر: سئل سفيان بن عيينة عن حديث من هذه
الملح، فقال: أبو العجب أخبرنا بقية بن الوليد أخبرنا.
قال إمام الائمة ابن خزيمة: لا أحتج ببقية.
ثم قال: حدثنا أحمد ابن الحسن الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل
يقول: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل،
فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتي.
قال أبو حاتم بن حبان: دخلت حمص، وأكبر همي شأن بقية،
(8/523)
فتتبعت حديثه، وكتب النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد
بعلو [ من رواية القدماء عنه ]، فرأيته ثقة، مأمونا، ولكنه
كان مدلسا، يدلس على عبيدالله بن عمر، وشعبة، ومالك، ما
أخذه عن مثل مجاشع بن عمرو، والسري بن عبدالحميد، وعمر بن
موسى الميتمي وأشباههم، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم [
بالتدليس ] ما سمع من هؤلاء الضعفاء عنهم، فكان يقول: قال
عبيدالله، وقال مالك، فحملوا عن بقية، عن عبيدالله، وعن
بقية عن مالك، وسقط الواهي بينهما،
فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط (1).
وكان ابن معين يوثقه.
وحدثنا سليمان بن محمد الخزاعي بدمشق، حدثنا هشام بن خالد،
حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي
صلى الله عليه وسلم: " من أدمن على حاجبه بالمشط، عوفي من
الوباء " (2).
وبه: إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " وإذا جامع أحدكم
زوجته فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى " (3).
وبه: قال عليه السلام: " تربوا الكتاب وسحوه من أسفله،
فإنه أنجح للحاجة " (4).
__________
(1) كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 200، 201 والزيادتان منه،
وفيه بعد قوله من الوسط: وإنما امتحن بقية بتلاميذ له
كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه، ويسوونه، فالتزق ذلك كله
به.
(2) ذكره الشوكاني في " الفوائد المجموعة " ص 198 وقد نقل
الحكم عليه بالوضع عن ابن حبان والدارقطني، وأخرجه أبو
نعيم في " تاريخ أصبهان " وقال: منكر بمرة.
(3) وممن حكم عليه بالوضع غير ابن حبان: ابن أبي حاتم في "
العلل " وابن الجوزي في " الموضوعات " و " الفوائد
المجموعة " ص 127.
(4) ذكره ابن عدي في الكامل: 1 / 17 / 1 و 1 / 49 / 1 وزاد
قوله: والتراب مبارك.
(*)
(8/524)
وبه: " من أصيب بمصيبة، فاحتسب ولم يشك إلى الناس، كان حقا
على الله أن يغفر له ".
وحديث " لا تأكلوا بالخمس فإنها أكله الاعراب، ولا
بالمشيرة والابهام، ولكن بثلاث فإنها سنة ".
وهذه بواطيل.
وقال أبو حاتم في حديث: يورث العمى، وحديث: المصيبة،
وحديث: الاكل بالخمس: هذه موضوعات لا أصل لها (1).
أحمد بن يونس الحمصي: حدثنا الوليد بن مسلم عن بقية، عن
ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: " رخص رسول الله صلى الله
عليه وسلم في دم الحبون " (2).
عمر بن سنان المنبجي، وعبدان: حدثنا أبو التقي هشام بن عبد
الملك، حدثنا بقية، حدثني مالك بن أنس، عن عبد الكريم
الهمداني، عن أبي حمزة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم
عن رجل نسي الاذان والاقامة، فقال: " إن الله يجاوز عن
أمتي السهو في الصلاة "، ثم قال ابن حبان عقيبه: عبد
الكريم هو الجزري، وأبو حمزة هو أنس بن مالك، حدثناه
عبدان، وابن سنان.
قلت: هذا الحديث لا يحتمل، وقد رواه الوليد بن عتبة
المقرئ، قال: حدثنا بقية، حدثنا عبيد رجل من همدان، عن
قتادة،
__________
(1) كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 202.
(2) وذكره المؤلف في " الميزان ": 1 / 333 ضمن أحاديث
النسخة التي كتبها ابن حبان، وقال عنها: كلها موضوعة.
(*)
(8/525)
عن أبي حمزة، عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله، الرجل
ينسى الاذان والاقامة.
فهذا أشبه، مع أن عبيدا لا يدرى من هو، فهو آفته (1).
محمد بن محمد الباغندي: حدثنا سليمان بن سلمة الخبائري،
حدثنا بقية، حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنس، عن النبي عليه
السلام: " انتظار الفرج عبادة ".
وهذا باطل، ما رواه مالك بل ولا بقية، بل المتهم به سليمان
(2).
وكذلك الآفة في حديث الخضر: بينما هو يمشي في سوق بني
إسرائيل بطوله.
رواه عنه الوهاب بن الضحاك، ذاك العرضي المتهم، وسليمان بن
عبيدالله الرقي الذي قال فيه يحيى بن معين: ليس بشئ،
وكلاهما عن بقية، حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة
الباهلي مرفوعا (3).
ولبقية عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعا: "
من أدرك ركعة من الجمعة وتكبيرتها فقط فقد أدرك الصلاة ".
فهذا منكر، وإنما يروي الثقات عن الزهري بعض هذا بدون ذكر
__________
(1) انظر " الميزان " 1 / 333، 334.
(2) قال أبو حاتم ك متروك لا يشتغل به، وقال ابن الجنيد:
كان يكذب، وقال النسائي: ليس بشئ، وقال ابن عدي: له غير
حديث منكر.
قال المؤلف في " الميزان ": وسمع منه الباغندي حديثا،
فأنكره عليه وهو: " العبادة انتظار الفرج من الله ".
(3) في ميزان المؤلف بعد أن ذكر الحديث: هذا الحديث قال
ابن جوصا: سألت محمد ابن عوف منه، فقال: هذا موضوع، فسألت
أبا زرعة عنه، فقال: حديث منكر، قال ابن عدي: لا أعلم رواه
عن بقية غير سليمان بن عبيدالله الرقي، وقد ادعاه عبد
الوهاب بن ضحاك العرضي، وهو متهم، وأما سليمان، فقال فيه
ابن معين: ليس بشئ، فسلم منه بقية.
(*)
(8/526)
الجمعة، دون قوله: وتكبيرتها فقط.
ولبقية: حدثنا ابن المبارك، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن
الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: " نهى عن طعام
المتباريين ".
وهذا الصواب مرسل (1).
عباس الدوري: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يحيى بن معين، عن
يزيد الجرجسي، حدثنا بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن
سالم، عن أبيه، رفعه، أنه سلم تسليمة (2).
فحاصل الامر أن لبقية عن الثقات أيضا ما ينكر، وما لا
يتابع عليه.
__________
(1) قلت: أخرجه أبو داود (3754) في الاطعمة: باب في طعام
المتباريين، من طريق هارون بن زيد النحوي، عن أبيه، عن
جرير بن حازم، عن الزبير بن خريت، عن عكرمة، عن ابن عباس،
وهذا سند قوي، لكن صحح غير واحد إرساله، فقد قال أبو داود:
أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس، ومع ذلك فقد
صححه الحاكم في " المستدرك " 4 / 129، من طريق هارون بن
موسى النحوي، عن الزبير بن الحارث، عن عكرمة، عن ابن عباس،
ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام
المتباريين أن يؤكل.
وقال: صحيح الاسناد، وأقره الذهبي في تلخيصه، مع أنه صوب
إرساله هنا وفي " الميزان ".
وللحديث شاهد في جزء ابن السماك ورقة 64 / 1 من حديث أبي
هريرة مرفوعا بلفظ " المتباريان لا يجابان ولا يؤكل
طعامهما "، ورجاله ثقات، فيقوى الحديث به.
قال الخطابي: المتباريان: المتعارضان بفعلهما، يقال: تبارى
الرجلان: إذا فعل كل واحد منهما مثل فعل صاحبه ليرى أيهما
يغلب صاحبه، وإنما كره ذلك لما فيه من الرياء والمباهاة.
(2) أحاديث الاقتصار على تسلمية واحدة جاءت من حديث سعد بن
أبي وقاص، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس، ومن حديث سهل بن
سعد الساعدي، ومن حديث سلمة بن الاكوع خرجتها في تعليقنا
على " زاد المعاد " 1 / 259، 261، وهي صحيحة بمجموعها.
قال الشوكاني في " نيل الاوطار " 2 / 333: وذهب إلى
مشروعية التسلمية الواحدة ابن عمر،
وأنس، وسلمة بن الاكوع، وعائشة من الصحابة، والحسن، وابن
سيرين، وعمر بن عبد العزيز من التابعين، ومالك والاوزاعي
والامامية وأحد قولي الشافعي وغيرهم.
(*)
(8/527)
مهنا بن يحيى: حدثنا بقية، عن سعيد بن عبد العزيز، عن
مكحول، عن أبي هريرة مرفوعا: " يحشر الحكارون، وقتلة
الانفس إلى جهنم في درجة واحدة " (1).
تفرد به مهنا، وهو صدق.
وفي سنده انقطاع.
بقية بن الوليد: قال شريك، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر،
مرفوعا: " لا تساكنوا الانباط في بلادهم، ولا تناكحوا
الخوز، فإن لهم أصولا تدعوهم إلى غير الوفاء ".
وهذا منكر جدا قد أسقط بقية من حدثه به عن شريك.
قال العقيلي: حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عبدالرحمن بن
الحكم، عن وكيع قال: ما سمعت أحدا أجرأ على أن يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بقية.
قال عبد الحق في " الاحكام " له في مواضع: بقية لا يحتج
به.
وروى أيضا له أحاديث ساكتا عن تليينها.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء،
ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته.
قلت: نعم، تيقنا أنه كان يفعله، وكذلك رفيقه الوليد بن
مسلم، وغير واحد، ولكنهم ما يظن بهم أنهم اتهموا من حدثهم
بالوضع لذلك،
__________
(1) أورده الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 144.
ونسبه لابن عدي، وضعفه ببقية، وذكره المنذري في " الترغيب
والترهيب " 2 / 584، وقال: ذكره رزين، وهو مما انفرد به
مهنا بن
يحيى، عن بقية بن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن
مكحول، عن أبي هريرة.
وفيه نكارة ظاهرة.
(*)
(8/528)
فالله أعلم (1).
أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا أبو محمد
بن قدامة الفقيه، أخبرنا طاهر بن محمد، أخبرنا عبدوس بن
عبد الله الهمداني، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الطوسي،
حدثنا محمد بن يعقوب الاصم، حدثنا أبو عتبة (2)، حدثنا
بقية، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني أزهر بن عبد الله، سمعت
عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كنا
نسمع أنه يقال: إذا اجتمع عشرون رجلا أو أكثر، أو أقل، فلم
يكن فيهم من يهاب في الله، فقد حضر الامر.
كثير بن عبيد: حدثنا بقية، حدثنا شعبة، حدثني عاصم الاحول،
عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان مرفوعا: " من تكفل
لي أن لا يسأل امرءا شيئا، أتكفل له بالجنة " (3).
غريب جدا.
محمد بن مصفى، وآخر، قالا: حدثنا بقية عن الاوزاعي، عن ابن
__________
(1) لفظ المؤلف في " الميزان " 1 / 339: قلت: نعم والله صح
هذا عنه أنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة
كبار فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلو ذلك باجتهاد، وما
جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس أنه تعمد
الكذب.
هذا أمثل ما يعتذر به عنهم.
(2) هو أحمد بن الفرج بن سليمان الكندي، أبو عتبة الحمصي
المعروف بالحجازي المؤذن بجامع حمص، من رجال " التهذيب ".
(3) رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (1643) في الزكاة، من
طريق عبيدالله بن معاذ، عن
أبيه، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تكفل لي أن لا يسأل
الناس شيئا، أتكفل له بالجنة " فقال ثوبان: أنا، فكان لا
يسأل أحدا شيئا.
وإسناده صحيح، كما قال النووي في " رياض الصالحين " ص 256
بتحقيقنا.
وأخرجه أحمد 5 / 276 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة به،
وأخرجه النسائي 5 / 96 من طريق يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن
محمد بن قيس، عن عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان،
رفعه بلفظ: " من يضمن لي واحدة وله الجنة " قال يحيى: ها
هنا كلمة معناها: أن لا يسأل الناس شيئا.
(*)
(8/529)
جريج، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا: " مجوس هذه الامة
القدرية " (1).
عطية بن بقية: حدثنا أبي، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم: " السباق أربعة: أنا سابق
العرب، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق
الفرس " (2).
وهذا حديث منكر فرد والاظهر أن بلالا ليس بحبشي، وأما
صهيب، فعربي من النمر بن قاسط.
صح من غير وجه عن ابن المبارك قال: بقية أحب إلي من
إسماعيل بن عياش.
وروى مسلم (3) عن ابن راهويه، عمن حدثه: أن ابن المبارك
قال: نعم الرجل بقية لولا أنه يكني الاسماء، ويسمي الكنى،
كان دهرا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا فإذا هو عبد
القدوس.
أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل قال: روى بقية عن عبيدالله
مناكير.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيما أحب إليك: بقية أو
محمد
__________
(1) بقية وابن جريج وأبو الزبير ثلاثتهم مدلسون، فالخبر لا
يصح، وقد روي من حديث
ابن عمر وأبي هريرة وأنس وحذيفة وسهل بن سعد وعائشة وكلها
ضعيفة لا تصح، وقد قال الميمني في تعليقه على " الفوائد
المجموعة ": 504 بعد أن أورد الخبر، وتكلم عليه: وهذا
الخبر يتعلق بعقيدة كثر فيها النزاع واللجاج، فلا يقبل ما
فيه مغمز، وقد قال النسائي وهو من كبار أئمة السنة: هذا
الحديث باطل كذب.
(2) أخرجه ابن عدي في " الكامل " 1 / 49 / 1 وقال: ليس
بمعروف هذا الحديث إلا لبقية عن محمد بن زياد الالهاني،
وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 285 من حديث أنس بن
مالك.
(3) في مقدمة صحيحه 1 / 26 (*).
(8/530)
ابن حرب ؟ فقال: ثقة، وثقة.
قلت: وكان بقية شيخا حمصيا مزاحا.
قال أبو التقي اليزني: سمعت بقية يقول: ما أرحمني ليوم
الثلاثاء ما يصومه أحد.
ابن عدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق، سمعت بركة بن
محمد الحلبي يقول: كنا عند بقية في غرفة، فسمع الناس
يقولون: لا، لا.
فأخرج رأسه من الروزنة، وجعل يصيح معهم: لا، لا.
فقلنا: يا أبا يحمد، سبحان الله، أنت إمام يقتدى بك ! قال:
اسكت، هذه سنة بلدنا.
بركة واه.
وقال أبو علي النيسابوري الحافظ: أخبرنا محمد بن خالد
البردعي بمكة، حدثنا عطية بن بقية قال: قال أبي: دخلت على
هارون الرشيد، فقال لي: يا بقية، إني أحبك.
فقلت: ولاهل بلدي يا أمير المؤمنين ؟ قال: إنهم جند سوء
لهم كذا كذا غدرة.
ثم قال: حدثني.
فقلت: حدثنا
محمد بن زياد، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " أنا سابق العرب ".
وذكر الحديث.
فقال: زدني.
فقلت: حدثني محمد بن زياد، عن أبي أمامة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " وعدني ربي أن يدخل الجنة من
أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا، وثلاث حثيات من
حثيات ربي " (1) قال: فامتلا من ذلك فرحا وقال: يا غلام،
الدواة، وكان القيم بأمره الفضل
__________
(1) وأخرجه أحمد 5 / 268، من طريق أبي اليمان، وأخرجه
الترمذي (2437) من طريق الحسن بن عرفة، وابن ماجه (4286)،
من طريق هشام بن عمار، ثلاثتهم عن إسماعيل بن عياش، عن
محمد بن زياد الالهاني، عن أبي أمامة الباهلي.
وهذا سند قوي، فإن إسماعيل بن عياش روايته عن أهل بلده
مستقيمة، وهذا منها.
(*)
(8/531)
ابن الربيع، ومرتبته بعيده، فناداني: يا بقية، ناول أمير
المؤمنين الدواة بجنبك.
قلت: نأوله أنت يا هامان، فقال: أسمعت ما قال يا أمير
المؤمنين ؟ قال: اسكت.
فما كنت عنده هامان حتى أكون أنا عنده فرعون محمد بن مصفى:
حدثنا بقية قال: قال لي شعبة: بحر لنا، بحر لنا، أي: حدثنا
عن بحير بن سعد.
وقال حيوة بن شريح: حدثنا بقية، قال لي شعبة: أهد لي حديث
بحير: فبعث بها إليه، يعني صحيفة بحير، فمات شعبة ولم تصل
إليه.
عمر بن سنان المنبجي: حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك، قال لي
بقية: قال لي شعبة: يا أبا يحمد نحن أبصر بالحديث وأعلم به
منكم.
قلت: أتقول ذا يا أبا بسطام ؟ قال: نعم.
قلت: فما تقول في رجل ضرب على أنفه فذهب شمه ؟ فتفكر فيها،
وجعل ينظر، وقال: أيش تقول يا أبا
يحمد ؟ فقلت: حدثنا ابن ذي حماية قال: كان مشيختنا يقولون:
يجعل في أنفه الخردل، فإن حركه، علمنا أنه كاذب، وإن لم
يحركه فقد صدق.
ابن أبي السري العسقلاني، عن بقية، قال لي شعبة: ما أحسن
حديثك، ولكن ليس له أركان.
فقلت: حديثكم أنتم ليس له أركان: تجيئني بغالب القطان،
وحميد الاعرج، وأبي التياح، وأجيئك بمحمد بن زياد
الالهاني، وأبي بكر بن أبي مريم الغساني، وصفوان بن عمرو
السكسكي، يا أبا بسطام، أيش تقول لو ضرب رجل رجلا فذهب شمه
؟ قال: ما عندي فيها شئ.
الحديث.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، عن
عبدالرحيم بن أبي سعد، اخبرنا عبد الله بن محمد الفراري،
أخبرنا محمد بن عبيدالله،
(8/532)
أخبرنا عبدالملك بن حسن، أخبرنا أبو عوانة الحافظ، حدثنا
سعيد بن عمرو السكوني، وعطية بن بقية، وأبو عتبة،
الحمصيون، قالوا: حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دعي
إلى عرس أو نحوه فليجب " (1).
وبه: أخبرنا أبو عوانة، حدثنا الدبري، أخبرنا عبد الرزاق،
عن معمر، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " إذا دعا أحدكم أخاه، فليجب، عرسا كان أو
غيره " (2).
وبه: أخبرنا أبو عوانة، حدثنا أبو أمية، حدثنا يحيى بن
بكير، حدثنا ليث، عن محمد بن عبدالرحمن بن غنج، عن نافع،
عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا
دعا أحدكم أخاه، فليأته، عرسا، أو نحوه ".
وهذا صحيح، ولم يخرجه مسلم، وأخرج الاول عن ابن راهويه، عن
عيسى
ابن المنذر، عن بقية، وليس لبقية في الصحيح سواه.
قال أبو الحسن الدارقطني: كنية بقية أبو يحمد، وأهل الحديث
تقوله لفتح الياء.
قال حيوة بن شريح: سمعت بقية يقول: لما قرأت على شعبة
أحاديث بحير بن سعد فقال: يا أبا يحمد، لو لم أسمعها منك،
لطرت.
أبو أحمد بن عدي: حدثنا عبدالرحمن بن القاسم، حدثنا مسهر،
__________
(1) إسناده صحيح، فقد صرح بقية بالتحديث.
(2) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19667)، ومن طريقه
مسلم (1429) (100)، وأبو داود (3738).
(*)
(8/533)
حدثنا بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي راشد، قال: أخذ بيدي
أبو أمامة، وقال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي
ثم قال: " يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يلين له قلبي "
(1).
قال أبو التقي اليزني: من قال: إن بقية قال: حدثنا، فقد
كذب، ما قال قط إلا: حدثني فلان.
قال ابن سعد ومطين وطائفة: مات بقية سنة سبع وتسعين ومئة.
قلت: وفيها مات حافظ العراق وكيع، وحافظ مصر ابن وهب،
وهشام بن يوسف قاضي اليمن، وشعيب بن حرب بالمدائن، وعثمان
بن سعيد ورش مقرئ مصر.
وعاش بقية سبعا وثمانين سنة، رحمه الله.
140 - العباس * ابن محمد بن
علي بن عبد الله بن عباس، الامير نائب الشام، أبو
الفضل العباسي.
ولي الشام لاخيه المنصور، وولي الجزيرة للرشيد، وحج بالناس
مرات، وغزا الروم مرة في ستين ألفا.
قال شباب: دخل الروم، وبث سراياه، فغنم، ونصر في سنة تسع
وخمسين.
__________
(1) فيه تدليس بقية.
* تاريخ خليفة: 428، 429، 433، 445، تاريخ بغداد: 1 / 95،
12 / 124، العبر: 1 / 192، النجوم الزاهرة: 2 / 120، تهذيب
ابن عساكر: 7 / 253.
(*)
(8/534)
ونقل غير واحد أن العباس هذا، كان من رجالات بني هاشم جودا
ورأيا وشجاعة، وكان الرشيد يهابه ويجله.
قال شباب: ولد سنة عشرين ومئة.
وتوفي سنة ست وثمانين ومئة.
وكان أنبل بني العباس في وقته.
141 - القاضي أبو يوسف
* هو الامام المجتهد (1)، العلامة المحدث، قاضي القضاة،
أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن
بجير بن معاوية الانصاري الكوفي.
وسعد بن بجير له صحبة، وهو سعد ابن حبتة، وهي أمه، وهو
بجلي
__________
* التاريخ لابن معين: 680، التاريخ الكبير: 8 / 397،
التاريخ الصغير: 2 / 228، 230، المعارف: 499، المعرفة
والتاريخ: 1 / 133، و 3 / 4، الفهرست لابن النديم: 203،
الاستيعاب: 584، الانتقاء: 172، تاريخ بغداد، 14 / 242 -
262، تاريخ جرجان للسهمي: 444، 445، طبقات الشيرازي: 134،
وفيات الاعيان: 6 / 378 - 390، تذكرة
الحفاظ: 1 / 292، ميزان الاعتدال: 4 / 397، العبر: 1 / 284
- 285، مرآة الجنان: 1 / 382 - 388، ألفية العراقي: 2 /
163، النجوم الزاهرة: 2 / 107، مفتاح السعادة: 2 / 100 -
107، الجواهر المضية: 2 / 220، شذرات الذهب: 1 / 298 -
301، أخبار القضاة: 3 / 254، طبقات الحنفية: 12 / 1،
الفوائد البهية: 225، هدية العارفين: 2 / 536، تاج
التراجم: 60، مناقب الامام أبي حنيفة: 2 / 143، تراجم
الاعاجم: 155 / 1.
(1) أي مجتهدا مطلقا صاحب ملكة كاملة في الفقه والنباهة
وفرط البصر، والتمكن من الاستنباط المستقل به من أدلته
كأبي حنيفة مالك والشافعي أحمد والثوري والاوزاعي لا كما
وزعم أحمد بن سليمان الرومي المعروف بابن كمال باشا
المتوفى سنة 940 ه، وتابعه عليه غير واحد من علماء الحنفية
منهم ابن عابدين صاحب " رد المحتار " من كونه مجتهدا في
المذهب، خالف إمامة في بعض الاحكام، ولكن قلده في قواعد
الاصول.
فقد رد عليه هذه الدعوى، وأبان عن بطلانها العالم الفاضل
الشهاب المرجاني المتوفي سنة (1306 ه) في كتابه " ناظورة
الحق " ونقله عنه العلامة الكوثري في " حسن التقاضي " ص
102، 116، فانظره فإنه غاية في النفاسة.
(*)
(8/535)
من حلفاء الانصار، شهد الخندق وغيرها.
مولد أبي يوسف في سنة ثلاث عشرة ومئة.
حدث عن: هشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الانصاري، وعطاء بن
السائب، ويزيد بن أبي زياد، وأبي إسحاق الشيباني،
وعبيدالله بن عمر، والاعمش، وحجاج بن أرطاة، وأبي حنيفة،
ولزمه وتفقه به، وهو أنبل تلامذته، وأعلمهم، تخرج به أئمة
كمحمد بن الحسن، ومعلى بن منصور، وهلال الرأي، وابن سماعة،
وعدة.
وحدث عنه: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن الجعد،
وأسد بن الفرات، وأحمد بن منيع، وعلي بن مسلم الطوسي،
وعمرو بن أبي عمرو الحراني، وعمرو الناقد، وعدد كثير.
وكان أبوه فقيرا، له حانوت ضعيف، فكان أبو حنيفة يتعاهد
أبا يوسف بالدراهم، مئة بعد مئة.
فروى علي بن حرملة التيمي عنه، قال: كنت أطلب العلم وأنا
مقل، فجاء أبي فقال: يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة،
فأنت محتاج، فآثرت طاعة أبي، فأعطاني أبو حنيفة مئة درهم،
وقال: الزم الحلقة، فإذا نفذت هذه، فأعلمني.
ثم بعد أيام أعطاني مئة.
ويقال: إنه ربي يتيما، فأسلمته أمه قصارا.
وعن محمد بن الحسن قال: مرض أبو يوسف، فعاده أبو حنيفة،
فلما خرج، قال: إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها.
قال أحمد بن حنبل: أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي
يوسف،
(8/536)
كان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد.
قال إبراهيم بن أبي داود البرلسي: سمعت ابن معين يقول: ما
رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ، ولا أصح
رواية من أبي يوسف.
وروى عباس، عن ابن معين: أبو يوسف صاحب حديث، صاحب سنة.
وعن يحيى البرمكي قال: قدم أبو يوسف، وأقل ما فيه الفقه،
وقد ملا بفقهه الخافقين.
قال أحمد: كان أبو يوسف منصفا في الحديث.
وعن أبي يوسف قال: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة.
وعن هلال الرأي قال: كان أبو يوسف يحفظ التفسير، ويحفظ
المغازي، وأيام العرب، كان أحد علومه الفقه.
وعن ابن سماعة قال: كان ورد أبي يوسف في اليوم مئتي ركعة.
قال ابن المديني: ما أخذ على أبي يوسف إلا حديثه في الحجر،
وكان صدوقا.
قال يحيى بن يحيى التميمي: سمعت أبا يوسف عند وفاته يقول:
كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة،
وفي لفظ: إلا ما في القرآن، واجتمع عليه المسلمون.
قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف: من طلب المال بالكيمياء
أفلس، ومن طلب الدين بالكلام تزندق، ومن تتبع غريب الحديث،
كذب.
(8/537)
قال ابن عدي: لا بأس به.
وقال النسائي في طبقات الحنفية: وأبو يوسف ثقة.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
بكار بن قتيبة: سمعت أبا الوليد قال: لما قدم أبو يوسف
البصرة مع الرشيد، اجتمع الفقهاء والمحدثون على بابه،
فأشرف عليهم، وقال: أنا من الفريقين جميعا، ولا أقدم فرقة
على فرقة.
قال: وكان قاضي الآفاق، ووزير الرشيد، وزميله في حجه.
محمد بن شجاع: حدثنا الحسن بن أبي مالك، سمعت أبا يوسف
يقول: لا نصلي خلف من قال: القرآن مخلوق، ولا يفلح من
استحلى شيئا
من الكلام.
قلت: بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه، وكان
الرشيد يبالغ في إجلاله.
قال محمد بن سعدان: حدثنا أبو سليمان الجوزجاني، سمعت أبا
يوسف يقول: دخلت على الرشيد وفي يده درتان يقلبهما، فقال:
هل رأيت أحسن منهما ؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين.
قال: وما هو ؟ قلت: الوعاء الذي هما فيه.
فرمى بهما إلي، وقال: شأنك بهما.
قال بشر بن الوليد: توفي أبو يوسف يوم الخميس خامس ربيع
الاول سنة اثنتين وثمانين ومئة.
وقال غيره: مات في غرة ربيع الآخر، وعاش تسعا وستين سنة.
وقد أفردت له ترجمة في كراس (1).
__________
(1) طبعت مع ترجمة أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، بتحقيق
العلامة الكوتري (*).
(8/538)
وما أنبل قوله الذي رواه جماعة عن بشر بن الوليد، سمعت أبا
يوسف يقول: العلم بالخصومة والكلام جهل.
والجهل بالخصومة والكلام علم.
قلت: مثاله شبه وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام، تورد
في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها، فيكفر هذا هذا،
وينشأ الاعتزال، والتجهم، والتجسيم وكن بلاء.
نسأل الله العافية.
142 - أبو إسحاق الفزاري
* (ع) الامام الكبير الحافظ المجاهد، إبراهيم بن محمد بن
الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو
بن جوية بن لوذان بن
ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان
بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
الفزاري الشامي.
ولجدهم خارجة صحبة.
وهو أخو عيينة بن حصن.
حدث عن: أبي إسحاق السبيعي، وكليب بن وائل، وعطاء بن
السائب، وليث بن أبي سليم، وعبد الملك بن عمير، وسهيل بن
أبي صالح، وأسلم المنقري، وأبي إسحاق الشيباني، وهشام بن
عروة، وحميد الطويل، وسليمان الاعمش، وخالدا الحذاء،
وعبيدالله بن عمر، ويحيى بن سعيد الانصاري، وعاصم بن كليب،
والعلاء بن المسيب،
__________
* التاريخ لابن معين: 13، طبقات خليفة: 317، التاريخ
الكبير: 1 / 321، التاريخ الصغير: 2 / 238، المعرفة
والتاريخ: 1 / 177، الكامل لابن الاثير: 6 / 174، تهذيب
الكمال: 62، تذهيب التهذيب: 1 / 40 / 2، تذكرة الحفاظ:
273، العبر: 1 / 290، تهذيب التهذيب: 1 / 151، طبقات
الحفاظ: 117، خلاصة تذهيب الكمال: 20.
(*)
(8/539)
والثوري، وزائدة، وابن شوذب، وشعيب بن أبي حمزة، ومالك،
وخلق.
وكان من أئمة الحديث.
حدث عنه: الاوزاعي، والثوري، وهما من شيوخه، وابن المبارك،
وبقية، وابن عمه مروان بن معاوية الفزاري، وأبو أسامة،
وزكريا بن عدي، وعاصم بن يوسف اليربوعي، وأبو توبة الحلبي،
وعبد الله ابن عون الخراز، وعبد الملك بن حبيب المصيصي شيخ
لابي داود، ومحبوب بن موسى الفراء، وموسى بن أيوب النصيبي،
ومعاوية بن عمرو
الازدي، وعمرو الناقد، ومحمد بن عبدالرحمن بن سهم، وأبو
نعيم الحلبي، وخلق كثير.
ذكره أبو حاتم، فقال: الثقة المأمون الامام.
وقال النسائي: ثقة، مأمون، أحد الائمة.
قال الخليلي: قال الحميدي: قال لي الشافعي: لم يصنف أحد في
السير مثل كتاب أبي إسحاق.
وقال أبو حاتم: اتفق العلماء على أن أبا إسحاق الفزاري
إمام يقتدى به بلا مدافعة.
قال: وقال الحميدي: جاء رجل إلى ابن عيينة، فقال: حدثني
أبو إسحاق عنك بكذا.
فقال: ويحك، إذا سمعت أبا إسحاق يحدث عني، فلا يضرك أن لا
تسمعه مني.
وقال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سنة، صالحا، هو الذي
(8/540)
أدب أهل الثغر، وعلمهم السنة، وكان يأمر وينهى.
وإذا دخل الثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان
له فقه.
أمر سلطانا ونهاه، فضربه مئتي سوط، فغضب له الاوزاعي،
وتكلم في أمره.
قال سفيان بن عيينة: كان إماما.
وقال محمد بن يوسف الاصبهاني البناء: حدث الاوزاعي بحديث،
فقال: حدثني الصادق المصدوق، أبو إسحاق الفزاري.
وقال أبو صالح الفراء: لقيت الفضيل بن عياض فعزاني بأبي
إسحاق وقال: ربما اشتقت إلى المصيصة، ما بي فضل الرباط إلا
أن أرى أبا
إسحاق، رحمه الله.
قلت: آخر من حدث عنه وفاة: علي بن بكار المصيصي الصغير،
وبقي إلى نحو سنة ستين ومئتين.
وقيل: إن أبا إسحاق روى حديثا عن أبي طوالة عبد الله بن
عبد الرحمن.
والصواب أن بينهما زائدة، والله أعلم.
قال أبو داود: مات سنة خمس.
وقال البخاري: سنة ست وثمانين ومئة.
وأما محمد بن سعد، فوهم، وقال: مات سنة ثمان وثمانين ومئة.
قلت: من أبناء الثمانين هو، أو جاوزها بقليل.
قال أبو مسهر: قدم أبو إسحاق الفزاري دمشق، فاجتمع الناس
ليسمعوا منه، فقال: اخرج إلى الناس، فقل لهم: من كان يرى
القدر،
(8/541)
فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى رأي فلان، فلا يحضر مجلسنا،
فخرجت، فأخبرتهم.
وقال أبو حاتم: ثقة، مأمون، عظيم الغناء في الاسلام.
ويروى أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله، فقال الرجل: أين
أنت من ألف حديث وضعتها ؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من
أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك يتخللانها، فيخرجانها حرفا
حرفا.
قال أبو داود الطيالسي: توفي أبو إسحاق الفزاري وليس على
وجه الارض أحد أفضل منه.
وعن سفيان بن عيينة، قال: والله ما رأيت أحدا أقدمه على
أبي إسحاق الفزاري.
وقال عطاء الخفاف: كنت عند الاوزاعي، فأراد أن يكتب إلى
أبي اسحاق الفزاري، فقال لكاتبه: ابدأ به، فإنه والله خير
مني.
قال علي بن بكار الزاهد: رأيت ابن عون فمن بعده، ما رأيت
فيهم أفقه من أبي إسحاق الفزاري.
قال عبدالرحمن بن مهدي: إذا رأيت شاميا يحب الاوزاعي وأبا
إسحاق، فاطمئن إليه.
قال سفيان بن عيينة: دخلت على هارون، فقال: يا أبا إسحاق،
إنك في موضع، وفي شرف.
قلت: يا أمير المؤمنين، ذاك لا يغني عني في الآخرة شيئا.
وقال أبو أسامة: سمعت الفضيل بن عياض يقول: رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم في
(8/542)
النوم، وإلى جنبه فرجة، فذهبت لاجلس، فقال: هذا مجلس أبي
إسحاق الفزاري.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي، أخبرنا المبارك
بن أبي الجود، أخبرنا أحمد بن أبي غالب العابد، أخبرنا عبد
العزيز بن علي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا محمد بن
هارون الحضرمي، حدثنا زيد ابن سعد، حدثنا أبو إسحاق
الفزاري، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من أدخل على مؤمن سرورا فقد
سرني، ومن سرني فقد اتخذ عند الله عهدا، ومن اتخذ عند الله
عهدا فلن تمسه النار أبدا ".
هذا حديث شبه موضوع مع لطافة إسناده، وزيدا هذا لم أجد له
ذكرا في دواوين الضعفاء، والآفة منه.
إبراهيم بن سعيد الجوهري: قلت لابي أسامة: أيهما أفضل:
فضيل
ابن عياض، أو أبو إسحاق الفزاري ؟ فقال: كان فضيل رجل
نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة.
وقال عبيد بن جناد: قال عطاء بن مسلم: قلت لابي إسحاق
الفزاري: ألا تسب من ضربك ؟ قال: إذا أحبه.
فلما مات أبو إسحاق قال عطاء: ما دخل على الامة من موت أحد
ما دخل عليهم من موت أبي إسحاق.
قال ابن مهدي: كان الاوزاعي والفزاري إمامين في السنة.
وروى معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، قال الاوزاعي في الرجل
يسأل: أمؤمن أنت حقا ؟ قال: إن المسألة عن ذلك بدعة،
والشهادة عليه تعمق لم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبينا،
القول فيه جدل، والمنازعة فيه حدث.
وذكر فصلا نافعا.
(8/543)
جاء في الاصل ما نصه: تم الجزء السادس من كتاب: سير
النبلاء للشيخ الامام الناقد البارع، جامع أشتات الفنون،
مؤرخ الاسلام، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبي الدمشقي.
وهو أول نسخة نسخت من خط المصنف، وقوبلت عليه حسب الامكان،
ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة.
ويتلوه في الجزء الذي يليه وهو السابع ترجمة البكائي.
وكان الفراغ من نسخة سنة أربعين وسبع مئة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والحمد لله رب العالمين
(8/544)
|