الدر المنثور في
التفسير بالمأثور 2 -
سُورَة الْبَقَرَة
مَدَنِيَّة وآياتها سِتّ وَثَمَانُونَ ومائتان إِلَّا آيَة 281
فَنزلت فِي حجَّة الْوَدَاع
نزُول سُورَة الْبَقَرَة وفضلها
- مُقَدّمَة سُورَة الْبَقَرَة أخرج ابْن الضريس فِي فضائله
وَأَبُو جَعْفَر النّحاس فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طرق
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة
الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزل
بِالْمَدِينَةِ سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ والمنسوخ عَن عِكْرِمَة
قَالَ: أول سُورَة نزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَامع ابْن شَدَّاد قَالَ: كُنَّا فِي
غزَاة فِيهَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد فَفَشَا فِي النَّاس أَن
نَاسا يكْرهُونَ أَن يَقُولُوا سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان
حَتَّى يَقُولُوا: السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْبَقَرَة
وَالسورَة الَّتِي يذكر فِيهَا آل عمرَان
فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: إِنِّي أسمع عبد الله بن مَسْعُود
إِذا استبطن الْوَادي فَجعل الْجَمْرَة على حَاجِبه الْأَيْمن
ثمَّ اسْتقْبل الْكَعْبَة فَرَمَاهَا بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ
كل حَصَاة
فَلَمَّا فرغ قَالَ: من هَهُنَا - وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره -
رمى الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة
وَأخر ابْن الضريس وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتقولوا
سُورَة الْبَقَرَة وَلَا سُورَة آل عمرَان وَلَا سُورَة
النِّسَاء وَكَذَلِكَ الْقُرْآن كُله وَلَكِن قُولُوا:
السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْبَقَرَة وَالسورَة الَّتِي
يذكر فِيهَا آل عمرَان وَكَذَلِكَ الْقُرْآن كُله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر
قَالَ: لاتقولوا سُورَة الْبَقَرَة وَلَكِن قُولُوا: السُّورَة
الَّتِي يذكر فِيهَا الْبَقَرَة
(1/46)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف
وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن حُذَيْفَة قَالَ صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْلَة من رَمَضَان فَافْتتحَ الْبَقَرَة فَقلت:
يُصَلِّي بهَا رَكْعَة
ثمَّ افْتتح النِّسَاء فقرأها ثمَّ افْتتح آل عمرَان فقرأها
مترسلا
إِذا مر بِآيَة فِيهَا تَسْبِيح سبح وَإِذا مر بسؤال سَأَلَ
وَإِذا مر بتعوذ تعوذ
وَأخرج أَحْمد وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة
قَالَ كنت أقوم مَعَ رَسُول الله فِي اللَّيْل فَيقْرَأ
بالبقرة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء فَإِذا مر بِآيَة فِيهَا
استبشار دَعَا وَرغب وَإِذا مر بِآيَة فِيهَا تخويف دَعَا
واستعاذ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل
وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَوْف بن مَالك
الْأَشْجَعِيّ قَالَ قُمْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْلَة فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة لايمر
بِآيَة رَحْمَة إِلَّا وقف فَسَأَلَ ولايمر بِآيَة عَذَاب
إِلَّا وقف فتعوذ
ثمَّ ركع بِقدر قِيَامه يَقُول فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ ذِي
الجبروت والملكوت والكبرياء وَالْعَظَمَة
ثمَّ سجد بِقدر قِيَامه ثمَّ قَالَ فِي سُجُوده مثل ذَلِك
ثمَّ قَامَ فَقَرَأَ بآل عمرَان ثمَّ قَرَأَ سُورَة سُورَة
وَأخرج ابْن شيبَة فِي المُصَنّف عَن سعيد بن خَالِد قَالَ صلى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسبع الطوَال فِي
رَكْعَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَأحمد وَحميد بن زَنْجوَيْه فِي فَضَائِل
الْقُرْآن وَمُسلم وَابْن الضريس وَابْن حبَان
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي فضائله
وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي أُمَامَة
الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: اقرؤا الْقُرْآن فانه يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة
شَفِيعًا لأَصْحَابه
اقرؤا الزهراوين: سُورَة الْبَقَرَة وَسورَة آل عمرَان
فَإِنَّهُمَا يأتيان يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غبابتان
وكأنهما غمامتان أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف يحاجان
عَن صَاحبهمَا
اقرؤوا سُورَة الْبَقَرَة
فَإِن أَخذهَا بركَة وَتركهَا حسرة وَلَا تستطعيها بطلة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن نواس بن سمْعَان قَالَ
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يُؤْتى
بِالْقُرْآنِ وَأَهله الَّذين كَانُوا يعْملُونَ بِهِ فِي
الدُّنْيَا تقدمهم سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان قَالَ: وَضرب
لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَمْثَال
مَا نسيتهن بعد
قَالَ: كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو كانهما غبابتان أَو
(1/47)
كَأَنَّهُمَا ظلتان سوداوان بَينهمَا شرف
أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف يحاجان عَن صَاحبهمَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن أبي عمر
الْعَرَبِيّ فِي مسانيدهم والدارمي وَمُحَمّد بن نصر
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلمُوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِن
أَخذهَا بركَة وَتركهَا حسرة وَلَا تستطعيها البطلة - ثمَّ سكت
سَاعَة - ثمَّ قَالَ: تعلمُوا سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان
فَإِنَّهُمَا الزهروان يظلان صَاحبهمَا يَوْم الْقِيَامَة
كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو غبابتان أَو فرقان من طير صواف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي فضائله
بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم تعلمُوا الزهراوين
الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَإِنَّهُمَا يجيآن يَوْم الْقِيَامَة
كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو كَأَنَّهُمَا غبابتان أَو
كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف تحاجان عَن صَاحبهمَا
تعلمُوا الْبَقَرَة فَإِن أَخذهَا بركَة وَتركهَا حسرة وَلَا
تستطيعها البطلة
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ
وَمُحَمّد بن نصر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم اقرؤا الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَإِنَّهُمَا يأتيان يَوْم
الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو غبابتان أَو فرقان من
طير صواف
وَأخرج أَبُو عبيد والدارمي عَن أبي أُمَامَة قَالَ: إِن أَخا
لكم رأى فِي الْمَنَام أَن النَّاس يسلكون فِي صدر جبل وعر
طَوِيل وعَلى رَأس الْجَبَل شجرتان خضراوان تهتفان: هَل فِيكُم
من يقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة هَل فِيكُم من يقْرَأ سُورَة آل
عمرَان فَإِذا قَالَ الرجل: نعم
دنتا مِنْهُ بأعناقهما حَتَّى يتَعَلَّق بهما فيخطرا بِهِ
الْجَبَل
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ عِنْده رجل
سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَقَالَ: قَرَأت سورتين فيهمَا
اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا
سُئِلَ بِهِ أعْطى
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس عَن أبي منيب عَن عَمه
أَن رجلا قَرَأَ الْبَقر وَآل عمرَان فَلَمَّا قضى صلَاته
قَالَ لَهُ كَعْب: أَقرَأت الْبَقَرَة وَآل عمرَان قَالَ: نعم
قَالَ - فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ - إِن فيهمَا اسْم الله
الَّذِي إِذا دعى بِهِ اسْتَجَابَ قَالَ: فَأَخْبرنِي بِهِ
قَالَ: لَا وَالله لَا أخْبرك وَلَو أَخْبَرتك لأوشكت أَن
تَدْعُو بدعوة أهلك فِيهَا أَنا وَأَنت
(1/48)
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو نعيم فِي
الدَّلَائِل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ
الرجل إِذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جد فِينَا
يَعْنِي عظم
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن كَعْب قَالَ: من قَرَأَ الْبَقَرَة
وَآل عمرَان جاءتا يَوْم الْقِيَامَة يَقُولَانِ: رَبنَا
لاسبيل عَلَيْهِ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن عبد الْوَاحِد بن
أَيمن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة
كَانَ لَهُ الْأجر كَمَا بَين لبيدا وعروبا
فلبيدا: الأَرْض السَّابِعَة وعروبا: السَّمَاء السَّابِعَة
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه فِي فَضَائِل الْأَعْمَال عَن عبد
الْوَاحِد بن أَيمن عَن حميد الشَّامي قَالَ: من قَرَأَ فِي
لَيْلَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان كَانَ أجره مَا بَين لبيدا
وعروبا
قَالَ عروبا: السَّمَاء السَّابِعَة
ولبيدا: الأَرْض السَّابِعَة
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه فِي فَضَائِل الْقُرْآن من طَرِيق
مُحَمَّد بن أبي سعيد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: من قَرَأَ
لَيْلَة الْجُمُعَة سُورَة الْبَقَرَة وَسورَة آل عمرَان كَانَ
لَهُ نورا مَا بَين عريبا وعجيبا
قَالَ مُحَمَّد: عريبا: الْعَرْش
وعجيبا: أَسْفَل الْأَرْضين
وَأخرج أَبُو عبيد عَن أبي عمرَان
أَنه مَعَ أَبَا الدَّرْدَاء يَقُول: إِن رجلا مِمَّن قد
قَرَأَ الْقُرْآن أغار على جَار لَهُ فَقتله وَأَنه أقيد
مِنْهُ فَقتل
فَمَا زَالَ الْقُرْآن ينسل مِنْهُ سُورَة سُورَة حَتَّى بقيت
الْبَقَرَة وَآل عمرَان جُمُعَة ثمَّ إِن آل عمرَان انسلت
مِنْهُ فأقامت الْبَقَرَة جُمُعَة
فَقيل لَهَا (مايبدل القَوْل لدي وَمَا أَنا بظلام للعبيد) (ق
الْآيَة 29) قَالَ: فَخرجت كَأَنَّهَا السحابة الْعَظِيمَة
قَالَ: أَبُو عبيد: يَعْنِي أَنَّهُمَا كَانَتَا مَعَه فِي
قَبره تدفعان عَنهُ وتؤنسانه فكانتا من آخر مَا بَقِي مَعَه من
الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر ابْن الْخطاب قَالَ: من
قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء فِي لَيْلَة كتب من
القانتين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا خيب
الله إمرأ قَامَ فِي جَوف اللَّيْل فَافْتتحَ سُورَة
الْبَقَرَة وَآل عمرَان
وَأخرج أَبُو عبيد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز التنوخي أَن
يزِيد بن الْأسود الجرشِي كَانَ يحدث: إِنَّه من قَرَأَ
الْبَقَرَة وَآل عمرَان فِي يَوْم برىء من النِّفَاق حَتَّى
(1/49)
يُمْسِي وَمن قرأهما فِي لَيْلَة برىء من
النِّفَاق حَتَّى يصبح
قَالَ: فَكَانَ يقرؤهما كل يَوْم وكل لَيْلَة سوى جزئه
وَأخرج أَبُو ذَر فِي فضائله عَن سعيد بن أبي هِلَال قَالَ:
بَلغنِي أَنه لَيْسَ من عبد يقْرَأ الْبَقَرَة وَآل عمرَان فِي
رَكْعَة قبل أَن يسْجد ثمَّ يسْأَل الله شَيْئا الا أعطَاهُ
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تجْعَلُوا
بُيُوتكُمْ مَقَابِر الشَّيْطَان ينفر من الْبَيْت الَّذِي
يقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: وَإِن الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ
سُورَة الْبَقَرَة لَا يدْخلهُ الشَّيْطَان
وَأخرج أَبُو عبيد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَمُحَمّد بن
نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا فِي بُيُوتكُمْ ولاتجعلوا
قبورا وزينوا أَصْوَاتكُم بِالْقُرْآنِ فَإِن الشَّيْطَان ينفر
من الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج أَبُو عبيد عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان يخرج من الْبَيْت إِذا سمع
سُورَة الْبَقَرَة تقْرَأ فِيهِ
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه
عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: تعلمُوا الْقُرْآن فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ - إِن
الشَّيْطَان ليخرج من الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ سُورَة
الْبَقَرَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن مُغفل
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْت
الَّذِي يقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة لايدخله الشَّيْطَان
تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج ابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي
الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد
ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا ألقين أحدم يضع إِحْدَى رجلَيْهِ على
الْأُخْرَى ثمَّ يتعنى ويدع أَن يقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة
فَإِن الشَّيْطَان ينفر من الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ
سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الضريس
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن لكل شَيْء سناما وسنام
الْقُرْآن الْبَقَرَة
وَإِن الشَّيْطَان إِذا سمع سُورَة الْبَقَرَة نفر من الْبَيْت
الَّذِي يقْرَأ فِيهِ وَله ضريط
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليهوسلم إِن لكل شَيْء سناما
وسنام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة من قَرَأَهَا فِي بَيته
نَهَارا لم يدْخلهُ الشَّيْطَان ثَلَاث لَيَال
(1/50)
وَأخرج وَكِيع والحرث بن أبي أُسَامَة
وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الضريس بِسَنَد صَحِيح عَن الْحسن
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل
الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة وَأعظم آيَة فِيهِ آيَة
الْكُرْسِيّ
وَإِن الشَّيْطَان ليفر من ابيت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ سُورَة
الْبَقَرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالتِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر
وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل شَيْء سناما وَإِن سَنَام الْقُرْآن
الْبَقَرَة وفيهَا آيَة هِيَ سيدة آي الْقُرْآن آيَة
الْكُرْسِيّ لَا تقْرَأ فِي بَيت فِيهِ شَيْطَان إِلَّا خرج
مِنْهُ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن السَّائِب بن حباب
وَيُقَال لَهُ صُحْبَة قَالَ: الْبَقَرَة سَنَام الْقُرْآن
وَأخرج الديلمي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا
الْبَقَرَة فسطاط الْقُرْآن فَتَعَلَّمُوهَا فَإِن تعلمهَا
بركَة وَتركهَا حسرة وَلَا تستطيعها البطلة
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن خَال بن معدان مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج أَحْمد وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد
صَحِيح عَن معقل بن يسَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الْبَقَرَة سَنَام الْقُرْآن وذروته نزل مَعَ كل
آيَة مِنْهَا ثَمَانُون ملكا استخرجت {الله لَا إِلَه إِلَّا
هُوَ الْحَيّ القيوم} من تَحت الْعَرْش فوصلت بهَا
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر
فِي تَارِيخه عَن ربيعَة الْحَرَشِي قَالَ سُئِلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْقُرْآن أفضل قَالَ: السُّورَة
الَّتِي يذكر فِيهَا الْبَقَرَة قيل: فَأَي الْبَقَرَة أفضل
قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة نَزَلْنَ
من تَحت الْعَرْش
وَأخرج عبيد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا
وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم
وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طرق
عَن أسيد بن حضير قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ من اللَّيْل
سُورَة الْبَقَرَة وفرسه مربوطة عِنْده
إِذا جالت الْفرس فَسكت
فسكنت
ثمَّ قَرَأَ فجالت الْفرس فَسكت
فسكنت
ثمَّ قَرَأَ فجالت فَسكت
فسكنت
ثمَّ قَرَأَ فجالت
فَانْصَرف إِلَى ابْنه يحيى وَكَانَ قَرِيبا مِنْهَا فأشفق أَن
تصيبه فَلَمَّا أَخذه رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَإِذا هُوَ
بِمثل الظلة فِيهَا أَمْثَال المصابيح عرجت إِلَى السَّمَاء
حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أصبح حدث رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَتَدْرِي
(1/51)
مَا ذَاك قَالَ: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: تِلْكَ الْمَلَائِكَة دنت لصوتك وَلَو قَرَأت لأصبحت
تنظر النَّاس إِلَيْهَا لَا تتوارى مِنْهُم
وَأخرج ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أسيد بن حضير أَنه قَالَ يَا
رَسُول الله بَيْنَمَا أَقرَأ اللَّيْلَة سُورَة الْبَقَرَة
إِذا سَمِعت وجبة من خَلْفي فَظَنَنْت أَن فرسي انْطلق فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأ يَا أَبَا عبيد
فَالْتَفت فَإِذا مثل الْمِصْبَاح مدلى بَين السَّمَاء
وَالْأَرْض فَمَا اسْتَطَعْت أَن أمضي فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ الْمَلَائِكَة نزلت لقراءتك
سُورَة الْبَقَرَة أما أَنَّك لَو مضيت لرأيت الْعَجَائِب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أسيد بن حضير قَالَ: كنت أُصَلِّي
فِي لَيْلَة مُقْمِرَة وَقد أوثقت فرسي فجالت جَوْلَة فَفَزِعت
ثمَّ جالت أُخْرَى فَرفعت رَأْسِي وَإِذا ظلة قد غشيتني وَإِذا
هِيَ قد حَالَتْ بيني وَبَين الْقَمَر فَفَزِعت فَدخلت
الْبَيْت
فَلَمَّا أَصبَحت ذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ تِلْكَ الْمَلَائِكَة جَاءَت تسمع قراءتك من آخر
اللَّيْل سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج أَبُو عبيد عَن مُحَمَّد بن جرير بن يزِيد أَن أَشْيَاخ
أهل الْمَدِينَة حدثوه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قيل لَهُ: ألم تَرَ أَن ثَابت بن قيس بن شماس لم تزل
دَاره البارحة تزهر مصابيح قَالَ فَلَعَلَّهُ قَرَأَ سُورَة
الْبَقَرَة
فَسئلَ ثَابت فَقَالَ: قَرَأت سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: خرج رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لقِيه الشَّيْطَان فاتخذا فاصطرعا فصرعه
الَّذِي من أَصْحَاب مُحَمَّد فَقَالَ الشَّيْطَان: أَرْسلنِي
أحَدثك حَدِيثا فَأرْسلهُ قَالَ: لَا
فَاتخذ الثَّانِيَة فاصطرعا فصرعه الَّذِي من أَصْحَاب
مُحَمَّد فَقَالَ: أَرْسلنِي فلأحدثنك حَدِيثا يُعْجِبك
فَأرْسلهُ فَقَالَ: حَدثنِي قَالَ: لَا
فَاتخذ الثَّالِثَة فصرعه الَّذِي من أَصْحَاب مُحَمَّد ثمَّ
جلس على صَدره وَأخذ بإبهامه يلوكها فَقَالَ: أَرْسلنِي
فَقَالَ: لَا أرسلك حَتَّى تُحَدِّثنِي قَالَ: سُورَة
الْبَقَرَة فَإِنَّهُ لَيْسَ من آيَة مِنْهَا تقْرَأ فِي وسط
الشَّيَاطِين إِلَّا تفَرقُوا أَولا تقْرَأ فِي بَيت فَيدْخل
ذَلِك الْبَيْت شَيْطَان قَالُوا: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن
فَمن ذَلِك الرجل قَالَ: فَمن تَرَوْنَهُ إِلَّا عمر بن
الْخطاب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَمُحَمّد بن نصر الموزي فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن حبَان
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بعثا وهم ذَوُو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل مِنْهُم يَعْنِي
مَا
(1/52)
مَعَه من الْقُرْآن فآتى على رجل مِنْهُم
من أحدثهم سنا فَقَالَ: مَا مَعَك يَا فلَان قَالَ: معي كَذَا
وَكَذَا
وَسورَة الْبَقَرَة قَالَ: أَمَعَك سُورَة الْبَقَرَة قَالَ:
نعم
قَالَ: اذْهَبْ فَأَنت أَمِيرهمْ فَقَالَ رجل من أَشْرَافهم
وَالله مَا مَنَعَنِي أَن أتعلم سُورَة الْبَقَرَة إِلَّا
خشيَة أَن لَا أقوم بهَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعلمُوا
الْقُرْآن واقرؤه فَإِن مثل الْقُرْآن لمن تعلمه فقرأه وَقَامَ
بِهِ كَمثل جراب محشو مسكا يفوح رِيحه فِي كل مَكَان وَمثل من
تعلمه فيرقد وَهُوَ فِي جَوْفه
كَمثل جراب أوكى على مسك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُثْمَان ابْن
الْعَاصِ قَالَ استعملني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَنا أَصْغَر السته الَّذين وفدوا عَلَيْهِ من ثَقِيف
وَذَلِكَ أَنِّي كنت قَرَأت سُورَة الْبَقَرَة وَأخرج
الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد ضَعِيف عَن الصلصال
ابْن الدلهمس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
اقرؤا سُورَة الْبَقَرَة فِي بُيُوتكُمْ ولاتجعلوها قبورا
قَالَ: وَمن قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة تتوج بتاج فِي الْجنَّة
وَأخرج وَكِيع والدارمي وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الضريس عَن
مُحَمَّد بن الْأسود قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة فِي
لَيْلَة توج بهَا تاجا فِي الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ
سُورَة الْبَقَرَة فقد أَكثر وأطاب
وَأخرج وَكِيع وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي فضائله عَن
التَّمِيمِي قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس أَي سُورَة فِي
الْقُرْآن أفضل قَالَ: الْبَقَرَة قلت: فَأَي آيَة قَالَ: آيَة
الْكُرْسِيّ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أشرف سُورَة فِي الْقُرْآن
الْبَقَرَة وأشرف آيَة
آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر قَالَ: تعلمُوا
سُورَة الْبَقَرَة سُورَة النِّسَاء وَسورَة الْحَج وَسورَة
وَسورَة النُّور فَإِن فِيهِنَّ الْفَرَائِض
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن
مَسْعُود أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله رَأْيِي فِي رَأْيك فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذي خطبهَا: هَل
تقْرَأ من الْقُرْآن شَيْئا فَقَالَ: نعم
سُورَة البقره وَسورَة من الْمفصل فَقَالَ: قد أنكحتكها على
أَن تقرئها وتعلمها
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للرجل: مَا تحفظ من
الْقُرْآن قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة وَالَّتِي تَلِيهَا
قَالَ: قُم فعلمها عشْرين آيَة وَهِي
(1/53)
إمراتك وَكَانَ مَكْحُول يَقُول: لَيْسَ
ذَلِك لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عمرَان بن أبان
قَالَ: أَتَى عُثْمَان بسارق فَقَالَ: أَرَاك جميلا مَا مثلك
يسرق قَالَ: هَل تقْرَأ شَيْئا من الْقُرْآن قَالَ: نعم
أَقرَأ سُورَة الْبَقَرَة قَالَ: اذْهَبْ فقد وهبت يدك
بِسُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي جَمْرَة قَالَ: قلت
لِابْنِ عَبَّاس: إِنِّي سريع الْقِرَاءَة فَقَالَ: لِأَن
أَقرَأ سُورَة الْبَقَرَة فأرتلها أحب إِلَيّ من أَن أَقرَأ
الْقُرْآن كُله
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: تعلم عمر الْبَقَرَة فِي
اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَلَمَّا خَتمهَا نحر جزورا
وَذكر مَالك فِي الْمُوَطَّأ: أَنه بلغه أَن عبد الله بن عمر
مكث على سُورَة الْبَقَرَة ثَمَانِي سِنِين يتعلمها
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته عَن مَيْمُون
أَن ابْن عمر تعلم سُورَة الْبَقَرَة فِي أَربع سِنِين
وَأخرج مَالك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن عُرْوَة
أَن أَبَا بكر الصّديق صلى الصُّبْح فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَة
الْبَقَرَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن
أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس
أَن أَبَا بكر الصّديق صلى بِالنَّاسِ الصُّبْح فَقَرَأَ
بِسُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ عمر: كربت الشَّمْس أَن تطلع
فَقَالَ: لَو طلعت لم تجدنا غافلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس
أَن أَبَا بكر قَرَأَ فِي يَوْم عيد الْبَقَرَة حَتَّى رَأَيْت
الشَّيْخ يميد من طول الْقيام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي فِي الْجَنَائِز وَأَبُو ذَر
الْهَرَوِيّ فِي فضلائله عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَت
الْأَنْصَار يقرؤون عَن الْمَيِّت بِسُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق
ابْن وهب عَن سُلَيْمَان قَالَ: سُئِلَ ربيعَة - وَأَنا حَاضر
- لم قدمت الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَقد نزل قبلهمَا نَيف
وَثَمَانُونَ سُورَة بِمَكَّة فَقَالَ: يعلم من قدمهما
بتقدمتهما فَهَذَا مَا ينتهى إِلَيْهِ وَلَا يسْأَل عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة مَعًا فِي المُصَنّف
عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَ شعار أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم مُسَيْلمَة يَا أَصْحَاب سُورَة
الْبَقَرَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر
الْأُصُول عَن سُلَيْمَان بن يسَار
(1/54)
قَالَ: اسْتَيْقَظَ أَبُو أسيد
الْأنْصَارِيّ لَيْلَة وَهُوَ يَقُول: إِنَّا لله وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُون
فَاتَنِي وردي اللَّيْلَة - وَكَانَ وردي الْبَقَرَة - فَلَقَد
رَأَيْت قفي الْمَنَام كَأَن بقرة تنطحني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُسَدّد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
من حلف بِسُورَة الْبَقَرَة وَفِي لفظ بِسُورَة من الْقُرْآن
فَعَلَيهِ بِكُل آيَة مِنْهَا يَمِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف بِسُورَة من الْقُرْآن
فَعَلَيهِ بِكُل آيَة مِنْهَا يَمِين صَبر فَمن شَاءَ بر وَمن
شَاءَ فجر
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم فِي الكنى عَن عَائِشَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَرَأَ سُورَة
الْبَقَرَة وَآل عمرَان جعل الله لَهُ جاحين منظومين بالدر
والياقوت قَالَ أَبُو أَحْمد: هَذَا الحَدِيث مُنكر
(1/55)
الم (1)
1 - قَوْله تَعَالَى: ألم
أخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ
أَنه كَانَ يعد {الم} آيَة (وحم) آيَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَابْن الضريس وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي
الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو
ذَر الْهَرَوِيّ فِي فضائله وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من قَرَأَ حرفا من كتاب الله فَلهُ بِهِ حَسَنَة والحسنة
بِعشْرَة أَمْثَالهَا
لَا تَقول {الم} حرف وَلَكِن ألف حرف وَلَام حرف وَمِيم حرف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة والدارمي وَابْن
الضريس وَالطَّبَرَانِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن ابْن مَسْعُود
مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَأَبُو جَعْفَر النّحاس فِي كتاب
الْوَقْف والابتداء والخطيب فِي تَارِيخه وَأَبُو نصر السجْزِي
فِي الإِبانة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقرؤا الْقُرْآن فَإِنَّكُم
تؤجرون عَلَيْهِ
أما أَنِّي لَا أَقُول {آلم} حرف وَلَكِن ألف عشر وَلَام عشر
وَمِيم عشر فَتلك ثَلَاثُونَ
(1/55)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار
والمرهبي فِي فضل الْعلم وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو نصر
السجْزِي بِسَنَد ضَعِيف عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ
الْقُرْآن كتب الله لَهُ بِكُل حرف حَسَنَة
لَا أَقُول {الم ذَلِك الْكتاب} حرف وَلَكِن الْألف حرف والذال
وَالْألف وَالْكَاف
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
والسجزي عَن عَوْف بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ حرفا من الْقُرْآن كتب الله لَهُ
بِهِ حَسَنَة
لَا أَقُول {بِسم الله} وَلَكِن بَاء وسين وَمِيم وَلَا أَقُول
{الم} وَلَكِن الْألف وَاللَّام وَالْمِيم
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر السلَفِي فِي كتاب الْوَجِيز فِي ذكر
الْمجَاز والمجيز عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَرَأَ حرفا من الْقُرْآن كتب الله
لَهُ عشر حَسَنَات
بِالْبَاء وَالتَّاء والثاء
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو نصر السجْزِي
عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا فرغ الرجل من حَاجته ثمَّ رَجَعَ
إِلَى أَهله ليأت الْمُصحف فليفتحه فليقرا فِيهِ فَإِن الله
سيكتب لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات
أما أَنِّي لَا أَقُول {الم} وَلَكِن الْألف عشر وَاللَّام عشر
وَالْمِيم عشر
وَأخرج أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي الْوَقْف والابتداء وَأَبُو
نصر السجْزِي عَن قيس بن سكن قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود:
تعلمُوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ يكْتب بِكُل حرف مِنْهُ عشر
حَسَنَات وَيكفر بِهِ عشر يئات
أما أَنِّي لَا أَقُول {آلم} حرف وَلَكِن أَقُول ألف عشر
وَلَام عشر وَمِيم عشر
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم والنحاس من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{الم} قَالَ: أَنا الله أعلم
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود قَالَ {الم} حُرُوف اشْتقت من
حُرُوف هجاء أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم} وحم و (ن) قَالَ: اسْم مقطع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله الم و (المص) و (الر) و (المر)
(1/56)
و (كهيعص) و (طه) و (طسم) و (طس) و (يس) و
(ص) و (حم) و (ق) و (ن) قَالَ: هُوَ قسم أقسمه الله وَهُوَ من
أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ {الم} قسم
وَأخرج ابْن جريج عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {الم} قَالَ:
هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن جريج وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {الم} و (حم) و (طس) قَالَ: هِيَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي تَفْسِيره وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر عَن عَامر
أَنه سُئِلَ عَن فواتح السُّور نَحْو {الم} و {الر} قَالَ:
هِيَ أَسمَاء من أَسمَاء الله مقطعَة الهجاء فَإِذا وصلتها
كَانَت أَسمَاء من أَسمَاء الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {الم}
قَالَ: ألف مِفْتَاح اسْمه الله وَلَام مفتا اسْمه لطيف وَمِيم
مِفْتَاح اسْمه مجيد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فواتح السُّور
أَسمَاء من أَسمَاء الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن السّديّ قَالَ: فواتح السُّور كلهَا من
أَسمَاء الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الم} قَالَ: إسم من أَسمَاء
الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الم} قَالَ: إسم من
أَسمَاء الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ بن حبَان عَن مُجَاهِد قَالَ {الم} و (حم) و (المص) و
(ص) فواتح افْتتح الله بهَا الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ
{الم} و (طسم) فواتح يفْتَتح الله بهَا السُّور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: فواتح السُّور
كلهَا {الم} و (المر) و (حم) و (ق) وَغير ذَلِك هجاء مَوْضُوع
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ {الم} وَنَحْوهَا
أَسمَاء السُّور
وَأخرج ابم اسحق وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير
بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس عَن جَابر بن عبد الله بن
ربَاب قَالَ: مر أَبُو يَاسر بن أَخطب فِي رجال من يهود
برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَة
سُورَة الْبَقَرَة {الم ذَلِك الْكتاب} فَأَتَاهُ أَخُوهُ حييّ
بن
(1/57)
أَخطب فِي رجال من الْيَهُود فَقَالَ:
تعلمُونَ - وَالله - لقد سَمِعت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا
أنزل عَلَيْهِ {الم ذَلِك الْكتاب} فَقَالُوا أَنْت سمعته
قَالَ: نعم
فَمشى حييّ فِي أُولَئِكَ النَّفر إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: قد جَاءَك بِهَذَا جِبْرِيل من
عِنْد الله قَالَ: نعم
قَالُوا: لقد بعث الله قبلك أَنْبيَاء مانعلمه بَين لنَبِيّ
لَهُم مَا مُدَّة ملكه وَمَا أجل أمته غَيْرك فَقَالَ حييّ بن
أَخطب: وَأَقْبل على من مَعَه الْألف وَاحِدَة وَاللَّام
ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ احدى وَسَبْعُونَ
سنة
أفتدخلون فِي دين نَبِي إِنَّمَا مُدَّة ملكه وَأجل أمته
إِحْدَى وَسَبْعُونَ سنة ثمَّ أقبل على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَل مَعَ هَذَا غَيره
قَالَ: نعم
قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ (المص) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول
الأف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ
وَالصَّاد تسعون فَهَذِهِ مائَة واحدى وَسِتُّونَ
هَل مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيره قَالَ: نعم
قَالَ: مَاذَا قَالَ (الر) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول
الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالرَّاء مِائَتَان
فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سنة
فَهَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم
(المر) قَالَ: فَهَذِهِ أثقل وأطول
الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ
وَالرَّاء مِائَتَان فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سنة ومائتان
ثمَّ قَالَ: لقد لبس علينا أَمرك يَا مُحَمَّد حَتَّى مَا
نَدْرِي أقليلا أَعْطَيْت أم كثيرا ثمَّ قَامُوا فَقَالَ أَبُو
يَاسر لِأَخِيهِ حييّ وَمن مَعَه من الْأَحْبَار: مَا يدريكم
لَعَلَّه قد جمع هَذَا لمُحَمد كُله
إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِائَة وَإِحْدَى
وَثَلَاثُونَ ومائتان وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ ومائتان فَذَلِك
سَبْعمِائة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ
فَقَالُوا: لقد تشابه علينا أمره
فيزعمون أَن هَذِه الْآيَات نزلت فيهم (هُوَ الَّذِي أنزل
عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر
متشابهات) (آل عمرَان الْآيَة 7)
وَأخرج ابْن المنذرعن ابْن جريج قَالَ: إِن الْيَهُود كَانُوا
يَجدونَ مُحَمَّدًا وَأمته (فِي كِتَابهمْ اصحفنا لمعْرِفَة
المعج) إِن مُحَمَّدًا مَبْعُوث وَلَا يَدْرُونَ مَا مُدَّة
أمة مُحَمَّد
فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنزل
{الم} قَالُوا: قد كُنَّا نعلم أَن هَذِه الْأمة مبعوثة
وَكُنَّا لاندري كم مدَّتهَا فَإِن كَانَ مُحَمَّد
(1/58)
صَادِقا فَهُوَ نَبِي هَذِه الْأمة قد بَين
لنا كم مُدَّة مُحَمَّد لِأَن {الم} فِي حِسَاب جملنا إِحْدَى
وَسَبْعُونَ سنة فَمَا نصْنَع بدين إِنَّمَا هُوَ وَاحِد
وَسَبْعُونَ سنة فَلَمَّا نزلت (الر) وَكَانَت فِي حسابهم
مِائَتي سنة وواحداً وَثَلَاثِينَ سنة قَالُوا: هَذَا الْآن
مِائَتَان وواحدا وَثَلَاثُونَ سنة وَوَاحِدَة وَسَبْعُونَ
قيل ثمَّ أنزل (المر) فَكَانَ فِي حِسَاب حملهمْ مِائَتي سنة
وَوَاحِدَة وَسبعين سنة فِي نَحْو هَذَا من صُدُور السُّور
فَقَالُوا: قد الْتبس علينا أمره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة
قَالَ: هَذِه الأحرف الثَّلَاثَة من التِّسْعَة وَالْعِشْرين
حرفا دارت فِيهَا الألسن كلهَا لَيْسَ مِنْهَا إِلَّا حرف
وَهُوَ مِفْتَاح اسْم من أَسْمَائِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا حرف
إِلَّا وَهُوَ من آيَة وَثَلَاثَة وَلَيْسَ مِنْهَا حرف إِلَّا
وَهُوَ فِي مُدَّة قوم وآجالهم
فالألف مِفْتَاح اسْمه الله وَاللَّام مِفْتَاح اسْمه
اللَّطِيف وَالْمِيم مِفْتَاح اسْمه مجيد
فالألف آلَاء الله وَاللَّام لطف الله وَالْمِيم مجد الله
فالألف سنة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي
التَّفْسِير عَن دَاوُد بن أبي هِنْد قَالَ: كنت أسأَل
الشّعبِيّ عَن فواتح السُّور قَالَ: يَا دَاوُد إِن لكل كتاب
سرا وَإِن سر هَذَا الْقُرْآن فواتح السُّور فدعها وسَل عَمَّا
بدا لَك
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: آخر حرف عَارض بِهِ جِبْرِيل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ هدى
لِلْمُتقين}
(1/59)
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا
رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
2 - قَوْله تَعَالَى: ذَلِكَ الْكِتَابُ
لَا ريب فِيهِ (هدى لِلْمُتقين)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: من أول الْبَقَرَة أَربع
آيَات فِي نعت الْمُؤمنِينَ وآيتان فِي نعت الْكَافرين
وَثَلَاث عشرَة آيَة فِي نعت الْمُنَافِقين وَمن أَرْبَعِينَ
آيَة إِلَيّ عشْرين وَمِائَة فِي بني إِسْرَائِيل
وَأخرج وَكِيع عَن مُجَاهِد قَالَ: هَؤُلَاءِ الْآيَات
الْأَرْبَع فِي أول سُورَة الْبَقَرَة إِلَى {المفلحون} نزلت
فِي نعت الْمُؤمنِينَ وَاثْنَتَانِ من بعْدهَا إِلَى {عَظِيم}
نزلت فِي نعت الْكَافرين وَإِلَى الْعشْر نزلت فِي
الْمُنَافِقين
(1/59)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس
قَالَ: أَربع آيَات من فَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة فِي الَّذين
آمنُوا وآيتان فِي قادة الْأَحْزَاب
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود
{الم} حرف اسْم الله و {الْكتاب} الْقُرْآن {لَا ريب} لَا شكّ
فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك الْكتاب}
قَالَ: هَذَا الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن
عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {لَا ريب فِيهِ} قَالَ: لَا شكّ فِيهِ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
الدَّرْدَاء قَالَ ال {ريب} الشَّك من الْكفْر
وَأخرج الطستي فِي مسَائِل ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {لَا ريب
فِيهِ} قَالَ: لَا شكّ فِيهِ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم
أما سَمِعت ابْن الزِّبَعْرَى وَهُوَ يَقُول: لَيْسَ فِي الْحق
يَا أُمَامَة ريب إِنَّمَا الريب مَا يَقُول الكذوب وَأخرج عبد
بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا ريب فِيهِ} قَالَ: لَا
شكّ فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد مثله
2 - قَوْله تَعَالَى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا ريب فِيهِ) هُدًى
لِّلْمُتَّقِينَ
أخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {هدى}
قَالَ: من الضَّلَالَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {هدى} قَالَ:
نور {لِلْمُتقين} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {هدى لِلْمُتقين} أَي الَّذين يحذرون من
أَمر الله عُقُوبَته فِي ترك مَا يعْرفُونَ من الْهدى ويرجون
رَحمته فِي التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هدى
لِلْمُتقين} قَالَ: للْمُؤْمِنين الَّذين يَتَّقُونَ الشّرك
ويعملون بطاعتي
(1/60)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {هدى لِلْمُتقين} قَالَ: جعله الله هدى وضياء لمن صدَّق
بِهِ وَنور لِلْمُتقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن معَاذ بن جبل قَالَ: يُحبَسُ
النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بَقِيع وَاحِد فينادي منادٍ: أَيْن
المتقون فَيقومُونَ فِي كنف الرَّحْمَن لَا يحتجب الله مِنْهُم
وَلَا يسْتَتر
قيل: من المتقون قَالَ: قوم اتَّقوا الشّرك عبَادَة
الْأَوْثَان واخلصوا لله الْعِبَادَة فيمرون إِلَى الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه
وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَطِيَّة
السَّعْدِيّ وَكَانَ من الصَّحَابَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبلغ العَبْد الْمُؤمن أَن يكون
من الْمُتَّقِينَ حَتَّى يدع مَا لَا بَأْس بِهِ حذرا لما بِهِ
بَأْس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن أبي
هُرَيْرَة
أَن رجلا قَالَ لَهُ: مَا التَّقْوَى قَالَ: هَل أخذت طَرِيقا
ذَا شوك قَالَ: نعم
قَالَ: فَكيف صنعت قَالَ: إِذا رَأَيْت الشوك عدلت عَنهُ أَو
جاوزته أَو قصرت عَنهُ قَالَ: ذَاك التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي
حَاتِم عَن طلق بن حبيب أَنه قيل لَهُ: أَلا تجمع لنا
التَّقْوَى فِي كَلَام يسير يرونه قَالَ: التَّقْوَى الْعَمَل
بِطَاعَة الله على نور من الله رَجَاء رجمة الله وَالتَّقوى
ترك معاصي الله على نور من الله مَخَافَة عَذَاب الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي
الدَّرْدَاء قَالَ: تَمام التَّقْوَى أَن يَتَّقِي الله العبدُ
حَتَّى يتقيه من مِثْقَال ذرة وَحَتَّى يتْرك بعض مَا يرى أَنه
حَلَال خشيَة أَن يكون حَرَامًا
يكون حِجَابا بَينه وَبَين الْحَرَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: مَا زَالَت
التَّقْوَى بالمتقين حَتَّى تركُوا كثيرا من الْحَلَال
مَخَافَة الْحَرَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ:
إِنَّمَا سموا الْمُتَّقِينَ لأَنهم اتَّقوا مَا لَا يتقى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ:
لَو أَن رجلا اتَّقى مائَة شَيْء وَلم يتق شَيْئا وَاحِدًا لم
يكن من الْمُتَّقِينَ
(1/61)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي
الدُّنْيَا عَن عون بن عبد الله قَالَ: تَمام التَّقْوَى أَن
تبتغي علم مَا لم تعلم مِنْهَا إِلَى مَا قد علمت مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن رَجَاء قَالَ: من سره أَن يكون
متقياً فَلْيَكُن أذلّ من قعُود إبل كل من أَتَى عَلَيْهِ
أرغاه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق مَالك بن أنس عَن وهب بن
كيسَان قَالَ: كتب رجل إِلَى عبد الله بن الزبير بموعظة
أما بعد
فَإِن لأهل التَّقْوَى عَلَامَات يُعْرَفون بهَا ويُعرِفونها
من أنفسهم
من صَبر على الْبلَاء وَرَضي بِالْقضَاءِ وشكر النعماء وذل
لحكم الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: قَالَ
دَاوُد لِابْنِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: يَا بني
إِنَّمَا تستدل على تقوى الرجل بِثَلَاثَة أَشْيَاء
لحسن توكله على الله فِيمَا نابه ولحسن رِضَاهُ فِيمَا أَتَاهُ
ولحسن زهده فِيمَا فَاتَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سهم بن سَحَاب قَالَ: مَعْدن
من التَّقْوَى لَا يزَال لسَانك رطبا من ذكر الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سعيد بن
أبي سعيد المَقْبُري قَالَ: بلغنَا أَن رجلا جَاءَ إِلَى
عِيسَى فَقَالَ: يَا معلم الْخَيْر كَيفَ أكون تقياً لله كَمَا
يَنْبَغِي لَهُ قَالَ: بِيَسِير من الْأَمر
تحب الله بقلبك كُله وتعمل بكدحك وقوتك مَا اسْتَطَعْت وترحم
ابْن جنسك كَمَا ترحم نَفسك
قَالَ: من ابْن جنسي يَا معلم الْخَيْر قَالَ: ولد آدم كلهم
وَمَا لَا تحب أَن يُؤْتى إِلَيْك فَلَا تأته إِلَى أحد فَأَنت
تَقِيّ لله حَقًا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أياس بن مُعَاوِيَة قَالَ:
رَأس التَّقْوَى ومعظمه أَن لَا تعبد شَيْئا دون الله ثمَّ
تتفاض النَّاس بالتقى والنهى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عون بن عبد الله قَالَ: فواتح
التَّقْوَى حسن النِّيَّة وخواتمها التَّوْفِيق وَالْعَبْد
فِيمَا بَين ذَلِك بَين هلكات وشبهات وَنَفس تحطب على سلوها
وعدو مكيد غير غافل وَلَا عَاجز
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُحرز الطفاري قَالَ: كَيفَ
يَرْجُو مَفَاتِيح التَّقْوَى من يُؤثر على الْآخِرَة
الدُّنْيَا وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمر بن عبد
الْعَزِيز قَالَ: لَيْسَ تقوى الله بصيام
(1/62)
النَّهَار وَلَا بِقِيَام اللَّيْل
والتخليط فِيمَا بَين ذَلِك وَلَكِن تقوى الله ترك مَا حرم
الله وَأَدَاء مَا افْترض الله فَمن رزق بعد ذَلِك خيرا فَهُوَ
خير إِلَى خير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُحَمَّد بن يُوسُف
الْفرْيَابِيّ قَالَ: قلت لِسُفْيَان أرى النَّاس يَقُولُونَ
سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَنت تنام اللَّيْل فَقَالَ لي: اسْكُتْ
ملاك هَذَا الْأَمر التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن شبيب بن شبة قَالَ: تكلم رجل
من الْحُكَمَاء عِنْد عبد الْملك بن مَرْوَان فوصف المتقي
فَقَالَ: رجل آثر الله على خلقه وآثر الْآخِرَة على الدُّنْيَا
وَلم تكربه المطالب وَلم تَمنعهُ المطامع نظر ببصر قلبه إِلَى
معالي إِرَادَته فسما لَهَا ملتمساً لَهَا فزهده مخزون يبيت
إِذا نَام النَّاس ذَا شجون وَيُصْبِح مغموماً فِي الدُّنْيَا
مسجون قد انْقَطَعت من همته الرَّاحَة دون منيته فشفاؤه
الْقُرْآن ودواؤه الْكَلِمَة من الْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة
الْحَسَنَة لَا يرى مِنْهَا الدُّنْيَا عوضا وَلَا يستريح
إِلَى لَذَّة سواهَا
فَقَالَ عبد الْملك: أشهد أَن هَذَا أرجىء بَالا منا وأنعم
عَيْشًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن
مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لَا يكون الرجل من الْمُتَّقِينَ
حَتَّى يُحَاسب نَفسه أَشد من محاسبة شَرِيكه حَتَّى تعلم من
أَيْن مطعمه وَمن أَيْن ملبسه وَمن أَيْن مشربه أَمن حل ذَلِك
أَو من حرَام وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمر بن عبد
الْعَزِيز
أَنه لما وُلي حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أوصيكم
بتقوى الله فَإِن تقوى الله خلف من كل شَيْء وَلَيْسَ من تقوى
الله خلف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ:
يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا الله فَإِنَّهُ لَيْسَ من هَالك
إِلَّا لَهُ خلف إِلَّا التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة قَالَ: لما خلق الله
الْجنَّة قَالَ لَهَا تكلمي قَالَت: طُوبَى لِلْمُتقين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن دِينَار قَالَ:
الْقِيَامَة عرس الْمُتَّقِينَ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُحَمَّد بن يزِيد الرَّحبِي
قَالَ: قيل لأبي الدَّرْدَاء: إِنَّه لَيْسَ أحد لَهُ بَيت فِي
الْأَنْصَار إِلَّا قَالَ شعرًا فَمَا لَك لَا تَقول قَالَ:
وَأَنا قلت فاستمعوه: يُرِيد المرءُ أَن يُعطي مناه وي أَبى
[ويأبى] الله إِلَّا مَا أَرَادَا
(1/63)
يَقُول المرءُ فائدتي وذخري وتقوى الله
أفضل مَا استفادا وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَفِيف
وَكَانَ من أَصْحَاب معَاذ بن جبل قَالَ: يدْخل أهل الْجنَّة
على أَرْبَعَة أَصْنَاف
الْمُتَّقِينَ ثمَّ الشَّاكِرِينَ ثمَّ الْخَائِفِينَ ثمَّ
أَصْحَاب الْيَمين
(1/64)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ (3)
3 - قَوْله تَعَالَى: الَّذين يُؤمنُونَ
بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفقُونَ
أخرج جرير عَن قَتَادَة {هدى لِلْمُتقين} قَالَ: نعتهم ووصفهم
بقوله {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} الْآيَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{الَّذين يُؤمنُونَ} قَالَ: يصدقون {بِالْغَيْبِ} قَالَ: بِمَا
جَاءَ مِنْهُ يَعْنِي من الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {الَّذين
يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ من الْعَرَب
قَالَ: و {الإِيمان} التَّصْدِيق و {الْغَيْب} مَا غَابَ عَن
الْعباد من أَمر الْجنَّة وَالنَّار وَمَا ذكر الله فِي
الْقُرْآن لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أَصْحَاب الْكتاب أَو
علم كَانَ عِنْدهم {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك}
هم الْمُؤْمِنُونَ من أهل الْكتاب ثمَّ جمع الْفَرِيقَيْنِ
فَقَالَ {أُولَئِكَ على هدى} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} قَالَ: بِاللَّه
وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وجنته وناره ولقائه
والحياة بعد الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريرعن قَتَادَة فِي قَوْله
{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} قَالَ: آمنُوا بِالْبَعْثِ
بعد الْمَوْت والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار وَصَدقُوا بموعود
الله الَّذِي وعد فِي هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {الَّذين
يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} قَالَ: مَا غَابَ عَنْهُم من أَمر
الْجنَّة وَالنَّار قَالَ وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أَبَا سُفْيَان بن الْحَرْث يَقُول:
(1/64)
وبالغيب آمنا وَقد كَانَ قَومنَا يصلونَ
للأوثان قبل مُحَمَّد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي معرفَة
الصَّحَابَة عَن تويلة بنت أسلم قَالَ: صليت الظّهْر أَو
الْعَصْر فِي مَسْجِد بني حَارِثَة فَاسْتقْبلنَا مَسْجِد
ايلياء فصلينا سَجْدَتَيْنِ ثمَّ جَاءَنَا من يخبرنا أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتقْبل الْبَيْت
الْحَرَام فتحوّل الرِّجَال مَكَان النِّسَاء وَالنِّسَاء
مَكَان الرِّجَال فصلينا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ
وَنحن مستقبلو الْبَيْت الْحَرَام
فَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فَقَالَ
أُولَئِكَ قوم آمنُوا بِالْغَيْبِ
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد بن
منيع فِي مُسْنده وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي
الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
الْحَرْث بن قيس أَنه قَالَ لِابْنِ مَسْعُود: عِنْد الله
يحْتَسب مَا سبقتمونا بِهِ يَا أَصْحَاب مُحَمَّد من رُؤْيَة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ ابْن مَسْعُود: عِنْد الله يحْتَسب إيمَانكُمْ
بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم تروه إِن أَمر مُحَمَّد
كَانَ بَيْننَا لمن رَآهُ
وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره
مَا آمن أحد أفضل من إِيمَان بِغَيْب
ثمَّ قَرَأَ (الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ) (الْبَقَرَة
الْآيَة 1 - 2) إِلَى قَوْله (المفلحون) (الْبَقَرَة الْآيَة
5)
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلي والمرهبي فِي فضل الْعلم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ كنت جَالِسا
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ انبئوني
بِأَفْضَل أهل الإِيمان إِيمَانًا قَالُوا: يَا رَسُول الله
الْمَلَائِكَة
قَالَ: هم كَذَلِك ويحق لَهُم وَمَا يمنعهُم وَقد أنزلهم الله
الْمنزلَة الَّتِي أنزلهم بهَا قَالُوا: يَا رَسُول الله
الْأَنْبِيَاء الَّذين أكْرمهم الله بِرِسَالَاتِهِ والنّبوة
قَالَ: هم كَذَلِك ويحق لَهُم وَمَا يمنعهُم وَقد أنزلهم الله
الْمنزلَة الَّتِي أنزلهم بهَا قَالُوا: يَا رَسُول الله
الشُّهَدَاء الَّذين اسْتشْهدُوا مَعَ الْأَنْبِيَاء
قَالَ: هم كَذَلِك ويحق لَهُم وَمَا يمنعهُم وَقد أكْرمهم الله
بِالشَّهَادَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاء
بل غَيرهم قَالُوا: فَمن يَا رَسُول الله قَالَ: أَقوام فِي
أصلاب الرِّجَال يأْتونَ من بعدِي يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني
ويصدقوني وَلم يروني يَجدونَ الْوَرق الْمُعَلق فيعملون بِمَا
فِيهِ فَهَؤُلَاءِ أفضل أهل الْإِيمَان إِيمَانًا
وَأخرج الْحسن بن عُرْوَة فِي حزبه الْمَشْهُور
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والأصبهاني فِي التَّرْغِيب
عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي
(1/65)
الْخلق أعجب إِلَيْكُم إِيمَانًا قَالُوا:
الْمَلَائِكَة
قَالَ: وَمَا لَهُم لايؤمنون وهم عِنْد رَبهم
قَالُوا: فالأنبياء
قَالَ: فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ وَالْوَحي ينزل عَلَيْهِم
قَالُوا: فَنحْن
قَالَ: وَمَا لكم لاتؤمنون وَأَنا بَين أظْهركُم أَلا إِن أعجب
الْخلق إِلَيّ إِيمَانًا لقوم يكونُونَ من بعدكم يَجدونَ صحفاً
فِيهَا كتاب يُؤمنُونَ بِمَا فِيهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أصبح رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَقَالَ مَا من مَاء مَا
من مَاء قَالُوا: لَا
قَالَ: فَهَل من شن فجاؤا بالشن فَوضع بَين يَدي رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوضع يَده عَلَيْهِ ثمَّ فرق
أَصَابِعه فنبع المَاء مثل عَصا مُوسَى من بَين أَصَابِع
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا بِلَال اهتف
بِالنَّاسِ بِالْوضُوءِ فَأَقْبَلُوا يتوضؤن من بَين أَصَابِع
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت همة ابْن
مَسْعُود الشّرْب فَلَمَّا توضؤا صلى بهم الصُّبْح ثمَّ قعد
للنَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس من أعجب الْخلق إِيمَانًا
قَالُوا: الْمَلَائِكَة
قَالَ: كَيفَ لَا تؤمن الْمَلَائِكَة وهم يعاينون الْأَمر
قَالُوا: فالنبيون يَا رَسُول الله
قَالَ: كَيفَ لَا يُؤمن النَّبِيُّونَ وَالْوَحي ينزل
عَلَيْهِم من السَّمَاء قَالُوا: فأصحابك يَا رَسُول الله
فَقَالَ: وَكَيف لَا تؤمن أَصْحَابِي وهم يرَوْنَ مَا يرَوْنَ
وَلَكِن أعجب النَّاس إِيمَانًا قوم يجيئون بعدِي يُؤمنُونَ
بِي وَلم يروني ويصدقوني وَلم يروني أُولَئِكَ اخواني
وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي شَيْء
أعجب إِيمَانًا قيل: الْمَلَائِكَة
فَقَالَ: كَيفَ وهم فِي السَّمَاء يرَوْنَ من الله مَا لَا
ترَوْنَ قيل: فالأنبياء
قَالَ: كَيفَ وهم يأيتهم الْوَحْي قَالُوا: فَنحْن
قَالَ: كَيفَ وَأَنْتُم تتلى عَلَيْكُم آيَات الله وَفِيكُمْ
رَسُوله وَلَكِن قوم يأْتونَ من بعدِي يُؤمنُونَ بِي وَلم
يروني أُولَئِكَ أعجب إِيمَانًا وَأُولَئِكَ إخْوَانِي
وَأَنْتُم أَصْحَابِي
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَي الْخلق أعجب إِيمَانًا قَالُوا:
الْمَلَائِكَة
قَالَ: الْمَلَائِكَة
كَيفَ لَا يُؤمنُونَ قَالُوا: النَّبِيُّونَ
قَالَ: النَّبِيُّونَ يُوحى إِلَيْهِم فَكيف لَا يُؤمنُونَ
وَلَكِن أعجب النَّاس إِيمَانًا قوم يجيئون من بعدكم فيجدون
كتابا من الْوَحْي فيؤمنون بِهِ ويتبعونه
فَهَؤُلَاءِ أعجب النَّاس إِيمَانًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده عَن عَوْف بن مَالك قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا لَيْتَني قد
لقِيت إخْوَانِي قَالُوا يَا رَسُول الله أَلسنا إخوانك
وَأَصْحَابك قَالَ:
(1/66)
بلَى
وَلَكِن قوما يجيئون من بعدكم يُؤمنُونَ بِي إيمَانكُمْ
ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم
فيا لَيْتَني قد لقِيت إخْوَانِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي الْأَرْبَعين السباعية من طَرِيق أبي
هدبة وَهُوَ كَذَّاب عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْتَني قد لقِيت إخْوَانِي فَقَالَ لَهُ
رجل من أَصْحَابه: أولسنا إخوانك قَالَ: بلَى
أَنْتُم أَصْحَابِي وإخواني قوم يأْتونَ من بعدِي يُؤمنُونَ
بِي وَلم يروني ثمَّ قَرَأَ {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ
ويقيمون الصَّلَاة}
وَأخرج أَحْمد والدارمي والباوردي وَابْن قَانِع مَعًا فِي
مُعْجم الصَّحَابَة وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي جُمُعَة الْأنْصَارِيّ
قَالَ قُلْنَا يار سَوَّلَ الله هَل من قوم أعظم منا أجرا آمنا
بك واتبعناك
قَالَ: مَا يمنعكم من ذَلِك وَرَسُول الله بَين أظْهركُم
يأتيكم الْوَحْي من السَّمَاء بل قوم يأْتونَ من بعدِي
يَأْتِيهم كتاب بَين لوحين فيؤمنون بِهِ ويعملون بِمَا فِيهِ
أُولَئِكَ أعظم مِنْكُم أجرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي عمر وَأحمد وَالْحَاكِم عَن
أبي عبد الرَّحْمَن الْجُهَنِيّ قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ طلع راكبان فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنديان أَو مذحجيان
حَتَّى أَتَيَا فَإِذا رجلَانِ من مذْحج
فَدَنَا أَحدهمَا ليبايعه فَلَمَّا أَخذ بِيَدِهِ قَالَ: يَا
رَسُول الله أَرَأَيْت من آمن بك واتبعك وصدقك فَمَاذَا لَهُ
قَالَ: طُوبَى لَهُ فَمسح على يَده وَانْصَرف
ثمَّ جَاءَ الآخر ختى أَخذ على يَده ليبايعه فَقَالَ: يَا
رَسُول الله أَرَأَيْت من آمن بك وصدقك واتبعك وَلم يَرك
قَالَ: طُوبَى لَهُ
ثمَّ طُوبَى لَهُ
ثمَّ مسح على يَده وَانْصَرف
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طُوبَى لمن
رَآنِي وآمن بِي وطوبى لمن آمن بِي وَلم يرني سبع مَرَّات
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا قَالَ: يَا
رَسُول الله طُوبَى لمن رآك وآمن بك
قَالَ: طُوبَى لمن رَآنِي وآمن بِي وطوبى ثمَّ طُوبَى ثمَّ
طُوبَى لمن آمن بِي وَلم يرني
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد عَن نَافِع قَالَ: جَاءَ
رجل إِلَى ابْن عمر
(1/67)
فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن
رَأَيْتُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأعينكم هَذِه
قَالَ: نعم
قَالَ: طُوبَى لكم
فَقَالَ ابْن عمر: أَلا أخْبرك بِشَيْء سمعته من رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بلَى
قَالَ: سمعته يَقُول قَالَ طُوبَى لمن رَآنِي وآمن بِي وطوبى
لمن آمن بِي وَلم يرني ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلي وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طُوبَى لمن رَآنِي
وآمن بِي وطوبى لمن آمن بِي وَلم يرني سبع مَرَّات
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَن نَاسا من
أمتِي يأْتونَ بعدِي يودّ أحدهم لَو اشْترى رؤيتي بأَهْله
وَمَاله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن إِسْحَق عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ويقيمون الصَّلَاة} قَالَ: الصَّلَوَات
الْخمس {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} قَالَ: زَكَاة
أَمْوَالهم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ويقيمون الصَّلَاة} قَالَ: يقيمونها
بفروضها {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} قَالَ: يؤدّون
الزَّكَاة احتسابا لَهَا
وَأخرج ابْن جريرعن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِقَامَة الصَّلَاة
إتْمَام الرُّكُوع وَالسُّجُود والتلاوة والخشوع والإِقبال
عَلَيْهَا فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يُقِيمُونَ
الصَّلَاة} قَالَ: إِقَامَة الصَّلَاة الْمُحَافظَة على
مواقيتها ووضؤئها وركوعها وسجودها {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفقُونَ} قَالَ: انفقوا فِي فرئض الله الَّتِي افْترض الله
عَلَيْهِم فِي طَاعَته وسبيله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} قَالَ: إِنَّمَا يَعْنِي
الزَّكَاة خَاصَّة دون سَائِر النَّفَقَات
لَا يذكر الصَّلَاة إِلَّا ذكر مَعهَا الزَّكَاة فَإِذا لم يسم
الزَّكَاة قَالَ فِي أثر ذكر الصَّلَاة {وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} قَالَ: هِيَ نَفَقَة الرجل على
أَهله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} قَالَ: كَانَت النَّفَقَات قرباناً
يَتَقَرَّبُون بهَا إِلَى الله على قدر ميسورهم وَجَهْدهمْ
حَتَّى نزلت فَرَائض الصَّدقَات فِي سُورَة بَرَاءَة
هن الناسخات المبينات
(1/68)
وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى
هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
4 - 5 - قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين
يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك وبالآخرة هم
يوقنون أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك
وَمَا أنزل من قبلك} أَي يصدقونك بِمَا جِئْت بِهِ من الله
وَمَا جَاءَ بِهِ من قبلك الْمُرْسلين لَا يفرقون بَينهم وَلَا
يجحدون مَا جاؤوهم بِهِ من رَبهم {وبالآخرة هم يوقنون} أَي
بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَة وَالْجنَّة وَالنَّار والحساب
وَالْمِيزَان أَي لَا هَؤُلَاءِ الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم
آمنُوا بِمَا كَانَ قبلك ويكفرون بِمَا جَاءَك من رَبك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا
أنزل إِلَيْك} قَالَ: هُوَ الْفرْقَان الَّذِي فرق الله بِهِ
بَين الْحق وَالْبَاطِل {وَمَا أنزل من قبلك} أَي الْكتب
الَّتِي خلت قبله {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم
المفلحون} قَالَ: استحقوا الْهدى والفلاح بِحَق فاحقه الله
عَلَيْهِم
وَهَذَا نعت أهل الإِيمان ثمَّ نعت الْمُشْركين فَقَالَ {إِن
الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم} الْبَقَرَة الْآيَة 6
الْآيَتَيْنِ
فضل الْخمس الْآيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الْمسند
وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن أبيّ بن
كَعْب قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء
اعرابي فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِن لي أَخا وَبِه وجع قَالَ:
وَمَا وَجَعه قَالَ: بِهِ لمَم قَالَ: فائتني بِهِ
فَوَضعه بَين فعوذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِفَاتِحَة الْكتاب وَأَرْبع آيَات من أوّل سُورَة الْبَقَرَة
وَهَاتين الْآيَتَيْنِ {وإلهكم إِلَه وَاحِد} الْبَقَرَة
الْآيَة 163 وَآيَة الْكُرْسِيّ وَثَلَاث آيَات من آخر سُورَة
الْبَقَرَة وَآيَة من آل عمرَان (شهد الله أَنه لَا إِلَه
إِلَّا هُوَ) (آل عمرَان 18) وَآيَة من الْأَعْرَاف (إِن ربكُم
الله) (الآعراف الْآيَة 54) وَآخر سُورَة الْمُؤمنِينَ (فتعالى
الله الْملك الْحق) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 116) وَآيَة من
سُورَة الْجِنّ (وَأَنه تَعَالَى حد رَبنَا) (الْجِنّ الْآيَة
3) وَعشر آيَات من أول الصافات وَثَلَاث آيَات من آخر سُورَة
الْحَشْر و (قل هُوَ الله أحد) و (المعوّذتين) فَقَامَ الرجل
كَأَنَّهُ لم يشك قطّ
(1/69)
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل الْيَوْم
وَاللَّيْلَة من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن رجل
عَن أَبِيه
مثله سَوَاء
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من
قَرَأَ أَربع آيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة وَآيَة
الْكُرْسِيّ وآيتين بعد آيَة الْكُرْسِيّ وَثَلَاثًا من آخر
سُورَة الْبَقَرَة لم يقربهُ وَلَا أَهله يَوْمئِذٍ شَيْطَان
وَلَا شَيْء يكرههُ فِي أَهله وَلَا مَاله وَلَا يقْرَأن على
مَجْنُون إلاَّ أَفَاق
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ عشر آيَات من سُورَة
الْبَقَرَة فِي لَيْلَة لم يدْخل ذَلِك الْبَيْت شَيْطَان
تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى يصبح
أَربع من أَولهَا وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا وَثَلَاث
خواتيمها
أَولهَا (لله مَا فِي السَّمَوَات) (الْبَقَرَة الْآيَة 284)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن الْمُغيرَة بَين سبيع وَكَانَ من أَصْحَاب عبد
الله قَالَ: من قَرَأَ عشر آيَات من الْبَقَرَة عِنْد مَنَامه
لم ينس الْقُرْآن
أَربع آيَات من أَولهَا وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا
وَثَلَاث من آخرهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن
عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
إِذا مَاتَ أحدكُم فَلَا تَحْبِسُوهُ وأسرعوا بِهِ إِلَى قَبره
وليقرأ عِنْد رَأسه بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وَعند رجلَيْهِ
بخاتمة سُورَة الْبَقَرَة فِي قَبره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عبد الرَّحْمَن بن
الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج قَالَ: قَالَ لي أبي: يَا بني إِذا
وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله
ثمَّ سنّ عَليّ التُّرَاب سنا ثمَّ اقْرَأ عِنْد رَأْسِي
بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها
فَأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
ذَلِك
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه من طَرِيق مُحَمَّد بن عَليّ
المطلبي عَن خطاب بن سِنَان عَن قيس بن الرّبيع عَن ثَابت بن
مَيْمُون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: نزلنَا يسيري
فَأَتَانَا أهل ذَلِك الْمنزل فَقَالُوا: ارحلوا فانه لم ينزل
عندنَا هَذَا الْمنزل أحد إِلَّا اتخذ مَتَاعه فَرَحل
أَصْحَابِي وَتَخَلَّفت للْحَدِيث الَّذِي حَدثنِي ابْن عمر
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَرَأَ فِي
لَيْلَة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ آيَة لم يضرّهُ فِي تِلْكَ
اللَّيْلَة سبع ضار وَلَا لص
(1/70)
طَار وعوفي فِي نَفسه وَأَهله وَمَاله
حَتَّى يصبح
فَلَمَّا أمسينا حَتَّى رَأَيْتهمْ قد جَاءُوا أَكثر من
ثَلَاثِينَ مرّة مخترطين سيوفهم فَمَا يصلونَ إِلَيّ فَلَمَّا
أَصبَحت رحلت فلقيني شيخ مِنْهُم فَقَالَ: يَا هَذَا إنسي أم
جني قلت: بل إنسي قَالَ: فَمَا بالك
لقد أَتَيْنَاك أَكثر من سبعين مرّة كل ذَلِك يُحَال بَيْننَا
وَبَيْنك بسور من حَدِيد
فَذكرت لَهُ الحَدِيث وَالثَّلَاث وَثَلَاثُونَ آيَة أَربع
آيَات من أول الْبَقَرَة إِلَى قَوْله {المفلحون} وَآيَة
الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا إِلَى قَوْله (خَالدُونَ)
(الْبَقَرَة الْآيَة 257) وَالثَّلَاث آيَات من آخر الْبَقَرَة
(لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض) (الْبَقَرَة
الْآيَة 284) وَثَلَاث آيَات من الْأَعْرَاف (إِن ربكُم الله)
إِلَى قَوْله (من الْمُحْسِنِينَ) (الْأَعْرَاف الْآيَة 54 -
57) وَآخر بني إِسْرَائِيل (قل ادعوا الله أَو ادعوا
الرَّحْمَن) (الإِسراء الْآيَة 110) إِلَى آخرهَا وَعشر آيَات
من أول الصافات إِلَى قَوْله (لَا زب) وآيتان من الرَّحْمَن
(يَا معشر الْجِنّ والإِنس) إِلَى قَوْله (فَلَا تنتصران)
(الرَّحْمَن الْآيَة 33 - 34) وَمن آخر الْحَشْر (لَو أنزلنَا
هَذَا الْقُرْآن على جبل) (الْحَشْر الْآيَة 21) إِلَى آخر
السُّورَة وآيتان من (قل أُوحِي إِلَيّ) إِلَى (وَأَنه
تَعَالَى جد رَبنَا مَا اتخذ صَاحِبَة) إِلَى قَوْله (شططا)
(الْجِنّ الْآيَة 1 - 4)
فَذكرت هَذَا الحَدِيث لشعيب بن حَرْب فَقَالَ لي: كُنَّا
نسميها آيَات الْحَرْب وَيُقَال: إِن فِيهَا شِفَاء من كل دَاء
فعدّ عليّ الْجُنُون والجذام والبرص وَغير ذَلِك
قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ: فقرأتها على شيخ لنا قد فلج حَتَّى
أذهب اللله عَنهُ ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: من قَرَأَ عشر من سُورَة الْبَقَرَة أوّل النَّهَار لَا
يقربهُ شَيْطَان حَتَّى يُمْسِي وَإِن قَرَأَهَا حِين يُمْسِي
لم يقربهُ حَتَّى يصبح وَلَا يرى شَيْئا يكرههُ فِي أَهله
وَمَاله وَإِن قَرَأَهَا على مَجْنُون أَفَاق
أَربع آيَات من أوّلها وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا
وَثَلَاث آيَات من آخرهَا
(1/71)
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين كفرُوا
سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ ختم
الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أبصرهم غشاوة وَلَهُم
عَذَاب عَظِيم
أخرج ابْن جريج وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْكَبِير فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن
الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا
يُؤمنُونَ} وَنَحْو هَذَا من الْقُرْآن قَالَ: كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرص أَن يُؤمن جَمِيع النَّاس
ويتابعوه على الْهدى فَأخْبرهُ الله أَنه لايؤمن إِلَّا من سبق
لَهُ من الله السَّعَادَة فِي الذّكر الأوّل وَلَا يضل إِلَّا
من سبق لَهُ من الله الشَّقَاء فِي الذّكر الأول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قيل يَا
رَسُول الله أَنا تقْرَأ من الْقُرْآن فنرجو ونقرأ فنكاد نيأس
فَقَالَ: أَلا أخْبركُم عَن أهل الْجنَّة وَأهل النَّار
قَالُوا: بلَى يَا رَسُول اله (الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب
فِيهِ هدى لِلْمُتقين) إِلَى قَوْله (المفلحون) هَؤُلَاءِ أهل
الْجنَّة قَالُوا: إِنَّا نرجو أَن نَكُون هَؤُلَاءِ
ثمَّ قَالَ: {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم}
إِلَى قَوْله {عَظِيم} هَؤُلَاءِ أهل النَّار
قُلْنَا لسنا هم يَا رَسُول الله قَالَ: أجل
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا} أَي بِمَا أنزل
إِلَيْك وَإِن قَالُوا إِنَّا قد آمنا بِمَا جَاءَ من قبلك
{سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} أَي
أَنهم قد كفرُوا بِمَا عِنْدهم من ذكرك وجحدوا مَا أَخذ
عَلَيْهِم من الْمِيثَاق لَك فقد كفرُوا بِمَا جَاءَك وَبِمَا
عِنْدهم مِمَّا جَاءَهُم بِهِ غَيْرك فَكيف يسمعُونَ مِنْك
إنذاراً وتخويفاً وَقد كفرُوا بِمَا عِنْدهم من نعتك {ختم الله
على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة} أَي عَن
الْهدى أَن يصيبوه أبدا بِغَيْر مَا كذبُوا بِهِ من الْحق
الَّذِي جَاءَك من رَبك حَتَّى يُؤمنُوا بِهِ وَإِن آمنُوا
بِكُل مَا كَانَ قبلك وَلَهُم بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من خِلافك
{عَذَاب عَظِيم} فَهَذَا فِي الْأَحْبَار من يهود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا}
(1/72)
قَالَ: نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي قادة
الْأَحْزَاب وهم الَّذين ذكرهم فِي هَذِه الْآيَة (ألم تَرَ
إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا) (إِبْرَاهِيم الْآيَة
28) قَالَ: فهم الَّذين قتلوا يَوْم بدر وَلم يدْخل من القادة
أحد فِي الإِسلام إِلَّا رجلَانِ
أَبُو سُفْيَان وَالْحكم بن أبي الْعَاصِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله {أأنذرتهم أم لم
تنذرهم} قَالَ: وعظتهم أم لم تعظهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الَّذين
كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ}
قَالَ: أطاعوا الشَّيْطَان فاستحوذ عَلَيْهِم فختم الله على
قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة فهم لَا يبصرون
هدى وَلَا يسمعُونَ وَلَا يفقهُونَ وَلَا يعْقلُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: الْخَتْم على قُلُوبهم وعَلى سمعهم والغشاوة
على أَبْصَارهم
وَأخرج ابْن جريج عَن ابْن مَسْعُود قَالَ {ختم الله على
قُلُوبهم وعَلى سمعهم} فَلَا يعْقلُونَ وَلَا يسمعُونَ وَجعل
على أَبْصَارهم يَقُول: أَعينهم {غشاوة} فَلَا يبصرون
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الأرزق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {ختم الله
على قُلُوبهم} قَالَ: طبع الله عَلَيْهَا قَالَ: وَهل تعرف
الْعَرَب ذَلِك قَالَ: أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول:
وصهباء طَاف يهود بهَا فابرزها وَعَلَيْهَا ختم وَأخرج سعيد بن
منصورعن الْحسن وَأبي رَجَاء قَرَأَ أَحدهمَا {غشاوة} وَالْآخر
/ غشوة /
(1/73)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ
بِمُؤْمِنِينَ (8)
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يَقُول
آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه
وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين} يَعْنِي الْمُنَافِقين من
الْأَوْس والخزرج وَمن كَانَ على أَمرهم
(1/73)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن
عَبَّاس
أَن سُورَة الْبَقَرَة إِلَى الْمِائَة مِنْهَا هِيَ رجال
سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أَحْبَار يهود وَمن الْمُنَافِقين
من الْأَوْس والخزرج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمن النَّاس
من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}
قَالَ: المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة المُنَافِقُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر} حَتَّى
بلغ {وَمَا كَانُوا مهتدين} قَالَ: هَذِه فِي الْمُنَافِقين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن النَّاس من
يَقُول آمنا بِاللَّه} الْآيَة
قَالَ: هَذَا نعت الْمُنَافِق نعت عبدا خائن السريرة كثير
الأخلاف يعرف بِلِسَانِهِ وينكر بِقَلْبِه وَيصدق بِلِسَانِهِ
وَيُخَالف بِعَمَلِهِ وَيُصْبِح على حَال ويمسي على غَيره
ويتكفأ تكفؤ السَّفِينَة كلما هبت ريح هَب فِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: لم يكن
عِنْدهم أخوف من هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا
بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن عَتيق قَالَ: كَانَ مُحَمَّد
يَتْلُو هَذِه الْآيَة عِنْد ذكر الْحجَّاج وَيَقُول: أَنا
لغير ذَلِك أخوف {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه
وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي يحيى قَالَ سَأَلَ رجل حُذَيْفَة
وَأَنا عِنْده فَقَالَ: وَمَا النِّفَاق قَالَ: أَن تَتَكَلَّم
بِاللِّسَانِ وَلَا تعْمل بِهِ
(1/74)
يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
قَوْله تَعَالَى: يخادعون الله وَالَّذين
آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ أخرج
أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده بِسَنَد ضَعِيف عَن رجل من
الصَّحَابَة
أَن قَائِلا من السلمين قَالَ: يَا رَسُول الله مَا النجَاة
غَدا قَالَ: لَا تخدع الله قَالَ وَكَيف نخادع الله قَالَ أَن
تعْمل بِمَا أَمرك بِهِ تُرِيدُ بِهِ غَيره فَاتَّقُوا
الرِّيَاء فَإِنَّهُ الشّرك بِاللَّه فَإِن الْمرَائِي يُنَادي
بِهِ يَوْم الْقِيَامَة على رُؤُوس الْخَلَائق بأَرْبعَة
أَسمَاء
يَا كَافِر يَا فَاجر يَا خاسر يَا غادر
ضل عَمَلك وَبَطل أجرك فَلَا خلاق لَك الْيَوْم عِنْد الله
فالتمس أجرك
(1/74)
مِمَّن كنت تعْمل لَهُ يَا مخادع وَقَرَأَ
من الْقُرْآن (فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا
صَالحا) (الْكَهْف الْآيَة 110) الْآيَة (وَإِن الْمُنَافِقين
يخادعون الله) (النِّسَاء الْآيَة 142) الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يخادعون
الله} قَالَ: يظهرون لَا إِلَه إِلَّا الله يُرِيدُونَ أَن
يحرزوا بذلك دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَفِي أنفسهم غير ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن وهب قَالَ: سَأَلت ابْن زيد عَن
قَوْله {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا} قَالَ: هَؤُلَاءِ
المُنَافِقُونَ يخادعون الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا أَنهم
يُؤمنُونَ بِمَا أظهروه
وَعَن قَوْله {وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ}
قَالَ: مَا يَشْعُرُونَ بِأَنَّهُم ضروا أنفسهم بِمَا أَسرُّوا
من الْكفْر والنفاق ثمَّ قَرَأَ (يَوْم يَبْعَثهُم الله
جَمِيعًا) قَالَ هم المُنَافِقُونَ حَتَّى بلغ قَوْله
{وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء} المجادلة الْآيَة 18
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن قيس بن سعد قَالَ:
لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمَكْر والخديعة فِي النَّار لَكُنْت أمكر هَذِه الْأمة
(1/75)
فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
قَوْله تَعَالَى: فِي قُلُوبهم مرض
فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا
يكذبُون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {مرض} قَالَ: شكّ {فَزَادَهُم الله مَرضا}
أَي قَالَ: شكا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: النِّفَاق {وَلَهُم عَذَاب
أَلِيم} قَالَ: نكال موجع {بِمَا كَانُوا يكذبُون} قَالَ:
يبدلون ويحرّفون
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {فِي قُلُوبهم مرض}
قَالَ: النِّفَاق قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
(1/75)
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: أجامل
أَقْوَامًا حَيَاء وَقد أرى صدروهم تغلي عليّ مراضها قَالَ:
فَأَخْبرنِي عَن قَوْله {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} قَالَ
{الْأَلِيم} الموجع قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ:
نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: نَام من كَانَ خلياً من ألم وَبقيت
اللَّيْل طولا لم أنم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {أَلِيم} فَهُوَ الموجع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ {الْأَلِيم}
الموجع فِي الْقُرْآن كُله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مرض}
قَالَ: رِيبَة وَشك فِي أَمر الله {فَزَادَهُم الله مَرضا}
قَالَ: رِيبَة وشكا {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا
يكذبُون} قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْكذب فَإِنَّهُ من بَاب
النِّفَاق وَإِنَّا وَالله مَا رَأينَا عملا قطّ أسْرع فِي
فَسَاد قلب عبد من كبر أَو كذب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فِي قُلُوبهم مرض}
قَالَ: هَذَا مرض فِي الدّين وَلَيْسَ مَرضا فِي الأجساد
وهم المُنَافِقُونَ والْمَرَض الشَّك الَّذِي دخل فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {فِي قُلُوبهم مرض}
قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل النِّفَاق
وَالْمَرَض فِي قلبوهم الشَّك فِي أَمر الله عز وَجل
{فَزَادَهُم الله مَرضا} قَالَ: شكا
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْعَذَاب الْأَلِيم
هم الموجع وكل شَيْء فِي الْقُرْآن من {الْأَلِيم} فَهُوَ
الموجع
(1/76)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُم لَا
تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون أَلا
إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لايشعرون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَإِذا قيل
لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} قَالَ: الْفساد هُوَ الْكفْر
وَالْعَمَل بالمعصية
(1/76)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا
نَحن مصلحون} قَالَ: إِذا ركبُوا مَعْصِيّة فَقيل لَهُم لَا
تَفعلُوا كَذَا قَالُوا إِنَّمَا نَحن على الْهدى
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا نَحن مصلحون} أَي إِنَّمَا
نُرِيد الإِصلاح بَين الْفَرِيقَيْنِ من الْمُؤمنِينَ وَأهل
الْكتاب
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عباد بن عبد
الله الْأَسدي قَالَ: قَرَأَ سلمَان هَذِه الْآيَة {وَإِذا قيل
لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون}
قَالَ: لم يجىء أهل هَذِه الْآيَة بعد
(1/77)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ
السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا
يَعْلَمُونَ (13)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا
كَمَا آمن النَّاس قَالُوا أنؤمن كَمَا آمن السُّفَهَاء أَلا
إِنَّهُم هم السُّفَهَاء وَلَكِن لَا يعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا كَمَا آمن النَّاس} قَالَ: صدقُوا
كَمَا صدق أَصْحَاب مُحَمَّد أَنه نَبِي وَرَسُول وَأَن مَا
أنزل عَلَيْهِ حق {قَالُوا أنؤمن كَمَا آمن السُّفَهَاء} يعنون
أَصْحَاب مُحَمَّد {أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء} يَقُول:
الْجُهَّال (وَلَكِن لَا يعلمُونَ) يَقُول: لَا يعْقلُونَ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بسندٍ واهٍ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله آمنُوا كَمَا من النَّاس قَالَ أَبُو بكر
وَعمر وَعُثْمَان وَعلي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {كَمَا آمن
السُّفَهَاء} قَالَ: يعنون أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عَن الرّبيع وَابْن زيد مثله
(1/77)
وَإِذَا لَقُوا
الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ
مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا لقوا الَّذين
آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا
إِنَّا مَعكُمْ إِنَّمَا نَحن مستهزءون الله يستهزىء بهم
ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون
(1/77)
أخرج الواحدي والثعلبي بِسَنَدِهِ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي
وَأَصْحَابه وَذَلِكَ أَنهم خَرجُوا ذَات يَوْم
فَاسْتَقْبَلَهُمْ نفر من أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالَ عبد
الله بن أبي: انْظُرُوا كَيفَ أرد هَؤُلَاءِ السُّفَهَاء
عَنْكُم فَذهب فَأخذ بيد أبي بكر فَقَالَ: مرْحَبًا بِالصديقِ
سيد بني تَمِيم وَشَيخ الإِسلام وَثَانِي رَسُول الله فِي
الْغَار الْبَاذِل نَفسه وَمَاله لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ أَخذ بيد عمر فَقَالَ: مرْحَبًا بِسَيِّد عدي بن كَعْب
الْفَارُوق الْقوي فِي دين الله الْبَاذِل نَفسه وَمَاله
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ أَخذ بيد عَليّ وَقَالَ: مرْحَبًا بِابْن عَم رَسُول الله
وَخَتنه سيد بني هَاشم مَا خلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
ثمَّ افْتَرَقُوا فَقَالَ عبد الله لأَصْحَابه: كَيفَ
رَأَيْتُمُونِي فعلت فَإِذا رأيتموهم فافعلوا كَمَا فعلت
فاثنوا عَلَيْهِ خيرا
فَرجع الْمُسلمُونَ إِلَى النَّبِي وَأَخْبرُوهُ بذلك فَنزلت
هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: كَانَ رجال من الْيَهُود إِذا لقوا أَصْحَاب النَّبِي
أَو بَعضهم قَالُوا: إِنَّا على دينكُمْ {وَإِذا خلوا إِلَى
شياطينهم} وهم إخْوَانهمْ {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} أَي على
مثل مَا أَنْتُم عَلَيْهِ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} قَالَ:
ساخرون بأصحاب مُحَمَّد {الله يستهزئ بهم} قَالَ: يسخر بهم
للنقمة مِنْهُم {ويمدهم فِي طغيانهم} قَالَ: فِي كفرهم
{يعمهون} قَالَ يَتَرَدَّدُونَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} وهم
مُنَافِقُو أهل الْكتاب فَذكرهمْ وَذكر استهزاءهم وَأَنَّهُمْ
{وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} على
دينكُمْ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} بأصحاب مُحَمَّد
يَقُول الله {الله يستهزئ بهم} فِي الْآخِرَة يفتح لَهُم بَابا
فِي جَهَنَّم من الْجنَّة ثمَّ يُقَال لَهُم: تَعَالَوْا
فيقبلون يسبحون فِي النَّار والمؤمنون على الأرائك وَهِي السرر
فِي الحجال ينظرُونَ إِلَيْهِم فَإِذا انْتَهوا إِلَى الْبَاب
سد عَنْهُم فَضَحِك الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُم فَذَلِك قَول الله
{الله يستهزئ بهم} فِي الْآخِرَة ويضحك الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُم
حِين غلقت دونهم الْأَبْوَاب
فَذَلِك قَوْله (فاليوم ذالذين آمنُوا من الْكفَّار
يَضْحَكُونَ) (المطففون الْآيَة 34)
(1/78)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين
آمنُوا قَالُوا آمنا} أَي صَاحبكُم رَسُول الله وَلكنه
إِلَيْكُم خَاصَّة {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} من يهود
الَّذين يأمرونهم بالتكذيب {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} أَي
إِنَّا على مثل مَا أَنْتُم عَلَيْهِ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون}
أَي إِنَّمَا نَحن مستهزئون بالقوم وَنَلْعَب بهم
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْيَمَانِيّ أَنه قَرَأَ /
وَإِذا لاقوا الَّذين آمنُوا /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَإِذا
خلوا} قَالَ: مضوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَإِذا خلوا
إِلَى شياطينهم} قَالَ: رؤوسهم فِي الْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} قَالَ: أَصْحَابهم من
الْمُنَافِقين وَالْمُشْرِكين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} قَالَ: إِلَى إخْوَانهمْ من
الْمُشْركين ورؤوسهم وَقَادَتهمْ فِي الشَّرّ {قَالُوا إِنَّا
مَعكُمْ إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} يَقُولُونَ: إِنَّمَا نسخر من
هَؤُلَاءِ الْقَوْم ونستهزىء بهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله {الله يستهزئ
بهم} قَالَ: يُقَال: لأهل النَّار وهم فِي النَّار اخْرُجُوا
وتُفْتَحُ لَهُم أَبْوَاب النَّار فَإِذا رأوها قد فتحت
أَقبلُوا إِلَيْهَا يُرِيدُونَ الْخُرُوج والمؤمنون ينظرُونَ
إِلَيْهِم على الأرائك فَإِذا انْتَهوا إِلَى أَبْوَابهَا غلقت
دونهم
فَذَلِك قَوْله {الله يستهزئ بهم} ويضحك عَلَيْهِم
الْمُؤْمِنُونَ حِين غلقت دونهم
ذَلِك قَوْله فاليوم الَّذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ
على الأرائك ينظرُونَ) (المطففون الْآيَة 34 - 35) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود ي قَوْله {ويمدهم} قَالَ:
يملي لَهُم {فِي طغيانهم يعمهون} قَالَ: فِي كفرهم يتمادون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {يعمهون} قَالَ: يتمادون
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {يعمهون} قَالَ:
يَلْعَبُونَ ويترددون
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
(1/79)
قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: أَرَانِي قد عمهت وشاب رَأْسِي
وَهَذَا اللّعب شين بالكبير وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي
شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {ويمدهم} قَالَ: يزيدهم {فِي طغيانهم
يعمهون} قَالَ: يَلْعَبُونَ ويترددون فِي الضَّلَالَة
(1/80)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
قَوْله تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذين
اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ وَمَا
كَانُوا مهتدين
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة
بِالْهدى} قَالَ: الْكفْر بالإِيمان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {اشْتَروا
الضَّلَالَة بِالْهدى} قَالَ: أخذُوا الضَّلَالَة تركُوا
الْهدى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة
بِالْهدى} قَالَ: آمنُوا ثمَّ كفرُوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا
الضَّلَالَة بِالْهدى} قَالَ: استحبوا الضلال على الْهدى
{فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ} قَالَ: قد وَالله رَأَيْتُمْ خَرجُوا
من الْهدى إِلَى الضَّلَالَة وَمن الْجَمَاعَة إِلَى الْفرْقَة
وَمن الْأَمْن إِلَى الْخَوْف وَمن السّنة إِلَى الْبِدْعَة
(1/80)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ
الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا
يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
(18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ
وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ
الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ
بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ
أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا
أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ
بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
قَوْله تَعَالَى: مثلهم كَمثل الَّذِي
استوقد نَارا فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حوله ذهب الله بنورهم
وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون صم بكم عمي فهم لَا يرجعُونَ أَو
كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات ورعد وبرق يجْعَلُونَ
أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر الْمَوْت وَالله
مُحِيط بالكافرين يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم كلما أَضَاء
لَهُم مَشوا فِيهِ وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا ولوشاء الله
لذهب بسمعهم وأبصارهم أَن الله على كل شَيْء قدير
(1/80)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} الْآيَة
قَالَ: هَذَا ضربه الله لِلْمُنَافِقين كَانُوا يعتزون
بِالْإِسْلَامِ فيناكحم الْمُسلمُونَ ويوارثوهم ويقاسمونهم
الْفَيْء
فَلَمَّا مَاتُوا سلبم الله الْعِزّ كَمَا سلب صَاحب النَّار
ضوءه {وتركهم فِي ظلمات} يَقُول فِي عَذَاب {صم بكم عمي} لَا
يسمعُونَ الْهدى ولايبصرونه وَلَا يعقلونه {أَو كصيب} هُوَ
الْمَطَر
ضرب مثله فِي الْقُرْآن {فِيهِ ظلمات} يَقُول: ابتلاء {ورعد
وبرق} تخويف {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم} يَقُول: يكَاد
مُحكم الْقُرْآن يدل على عورات الْمُنَافِقين {كلما أَضَاء
لَهُم مَشوا فِيهِ} يَقُول: كلما أصَاب المُنَافِقُونَ من
الإِسلام اطمأنوا فَإِن أصَاب الإِسلام نكبة قَامُوا ليرجعوا
إِلَى الْكفْر كَقَوْلِه (وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف
) (الْحَج الْآيَة 11) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي
قَوْله {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} الْآيَة
قَالَ: إِن نَاس دخلُوا فِي الإِسلام مقدم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة ثمَّ نافقوا فَكَانَ مثلهم كَمثل
رجل كَانَ فِي ظلمَة فأوقدا نَارا {أَضَاءَت مَا حوله} من قذى
أَو أَذَى فَأَبْصَرَهُ حَتَّى عرف مَا يَتَّقِي
فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ طفئت ناره فَأقبل لَا يدْرِي مَا
يَتَّقِي من أَذَى فَكَذَلِك الْمُنَافِق كَانَ فِي ظلمَة
الشّرك فَأسلم فَعرف الْحَلَال من الْحَرَام وَالْخَيْر من
الشَّرّ بَينا هُوَ كَذَلِك إِذْ كفر فَصَارَ لايعرف الْحَلَال
من الْحَرَام وَلَا الْخَيْر من الشَّرّ فهم {صم بكم} فهم
الخرس {فهم لَا يرجعُونَ} إِلَى الإِسلام
وَفِي قَوْله {أَو كصيب} الْآيَة
قَالَ: كَانَ رجلَانِ من الْمُنَافِقين من أهل الْمَدِينَة
هربا من رَسُول الله إِلَى الْمُشْركين فَأَصَابَهُمَا هَذَا
الْمَطَر الَّذِي ذكر الله
فِيهِ رعد شَدِيد وصواعق وبرق فَجعلَا كلما أصابتهما
الصَّوَاعِق يجعلان أصابعهما فِي آذانهما من الْفرق أَن تدخل
الصَّوَاعِق فِي مسامعهما فتقتلهما وَإِذا لمع الْبَرْق مشيا
فِي ضوئه وَإِذا لم يلمع لم يبصرا
قاما مكانهما لَا يمشيان فَجعلَا يَقُولَانِ
ليتنا قد أَصْبَحْنَا فنأتي مُحَمَّد فنضع أَيْدِينَا فِي يَده
فأصبحا فَأتيَاهُ فَأَسْلمَا ووضعا أَيْدِيهِمَا فِي يَده
وَحسن إسلامهما
فَضرب الله شَأْن هذَيْن الْمُنَافِقين الخارجين مثلا
لِلْمُنَافِقين الَّذين بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ المُنَافِقُونَ
إِذا حَضَرُوا مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلُوا
أَصَابِعهم فِي آذانهم فرقا من كَلَام
(1/81)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينزل
فيهم شَيْء أَو يذكر بِشَيْء فيقتلوا كَمَا كَانَ ذَانك
المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما فِي آذانهما {كلما أَضَاء
لَهُم مَشوا فِيهِ} فَإِذا كثرت أَمْوَالهم وولدهم وَأَصَابُوا
غنيمَة وفتحاً {مَشوا فِيهِ} وَقَالُوا: إِن دين مُحَمَّد
حِينَئِذٍ صدق: واستقاموا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ ذَانك
المنافقان يمشيان إِذا أَضَاء بهما الْبَرْق {وَإِذا أظلم
عَلَيْهِم قَامُوا} فَكَانُوا إِذا هَلَكت أَمْوَالهم وولدهم
وأصابهم الْبلَاء قَالُوا هَذَا من أجل دين مُحَمَّد
وَارْتَدوا كفَّارًا كَمَا كَانَ ذَانك المنافقان حِين أظلم
الْبَرْق عَلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَمثل
الَّذِي استوقد} قَالَ: ضربه الله مثلا لِلْمُنَافِقِ
وَقَوله {ذهب الله بنورهم} أما {النُّور} فَهُوَ إِيمَانهم
الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَأما الظلمَة فَهِيَ ضلالهم
وكفرهم
وَفِي قَوْله {أَو كصيب} الْآيَة
قَالَ الصيب الْمَطَر
وَهُوَ مثل الْمُنَافِق فِي ضوء مَا تكلم بِمَا مَعَه من كتاب
الله وَعمل مراءاة للنَّاس فَإِذا خلا وَحده عمل بِغَيْرِهِ
فَهُوَ فِي ظلمَة مَا أَقَامَ على ذَلِك وَأما {الظُّلُمَات}
فالضلالة وَأما {الْبَرْق} فالإِيمان
وهم أهل الْكتاب {وَإِذا أظلم عَلَيْهِم} فَهُوَ رجل يَأْخُذ
بِطرف الْحق لَا يَسْتَطِيع أَن يُجَاوِزهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {مثلهم} الْآيَة
قَالَ: ضرب الله مثلا لِلْمُنَافِقين يبصرون الْحق
وَيَقُولُونَ بِهِ حَتَّى إِذا خَرجُوا من ظلمَة الْكفْر
أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فتركهم فِي ظلمات الْكفْر لَا يبصرون
هدى وَلَا يستقيمون على حق {صم بكم عمي} عَن الْخَيْر {فهم لَا
يرجعُونَ} إِلَى هدى وَلَا إِلَى خير
وَفِي قَوْله {أَو كصيب} الْآيَة
يَقُول: هم من ظلمات ماهم فِيهِ من الْكفْر والحذر من الْقَتْل
على الَّذِي هم عَلَيْهِ من الْخلاف والتخويف مِنْكُم على مثل
مَا وصف من الَّذِي هم فِي ظلمَة الصيب فَجعل أَصَابِعه فِي
أُذُنَيْهِ من الصَّوَاعِق {حذر الْمَوْت وَالله مُحِيط
بالكافرين} منزل ذَلِك بهم من النقمَة {يكَاد الْبَرْق يخطف
أَبْصَارهم} أَي لشدَّة ضوء الْحق {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا
فِيهِ} أَي يعْرفُونَ الْحق ويتكلمون بِهِ فهم من قَوْلهم بِهِ
على استقامة فَإِذا ارتكسوا مِنْهُ إِلَى الْكفْر {قَامُوا}
أَي متحيرين {وَلَو شَاءَ الله لذهب بسمعهم} أَي لما سمعُوا
تركُوا من الْحق بعد مَعْرفَته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا}
(1/82)
قَالَ: أما إضاءة النَّار فإقبالهم إِلَى
الْمُؤمنِينَ وَالْهدى وَذَهَاب نورهم إقبالهم إِلَى
الْكَافرين والضلالة وإضاءة الْبَرْق على نَحْو الْمثل {وَالله
مُحِيط بالكافرين} قَالَ: جامعهم فِي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} قَالَ: هَذَا مثل ضربه
الله لِلْمُنَافِقين
إِن الْمُنَافِق تكلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله فناكح بهَا
الْمُسلمين ووارث بهَا الْمُسلمين وغازى بهَا الْمُسلمين وحقن
بهَا دَمه وَمَاله
فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْمَوْت لم يكن لَهَا أصل فِي قلبه
وَلَا حَقِيقَة فِي عمله فسلبها الْمُنَافِق عِنْد الْمَوْت
فَترك فِي ظلمات وعمى يتسكع فِيهَا
كَمَا كَانَ أعمى فِي الدُّنْيَا عَن حق الله وطاعته صم عَن
الْحق فَلَا يبصرونه {فهم لَا يرجعُونَ} عَن ضلالتهم وَلَا
يتوبون وَلَا يتذكرون {أَو كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات ورعد
وبرق يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر
الْمَوْت} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لِلْمُنَافِقِ لجنبه لَا
يسمع صَوتا إِلَّا ظن أَنه قد أُتِي وَلَا يسمع صياحاً إِلَّا
ظن أَنه قد أُتِي وَلَا يسمع صياحاً إِلَّا ظن أَنه ميت
أجبن قوم وأخذله للحق
وَقَالَ الله فِي آيَة أُخْرَى (يحسبون كل صَيْحَة عَلَيْهِم)
(المُنَافِقُونَ الْآيَة 4) {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم}
الْآيَة
قَالَ {الْبَرْق} هُوَ الإِسلام والظلمَة هُوَ الْبلَاء
والفتنة
فَإِذا رأى الْمُنَافِق من الإِسلام طمأنينة وعافية ورخاء
وسلوة من عَيْش {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} ومنكم وَإِذا رأى من
الإِسلام شدَّة وبلاء فقحقح عِنْد الشدَّة فَلَا يصبر لبلائها
وَلم يحْتَسب أجرهَا وَلم يرج عَاقبَتهَا
إِنَّمَا هُوَ صَاحب دنيا لَهَا يغْضب وَلها يرضى وو كَمَا
هُوَ نَعته الله
واخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى فِي مُسْنده وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو كصيب من
السَّمَاء} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالربيع وَعَطَاء
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا الصيب من
هَهُنَا
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {يكَاد الْبَرْق}
(1/83)
قَالَ: يلتمع {يخطف أَبْصَارهم} وَلما يخطف
وكل شَيْء فِي الْقُرْآن يكَاد وأكاد وكادوا فَإِنَّهُ لَا
يكون أبدا
وَأخرج وَكِيع عَن الْمُبَارك بن فضَالة قَالَ: سَمِعت
الْحُسَيْن يقْرؤهَا {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم}
(1/84)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
قَوْله تَعَالَى: يَا آيها النَّاس اعبدوا
ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُون
أخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا
كَانَ (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا) أنزل بِالْمَدِينَةِ وَمَا
كَانَ {يَا أَيهَا النَّاس} فبمكة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: قَرَأنَا الْمفصل وَنحن بِمَكَّة حجيجاً
لَيْسَ فِيهَا (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
الضريس وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي
التَّفْسِير عَن عَلْقَمَة قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {يَا
أَيهَا النَّاس} فَهُوَ مكي وكل شَيْء فِي الْقُرْآن (يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا) فَإِنَّهُ مدنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر عَن الضحاكمثله
وَأخرج أَبُو عبيد عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: ماكان فِي
الْقُرْآن {يَا أَيهَا النَّاس} ويابني آدم فَإِنَّهُ مكي
وَمَا كَانَ (ياأيها الَّذين آمنُوا) فَإِنَّهُ مدنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ:
ماكان (ياأيها النَّاس) بمكه وماكان (ياأيها الَّذين آمنُوا)
بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ:
مَا كَانَ من حج أَو فَرِيضَة فَإِنَّهُ نزل بِالْمَدِينَةِ
أَو حد أَو جِهَاد فَإِنَّهُ نزل بِالْمَدِينَةِ
وَمَا كَانَ من ذكر الْأُمَم والقرون وَضرب الْأَمْثَال
فَإِنَّهُ نزل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أَي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: كل سُورَة فِيهَا
(يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا) فَهِيَ مدنيه
(1/84)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فيقوله {يَا أَيهَا النَّاس}
فَهِيَ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا من الْكفَّار وَالْمُؤمنِينَ
{اعبدوا} قَالَ: وحدوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّذِي
خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ} يَقُول: خَلقكُم وَخلق الَّذين
من قبلكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَوْله {لَعَلَّكُمْ}
يَعْنِي كي غير آيَة فِي الشُّعَرَاء (لَعَلَّكُمْ تخلدون)
(الشُّعَرَاء 129) يَعْنِي كأنكم تخلدون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عون بن عبد الله
بن غنية قَالَ {لَعَلَّ} من الله وَاجِب
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} قَالَ: تطعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} قَالَ: تَتَّقُون النَّار
(1/85)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا
لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (22)
قَوْله تَعَالَى: الَّذِي جعل لكم الأَرْض
فراشا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج
بِهِ من الثمرات رزقا لكم فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً
وَأَنْتُم تعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من
الصَّحَابَة فِي قَوْله {الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا}
قَالَ: هِيَ فرَاش يمشي عَلَيْهَا وَهِي المهاد والقرار
{وَالسَّمَاء بِنَاء} قَالَ بنى السَّمَاء على الأَرْض
كَهَيئَةِ الْقبَّة وَهِي سقف على الأَرْض
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن جُبَير بن مطعم قَالَ جَاءَ اعرابي إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله
جهدت الْأَنْفس وضاعت الْعِيَال ونهكت الْأَمْوَال وَهَلَكت
الْمَوَاشِي
استسق لنا رَبك فَإنَّا نستشفع بِاللَّه عَلَيْك وَبِك على
الله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَانَ الله
فَمَا زَالَ يسبح حَتَّى عرف ذَلِك فِي وُجُوه أَصْحَابه
فَقَالَ: وَيحك أَتَدْرِي مَا الله إِن شَأْنه أعظم من ذَاك
وَإنَّهُ لَا يستشفع بِهِ على أحد وَإنَّهُ لفوق
(1/85)
سمواته على عَرْشه وعرشه على سمواته
وسمواته على أرضيه هَكَذَا - وَقَالَ بأصابعه مثل الْقبَّة -
وَإنَّهُ لئط بِهِ أطيط الرحل بالراكب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن إِيَاس بن
مُعَاوِيَة قَالَ: السَّمَاء مقببة على الأَرْض مثل الْقبَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه
قَالَ: شَيْء من أَطْرَاف السَّمَاء محدق بالأرضين والبحار
كأطراف الْفسْطَاط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن أبي برة قَالَ: لَيست
السَّمَاء مربعة وَلكنهَا مقببة يَرَاهَا النَّاس خضراء
أما قَوْله تَعَالَى {وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ
من الثمرات رزقا لكم} أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن
الْحسن
أَنه سُئِلَ الْمَطَر من السَّمَاء أم من السَّحَاب قَالَ: من
السَّمَاء إِنَّمَا السَّحَاب علم ينزل عَلَيْهِ المَاء من
السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: لَا أَدْرِي الْمَطَر
أنزل قَطْرَة من السَّمَاء فِي السَّحَاب أم خلق فِي السَّحَاب
فَأمْطر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب
قَالَ: السَّحَاب غربال الْمَطَر وَلَوْلَا السَّحَاب حِين
ينزل المَاء من السَّمَاء لأفسد مَا يَقع عَلَيْهِ من الأَرْض
وَالْبذْر ينزل من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَالِد بن معدان
قَالَ: الْمَطَر مَاء يخرج من تَحت الْعَرْش فَينزل من سَمَاء
إِلَى سَمَاء حَيْثُ يجمع فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فيجتمع فِي
مَوضِع يُقَال لَهُ الايرم فتجيء السَّحَاب السود فتدخله
فتشربه مثل شرب الاسفنجة فيسوقها الله حَيْثُ يَشَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ:
ينزل المَاء من السَّمَاء السَّابِعَة فَتَقَع القطرة مِنْهُ
على السحابة مثل الْبَعِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَالِد بن يزِيد
قَالَ: الْمَطَر مِنْهُ من السَّمَاء وَمِنْه مَاء يسْقِيه
الْغَيْم من الْبَحْر فيعذبه الرَّعْد والبرق
فَأَما مَا كَانَ من الْبَحْر فَلَا يكون لَهُ نَبَات وَأما
النَّبَات فَمَا كَانَ من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ:
مَا أنزل الله من السَّمَاء قَطْرَة إِلَّا أنبت بهَا فِي
الأَرْض عشبة أَو فِي الْبَحْر لؤلؤة
(1/86)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب
الْمَطَر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا جَاءَ الْقطر من
السَّحَاب تفتحت لَهُ الأصداف فَكَانَ لؤلؤاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يخلق الله
اللُّؤْلُؤ فِي الأصداف من الْمَطَر تفتح الأصداف أفواهها
عِنْد الْمَطَر فاللؤلؤة الْعَظِيمَة من القطرة الْعَظِيمَة
واللؤلؤة الصَّغِيرَة من القطرة الصَّغِيرَة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب
الْمَطَر عَن الْمطلب بن حنْطَب
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من سَاعَة من
ليل وَلَا نَهَار إِلَّا وَالسَّمَاء تمطر فِيهَا يصرفهُ الله
حَيْثُ يَشَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: مَا نزل مطر من السَّمَاء إِلَّا وَمَعَهُ الْبذر
أما انكم لوبسطتم نطعاً لرأيتموه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: الْمَطَر مزاجه من الْجنَّة فَإِذا عظم المزاج عظمت
الْبركَة وَإِن قل الْمَطَر وَإِذا قل المزاج قلت الْبركَة
وَإِن كثر الْمَطَر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: مَا من عَام
بِأَمْطَر من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء وَينزل
مَعَ الْمَطَر كَذَا وَكَذَا من الْمَلَائِكَة ويكتبون حَيْثُ
يَقع ذَلِك الْمَطَر وَمن يرزقه وَمَا يخرج مِنْهُ مَعَ كل
قَطْرَة
أما قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً وَأَنْتُم
تعلمُونَ} أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً} أَي لَا
تُشْرِكُوا بِهِ غَيره من الأنداد الَّتِي لَا تضر وَلَا
تَنْفَع {وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَنه لَا رب لكم يرزقكم غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الأنداد هُوَ
الشّرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله الأنداد قَالَ: أشباهاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فَلَا
تجْعَلُوا لله أنداداً} قَالَ: أكفاء من الرِّجَال تطعيونهم
فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله
عز وَجل {أنداداً} قَالَ: الْأَشْبَاه والأمثال قَالَ: وَهل
تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول لبيد:
(1/87)
أَحْمد الله فَلَا ندّ لَهُ بيدَيْهِ
الْخَيْر مَا شَاءَ فعِّل وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {أنداداً} قَالَ: شُرَكَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَوْف بن عبد الله قَالَ خرج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم من الْمَدِينَة
فَسمع منادياً يُنَادي للصَّلَاة فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على الْفطْرَة
فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ: خلع الأنداد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب
الْمُفْرد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو نعيم فِي
الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رجل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَا شَاءَ الله وشئت فَقَالَ: جَعَلتني لله ندا مَا
شَاءَ الله وَحده
وَأخرج ابْن سعد عَن قتيلة بنت صَيْفِي قَالَ جَاءَ حبر من
الْأَحْبَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
يَا مُحَمَّد نعم الْقَوْم أَنْتُم لَوْلَا أَنكُمْ تشركون
قَالَ: وَكَيف قَالَ: يَقُول أحدكُم: لَا والكعبة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه قد قَالَ
فَمن حلف فليحلف بِرَبّ الْكَعْبَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد نعم
الْقَوْم أَنْتُم لَوْلَا أَنكُمْ {وتجعلون لَهُ أندادا}
قَالَ: وَكَيف ذَلِك قَالَ: يَقُول أحدكُم مَا شَاءَ الله وشئت
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للحبر: إِنَّه قد
قَالَ فَمن قَالَ مِنْكُم فَلْيقل مَا شَاءَ ثمَّ شِئْت
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن طفيل بن
سَخْبَرَة أَنه رأ ى فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنَّهُ مرّ برط
من الْيَهُود فَقَالَ: أَنْتُم نعم الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ
تَزْعُمُونَ أَن عُزَيْرًا ابْن الله فَقَالُوا: وَأَنْتُم نعم
الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ تَقولُونَ مَا شَاءَ الله وَشاء
مُحَمَّد
ثمَّ مر برهط من النَّصَارَى فَقَالَ: أَنْتُم نعم الْقَوْم
لَوْلَا أَنكُمْ تَقولُونَ الْمَسِيح ابْن الله قَالُوا:
وَأَنْتُم نعم الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ تَقولُونَ مَا شَاءَ
الله وَشاء مُحَمَّد
فَلَمَّا أصبح أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطب
فَقَالَ: إِن طفيلاً رأى رُؤْيا وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ كلمة
كَانَ يَمْنعنِي الْحيَاء مِنْكُم فَلَا تقولوها وَلَكِن
قُولُوا: مَا شَاءَ الله وَحده لَا شريك لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة ابْن الْيَمَان عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَقولُوا مَا
شَاءَ الله وَشاء فلَان
قُولُوا: مَا شَاءَ الله ثمَّ شَاءَ فلَان
وَأخرج ابْن جريج عَن قَتَادَة فِي قَوْله فَلَا تجْعَلُوا لله
(1/88)
أنداداً أَي عدلاء {وَأَنْتُم تعلمُونَ}
قَالَ: إِن الله خَلقكُم وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً} أَي عدلاء {وَأَنْتُم
تعلمُونَ} قَالَ تعلمُونَ أَنه إِلَه وَاحِد فِي التَّوْرَاة
والإِنجيل لَا ند لَهُ
(1/89)
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي
رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ
تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
قَوْله تَعَالَى: وَأَن كُنْتُم فِي ريب
مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله وَادعوا
شهداءكم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين فَإِن لم تَفعلُوا
وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار الَّتِي وقودها النَّاس
وَالْحِجَارَة أعدت للْكَافِرِينَ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من
الْأَنْبِيَاء نَبِي إِلَّا أعطي مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه الله إليّ
فأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تَابعا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم
فِي ريب} الْآيَة قَالَ: هَذَا قَول الله لمن شكّ من الْكفَّار
فِي مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم فِي ريب}
قَالَ: فِي شكّ {مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من
مثله} قَالَ: من مثل هَذَا الْقُرْآن حَقًا وصدقاً لَا بَاطِل
فِيهِ وَلَا كذب
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جريروابن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأتوا بِسُورَة من مثله} قَالَ: مثل
الْقُرْآن {وَادعوا شهداءكم من دون الله} قَالَ: نَاس
يشْهدُونَ لكم إِذا أتيتم بهَا أَنه مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَادعوا شهداءكم} قَالَ: أعوانكم على مَا
أَنْتُم عَلَيْهِ {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} فقد بَين
لكم الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريج عَن قَتَادَة {فَإِن لم
تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} يَقُول: لن تقدروا على ذَلِك وَلنْ
تطيقوه
أما قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا النَّار} أخرج ابْن أبي
شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا مر أحدكُم
فِي الصَّلَاة بِذكر النَّار فلسيتعذ بِاللَّه من النَّار
وَإِذا مر أحدكُم بِذكر الْجنَّة فليسأل الله الْجنَّة
(1/89)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد
وَابْن ماجة عَن أبي ليلى قَالَ صليت إِلَى جنب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بِآيَة فَقَالَ: أعوذ بِاللَّه من
النَّار ويل لأهل النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر
يَقُول: أنذركم النَّار أنذركم النَّار حَتَّى سقط أحد عطفي
رِدَائه على مَنْكِبَيْه
وَأما قَوْله تَعَالَى {الَّتِي وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة}
أخرج عبد بن حميد من طَرِيق طَلْحَة عَن مُجَاهِد
أَنه كَانَ يقْرَأ كل شَيْء فِي الْقُرْآن {وقودها} بِرَفْع
الْوَاو الأولى إِلَّا الَّتِي فِي وَالسَّمَاء ذَات البروج
(النَّار ذَات الْوقُود) (البروج الْآيَة 5) بِنصب الْوَاو
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي
وهناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْكَبِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْحِجَارَة الَّتِي ذكرهَا الله
فِي الْقُرْآن فِي قَوْله {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة}
حِجَارَة من كبريت خلقهَا الله عِنْده كَيفَ شَاءَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ
حِجَارَة فِي النَّار من كبريت أسود يُعَذبُونَ بِهِ مَعَ
النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: هِيَ حِجَارَة
من كبريت خلقهَا الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي
السَّمَاء الدُّنْيَا فأعدها للْكَافِرِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
أنس قَالَ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه
الْآيَة {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} فَقَالَ: أوقد
عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى احْمَرَّتْ وَألف عَام حَتَّى
ابْيَضَّتْ وَألف عَام حَتَّى اسودت فَهِيَ سَوْدَاء مظْلمَة
لَا يطفأ لهبها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوقدت النَّار ألف سنة
حَتَّى احْمَرَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى
ابْيَضَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى اسودت فَهِيَ
سَوْدَاء مظْلمَة
وَأخرج أَحْمد وَمَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَار بني آدم الَّتِي توقدون جُزْء من
سبعين جُزْء من نَار جَهَنَّم
(1/90)
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن كَانَت
لكَافِيَة قَالَ: فَإِنَّهَا فضلت عَلَيْهَا بِتِسْعَة
وَسِتِّينَ جُزْءا كُلهنَّ مثل حرهَا
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أترونها حَمْرَاء مثل نَاركُمْ هَذِه
الَّتِي توقدون إِنَّهَا لأشد سواداً من القار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين
جُزْءا من نَار جَهَنَّم لكل جُزْء مِنْهَا حرهَا
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء
من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم لَوْلَا أَنَّهَا أطفئت
بِالْمَاءِ مرَّتَيْنِ مَا انتفعتم مِنْهَا بِشَيْء وَإِنَّهَا
لتدعو الله أَن لَا يُعِيدهَا فِيهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا من تِلْكَ النَّار
وَلَوْلَا أَنَّهَا ضربت فِي الْبَحْر مرَّتَيْنِ مَا امنتفعتم
مِنْهَا بِشَيْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين
جُزْءا من نَار جَهَنَّم ضربت بِمَاء الْبَحْر مرَّتَيْنِ
وَلَوْلَا ذَلِك مَا جعل الله فِيهَا مَنْفَعَة لأحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: إِن نَاركُمْ هَذِه
تعوّذ من نَار جَهَنَّم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {أعدت للْكَافِرِينَ} أخرج ابْن
إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {أعدت للْكَافِرِينَ} قَالَ: أَي لمن كَانَ على مثل مَا
أَنْتُم عَلَيْهِ من الْكفْر
(1/91)
وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا
مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي
رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ
فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
قَوْله تَعَالَى: وَبشر الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات أَن لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا
الْأَنْهَار كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا
الَّذِي رزقنا من قبل وأتوابه متشابها وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج
مطهرة وهم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج ابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة ة
الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن أبي دَاوُد
وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الْبَعْث وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن اسامة ابْن زيد قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا هَل مشمر للجنة
فَإِن للجنة لَا خطر لَهَا هِيَ وَرب الْكَعْبَة نور يتلألأ
وَرَيْحَانَة تزهر وَقصر مشيد ونهر مطرد وَثَمَرَة نضيجة
(1/91)
وَزَوْجَة حسناء جميلَة وحلل كَثِيرَة
ومقام فِي أَبَد فِي فَاكِهَة دَار سليمَة وَفَاكِهَة خضرَة
وخيرة ونعمة فِي محلّة عالية بهية قَالُوا: نعم يَا رَسُول
الله قَالَ: قُولُوا إِن شَاءَ الله قَالَ الْقَوْم: إِن شَاءَ
الله
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ
وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله حَدثنَا عَن
الْجنَّة مَا بناؤها قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وحصاؤها
الؤلؤ والياقوت وملاطها الْمسك وترابها الزَّعْفَرَان من
يدخلهَا ينعم لَا ييأس ويخلد لَا يَمُوت
لَا تبلى ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجنَّة كَيفَ هِيَ قَالَ من يدْخل
الْجنَّة يحيا لَا يَمُوت وينعم لَا ييأس
لَا تبلى ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه
قيل يَا رَسُول الله كَيفَ بناؤها قَالَ: لبنة من ذهب ولبنة من
فضَّة وملاطها مسك أذفر وحصاؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت وترابها
الزَّعْفَرَان
أخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي
هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن
حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة ومجامرهم الالوّة
وأمشاطهم الذَّهَب ترابها زعفران وطيبها مسك
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي
صفة الْجنَّة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: حَائِط الْجنَّة لبنة
من ذهب ولبنة من فضَّة ودرمها اللُّؤْلُؤ والياقوت ورضاضها
اللُّؤْلُؤ وترابها الزَّعْفَرَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَرض الْجنَّة بَيْضَاء عرصتها
صخور الكافور وَقد أحَاط بِهِ الْمسك مثل كُثْبَان الرمل
فِيهَا أَنهَار مطردَة
فيجتمع أهل الْجنَّة أَوَّلهمْ وَآخرهمْ يَتَعَارَفُونَ فيبعث
الله عَلَيْهِم ريح الرَّحْمَة فتهيج عَلَيْهِم الْمسك فَيرجع
الرجل إِلَى زوجه وَقد ازْدَادَ حسنا وطيباً فَتَقول: لقد خرجت
من عِنْدِي وَأَنا بك معجبة وَأَنا بك الْآن أَشد إعجاباً
وَأخرج أَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أَرض الْجنَّة
فضَّة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أحَاط
حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من
(1/92)
فضَّة ثمَّ شقق فِيهَا الْأَنْهَار وغرس
فِيهَا الْأَشْجَار فَلَمَّا نظرت الْمَلَائِكَة إِلَى حسنها
وزهرتها قَالَت: طوباك منَازِل الْمُلُوك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن أبي سعيد
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُ ابْن صائد عَن
تربة الْجنَّة فَقَالَ درمكة بَيْضَاء مسك خَالص
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَأَبُو الشَّيْخ
فِي العظمة عَن أبي زميل
أَنه سَأَلَ ابْن عَبَّاس مَا أَرض الْجنَّة قَالَ: مرمرة
بَيْضَاء من فضَّة كَأَنَّهَا مرْآة قَالَ: مَا نورها قَالَ:
مَا رَأَيْت السَّاعَة الَّتِي يكون فِيهَا طُلُوع الشَّمْس
فَذَلِك نورها إِلَّا أَنه لَيْسَ فِيهَا شمس وَلَا زمهرير
قَالَ: فَمَا أنهارها أَفِي أخدُود قَالَ: لَا وَلكنهَا نقيض
على وَجه الأَرْض لاتفيض هَهُنَا وَلَا هَهُنَا قَالَ: فَمن
حللها قَالَ: فِيهَا الشّجر الثَّمر كَأَنَّهُ الرُّمَّان
فَإِذا أَرَادَ ولي الله مِنْهَا كسْوَة انحدرت إِلَيْهِ من
أَغْصَانهَا فانفلقت لَهُ من سبعين حلَّة ألواناً بعد ألوان
ثمَّ لتطبق فترجع كَمَا كَانَت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ
وذلل فِيهَا ثمارها وشق فِيهَا أنهارها ثمَّ نظر إِلَيْهَا
فَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت (قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ)
(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 1) فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا
يجاورني فِيك بخيل
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله خلق
جنَّة عدن بَيْضَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
ماجة عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله لَقَاب قَوس
أحدكُم فِي الْجنَّة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس أَو
تغرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَابْن
ماجة عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
الشبر فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سعد بن أبي
وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن مَا يقل
ظفر مِمَّا فِي الْجنَّة بدا لتزخرفت لَهُ مابين خوافق
السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَو أَن رجلا من أهل الْجنَّة اطلع
فَبَدَا أساوره لطمس ضوء الشَّمْس كَمَا تطمس الشَّمْس ضوء
النُّجُوم
(1/93)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أنس قَالَ: أُصِيب
حَارِثَة يَوْم بدر فَجَاءَت أمه فَقَالَت: يَا رَسُول الله قد
علمت منزلَة حَارِثَة مني فَإِن يكن فِي الْجنَّة صبرت وَإِن
يكن غير ذَلِك ترى مَا أصنع فَقَالَ إِنَّهَا لَيست بجنة
وَاحِدَة إِنَّهَا جنان كَثِيرَة وَإنَّهُ فِي الفردوس
الْأَعْلَى
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من خَافَ ادَّلَجَ وَمن أدْلج بلغ الْمنزل أَلا إِن سلْعَة
الله غَالِيَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن أُبيّ كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَافَ ادَّلَجَ وَمن أدْلج بلغ
الْمنزل
أَلا إِن سلْعَة الله غَالِيَة أَلا إِن سلْعَة الله الْجنَّة
جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: وَالَّذِي
أنزل الْكتاب على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أهل
الْجنَّة ليزدادون حسنا وجمالاً كَمَا يزدادون فِي الدُّنْيَا
قباحة وهرماً
أما قَوْله تَعَالَى: {تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار}
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنهَار الْجنَّة تفجر من تَحت جبال مسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ بن
حبَان فِي التَّفْسِير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وصحه عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن أَنهَار الْجنَّة تفجر من جبل مسك
وَأخرج أَحْمد مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كل
من أَنهَار الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِن فِي الْجنَّة نَهرا يُقَال لَهُ البيدخ عَلَيْهِ
قباب من ياقوت تَحْتَهُ جوَار نابتات يَقُول: أهل الْجنَّة
انْطَلقُوا بِنَا إِلَى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تِلْكَ
الْجَوَارِي فَإِذا أعجب رجل مِنْهُم بِجَارِيَة مس معصمها
فتبعته وتنبت مَكَانهَا آخرى
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ
وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء
الْمَقْدِسِي فِي صفة الْجنَّة وَصَححهُ عَن أنس قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعجبه
(1/94)
الرُّؤْيَا الْحَسَنَة فَجَاءَت إمراءة
فَقَالَت: يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي
أخرجت فأدخلت الْجنَّة فَسمِعت وجبة التجّت لَهَا الْجنَّة
فَإِذا أَنا بفلان وَفُلَان حَتَّى عدت اثْنَي عشر رجلا وَقد
بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة قبل ذَلِك
فجيء بهم عَلَيْهِم ثِيَاب طلس تشخب أوداجهم فَقيل: اذْهَبُوا
بهم إِلَى نهر البيدخ فغمسوا فِيهِ فَخَرجُوا وحوهم
كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر وَأتوا بكراسي من ذهب فقعدوا
عَلَيْهَا وَجِيء بصحفة من ذهب فِيهَا بسرة فَأَكَلُوا من بسره
مَا شاؤا فَمَا يقبلونها لوجهة إِلَّا أكلُوا من فَاكِهَة مَا
شاؤا فجَاء البشير فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَانَ كَذَا
وَكَذَا
وَأُصِيب فلَان وَفُلَان حَتَّى عدَّ اثْنَي عشر رجلا فَقَالَ:
عليّ بِالْمَرْأَةِ فَجَاءَت فَقَالَ: قصي رُؤْيَاك على هَذَا
فَقَالَ الرجل: هُوَ كَمَا قَالَت أُصِيب فلَان وَفُلَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
إِن فِي الْجنَّة نَهرا طول الْجنَّة حافتاه العذارى قيام
متقابلات يغنين بِأَحْسَن أصوات يسْمعهَا الْخَلَائق حَتَّى
مَا يرَوْنَ أَن فِي الْجنَّة لَذَّة مثلهَا
قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَة وَمَا ذَاك الْغناء قَالَ: إِن
شَاءَ الله التَّسْبِيح والتحميد وَالتَّقْدِيس وثناء على الرب
وَأخرج أَحْمد بن حَنْبَل فِي الزّهْد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي
المديح عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: إِن فِي
الْجنَّة نَهرا ينْبت الْحوَاري الابكار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن أنس مَرْفُوعا فِي
الْجنَّة نهر يُقَال لَهُ الريان عَلَيْهِ مَدِينَة من مرجان
لَهَا سَبْعُونَ ألف بَاب من ذهب وَفِضة لحامل الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث عَن مَسْرُوق قَالَ: أَنهَار الْجنَّة تجْرِي فِي غير
أخدُود ونخل الْجنَّة نضيد من أَصْلهَا إِلَى فرعها
وَثَمَرهَا أَمْثَال القلال كلّما نزعت ثَمَرَة عَادَتْ
مَكَانهَا أُخْرَى والعنقود إثنا عشر ذِرَاعا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم والضياء الْمَقْدِسِي
كِلَاهُمَا فِي صفة الْجنَّة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّكُمْ تظنون أَن أَنهَار
الْجنَّة أخدُود فِي الأَرْض لَا
وَالله أَنَّهَا لسائحة على وَجه الأَرْض افتاه خيام
اللُّؤْلُؤ وطينها الْمسك الأذفر
قلت: يَا رَسُول الله مَا الأذفر قَالَ: الَّذِي لَا خلط مَعَه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه والضياء عَن أبي
مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن
أَنهَار الْجنَّة تشخب من جنَّة عدن فِي حوبة ثمَّ تصدع بعد
أَنهَارًا
(1/95)
وَأما قَوْله تَعَالَى {كلما رزقوا
مِنْهَا} الْآيَة وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من
الصَّحَابَة فِي قَوْله {كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا}
قَالَ: أَتَوا بالثمرة فِي الْجنَّة فينظروا إِلَيْهَا
فَقَالُوا {هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} فِي الدُّنْيَا وَأتوا
بِهِ متشابهاً اللَّوْن والمرأى وَلَيْسَ يشبه الطّعْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن زيد {كلما رزقوا مِنْهَا من
ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} يَعْنِي
بِهِ مَا رزقوا بِهِ من فَاكِهَة الدُّنْيَا قبل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن جرير وَابْن
الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} أَي فِي الدُّنْيَا {وَأتوا بِهِ
متشابهاً} قَالَ: يشبه ثمار الدُّنْيَا غير أَن ثَمَر الْجنَّة
أطيب
وَأخرج مُسَدّد وهناد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي
الْجنَّة شيءإلا الْأَسْمَاء
وَأخرج الديلمي عَن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: فِي طَعَام الْعرس مِثْقَال من ريح الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {هَذَا الَّذِي
رزقنا من قبل} قَالَ: قَوْلهم من قبل مَعْنَاهُ
مثل الَّذِي كَانَ بالْأَمْس
وَأخرج ابْن جرير عَن يحيى بن كثير قَالَ: يُؤْتى أحدهم
بالصحفة فيأكل مِنْهَا ثمَّ يُؤْتى بِأُخْرَى فَيَقُول: هَذَا
الَّذِي أَتَيْنَا بِهِ من قبل فَيَقُول الْملك: كل اللَّوْن
وَاحِد والطعم مُخْتَلف
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأتوا بِهِ متشابهاً} قَالَ: متشابهاً
فِي اللَّوْن مُخْتَلفا فِي الطّعْم
مثل الْخِيَار من القثاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَأتوا بِهِ متشابهاً} قَالَ: خياراً كُله لَا رذل فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَأتوا
بِهِ متشابهاً} قَالَ: خِيَار كُله يشبه بعضه بَعْضًا لَا رذل
فِيهِ
ألم تَرَ إِلَى ثمار الدُّنْيَا كَيفَ ترذلون بعضه
(1/96)
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن
ثَوْبَان
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لاينزع
رجل من أهل الْجنَّة من ثَمَرَة إِلَّا أُعِيد فِي مَكَانهَا
مِثْلَاهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه من طَرِيق ابْن حَيْوَة عَن
خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان قَالَ: بَينا
أَسِير فِي أَرض الجزيرة إِذْ مَرَرْت برهبان وقسيسين واساقفة
فَسلمت فَردُّوا السَّلَام فَقلت: أَيْن تُرِيدُونَ فَقَالُوا:
نُرِيد رَاهِبًا فِي هَذَا الدَّيْر نأتيه فِي كل عَام فيخبرنا
بِمَا يكون فِي ذَلِك الْعَام لمثله من قَابل فَقلت: لَآتِيَن
هَذَا الراهب فلأنظرن مَا عِنْده - وَكنت معنياً بالكتب -
فَأَتَيْته وهوعلى بَاب ديره فَسلمت فَرد السَّلَام ثمَّ
قَالَ: مِمَّن أَنْت فَقلت: من الْمُسلمين قَالَ: أَمن أمة
مُحَمَّد فَقلت: نعم
فَقَالَ: من عُلَمَائهمْ أَنْت أم من جهالهم قلت: مَا أَنا من
عُلَمَائهمْ وَلَا من جهالهم قَالَ: فانكم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ
تدخلون الْجنَّة فتأكلون من طعامها وتشربون من شرابها وَلَا
تبولوا وَلَا تتغوطون قلت: نَحن نقُول ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك
قَالَ: فَإِن لَهُ مثلا فِي الدُّنْيَا فَأَخْبرنِي ماهو قلت:
مثله كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه أَنه يَأْتِيهِ رزق الله
وَلَا يَبُول وَلَا يتغوّط
قَالَ: فتربد وَجهه ثمَّ قَالَ لي: أما أَخْبَرتنِي أَنَّك لست
من عُلَمَائهمْ قلت: مَا كذبتك قَالَ: فانكم تَزْعُمُونَ
أَنكُمْ تدخلون الْجنَّة فتأكلون من طعامها وتشربون من شرابها
وَلَا ينقص ذَلِك مِنْهَا شَيْئا قلت: نَحن نقُول ذَلِك وَهُوَ
كَذَلِك قَالَ: فَإِن لَهُ مثلا فِي الدُّنْيَا فَأَخْبرنِي
مَا هُوَ قلت: مثله فِي الدُّنْيَا كَمثل الْحِكْمَة لَو تعلم
مِنْهَا الْخلق أَجْمَعُونَ لم ينقص ذَلِك مِنْهَا شَيْئا
فتربد وَجهه ثمَّ قَالَ: أما أَخْبَرتنِي أَنَّك لست من
عُلَمَائهمْ قلت: وَمَا كذبتك مَا أَنا من عُلَمَائهمْ وَلَا
من جهالهم
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَصَححهُ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله
{وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: من الْحيض وَالْغَائِط
والنخامة والبزاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: من
القذر والأذى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَلَهُم
فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: لَا يحضن وَلَا يحدثن وَلَا
يتنخمن
(1/97)
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وهناد فِي
الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: من الْحيض وَالْغَائِط
وَالْبَوْل والمخاط والنخامة والبزاق والمني وَالْولد
وَأخرج وَكِيع وهناد عَن عَطاء فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا
أَزوَاج مطهرة} قَالَ: لَا يحضن ولايمنين ولايلدن ولايتغوطن
ولايبلن ولايبزقن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: طهرهن الله
من كل بَوْل وغائط وقذر ومآثم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن
ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول زمرة تلج
الْجنَّة صورتهم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر
لايبصقون فِيهَا ولايتمخطون ولايتغوطون آنيتهم وأمشاطهم من
الذَّهَب وَالْفِضَّة ومجامرهم من الألوّة ورضخهم الْمسك
وَلكُل وَاحِد مُهِمّ زوجتان يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء
اللَّحْم من الْحسن لااختلاف بَينهم وَلَا تباغض قُلُوبهم على
قلب رجل وَاحِد يسبحون الله بكرَة وعشيا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول زمرة تدخل
الْجنَّة وُجُوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
والزمرة الثَّانِيَة أحسن كَوْكَب دري فِي السَّمَاء لكل إمرىء
زوجتان على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلَّة يرى مخ ساقهن من وَرَاء
الْحلَل
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أدنى أهل
الْجنَّة منزلَة الَّذِي لَهُ ثَمَانُون ألف خَادِم وإثنتان
وَسَبْعُونَ زَوْجَة ومنصب لَهُ قبَّة من لُؤْلُؤ وَيَاقُوت
وَزَبَرْجَد كَمَا بَين الْجَابِيَة وَصَنْعَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والبيقهي فِي النَّعْت
عَن أبي هُرَيْرَة أَنهم تَذَاكَرُوا الرِّجَال أَكثر فِي
الْجنَّة أم النِّسَاء فَقَالَ: ألم يقل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا فِي الْجنَّة أحد إِلَّا لَهُ زوجتان
إِنَّه ليرى مخ ساقهما من وَرَاء سبعين حلَّة مَا فِيهَا عزب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَزَّار عَن أنس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يزوّج العَبْد فِي
الْجنَّة سبعين زَوْجَة فَقيل: يارسول الله يطيقها قَالَ:
يعْطى قوّة مائَة
(1/98)
وَأخرج ابْن السكن فِي الْمعرفَة وَابْن
عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن حَاطِب بن أبي بلتعة سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يزوّج الْمُؤمن فِي
الْجنَّة اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من نسَاء الْآخِرَة
واثنتين من نسَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْبَعْث عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد يدْخلهُ الله
الْجنَّة إِلَّا زوّجه اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة
اثْنَتَيْنِ من الْحور الْعين وَسبعين من مِيرَاثه من أهل
الْجنَّة مَا مِنْهُنَّ وَاحِدَة إِلَّا وَلها قبل شهي وَله
ذكر لَا ينثني
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة من لَهُ سبع
دَرَجَات وَهُوَ على السَّادِسَة وفوقه السَّابِعَة وَإِن لَهُ
لثلثمائة خَادِم وَيغدى عَلَيْهِ كل يَوْم وَيرَاح بثلثمائة
صَحْفَة من ذهب فِي كل صَحْفَة لون لَيْسَ فِي الْأُخْرَى
وَأَنه ليلذ أوّله كَمَا يلذ آخِره وانه ليقول: يَا رب لَو
أَذِنت لي لأطعمت أهل الْجنَّة وسقيتهم لم ينقص مِمَّا عِنْدِي
شَيْء وَأَن لَهُ من الْحور الْعين لإِثنتين وَسبعين زَوْجَة
وَأَن الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ لتأْخذ مقعدتها قدر ميل من
الأَرْض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي عبد الله بن أبي
أوفى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزوّج
كل رجل من أهل الْجنَّة بأَرْبعَة آلَاف بكر وَثَمَانِية آلَاف
أيم وَمِائَة حوراء
فيجتمعن فِي كل سَبْعَة أَيَّام فيقلن بِأَصْوَات حسان لم يسمع
الْخَلَائق بمثلهن: نَحن الخالدات فَلَا نبيد وَنحن الناعمات
فلانبأس وَنحن الراضيات فَلَا نسخط وَنحن المقيمات فَلَا نظعن
طُوبَى لمن كَانَ لنا وَكُنَّا لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غدْوَة فِي
سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَلَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا وَلَو أَن امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة اطَّلَعت
إِلَى الأَرْض لَأَضَاءَتْ مَا بَينهمَا ولملأت مَا بَينهمَا
ريحًا وَلنَصِيفهَا على رَأسهَا - يَعْنِي الْخمار - خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس
لَو أَن امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة بصقت فِي سَبْعَة أبحر
كَانَت تِلْكَ الأبحر أحلى من الْعَسَل
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَو
اطَّلَعت امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة إِلَى الأَرْض لملأت
الأَرْض ريح مسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري عَن كَعْب قَالَ: لَو
أَن امْرَأَة من أهل
(1/99)
الْجنَّة أطلعت كفها لأضاء مَا بَين
السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وهناد بن السّري فِي الزّهْد
وَالنَّسَائِيّ وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم قَالَ: جَاءَ رجل من أهل الْكتاب إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا أَبَا
الْقَاسِم تزْعم أَن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ
فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجل ليؤتى قوّة
مائَة رجل مِنْكُم
فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع والشهوة قَالَ: فَإِن الَّذِي
يَأْكُل وَيشْرب يكون لَهُ الْحَاجة وَالْجنَّة طَاهِرَة
لَيْسَ فِيهَا قذر وَلَا أَذَى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: حَاجتهم عرق يفِيض مثل ريح مسك فَإِذا كَانَ
ذَلِك ضمر لَهُ بَطْنه
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي فِي الْكَامِل
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي أُمَامَة أَن رجلا
سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تتناكح أهل
الْجنَّة فَقَالَ: دحاماً دحاماً
لَا مني وَلَا منية
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ والخطيب والبغدادي فِي
تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل يَا رَسُول الله هَل نصل
إِلَى نسائنا فِي الْجنَّة فَقَالَ: إِن الرجل ليصل فِي
الْيَوْم إِلَى مائَة عذراء
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ قيل يَا رَسُول الله أنفضي إِلَى نسائنا فِي
الْجنَّة كَمَا نفضي إلَيْهِنَّ فِي الدُّنْيَا قَالَ:
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن الرجل ليفضي فِي
الْغَدَاة الْوَاحِدَة إِلَى مائَة عذراء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة
قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تتناك أهل
الْجنَّة فَقَالَ: نعم
بفرج لَا يمل وَذكر لَا ينثني وشهوة لَا تَنْقَطِع دحماً دحماً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم هَل تمس أهل الْجنَّة أَزوَاجهم قَالَ: نعم
بِذكر لَا يمل وَفرج لَا يحفى وشهوة لَا تَنْقَطِع
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة وَابْن أبي حَاتِم عَن سليم
بن عَامر والهيثم الطَّائِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سُئِلَ عَن الْبضْع فِي الْجنَّة قَالَ: نعم بقبل شهي
وَذكر لَا يمل وَأَن الرجل ليتكىء فِيهَا المتكأ مِقْدَار
أَرْبَعِينَ سنة لَا يتحوّل عَنهُ وَلَا يمله يَأْتِيهِ فِيهِ
مَا اشتهت نَفسه ولذت عينه
(1/100)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَابْن
عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن خَارجه العذري قَالَ: سَمِعت رجلا
بتبوك قَالَ يَا رَسُول الله أيباضع أهل الْجنَّة قَالَ:
يُعْطي الرجل مِنْهُم من القوّة فِي الْيَوْم الْوَاحِد أفضل
من سبعين مِنْكُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْبَوْل
والجنابة عرق يسيل من تَحت ذوائبهم إِلَى أَقْدَامهم مسك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد والأصبهاني فِي
التَّرْغِيب عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لَيْسَ فِي الْجنَّة
مني وَلَا منية إِنَّمَا يدحمونهن دحماً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن طَاوس قَالَ: أهل
الْجنَّة ينْكحُونَ النِّسَاء وَلَا يلدن لَيْسَ فِيهَا مني
وَلَا منية
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي
مثله
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وهناد وَابْن أبي شيبَة وَعبد
بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: فِي الْجنَّة جماع
مَا شِئْت وَلَا ولد قَالَ: فيلتفت فَينْظر النظرة فتنشأ لَهُ
الشَّهْوَة ثمَّ ينظر النظرة فتنشأ لَهُ شَهْوَة أُخْرَى
وَأخرج الضياء الْمَقْدِسِي فِي صفة الْجنَّة عَن أبي
هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
سُئِلَ انطأ فِي الْجنَّة قَالَ: نعم
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ دحماً دحماً
فَإِذا قَامَ عَنْهَا رجعت مطهرة بكرا
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْجنَّة إِذا جامعوا
نِسَاءَهُمْ عَادوا ابكاراً
وَأخرج عبد بن حميد وَأحمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد
وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله ابْن عَمْرو قَالَ: إِن
الْمُؤمن كلما أَرَادَ زوجتة وجدهَا بكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: طول الرجل من
أهل الْجنَّة تسعون ميلًا
وَطول الْمَرْأَة ثَلَاثُونَ ميلًا
ومقعدتها جريب وَأَن شَهْوَته لتجري فِي جَسدهَا سبعين عَاما
تَجِد اللَّذَّة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي
دَاوُد فِي الْبَعْث عَن معَاذ ابْن جبل عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تؤذي امْرَأَة زَوجهَا فِي
الدُّنْيَا إِلَّا قَالَت زَوجته من الْحور الْعين: قَاتلك
الله فَإِنَّمَا هُوَ عنْدك دخيل يُوشك أَن يفارقك إِلَيْنَا
أما قَوْله تَعَالَى: {وهم فِيهَا خَالدُونَ}
(1/101)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وهم فِيهَا خَالدُونَ} أَي خَالدُونَ
أبدا
يُخْبِرهُمْ أَن الثَّوَاب بِالْخَيرِ وَالشَّر مُقيم على
أَهله لَا انْقِطَاع لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله {وهم فِيهَا خَالدُونَ} يَعْنِي لَا يموتون
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل وهم
فِيهَا خَالدُونَ قَالَ: مَاكِثُونَ لَا يخرجُون مِنْهَا أبدا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عدي بن زيد: فَهَل من خَالِد إِمَّا هلكنا
وَهل بِالْمَوْتِ يَا للنَّاس عَار وَأخرج عبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل أهل الْجنَّة
الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار
ثمَّ يَقُول مُؤذن بَينهم: يَا أهل النَّار لَا موت وَيَا أهل
الْجنَّة لَا موت كل خَالِد فِيمَا هُوَ فِيهِ
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لأهل الْجنَّة خُلُود وَلَا
موت وَلأَهل النَّار خُلُود وَلَا موت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بِالْمَوْتِ فِي هَيْئَة كَبْش
أَمْلَح فَيُوقف على الصِّرَاط فَيُقَال: يَا أهل الْجنَّة
فيطلعون خَائِفين وجلين مَخَافَة أَن يخرجُوا مِمَّا هم فِيهِ
فَيُقَال: تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ: نعم هَذَا الْمَوْت
فَيُقَال: يَا أهل النَّار
فيطلعون مستبشرين فرحين أَن يخرجُوا مِمَّا هم فِيهِ
فَيُقَال: أتعرفون هَذَا فَيَقُولُونَ: نعم
هَذَا الْمَوْت
فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح على الصِّرَاط فَيُقَال
لِلْفَرِيقَيْنِ: خُلُود فِيمَا تَجِدُونَ لَا موت فِيهَا أبدا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن
فَلَمَّا قدم عَلَيْهِم قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي
رَسُول رَسُول الله إِلَيْكُم إِن المردّ إِلَى الله إِلَى
جنَّة أَو نَار خُلُود بِلَا موت وَإِقَامَة بِلَا ظعن وأجساد
لَا تَمُوت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَو قيل لأهل النَّار مَاكِثُونَ فِي النَّار عدد كل
حَصَاة فِي الدُّنْيَا لفرحوا بهَا وَلَو قيل لأهل الْجنَّة
إِنَّكُم مَاكِثُونَ عدد كل حَصَاة لحزنوا وَلَكِن جعل لَهُم
الْأَبَد
(1/102)
إِنَّ اللَّهَ لَا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا
فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ
بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ
إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ
اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
قَوْله تَعَالَى: إِن الله لَا يستحي أَن
يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا فَأَما الَّذين آمنُوا
فيعرفون أَنه الْحق من رَبهم وَأما الَّذين كفرُوا
فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مثلا يضل بِهِ من
كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين
الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله
بِهِ أَن يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ هم الخاسرون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من
الصَّحَابَة قَالُوا: لما ضرب الله هذَيْن المثلين
لِلْمُنَافِقين قَوْله {كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} وَقَوله
{أَو كصيب من السَّمَاء} قَالَ المُنَافِقُونَ: الله أَعلَى
وَأجل من أَن يضْرب هَذِه الْأَمْثَال
فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا} إِلَى
قَوْله {أُولَئِكَ هم الخاسرون}
وَأخرج عبد الْغَنِيّ الثَّقَفِيّ فِي تَفْسِيره والواحدي عَن
الن عَبَّاس قَالَ: إِن الله ذكر آلِهَة الْمُشْركين فَقَالَ
(وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا) وَذكر كيد الْآلهَة كبيت
العنكبوت فَقَالُوا: أَرَأَيْت حَيْثُ ذكر الله الذُّبَاب
وَالْعَنْكَبُوت فِيمَا أنزل من الْقُرْآن على مُحَمَّد
أَي شَيْء كَانَ يصنع بِهَذَا فَأنْزل الله {إِن الله لَا
يستحيي أَن يضْرب مثلا} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لما ذكر الله
العنكبوت والذباب قَالَ الْمُشْركُونَ: مَا بَال العتكبوت
والذباب يذكران فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب
مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: لما أنزلت (يَا
أَيهَا النَّاس ضرب مثل) قَالَ الْمُشْركُونَ: مَا هَذَا من
الْأَمْثَال فَيضْرب أَو مَا يشبه هَذَا الْأَمْثَال
فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة
فَمَا فَوْقهَا} لم يرد الْبَعُوضَة إِنَّمَا أَرَادَ الْمثل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الْبَعُوضَة أَضْعَف مَا
خلق الله
(1/103)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ
فِي العظمة والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس لَا تغتروا
بِاللَّه فَإِن الله لَو كَانَ مغفلاً شَيْئا لأغفل
الْبَعُوضَة والذرة والخردلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون أَنه الْحق} قَالَ:
يُؤمن بِهِ الْمُؤْمِنُونَ ويعلمون أَنه الْحق من رَبهم
ويهديهم الله بِهِ ويعرفه الفاسون فيكفرون بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي
قَوْله {يضل بِهِ كثيرا} يَعْنِي الْمُنَافِقين {وَيهْدِي بِهِ
كثيرا} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا
الْفَاسِقين} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَفِي قَوْله {الَّذين ينقضون عهد الله} فأقروا بِهِ ثمَّ
كفرُوا فنقضوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا
يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} يَقُول: يعرفهُ الْكَافِرُونَ
فيكفرون بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا يضل بِهِ
إِلَّا الْفَاسِقين} يَقُول: فسقوا فأضلم الله بفسقهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: الحرورية هم {الَّذين
ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} قَالَ: إيَّاكُمْ وَنقض هَذَا
الْمِيثَاق
وَكَانَ يسميهم الْفَاسِقين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين ينقضون عهد الله من
بعد ميثاقه} قَالَ: إيَّاكُمْ وَنقض هَذَا الْمِيثَاق فَإِن
الله قد كره نقضه وأوعد فِيهِ وَقدم فِيهِ فِي آي من الْقُرْآن
تقدمة ونصيحة وموعظة وَحجَّة
مَا نعلم الله أوعد فِي ذَنْب مَا أوعد فِي نقض هَذَا
الْمِيثَاق
فَمن أعْطى عهد الله وميثاقه من ثَمَرَة قلبه فليوف بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ
خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا
لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ وَلَا دين لمن لَا عهد لَهُ
(1/104)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من
حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت وَأبي أُمَامَة
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث ابْن عمر
مثله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حسن الْعَهْد من الإِيمان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} قَالَ: الرَّحِم
والقرابة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {ويفسدون فِي
الأَرْض} قَالَ: يعْملُونَ فِيهَا بالمعصية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل فِي قَوْله تَعَالَى
{أُولَئِكَ هم الخاسرون} يَقُول هم أهل النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كل شَيْء نسبه الله إِلَى غير أهل الإِسلام من اسْم
مثل خاسر ومسرف وظالم وفاسق فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْكفْر
وَمَا نسبه إِلَى أهل الإِسلام فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ
الذَّنب
(1/105)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(28)
قَوْله تَعَالَى: كَيفَ تكفرون بِاللَّه
وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ
إِلَيْهِ ترجعون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي
قَوْله {وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم} قَالَ: لم
تَكُونُوا شَيْئا فخلفكم {ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} يَوْم
الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي
قَوْله {وكنتم أَمْوَاتًا} فِي أصلاب آبائكم لم تَكُونُوا
شَيْئا حَتَّى خَلقكُم ثمَّ يميتكم موتَة الْحق ثمَّ
يُحْيِيكُمْ حَيَاة الْحق حِين يبعثكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أصلاب آبَائِهِم فأحياهم الله
فَأخْرجهُمْ ثمَّ أماتهم الموتة الَّتِي لابد مِنْهَا ثمَّ
أحياهم للبعث يَوْم الْقِيَامَة
فهما حياتان وموتتان
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن أبي صَالح فِي الْآيَة قَالَ
{يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} فِي الْقَبْر ثمَّ يميتكم
(1/105)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: لم تَكُونُوا شَيْئا حَتَّى خَلقكُم ثمَّ يميتكم موتَة
الْحق ثمَّ يُحْيِيكُمْ وَقَوله (رَبنَا أمتَّنا اثْنَتَيْنِ
وأحييتنا اثْنَتَيْنِ) مثلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة يَقُول: لم
يَكُونُوا شَيْئا ثمَّ أماتهم ثمَّ أحياهم ثمَّ يَوْم
الْقِيَامَة يرجعُونَ إِلَيْهِ بعد الْحَيَاة
(1/106)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى
السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
قَوْله تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا
فِي الأَرْض جَمِيعًا ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن
سبع سموات وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هُوَ
الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} قَالَ: سخر لكم مَا
فِي الأَرْض جَمِيعًا كَرَامَة من الله ونعمة لِابْنِ آدم
مَتَاعا وبلغة وَمَنْفَعَة إِلَى أجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} قَالَ: سخر
لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}
قَالَ: خلق الله الأَرْض قبل السَّمَاء فَلَمَّا خلق الأَرْض
ثار مِنْهَا دُخان فَذَلِك قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى
السَّمَاء فسواهن سبع سماوات} يَقُول: خلق سبع سموات بَعضهنَّ
فَوق بعض وَسبع أَرضين بَعضهنَّ تَحت بعض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق
السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن
مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود وَعَن نَاس من أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله قَوْله
تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا
ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن سبع سماوات} قَالَ: إِن
الله كَانَ عَرْشه على المَاء وَلم يخلق شَيْئا قبل المَاء
فَلَمَّا أَرَادَ أَن يخلق أخرج من المَاء دخاناً فارتفع فَوق
المَاء فسما سَمَاء ثمَّ أيبس المَاء فَجعله أَرضًا فتقها
وَاحِدَة ثمَّ فتقها فَجَعلهَا سبع أَرضين فِي يَوْمَيْنِ
فِي الْأَحَد والإِثنين فخلق الأَرْض على حوت وَهُوَ الَّذِي
ذكره فِي قَوْله (ن والقلم) والحوت فِي المَاء وَالْمَاء على
ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك وَالْملك على صَخْرَة والصخرة
فِي الرّيح وَهِي الصَّخْرَة الَّتِي ذكرهَا لُقْمَان
لَيست فِي السَّمَاء وَلَا فِي الأَرْض فَتحَرك الْحُوت فاضطرب
(1/106)
فتزلزلت الأَرْض فأرسى عَلَيْهَا الْجبَال
فالجبال تَفْخَر على الأَرْض
فَذَلِك قَوْله (وَجعل لَهَا رواسي أَن تميد بكم) وَخلق
الْجبَال فِيهَا وأقوات أَهلهَا وشجرها وَمَا يَنْبَغِي لَهَا
فِي يَوْمَيْنِ: فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَذَلِكَ
قَوْله (إِنَّكُم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض) إِلَى قَوْله
(وَبَارك فِيهَا) يَقُول: أنبت شَجَرهَا وَقدر فِيهَا أقواتها
يَقُول لأَهْلهَا (فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين)
يَقُول: من سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمر {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى
السَّمَاء وَهِي دُخان} وَكَانَ ذَلِك الدُّخان من تنفس المَاء
حِين تتنفس ثمَّ جعلهَا سَمَاء وَاحِدَة ثمَّ فتقها فَجَعلهَا
سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ: فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة
وَإِنَّمَا سمي يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ جمع فِيهِ خلق
السَّمَوَات وَالْأَرْض (وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا) قَالَ:
خلق فِي كل سَمَاء خلقهَا
من الْمَلَائِكَة والخلق الَّذِي فِيهَا من الْبحار وجبال
الْبرد وَمِمَّا لَا يعلم
ثمَّ زين السَّمَاء بالكواكب فَجَعلهَا زِينَة وحفظاً من
الشَّيَاطِين فَلَمَّا فرغ من خلق مَا أحب اسْتَوَى على
الْعَرْش
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} يَعْنِي
خلق سبع سموات قَالَ: أجْرى النَّار على المَاء فبخر الْبَحْر
فَصَعدَ فِي الْهَوَاء فَجعل السَّمَوَات مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
الْعَالِيَة فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}
قَالَ: ارْتَفع
وَفِي قَوْله {فسوّاهن} قَالَ: سوى خَلقهنَّ
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب الرَّد على
الْجَهْمِية عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لما أَرَادَ الله
أَن يخلق الْأَشْيَاء إِذا كَانَ عَرْشه على المَاء وَإِذ لَا
أَرض وَلَا سَمَاء
خلق الرّيح فسلطها على المَاء حَتَّى اضْطَرَبَتْ أمواجه وأثار
ركامه فَأخْرج من المَاء دخاناً وطيناً وزبداً فَأمر الدُّخان
فعلا وسمل ونما فخلق مِنْهُ السَّمَوَات وَخلق من الطين
الْأَرْضين وَخلق من الزّبد الْجبَال
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَخذ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بيَدي فَقَالَ: خلق الله التربة يَوْم السبت
وَخلق الْجبَال يَوْم الْأَحَد وَخلق الشّجر يَوْم الإِثنين
وَخلق الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق النُّور يَوْم
الْأَرْبَعَاء وَبث فِيهَا الدَّوَابّ يَوْم الْخَمِيس وَخلق
آدم يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَابْن ماجة وَعُثْمَان بن
(1/107)
سعيد الدَّارمِيّ فِي الرَّد على
الْجَهْمِية وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَابْن
أبي عَاصِم فِي السّنة وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة فِي
التَّوْحِيد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو أَحْمد وَالْحَاكِم فِي
الكنى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ واللالكائي فِي السّنة
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْعَبَّاس
بن عبد الْمطلب قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ كم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: بَينهمَا مسيرَة
خَمْسمِائَة عَام وَمن مسيرَة سَمَاء إِلَى سَمَاء مسيرَة
خَمْسمِائَة عَام وكثف كل سَمَاء خَمْسمِائَة سنة وَفَوق
السَّمَاء السَّابِعَة بَحر
بَين أَعْلَاهُ واسفله كَمَا بَين السَّمَاء وَأَرْض ثمَّ فَوق
ذَلِك ثَمَانِيَة أوعال بَين وركهن وأظلافهن كَمَا بَين
السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ فَوق ذَلِك الْعَرْش بَين أَسْفَله
وَأَعلاهُ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى علمه فَوق ذَلِك وَلَيْسَ يخفى عَلَيْهِ من أَعمال
بني آدم شَيْء
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فس مُسْنده وَالْبَزَّار وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا
بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام كَذَلِك
إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة
والأرضون مثل ذَلِك وَمَا بَين السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى
الْعَرْش مثل جَمِيع ذَلِك وَلَو حفرتم لصاحبكم ثمَّ دليتموه
لوجد الله ثمَّة يَعْنِي علمه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فمرت سَحَابَة فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
هَذِه قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم فَقَالَ: هَذِه الغبابة
هَذِه روايا الأَرْض يَسُوقهَا الله إِلَى بلد لَا يعبدونه
وَلَا يشكرونه
هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سَمَاء
هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك موجاً مكفوفاً وسقفاً مَحْفُوظًا
هَل تدروت مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ:
فَإِن فَوق ذَلِك سَمَاء
هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سَمَاء أُخْرَى
هَل تَدْرُونَ كم مَا بَينهمَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِن بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام حَتَّى عد سبع
سموات بَين كل سمائين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام ثمَّ قَالَ: هَل
تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ:
فَإِن فَوق ذَلِك الْعَرْش
فَهَل تَدْرُونَ كم بَينهمَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِن بَين ذَلِك كَمَا بَين السمائين ثمَّ قَالَ: هَل
تَدْرُونَ مَا هَذِه هَذِه أَرض
هَل تَدْرُونَ ماتحتها
(1/108)
قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أَرض
أُخْرَى وَبَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام حَتَّى عد سبع
أَرضين بَين كل أَرضين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي الرَّد على
الْجَهْمِية وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: بَين السَّمَاء وَالْأَرْض خَمْسمِائَة
عَام وَمَا بَين كل سماءين خَمْسمِائَة عَام ومصير كل سَمَاء -
يَعْنِي غلظ ذَلِك - مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمَا بَين
السَّمَاء إِلَى الْكُرْسِيّ مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمَا
بَين الْكُرْسِيّ وَالْمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَالْعرش على المَاء وَالله فَوق الْعَرْش وَهُوَ يعلم مَا
أَنْتُم عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه
نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: تبَارك الله مَا أَشد بياضها
وَالثَّانيَِة أَشد بياضها مِنْهَا ثمَّ كَذَلِك حَتَّى بلغ
سبع سموات
وَخلق فَوق السَّابِعَة المَاء وَجعل فَوق المَاء الْعَرْش
وَجعل فَوق السَّمَاء الدُّنْيَا الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم
والرجوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا هَذِه
السَّمَاء قَالَ: هَذِه موج مكفوف عَنْكُم
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: السَّمَاء الدُّنْيَا موج
مكفوف وَالثَّانيَِة مرمرة بَيْضَاء وَالثَّالِثَة حَدِيد
وَالرَّابِعَة نُحَاس وَالْخَامِسَة فضَّة وَالسَّادِسَة ذهب
وَالسَّابِعَة ياقوتة حَمْرَاء وَمَا فَوق ذَلِك صحارى من نور
وَلَا يعلم مَا فَوق ذَلِك إِلَّا الله وَملك مُوكل بالحجب
يُقَال لَهُ ميطاطروش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ:
السَّمَاء الدُّنْيَا من زمردة خضراء وَاسْمهَا رقيعاء
وَالثَّانيَِة من فضَّة بَيْضَاء وَاسْمهَا أزقلون
وَالثَّالِثَة من ياقوتة حَمْرَاء وَاسْمهَا قيدوم
وَالرَّابِعَة من درة بَيْضَاء وَاسْمهَا ماعونا وَالْخَامِسَة
من ذهبة حَمْرَاء وَاسْمهَا ريقا وَالسَّادِسَة من ياقوتة
صفراء وَاسْمهَا دقناء وَالسَّابِعَة من نور وَاسْمهَا عريبا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: اسْم
السَّمَاء الدُّنْيَا رقيع وَاسم السَّابِعَة الصُّرَاخ
وَأخرج عُثْمَان ابْن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب الرَّد على
الْجَهْمِية وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سيد
السَّمَوَات السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الْعَرْش وَسيد
الْأَرْضين الأَرْض الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا
(1/109)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ
قَالَ: كتب ابْن عَبَّاس إِلَى أبي الْجلد يسْأَله عَن
السَّمَاء من أَي شَيْء هِيَ فَكتب إِلَيْهِ: إِن السَّمَاء من
موج مكفوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَبَّة الْعَوْفِيّ قَالَ: سَمِعت
عليا ذَات يَوْم يحلف وَالَّذِي خلق السَّمَاء من دُخان وَمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ:
السَّمَاء أَشد بَيَاضًا من اللَّبن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ قَالَ: تَحت الْأَرْضين صَخْرَة بلغنَا أَن تِلْكَ
الصَّخْرَة مِنْهَا خضرَة السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تَفَكَّرُوا
فِي كل شَيْء وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَات الله فَإِن بَين
السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى كرسيه سَبْعَة آلَاف نور
وَهُوَ فَوق ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{فسواهن سبع سماوات} قَالَ: بَعضهنَّ فَوق بعض بَين كل سمائين
مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
أما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} أخرج ابْن
الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن أعدل آيَة فِي الْقُرْآن
آخرهَا اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى
(1/110)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ رَبك
للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا
أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن
نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا
تعلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: مَا كَانَ فِي
الْقُرْآن {إِذْ} فقد كَانَ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {إِنِّي جَاعل} قَالَ:
فَاعل
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كل شَيْء فِي
الْقُرْآن {جُعِلَ} فَهُوَ خُلِقَ
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله
أخرج آدم من الْجنَّة قبل أَن يخلقه ثمَّ قَرَأَ {إِنِّي جَاعل
فِي الأَرْض خَليفَة}
(1/110)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: لقد أخرج الله آدم من الْجنَّة قبل أَن يدخلهَا
قَالَ الله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي
الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا
ويسفك الدِّمَاء} وَقد كَانَ فِيهَا قبل أَن يخلق بألفي عَام
الْجِنّ بَنو الجان ففسدوا فِي الأَرْض وسفكوا الدِّمَاء
فَلَمَّا أفسدوا فِي الأَرْض بعث عَلَيْهِم جُنُودا من
الْمَلَائِكَة فضربوهم حَتَّى ألحقوهم بجزائر البحور فَلَمَّا
قَالَ الله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي
الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا
ويسفك الدِّمَاء} كَمَا فعل أُولَئِكَ الجان فَقَالَ الله
{إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من
حَيّ من أَحيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ خلقُوا من
نَار السمُوم من بَين الْمَلَائِكَة وَكَانَ اسْمه الْحَارِث
فَكَانَ خَازِنًا من خزان الْجنَّة وخلقت الْمَلَائِكَة كلهم
من نور غير هَذَا الْحَيّ وخلقت الْجِنّ من مارج من نَار
وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهبت
فَأول من سكن الأَرْض الْجِنّ فأفسدوا فِيهَا وسفكوا الدِّمَاء
وَقتلُوا بَعضهم بَعْضًا فَبعث الله اليهم إِبْلِيس فِي جند من
الْمَلَائِكَة فَقَتلهُمْ حَتَّى ألحقهم بجزائر البحور واطراف
الْجبَال فَلَمَّا فعل إِبْلِيس ذَلِك اغْترَّ بِنَفسِهِ
وَقَالَ: قد صنعت شَيْئا لم يصنعه أحد فَاطلع الله على ذَلِك
من قلبه وَلم يطلع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة
فَقَالَ الله للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة}
فَقَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا
ويسفك الدِّمَاء} كَمَا أفسدت الْجِنّ قَالَ {إِنِّي أعلم مَا
لَا تعلمُونَ} يَقُول: إِنِّي قد أطلعت من قلب ابليس على مَا
لم تطلعوا عَلَيْهِ من كبره واغتراره
ثمَّ أَمر بتربة آدم فَرفعت فخلق الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام
من طين (لازب) واللازب اللزج الطّيب من (حمإ مسنون) منتن
وَإِنَّمَا كَانَ حمأمسنون بعد التُّرَاب فخلق مِنْهُ آدم
بِيَدِهِ فَمَكثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة جسداً ملقى فَكَانَ
ابليس يَأْتِيهِ يضْربهُ بِرجلِهِ فيصلصل فيصوت ثمَّ يدْخل من
فِيهِ وَيخرج من دبره وَيدخل من دبره وَيخرج من فِيهِ ثمَّ
يَقُول: لست شَيْئا
ولشيء مَا خلقت وَلَئِن سلطت عَلَيْك لأهلنك وَلَئِن سلطت
عَليّ لأعصينك
فَلَمَّا نفخ الله فِيهِ من روحه أَتَت النفخة من قبل رَأسه
فَجعل لَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا فِي جسده إِلَّا صَار لَحْمًا
ودماً فَلَمَّا انْتَهَت النفخة
(1/111)
إِلَى سرَّته نظر إِلَى جسده فأعجبه مَا
رأى من جسده فَذهب لينهض فَلم يقدر
فَهُوَ قَول الله (خلق الإِنسان من عجل)
فَلَمَّا تمت النفخة فِي جسده عطس فَقَالَ (الْحَمد لله رب
الْعَالمين) بإلهام من الله فَقَالَ الله لَهُ يَرْحَمك الله
يَا آدم ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة الَّذين كَانُوا مَعَ
إِبْلِيس خَاصَّة دون الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَوَات:
(اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر) لما حدث
فِي نَفسه من الْكبر فَقَالَ: لَا أَسجد لَهُ وَأَنا خير
مِنْهُ وأكبر سنا وَأقوى خلقا فأبلسه الله وآيسه من الْخَيْر
كُله وَجعله شَيْطَانا رجيماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِن الله خلق الْمَلَائِكَة
يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق الْجِنّ يَوْم الْخَمِيس وَخلق آدم
يون الْجُمُعَة فَكفر قوم من الْجِنّ
فَكَانَت الْمَلَائِكَة تهبط إِلَيْهِم فِي الأَرْض فتقاتلهم
فَكَانَت الدِّمَاء وَكَانَ الْفساد فِي الأَرْض
فَمن ثمَّ قَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك
الدِّمَاء}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: لما خلق الله النَّار
ذعرت مِنْهَا الْمَلَائِكَة ذعراً شَدِيدا وَقَالُوا: رَبنَا
لم خلقت هَذِه قَالَ: لمن عَصَانِي من خلقي - وَلم يكن لله خلق
يمئذ إِلَّا الْمَلَائِكَة - قَالُوا: يَا رب وَيَأْتِي دهر
نَعْصِيك فِيهِ قَالَ: لَا
إِنِّي أُرِيد أَن أخلق فِي الأَرْض خلقا وَأَجْعَل فِيهَا
خَليفَة يسفكون الدِّمَاء ويفسدون فِي الأَرْض قَالُوا
{أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} فاجعلنا نَحن فِيهَا
{وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا
تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود وناس من
الصَّحَابَة
لما فرغ الله من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش فَجعل
إِبْلِيس على ملك سَمَاء الدُّنْيَا
وَكَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ
وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خَزَائِن الْجنَّة وَكَانَ
إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا فَوَقع فِي صَدره كبر وَقَالَ:
مَا أَعْطَانِي الله هَذَا إِلَّا لمزيد أَو لمزية لي فَاطلع
الله على ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ للملائكو {إِنِّي جَاعل فِي
الأَرْض خَليفَة} قَالُوا رَبنَا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد
فِيهَا ويسفك الدِّمَاء}
قَالَ {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} الْآيَة
قَالَ: إِن الله قَالَ للْمَلَائكَة: إِنِّي خَالق بشرا
وَإِنَّهُم
(1/112)
متحاسدون فَيقْتل بَعضهم بَعْضًا ويفسدون
فِي الأَرْض
فَلذَلِك قَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد} قَالَ: وَكَانَ
إِبْلِيس أَمِيرا على مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا فاستكبر
وهم بالمعصية وطغى فَعلم الله ذَلِك مِنْهُ
فَذَلِك قَوْله {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} وَإِن فِي نفس
إِبْلِيس بغياً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} قَالَ: قد
علمت الْمَلَائِكَة وَعلم الله أَنه لاشيء أكره عِنْد الله من
سفك الدِّمَاء وَالْفساد فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن بطة فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: إيَّاكُمْ والرأي فَإِن الله تَعَالَى رد
الرَّأْي على الْمَلَائِكَة وَذَلِكَ أَن الله قَالَ {إِنِّي
جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ
فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
{قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّوْبَة عَن أنس قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أول من لبّى
الْمَلَائِكَة قَالَ الله {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة
قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء}
قَالَ: فزادوه فَأَعْرض عَنْهُم فطافوا بالعرش سِتّ سِنِين
يَقُولُونَ: لبيْك لبيْك اعتذاراً إِلَيْك لبيْك لبيْك نستغفرك
ونتوب إِلَيْك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن
سابط أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دحيت
الأَرْض من مَكَّة وَكَانَت الْمَلَائِكَة تَطوف بِالْبَيْتِ
فَهِيَ أول من طَاف بِهِ وَهِي الأَرْض الَّتِي قَالَ الله
{إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} وَكَانَ النَّبِي إِذا هلك
قومه نجا هُوَ والصالحون أَتَاهَا هُوَ وَمن مَعَه فيعبدون
الله بهَا حَتَّى يموتوا فِيهَا وان قبر نوح وَهود وَشُعَيْب
وَصَالح بَين زَمْزَم وَبَين الرُّكْن وَالْمقَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} قَالَ
التَّسْبِيح التَّسْبِيح والتَّقْدِيس الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: أحب الْكَلَام إِلَى الله مَا اصطفاه الله
لملائكته
سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ - وَفِي لفظ - سُبْحَانَ الله
وَبِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن
جُبَير إِن عمر بن الْخطاب سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن صَلَاة الْمَلَائِكَة فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن
(1/113)
أهل السَّمَاء الدُّنْيَا سُجُود إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْملك والملكوت
وَأهل السَّمَاء الثَّانِيَة رُكُوع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّة والجبروت وَأهل السَّمَاء
الثَّالِثَة قيام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ:
سُبْحَانَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي
قَوْله {ونقدس لَك} قَالَ: نصلي لَك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ التَّقْدِيس
التَّطْهِير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{ونقدس لَك} قَالَ: نعظمك ونكبرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح فِي قَوْله
{وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} قَالَ: نعظمك ونمجدك
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق
وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير فِي قَوْله
{إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ
علم من إِبْلِيس وخلقه لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِنِّي أعلم مَا
لَا تعلمُونَ} قَالَ: كَانَ فِي علم الله أَنه سَيكون من
تِلْكَ الخليقة أَنْبيَاء ورسل وَقوم صَالِحُونَ وساكنو
الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد
وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الأمل عَن الْحسن قَالَ: لما خلق
الله آدم وَذريته قَالَت الْمَلَائِكَة: رَبنَا إِن الأَرْض لم
تسعهم قَالَ: إِنِّي جَاعل موتا قَالُوا: إِذا لَا يهنأ لَهُم
الْعَيْش قَالَ: إِنِّي جَاعل أملاً
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع
رَسُول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن آدم لما أهبطه
إِلَى الأَرْض قَالَت الْمَلَائِكَة: أَي رب {أَتجْعَلُ فِيهَا
من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس
لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قَالُوا: رَبنَا نَحن
أطوع لَك من بني آدم قَالَ الله للْمَلَائكَة: هلموا ملكَيْنِ
من الْمَلَائِكَة حَتَّى نهبطهما إِلَى الأَرْض فَنَنْظُر
كَيفَ يعملان فَقَالُوا: رَبنَا هاروت وماروت
قَالَ فاهبطا إِلَى الأَرْض فتمثلت لَهما الزهرة امْرَأَة من
أحسن الْبشر فجاءتهما فَسَأَلَاهَا نَفسهَا
(1/114)
فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تتكلما
بِهَذِهِ الْكَلِمَة من الْإِشْرَاك قَالَا: وَالله لَا نشْرك
بِاللَّه أبدا
فَذَهَبت عَنْهُمَا ثمَّ رجعت بصبي تحمله فَسَأَلَاهَا نَفسهَا
فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تقتلا هَذَا الصَّبِي قَالَا: لَا
وَالله لَا نَقْتُلهُ أبدا
فَذَهَبت ثمَّ رجعت بقدح من خمر فَسَأَلَاهَا نَفسهَا
فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تشربا هَذَا الْخمر فشربا فسكرا
فوقعا عَلَيْهَا وقتلا الصَّبِي
فَلَمَّا افاقا قَالَت الْمَرْأَة: وَالله مَا تركتما شَيْئا
ابيتماه عَليّ قد فعلتماه حِين سكرتما
فخيرا عِنْد ذَلِك بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فاختارا
عَذَاب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ والحكيم فِي نَوَادِر
الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن الله خلق آدم من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الأَرْض
فجَاء بَنو آدم على قدر الأَرْض
جَاءَ مِنْهُم الْأَحْمَر والأبيض وَالْأسود وَبَين ذَلِك
والسهل والحزن والخبيث وَالطّيب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خلقت الْكَعْبَة قبل الأَرْض بألفي
سنة قَالُوا كَيفَ خلقت قبل وَهِي من الأَرْض قَالَ: كَانَت
حَشَفَة على المَاء عَلَيْهَا ملكان يسبحان اللَّيْل
وَالنَّهَار ألفي سنة فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يخلق الأَرْض
دحاها مِنْهَا فَجَعلهَا فِي وسط الأَرْض فَلَمَّا أَرَادَ
الله أَن يخلق آدم بعث ملكا من حَملَة الْعَرْش يَأْتِي
بِتُرَاب من الأَرْض فَلَمَّا هوى ليَأْخُذ قَالَت الأَرْض:
أَسأَلك بِالَّذِي أرسلك أَن لَا تَأْخُذ مني الْيَوْم شَيْئا
يكون مِنْهُ للنار نصيب غَدا فَتَركهَا فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى
ربه قَالَ: مَا مَنعك أَن تَأتي بِمَا أَمرتك قَالَ: سَأَلتنِي
بك فعظمت أَن أرد شَيْئا سَأَلَني بك فَأرْسل ملكا آخر
فَقَالَ: مثل ذَلِك حَتَّى أرسلهم كلهم فَأرْسل ملك الْمَوْت
فَقَالَت لَهُ: مثل ذَلِك قَالَ: إِن الَّذِي أَرْسلنِي أَحَق
بِالطَّاعَةِ مِنْك
فَأخذ من وَجه الأَرْض كلهَا
من طيبها وخبيثها حَتَّى كَانَت قَبْضَة عِنْد مَوضِع
الْكَعْبَة فجَاء بِهِ إِلَى ربه فصب عَلَيْهِ من مَاء
الْجنَّة فجاءحمأ مسنوناً فخلق مِنْهُ آدم بِيَدِهِ ثمَّ مسح
على ظَهره فَقَالَ: تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ فَتَركه
أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا ينْفخ فِيهِ الرّوح ثمَّ نفخ فِيهِ
الرّوح فَجرى فِيهِ الرّوح من رَأسه إِلَى صَدره فَأَرَادَ أَن
يثب
فَتلا أَبُو هُرَيْرَة (خلق الإِنسان من عجل)
فَلَمَّا جرى فِيهِ الرّوح قعد جَالِسا فعطس فَقَالَ الله: قل
الْحَمد لله
فَقَالَ:
(1/115)
الْحَمد لله فَقَالَ: رَحِمك رَبك ثمَّ
قَالَ: انْطلق إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة فَسلم عَلَيْهِم
فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
فَقَالُوا: وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
فَقَالَ: هَذِه تحيتك وتحية ذريتك
يَا آدم
أَي مَكَان أحب إِلَيْك أَن أريك ذريتك فِيهِ فَقَالَ:
بِيَمِين رَبِّي وكلتا يَدي رَبِّي يَمِين
فَبسط يَمِينه فَأرَاهُ فِيهَا ذُريَّته كلهم وَمَا هُوَ خَالق
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
الصَّحِيح على هَيئته والمبتلى على هَيئته والأنبياء على
هيئتهم
فَقَالَ: أَي رب أَلا عافيهتم كلهم فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْت
أَن أشكر فَرَأى فِيهَا رجلا ساطعاً نوره فَقَالَ: أَي رب من
هَذَا فَقَالَ: هَذَا ابْنك دَاوُد فَقَالَ: كم عمره قَالَ:
سِتُّونَ سنة قَالَ: كم عمري قَالَ: ألف سنة قَالَ: انقص من
عمري أَرْبَعِينَ سنة فزدها فِي عمره ثمَّ رأى آخر ساطعاً نوره
لَيْسَ مَعَ أحد من الْأَنْبِيَاء مثل مَا مَعَه فَقَالَ: أَي
رب من هَذَا قَالَ: هَذَا ابْنك مُحَمَّد وَهُوَ أوّل من يدْخل
الْجنَّة فَقَالَ آدم: الْحَمد لله الَّذِي جعل من ذريتي من
يسبقني إِلَى الْجنَّة وَلَا أحسده
فَلَمَّا مضى لآدَم ألف سنة إِلَّا أَرْبَعِينَ جَاءَتْهُ
الْمَلَائِكَة تتوفاه عيَانًا قَالَ: مَا تُرِيدُونَ قَالُوا:
أردنَا أَن نتوفاك قَالَ: بَقِي من أَجلي أَرْبَعُونَ قَالُوا:
أَلَيْسَ قد أعطيتهَا ابْنك دَاوُد قَالَ: مَا أَعْطَيْت أحدا
شَيْئا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: جحد آدم وجحدت ذُريَّته وَنسي ونسيت
ذُريَّته
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات
وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود ونا س من الصَّحَابَة
قَالُوا: بعث الله جِبْرِيل إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين
مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض: أعوذ مِنْك أَن تنقص مني فَرجع وَلم
يَأْخُذ شَيْئا وَقَالَ: يَا رب إِنَّهَا أعاذت بك فأعذتها
فَبعث الله مِيكَائِيل كَذَلِك
فَبعث ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ: وَأَنا أعوذ
بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض وخلط
وَلم يَأْخُذ من مَكَان وَاحِد وَأخذ من تربة حَمْرَاء وبيضاء
وسوداء - فَذَلِك خرج بَنو آدم مُخْتَلفين - فَصَعدَ بِهِ فَبل
التُّرَاب حَتَّى صَار طينا (لَا زبا) واللازب: هُوَ الَّذِي
يلزق بعضه بِبَعْض ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة: إِنِّي خَالق بشرا
من طين فخلقه الله بِيَدِهِ لِئَلَّا يتكبر عَلَيْهِ إِبْلِيس
فخلقه بشرا سوياً فَكَانَ جسداً من طين أَرْبَعِينَ سنة من
مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة فمرت بِهِ الْمَلَائِكَة ففزعوا
مِنْهُ لما رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَّدهم مِنْهُ فَزعًا إِبْلِيس
فَكَانَ يمر بِهِ فيضربه فيصوّت الْجَسَد كَمَا يصوّت الفخار
يكون لَهُ
(1/116)
صلصلة فَيَقُول: لأمر مَا خلقت وَيدخل من
فِيهِ وَيخرج من دبره وَيَقُول للْمَلَائكَة: لَا ترهبوا
مِنْهُ فَإِن ربكُم صَمد وَهَذَا أجوف لَئِن سلطت عَلَيْهِ
لأهلكنه
فَلَمَّا بلغ الْحِين الَّذِي يُرِيد الله أَن ينْفخ فِيهِ
الرّوح قَالَ للْمَلَائكَة: إِذا نفخت فِيهِ من روحي فاسجدوا
لَهُ فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح فَدخل فِي رَأسه عطس فَقَالَت
الْمَلَائِكَة: الْحَمد لله فَقَالَ: الْحَمد لله فَقَالَ الله
لَهُ: يَرْحَمك رَبك
فَلَمَّا دخلت الرّوح فِي عُنُقه نظر إِلَى ثمار الْجنَّة
فَلَمَّا دخلت إِلَى جَوْفه اشْتهى الطَّعَام فَوَثَبَ قبل أَن
تبلغ إِلَى رجلَيْهِ عجلاً إِلَى ثمار الْجنَّة
وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (خلق الإِنسان من عجل)
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رب
الْعِزَّة إِبْلِيس فَأخذ من أَدِيم الأَرْض: من عذبها ومالحها
فخلق مِنْهَا آدم
فَكل شَيْء خلقه من عذبها فَهُوَ صائر إِلَى السَّعَادَة وَإِن
كَانَ ابْن كَافِرين وكل شَيْء خلقه من مالحها فَهُوَ صائر
إِلَى الشَّقَاء وَإِن كَانَ ابْن نبيين
قَالَ: وَمن ثمَّ قَالَ إِبْلِيس: (أأسجد لمن خلقت طيناً) إِن
هَذِه الطينة أَنا جِئْت بهَا
وَمن ثمَّ سمي آدم لِأَنَّهُ أَخذ من أَدِيم الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: إِن آدم خلق من أَدِيم
الأَرْض
فِيهِ الطّيب والصالح والرديء فَكل ذَلِك أَنْت رَاء فِي
وَلَده
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر سَمِعت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن آدم خلق من ثَلَاث تربات:
سَوْدَاء وبيضاء وحمراء
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَعبد بن حميد وَأَبُو بكر
الشَّافِعِي فِي الغيلانيات وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن
جُبَير قَالَ: خلق الله آدم من أَرض يُقَال لَهَا دحناء
وَأخرج الديلمي عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا الْهوى
وَالْبَلَاء والشهوة معجونة بطينة آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد
وَمُسلم وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما صوّر الله
تَعَالَى آدم فِي الْجنَّة تَركه مَا شَاءَ أَن يتْركهُ فَجعل
إِبْلِيس يطِيف بِهِ ينظر مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أجوف علم
أَنه خلق لَا يَتَمَالَك
وَلَفظ أبي الشَّيْخ قَالَ: خلق لَا يَتَمَالَك ظَفرت بِهِ
(1/117)
وَأخرج ابْن حبَان عَن أنس أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما نفخ الله فِي آدم الرّوح
فَبلغ الرّوح رَأسه عطس فَقَالَ (الْحَمد لله رب الْعَالمين)
فَقَالَ لَهُ تبَارك وَتَعَالَى: يَرْحَمك الله
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما خلق الله آدم عطس فألهمه الله
ربه أَن قَالَ: الْحَمد لله قَالَ لَهُ ربه: يَرْحَمك الله
فَلذَلِك سبقت رَحمته غَضَبه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما فرغ
الله من خلق آدم وَجرى فِيهِ الرّوح عطس فَقَالَ: الْحَمد لله
فَقَالَ لَهُ ربه: يَرْحَمك الله
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن الله خلق آدم من تُرَاب ثمَّ جعله طيناً ثمَّ تَركه حَتَّى
إِذا كَا حمأ مسنوناً خلقه وصوّره ثمَّ تَركه حَتَّى إِذا
كَانَ صلصالاً كالفخار وَجعل إِبْلِيس يمر بِهِ فَيَقُول: لقد
خلقت لأمر عَظِيم ثمَّ نفخ الله فِيهِ من روحه فَكَانَ أوّل
شَيْء جرى فِيهِ الرّوح بَصَره وخياشيمه فعطس فلقنه الله حمد
ربه فَقَالَ الرب: يَرْحَمك رَبك
ثمَّ قَالَ: يَا آدم اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ النَّفر فَقل
لَهُم وَانْظُر مَاذَا يَقُولُونَ فجَاء فَسلم عَلَيْهِم
فَقَالُوا: وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله فجَاء إِلَى
ربه فَقَالَ: مَاذَا قَالُوا لَك وَهُوَ أعلم بِمَا قَالُوا
لَهُ قَالَ: يَا رب سلمت عَلَيْهِم فَقَالُوا وَعَلَيْك
السَّلَام وَرَحْمَة الله قَالَ: يَا آدم هَذِه تحيتك وتحية
ذريتك قَالَ: يَا رب وَمَا ذريتي قَالَ: اختر يَدي قَالَ:
أخْتَار يَمِين رَبِّي وكلتا يَدي رَبِّي يَمِين
فَبسط الله كَفه فَإِذا كل ماهو كَائِن من ذُريَّته فِي كف
الرَّحْمَن عز وَجل
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خلق الله آدم وَطوله
سِتُّونَ ذِرَاعا قَالَ: اذْهَبْ فَسلم على أُولَئِكَ النَّفر
من الْمَلَائِكَة فاسمع مَا يحيونك فَإِنَّهَا تحيتك وتحية
ذريتك
فَذهب فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالُوا: السَّلَام
عَلَيْك وَرَحْمَة الله فزادوه وَرَحْمَة الله
فَكل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا
فَلم تزل الْخلق تنقص حَتَّى الْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة
الْجنَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يدْخل أهل
الْجنَّة الْجنَّة جردا مردا بيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ
ابناء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وهم عبى خلق آدم طوله سِتُّونَ
ذِرَاعا فِي عرض سَبْعَة أَذْرع
(1/118)
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
خير يَوْم طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة
فِيهِ خلق الله آدم وَفِيه أَدخل الْجنَّة وَفِيه أهبط مِنْهَا
وَفِيه مَاتَ وَفِيه تيب عَلَيْهِ وَفِيه تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي نَضرة قَالَ: لما
خلق الله آدم ألْقى جسده فِي السَّمَاء لَا روح فِيهِ فَلَمَّا
رَأَتْهُ الْمَلَائِكَة راعهم مَا رَأَوْهُ من خلقه فَأَتَاهُ
إِبْلِيس فَلَمَّا رأى خلقه منتصباً راعه فَدَنَا مِنْهُ فنكته
بِرجلِهِ فصل آدم فَقَالَ: هَذَا أجوف لَا شَيْء عِنْده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: خلق الله آدم فِي
سَمَاء الدُّنْيَا وَإِنَّمَا أَسجد لَهُ مَلَائِكَة سَمَاء
الدُّنْيَا وَلم يسْجد لَهُ مَلَائِكَة السَّمَوَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن زيد يرفعهُ
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَن الله لما
أَرَادَ أَن يخلق آدم بعث ملكا وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ وافرة
فَقَالَ: اقبض لي مِنْهَا قَبْضَة آتني بهَا أخلق مِنْهَا خلقا
قَالَت: فَإِنِّي أعوذ بأسماء الله إِن تقبض الْيَوْم مني
قَبْضَة يخلق خلقا يكون لِجَهَنَّم مِنْهُ نصيب فعرج الْملك
وَلم يقبض شَيْئا فَقَالَ لَهُ: مَالك
قَالَ: عاذت باسمائك أَن أَقبض مِنْهَا خلقا يكون لحهنم مِنْهُ
نصيب فَلم أجد عَلَيْهَا نجازا فَبعث ملكا خر فَلَمَّا
أَتَاهَا قَالَت لَهُ مثل مَا قَالَت للأوّل ثمَّ بعث
الثَّالِث فَقَالَت لَهُ مثل قَالَت لَهما فعرج وَلم يقبض
مِنْهَا شَيْئا فَقَالَ لَهُ الرب تَعَالَى مثل مَا قَالَ
للَّذين قبله
ثمَّ دَعَا إِبْلِيس - واسْمه يَوْمئِذٍ فِي الْمَلَائِكَة
حباب - فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فاقبض لي من الأَرْض قَبْضَة
فَذهب حَتَّى أَتَاهَا فَقَالَت لَهُ مثل مَا قَالَت للَّذين
من قبله من الْمَلَائِكَة فَقبض مِنْهَا قَبْضَة وَلم يسمع
لحرجها فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ الله تَعَالَى: مَا أعاذت
بأسمائي مِنْك قَالَ: بلَى
قَالَ: فَمَا كَانَ من أسمائي مَا يعيذها مِنْك قَالَ: بلَى
وَلَكِن أَمرتنِي فأطعتك فَقَالَ الله: لأخلقن مِنْهَا خلقا
يسوء وَجهك فَألْقى الله تِلْكَ القبضة فِي نهر من أنهر
الْجنَّة حَتَّى صَارَت طيناً فَكَانَ أول طين ثمَّ تَركهَا
حَتَّى صَارَت حمأ مسنوناً منتن الرّيح ثمَّ خلق مِنْهَا آدم
ثمَّ تَركه فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى صَار صلصللا
كالفخار يبس حَتَّى كَانَ كالفخار
ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح بعد ذَلِك وَأوحى الله الى مَلَائكَته:
إِذا نفخت فِيهِ من الرّوح فقعوا لَهُ ساجدين وَكَانَ
(1/119)
آدم مُسْتَلْقِيا فِي الْجنَّة فَجَلَسَ
حِين وجد مس الرّوح فعطس فَقَالَ الله لَهُ: أَحْمد رَبك
فَقَالَ: يَرْحَمك رَبك
فَمن هُنَالك يُقَال: سبقت رَحمته غَضَبه
وسجدت الْمَلَائِكَة إِلَّا هُوَ قَامَ فَقَالَ (مَا مَنعك أَن
لَا تسْجد إِذْ أَمرتك أستكبرت أم كنت من العالين) فاخبر الله
أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يعلن على الله مَا لَهُ يكيد على
صَاحبه فَقَالَ (أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين
قَالَ: فاهبط مِنْهَا فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا) إِلَى
قَوْله (ولاتجد أَكْثَرهم شاكرين) وَقَالَ الله (إِن إِبْلِيس
قد صدق عَلَيْهِم ظَنّه) وَإِنَّمَا كَانَ ظَنّه أَن لَا يجد
أَكْثَرهم شاكرين
(1/120)
وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ
فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا
مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا
أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ
مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
قَوْله تَعَالَى: وَعلم آدم الْأَسْمَاء
كلهَا ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة فَقَالَ انبئوني بأسماء
هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا علم
لنا إِلَّا مَا علمتنا إِنَّك أَنْت الْعَلِيم الْحَكِيم قَالَ
يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أنبأهم
بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ ألم أقل لكم إِنِّي أعلم غيب
السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأعلم ماتبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي آدم
لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض الْحمرَة وَالْبَيَاض والسواد
وَكَذَلِكَ ألوان النَّاس مُخْتَلفَة فِيهَا الْأَحْمَر
والأبيض وَالْأسود وَالطّيب والخبيث
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله آدم من
أَدِيم الأَرْض
من طِينَة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ: أَتَدْرُونَ لم سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم
الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علمه
اسْم الصحفة وَالْقدر وكل شَيْء حَتَّى الفسوة والفسية
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم
آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علمه اسْم كل شَيْء
حَتَّى علمه الْقَصعَة والقصيعة والفسوة والفسية
(1/120)
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن سعيد بن
جُبَير فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علمه
اسْم كل شَيْء
حَتَّى الْبَعِير وَالْبَقَرَة وَالشَّاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: مَا خلق الله
وَأخرج الديلمي عَن أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مثلت لي أمتِي فِي المَاء والطين وَعلمت
الْأَسْمَاء كَمَا علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا
وَأخرج وَكِيع فِي تَارِيخه وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن
عَطِيَّة بن يسر مَرْفُوعا
فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ علم الله فِي
تِلْكَ الْأَسْمَاء ألف حِرْفَة من الْحَرْف وَقَالَ لَهُ: قل
لولدك وذريتك يَا آدم إِن لم تصبروا عَن الدُّنْيَا
فَاطْلُبُوا الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْحَرْف وَلَا تطلبوها
بِالدّينِ فَإِن الدّين لي وحدي خَالِصا
ويل لمن طلب الدُّنْيَا بِالدّينِ ويل لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَعلم آدم
الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: أَسمَاء ذُريَّته أَجْمَعِينَ {ثمَّ
عرضهمْ} قَالَ: أَخذهم من ظَهره
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَعلم آدم
الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: أَسمَاء الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَعلم آدم الْأَسْمَاء
كلهَا} قَالَ: علم آدم من الْأَسْمَاء أَسمَاء خلقه ثمَّ قَالَ
مَا لم تعلم الْمَلَائِكَة فَسمى كل شَيْء باسمه وَأَلْجَأَ كل
شَيْء إِلَى جنسه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم آدم
الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علم الله آدم الْأَسْمَاء كلهَا
وَهِي هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي يتعارف بهَا النَّاس
انسان دَابَّة وَأَرْض وبحر وَسَهل وحمار وَأَشْبَاه ذَلِك من
الْأُمَم وَغَيرهَا {ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة} يَعْنِي
عرض أَسمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي علمهَا آدم من
أَصْنَاف الْخلق {فَقَالَ أنبئوني} يَقُول: أخبروني {بأسماء
هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين} إِن كُنْتُم تعلمُونَ أَنِّي
لم أجعَل فِي الأَرْض خَليفَة {قَالُوا سُبْحَانَكَ} تَنْزِيها
لله من أَن يكون يعلم الْغَيْب أحد غَيره تبنا إِلَيْك {لَا
علم لنا} تبرياً مِنْهُم من علم الْغَيْب {إِلَّا مَا علمتنا}
كَمَا علمت آدم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ثمَّ عرضهمْ}
قَالَ: عرض أَصْحَاب
(1/121)
الْأَسْمَاء على الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن
الله لما أَخذ فِي خلق آدم قَالَت الْمَلَائِكَة: مَا الله
خَالق خلقا أكْرم عَلَيْهِ منا وَلَا أعلم منا
فابتلوا بِخلق آدم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن قَالَا: لما أَخذ الله
فِي خلق آدم همست الْمَلَائِكَة فِيمَا بَينهَا فَقَالُوا: لن
يخلق الله خلقا إِلَّا كُنَّا أعلم مِنْهُ وَأكْرم عَلَيْهِ
مِنْهُ
فَلَمَّا خلقه أَمرهم أَن يسجدوا لَهُ لما قَالُوا
ففضله عَلَيْهِم فَعَلمُوا أَنهم لَيْسُوا بِخَير مِنْهُ
فَقَالُوا: إِن لم نَكُنْ خيرا مِنْهُ فَنحْن أعلم مِنْهُ
لأَنا كُنَّا قبله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} فَعلم اسْم
كل شَيْء
جعل يُسَمِّي كل شَيْء باسمه وعرضوا عَلَيْهِ أمة {ثمَّ عرضهمْ
على الْمَلَائِكَة فَقَالَ انبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن
كُنْتُم صَادِقين} ففزعوا إِلَى التَّوْبَة فَقَالُوا
{سُبْحَانَكَ لَا علم لنا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّك أَنْت
الْعَلِيم الْحَكِيم} قَالَ: الْعَلِيم الَّذِي قد كمل فِي
علمه {الْحَكِيم} الَّذِي قد كمل فِي حكمه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي
قَوْله {إِن كُنْتُم صَادِقين} قَالَ: إِن بني آدم يفسدون فِي
الأَرْض ويسفكون الدِّمَاء
وَفِي قَوْله {وَأعلم مَا تبدون} قَالَ: قَوْلهم {أَتجْعَلُ
فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
{وَمَا كُنْتُم تكتمون} يَعْنِي مَا أسر إِبْلِيس فِي نَفسه من
الْكبر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأعلم مَا تبدون
وَمَا كُنْتُم تكتمون} قَالَ: مَا أسر إِبْلِيس من الْكفْر فِي
السُّجُود
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأعلم مَا
تبدون} قَالَ: مَا تظْهرُونَ {وَمَا كُنْتُم تكتمون} يَقُول:
اعْلَم السِّرّ كَمَا أعلم الْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله {مَا
تبدون} يَعْنِي قَوْلهم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
{وَمَا كُنْتُم تكتمون} يَعْنِي قَول بَعضهم لبَعض: نَحن خير
مِنْهُ وَأعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مهْدي بن مَيْمُون قَالَ:
سَمِعت الْحسن وَسَأَلَهُ الْحسن بن دِينَار فَقَالَ: يَا
أَبَا سعيد أَرَأَيْت قَول الله للْمَلَائكَة {وَأعلم مَا
تبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون} مَا الَّذِي كتمت الْمَلَائِكَة
قَالَ: إِن الله لما خلق آدم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خلقا عجبا
فكأنهم دخلهم من ذَلِك شَيْء قَالَ: ثمَّ أقبل بَعضهم على بعض
(1/122)
فأسروا ذَلِك بَينهم فَقَالَ بعضه لبَعض:
مَا الَّذِي يهمكم من هَذَا الْخلق إِن الله لَا يخلق خلقا
إِلَّا كُنَّا أكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ
فَذَلِك الَّذِي كتمت
(1/123)
وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
(34)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْنَا
للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس أَبى
واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اسجدوا
لآدَم} قَالَ: كَانَت السَّجْدَة لآدَم وَالطَّاعَة لله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ:
أَمرهم أَن يسجدوا فسجدوا لَهُ كَرَامَة من الله أكْرم بهَا
آدم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ أَنه
سُئِلَ عَن سُجُود الْمَلَائِكَة لآدَم فَقَالَ: إِن الله جعل
آدم كالكعبة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن عباد بن
حعفر المَخْزُومِي قَالَ: كَانَ سُجُود الْمَلَائِكَة لآدَم
إِيمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ضَمرَة قَالَ:
سَمِعت من يذكر أَن أول الْمَلَائِكَة خرَّ سَاجِدا لله حِين
أمرت الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم اسرافيل فأثابه الله
بذلك أَن كتب الْقُرْآن فِي جَبهته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: لما
أَمر الله الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم كَانَ أول من سجد
إسْرَافيل فأثابه الله أَن كتب الْقُرْآن فِي جَبهته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة
اسجدوا لآدَم} قَالَ: كَانَت السَّجْدَة لآدَم وَالطَّاعَة لله
وحسد عَدو الله إِبْلِيس آدم على مَا أعطَاهُ من الْكَرَامَة
فَقَالَ: أَنا ناريٌّ وَهَذَا طينيٌّ
فَكَانَ بَدْء الذُّنُوب الْكبر
استكبر عَدو الله أَن يسْجد لآدَم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس اسْمه
عزازيل وَكَانَ من أشرف الْمَلَائِكَة من ذَوي الأجنحة
الْأَرْبَعَة ثمَّ أبلس بعد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي إِبْلِيس
لِأَن الله أبلسه من الْخَيْر كُله آيسه مِنْهُ
(1/123)
وَأخرج ابْن إِسْحَاق فِي الْمُبْتَدَأ
وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ إِبْلِيس قبل أَن يركب الْمعْصِيَة من الْمَلَائِكَة
اسْمه عزازيل وَكَانَ من سكان الأَرْض وَكَانَ أَشد
الْمَلَائِكَة اجْتِهَادًا وَأَكْثَرهم علما
فَذَلِك دَعَاهُ إِلَى الْكبر وَكَانَ من حَيّ يُسمون جنا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: كَانَ اسْم إِبْلِيس
الْحَرْث
وَأخرج وَكِيع وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من خزان الْجنَّة
وَكَانَ يدبر أَمر السَّمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب
قَالَ: كَانَ إِبْلِيس رَئِيس مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس
من أشرف الْمَلَائِكَة من أكبرهم قَبيلَة وَكَانَ خَازِن
الْجنان وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا سُلْطَان
الأَرْض
فَرَأى أَن لذَلِك عَظمَة وسلطاناً على أهل السَّمَوَات فاضمر
فِي قلبه من ذَلِك كبرا لم يُعلمهُ إِلَّا الله فَلَمَّا أَمر
الله الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم خرج كبره الَّذِي كَانَ
يسر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِن الله خلق خلقا فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} فَقَالُوا:
لَا نَفْعل فَبعث نَارا فأحرقهم ثمَّ خلق هَؤُلَاءِ فَقَالَ
{اسجدوا لآدَم} فَقَالُوا: نعم
وَكَانَ إِبْلِيس من أُولَئِكَ الَّذين أَبَوا أَن يسجدوا
لآدَم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: لما خلق الله الْمَلَائِكَة قَالَ (إِنِّي
خَالق بشرا من طين) فَإِذا أَنا خلقته فاسجدوا لَهُ فَقَالُوا:
لَا نَفْعل
فارسل عَلَيْهِم نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ
وَخلق مَلَائِكَة أُخْرَى فَقَالَ (إِنِّي خَالق بشرا من طين)
فَإِذا أَنا خلقته فاسجدوا لَهُ
فَأَبَوا فَأرْسل عَلَيْهِ نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ ثمَّ خلق
مَلَائِكَة أُخْرَى فَقَالَ (إِنِّي خَالق بشرا من طين) فَإِذا
أَنا خلقته فاسجدوا لَهُ
فَقَالُوا: سمعنَا وأطعنا إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْكَافرين
الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن عَامر الْمَكِّيّ
قَالَ: خلق الله الْمَلَائِكَة من نور وَخلق الجان من نَار
وَخلق الْبَهَائِم من مَاء وَخلق آدم من طين فَجعل الطَّاعَة
فِي الْمَلَائِكَة وَجعل الْمعْصِيَة فِي الْجِنّ والإِنس
(1/124)
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أنس قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أَمر آدم
بِالسُّجُود فَسجدَ فَقَالَ: لَك الْجنَّة وَلمن سجد من ذريتك
وَأمر إِبْلِيس بِالسُّجُود فَأبى أَن يسْجد فَقَالَ: لَك
النَّار وَلمن أَبى من ولدك أَن يسْجد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان عَن ابْن
عمر قَالَ: لَقِي إِبْلِيس مُوسَى فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنْت
الَّذِي اصطفاك الله بِرِسَالَاتِهِ وكلمك تكليما إِذْ تبت
وَأَنا أُرِيد أَن أَتُوب فاشفع لي إِلَى رَبِّي أَن يَتُوب
عليّ قَالَ مُوسَى: نعم
فَدَعَا مُوسَى ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك فلقي
مُوسَى إِبْلِيس قَالَ: قد أمرت أَن تسْجد لقبر آدم ويتاب
عَلَيْك
فاستكبر وَغَضب وَقَالَ: لم أَسجد حَيَاء أَسجد بِهِ مَيتا
ثمَّ قَالَ إِبْلِيس: يَا مُوسَى إِن لَك عليّ حَقًا بِمَا
شفعت لي إِلَى رَبك فاذكرني عِنْد ثَلَاث لَا أهْلكك فِيهِنَّ
اذْكُرْنِي حِين تغْضب فَإِنِّي أجري مِنْك مجْرى الدَّم
واذكرني حِين تلقى الزَّحْف فَإِنِّي آتِي ابْن آدم حِين يلقى
الزَّحْف
فاذكره وَلَده وَزَوجته حَتَّى يولي وَإِيَّاك أَن تجَالس
امْرَأَة لَيست بِذَات محرم فَإِنِّي رسولها إِلَيْك وَرَسُولك
إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس قَالَ: إِن نوحًا لما ركب
السَّفِينَة أَتَاهُ إِبْلِيس فَقَالَ لَهُ نوح: من أَنْت
قَالَ: أَنا إِبْلِيس قَالَ: فَمَا جَاءَ بك قَالَ: جِئْت
تسْأَل لي رَبِّي هَل لي من تَوْبَة فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن
تَوْبَته أَن يَأْتِي قبر آدم فَيسْجد لَهُ قَالَ: أما أَنا لم
أَسجد لَهُ حَيا أَسجد لَهُ مَيتا قَالَ: فاستكبر وَكَانَ من
الْكَافرين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد عَن جُنَادَة بن أبي
أُميَّة قَالَ: كَانَ أول خَطِيئَة كَانَت الْحَسَد
حسد إِبْلِيس آدم أَن يسْجد لَهُ حِين أَمر فَحَمله الْحَسَد
على الْمعْصِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ
قَالَ: ابْتَدَأَ الله خلق إِبْلِيس على الْكفْر والضلالة
وَعمل بِعَمَل الْمَلَائِكَة فصيره إِلَى مَا بدىء إِلَيْهِ
خلقه من الْكفْر قَالَ الله {وَكَانَ من الْكَافرين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ
من الْكَافرين} قَالَ: جعله الله كَافِرًا لَا يَسْتَطِيع أَن
يُؤمن
(1/125)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا
حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
قَوْله تَعَالَى: وَقُلْنَا يَا آدم اسكن
أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغداً حَيْثُ شئتما وَلَا
تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين
(1/125)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول
الله أَرَأَيْت آدم نَبيا كَانَ قَالَ: نعم
كَانَ نَبيا رَسُولا كَلمه الله قبلا قَالَ لَهُ {يَا آدم اسكن
أَنْت وزوجك الْجنَّة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي ذَر قلت يَا
رَسُول الله من أول الْأَنْبِيَاء قَالَ: آدم
قلت: نَبِي كَانَ قَالَ: نعم مُكَلم
قلت: ثمَّ من قَالَ: نوح وَبَينهمَا عشرَة آبَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَزَّار
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ قلت: يَا رَسُول
الله أَي الْأَنْبِيَاء كَانَ أول قَالَ: آدم قلت: يَا رَسُول
الله وَنَبِي كَانَ قَالَ: نعم
نَبِي مُكَلم
قلت: كم كَانَ المُرْسَلُونَ يَا رَسُول الله قَالَ: ثلثمِائة
وَخَمْسَة عشر
جماً غفيراً
وَأخرج عبد بن حميد والآجري فِي الْأَرْبَعين عَن أبي ذَر
قَالَ قلت يَا رَسُول من كَانَ أَوَّلهمْ - يَعْنِي الرُّسُل -
قَالَ: آدم قلت: يَا رَسُول الله أَنَبِي مُرْسل قَالَ: نعم
خلقه الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه وسواه قبلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رجلا قَالَ:
يَا رَسُول الله أَنَبِي كَانَ آدم قَالَ: نعم
مُكَلم
قَالَ: كم بَينه وَبَين نوح قَالَ: عشرَة قُرُون قَالَ: كم
بَين نوح وَبَين ابراهيم قَالَ: عشرَة قُرُون قَالَ: يَا
رَسُول الله كم الْأَنْبِيَاء قَالَ: مائَة ألف وَأَرْبَعَة
وَعِشْرُونَ ألفا
قَالَ: يَا رَسُول الله كم كَانَت الرُّسُل من ذَلِك قَالَ:
ثلثمِائة وَخَمْسَة عشر
جماً غفيراً
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن أَبَا ذَر قَالَ: يَا نَبِي
الله أَي الْأَنْبِيَاء كَانَ أول قَالَ: آدم
قَالَ: أونبي كَانَ آدم قَالَ: نعم
نَبِي مُكَلم خلقه اله بِيَدِهِ ثمَّ نفخ فِيهِ من روحه ثمَّ
قَالَ لَهُ يَا آدم قبلا
قلت: يَا رَسُول الله كم وفى عدَّة الْأَنْبِيَاء قَالَ: مائَة
ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا
الرُّسُل من ذَلِك ثلثمِائة وَخَمْسَة عشر
جماً غفيراً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الشُّكْر والحكيم
التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن الْحسن قَالَ: قَالَ
مُوسَى يَا رب كَيفَ يَسْتَطِيع آدم أَن يُؤَدِّي شكر مَا صنعت
إِلَيْهِ خلقته بِيَدِك ونفخت فِيهِ من روحك
(1/126)
وأسكنته جنتك وَأمرت الْمَلَائِكَة فسجدوا
لَهُ فَقَالَ: يَا مُوسَى علم أَن ذَلِك مني فحمدني عَلَيْهِ
فَكَانَ ذَلِك شكرا لما صنعت إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: خلق الله
آدم يَوْم الْجُمُعَة وَأدْخلهُ الْجنَّة يَوْم الْجُمُعَة
فَجعله فِي جنَّات الفردوس
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: مَا سكن آدم الْجنَّة إِلَّا مابين صَلَاة الْعَصْر
إِلَى غرُوب الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله آدم من أَدِيم الأَرْض يَوْم
الْجُمُعَة بعد الْعَصْر فَسَماهُ آدم ثمَّ عهد إِلَيْهِ فنسي
فَسَماهُ الإِنسان
قَالَ ابْن عَبَّاس: فتالله مَا غَابَتْ الشّمس من ذَلِك
الْيَوْم حَتَّى أهبط من الْجنَّة إِلَى الأَرْض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: لبث آدم فِي الْجنَّة سَاعَة من
نَهَار
تِلْكَ السَّاعَة مائَة وَثَلَاثُونَ سنة من أَيَّام
الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا
كَانَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجنَّة إِلَّا مِقْدَار
مَا بَين الظّهْر وَالْعصر
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ: مكث
آدم فِي الْجنَّة ربع النَّهَار وَذَلِكَ ساعتان وَنصف
وَذَلِكَ مِائَتَان سنة وَخَمْسُونَ سنة فَبكى على الْجنَّة
مائَة سنة
أما قَوْله تَعَالَى: {وزوجك} أخرج ابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن
عَسَاكِر من طَرِيق السّديّ بن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن مسعو وناس من الصَّحَابَة قَالُوا:
لما سكن آدم الْجنَّة كَانَ يمشي فِيهَا وحشاً لَيْسَ لَهُ زوج
يسكن إِلَيْهَا فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا عِنْد
رَأسه امْرَأَة قَاعِدَة خلقهَا الله من ضلعه فَسَأَلَهَا مَا
أَنْت قَالَت: امْرَأَة قَالَ: وَلم خلقت قَالَت: لتسكن إليّ
قَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة ينظرُونَ مَا يبلغ علمه: مَا
اسْمهَا يَا آدم قَالَ: حَوَّاء
قَالُوا: لم سميت حوّاء قَالَ: لِأَنَّهَا خلقت من حَيّ
فَقَالَ الله {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة}
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُجَاهِد قَالَ: نَام آدم
فخلقت حَوَّاء من قصيراه فَاسْتَيْقَظَ فرآها فَقَالَ: من
أَنْت فَقَالَت: أَنا أسا
يَعْنِي امْرَأَة بالسُّرْيَانيَّة
(1/127)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا فَإِن الْمَرْأَة خلقت من ضلع
وَأَن أَعْوَج شَيْء من الضلع رَأسه وَإِن ذهبت تُقِيمهُ
كَسرته وَإِن تركته تركته وَفِيه عوج
فَاسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِنَّمَا سميت حَوَّاء لِأَنَّهَا أم كل حَيّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سميت الْمَرْأَة مرأة لِأَنَّهَا خلقت
من الْمَرْء وَسميت حَوَّاء لِأَنَّهَا أم كل حَيّ
وَأخرج إِسْحَاق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء قَالَ: لما
سجدت الْمَلَائِكَة لآدَم نفر إِبْلِيس نفرة ثمَّ ولى هَارِبا
وَهُوَ يلْتَفت أَحْيَانًا ينظر هَل عصى ربه أحد غَيره
فَعَصَمَهُمْ الله ثمَّ قَالَ الله لآدَم: قُم يَا آدم فَسلم
عَلَيْهِم
فَقَامَ فَسلم عَلَيْهِم وردوا عَلَيْهِ ثمَّ عرض الْأَسْمَاء
على الْمَلَائِكَة فَقَالَ الله لملائكته: زعتم أَنكُمْ أعلم
مِنْهُ (انبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين
قَالُوا سُبْحَانَكَ) إِن الْعلم مِنْك وَلَك وَلَا علم لنا
إِلَّا مَا علمتنا فَلَمَّا أقرُّوا بذلك (قَالَ يَا آدم
أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ) فَقَالَ آدم: هَذِه نَاقَة جمل بقرة
نعجة شَاة فرس وَهُوَ من خلق رَبِّي
فَكل شَيْء سمي آدم فَهُوَ اسْمه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَجعل يدهو كل شَيْء باسمه حِين يمر بَين يَدَيْهِ حَتَّى
بَقِي الْحمار وَهُوَ أخر شَيْء مر عَلَيْهِ
فجَاء الْحمار من وَرَاء ظَهره فَدَعَا آدم: أقبل يَا حمَار
فَعلمت الْمَلَائِكَة أَنه أكْرم على الله وَأعلم مِنْهُم ثمَّ
قَالَ لَهُ ربه: يَا آدم ادخل الْجنَّة تحيا وتكرم فَدخل
الْجنَّة فَنَهَاهُ عَن الشَّجَرَة قبل أَن يخلق حَوَّاء
فَكَانَ آدم لَا يسْتَأْنس إِلَى خلق فِي الْجنَّة وَلَا يسكن
إِلَيْهِ وَلم يكن فِي الْجنَّة شَيْء يُشبههُ فالقى الله
عَلَيْهِ النّوم وَهُوَ أوّل نوم كَانَ فانتزعت من ضلعه
الصُّغْرَى من جَانِبه الْأَيْسَر فخلقت حَوَّاء مِنْهُ
فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ آدم جلس فَنظر إِلَى حَوَّاء تشبهه من
أحسن الْبشر وَلكُل امْرَأَة فضل على الرجل بضلع وَكَانَ الله
علم آدم اسْم كل شَيْء فَجَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة فهنوه وسلموا
عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا آدم مَا هَذِه قَالَ: هَذِه مرأة قيل
لَهُ: فَمَا اسْمهَا قَالَ: حَوَّاء فَقيل لَهُ: لم سميتها
حَوَّاء قَالَ: لِأَنَّهَا خلقت من حَيّ
فَنفخ بَينهمَا من روح الله فَمَا كَانَ من شَيْء يتراحم
النَّاس بِهِ فَهُوَ من فضل رحمتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَشْعَث الْحدانِي قَالَ: كَانَت
حَوَّاء من نسَاء الْجنَّة وَكَانَ الْوَلَد يرى فِي بَطنهَا
إِذا حملت ذكر أم أُنْثَى من صفاتها
(1/128)
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لما خلق الله آدم وَخلق لَهُ
زَوجته بعث إِلَيْهِ ملكا وأمرة بِالْجِمَاعِ فَفعل فَلَمَّا
فرغ قَالَت لَهُ حَوَّاء: يَا آدم هَذِه طيب زِدْنَا مِنْهُ
أما قَوْله تَعَالَى {وكلا مِنْهَا رغداً} أخرج ابْن جرير
وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالَ
الرغد الهنيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
الرغد سَعَة العيشة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وكلا مِنْهَا رغداً حَيْثُ شئتما} قَالَ: لَا حِسَاب
عَلَيْكُم
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} أخرج
ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم السنبلة
وَفِي لفظ الْبر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ:
الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم الْبر وَلَكِن
الْحبَّة مِنْهَا فِي الْجنَّة كمكلي الْبَقر أَلين من الزّبد
وَأحلى من الْعَسَل
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
أبي مَالك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله {وَلَا تقربا هَذِه
الشَّجَرَة} قَالَ: هِيَ السنبلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّجَرَة
الَّتِي نهى عَنْهَا آدم
الْكَرم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج وَكِيع وَابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
جعدة بن هُبَيْرَة قَالَ: الشَّجَرَة الَّتِي افْتتن بهَا آدم
الْكَرم وَجعلت فتْنَة لوَلَده من بعده وَالَّتِي أكل مِنْهَا
آدم الْعِنَب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هِيَ اللوز
قلت: كَذَا فِي النُّسْخَة وَهِي قديمَة وَعِنْدِي أَنَّهَا
تصحفت من الْكَرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تقربا
هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا التينة
(1/129)
وَأخرج ابْن جرير عَن بعض الصَّحَابَة
قَالَ: هِيَ تينة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: هِيَ التِّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك فِي
قَوْله {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط قَالَ:
هِيَ الأترج
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن شُعَيْب الحيائي قَالَ: كَانَت
الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم وَزَوجته شبه الْبر
تسمى الرعة وَكَانَ لباسهم النُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة
قَالَ: كَانَت الشَّجَرَة من أكل مِنْهَا أحدث ولاينبغي أَن
يكون فِي الْجنَّة حدث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تقربا
هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: ابتلى الله آدم كَمَا ابتلى
الْمَلَائِكَة قبله وكل شَيْء خلق مبتلى وَلم يدع الله شَيْئا
من خلقه إِلَّا ابتلاه بِالطَّاعَةِ فَمَا زَالَ الْبلَاء
بِآدَم حَتَّى وَقع فِيمَا نهي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ابتلى الله آدم فأسكنه
الْجنَّة يَأْكُل مِنْهَا رغداً حَيْثُ شَاءَ وَنَهَاهُ عَن
شَجَرَة وَاحِدَة أَن يَأْكُل مِنْهَا وَقدم إِلَيْهِ فِيهَا
فَمَا زَالَ بِهِ الْبلَاء حَتَّى وَقع بِمَا نهي عَنهُ فبدت
لَهُ سوءته عِنْد ذَلِك وَكَانَ لَا يَرَاهَا فأهبط من
الْجنَّة
(1/130)
فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي
الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
قَوْله تَعَالَى: فأزلهما الشَّيْطَان
عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهبطوا
بَعْضكُم لبَعض عدوّ وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى
حِين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فأزلهما} قَالَ: فأغواهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة {فأزلهما}
فنحاهما
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ:
فِي قراءتنا فِي الْبَقَرَة مَكَان {فأزلهما} فوسوس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من
الصَّحَابَة قَالُوا: لما قَالَ الله لآدَم {اسكن أَنْت وزوجك
الْجنَّة} أَرَادَ إِبْلِيس أَن يدْخل عَلَيْهِمَا الْجنَّة
(1/130)
فَأتى الْحَيَّة هِيَ دَابَّة لَهَا أَربع
قَوَائِم كَأَنَّهَا الْبَعِير وَهِي كأحسن الدَّوَابّ فكلمها
أَن تدخله فِي فمها حَتَّى تدخل بِهِ إِلَى آدم فادخلته فِي
فمها فمرت الْحَيَّة على الخزنة فَدخلت وَلَا يعلمُونَ لما
أَرَادَ الله من الْأَمر فَكَلمهُ من فمها فَلم يبال
بِكَلَامِهِ فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ (يَا آدم هَل أدلك على
شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى) وَحلف لَهما بِاللَّه (إِنِّي
لَكمَا لمن الناصحين) فَأبى آدم أَن يَأْكُل مِنْهَا فَقَعَدت
حَوَّاء فَأكلت ثمَّ قَالَت: يَا آدم كل فَإِنِّي قد أكلت فَلم
يضر بِي
فَلَمَّا أكل (بَدَت لَهما سوآتهما وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا
من ورق الْجنَّة)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِن عدوّ الله إِبْلِيس عرض نَفسه على دَوَاب الأَرْض أَنَّهَا
تحمله حَتَّى يدْخل الْجنَّة مَعهَا ويكلم آدم
فَكل الدَّوَابّ أَبى ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى كلم الْحَيَّة
فَقَالَ لَهَا: أمنعك من ابْن آدم فَإنَّك فِي ذِمَّتِي إِن
أدخلتني الْجنَّة فَحَملته بَين نابين حَتَّى دخلت بِهِ
فَكَلمهُ من فِيهَا وَكَانَت كاسية تمشي على أَربع قَوَائِم
فاعراها الله وَجعلهَا تمشي على بَطنهَا
يَقُول ابْن عَبَّاس: فاقتلوها حَيْثُ وجدتموها اخفروا ذمَّة
عدوّ الله فِيهَا
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق وَابْن
الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَت الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم
وَزَوجته السنبلة فَلَمَّا (أكلا مِنْهَا بَدَت لَهما سوآتهما)
وَكَانَ الَّذِي دارى عَنْهُمَا من سوآتهما أظفارهما (وطفقا
يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة) ورق التِّين يلزقان بعضه
إِلَى بعض فَانْطَلق آدم موليا فِي الْجنَّة فَأخذت بِرَأْسِهِ
شَجَرَة من شجر الْجنَّة فناداه بِهِ: يَا آدم أمني تَفِر
قَالَ: لَا وَلَكِنِّي استحيتك يَا رب قَالَ: أما كَانَ لَك
فِيمَا منحتك من الْجنَّة وأبحتك مِنْهَا مندوحة عَمَّا حرمت
عَلَيْك قَالَ: بلَى يَا رب وَلَك - وَعزَّتك - مَا حسبت أَن
أحدا يحلف بك كَاذِبًا قَالَ: فبعزتي لأهبطنك إِلَى الأَرْض
ثمَّ لَا تنَال الْعَيْش إِلَّا كدا
فاهبطا من الْجنَّة وَكَانَا يأكلان مِنْهَا رغداً فاهبط إِلَى
غير رغد من طَعَام وَلَا شراب فَعلم صَنْعَة الْحَدِيد وَأمر
بالحرث فحرث فزرع ثمَّ سقى حَتَّى إِذا بلغ حصد درسه ثمَّ ذراه
ثمَّ طحنه عجنه ثمَّ خبزه ثمَّ أكله فَلم يبلغهُ حَتَّى بلغ
مِنْهُ مَا شَاءَ الله أَن يبلغ وَكَانَ آدم حِين أهبط من
الْجنَّة بَكَى بكاء لم يبكه أحد فَلَو وضع بكاء دَاوُد على
خطيئته وبكاء يَعْقُوب على ابْنه وبكاء ابْن آدم على أَخِيه
حِين قَتله ثمَّ بكاء أهل الأَرْض مَا عدل ببكاء آدم عَلَيْهِ
السَّلَام حِين أهبط
(1/131)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْعَزِيز بن
عميرَة قَالَ قَالَ الله لآدَم اخْرُج من جواري وَعِزَّتِي لَا
يجاورني فِي دَاري من عَصَانِي يَا جِبْرِيل أخرجه اخراجاً غير
عنيف فَأخذ بِيَدِهِ يُخرجهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَاق فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن سعد وَأحمد
وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ ابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبيّ بن
كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن آدم
كَانَ رجلا طوَالًا كَأَنَّهُ نَخْلَة سحوق سِتِّينَ ذِرَاعا
كثير شعر الرَّأْس
فَلَمَّا ركب الْخَطِيئَة بَدَت لَهُ عَوْرَته وَكَانَ لَا
يَرَاهَا قبل ذَلِك فَانْطَلق هَارِبا فِي الْجنَّة فتعلقت
بِهِ شَجَرَة فَأخذت بناصيته فَقَالَ لَهَا: أرسليني قَالَ:
لست بمرسلتك وناداه ربه: يَا آدم أمني تَفِر قَالَ: يَا رب
إِنِّي استحييتك قَالَ: يَا آدم اخْرُج من جواري فبعزتي لَا
أساكن من عَصَانِي وَلَو خلقت ملْء الأَرْض مثلك خلقا ثمَّ
عصوني لاسكنتهم دَار العاصين
قَالَ: أَرَأَيْت إِن أَنا تبت وَرجعت أتتوب عليَّ قَالَ: نعم
يَا آدم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من حَدِيث أنس
مثله
وَأخرج ابْن منيع وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْبكاء
وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ قَالَ الله لآدَم: يَا آدم مَا حملك على أَن
أكلت من الشَّجَرَة الَّتِي نهيتك عَنْهَا قَالَ: يَا رب زينته
لي حَوَّاء قَالَ: فَإِنِّي عَاقبَتهَا بِأَن لَا تحمل إِلَّا
كرها وَلَا تضع إِلَّا كرها ودميتها فِي كل شهر مرَّتَيْنِ
قَالَ: فرنت حَوَّاء عِنْد ذَلِك فَقيل لَهَا: عَلَيْك الرنة
وعَلى بناتك
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن عَسَاكِر عَن عمر
بن الْخطاب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن
الله بعث جِبْرِيل إِلَى حَوَّاء حِين دميت فنادت رَبهَا جَاءَ
مني دم لَا أعرفهُ
فناداها لأدمينك وذريتك ولأجعنله لَك كَفَّارَة وَطهُورًا
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْلَا بَنو اسرائيل
لم يخنز اللَّحْم وَلَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والخطيب فِي التَّارِيخ
والديلمي فِي مُسْند الفردوس وَابْن عَسَاكِر بسندٍ واهٍ عَن
ابْن عمر مَرْفُوعا فضلت على آدم بخصلتين
كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم
وَكَانَ أزواجي عوناً لي
وَكَانَ شَيْطَان آدم كَافِرًا وَزَوجته عوناً لَهُ على خطيئته
(1/132)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد
أَن آدم ذكر مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: إِن أفضل مَا فضل بِهِ عَليّ ابْني صَاحب الْبَعِير
أَن زَوجته كَانَت عوناً لَهُ على دينه وَكَانَت زَوْجَتي
عوناً لي على الْخَطِيئَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم والآجري فِي
الشَّرِيعَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
تحاج آدم ومُوسَى فحج آدم مُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم
الَّذِي أغويت النَّاس وأخرجتهم من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ آدم:
أَنْت مُوسَى الَّذِي أعطَاهُ الله كل شَيْء واصطفاه برسالته
قَالَ: نعم
قَالَ: فتلومني على أَمر قدر عليّ قبل أَن أخلق
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: احْتج آدم ومُوسَى
فَقَالَ مُوسَى: أَنْت خلقك الله بِيَدِهِ أسكنك جنته وَأسْندَ
لَك مَلَائكَته فأخرجت ذريتك من الْجنَّة وأشقيتهم فَقَالَ
آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله بِكَلَامِهِ ورسالاته
تلومني فِي شَيْء وجدته قد قدر عليّ قبل أَن أخلق فحج آدم
مُوسَى
وَأخرج أَبُو دَاوُد والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن مُوسَى قَالَ يَا رب
أرنا آدم الَّذِي أخرجنَا وَنَفسه من الْجنَّة فَأرَاهُ الله
آدم فَقَالَ: أَنْت أَبونَا آدم فَقَالَ لَهُ آدم: نعم
قَالَ: أَنْت الَّذِي نفخ الله فِيك من روحه وعلمك الْأَسْمَاء
كلهَا وأَمر الْمَلَائِكَة فسجدوا لَك قَالَ: نعم
فَقَالَ: مَا حملك على أَن أخرجتنا من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ
آدم: وَمن أَنْت قَالَ: مُوسَى قَالَ: أَنْت نَبِي بني إسرائي
الَّذِي كلمك الله من وَرَاء الْحجاب لم يَجْعَل بَيْنك
وَبَينه رَسُولا من خلقه قَالَ: نعم
قَالَ: فَمَا وجدت أَن ذَلِك كَانَ فِي كتاب الله قبل أَن أخلق
قَالَ: نعم
قَالَ: فَلم تلومني فِي شَيْء سبق فِيهِ من الله الْقَضَاء قبل
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عِنْد ذَلِك فحج
آدم مُوسَى
فحج آدم مُوسَى
وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلي وَالطَّبَرَانِيّ والآجري
عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: احْتج آدم ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: يَا آدم
أَنْت الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ
(1/133)
وَنفخ فِيك من روحه وأسجد لَك مَلَائكَته
وأسكنك جنته وَفعلت مَا فعلت فأخرجت ولدك من الْجنَّة فَقَالَ
آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي بَعثك الله رسَالَته وكلمك وآتاك
التَّوْرَاة وقربك نجيا أَنا أقدم أم الذّكر فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فحج آدم مُوسَى
وَأخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات عَن أبي مُوسَى
قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: احْتج آدم
ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ
وأسجد لَك مَلَائكَته وعملت الْخَطِيئَة الَّتِي أخرجتك من
الْجنَّة قَالَ آدم ك أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله
برسالته وَأنزل عَلَيْك التَّوْرَاة وكلمك تكليماً فبكم خطيئتي
سبقت خلقي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فحج آدم
مُوسَى
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: التقى آدم ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام
فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ
وأسجد لَك مَلَائكَته وأدخلك جنته ثمَّ أخرجتنا مِنْهَا
فَقَالَ لَهُ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله برسالته
وقربك نجيا وَأنزل عَلَيْك التَّوْرَاة فأسألك بِالَّذِي
أَعْطَاك ذَلِك بكم تَجدهُ كتب عليّ قبل أَن أخلق قَالَ:
أَجِدهُ كتب عَلَيْك بِالتَّوْرَاةِ بألفي عَام فحج آدم مُوسَى
أما قَوْله تَعَالَى {وَقُلْنَا اهبطوا} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقُلْنَا اهبطوا
بَعْضكُم لبَعض عدوّ} قَالَ: آدم وحوّاء وإبليس والحية {وَلكم
فِي الأَرْض مُسْتَقر} قَالَ: الْقُبُور {ومتاع إِلَى حِين}
قَالَ: الْحَيَاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اهبطوا
بَعْضكُم لبَعض عدوّ} قَالَ: آدم والحية والشيطان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة عَن أبي صَالح قَالَ
{اهبطوا} قَالَ: آدم وحوّاء والحية
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ {اهبطوا} يَعْنِي آدم
وحوّاء وإبليس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سُئِلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل الْحَيَّات فَقَالَ: خلقت
هِيَ والإِنسان كل وَاحِد مِنْهُمَا عدوّ لصَاحبه
إِن رَآهَا أفزعته وَإِن لدغته أوجعته
فَاقْتُلْهَا حَيْثُ وَجدتهَا
(1/134)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود
فِي قَوْله {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} فَوق الأَرْض ومستقر
تَحت الأَرْض
قَالَ {ومتاع إِلَى حِين} حَتَّى يصير إِلَى الْجنَّة أَو
إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهبط آدم
إِلَى أَرض يُقَال لَهَا دجنا بَين مَكَّة والطائف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: اهبط آدم بالصفا
وحوّاء بالمروة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
ابْن عَبَّاس
إِن أوّل مَا أهبط الله آدم إِلَى أَرض الْهِنْد
وَفِي لفظ بدجناء أَرض الْهِنْد
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عَليّ
بن أبي طَالب: أطيب ريح الأَرْض الْهِنْد
أهبط بهَا آدم فعلق رِيحهَا من شجر الْجنَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهبط
آدم بِالْهِنْدِ وحوّاء بجدة فجَاء فِي طلبَهَا حَتَّى أَتَى
جمعا فازدلفت إِلَيْهِ حوّاء
فَلذَلِك سميت الْمزْدَلِفَة واجتمعا بِجمع فَلذَلِك سميت جمعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَجَاء بن أبي سَلمَة قَالَ: أهبط
آدم يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ مطأطئاً رَأسه وأهبط إِبْلِيس
مشبكاً بَين أَصَابِعه رَافعا رَأسه إِلَى السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن حميد بن هِلَال
قَالَ: إِنَّمَا كره التخصر فِي الصَّلَاة لِأَن إِبْلِيس أهبط
متخصراً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن
عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: نزل آدم عَلَيْهِ السَّلَام بِالْهِنْدِ
فاستوحش فَنزل جِبْرِيل بِالْأَذَانِ: الله أكبر أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله مرَّتَيْنِ أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله
مرَّتَيْنِ
فَقَالَ: وَمن مُحَمَّد هَذَا قَالَ: هَذَا آخر ولدك من
الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن
الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِن
آدم لما أهبط إِلَى الأَرْض هَبَط بِالْهِنْدِ وَإِن رَأسه
كَانَ ينَال السَّمَاء وَإِن الأَرْض شكت إِلَى رَبهَا ثقل آدم
فَوضع الْجَبَّار تَعَالَى يَده على رَأسه فَانْحَطَّ مِنْهُ
سَبْعُونَ ذِرَاعا وَهَبَطَ مَعَه بالعجوة والاترنج والموز
فَلَمَّا أهبط قَالَ: رب هَذَا العَبْد الَّذِي جعلت بيني
وَبَينه عَدَاوَة إِن لم تَعْنِي عَلَيْهِ لَا أقوى عَلَيْهِ
قَالَ: لَا
(1/135)
يُولد لَك ولد إِلَّا وكلت بِهِ ملكا
قَالَ: رب زِدْنِي قَالَ: أجازي السَّيئَة بِالسَّيِّئَةِ
وبالحسنة عشرَة أَمْثَالهَا إِلَى مَا أَزِيد قَالَ: رب
زِدْنِي قَالَ: بَاب التَّوْبَة لَهُ مَفْتُوح مَا دَامَ
الرّوح فِي الْجَسَد قَالَ إِبْلِيس: يَا رب هَذَا العَبْد
الَّذِي أكرمته إِن لم تَعْنِي عَلَيْهِ لَا أقوى عَلَيْهِ
قَالَ: لَا يُولد لَهُ ولد إِلَّا ولد لَك ولد قَالَ: يَا رب
زِدْنِي قَالَ: تجْرِي مِنْهُ مجْرى الدَّم وتتخذ فِي صدروهم
بُيُوتًا قَالَ: رب زِدْنِي قَالَ (اجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك
وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد) (الْإِسْرَاء آيَة 64)
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما خلق الله آدم
كَانَ رَأسه يمس السَّمَاء فوطاه الله إِلَى الأَرْض حَتَّى
صَار سِتِّينَ ذِرَاعا فِي سَبْعَة أَذْرع عرضا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لما أهبط
الله آدم أهبطه بِأَرْض الْهِنْد وَمَعَهُ غرس من شجر الْجنَّة
فغرسه بهَا وَكَانَ رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض
وَكَانَ يسمع كَلَام الْمَلَائِكَة فَكَانَ ذَلِك يهوّن
عَلَيْهِ وحدته فغمز غمزة فتطأطأ إِلَى سبعين ذِرَاعا فَأنْزل
الله إِنِّي منزل عَلَيْك بَيْتا يُطَاف حوله كَمَا تَطوف
الْمَلَائِكَة حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده كَمَا تصلي
الْمَلَائِكَة حول عَرْشِي
فَأقبل نَحْو الْبَيْت فَكَانَ مَوضِع كل قدم قَرْيَة وَمَا
بَين قَدَمَيْهِ مفازة حَتَّى قدم مَكَّة فَدخل من بَاب
الصَّفَا وَطَاف بِالْبَيْتِ وصلّى عِنْده ثمَّ خرج إِلَى
الشَّام فَمَاتَ بهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد قَالَ: لما
أهبط آدم إِلَى الأَرْض فزعت الوحوش وَمن فِي الأَرْض من طوله
فأطر مِنْهُ سَبْعُونَ ذِرَاعا
وَأخرج ابْن جرير فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن آدم
حِين خرج من الْجنَّة كَانَ لَا يمر بِشَيْء إِلَّا عنت بِهِ
فَقيل للْمَلَائكَة: دَعوه فليتزوّد مِنْهَا مَا شَاءَ
فَنزل حِين نزل بِالْهِنْدِ وَلَقَد حج مِنْهَا أَرْبَعِينَ
حجَّة على رجلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَطاء بن أبي ريَاح قَالَ: هَبَط
آدم بِأَرْض الْهِنْد وَمَعَهُ أَعْوَاد أَرْبَعَة من أَعْوَاد
الْجنَّة وَهِي هَذِه التب تتطيب بهَا النَّاس وَأَنه حج هَذَا
الْبَيْت على بقرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: أخرج آدم من
الْجنَّة للساعة التَّاسِعَة أَو الْعَاشِرَة فَأخْرج مَعَه
غصناً من شجر الْجنَّة على رَأسه تَاج من شجر الْجنَّة
(1/136)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر
عَن الْحسن قَالَ: أهبط آدم بِالْهِنْدِ وهبطت حوّاء بجدة
وَهَبَطَ إِبْلِيس بدست بيسان الْبَصْرَة على أَمْيَال وهبطت
الْحَيَّة باصبهان
وَأخرج ابْن جرير فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر قَالَ: إِن الله
أوحى إِلَى آدم وَهُوَ بِبِلَاد الْهِنْد أَن حج هَذَا
الْبَيْت فحج فَكلما وضع قَدَمَيْهِ صَار قَرْيَة ومابين
خطوتيه مفازة حَتَّى انْتهى إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ وَقضى
الْمَنَاسِك كلهَا ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع فَمضى حَتَّى إِذا
كَانَ بالمازمين تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَة فَقَالَت: برَّ حجك
يَا آدم فدخله من ذَلِك
فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك الْمَلَائِكَة مِنْهُ قَالَت: يَا آدم
إِنَّا قد حجَجنَا هَذَا قبلك قبل أَن تخلق بألفي عَام
فتقاصرت إِلَيْهِ نَفسه
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل والاصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ قَالَ: حج آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَقِيته
الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: برَّ نُسكك يَا آدم لقد حجَجنَا قبلك
بألفي عَام
وَأخرج الْخَطِيب فِي التَّارِيخ بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف
عَن يحيى بن أَكْثَم أَنه قَالَ فِي مجْلِس الواثق: من حلق
رَأس آدم حِين حج فتعايا الْفُقَهَاء عَن الْجَواب فَقَالَ
الواثق: أَنا أحضر من ينبئكم بالْخبر
فَبعث إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُوسَى
بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحِين بن عَليّ بن أبي
طَالب فَسَأَلَهُ
فَقَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَمر جِبْرِيل أَن ينزل
بياقوتة من الْجنَّة فهبط بهَا فَمسح بهَا رَأس آدم
فَتَنَاثَرَ الشّعْر مِنْهُ فَحَيْثُ بلغ نورها صَار حرما
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ إِن الله لما أخرج آدم من الْجنَّة زوّده من ثمار
الْجنَّة وَعلمه صَنْعَة كل شَيْء
فثماركم من ثمار الْجنَّة غير أَن هَذِه تَتَغَيَّر وَتلك لَا
تَتَغَيَّر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وصحه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
مَوْقُوفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهبط آدم
بِثَلَاثِينَ صنفا من فَاكِهَة الْجنَّة مِنْهَا مَا يُؤْكَل
دَاخله وخارجه وَمِنْهَا مَا يُؤْكَل دَاخله ويطرح خَارجه
وَمِنْهَا مَا يُؤْكَل خَارجه ويطرح دَاخله
(1/137)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب
الْبكاء عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة قَالَ: أول شَيْء أكله آدم
حِين أهبط إِلَى الأَرْض الكمثرى وَإنَّهُ لما أَرَادَ أَن
يتغوّط أَخذه من ذَلِك كَمَا يَأْخُذ الْمَرْأَة عِنْد
الْولادَة فَذهب شرقاً وغرباً لَا يدْرِي كَيفَ يصنع حَتَّى
نزل إِلَيْهِ جِبْرِيل فأقعى آدم فَخرج ذَلِك مِنْهُ فَلَمَّا
وجد رِيحه مكث يبكي سبعين سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
ثَلَاثَة أَشْيَاء أنزلت مَعَ آدم
السندان والكلبتان والمطرقة
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ بِسَنَد
ضَعِيف عَن سلمَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن آدم أهبط إِلَى الأَرْض وَمَعَهُ السندان والكلبتان
والمطرقة واهبطت حَوَّاء بجدة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن
أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن الله لما خلق الدُّنْيَا لم يخلق فِيهَا ذَهَبا وَلَا
فضَّة فَلَمَّا أَن أهبط آدم وحواء أنزل مَعَهُمَا ذَهَبا
وَفِضة فسلكه ينابيع الأَرْض مَنْفَعَة لأولادهما من بعدهمَا
وَجعل ذَلِك صدَاق آدم لحواء
فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتزوّج إِلَّا بِصَدَاق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما أهبط الله آدم
أهبطه بأَشْيَاء ثَمَانِيَة: أَزوَاج من الإِبل وَالْبَقر
والضأن والمعز وأهبطه بباسنة فِيهَا بذر وتعريشة عنبة
وَرَيْحَانَة والباسنة: قيل: آلَات الصناع وَقيل هِيَ سكَّة
الْحَرْث وَلَيْسَ بعربي مَحْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن
السّري بن يحيى قَالَ: اهبط آدم من الْجنَّة وَمَعَهُ البذور
فَوضع إِبْلِيس عَلَيْهَا يَده فَمَا أصَاب يَده ذهيت منفعَته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَبَط آدم وحواء
عريانيين جَمِيعًا عَلَيْهِمَا ورق الْجنَّة فَأَصَابَهُ الْحر
حَتَّى قَعَدَ يبكي وَيَقُول لَهَا: يَا حَوَّاء قد آذَانِي
الْحر فَجَاءَهُ جِبْرِيل بِقطن وأمرها أَن تغزل وَعلمهَا
وَعلم آدم وَأمر آدم بالحياكة وَعلمه وَكَانَ لم يُجَامع
إمرائته فِي الْجنَّة حَتَّى هَبَط مِنْهَا وَكَانَ كل
مِنْهُمَا ينَام على حِدة حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل فَأمره أَن
يَأْتِي أَهله وَعلمه كَيفَ يأيتها فَلَمَّا أَتَاهَا جَاءَهُ
جِبْرِيل فَقَالَ: كَيفَ وجدت امْرَأَتك قَالَ: صَالِحَة
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس مَرْفُوعا أول من
حاك آدم عَلَيْهِ السَّلَام
(1/138)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام حراثاً وَكَانَ إِدْرِيس
خياطاً وَكَانَ نوح نجاراً وَكَانَ هود تَاجِرًا وَكَانَ
إِبْرَاهِيم رَاعيا وَكَانَ دَاوُد زراداً وَكَانَ سُلَيْمَان
خوّاصاً وَكَانَ مُوسَى أَجِيرا وَكَانَ عِيسَى سياحا وَكَانَ
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شجاعاً جعل رزقه تَحت رمحه
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل عِنْده:
أدن مني أحَدثك عَن الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين فِي كتاب الله
أحَدثك عَن آدم كَانَ حراثاً وَعَن نوح كَانَ نجاراً وَعَن
إِدْرِيس كَانَ خياطاً وَعَن دَاوُد كَانَ زراداً وَعَن مُوسَى
كَانَ رَاعيا وَعَن إِبْرَاهِيم كَانَ زراعاً عَظِيم
الضِّيَافَة وَعَن شُعَيْب كَانَ رَاعيا وَعَن لوط كَانَ
زراعاً وَعَن صَالح كَانَ تَاجِرًا وَعَن سُلَيْمَان كَانَ ولي
الْملك
ويصوم من الشَّهْر ستّة أَيَّام فِي أَوله وَثَلَاثَة فِي
وَسطه وَثَلَاثَة فِي آخِره وَكَانَ لَهُ تِسْعمائَة سَرِيَّة
وثلاثمائة مهرية وأحدثك عَن ابْن الْعَذْرَاء البتول عِيسَى
إِنَّه كَانَ لَا يخبىء شَيْئا لغد وَيَقُول: الَّذِي غداني
سَوف يعشيني وَالَّذِي عشاني سَوف يغديني ويعبد الله ليلته
كلهَا وَهُوَ بِالنَّهَارِ يسبح ويصوم الدَّهْر وَيقوم
اللَّيْل كُله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل آدم بِالْحجرِ الْأسود من الْجنَّة
يمسح بِهِ دُمُوعه وَلم ترق دموع آدم حِين خرج من الْجنَّة
حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِن آدم
لما أهبط إِلَى الأَرْض شكا إِلَى ربه الوحشة فَأوحى الله
إِلَيْهِ: أَن انْظُر بحيال بَيْتِي الَّذِي رَأَيْت ملائكتي
يطوفون بِهِ فَاتخذ بَيْتا فَطُفْ بِهِ كَمَا رَأَيْت ملائكتي
يطوفون بِهِ
فَكَانَ مَا بَين يَدَيْهِ مفاوز وَمَا بَين قَدَمَيْهِ
الْأَنْهَار والعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: نزل آدم
بِالْهِنْدِ فَنَبَتَتْ شَجَرَة الطّيب
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج آدم من الْجنَّة
بَين الصَّلَاتَيْنِ
صلاه الظّهْر وَصَلَاة الْعَصْر فَأنْزل إِلَى الأَرْض
وَكَانَ مكثه فِي الْجنَّة نصف يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة
وَهُوَ خَمْسمِائَة سنة من يَوْم كَانَ مِقْدَاره اثْنَتَيْ
عشرَة سَاعَة وَالْيَوْم ألف سنة مِمَّا يعد أهل الدُّنْيَا
فأهبط آدم على جبل بِالْهِنْدِ يُقَال لَهُ نود وأُهْبِطَت
حَوَّاء بجدة فَنزل آدم مَعَه ريح الْجنَّة فعلق بشجرها
وأوديتها فَامْتَلَأَ مَا هُنَالك
(1/139)
طيبا ثمَّ يُؤْتى بالطيب من ريح آدم
وَقَالُوا: أنزل عَلَيْهِ من طيب الْجنَّة أَيْضا وَأنزل مَعَه
الْحجر الْأسود وَكَانَ أَشد بَيَاضًا من الثَّلج وعصا مُوسَى
وَكَانَت من آس الْجنَّة
طولهَا عشرَة أَذْرع على طول مُوسَى
وَمر ولبان
ثمَّ أنزل عَلَيْهِ بعد السندان والكلبة والمطرقتان فَنظر آدم
حِين أهبط على الْجَبَل إِلَى قضيب من حَدِيد نابت على
الْجَبَل فَقَالَ: هَذَا من هَذَا فَجعل يكسر أشجاراً قد عتقت
ويبست بالمطرقة ثمَّ أوقد على ذَلِك الْقَضِيب حَتَّى ذاب
فَكَانَ أول شَيْء ضرب مِنْهُ مدية فَكَانَ يعْمل بهَا ثمَّ
ضرب التَّنور وَهُوَ الَّذِي وَرثهُ نوح وَهُوَ الَّذِي فار
بِالْهِنْدِ بِالْعَذَابِ
فَلَمَّا حج آدم عَلَيْهِ السَّلَام وضع الْحجر الْأسود على
أبي قبيس فَكَانَ يضيء لأهل مَكَّة فِي ليَالِي الظُّلم كَمَا
يضيء الْقَمَر فَلَمَّا كَانَ قبيل الإِسلام بِأَرْبَع سِنِين
وَقد كَانَ الْحيض وَالْجنب يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ يمسحونه
فاسود فأنزلته قُرَيْش من أبي قبيس وَحج آدم من الْهِنْد
أَرْبَعِينَ حجَّة إِلَى مَكَّة على رجلَيْهِ
وَكَانَ آدم حِين اهبط يمسح رَأسه السَّمَاء فَمن ثمَّ صلع
وأورث وَلَده الصلع ونفرت من طوله دَوَاب الْبر فَصَارَت وحشاً
يَوْمئِذٍ وَكَانَ آدم وَهُوَ على ذَلِك الْجَبَل قَائِما يسمع
أصوات الْمَلَائِكَة ويجد ريح الْجنَّة
فهبط من طوله ذَلِك إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا فَكَانَ ذَلِك طوله
حَتَّى مَاتَ
وَلم يجمع حسن آدم لأحد من وَلَده إِلَّا ليوسف عَلَيْهِ
السَّلَام وَأَنْشَأَ آدم يَقُول: رب كنت جَارك فِي دَارك
لَيْسَ لي رب غَيْرك وَلَا رَقِيب دُونك آكل فِيهَا رغداً
وأسكن حَيْثُ أَحْبَبْت فأهبطتني إِلَى هَذَا الْجَبَل
الْمُقَدّس فَكنت أسمع أصوات الْمَلَائِكَة وأراهم كَيفَ
يحفونَ بعرشك وَأَجد ريح الْجنَّة وطيبها
ثمَّ أهبطتني إِلَى الأَرْض وحططتني إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا
فقد انْقَطع عني الصَّوْت وَالنَّظَر وَذهب عني ريح الْجنَّة
فَأَجَابَهُ الله تبَارك وَتَعَالَى: لمعصيتك يَا آدم فعلت
ذَلِك بك
فَلَمَّا رأى الله عري آدم وحواء أمره أَن يذبح كَبْشًا من
الضَّأْن من الثَّمَانِية الْأزْوَاج الَّتِي أنزل الله من
الْجنَّة فَأخذ آدم كَبْشًا وذبحه ثمَّ أَخذ صوفه فغزلته
حَوَّاء ونسجته هُوَ فنسج آدم جُبَّة لنَفسِهِ وَجعل لحواء
درعاً وخماراً فلبساه وَقد كَانَا اجْتمعَا بِجمع فسميت (جمعا
وتعارفا بِعَرَفَة فسميت عَرَفَة وبكيا عاى مَا فاتهما مائَة
سنة وَلم يأكلا وَلم يشربا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ أكلا
وشربا وهما يَوْمئِذٍ على نود الْجَبَل الَّذِي أهبط عَلَيْهِ
آدم وَلم يقرب حَوَّاء مائَة سنة
(1/140)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
أَن آدم كَانَ لغته فِي الْجنَّة الْعَرَبيَّة فَلَمَّا عصى
سلبه الله الْعَرَبيَّة فَتكلم بالسُّرْيَانيَّة فَلَمَّا
تَابَ رد عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: أوحى
الله إِلَى الْملكَيْنِ: أخرجَا آدم وحواء من جواري
فَإِنَّهُمَا عصياني فَالْتَفت آدم إِلَى حَوَّاء باكياً
وَقَالَ: استعدي لِلْخُرُوجِ من جوَار الله هَذَا أول شُؤْم
الْمعْصِيَة فَنزع جِبْرِيل التَّاج عَن رَأسه وَحل مِيكَائِيل
الاكليل عَن جَبينه وَتعلق بِهِ غُصْن فَظن آدم أَنه قد عوجل
بالعقوبة فَنَكس رَأسه يَقُول: الْعَفو الْعَفو فَقَالَ الله:
فرار مني فَقَالَ: بل حَيَاء مِنْك يَا سَيِّدي
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء
أَن آدم لما أهبط من الْجنَّة خر فِي مَوضِع الْبَيْت سَاجِدا
فَمَكثَ أَرْبَعِينَ سنة لَا يرفع رَأسه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: لما أهبط الله آدم
إِلَى الأَرْض قيل لَهُ: لن تَأْكُل الْخبز بالزيت حَتَّى
تعْمل عملا مثل الْمَوْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: لما
أهبط آدم وإبليس ناح إِبْلِيس حَتَّى بَكَى آدم ثمَّ حدا ثمَّ
ضحك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ بَلغنِي أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن آدم قبل أَن يُصِيب
الذَّنب كَانَ أَجله بَين عَيْنَيْهِ وأمله خَلفه فَلَمَّا
أصَاب الذَّنب جعل الله أمله بَين عَيْنَيْهِ وأجله خَلفه
فَلَا يزَال يؤمل حَتَّى يَمُوت
وَأخرج وَكِيع وَأحمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: كَانَ آدم
قبل أَن يُصِيب الْخَطِيئَة أَجله بَين عَيْنَيْهِ وأمله
وَرَاء ظَهره فَلَمَّا أصَاب الْخَطِيئَة حوّل أمله بَين
عَيْنَيْهِ وأجله وَرَاء ظَهره
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ عقل آدم مثل عقل
جَمِيع وَلَده
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن
أَن آدم لما أهبط إِلَى الأَرْض تحرّك بَطْنه فَأخذ لذَلِك غم
فَجعل لَا يدْرِي كَيفَ يصنع فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن اقعد
فَقعدَ فَلَمَّا قضى حَاجته فَوجدَ الرّيح جزع وَبكى وعض على
أُصْبُعه فَلم يزل يعَض عَلَيْهَا ألف عَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَكَى آدم حِين
أهبط من الْجنَّة بكاء لم يبكه أحد فَلَو أَن بكاء جَمِيع بني
آدم مَعَ بكاء دَاوُد على خطيئته مَا عدل بكاء
(1/141)
آدم حِين أخرج من الْجنَّة وَمكث
أَرْبَعِينَ سنة لَا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي فِي
الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخطيب وَابْن
عَسَاكِر مَعًا فِي التَّارِيخ عَن بُرَيْدَة يرفعهُ قَالَ:
لَو أَن بكاء دَاوُد وبكاء جَمِيع أهل الأَرْض يعدل بكاء آدم
مَا عدله
وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: لَو وزن دموع آدم بِجَمِيعِ دموع وَلَده
لرجحت دُمُوعه على جَمِيع دموع وَلَده
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ: بَكَى آدم على الْجنَّة
ثلثمِائة سنة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: أَن الله لما أهبط
آدم وحواء قَالَ: اهبطوا إِلَى الأَرْض فلدوا للْمَوْت
وَابْنُوا للخراب
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما
أهبط آدم إِلَى الأَرْض قَالَ لَهُ ربه عز وَجل: ابْن للخراب
ولد للفناء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
لما أهبط آدم إِلَى الأَرْض كَانَ فِيهَا نسر وحوت فِي
الْبَحْر وَلم يكن فِي الأَرْض غَيرهمَا فَلَمَّا رأى النسْر
آدم وَكَانَ يأوي إِلَى الْحُوت ويبيت عِنْده كل لَيْلَة
قَالَ: يَا حوت لقد أهبط ايوم إِلَى الأَرْض شَيْء يمشي على
رجلَيْهِ ويبطش بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُوت: لَئِن كنت
صَادِقا مَالِي فِي الْبَحْر مِنْهُ منجى وَلَا لَك فِي الْبر
(1/142)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ
رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (37)
قَوْله تَعَالَى: فَتلقى آدم من ربه
كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الصَّغِير وَالْحَاكِم وَأَبُو
نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عمر
بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لما أذْنب آدم بالذنب الَّذِي أذنبه رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء
فَقَالَ: أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد إِلَّا غفرت لي فَأوحى الله
إِلَيْهِ: وَمن مُحَمَّد فَقَالَ: تبَارك اسْمك
لما خلقتني رفعت رَأْسِي إِلَى عرشك فَإِذا فِيهِ مَكْتُوب لَا
إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَعلمت أَنه لَيْسَ
أحد أعظم عنْدك قدرا مِمَّن جعلت اسْمه مَعَ اسْمك
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم انه آخر النَّبِيين من ذريتك
وَلَوْلَا هُوَ مَا خلقتك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي
التَّوْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات}
(1/142)
قَالَ: أَي رب ألم تخلقني بِيَدِك قَالَ:
بلَى
قَالَ: أَي رب ألم تنفخ فيّ من روحك قَالَ: بلَى
قَالَ أَي رب ألم تسبق إِلَيّ رحمتك قبل غضبك قَالَ: بلَى
قَالَ: أَي رب أَرَأَيْت إِن تبت وأصلحت أَرَاجِعِي أَنْت
إِلَى الْجنَّة قَالَ: نعم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد
ضَعِيف عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض قَامَ وَجَاء
الْكَعْبَة فصلى رَكْعَتَيْنِ فألهمه الله هَذَا الدُّعَاء:
اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وَتعلم
حَاجَتي فَأعْطِنِي سؤلي وَتعلم مَا فِي نَفسِي فَاغْفِر لي
ذَنبي
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك إِيمَانًا يُبَاشر قلبِي ويقيناً
صَادِقا حَتَّى أعلم أَنه لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا كتبت لي
وأرضني بِمَا قسمت لي
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنك وَلنْ
يدعوني أحد بِهَذَا الدُّعَاء إِلَّا غفرت لَهُ ذَنبه وكفيته
المهم من أمره وزجرت عَنهُ الشَّيْطَان واتجرت لَهُ من وَرَاء
كل تار وَأَقْبَلت إِلَيْهِ الدُّنْيَا راغمة وَإِن لم يردهَا
وَأخرج الجندي وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر فِي فَضَائِل
مَكَّة عَن عَائِشَة قَالَت: لما أَرَادَ الله أَن يَتُوب على
آدم أذن لَهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا - وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ
ربوة حَمْرَاء - فَلَمَّا صلى رَكْعَتَيْنِ قَامَ اسْتقْبل
الْبَيْت وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم سريرتي وعلانيتي
فاقبل معذرتي فَأعْطِنِي سؤلي وَتعلم مَا فِي نَفسِي فَاغْفِر
لي ذُنُوبِي
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك إِيمَانًا يُبَاشر قلبِي ويقيناً
صَادِقا حَتَّى أعلم أَنه لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا كتبت لي
وَالرِّضَا بِمَا قسمت لي
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد غفرت ذَنْبك وَلنْ يَأْتِي
أحد من ذريتك يدعوني بِمثل مَا دعوتني إِلَّا غفرت ذنُوبه
وكشفت غمومه وهمومه ونزعت الْفقر من بَين عَيْنَيْهِ واتجرت
لَهُ من وَرَاء كل تَاجر وجاءته الدُّنْيَا وَهِي راغمة وَإِن
كَانَ لَا يريدها
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات وَابْن عَسَاكِر
بِسَنَد لابأس بِهِ عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض طَاف
بِالْبَيْتِ أسبوعاً وَصلى حذاء الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ
قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي
وَتعلم حَاجَتي فَأعْطِنِي سؤلي وَتعلم مَا عِنْدِي فَاغْفِر
لي ذُنُوبِي
أَسأَلك إِيمَانًا يباهي قلبِي ويقيناً صَادِقا حَتَّى أعلم
أَنه لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا كتيت لي ورضّني بِقَضَائِك
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم إِنَّك دعوتني بِدُعَاء فاستجبت
(1/143)
لَك فِيهِ وَلنْ يدعوني بِهِ أحد من ذريتك
إِلَّا استجبت لَهُ وغفرت لَهُ ذَنبه وفرجت همه وغمه واتجرت
لَهُ من وَرَاء كل تَاجر وأتته الدُّنْيَا راغمة وَإِن كَانَ
لَا يريدها
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
وَأَبُو نعيم عَن عبيد ان عُمَيْر اللثي قَالَ: قَالَ آدم: يَا
رب أَرَأَيْت مَا أتيت أَشَيْء كتبته عليّ قبل أَن تخلقني أَو
شَيْء ابتدعته على نَفسِي قَالَ: بل شَيْء كتبته عَلَيْك قبل
أَن أخلقك قَالَ: يَا رب فَكَمَا كتبته عَليّ فاغفره لي
فَذَلِك قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ
إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد والن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه
كَلِمَات} قَالَ: ذكر لنا أَنه قَالَ: يَا رب أَرَأَيْت إِن
تبت وأصلحت قَالَ: فَإِنِّي إِذن أرجعك إِلَى الْجنَّة (قَالَا
رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين) فَاسْتَغْفر آدم ربه وَتَابَ إِلَيْهِ فَتَابَ
عَلَيْهِ
وَأما عَدو الله إِبْلِيس فوَاللَّه مَا تنصل من ذَنبه وَلَا
سَأَلَ التَّوْبَة حِين وَقع بِمَا وَقع بِهِ وَلكنه سَأَلَ
النظرة إِلَى يَوْم الدّين فَأعْطى الله كل وَاحِد مهما مَا
سَأَلَ
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: قَوْله
(رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ هُوَ قَوْله
(رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا
) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي
قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: هُوَ قَوْله
(رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا
) الْآيَة
وَلَو سكت الله عَنْهَا لتفحص رجال حَتَّى يعلمُوا مَا هِيَ
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ:
هُوَ قَوْله (رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَعَن الضَّحَّاك
مثله
(1/144)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن اسحق التَّمِيمِي قَالَ: قلت
لِابْنِ عَبَّاس مَا الْكَلِمَات الَّتِي تلقى آدم من ربه
قَالَ: علم شَأْن الْحَج
فَهِيَ الْكَلِمَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن زيد ي قَوْله {فَتلقى آدم
من ربه كَلِمَات} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ
وَبِحَمْدِك
رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير
الغافرين
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك رب عملت سوءا
وظلمت نَفسِي فارحمني إِنَّك أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فتب عَليّ إنت أَنْت التوّاب
الرَّحِيم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن
أنس فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي
فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا
وظلمت نَفسِي فارحمني إِنَّك أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا
وظلمت نَفسِي فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
وَذكر أَنه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن شكّ
فِيهِ
وَأخرج هناد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما أصَاب
آدم الْخَطِيئَة فزع إِلَى كلمة الاخلاص فَقَالَ: لَا إِلَه
إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب
الرَّحِيم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن
ابْن عَبَّاس
إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام طلب التَّوْبَة مِائَتي سنة حَتَّى
أَتَاهُ الله الْكَلِمَات ولقنه إِيَّاهَا قَالَ: بَينا آدم
عَلَيْهِ السَّلَام جَالس يبكي وَاضع رَاحَته على جَبينه إِذا
أَتَاهُ جِبْرِيل فَسلم عَلَيْهِ فَبكى آدم وَبكى جِبْرِيل
لبكائه فَقَالَ لَهُ: يَا آدم مَا هَذِه البلية الَّتِي أجحف
بك بلاؤها وشقاؤها وَمَا هَذَا الْبكاء قَالَ: يَا جِبْرِيل
وَكَيف لَا أبْكِي وَقد حوّلني رَبِّي من ملكوت السَّمَوَات
إِلَى هوان الأَرْض وَمن دَار الْمقَام إِلَى دَار الظعن
والزوال وَمن دَار النِّعْمَة إِلَى دَار الْبُؤْس والشقاء
وَمن دَار الْخلد إِلَى دَار الفناء كَيفَ أحصي يَا جِبْرِيل
هَذِه الْمُصِيبَة فَانْطَلق جِبْرِيل إِلَى ربه فَأخْبرهُ
بقالة آدم فَقَالَ الله عز وَجل: انْطلق يَا جِبْرِيل إِلَى
آدم فَقل: يَا آدم ألم أخلقك بيَدي قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ:
ألم أنفخ فِيك من روحي قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ: ألم أَسجد
لَك ملائكتي
(1/145)
قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ ألم أسكنك جنتي
قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ: ألم آمُرك فعصيتني قَالَ: بلَى يَا
رب قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وارتفاعي فِي علو مَكَاني لَو
ان ملْء الأَرْض رجَالًا مثلك ثمَّ عصوني لأنزلتهم منَازِل
العاصين غير أَنه يَا آدم قد سبقت رَحْمَتي غَضَبي قد سَمِعت
صَوْتك وتضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك فَقل: لَا إِلَه إِلَّا
أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فارحمني
إِنَّك أَنْت خير الرَّاحِمِينَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا
وظلمت نَفسِي
فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
فَذَلِك قَوْله {فَتلقى آدم من ربّه كَلِمَات} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن
أبي طَالب قَالَ: لما أصَاب آدم الْخَطِيئَة عظم كربه
وَاشْتَدَّ ندمه
فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا آدم هَل أدلك على بَاب توبتك
الَّذِي يَتُوب الله عَلَيْك مِنْهُ قَالَ: بلَى يَا جِبْرِيل
قَالَ: قُم فِي مقامك الَّذِي تناجي فِيهِ ربّك فمجده وامدح
فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَى الله من الْمَدْح قَالَ: فَأَقُول
مَاذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: فَقل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده
لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ
حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر كُله وَهُوَ على كل شَيْء
قدير
ثمَّ تبوء بخطيئتك فَتَقول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت
رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وعملت السوء فَاغْفِر لي إِنَّه لَا
يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت
الله إِنِّي أَسأَلك بجاه مُحَمَّد عَبدك وكرامته عَلَيْك أَن
تغْفر لي خطيئتي
قَالَ: فَفعل آدم فَقَالَ الله: يَا آدم من علمك هَذَا
فَقَالَ: يَا رب إِنَّك لما نفخت فيّ الرّوح فَقُمْت بشرا
سوياً أسمع وَأبْصر وأعقل وَأنْظر رَأَيْت على سَاق عرشك
مَكْتُوبًا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لَا إِلَه إِلَّا
الله وَحده لَا شريك لَهُ مُحَمَّد رَسُول الله فَلَمَّا لم أر
أثر اسْمك اسْم ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل غير اسْمه علمت
أَنه أكْرم خلقك عَلَيْك
قَالَ: صدقت
وَقد تبت عَلَيْك وغفرت لَك خطيئتك قَالَ: فَحَمدَ آدم ربه
وشكره وَانْصَرف بأعظم سرُور وَلم ينْصَرف بِهِ عبد من عِنْد
ربه
وَكَانَ لِبَاس آدم النُّور قَالَ الله (ينْزع عَنْهُمَا
لباسهما ليريهما سوآتهما) ثِيَاب النُّور قَالَ: فَجَاءَتْهُ
الْمَلَائِكَة أَفْوَاجًا تهنئه يَقُولُونَ: لتهنك تَوْبَة
الله يَا أَبَا مُحَمَّد
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قَتَادَة قَالَ: الْيَوْم
الَّذِي تَابَ الله فِيهِ على آدم يَوْم عَاشُورَاء
(1/146)
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس بسندٍ
واهٍ عَن عَليّ قَالَ سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن قَول الله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ}
فَقَالَ: إِن الله أهبط آدم بِالْهِنْدِ وحوّاء بجدة وإبليس
ببيسان والحية بأصبهان
وَكَانَ للحية قَوَائِم كقوائم الْبَعِير وَمكث آدم
بِالْهِنْدِ مائَة سنة باكياً على خطيئته حَتَّى بعث الله
إِلَيْهِ جِبْرِيل وَقَالَ: يَا آدم ألم أخلقك بيَدي ألم أنفخ
فِيك من روحي ألم أَسجد لَك ملائكتي ألم أزوّجك حَوَّاء أمتِي
قَالَ: بلَى
قَالَ: فَمَا هَذَا الْبكاء قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي من الْبكاء
وَقد أخرجت من جوَار الرَّحْمَن قَالَ: فَعَلَيْك بهؤلاء
الْكَلِمَات
فَإِن الله قَابل توبتك وغافر ذَنْبك
قل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد
سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت عملت سوءا وظلمت نَفسِي
فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد
سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت عملت سوءا وظلمت نَفسِي
فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
فَهَؤُلَاءِ الْكَلِمَات الَّتِي تلقى آدم
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكَلِمَات الَّتِي تلقاها آدم
من ربه فَتَابَ عَلَيْهِ قَالَ: سَأَلَ بِحَق مُحَمَّد وَعلي
وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن إِلَّا تبت عَليّ فَتَابَ
عَلَيْهِ
وَأخرج الْخَطِيب فِي أَمَالِيهِ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد
فِيهِ مَجَاهِيل عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن آدم لما أكل من والشجرة أوحى الله
إِلَيْهِ: اهبط من جواري
وَعِزَّتِي لَا يجاورني من عَصَانِي
فهبط إِلَى الأَرْض مسوداً فَبَكَتْ الأَرْض وضجت
فَأوحى الله: يَا آدم صم لي الْيَوْم يَوْم ثَلَاثَة عشر
فصامه فَأصْبح ثلثه أَبيض ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ: صم لي
هَذَا الْيَوْم يَوْم أَرْبَعَة عشر
فصامه فَأصْبح ثُلُثَاهُ أَبيض ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ صم لي
هَذَا الْيَوْم يَوْم خَمْسَة عشر
فصامه فَأصْبح كُله أَبيض
فسميت أَيَّام الْبيض
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: لما أهبط الله آدم من
الْجنَّة إِلَى الأَرْض قَالَ لَهُ: يَا آدم أَربع احفظهن
وَاحِدَة لي عنْدك وَأُخْرَى لَك عِنْدِي وَأُخْرَى بيني
وَبَيْنك وَأُخْرَى بَيْنك وَبَين النَّاس
فَأَما الَّتِي لي عنْدك فتعبدني لَا تشرك بِي شَيْئا وَأما
الَّتِي لَك عِنْدِي فأوفيك عَمَلك لَا أظلمك شَيْئا وَأما
الَّتِي بيني وَبَيْنك فتدعوني فاستجيب لَك وَأما الَّتِي
بَيْنك وَبَين النَّاس فترضى للنَّاس أَن تَأتي إِلَيْهِم
بِمَا ترْضى أَن يؤتوا إِلَيْك بِمثلِهِ
(1/147)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان قَالَ: لما خلق الله
آدم قَالَ: يَا آدم وَاحِدَة لي وَوَاحِدَة لَك وَوَاحِدَة
بيني وَبَيْنك
فَأَما الَّتِي لي فتعبدني لَا تشرك بِي شَيْئا وَأما الَّتِي
لَك فَمَا عملت من شَيْء جزيتك بِهِ وَأَن أَغفر فَأَنا غَفُور
رَحِيم وَأما الَّتِي بيني وَبَيْنك فمنك الْمَسْأَلَة
وَالدُّعَاء وَعلي الاجابة وَالعطَاء
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن سلمَان رَفعه
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أهبط الله آدم إِلَى
الأَرْض مكث فِيهَا مَا شَاءَ الله أَن يمْكث ثمَّ قَالَ لَهُ
بنوه: يَا أَبَانَا تكلم
فَقَامَ خَطِيبًا فِي أَرْبَعِينَ ألفا من وَلَده وَولد وَلَده
فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي فَقَالَ: يَا آدم أقلل كلامك ترجع
إِلَى جواري
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما
أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض أَكثر ذُريَّته فَنمت فَاجْتمع
إِلَيْهِ ذَات يَوْم وَلَده وَولد وَلَده فَجعلُوا يتحدثون
حوله وآدَم سَاكِت لَا يتَكَلَّم فَقَالُوا: يَا أَبَانَا مَا
لنا نَحن نتكلم وَأَنت سَاكِت لَا تَتَكَلَّم فَقَالَ: يَا بني
إِن الله لما أهبكني من جواره إِلَى الأَرْض عهد إِلَيّ
فَقَالَ: يَا آدم أقل الْكَلَام حَتَّى ترجع إِلَى جواري
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن فضَالة بن عبيد قَالَ: إِن آدم كبر
حَتَّى تلعب بِهِ بَنو بنيه فَقيل لَهُ: أَلا تنْهى بني بنيك
أَن يلعبوا بك قَالَ: إِنِّي رَأَيْت مَا لم يرَوا وَسمعت مَا
لم يسمعوا وَكنت فِي الْجنَّة وَسمعت الْكَلَام إِن رَبِّي
وَعَدَني إِن أَنا أسكت فمي أَن يدخلني الْجنَّة
وَأخرج ابْن الصّلاح فِي أَمَالِيهِ عَن مُحَمَّد بن النَّضر
قَالَ: قَالَ آدم: يَا رب شغلتني بكسب يَدي فعلمني شَيْئا
فِيهِ مجامع الْحَمد وَالتَّسْبِيح
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم إِذا أَصبَحت فَقل ثَلَاثًا
وَإِذا أمسيت فَقل ثَلَاثًا
الْحَمد لله رب الْعَالمين حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده
فَذَلِك مجامع الْحَمد وَالتَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ
آدم عَلَيْهِ السَّلَام يشرب من السَّحَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن كَعْب قَالَ: أوّل من
ضرب الدِّينَار وَالدِّرْهَم
(1/148)
آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن يحيى قَالَ: أوّل من
ضرب الدِّينَار وَالدِّرْهَم آدم وَلَا تصلح الْمَعيشَة إِلَّا
بهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: أوّل من مَاتَ آدم
عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَن أبي بن
كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما حضر
آدم قَالَ لِبَنِيهِ: أنطلقوا فاجنوا لي من ثمار الْجنَّة
فَخَرجُوا فاستقبلتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: أَيْن
تُرِيدُونَ قَالُوا: بعثنَا أَبونَا لنجني لَهُ من ثمار
الْجنَّة فَقَالُوا: ارْجعُوا فقد كفيتم
فَرَجَعُوا مَعَهم حَتَّى دخلُوا على آدم فَلَمَّا رأتهم
حَوَّاء ذعرت مِنْهُم وَجعلت تَدْنُو إِلَى آدم وتلصق بِهِ
فَقَالَ: إِلَيْك عني
إِلَيْك عني فَمن قبلك أتيت
خلّي بيني وَبَين مَلَائِكَة رَبِّي قَالَ: فقبضوا روحه ثمَّ
غسلوه وحنطوه وكفنوه ثمَّ صلوا عَلَيْهِ ثمَّ حفروا لَهُ
ودفنوه ثمَّ قَالُوا: يَا بني آدم هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم
فكذلكم فافعلوا
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن أبي
مَوْقُوفا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن آدم لما حَضرته الْوَفَاة أرسل الله
إِلَيْهِ بكفن وحنوط من الْجنَّة فَلَمَّا رَأَتْ حَوَّاء
الْمَلَائِكَة جزعت فَقَالَ: خليّ بيني وَبَين رسل رَبِّي
فَمَا لقِيت الَّذِي لقِيت إِلَّا مِنْك وَلَا أصابني الَّذِي
أصابني إِلَّا مِنْك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لآدَم
بنُون
ودّ سواع ويغوث ويعوق ونسر
فَكَانَ أكبرهم يَغُوث فَقَالَ لَهُ: يَا بني انْطلق
فَإِن لقِيت أحدا من الْمَلَائِكَة فَأمره يجيئني بِطَعَام من
الْجنَّة وشراب من شرابها
فَانْطَلق فلقي جِبْرِيل بِالْكَعْبَةِ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك
قَالَ: ارْجع فَإِن أَبَاك يَمُوت
فَرجع فوجداه يجود بِنَفسِهِ فَوَلِيه جِبْرِيل فَجَاءَهُ بكفن
وحنوط وَسدر ثمَّ قَالَ: يَا بني آدم أَتَرَوْنَ مَا أصنع
بأبيكم فاصنعوه بموتاكم فغسلوه وكفنوه وحنطوه ثمَّ حملوه إِلَى
الْكَعْبَة فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا ووضعوه مِمَّا يَلِي
الْقبْلَة عِنْد الْقُبُور ودفنوه فِي مَسْجِد الْخيف
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
صلى جِبْرِيل على آدم وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا
صلى جِبْرِيل بِالْمَلَائِكَةِ يَوْمئِذٍ فِي مَسْجِد الْخيف
وَأخذ من قبل الْقبْلَة ولحد لَهُ وسنم قَبره
وَأخرج أَوب نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بِجنَازَة فصلى عَلَيْهَا وَكبر
أَرْبعا وَقَالَ: كَبرت الْمَلَائِكَة على آدم أَربع
تَكْبِيرَات
(1/149)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ألحد آدم وَغسل بِالْمَاءِ
وترا
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: هَذِه سنة ولد آدم من بعده
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن أبي فراس قَالَ: قبر آدم
فِي مغارة فِيمَا بَين بَيت الْمُقَدّس وَمَسْجِد إِبْرَاهِيم
وَرجلَاهُ عِنْد الصَّخْرَة وَرَأسه عِنْد مَسْجِد إِبْرَاهِيم
وبَينهمَا ثَمَانِيَة عشر ميلًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: بَكت
الْخَلَائق على آدم حِين توفّي سَبْعَة أَيَّام
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: لَيْسَ أحد من أهل الْجنَّة إِلَّا يدعى باسمه
إِلَّا آدم فَإِنَّهُ يكنى أَبَا مُحَمَّد وَلَيْسَ أحد من أهل
الْجنَّة إِلَّا وهم جرد مرد إِلَّا مَا كَانَ من مُوسَى بن
عمرَان فَإِن لحيته تبلغ سرته
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن
عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أهل الْجنَّة لَيست لَهُم كنى إِلَّا آدم فَإِنَّهُ
يكنى أَبَا مُحَمَّد تَعْظِيمًا وتوقيراً
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: لَيْسَ أحد فِي
الْجنَّة لَهُ لحية إِلَّا آدم عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ لحية
سَوْدَاء إِلَى سرته: وَذَلِكَ أَنه لم يكن لَهُ فِي
الدُّنْيَا لحية وَإِنَّمَا كَانَت اللحى بعد آدم وَلَيْسَ أحد
يكنى فِي الْجنَّة غير آدم
يكنى فِيهَا أَبَا مُحَمَّد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ:
لَيْسَ أحد فِي الْجنَّة لَهُ كنية إِلَّا آدم يكنى أَبَا
مُحَمَّد
أكْرم الله بذلك مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن غَالب بن عبد الله الْعقيلِيّ قَالَ:
كنية آدم فِي الدُّنْيَا أَبُو الْبشر وَفِي الْجنَّة أَبُو
مُحَمَّد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن خَالِد بن معدان قَالَ:
أهبط آدم بِالْهِنْدِ وَإنَّهُ لما توفّي حمله خَمْسُونَ
وَمِائَة رجل من بنيه إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ طوله
ثَلَاثِينَ ميلًا ودفنوه بهَا وَجعلُوا رَأسه عِنْد الصَّخْرَة
وَرجلَيْهِ خَارِجا من بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثِينَ ميلًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ:
إِن آدم لما طؤطىء منع كَلَام الْمَلَائِكَة - وَكَانَ
يسْتَأْنس بكلامهم - بَكَى على الْجنَّة مائَة سنة فَقَالَ
الله عز وَجل لَهُ: يَا آدم مَا يحزنك قَالَ: كَيفَ لَا
أَحْزَن وَقد اهبطتني من الْجنَّة وَلَا أَدْرِي أَعُود
إِلَيْهَا أم لَا فَقَالَ الله تَعَالَى: يَا آدم قل:
اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك
(1/150)
سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب إِنِّي عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت
خير الغافرين
وَالثَّانيَِة: اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا
شريك لَك سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب إِنِّي عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت
أرْحم الرَّاحِمِينَ
والثالثه اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ
وَبِحَمْدِك لَا شريك لَك رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر
لي إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
فَهِيَ الْكَلِمَات الَّتِي أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ
إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم} قَالَ: وَهِي لوَلَده من بعده
وَقَالَ آدم لآبن لَهُ يُقَال هبة الله
ويسميه أهل التَّوْرَاة وَأهل الإِنجيل شِيث: تعبد لِرَبِّك
واسأله أيردني إِلَى الْجنَّة أم لَا فتعبد الله وَسَأَلَ
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي راده إِلَى الْجنَّة فَقَالَ:
أَي رب إِنِّي لست آمن أَن أبي سيسألني الْعَلامَة فَألْقى
الله سوارا من أسورة الحورفلما أَتَاهُ قَالَ: مَا وَرَاءَك
قَالَ: اُبْشُرْ قَالَ: أَخْبرنِي أَنه رادك إِلَى الْجنَّة
قَالَ: فَمَا سَأَلته الْعَلامَة
فَأخْرج السوار فَرَآهُ فَعرفهُ فَخر سَاجِدا فَبكى حَتَّى
سَالَ من عَيْنَيْهِ نهر من دموع
وآثاره تعرف بِالْهِنْدِ
وَذكر أَن كنز الذَّهَب بِالْهِنْدِ مِمَّا ينْبت من ذَلِك
السوار ثمَّ قَالَ: استطعم لي رَبك من ثَمَر الْجنَّة
فَلَمَّا خرج من عِنْده مَاتَ آدم فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ:
إِلَى أَيْن قَالَ: إِن أبي أَرْسلنِي أَن اطلب إِلَى رَبِّي
أَن يطعمهُ من ثَمَر الْجنَّة قَالَ: فَإِن ربه قضى أَن لَا
يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا حَتَّى يعود إِلَيْهَا وَأَنه قد مَاتَ
فَارْجِع فواره فَأخذ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَغسله
وكفنه وحنطه وَصلى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ جِبْرِيل: هَكَذَا
فَاصْنَعُوا بموتاكم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: قبر آدم عَلَيْهِ
السَّلَام بني فِي مَسْجِد الْخيف وقبر حَوَّاء بجدة
وَأخرج ابْن أبي حنيفَة فِي تَارِيخه وَابْن عَسَاكِر عَن
الزُّهْرِيّ وَالشعْبِيّ قَالَا: لما هَبَط آدم من الْجنَّة
وانتشر وَلَده أرخ بنوه من هبوط آدم فَكَانَ ذَلِك التَّارِيخ
حَتَّى بعث الله نوحًا فأرّخوا ببعث نوح حَتَّى كَانَ الْغَرق
فَكَانَ التَّارِيخ من الطوفان إِلَى نَار إِبْرَاهِيم فأرّخ
بَنو اسحق من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى بعث يُوسُف وَمن بعث
يُوسُف إِلَى مبعث مُوسَى وَمن مبعث مُوسَى إِلَى ملك
سُلَيْمَان وَمن ملك سُلَيْمَان إِلَى ملك عِيسَى وَمن مبعث
عِيسَى إِلَى مبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأرخ
بَنو اسماعيل من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى بِنَاء الْبَيْت حِين
بناه إِبْرَاهِيم واسماعيل
فَكَانَ التَّارِيخ من بِنَاء الْبَيْت حَتَّى تَفَرَّقت معد
فَكَانَ كلما خرج قوم من تهَامَة أَرخُوا مخرجهم حَتَّى مَاتَ
كَعْب بن لؤَي
(1/151)
فأرّخوا من مَوته إِلَى الْفِيل فَكَانَ
التَّارِيخ من الْفِيل حَتَّى أرخ عمر بن الْخطاب من
الْهِجْرَة
وَذَلِكَ سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْعَزِيز بن عمرَان قَالَ: لم
يزل للنَّاس تَارِيخ كَانُوا يؤرخون فِي الدَّهْر الأوّل من
هبوط آدم من الْجنَّة فَلم يزل ذَلِك حَتَّى بعث الله نوحًا
فارخوا من دُعَاء نوح على قومه ثمَّ أَرخُوا من الطوفان ثمَّ
أَرخُوا من نَار إِبْرَاهِيم ثمَّ أرخ بَنو اسماعيل من بُنيان
الْكَعْبَة ثمَّ أَرخُوا من موت كَعْب بن لؤَي ثمَّ أَرخُوا من
عَام الْفِيل ثمَّ أرخ الْمُسلمُونَ بعد من هِجْرَة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/152)
قُلْنَا اهْبِطُوا
مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (39)
قَوْله تَعَالَى: قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا
جَمِيعًا فإمَّا يَأْتينكُمْ مني هدى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا
خوف عَلَيْهِم ولاهم يَحْزَنُونَ وَالَّذين كفرُوا وكذبوا
بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا فإمَّا يَأْتينكُمْ
مني هدى} قَالَ: الْهدى الْأَنْبِيَاء وَالرسل وَالْبَيَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن اتبع
هُدَايَ} الْآيَة
قَالَ: مَا زَالَ لله فِي الأَرْض أَوْلِيَاء مُنْذُ هَبَط آدم
مَا أخلى الأَرْض لابليس إِلَّا وفيهَا أَوْلِيَاء لَهُ
يعْملُونَ لله بِطَاعَتِهِ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي الطُّفَيْل
قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن اتبع
هُدَايَ} بتثقيل الْيَاء وَفتحهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فَلَا
خوف عَلَيْهِم} يَعْنِي فِي الْآخِرَة {وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
يَعْنِي لَا يَحْزَنُونَ للْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن قَتَادَة قَالَ: لما هَبَط إِبْلِيس قَالَ: أَي
رب قد لعنته فَمَا علمه قَالَ: السحر
قَالَ: فَمَا قِرَاءَته قَالَ: الشّعْر
قَالَ: فَمَا كِتَابه قَالَ: الوشم
قَالَ: فَمَا طَعَامه قَالَ: كل ميتَة وَمَا لم يذكر اسْم الله
عَلَيْهِ
قَالَ: فَمَا شرابه قَالَ: كل مُسكر
قَالَ: فَأَيْنَ مَسْكَنه قَالَ: الْحمام
قَالَ: فَأَيْنَ مَجْلِسه قَالَ: الْأَسْوَاق
قَالَ: فَمَا صَوته قَالَ: المزمار
قَالَ: فَمَا مصائده: قَالَ: النِّسَاء
(1/152)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إِبْلِيس لرَبه تَعَالَى: يَا رب قد أهبط آدم وَقد علمت أَنه
سَيكون كتاب ورسل فَمَا كِتَابهمْ ورسلهم قَالَ: رسلهم
الْمَلَائِكَة والنبيون وكتبهم التَّوْرَاة والإِنجيل
وَالزَّبُور وَالْفرْقَان
قَالَ: فَمَا كتابي قَالَ: كتابك الوشم وقراءتك الشّعْر ورسلك
الكهنة وطعامك مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وشرابك كل مُسكر
وصدقك الْكَذِب وبيتك الْحمام ومصائدك النِّسَاء ومؤذنك
المزمار ومسجدك الْأَسْوَاق
(1/153)
يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ
مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ
بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ
فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ (43)
قَوْله تَعَالَى: يَا بني إِسْرَائِيل
اذْكروا نعمي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وأوفوا بعهدي أوفي
بعهدكم وإيي فارهبون وآمنوا بِمَا أنزلت مُصدقا لما مَعكُمْ
وَلَا تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ وَلَا تشتروا بآيتي ثمنا
قَلِيلا وإيي فاتقون وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا
الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا
الزَّكَاة واركعوا مَعَ الراكعين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِسْرَائِيل يَعْقُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز قَالَ:
كَانَ يَعْقُوب رجلا بطيشاً فلقي ملكا فعالجه فصرعه الْملك
فَضَربهُ على فَخذيهِ فَلَمَّا رأى يَعْقُوب مَا صنع بِهِ بَطش
بِهِ فَقَالَ: مَا أَنا بتاركك حَتَّى تسميني اسْما
فَسَماهُ إِسْرَائِيل
قَالَ أَبُو مجلز: أَلا ترى أَنه من أَسمَاء الْمَلَائِكَة
إِسْرَائِيل وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت
الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل إِلَّا عشرَة
نوح وَهود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب وَإِبْرَاهِيم
وَإِسْمَاعِيل واسحق وَمُحَمّد عَلَيْهِ السَّلَام وَلم من
الْأَنْبِيَاء من لَهُ اسمان إِلَّا إِسْرَائِيل وَعِيسَى
فإسرائيل يَعْقُوب وَعِيسَى الْمَسِيح
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس: أَن إِسْرَائِيل
وَمِيكَائِيل وَجِبْرِيل وإسرافيل كَقَوْلِك عبد الله
(1/153)
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن الْحَرْث
الْبَصْرِيّ قَالَ ايل الله بالعبرانية
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {يَا بني إِسْرَائِيل} قَالَ: للأحبار من
الْيَهُود {اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} أَي
آلائي عنْدكُمْ وَعند آبائكم لما كَانَ نجاهم بِهِ من
فِرْعَوْن وَقَومه {وأوفوا بعهدي} الَّذِي أخذت بأعناقكم
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَكُم {أوف بعهدكم}
انجز لكم مَا وعدتكم عَلَيْهِ بتصديقكم مَعَه واتباعه بِوَضْع
مَا كَانَ عَلَيْهِم من الإِصر والأغلال {وإياي فارهبون} أَن
انْزِلْ بكم مَا أنزلت بِمن كَانَ قبلكُمْ من آبائكم من
النقمات {وآمنوا بِمَا أنزلت مُصدقا لما مَعكُمْ وَلَا
تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ} وعندكم بِهِ من الْعلم مَا لَيْسَ
عِنْد غَيْركُمْ {وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَي لَا
تكتموا مَا عنْدكُمْ من الْمعرفَة برسولي وَبِمَا جَاءَ بِهِ
وَأَنْتُم تجدونه عنْدكُمْ فِيمَا تعلمُونَ من الْكتب الَّتِي
بِأَيْدِيكُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وأوفوا بعهدي} يَقُول: مَا أَمرتكُم بِهِ من طَاعَتي
ونهيتكم عَنهُ من معصيتي فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَغَيره {أوف بعهدكم} يَقُول: أَرض عَنْكُم وأدخلكم الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي
أوف بعهدكم} قَالَ: هُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم
فِي سُورَة (لقد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل
) (الْمَائِدَة الْآيَة 12) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميدعن قَتَادَة فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف
بعهدكم} قَالَ: الْعَهْد الَّذِي أَخذ الله عَلَيْهِم
وَأَعْطَاهُمْ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة (لقد
أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل
) (الْمَائِدَة الْآيَة 12) إِلَى قَوْله (ولأدخلنكم جنَّات
تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف
بعهدكم} قَالَ: أَوْفوا بِمَا افترضت عَلَيْكُم أوف لكم بِمَا
رَأَيْت الْوَعْد لكم بِهِ على نَفسِي
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن
الضَّحَّاك فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قَالَ:
أَوْفوا بطاعتي أوف لكم بِالْجنَّةِ
(1/154)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {وآمنوا بِمَا أنزلت} قَالَ: الْقرَان {مُصدقا لما
مَعكُمْ} قَالَ: التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَلَا تَكُونُوا
أوّل كَافِر بِهِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ:
يَقُول يَا معشر أهل الْكتاب آمنُوا بِمَا أنزلت على مُحَمَّد
مُصدقا لما مَعكُمْ لأنكم تجدونه مَكْتُوبًا عنْدكُمْ فِي
التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَلَا تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ}
يَقُول: لَا تَكُونُوا أوّل من كفر بِمُحَمد {وَلَا تشتروا
بآياتي ثمنا} يَقُول: لَا تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أجرا
قَالَ: وَهُوَ مَكْتُوب عِنْدهم فِي الْكتاب الأوّل: يَا ابْن
آدم علم مجَّانا كَمَا علمت مجَّانا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَلَا
تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} قَالَ: لَا تَأْخُذ على مَا علمت
أجرا فَإِنَّمَا أجر الْعلمَاء والحكماء على الله وهم يجدونه
عِنْدهم يَا ابْن آدم علم مجَّانا كَمَا علمت مجَّانا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تلبسوا
الْحق بِالْبَاطِلِ} قَالَ: لَا تخلطوا الصدْق بِالْكَذِبِ
{وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} قَالَ: لَا تكتموا الْحق
وَأَنْتُم قد علمْتُم أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميدعن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تلبسوا الْحق
بِالْبَاطِلِ} قَالَ: لَا تلبسوا الْيَهُودِيَّة والنصرانية
بالإِسلام وَأَنْتُم تعلمُونَ أَن دين الله الإِسلام وَأَن
الْيَهُودِيَّة والنصرانية بِدعَة لَيست من الله {وتكتمون
الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} قَالَ: كتموا مُحَمَّدًا وهم
يعلمُونَ أَنه رَسُول الله يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي
التَّوْرَاة والإِنجيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن
الْمُنكر وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم
الْخَبَائِث
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي زيد فِي قَوْله {وَلَا تلبسوا الْحق
بِالْبَاطِلِ} قَالَ: الْحق التَّوْرَاة الَّتِي أنزل الله
وَالْبَاطِل الَّذِي كتبوه بِأَيْدِيهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وتكتموا الْحق} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واركعوا}
قَالَ: صلوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {واركعوا مَعَ
الراكعين} قَالَ: أَمرهم أَن يركعوا مَعَ أمة مُحَمَّد يَقُول:
كونُوا مِنْهُم وَمَعَهُمْ
(1/155)
أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
قَوْله تَعَالَى: أتأمرون النَّاس
بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا
تعقلون
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أتأمرون النَّاس
بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} قَالَ: أُولَئِكَ أهل الْكتاب
كَانُوا يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم وهم يَتلون
الْكتاب وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا فِيهِ
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ والواحدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
هَذِه الْآيَة فِي يهود أهل الْمَدِينَة كَانَ الرجل مِنْهُم
يَقُول لصهره ولذوي قرَابَته وَلمن بَينه وَبينهمْ رضَاع من
الْمُسلمين: اثْبتْ على الدّين الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ وَمَا
يَأْمُرك بِهِ هَذَا الرجل - يعنون بِهِ مُحَمَّدًا - فَإِن
أمره حق وَكَانُوا يأمرون النَّاس بذلك وَلَا يَفْعَلُونَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتأمرون
النَّاس بِالْبرِّ} قَالَ: بِالدُّخُولِ فِي دين مُحَمَّد
{وَأَنْتُم تتلون} يَقُولُونَ: تدرسون الْكتاب بذلك {أَفلا
تعقلون} تفهمون ينهاهم عَن هَذَا الْخلق الْقَبِيح
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: تنهون النَّاس عَن الْكفْر لما
عنْدكُمْ من النُّبُوَّة والعهد من التَّوْرَاة وَأَنْتُم
تكفرون بِمَا فِيهَا من عهدي إِلَيْكُم فِي تَصْدِيق رَسُولي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي قلَابَة
فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: لَا يفقه الرجل
كل الْفِقْه حَتَّى يمقت النَّاس فِي ذَات الله ثمَّ يرجع
إِلَى نَفسه فَيكون لَهَا أَشد مقتاً
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد
وَالْبَزَّار وَابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت
لَيْلَة أُسري بِي رجَالًا تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار كلما
قرضت رجعت فَقلت لجبريل: من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ خطباء
من أمتك كَانُوا يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم وهم
يَتلون الْكتاب أَفلا يعْقلُونَ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أُسَامَة بن زيد
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقولُ
يُجاء بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار فتندلق
بِهِ أقتابه فيدور بهَا كَمَا يَدُور
(1/156)
الْحمار برحاه فيطف بِهِ أهل النَّار
فَيَقُولُونَ: يَا فلَان مَالك مَا أَصَابَك ألم تكن
تَأْمُرنَا بِالْمَعْرُوفِ وتنهانا عَن الْمُنكر
فَيَقُول: كنت آمركُم بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتيه وأنهاكم عَن
الْمُنكر وآتيه
وَأخرج الْخَطِيب فِي اقْتِضَاء الْعلم بِالْعَمَلِ وَابْن
النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اطلع قوم من أهل الْجنَّة على قوم من أهل
النَّار فَقَالُوا: بِمَ دَخَلْتُم النَّار وَإِنَّمَا
دَخَلنَا الْجنَّة بتعليمكم قَالُوا: إِنَّا كُنَّا نأمركم
وَلَا نَفْعل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي اقْتِضَاء الْعلم
بِالْعَمَلِ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن الْوَلِيد بن
عقبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن
اناساً من أهل الْجنَّة يتطلعون إِلَى أنَاس من أهل النَّار
فَيَقُولُونَ: بِمَ دَخَلْتُم النَّار فوَاللَّه مَا دَخَلنَا
الْجنَّة إِلَّا بتعليمكم فَيَقُولُونَ: إِنَّا كُنَّا نقُول
وَلَا نَفْعل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْوَلِيد
بن عقبَة أَنه خطب النَّاس فَقَالَ فِي خطبَته: ليدخلن امراء
النَّار ويدخلن من أطاعهم الْجنَّة فَيَقُولُونَ لَهُم وهم فِي
النَّار: كَيفَ دَخَلْتُم النَّار وَإِنَّمَا دَخَلنَا
الْجنَّة بطاعتكم فَيَقُولُونَ لَهُم: إِنَّا كُنَّا نأمركم
بأَشْيَاء نخالف إِلَى غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: يشرف قوم فِي
الْجنَّة على قوم فِي النَّار فَيَقُولُونَ: مَا لكم فِي
النَّار وَإِنَّمَا كُنَّا نعمل بِمَا تعلمُونَ
قَالُوا: كُنَّا نعلمكم وَلَا نعمل بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن الشّعبِيّ قَالَ: يطلع
قوم من أهل الْجنَّة إِلَى قوم من النَّار فَيَقُولُونَ: مَا
أدخلكم النَّار وَإِنَّمَا دَخَلنَا الْجنَّة بِفضل تأدبيكم
وتعليمكم قَالُوا: إِنَّا كُنَّا نأمر بِالْخَيرِ وَلَا نفعله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي الِاقْتِضَاء والأصبهاني
فِي التَّرْغِيب بِسَنَد جيد عَن جُنْدُب بن عبد الله قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْعَالم
الَّذِي يعلم النَّاس الْخَيْر وَلَا يعْمل بِهِ كَمثل السراج
يضيء للنَّاس وَيحرق نَفسه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد
الزّهْد عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ: إِن مثل الَّذِي يعظ
النَّاس وينسى نَفسه كَمثل الْمِصْبَاح يضيء لغيره وَيحرق
نَفسه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي الِاقْتِضَاء عَن أبي
بزْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/157)
مثل الَّذِي يعلم النَّاس وينسى نَفسه
كَمثل الفتيلة تضيء للنَّاس وَتحرق نَفسهَا
وَأخرج ابْن قَانِع فِي مُعْجَمه والخطيب فِي الِاقْتِضَاء عَن
سليك قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
إِذا علم الْعَالم وَلم يعْمل كَانَ كالمصباح يضيء للنَّاس
وَيحرق نَفسه
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب بِسَنَد ضَعِيف عَن
أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يجاء بالعالم السوء يَوْم الْقِيَامَة فيقذف فِي
جَهَنَّم فيدور بقصبه - قلت: مَا قصبه قَالَ: أمعاؤه - كَمَا
يَدُور الْحمار بالرحى فَيُقَال: يَا ويله بِمَ لقِيت هَذَا
وَإِنَّمَا اهتدينا بك قَالَ: كنت أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم
عَنهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دَعَا النَّاس
إِلَى قَول أَو عمل وَلم يعْمل هُوَ بِهِ لم يزل فِي ظلّ سخط
الله حَتَّى يكف أَو يعْمل مَا قَالَ ودعا إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
أَنه جَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس إِنِّي اريد أَن
آمُر بِالْمَعْرُوفِ وأنهى عَن الْمُنكر
قَالَ: أَو بلغت ذَلِك قَالَ: أَرْجُو
قَالَ: فَإِن لم تخش أَن تفتضح بِثَلَاثَة أحرف فِي كتاب الله
فافعل
قَالَ: وَمَا هن قَالَ: قَوْله عز وَجل {أتأمرون النَّاس
بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} أحكمت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فالحرف الثَّانِي قَالَ قَوْله تَعَالَى (لم تَقولُونَ
مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله أَن تَقولُوا مَالا
تَفْعَلُونَ) (الصَّفّ الْآيَة 3) أحكمت هَذِه الْآيَة قَالَ:
لَا
قَالَ: فالحرف الثَّالِث قَالَ قَول العَبْد الصَّالح شُعَيْب
(مَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ) (هود الْآيَة
88) أحكمت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فابدأ بِنَفْسِك
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن الشّعبِيّ قَالَ: مَا خطب خطيب فِي الدُّنْيَا
إِلَّا سيعرض الله عَلَيْهِ خطبَته مَا أَرَادَ بهَا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي
الدَّرْدَاء قَالَ: ويل للَّذي لَا يعلم مرّة وَلَو شَاءَ الله
لعلمه وويل للَّذي يعلم وَلَا يعْمل سبع مَرَّات
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ:
ويل للَّذي لَا يعلم وَلَو شَاءَ الله لعلمه وويل لمن يعلم
ثمَّ لايعمل سبع مَرَّات
(1/158)
وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى
الْخَاشِعِينَ (45)
قَوْله تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ
وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَاسْتَعِينُوا
بِالصبرِ وَالصَّلَاة} قَالَ: إنَّهُمَا معونتان من الله
فاستعينوا بهما
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء وَابْن أبي حَاتِم
عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الصَّبْر اعْتِرَاف العَبْد لله
بِمَا أصَاب مِنْهُ واحتسابه عِنْد الله رَجَاء ثَوَابه وَقد
يجزع الرجل وَهُوَ متجلد لَا يرى مِنْهُ إِلَّا الصَّبْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: الصَّبْر
صبران: صَبر عِنْد الْمُصِيبَة حسن وَأحسن مِنْهُ الصَّبْر عَن
محارم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: الصَّبْر
بَابَيْنِ الصَّبْر لله فِيمَا أحب وَإِن ثقل على الْأَنْفس
والأبدان وَالصَّبْر عَمَّا كره وَإِن نازعت إِلَيْهِ الاهواء
فَمن كَانَ هَكَذَا فَهُوَ من الصابرين الَّذين يسلم عَلَيْهِم
إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصَّبْر وَأَبُو
الشَّيْخ فِي الثَّوَاب والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن عَليّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّبْر
ثَلَاثَة فَصَبر على الْمُصِيبَة وصبر على الطَّاعَة وصبر على
الْمعْصِيَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
وَفِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت
رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا
غُلَام أَلا أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن قلت: بلَى
قَالَ: احفظ الله يحفظك احفظ الله تَجدهُ أمامك تعرف إِلَى
الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة وَاعْلَم أَن مَا أَصَابَك
لم يكن ليخطئك وَأَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَإِن الْخَلَائق
لَو اجْتَمعُوا على أَن يعطوك شَيْئا لم يرد الله أَن يعطيكه
لم يقدروا على ذَلِك أَو أَن يصرفوا عَنْك شَيْئا أَرَادَ اله
أَن يعطيكه لم يقدروا على ذَلِك وَأَن قد جف الْقَلَم بِمَا
هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا سَأَلت فَسَأَلَ
الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَإِذا اعتصمت فاعتصم
بِاللَّه واعمل لله بالشكر فِي الْيَقِين وَاعْلَم أَن
الصَّبْر على مَا تكره خير كثير وَأَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر
وَأَن الْفرج مَعَ الكرب إِن مَعَ الْعسر يسرا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الإِفراد وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن
(1/159)
سهل بن سعد السَّاعِدِيّ
ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعبد الله بن
عَبَّاس أَلا أعلمك كَلِمَات تنْتَفع بِهن قَالَ: بلَى يَا
رَسُول الله
قَالَ: احفظ الله يحفظك احفظ الله تَجدهُ أمامك تعرف إِلَى
الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة فَإِذا سَأَلت فَسَأَلَ
الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه جف الْقَلَم بِمَا
هُوَ كَائِن فَلَو جهد الْعباد أَن ينفعوك بِشَيْء لم
يَكْتُبهُ الله عَلَيْك لم يقدروا عَلَيْهِ وَلَو جهد الْعباد
أَن يضروك بِشَيْء لم يَكْتُبهُ الله عَلَيْك لم يقدروا
عَلَيْهِ فَإِن اسْتَطَعْت أَن تعْمل لله بِالصّدقِ فِي
الْيَقِين فافعل فَإِن لم تستطع فَإِن فِي الصَّبْر على مَا
تكره خيرا كثيرا وَاعْلَم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن
الْفرج مَعَ الكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت ذَات يَوْم رَدِيف رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أعلمك خِصَالًا ينفعك اله بِهن
قلت: بلَى
قَالَ: عَلَيْك بِالْعلمِ فَإِن الْعلم خَلِيل الْمُؤمن والحلم
وزيره وَالْعقل دَلِيله وَالْعَمَل قيمه والرفق أَبوهُ واللين
أَخُوهُ وَالصَّبْر أَمِير جُنُوده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخرائطي فِي كتاب
الشُّكْر عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الإِيمان نِصْفَانِ
فَنصف فِي الصَّبْر وَنصف فِي الشُّكْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّبْر نصف الإِيمان
وَالْيَقِين الإِيمان كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا مثله
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنه الْمَحْفُوظ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الإِيمان
على أَربع دعائم
على الصَّبْر وَالْعدْل وَالْيَقِين وَالْجهَاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله
قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَي الإِيمان أفضل قَالَ: الصَّبْر
والسماحة
قيل: فَأَي الْمُؤمنِينَ أكمل إِيمَانًا قَالَ: أحْسنهم خلقا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر
اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: بَينا أَنا عِنْد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَهُ رجل
فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا الإِيمان قَالَ: الصَّبْر
والسماحة
قَالَ: فَأَي الإِسلام أفضل قَالَ: من سلم الْمُسلمُونَ من
لِسَانه وَيَده
قَالَ: فَأَي الْهِجْرَة أفضل قَالَ: من هجر السوء
قَالَ: فَأَي الْجِهَاد أفضل
(1/160)
قَالَ: من أهرق دَمه وعقر جَوَاده
قَالَ: فَأَي الصَّدَقَة أحسن أفضل قَالَ: جهد الْمقل
قَالَ: فَأَي الصَّلَاة أفضل قَالَ: طول الْقُنُوت
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت
قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَي الْعَمَل أفضل قَالَ:
الصَّبْر والسماحة
قَالَ: أُرِيد أفضل من ذَلِك
قَالَ: لَا تتهم الله فِي شَيْء من قَضَائِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: الإِيمان الصَّبْر
والسماحة الصَّبْر عَن محارم الله وَأَدَاء فَرَائض الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الْإِيمَان وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عَليّ قَالَ: الصَّبْر من الإِيمان بِمَنْزِلَة الرَّأْس
من الْجَسَد إِذا قطع الرَّأْس نَتن بَاقِي الْجَسَد وَلَا
إِيمَان لمن لَا صَبر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ادخل نَفسك فِي
هموم الدُّنْيَا واخرج مِنْهَا بالصب وليردك عَن النَّاس مَا
تعلم من نَفسك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قضى نهمته فِي
الدُّنْيَا حيل بَينه وَبَين شَهْوَته فِي الْآخِرَة وَمن مد
عَيْنَيْهِ إِلَى زِينَة المترفين كَانَ مهيناً فِي ملكوت
السَّمَاء وَمن صَبر على الْقُوت الشَّديد أسْكنهُ الله
الفردوس حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ قد أَفْلح من أسلم وَكَانَ
رزقه كفافاً وصبر على ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْحُوَيْرِث أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ طُوبَى لمن رزقه الله الكفاف
وصبر عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عسعس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فقد رجلا فَسَأَلَ عَنهُ فجَاء فَقَالَ: يَا
رَسُول الله إِنِّي اردت أَن آتِي هَذَا الْجَبَل فأخلو فِيهِ
واتعبد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لصبر
أحدكُم سَاعَة على مَا يكره فِي بعض مَوَاطِن الإِسلام خير من
عِبَادَته خَالِيا أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عسعس بن سَلامَة عَن أبي حَاضر
الْأَسدي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد رجلا
فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل: إِنَّه قد تفرد يتعبد
فَبعث إِلَيْهِ فَأتى إِلَيْهِ فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن موطناً من مَوَاطِن الْمُسلمين أفضل
من عبَادَة الرجل وَحده سِتِّينَ سنة
قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/161)
قَالَ الْمُسلم الَّذِي يخالط النَّاس
ويصبر على أذاهم خير من الْمُسلم الَّذِي لَا يخالط النَّاس
وَلَا يصبر على أذاهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّكُم يسره أَن يَقِيه الله من
فيح حهنم ثمَّ قَالَ: أَلا إِن عمل الْجنَّة خزن بِرَبْوَةٍ
ثَلَاثًا أَلا إِن عمل النَّهَار سهل لشَهْوَة ثَلَاثًا
والسعيد من وقى الْفِتَن وَمن ابتلى فَصَبر فيا لَهَا ثمَّ يَا
لَهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صَبر أهل بَيت على
جهد ثَلَاثًا إِلَّا أَتَاهُم الله برزق
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول من
حَدِيث ابْن عمر
مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاع أَو
احْتَاجَ فكتمه النَّاس كَانَ حَقًا على الله أَن يرزقه رزق
سنة من حَلَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا من مُؤمن
تَقِيّ يحبس الله عَنهُ الدُّنْيَا ثَلَاثَة أَيَّام وَهُوَ
فِي ذَلِك رَاض عَن الله من غير جزع إِلَّا وَجَبت لَهُ
الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن شُرَيْح قَالَ: إِنِّي لأصاب
بالمصيبة فَأَحْمَد الله عَلَيْهَا أَربع مَرَّات: أَحْمَده
إِذْ لم تكن أعظم مِمَّا هِيَ وأحمده إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْر
عَلَيْهَا وأحمده إِذْ وفقني للاسترجاع لما أَرْجُو فِيهِ من
الثَّوَاب وأحمده إِذْ لم يَجْعَلهَا فِي ديني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ:
خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ
هَل مِنْكُم من يُرِيد أَن يؤتيه الله علما بِغَيْر تعلم
وهدياً بِغَيْر هِدَايَة هَل مِنْكُم من يُرِيد أَن يذهب الله
عَنهُ الْعَمى ويجعله بَصيرًا أَلا إِنَّه من زهد الدُّنْيَا
وَقصر أمله فِيهَا أعطَاهُ الله علما بِغَيْر تعلم وَهدى
بِغَيْر هِدَايَة أَلا إِنَّه سَيكون بعدكم قوم لايستقيم لَهُم
الْملك إِلَّا بِالْقَتْلِ والتجبر وَلَا الْغَنِيّ إِلَّا
بالبخل وَالْفَخْر وَلَا الْمحبَّة إِلَّا باللاستجرام فِي
الدّين وَاتِّبَاع الْهوى إِلَّا فَمن أدْرك ذَلِك الزَّمَان
مِنْكُم فَصَبر للفقر وَهُوَ يقدر على الْغنى وصبر للبغضاء
وَهُوَ يقدر على الْمحبَّة وصبر على الذل وَهُوَ يقدر على
الْعِزّ لَا يُرِيد بذلك إِلَّا وَجه الله أعطَاهُ ثَوَاب
خمسين صديقا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الإِيمان
الصَّبْر والسماحة
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّه من
يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن
(1/162)
يغنه الله وَمن يتصبر يصبره الله وَلم
تعطوا عطاءا خيرا وأوسع من الصَّبْر
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: وجدنَا
خير عيشنا الصَّبْر
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مَيْمُون بن مهْرَان
قَالَ: مَا نَالَ رجلا من جسيم الْخَيْر شَيْء إِلَّا بِالصبرِ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّلَاة} أخرج ابْن جرير عَن أبي
الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة}
قَالَ: على مرضاة الله وَاعْلَمُوا أَنَّهُمَا من طَاعَة الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير عَن حُذَيْفَة قَالَ
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حز بِهِ أَمر
فزع إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن أبي
الدَّرْدَاء قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا كَانَت لَيْلَة ريح كَانَ مفزعه إِلَى الْمَسْجِد حَتَّى
يسكن وَإِذا حدث فِي السَّمَاء حدث من كسوف شمس أَو قمر كَانَ
مفزعه إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن صُهَيْب عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانُوا - يَعْنِي
الْأَنْبِيَاء - يفزعون إِذا فزعوا إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ فِي مسير لَهُ فنعي إِلَيْهِ ابْن لَهُ فَنزل فصلى
رَكْعَتَيْنِ ثمَّ اسْترْجع وَقَالَ: فعلنَا كَمَا أمرنَا الله
فَقَالَ {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس
أَنه نعي إِلَيْهِ أَخُوهُ قثم وَهُوَ فِي مسير فَاسْتَرْجع
ثمَّ تنحى عَن الطَّرِيق فصلى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فيهمَا
الْجُلُوس ثمَّ قَامَ يمشي إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول
{وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة
إِلَّا على الخاشعين}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبَادَة بن
مُحَمَّد بن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: لما حضرت عبَادَة
الْوَفَاة قَالَ: أحرج على إِنْسَان مِنْكُم يبكي فَإِذا خرجت
نَفسِي فتوضؤوا وأحسنوا الْوضُوء ثمَّ ليدْخل كل إِنْسَان
مِنْكُم مَسْجِدا فَيصَلي ثمَّ يسْتَغْفر لِعِبَادِهِ ولنفسه
فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ
وَالصَّلَاة} ثمَّ أَسْرعُوا بِي إِلَى حفرتي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ من
طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد
(1/163)
ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أمه أم
كُلْثُوم بنت عقبَة وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول فِي
قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} قَالَت: غشي على
الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن غشية فظنوا أَنه افاض نَفسه
فِيهَا فَخرجت امْرَأَته أم كُلْثُوم إِلَى الْمَسْجِد تستعين
بِمَا أمرت بِهِ من الصَّبْر وَالصَّلَاة فَلَمَّا أَفَاق
قَالَ: أغشي عليّ آنِفا قَالُوا: نعم
قَالَ: صَدقْتُمْ إِنَّه جَاءَنِي ملكان فَقَالَا لي: انْطلق
نحاكمك إِلَى الْعَزِيز الْأمين
فَقَالَ ملك آخر: ارْجِعَا فَإِن هَذَا مِمَّن كتبت لَهُ
السَّعَادَة وهم فِي بطُون أمهاتهم ويستمع بِهِ بنوه مَا شَاءَ
الله فَعَاشَ بعد ذَلِك شهرا ثمَّ مَاتَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مقَاتل بن حبَان فِي
قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} يَقُول:
اسْتَعِينُوا على طلب الْآخِرَة بِالصبرِ على الْفَرَائِض
وَالصَّلَاة فحافظوا عَلَيْهَا وعَلى مواقيتها وتلاوة
الْقُرْآن فِيهَا وركوعها وسجودها وتكبيرها وَالتَّشَهُّد
فِيهَا وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وإكمال ظُهُورهَا فَذَلِك إِقَامَتهَا وإتمامها قَوْله
{وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين} يَقُول: صرفك عَن
بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة كبر ذَلِك على الْمُنَافِقين
وَالْيَهُود {إِلَّا على الخاشعين} يَعْنِي المتواضعين
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَإِنَّهَا
لكبيرة} قَالَ: لثقيلة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِنَّهَا لكبيرة}
قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ واله يَا مُحَمَّد إِنَّك لتدعونا
إِلَى أَمر كَبِير
قَالَ: إِن الصَّلَاة والإِيمان بِاللَّه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {إِلَّا على الخاشعين} قَالَ: المصدقين بِمَا أنزل الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا على
الخاشعين} قَالَ: الْمُؤمنِينَ حَقًا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِلَّا على
الخاشعين} قَالَ: الْخَائِفِينَ
(1/164)
الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
(46)
قَوْله تَعَالَى: الَّذين يظنون أَنهم
ملاقوا رَبهم وَإِنَّهُم إِلَيْهِ رَاجِعُون
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد قَالَ: كل ظن فِي الْقُرْآن فَهُوَ يَقِين
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: مَا كَانَ من ظن
الْآخِرَة فَهُوَ علم
(1/164)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {وَإِنَّهُم إِلَيْهِ رَاجِعُون} قَالَ: يسيقنون أَنهم
رَاجِعُون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
(1/165)
يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
قَوْله تَعَالَى: يَا بني إِسْرَائِيل
اذْكروا نعمني الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وَأَنِّي فضلتكم على
الْعَالمين
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب
أَنه كَانَ إِذا تَلا {اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت
عَلَيْكُم} قَالَ: مضى الْقَوْم وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ
أَنْتُم
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة فِي قَوْله
{اذْكروا نعمتي} قَالَ: أيادي الله عَلَيْكُم وأيامه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا بني
إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} قَالَ:
نعْمَة الله الَّتِي أنعم على بني إِسْرَائِيل فِيمَا سمي
وَفِيمَا سوى ذَلِك فجر لَهُم الْحجر وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ
والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فِرْعَوْن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} قَالَ: فضلوا على الْعَالم
الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَلكُل زمَان عَالم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأَنِّي فضلتكم
على الْعَالمين} قَالَ: على من هم بَين ظهريه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} قَالَ: بِمَا أعْطوا
من الْملك وَالرسل والكتب على من كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان
فَإِن لكل زمَان عَالما
(1/165)
وَاتَّقُوا يَوْمًا
لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ
مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ (48)
قَوْله تَعَالَى: وَاتَّقوا يَوْمًا لاتجزى
نفس عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة وَلَا يُؤْخَذ
مِنْهَا عدل وَلَا هم ينْصرُونَ
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَرَأت على
أبي بن كَعْب
(1/165)
{وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس}
بِالتَّاءِ {وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة} بِالتَّاءِ {وَلَا
يُؤْخَذ مِنْهَا عدل} بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا تجزي نفس
عَن نفس شَيْئا} قَالَ: لَا تغني نفس مُؤمنَة عَن نفس كَافِرَة
من الْمَنْفَعَة شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر بن قيس الْملَائي عَن رجل من بني
أُميَّة من أهل الشَّام أحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ قَالَ: قيل:
يَا رَسُول الله مَا الْعدْل قَالَ: الْعدْل الْفِدْيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل} قَالَ: بدل الْبَدَل
الْفِدْيَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ:
فِي قراءتنا قبل الْخمسين من الْبَقَرَة مَكَان / لَا تقبل
مِنْهَا شَفَاعَة / لَا يُؤْخَذ
(1/166)
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي
ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ نجيناكم من آل
فِرْعَوْن يسومونكم سوء الْعَذَاب يذبحون أبناءكم ويستحيون
نِسَاؤُكُمْ وَفِي ذَلِكُم بلَاء من ربكُم عَظِيم
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت الكهنة لفرعون:
إِنَّه يُولد فِي هَذَا الْعَام مَوْلُود يذهب بملكك
فَجعل فِرْعَوْن على كل ألف امْرَأَة مائَة رجل وعَلى كل مائَة
عشرَة وعَلى كل عشر رجلا فَقَالَ: انْظُرُوا كل امْرَأَة
حَامِل فِي الْمَدِينَة فَإِذا وضعت حملهَا ذكرا فاذبحوه وَإِن
أَتَت أُنْثَى فَخلوا عَنْهَا وَذَلِكَ قَوْله {يذبحون أبناءكم
ويستحيون نساءكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله
{يسومونكم سوء الْعَذَاب} الْآيَة
قَالَ: إِن فِرْعَوْن ملكهم أَرْبَعمِائَة سنة فَقَالَ لَهُ
الكهنة: سيولد الْعَام بِمصْر غُلَام يكون هلاكك على يَدَيْهِ
فَبعث فِي أهل مصر للنِّسَاء قوابل فَإِذا ولدت امْرَأَة
غُلَاما أَتَى بِهِ فِرْعَوْن فَقتله ويستحي الْجَوَارِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {بلَاء من ربكُم عَظِيم} يَقُول: نعْمَة
وَأخرج وَكِيع عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَفِي ذَلِكُم بلَاء
من ربكُم عَظِيم} قَالَ: نعْمَة من ربكُم عَظِيمَة
(1/166)
وَإِذْ فَرَقْنَا
بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ
فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر
فأنجيناكم وأغرقنا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُم تنْظرُون
(1/166)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر فأنجيناكم وأغرقنا آل فِرْعَوْن
وَأَنْتُم تنْظرُون} قَالَ: أَي وَالله لفرق بهم الْبَحْر
حَتَّى صَار طَرِيقا يبساً يَمْشُونَ فِيهِ (فأنجاهم وَأغْرقَ
آل فِرْعَوْن) عدوهم نعم من عِنْد الله يعرفهُمْ لكيما يشكروا
ويعرفوا حَقه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَرَأى الْيَهُود يَصُومُونَ
يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الْيَوْم الَّذِي تصومون
قَالُوا: هَذَا يَوْم صَالح نجى الله فِيهِ بني إِسْرَائِيل من
عدوهم فصامه مُوسَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نَحن أَحَق
بمُوسَى مِنْكُم فصامه وَأمر بصومه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن
جُبَير
أَن هِرقل كتب إِلَى مُعَاوِيَة وَقَالَ: إِن كَانَ بَقِي فيهم
شَيْء من النبوّة فسيخبرني عَمَّا أسألهم عَنهُ
قَالَ: وَكتب إِلَيْهِ يسْأَله عَن المجرة وَعَن الْقوس وَعَن
الْبقْعَة الَّتِي لم تصبها الشَّمْس إِلَّا سَاعَة وَاحِدَة
قَالَ: فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَة الْكتاب وَالرَّسُول قَالَ:
إِن هَذَا شَيْء مل كنت آبه لَهُ أَن أسأَل عَنهُ إِلَى يومي
هَذَا من لهَذَا قَالُوا: ابْن عَبَّاس
وطوى مُعَاوِيَة كتاب هِرقل وَبَعثه إِلَى ابْن عَبَّاس فَكتب
إِلَيْهِ: إِن الْقوس أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق والمجرة
بَاب السَّمَاء الَّذِي تشق مِنْهُ وَأما الْبقْعَة الَّتِي لم
تصبها الشَّمْس إِلَّا سَاعَة من نَهَار فالبحر الَّذِي أفرج
عَن بني إِسْرَائِيل
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فلق الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل
يَوْم عَاشُورَاء
(1/167)
وَإِذْ وَاعَدْنَا
مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ
مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ وعدنا مُوسَى
أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ اتخذتم الْعجل من بعده وَأَنْتُم
ظَالِمُونَ
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِذ واعدنا
مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} قَالَ: ذَا القعده وَعشرا من ذِي
الْحجَّة وَذَلِكَ حِين خلف مُوسَى أَصْحَابه
(1/167)
واستخلف عَلَيْهِم هَارُون فَمَكثَ على
الطّور أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَأنزل عَلَيْهِم التَّوْرَاة فِي
اللَّوْح فقربه الرب نجياً وَكَلمه وَسمع صرير الْقَلَم وبلغنا
أَنه لم يحدث حَدثا فِي الْأَرْبَعين لَيْلَة حَتَّى هَبَط
الطّور
أما قَوْله {ثمَّ اتخذتم} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
قَالَ: اسْم عجل بني سرائيل الَّذِي عبدوه يهبوب
(1/168)
ثُمَّ عَفَوْنَا
عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم
من بعد ذَلِك لَعَلَّكُمْ تشكرون
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {ثمَّ
عَفَوْنَا عَنْكُم من بعد ذَلِك} يَعْنِي من بعد مَا اتخذتم
الْعجل
(1/168)
وَإِذْ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(53)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ آتَيْنَا مُوسَى
الْكتاب وَالْفرْقَان لَعَلَّكُمْ تهتدون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ
آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَالْفرْقَان} قَالَ: الْكتاب هُوَ
الْفرْقَان فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الْفرْقَان جماع اسْم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور
وَالْفرْقَان
(1/168)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (54)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل
فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم ذَلِك خير لكم عِنْد
بارئكم فَتَابَ عَلَيْكُم إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر مُوسَى قومه عَن
أَمر ربه أَن يقتلُوا أنفسهم واحتبى الَّذين عكفوا على الْعجل
فجلسوا وَقَامَ الَّذين لم يعكفوا على الْعجل فَأخذُوا الخناجر
بِأَيْدِيهِم وأصابتهم ظلمَة شَدِيدَة فَجعل يقتل بَعضهم
بَعْضًا فانجلت الظلمَة عَنْهُم وَقد أجلوا عَن سبعين ألف
قَتِيل كل من قتل مِنْهُم كَانَت لَهُ تَوْبَة وكل من وَبَقِي
كَانَت لَهُ تَوْبَة
(1/168)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ:
قَالُوا لمُوسَى: مَا تَوْبَتنَا قَالَ: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا
فَأخذُوا السكاكين فَجعل الرجل يقتل أَخَاهُ وأباه وَابْنه -
وَالله لَا يُبَالِي من قتل - حَتَّى قتل مِنْهُم سَبْعُونَ
ألفا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: مرهم فَلْيَرْفَعُوا أَيْديهم
وَقد غفر لمن قتل وتيب على من بَقِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّكُم ظلمتم
أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَ: أَمر الْقَوْم بشديدة من الْبلَاء فَقَامُوا يتناحرون
بالشفار وَيقتل بَعضهم بَعْضًا حَتَّى بلغ الله نقمته فيهم
وعقوبته فَلَمَّا بلغ ذَلِك سَقَطت الشفار من أَيْديهم وَأمْسك
عَنْهُم الْقَتْل فَجعله الله للحي مِنْهُم تَوْبَة وللمقتول
شَهَادَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
لما أمرت بَنو إسرائي بقتل أَنْفسهَا برزوا وَمَعَهُمْ مُوسَى
فاضطربوا بِالسُّيُوفِ وتطاعنوا بالخناجر ومُوسَى رَافع
يَدَيْهِ حَتَّى إِذا أفنوا بَعضهم قَالُوا: يَا نَبِي الله
ادْع لنا وَأخذُوا بعضديه فَلم يزل أَمرهم على ذَلِك حَتَّى
إِذا قبل الله تَوْبَتهمْ قبض أَيْديهم بَعضهم عَن بعض
فَألْقوا السِّلَاح وحزن مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل للَّذي
كَانَ من الْقَتْل فيهم فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: مَا يحزنك
أما من قتل مِنْكُم فحي عِنْدِي يرْزق وَأما من بَقِي فقد قبلت
تَوْبَته
فسر بذلك مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {إِلَى بارئكم}
قَالَ: خالقكم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول تبع: شهِدت على أَحْمد أَنه رَسُول من الله
باري النسم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {إِلَى بارئكم} قَالَ: خالقكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ أَمر مُوسَى
قومه عَن أَمر ربه أَن يقتل بَعضهم بعض بالخناجر فَفَعَلُوا
فَتَابَ الله عَلَيْهِم
(1/169)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا
مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (56)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْتُمْ يَا
مُوسَى لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة
وَأَنْتُم تنْظرُون ثمَّ بعثناكم من بعد موتكم لَعَلَّكُمْ
تشكرون
(1/169)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى نرى الله
جهرة} قَالَ: عَلَانيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي
قَوْله {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نؤمن لَك حَتَّى نرى
الله جهرة} قَالَ: هم السبعون الَّذِي اخْتَارَهُمْ مُوسَى
{فأخذتكم الصاعقة} قَالَ: مَاتُوا {ثمَّ بعثناكم من بعد موتكم}
فبعثوا من بعد الْمَوْت ليستوفوا آجالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: عُوقِبَ الْقَوْم فأماتهم الله عُقُوبَة ثمَّ بَعثهمْ
إِلَى بَقِيَّة آجالهم ليتوفوها
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {فأخذتكم الصاعقة}
قَالَ: الْعَذَاب وَأَصله الْمَوْت
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت ربيعَة وَهُوَ يَقُول: وَقد كنت أخْشَى عَلَيْك
الحتوف وَقد كنت آمنك الصاعقة
(1/170)
وَظَلَّلْنَا
عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا
ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
قَوْله تَعَالَى: وظللنا عَلَيْكُم
الْغَمَام وأنزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى كلوا من طَيّبَات
مَا رزقناكم وَمَا ظلمونا وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم
الْغَمَام} قَالَ: غمام أبرد من هَذَا وَأطيب وَهُوَ الَّذِي
يَأْتِي فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الَّذِي جَاءَت فِيهِ
الْمَلَائِكَة يَوْم بدر وَكَانَ مَعَهم فِي التيه
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} قَالَ:
لَيْسَ بالسحاب هُوَ الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ
يَوْم الْقِيَامَة وَلم يكن إِلَّا لَهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وظللنا عَلَيْكُم
الْغَمَام} قَالَ: هُوَ السَّحَاب الْأَبْيَض الَّذِي لَا مَاء
فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم
الْغَمَام} قَالَ: ظلل عَلَيْهِم فِي التيه
(1/170)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قتاد فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْبَريَّة ظلل عَلَيْهِم الْغَمَام من
الشَّمْس وأطعمهم الْمَنّ والسلوى حِين برزوا إِلَى الْبَريَّة
فَكَانَ الْمَنّ يسْقط عَلَيْهِم فِي محلتهم سُقُوط الثَّلج
أَشد بَيَاضًا من الثَّلج يسْقط عَلَيْهِم من طُلُوع الْفجْر
إِلَى طُلُوع الشَّمْس فَيَأْخُذ الرجل قدر مَا يَكْفِيهِ
يَوْمه ذَلِك فَإِن تعدى فسد وَمَا يبْقى عِنْده حَتَّى إِذا
كَانَ يَوْم سادسه جُمُعَة أَخذ مَا يَكْفِيهِ ليَوْم سادسه
وَيَوْم سابعه فيبقي عِنْده لِأَن إِذا كَانَ يَوْم عيد لَا
يشخص فِيهِ لأمر معيشة وَلَا لطلب شَيْء وَهَذَا كُله فِي
الْبَريَّة
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ
{الْمَنّ} شَيْء أنزلهُ الله عَلَيْهِم مثل الطل شبه الرب
الغليظ {والسلوى} طير أكبر من العصفور
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد قَالَ: {الْمَنّ} صمغة {والسلوى} طَائِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ:
قَالُوا يَا مُوسَى كَيفَ لنا بِمَاء هَهُنَا أَيْن الطَّعَام
فَأنْزل الله عَلَيْهِم الْمَنّ فَكَانَ يسْقط على شَجَرَة
الترنجبين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن
مُنَبّه
أَنه سُئِلَ مَا الْمَنّ قَالَ: خبز الرقَاق مثل الذّرة أَو
مثل النقي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ
{الْمَنّ} شراب كَانَ ينزل عَلَيْهِم مثل الْعَسَل فيمزجونه
بِالْمَاءِ ثمَّ يشربونه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَ الْمَنّ ينزل عَلَيْهِم بِاللَّيْلِ على
الْأَشْجَار فيغذون إِلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شاؤوا
{والسلوى} طَائِر شَبيه بالسماني كَانُوا يَأْكُلُون مِنْهُ
مَا شاؤوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {الْمَنّ} الَّذِي
يسْقط من السَّمَاء على الشّجر فتأكله النَّاس {والسلوى} هُوَ
السماني
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن زيد
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الكمأة من
الْمَنّ وماؤها شِفَاء للعين
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
مثله
وَأخرج النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر بن عبد الله وَأبي سعيد
الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس
مثله
(1/171)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس
من الصَّحَابَة {والسلوى} طَائِر يشبه السماني
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك أَنه
كَانَ يَقُول: السماني هِيَ السلوى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت السلوى طيراً إِلَى
الْحمرَة تحشرها عَلَيْهِم الرّيح الْجنُوب فَكَانَ الرجل
مِنْهُم يذبح مِنْهَا قدر مَا يَكْفِيهِ يَوْمه ذَلِك فَإِذا
تعدى فسد وَلم يبْق عِنْده حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم سادسه
يَوْم جمعته أَخذ مَا يَكْفِيهِ ليَوْم سادسه وَيَوْم سابعه
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن
مُنَبّه قَالَ: سَأَلت بَنو إِسْرَائِيل مُوسَى اللَّحْم
فَقَالَ الله: لأطعمنهم من أقل لحم يعلم فِي الأَرْض
فَأرْسل عَلَيْهِم ريحًا فأذرت عِنْد مساكنهم السلوى - وَهُوَ
السماني - ميلًا فِي ميل قيد رمح فِي السَّمَاء فجنوا للغد
فنتن اللَّحْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن
مُنَبّه أَنه سُئِلَ عَن السلوى فَقَالَ: طير سمين مثل الْحمام
وَكَانَ يأيتهم فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ سبت إِلَى سبت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا
ظلمونا} قَالَ: نَحن أعز من أَن نظلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} قَالَ:
يضرون
(1/172)
وَإِذْ قُلْنَا
ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ
شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا
حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ (58)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا
هَذِه الْقرْيَة فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا وادخلوا
الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطياكم وسنزيد
الْمُحْسِنِينَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة} قَالَ: بَيت
الْمُقَدّس
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب} قَالَ: بَاب ضيق
(1/172)
{سجدا} قَالَ: ركعا {وَقُولُوا حطة} قَالَ:
مغْفرَة قَالَ: فَدَخَلُوا من قبل استاههم وَقَالُوا: حِنْطَة
استهزاء قَالَ: فَذَلِك قَوْله عز وَجل (فبدل الَّذين ظلمُوا
قولا غير الَّذِي قيل لَهُم) (الْبَقَرَة الْآيَة 59)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وادخلوا
الْبَاب سجدا} قَالَ: هُوَ أحد أَبْوَاب بَيت الْمُقَدّس
وَهُوَ يدعى بَاب حطة
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قيل
لَهُم {ادخُلُوا الْبَاب سجدا} فَدَخَلُوا مقنعي رؤوسهم
{وَقُولُوا حطة} فَقَالُوا: حِنْطَة حَبَّة حَمْرَاء فِيهَا
شعيرَة فَذَلِك قَوْله {فبدل الَّذين ظلمُوا} الْبَقَرَة
الْآيَة 59 وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو
الشَّيْخ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنهم قَالُوا: هطى
سمقاثا ازبة مزبا
فَهِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ حَبَّة حِنْطَة حَمْرَاء مثقوبة
فِيهَا شعيرَة سَوْدَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله
{وَقُولُوا حطة} أَي احطط عَنَّا خطايانا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب سجدا} قَالَ: طأطئوا
رؤوسكم {وَقُولُوا حطة} قَالَ: قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقُولُوا حطة} قَالَ:
لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْبَاب
قبل الْقبْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد قَالَ: بَاب حطة من أَبْوَاب بَيت الْمُقَدّس أَمر
مُوسَى قومه أَن يدخلُوا ويقولوا حطة وطؤطىء لَهُم الْبَاب
ليخفضوا رؤوسهم فَلَمَّا سجدوا قَالُوا حِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب
سجدا} قَالَ: كُنَّا نتحدث أَنه بَاب من أَبْوَاب بَيت
الْمُقَدّس {وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد
الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: من كَانَ خاطئا غفرت لَهُ خطيئته وَمن
كَانَ محسناً زَاده الله
(1/173)
إحساناً (فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير
الَّذِي قيل لَهُم) (الْبَقَرَة الْآيَة 59) قَالَ: بَين لَهُم
أمرا علموه فخالفوه إِلَى غَيره جرْأَة على الله وعتواً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وسنزيد
الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: من كَانَ قبلكُمْ محسناً زيد فِي
إحسانه وَمن كَانَ مخطئاً نغفر لَهُ خطيئته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد بن
حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قيل لبني إِسْرَائِيل ادخُلُوا
الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة فبدلوا فَدَخَلُوا يزحفون على
استاههم وَقَالُوا حَبَّة فِي شَعْرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس وَأبي
هُرَيْرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دخلُوا الْبَاب الَّذِي أمروا أَن يدخلُوا فِيهِ سجدا يزحفون
على استاههم وهم يَقُولُونَ: حِنْطَة فِي شعيرَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الله لبني إِسْرَائِيل {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا
حطة نغفر لكم خطاياكم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: سرنا مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ من آخر
اللَّيْل اجتزنا فِي بَريَّة يُقَال لَهَا ذَات الحنظل
فَقَالَ: مَا مثل هَذِه الثَّنية اللَّيْلَة إِلَّا كَمثل
الْبَاب الَّذِي قَالَ الله لبني إِسْرَائِيل {وادخلوا الْبَاب
سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِنَّمَا
مثلنَا فِي هَذِه الْأمة كسفينة نوح وَكتاب حطة فِي بني
إِسْرَائِيل
(1/174)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا
عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا
كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)
قَوْله تَعَالَى: فبدل الَّذين ظلمُوا قولا
غير الَّذِي قيل لَهُم فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزا من
السَّمَاء بِمَا كَانُوا يفسقون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل
شَيْء فِي كتاب الله من الرجز يَعْنِي بِهِ الْعَذَاب
(1/174)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن
مَالك وَأُسَامَة بن زيد وَخُزَيْمَة بن ثَابت قَالُوا: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الطَّاعُون رجز
وَبَقِيَّة عَذَاب عذب بِهِ أنَاس من قبلكُمْ فَإِذا كَانَ
بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا وَإِذا
بَلغَكُمْ أَن بِأَرْض فَلَا تدخلوها
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ:
الرجز الْغَضَب
(1/175)
وَإِذِ اسْتَسْقَى
مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ
فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ
كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ
اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ استسقى مُوسَى
لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا يَا مُوسَى اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت
مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا قد علم كل أنَاس مشاربهم كلوا
وَاشْرَبُوا من رزق الله وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ استسقى
مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْآيَة
قَالَ: ذَلِك فِي التيه ضرب لَهُم مُوسَى الْحجر فَصَارَ فِيهِ
اثْنَتَا عشرَة عينا من مَاء لكل سبط مِنْهُم عين يشربون
مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ استسقى
مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْبَريَّة حَيْثُ خَشوا الظمأ استسقى
مُوسَى فَأمر بِحجر أَن يضْربهُ وَكَانَ حجرا طورانياً من
الطّور يحملونه مَعَهم حَتَّى إِذا نزلُوا ضربه مُوسَى بعصاه
{فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا قد علم كل أنَاس مشربهم}
قَالَ: لكل سبط مُهِمّ عين مَعْلُومَة يَسْتَفِيد ماءها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: انفجر
لَهُم الْحجر بضربة مُوسَى اثْنَتَيْ عشرَة عينا كل ذَلِك
كَانَ فِي تيههم حِين تاهوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جوبير أَنه سُئِلَ فِي قَوْله {قد
علم كل أنَاس مشربهم} قَالَ: كَانَ مُوسَى يضع الْحجر وَيقوم
من كل سبط رجل وَيضْرب مُوسَى الْحجر فينفجر مِنْهُ اثْنَتَا
عشرَة عينا فينتضح من كل عين على رجل فيدعو ذَلِك الرجل سبطه
إِلَى تِلْكَ الْعين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض} قَالَ: لَا تسعوا
(1/175)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} قَالَ: لَا تسعوا فِي
الأَرْض فَسَادًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَلَا
تعثوا} قَالَ: يَعْنِي وَلَا تَمْشُوا بِالْمَعَاصِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} قَالَ:
لَا تسيروا فِي الأَرْض مفسدين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: استسقى مُوسَى
لِقَوْمِهِ فَقَالَ: اشربوا يَا حمير: فَقَالَ الله تَعَالَى
لَهُ: لاتسم عبَادي حميرا
(1/176)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا
مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ
بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا
قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ
خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْتُمْ يَا
مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد فَادع لنا رَبك يخرج لنا
مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها
قَالَ أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير اهبطوا
مصرا فَإِن لكم مَا سَأَلْتُم وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة
وباءوا بغضب من الله ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات
الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق ذَلِك بِمَا عصوا
وَكَانُوا يعتدون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ
قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد} قَالَ:
الْمَنّ والسلوى استبدلوا بِهِ البقل وَمَا ذكر مَعَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالُوا: ملوا
طعامهم فِي الْبَريَّة وَذكروا عيشهم الَّذِي كَانُوا فِيهِ
قبل ذَلِك فَقَالُوا {ادْع لنا رَبك} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وفومها} قَالَ:
الْخبز
وَفِي لفظ: الْبر
وَفِي لفظ: الْحِنْطَة بِلِسَان بني هَاشم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْكَبِير من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {وفومها} قَالَ:
الْحِنْطَة
(1/176)
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ:
نعم أما سَمِعت أحيحة بن الجلاح وَهُوَ يَقُول: قد كنت أغْنى
النَّاس شخصا وَاحِدًا ورد الْمَدِينَة عَن زراعة فوم وَأخرج
وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء فِي
قَوْله {وفومها} قَالَا: الْخبز
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن وَأبي مَالك فِي
قَوْله {وفومها} قَالَا: الْخبز
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن وَأبي مَالك فِي
قَوْله {وفومها} قَالَا: الحنظة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الفوم الثوم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: الفوم الثوم -
وَفِي بعض الْقِرَاءَة وثومها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف
وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود: أَنه قَرَأَ وثومها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قرائتي
قِرَاءَة زيد وَأَنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قِرَاءَة ابْن
مَسْعُود هَذَا أَحدهَا {من بقلها وقثائها وفومها}
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {وفومها}
قَالَ: الفوم الْحِنْطَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا
محجن الثَّقَفِيّ وَهُوَ يَقُول: قد كنت أحسبني كأغنى وَاحِد
قدم الْمَدِينَة عَن زراعة فوم قَالَ: يَا ابْن الْأَزْرَق
وَمن قَرَأَهَا على قِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَهُوَ المنتن
قَالَ أُميَّة ابْن أبي الصَّلْت: كَانَت مَنَازِلهمْ إِذْ
ذَاك ظَاهِرَة فِيهَا الفراديس والفومات والبصل وَقَالَ
أُميَّة ابْن الصَّلْت أَيْضا: أنفي الدياس من الفوم الصَّحِيح
كَمَا أنفي من الأَرْض صوب الوابل الْبرد وَأخرج ابْن جرير عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى} قَالَ:
أردأ
(1/177)
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اهبطوا مصرا}
قَالَ: مصرا من الْأَمْصَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {اهبطوا مصرا}
يَقُول: مصرا من الْأَمْصَار
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {اهبطوا
مصرا} قَالَ: يَعْنِي بِهِ مصر فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف
عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرَأ {اهبطوا مصرا} بِلَا
تَنْوِين وَيَقُول: هِيَ مصر الَّتِي عَلَيْهَا صَالح بن عليَّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَضربت
عَلَيْهِم الذلة والمسكنة} قَالَ: هم أَصْحَاب الْجِزْيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن
{وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة} قَالَ: يُعْطون الْجِزْيَة
عَن يَد وهم صاغرون
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {والمسكنة}
قَالَ: الْفَاقَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وباؤوا بغضب من
الله} قَالَ: استحقوا الْغَضَب من الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وباؤوا} قَالَ:
انقلبوا
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَيقْتلُونَ النَّبِيين}
أخرج أَبُو دَاوُد والطاليسي وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل فِي الْيَوْم تقتل
ثَلَاثمِائَة نَبِي ثمَّ يُقِيمُونَ سوق بقلهم فِي آخر
النَّهَار
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَشد النَّاس
عذَابا يَوْم الْقِيَامَة رجل قتل نَبيا أَو قَتله نَبِي
وَإِمَام ضَلَالَة وممثل من الممثلين
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن أبي ذَر
قَالَ جَاءَ اعرابي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَا نبيء الله
قَالَ: لست بنبيء الله ولكنني نَبِي الله قَالَ الذَّهَبِيّ:
مُنكر لم يَصح
وَأخرج ابْن عدي عَن حمْرَان بن أعين أَن رجلا من أهل
الْبَادِيَة أَتَى النَّبِي
(1/178)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
السَّلَام عَلَيْك يَا نبيء الله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لست بنبيء الله
ولكنني نَبِي الله
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ مَا همز رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا
الْخُلَفَاء وَإِنَّمَا الْهَمْز بِدعَة من بعدهمْ
(1/179)
إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا
وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن
بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد
رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
أخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي سَنَده وَابْن أبي حَاتِم عَن
سلمَان قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
أهل دين كنت مَعَهم فَذكر من صلَاتهم وعبادتهم فَنزلت {إِن
الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} الْآيَة
وَأخرج الواحدي عَن مُجَاهِد قَالَ: لما قصّ سلمَان على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصَّة أَصْحَابه قَالَ: هم فِي
النَّار
قَالَ سلمَان: فأظلمت عَليّ الأَرْض فَنزلت {إِن الَّذين
آمنُوا وَالَّذين هادوا} إِلَى قَوْله {يَحْزَنُونَ} قَالَ:
فَكَأَنَّمَا كشف عني جبل
وَأخرج ابْن جرير وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن أبي حَاتِم عَن
السّديّ فِي قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا}
الْآيَة
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب سلمَان الْفَارِسِي
وَكَانَ رجلا من جند نيسابور وَكَانَ من أَشْرَافهم وَكَانَ
ابْن الْملك صديقا لَهُ مؤاخياً لَا يقْضِي وَاحِد مِنْهُمَا
أَمر دون صَاحبه وَكَانَا يركبان إِلَى الصَّيْد جَمِيعًا
فَبَيْنَمَا هما فِي الصَّيْد إِذْ رفع لَهما بَيت من عباءة
فَأتيَاهُ فَإِذا هما فِيهِ بِرَجُل بَين يَدَيْهِ مصحف يقْرَأ
فِيهِ وَهُوَ يبكي فَسَأَلَاهُ مَا هَذَا فَقَالَ: الَّذِي
يُرِيد أَن يعلم هَذَا لَا يقف موقفكما فَإِن كنتما تريدان أَن
تعلما مَا فِيهِ فانزلا حَتَّى أعلمكما فَنزلَا إِلَيْهِ
فَقَالَ لَهما: هَذَا كتاب جَاءَ من عِنْد الله أَمر فِيهِ
بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته فِيهِ أَن لَا تسرق وَلَا
تَزني وَلَا تَأْخُذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ فَقص
عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ وَهُوَ الإِنجيل الَّذِي أنزل الله على
عِيسَى فَوَقع فِي قلوبهما وتابا فاسلما وَقَالَ لَهما: إِن
ذَبِيحَة قومكما عَلَيْكُمَا حرَام فَلم يَزَالَا مَعَه
كَذَلِك يتعلمان مِنْهُ حَتَّى كَانَ عيد للْملك فَجمع طَعَاما
ثمَّ جمع
(1/179)
النَّاس والأشراف وَأرْسل إِلَى ابْن
الْملك رَسُولا فَدَعَاهُ إِلَى ضيعته ليَأْكُل مَعَ النَّاس
فَأبى الْفَتى وَقَالَ: إِنِّي عَنْك مَشْغُول فَكل أَنْت
وَأَصْحَابك فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ من الرُّسُل أخْبرهُم
أَنه لَا يَأْكُل من طعامهم فَبعث الْملك إِلَى ابْنه وَدعَاهُ
وَقَالَ: مَا أَمرك هَذَا قَالَ: إِنَّا لَا نَأْكُل من
ذبائحكم إِنَّكُم كفار لَيْسَ تحل ذبائحكم
فَقَالَ لَهُ الْملك: من أَمرك هَذَا فَأخْبرهُ أَن الراهب
أمره بذلك فَدَعَا الراهب فَقَالَ: مَاذَا يَقُول ابْني قَالَ:
صدق ابْنك
قَالَ لَهُ: لَوْلَا الدَّم فِينَا عَظِيم لقتلتك وَلَكِن
اخْرُج من أَرْضنَا فَأَجله أَََجَلًا فَقَالَ سلمَان: فقمنا
نبكي عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهما: إِن كنتما صَادِقين فَإنَّا فِي بيعَة فِي
الْموصل سِتِّينَ رجلا نعْبد الله فأتونا فِيهَا فَخرج الراهب
وَبَقِي سلمَان وَابْن الْملك فَجعل سلمَان يَقُول لِابْنِ
الْملك: انْطلق بِنَا
وَابْن الْملك يَقُول: نعم
وَجعل ابْن الْملك يَبِيع مَتَاعه يُرِيد الجهاز فَلَمَّا
أَبْطَأَ على سلمَان خرج سلمَان حَتَّى أَتَاهُم فَنزل على
صَاحبه وَهُوَ رب الْبيعَة فَكَانَ أهل تِلْكَ الْبيعَة أفضل
مرتبَة من الرهبان فَكَانَ سلمَان مَعَه يجْتَهد فِي
الْعِبَادَة ويتعب نَفسه فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَرَأَيْت
الَّذِي تَأْمُرنِي بِهِ هُوَ أفضل أَو الَّذِي أصنع قَالَ: بل
الَّذِي تصنع
قَالَ: فخلّ عني
ثمَّ إِن صَاحب الْبيعَة دَعَاهُ فَقَالَ أتعلم أَن هَذِه
الْبيعَة لي وَأَنا أَحَق النَّاس بهَا وَلَو شِئْت أَن أخرج
مِنْهَا هَؤُلَاءِ لفَعَلت وَلَكِنِّي رجل أَضْعَف عَن عبَادَة
هَؤُلَاءِ وَأَنا أُرِيد أَن أتحول من هَذِه الْبيعَة إِلَى
بيعَة أُخْرَى هم أَهْون عبَادَة من هَهُنَا فَإِن شِئْت أَن
تقيم هُنَا فأقم وَإِن شِئْت أَن تَنْطَلِق معي فَانْطَلق
فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَي البيعتين أفضل أَهلا قَالَ: هَذِه
قَالَ سلمَان: فَأَنا أكون فِي هَذِه فَأَقَامَ سلمَان بهَا
وَأوصى صَاحب الْبيعَة بسلمان يتعبد مَعَهم
ثمَّ إِن الشَّيْخ أَرَادَ أَن يَأْتِي بَيت الْمُقَدّس
فَدَعَا سلمَان فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن آتِي بَيت
الْمُقَدّس فَإِن شِئْت أَن تَنْطَلِق معي فَانْطَلق وَإِن
شِئْت أَن تقيم فاقم
قَالَ لَهُ سلمَان: أَيهمَا أفضل أَنطلق مَعَك أَو أقيم قَالَ:
لَا بل تَنْطَلِق
فَانْطَلق مَعَه فَمروا بمقعد على ظهر الطَّرِيق ملقى فَلَمَّا
رآهما نَادَى يَا سيد الرهبان ارْحَمْنِي رَحِمك الله فَلم
يكلمهُ وَلم ينظر إِلَيْهِ وانطلقا حَتَّى أَتَيَا بَيت
الْمُقَدّس وَقَالَ الشَّيْخ لسلمان: أخرج فاطلب الْعلم
فَإِنَّهُ يحضر هَذَا الْمَسْجِد عُلَمَاء الأَرْض
فَخرج سلمَان يسمع مِنْهُم فَرجع يَوْمًا حَزينًا فَقَالَ لَهُ
الشَّيْخ مَالك يَا سلمَان قَالَ: إِن الْخَيْر كُله قد
(1/180)
ذهب بِهِ من كَانَ قبلنَا من الْأَنْبِيَاء
والأتباع
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: لَا تحزن فَإِنَّهُ قد بَقِي نَبِي
لَيْسَ من نَبِي بِأَفْضَل تبعا مِنْهُ وَهَذَا الزَّمَان
الَّذِي يخرج فِيهِ وَلَا أَرَانِي أدْركهُ وَأما أَنْت فشاب
فلعلك أَن تُدْرِكهُ وَهُوَ يخرج فِي أَرض الْعَرَب فَإِن
أَدْرَكته فَآمن بِهِ وَاتبعهُ
قَالَ لَهُ سلمَان: فَأَخْبرنِي عَن علامته بِشَيْء
قَالَ: نعم وَهُوَ مختوم فِي ظَهره بِخَاتم النُّبُوَّة وَهُوَ
يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة ثمَّ رجعا
حَتَّى بلغا مَكَان المقعد فناداهما فَقَالَ: يَا سيد الرهبان
ارْحَمْنِي رَحِمك الله فعطف إِلَيْهِ حِمَاره فَأخذ بِيَدِهِ
فرفعه فَضرب بِهِ الأَرْض ودعا لَهُ وَقَالَ: قُم باذن الله
فَقَامَ صَحِيحا يشْتَد
فَجعل سلمَان يتعجب وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ وَسَار الراهب فغيب
عَن سلمَان وَلَا يعلم سلمَان
ثمَّ إِن سلمَان فزع بِطَلَب الراهب فَلَقِيَهُ رجلَانِ من
الْعَرَب من كلب فَسَأَلَهُمَا هَل رَأَيْتُمَا الراهب
فَأَنَاخَ أَحدهمَا رَاحِلَته قَالَ: نعم [] راعي الصرمة هَذَا
فَحَمله فَانْطَلق بِهِ إِلَى الْمَدِينَة قَالَ سلمَان:
فَأَصَابَنِي من الْحزن شَيْء لم يُصِبْنِي مثله قطّ فاشترته
امْرَأَة من جُهَيْنَة فَكَانَ يرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلَام
لَهَا يتراوحان الْغنم هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا وَكَانَ
سلمَان يجمع الدَّرَاهِم ينْتَظر خُرُوج مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا يرْعَى إِذْ أَتَاهُ صَاحبه بعقبة
فَقَالَ لَهُ: أشعرت أَنه قد قدم الْمَدِينَة الْيَوْم رجل
يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ لَهُ سلمَان: أقِم فِي الْغنم حَتَّى
آتِيك
فهبط سلمَان إِلَى الْمَدِينَة فَنظر إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَدَار حوله فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عرف مَا يُرِيد فَأرْسل ثَوْبه حَتَّى خرج
خَاتمه فَلَمَّا رَآهُ أَتَاهُ وَكَلمه ثمَّ انْطلق فَاشْترى
بِدِينَار بِبَعْضِه شَاة فشواها وببعضه خبْزًا ثمَّ أَتَاهُ
بِهِ فَقَالَ: ماهذه قَالَ سلمَان: هَذِه صَدَقَة
قَالَ: لَا حَاجَة لي بهَا فأخرجها فليأكلها الْمُسلمُونَ
ثمَّ انْطلق فَاشْترى بِدِينَار آخر خبْزًا وَلَحْمًا ثمَّ
أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا
هَذَا قَالَ: هَذِه هَدِيَّة
قَالَ: فَاقْعُدْ فَكل
فَقعدَ فأكلا مِنْهَا جَمِيعًا
فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثه إِذْ ذكر أَصْحَابه فَأخْبرهُ خبرهم
فَقَالَ: كَانُوا وَيَصُومُونَ ويؤمنون بك وَيشْهدُونَ أَنَّك
ستبعث نَبيا فَلَمَّا فرغ سلمَان من ثنائه عَلَيْهِم قَالَ
لَهُ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا سلمَان هم من أهل
النَّار فَاشْتَدَّ ذَلِك على سلمَان وَقد كَانَ قَالَ لَهُ
سلمَان: لَو أدركوك صدقوك واتبعوك
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين
هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه
وَالْيَوْم الآخر}
(1/181)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ
سَأَلَ سلمَان الْفَارِسِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن أُولَئِكَ النَّصَارَى وَمَا رأى أَعْمَالهم قَالَ: لم
يموتوا على الْإِسْلَام
قَالَ سلمَان: فأظلمت عليَّ الأَرْض وَذكرت اجتهادهم فَنزلت
هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} فَدَعَا
سلمَان فَقَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَابك ثمَّ قَالَ:
من مَاتَ على دين عِيسَى قبل أَن يسمع بِي فَهُوَ على خير وَمن
سمع بِي وَلم يُؤمن فقد هلك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين
آمنُوا وَالَّذين هادوا} الْآيَة
قَالَ: فَأنْزل الله بعد هَذَا (وَمن يتبع غير الْإِسْلَام
دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن نجي
عَن عَليّ قَالَ: إِنَّمَا سميت الْيَهُود لأَنهم قَالُوا:
إِنَّا هدنا إِلَيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: نَحن
أعلم النَّاس من أَيْن تسمت الْيَهُود باليهودية بِكَلِمَة
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّا هدنا إِلَيْك وَلم تسمت
النَّصَارَى بالنصرانية من كلمة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
كونُوا أنصار الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نَحن أعلم
النَّاس من أَيْن تسمت الْيَهُود باليهودية وَلم تسمت
النَّصَارَى بالنصرانية إِنَّمَا تسمت الْيَهُود باليهودية
بِكَلِمَة قَالَهَا مُوسَى إِنَّا هُنَا إِلَيْك فَلَمَّا
مَاتَ قَالُوا هَذِه الْكَلِمَة كَانَت تعجبه فتسموا الْيَهُود
وَإِنَّمَا تسمت النَّصَارَى بالنصرانية لكلمة قَالَهَا عِيسَى
من أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون: نَحن أنصار الله
فتسموا بالنصرانية
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: إِنَّمَا سموا نَصَارَى
بقرية يُقَال لَهَا ناصرة ينزلها عِيسَى بن مَرْيَم فَهُوَ
اسْم تسموا بِهِ وَلم يؤمروا بِهِ
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِنَّمَا سميت النَّصَارَى لِأَن قَرْيَة عِيسَى كَانَت
تسمى ناصرة
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الصابئون قوم بَين
الْيَهُود وَالْمَجُوس وَالنَّصَارَى لَيْسَ لَهُم دين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: الصابئون لَيْسُوا
بيهود وَلَا نَصَارَى هم قوم من الْمُشْركين لَا كتاب لَهُم
(1/182)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ:
سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الصابئين فَقَالَ: هم قوم بَين
الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس لَا تحل ذَبَائِحهم وَلَا
مناكحهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ: الصابئون منزله بَين النَّصْرَانِيَّة والمجوسية
لفظ ابْن أبي حَاتِم: منزلَة بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ذهبت الصابئون
إِلَى الْيَهُود فَقَالُوا: مَا أَمركُم قَالُوا: نَبينَا
مُوسَى جَاءَنَا بِكَذَا وَكَذَا ونهانا عَن كَذَا وَكَذَا
وَهَذِه التَّوْرَاة فَمن تابعنا دخل الْجنَّة ثمَّ أَتَوا
النَّصَارَى فَقَالُوا فِي عِيسَى مَا قَالَت الْيَهُود فِي
مُوسَى وَقَالُوا هَذَا الإِنجيل فَمن تابعنا دخل الْجنَّة
فَقَالَت الصابئون هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ نَحن وَمن اتَّبعنَا
فِي الْجنَّة وَالْيَهُود يَقُولُونَ نَحن وَمن اتَّبعنَا فِي
الْجنَّة فَنحْن بِهِ لاندين فسماهم الله الصابئين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة
قَالَ: الصابئون فرقة من أهل الْكتاب يقرؤون الزبُور
وَأخرج وَكِيع عَن السّديّ قَالَ الصابئون من أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة قَالَ: الصابئون قوم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة
وَيصلونَ إِلَى غير الْقبْلَة ويقرؤون الزبُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الصابىء:
الَّذِي يعرف الله وَحده وَلَيْسَت لَهُ شَرِيعَة يعْمل بهَا
وَلم يحدث كفرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: الصابئون
قَالَ: الصابئون مِمَّا يَلِي الْعرَاق وهم بكوثى يُؤمنُونَ
بالنبيين كلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن عَبَّاس قَالَ: يَقُولُونَ
الصابئون: وَمَا الصابئون [] الصابئون وَيَقُولُونَ: الخاطئون
وَمَا الخاطئون الخاطئون
(1/183)
وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا
آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ
مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم
ورفعنا فَوْقكُم الطّور خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة
واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ثمَّ توليتم من
بعد ذَلِك فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته لكنتم من
الخاسرين
(1/183)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم الطّور}
فَقَالَ: جبل نزلُوا بِأَصْلِهِ فَرُفِعَ فَوْقهم فَقَالَ:
لتأخذن أَمْرِي أَو لأرمينكم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الطّور الَّذِي
أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل أَسْفَل
مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: الطّور مَا أنبت من الْجبَال وَمَا لم
ينْبت فَلَيْسَ بطور
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الطّور
الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: النبط يسمون
الْجَبَل الطّور
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خُذُوا مَا
آتيناكم بقوّة} قَالَ: بجد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة
{واذْكُرُوا مَا فِيهِ} يَقُول: اقرؤوا مَا فِي التَّوْرَاة
وَاعْلَمُوا بِهِ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} قَالَ: لَعَلَّكُمْ تنزعون عَمَّا
أَنْتُم عَلَيْهِ
(1/184)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ
كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ (66)
قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد علمْتُم الَّذين
اعتدوا مِنْكُم فِي السبت فَقُلْنَا لَهُم كونُوا قردة
خَاسِئِينَ فجعلنها نكالاً لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا
وموعظة لِلْمُتقين
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَقَد علمْتُم} قَالَ:
عَرَفْتُمْ وَهَذَا تحذير لَهُم من الْمعْصِيَة يَقُول: احذورا
أَن يُصِيبكُم مَا أصَاب أَصْحَاب السبت إِذْ عصوني اعتدوا
يَقُول: اجترؤوا فِي السبت بصيد السّمك فَقُلْنَا لَهُم
{كونُوا قردة خَاسِئِينَ} فمسخهم الله قردة بمعصيتهم وَلم يَعش
مسخ فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يَأْكُل وَلم يشرب وَلم ينسل
(1/184)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الَّذين اعتدوا فِي السبت فَجعلُوا قردة
فواقاً ثمَّ هَلَكُوا مَا كَانَ للمسخ نسل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
القردة والخنازير من نسل الَّذين مسخوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: انْقَطع ذَلِك
النَّسْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله
{فَقُلْنَا لَهُم كونُوا قردة خَاسِئِينَ} قَالَ: مسخت
قُلُوبهم وَلم يمخوا قردة وَإِنَّمَا هُوَ مثل ضربه الله لَهُم
مثل الْحمار يحمل أسفاراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: أحلّت لَهُم الْحيتَان وَحرمت عَلَيْهِم يَوْم السبت
ليعلم من يطيعه مِمَّن يعصيه فَكَانَ الْقَوْم فيهم ثَلَاثَة
أَصْنَاف وَأما صنف فَأمْسك وَنهى عَن الْمعْصِيَة وَأما صنف
فَأمْسك عَن حُرْمَة الله وَأما صنف فانتهك الْمعْصِيَة ومرن
على الْمعْصِيَة فَلَمَّا أَبَوا إِلَّا عتواً عَمَّا نَهَاهُم
الله عَنهُ {قُلْنَا لَهُم كونُوا قردة خَاسِئِينَ} وَصَارَ
الْقَوْم قردوا تعاوى لَهَا الذئاب بعد مَا كَانُوا رجَالًا
وَنسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{خَاسِئِينَ} قَالَ: ذليلين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{خَاسِئِينَ} قَالَ: صاغرين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{فجعلناها نكالاً لما بَين يَديهَا} من الذُّنُوب {وَمَا
خلفهَا} من الْقرى {وموعظة لِلْمُتقين} الَّذين من بعدهمْ
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فجعلناها} يَعْنِي
الْحيتَان {نكالاً لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا} من
الذُّنُوب الَّتِي عمِلُوا قبل وَبعد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فجعلناها} قَالَ: فَجعلنَا
تِلْكَ الْعقُوبَة وَهِي المسخة {نكالاً} عُقُوبَة {لما بَين
يَديهَا} يَقُول: ليحذر من بعدهمْ عقوبتي {وَمَا خلفهَا}
يَقُول: للَّذين بقوا مَعَهم {وموعظة} تذكرة وعبرة لِلْمُتقين
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان فِي قَوْله {نكالاً لما بَين
يَديهَا وَمَا خلفهَا} قَالَ: من الذُّنُوب {وموعظة
لِلْمُتقين} قَالَ: لأمة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
(1/185)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا
بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبجوا بقرة قَالُوا
أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت مدينتان فِي بني إِسْرَائِيل
وأحداها حَصِينَة وَلها أَبْوَاب وَالْأُخْرَى خربة
فَكَانَ أهل الْمَدِينَة الحصينة إِذا أَمْسوا أغلقوا
أَبْوَابهَا فَإِذا أَصْبحُوا قَامُوا على سور الْمَدِينَة
فنظروا هَل حدث فِيمَا حولهَا حَادث فَأَصْبحُوا يَوْمًا
فَإِذا شيخ قَتِيل مطروح بِأَصْل مدينتهم فَأقبل أهل
الْمَدِينَة الخربة فَقَالُوا: قتلتم صاحبنا وَابْن أَخ لَهُ
شَاب يبكي عَلَيْهِ وَيَقُول: قتلتم عمي
قَالُوا: وَالله مَا فتحنا مدينتنا مُنْذُ أغلقناها وَمَا
لدينا من دم صَاحبكُم هَذَا فَأتوا مُوسَى فَأوحى الله إِلَى
مُوسَى {أَن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} إِلَى قَوْله
{فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
قَالَ: وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل غُلَام شَاب يَبِيع فِي
حَانُوت لَهُ وَكَانَ لَهُ أَب شيخ كَبِير فَأقبل رجل من بلد
آخر يطْلب سلْعَة لَهُ عِنْده فَأعْطَاهُ بهَا ثمنا فَانْطَلق
مَعَه ليفتح حانوته فيعطيه الَّذِي طلب والمفتاح مَعَ أَبِيه
فَإِذا أَبوهُ نَائِم فِي ظلّ الْحَانُوت فَقَالَ: أيقظه
قَالَ ابْنه: إِنَّه نَائِم وَأَنا أكره أَن أروّعه من نومته
فانصرفا فَأعْطَاهُ ضعف مَا أعطَاهُ على أَن يوقظه فَأبى فَذهب
طَالب السّلْعَة
فَاسْتَيْقَظَ الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ ابْنه: يَا أَبَت وَالله
لقد جَاءَ هَهُنَا رجل يطْلب سلْعَة كَذَا فَأعْطى بهَا من
الثّمن كَذَا وَكَذَا فَكرِهت أَن أروعك من نومك فلامه
الشَّيْخ فعوّضه الله من بره بوالده أَن نتجت من بقر تِلْكَ
الْبَقَرَة الَّتِي يطْلبهَا بَنو إِسْرَائِيل فَأتوهُ
فَقَالُوا لَهُ: بعناها فَقَالَ: لَا
قَالُوا: إِذن نَأْخُذ مِنْك
فَأتوا مُوسَى فَقَالَ: اذْهَبُوا فارضوه من سلْعَته
قَالُوا: حكمك قَالَ: حكمي أَن تضعوا الْبَقَرَة فِي كفة
الْمِيزَان ذَهَبا صامتاً فِي الكفة الْأُخْرَى فَإِذا مَال
الذَّهَب أَخَذته فَفَعَلُوا وَأَقْبلُوا بالبقرة حَتَّى
انْتَهوا بهَا إِلَى قبر الشَّيْخ وَاجْتمعَ أهل المدينتين
فذبحوها فَضرب ببضعة من لَحمهَا الْقَبْر فَقَامَ الشَّيْخ
ينفض رَأسه يَقُول: قتلني ابْن أخي طَال عَلَيْهِ عمري
وَأَرَادَ أَخذ مَالِي وَمَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي
قَالَ: كَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل عقيماً لَا يُولد لَهُ
وَكَانَ لَهُ مَال
(1/186)
كثير وَكَانَ ابْن أَخِيه وَارثه فَقتله
ثمَّ احتمله لَيْلًا فَوَضعه على بَاب رجل مِنْهُم ثمَّ أصبح
يَدعِيهِ عَلَيْهِم حَتَّى تسلحوا وَركب بَعضهم إِلَى بعض
فَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُم: علا م يقتل بَعْضكُم بَعْضًا
وَهَذَا رَسُول الله فِيكُم فَأتوا مُوسَى فَذكرُوا ذَلِك لَهُ
فَقَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة قَالُوا
أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين}
قَالَ: فَلَو لم يعترضوا لاجزأت عَنْهُم أدنى بقرة وَلَكنهُمْ
شَدَّدُوا فَشدد عَلَيْهِم حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْبَقَرَة
الَّتِي أمروا بذبحها فوجدوها عِنْد رجل لَيْسَ لَهُ بقرة
غَيرهَا فَقَالَ: وَالله لَا أنقصها من ملْء جلدهَا ذَهَبا
فذبحوها فضربوه بِبَعْضِهَا فَقَامَ فَقَالُوا: من قَتلك
فَقَالَ: هَذَا لِابْنِ أَخِيه ثمَّ مَال مَيتا فَلم يُعْط من
مَاله شَيْئا وَلم يُورث قَاتل بعد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عُبَيْدَة قَالَ: أوّل مَا قضي أَنه
لَا يَرث الْقَاتِل فِي صَاحب بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: أوّل مَا منع
الْقَاتِل الْمِيرَاث لَكَانَ صَاحب الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن شَيخا من بني
إِسْرَائِيل على عهد مُوسَى كَانَ مكثراً من المَال وَكَانَ
بَنو أَخِيه فُقَرَاء لَا مَال لَهُم وَكَانَ الشَّيْخ لَا ولد
لَهُ وَكَانَ بَنو أَخِيه ورثته فَقَالُوا: لَيْت عمنَا قد
مَاتَ فورثنا مَاله وَأَنه لما تطاول عَلَيْهِم أَن لَا يَمُوت
أَتَاهُم الشَّيْطَان فَقَالَ: هَل لكم إِلَى أَن تقتلُوا عمكم
وتغرموا أهل الْمَدِينَة الَّتِي لَسْتُم بهَا دِيَته وَذَلِكَ
أَنَّهُمَا كَانَتَا مدينتين كَانُوا فِي إِحْدَاهمَا وَكَانَ
الْقَتِيل إِذْ قتل فَطرح بَين المدينتين قيس مَا بَين
الْقَتِيل والقريتين فَأَيّهمَا كَانَت أقرب إِلَيْهِ غرمت
الدِّيَة وَأَنَّهُمْ لما سوّل لَهُم الشَّيْطَان ذَلِك
عَمدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ طرحوه على بَاب الْمَدِينَة
الَّتِي لَيْسُوا بهَا فَلَمَّا أصبح أهل الْمَدِينَة جَاءَ
بَنو أخي الشَّيْخ فَقَالُوا: عمنَا قتل على بَاب مدينتكم
فوَاللَّه لتغرمنَّ لنا دِيَته
قَالَ: أهل الْمَدِينَة نقسم بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا
قَاتلا وَلَا فتحنا بَاب مدينتنا مُنْذُ أغلق حَتَّى
أَصْبَحْنَا فعمدوا إِلَى مُوسَى فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ:
قل لَهُم {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} فتضربوه
بِبَعْضِهَا
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ
لبني إِسْرَائِيل مَسْجِد لَهُ اثْنَا عشر بَابا لكل سبط
مِنْهُم بَاب يدْخلُونَ مِنْهُ وَيخرجُونَ فَوجدَ قَتِيل على
بَاب سبط من
(1/187)
الأسباط قتل على بَاب سبط وجر إِلَى بَاب
سبط آخر فاختصم فِيهِ أهل السبطين
فَقَالَ هَؤُلَاءِ: أَنْتُم قتلتم هَذَا وَقَالَ الْآخرُونَ:
بل أَنْتُم قَتَلْتُمُوهُ ثمَّ جررتموه إِلَيْنَا
فاختصموا إِلَى مُوسَى فَقَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن
تذبحوا بقرة} الْآيَة
{قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ قَالَ إِنَّه يَقُول
إِنَّهَا بقرة لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك} قَالَ:
فَذَهَبُوا يطلبونها فَكَأَنَّهَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِم
فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا {قَالُوا ادْع لنا رَبك
يبين لنا مَا هِيَ إِن الْبَقر تشابه علينا وَإِنَّا إِن شَاءَ
الله لَمُهْتَدُونَ} وَلَوْلَا أَنهم قَالُوا إِن شَاءَ الله
مَا وجدوها {قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة لَا ذَلُول}
أَلا وَإِنَّمَا كَانَت الْبَقَرَة يَوْمئِذٍ بِثَلَاثَة
دَنَانِير وَلَو أَنهم أخذُوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم
وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم
فَذَهَبُوا يطلبونها فيجدون هَذِه الصّفة عِنْد رجل فَقَالُوا:
تبيعنا هَذِه الْبَقَرَة قَالَ: أبيعها
قَالُوا: بكم تبيعها قَالَ: بِمِائَة دِينَار
فَقَالُوا: إِنَّهَا بقرة بِثَلَاثَة دَنَانِير فابوا أَن
يأخذوها فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: وجدناها عِنْد رجل
فَقَالَ لَا أنقطكم من مائَة دِينَار وَإِنَّهَا بقرة
بِثَلَاثَة دَنَانِير قَالَ: هُوَ أعلم هُوَ صَاحبهَا إِن
شَاءَ بَاعَ وَإِن لم شَاءَ لم يبع فَرَجَعُوا إِلَى الرجل
فَقَالُوا: قد أخذناها بِمِائَة دِينَار
فَقَالَ: لَا أنقصها عَن مِائَتي دِينَار
فَقَالُوا سُبْحَانَ الله
قد بعتنا بِمِائَة دِينَار ورضيت فقد أخذناها
قَالَ: لَيْسَ أنقصها من مِائَتي دِينَار
فتركوها وَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا لَهُ: قد أعطاناها
بِمِائَة دِينَار فَلَمَّا رَجعْنَا إِلَيْهِ قَالَ: لَا
أنقصها من مِائَتي دِينَار
قَالَ: هُوَ أعلم إِن شَاءَ بَاعهَا وَإِن شَاءَ لم يبعها
فعادوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: قد أخذناها بِمِائَتي دِينَار
فَقَالَ: لَا أنقصها من أَرْبَعمِائَة دِينَار
قَالُوا: قد كنت أعطيتناها بِمِائَتي دِينَار فقد أخذناها
فَقَالَ: لَيْسَ أنقصها من أَرْبَعمِائَة دِينَار فتركوها
وعادوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: قد أعطيناه مِائَتي دِينَار
فَأبى أَن يَأْخُذهَا وَقَالَ: لَا أنقصها من أَرْبَعمِائَة
دِينَار
فَقَالَ: هُوَ أعلم هُوَ صَاحبهَا إِن شَاءَ بَاعَ وَإِن شَاءَ
لم يبع فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: قد أخذناها بأربعمائة
دِينَار فَقَالَ: لَا أنقصها من ثَمَانمِائَة دِينَار
فَلم يزَالُوا يعودون إِلَى مُوسَى ويعودون عَلَيْهِ فَكلما
عَادوا إِلَيْهِ أَضْعَف عَلَيْهِ الثّمن حَتَّى قَالَ: لَيْسَ
أبيعها إِلَّا بملء مسكها فَأَخَذُوهَا فذبحوها فَقَالَ:
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا فضربوه بفخذها فَعَاشَ
فَقَالَ: قتلني فلَان
فَإِذا هُوَ رجل كَانَ لَهُ عَم وَكَانَ لِعَمِّهِ مَال كثير
وَكَانَ لَهُ ابْنة فَقَالَ: أقتل
(1/188)
عمي هَذَا وأرث مَاله وأتزوج ابْنَته فَقتل
عَمه فَلم يَرث شَيْئا وَلم يُورث قَاتل مُنْذُ ذَلِك شَيْئا
قَالَ مُوسَى: إِن لهَذِهِ الْبَقَرَة لشأنا ادعوا إليَّ
صَاحبهَا فَدَعوهُ فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن هَذِه الْبَقَرَة
وَعَن شَأْنهَا قَالَ: نعم
كنت رجلا أبيع فِي السُّوق وأشتري فسامني رجل بضَاعَة عِنْدِي
فَبِعْته إِيَّاهَا وَكنت قد أشرفت مِنْهَا على فضل كَبِير
فَذَهَبت لآتيه بِمَا قد بِعته فَوجدت الْمِفْتَاح تَحت رَأس
والدتي فَكرِهت أَن أوقظها من نومها وَرجعت إِلَى الرجل فَقلت:
لَيْسَ بيني وَبَيْنك بيع فَذهب ثمَّ رجعت فنتجت لي هَذِه
الْبَقَرَة فَألْقى الله عَلَيْهَا مني محبَّة فَلم يكن
عِنْدِي شَيْء أحب إليَّ مِنْهَا فَقيل لَهُ إِنَّمَا أصبت
هَذَا ببر والدتك
(1/189)
قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ
ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ
لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا
تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا
الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ (71)
قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ادْع لنا رَبك
يبين لنا مَا هِيَ قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة لَا فارض
وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك فافعلوا مَا تأمرون قَالُوا ادْع
لنا رَبك يبين لنا مَا لَوْنهَا قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا
بقرة صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين قَالُوا ادْع لنا
رَبك يبين لنا مَا هِيَ إِن الْبَقر تشابه علينا وَإِنَّا إِن
شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة
لَا ذَلُول تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث مسلمة لاشية
قَالُوا ألن جِئْت بِالْحَقِّ فذبحوها وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ
أخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل لَو أخذُوا أدنى
بقرة لأجزاهم ذَلِك أَو لأجزأت عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا أَن
بني إِسْرَائِيل قَالُوا {وَإِنَّا إِن شَاءَ الله
لَمُهْتَدُونَ} مَا أعْطوا أبدا وَلَو أَنهم اعْترضُوا بقرة من
الْبَقر فذبحوها لأجزأت عَنْهُم وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد
الله عَلَيْهِم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر
عَن عِكْرِمَة يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لَو أَن بني إِسْرَائِيل أخذُوا أدنى بقرة فذبحوها
أَجْزَأت عَنْهُم وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا وَلَوْلَا أَنهم
قَالُوا {وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} مَا وجدوها
(1/189)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أمروا
بِأَدْنَى بقرة وَلَكنهُمْ لما شَدَّدُوا على أنفسهم شدد الله
عَلَيْهِم وَلَو لم يستثنوا مَا بيّنت لَهُم آخر الْأَبَد
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِنَّمَا أَمر الْقَوْم
بِأَدْنَى بقرة وَلَكنهُمْ لما شَدَّدُوا على أنفسهم شدد
عَلَيْهِم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو لم يستثنوا مَا
بيّنت لَهُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: لَو أخذُوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عَنْهُم
وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا وتعنتوا مُوسَى فَشدد الله عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين
ذَلِك} قَالَ: الفارض الهرمة وَالْبكْر الصَّغِيرَة والعوان
النّصْف
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {لَا
فارض} قَالَ: الْكَبِيرَة الهرمة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لعمري لقد أَعْطَيْت ضيفك فارضاً
تساق إِلَيْهِ مَا تقوم على رجل قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
{صفراء فَاقِع لَوْنهَا} الفاقع الصافي اللَّوْن من الصُّفْرَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد
بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: سدماً قَلِيلا عَهده بانيسه من بَين
اصفر فَاقِع ودفان وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير
أَنه كَانَ يسْتَحبّ أَن يسكت على بكر ثمَّ يَقُول: عوان بَين
ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {عوان بَين ذَلِك} قَالَ: بَين الصَّغِيرَة والكبيرة
وَهِي أقوى مَا يكون وَأحسنه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: شَدِيدَة الصُّفْرَة
تكَاد من صفرتها تبيض
(1/190)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي
قَوْله {صفراء} قَالَ: صفراء الظلْف {فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ:
صافي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: صَاف لَوْنهَا {تسر الناظرين} قَالَ:
تعجب الناظرين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والخطيب والديلمي عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: من لبس نعلا صفراء لم يزل فِي سرُور مَا
دَامَ لَابسهَا وَذَلِكَ قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر
الناظرين}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن
فِي قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: سَوْدَاء شَدِيدَة
السوَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة
أَنه قَرَأَ / أَن الباقر تشابه علينا /
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى عَن يعمر
أَنه قَرَأَ / إِن الباقر تشابه علينا /
وَقَالَ: الباقر أَكثر من الْبَقر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ:
فِي قراءتنا {إِن الْبَقر تشابه علينا}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِنَّهَا
بقرة لَا ذَلُول} أَي لم يذله الْعَمَل {تثير الأَرْض} يَعْنِي
لَيست بذلول فتثير الأَرْض {وَلَا تَسْقِي الْحَرْث} يَقُول:
وَلَا تعْمل فِي الْحَرْث {مسلمة} قَالَ: من الْعُيُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بقرة
لَا ذَلُول تثير} يَقُول: لَيست بذلول فتفعل ذَلِك {مسلمة}
قَالَ: من الشّبَه قَالَ {لَا شية فِيهَا} قَالَ: لَا بَيَاض
وَلَا سَواد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {مسلمة} قَالَ: لَا عوار
فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطِيَّة {لَا شية فِيهَا} قَالَ:
لَوْنهَا وَاحِد لَيْسَ فِيهَا لون سوى لَوْنهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا
ذَلُول} يَعْنِي صنفة يَقُول: لم يذلها الْعَمَل {مسلمة}
قَالَ: من الْعُيُوب {لَا شية فِيهَا} قَالَ: لَا بَيَاض
فِيهَا {قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} قَالُوا: الْآن بيّنت
لنا {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
(1/191)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب
فِي قَوْله {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} لغلاء ثمنهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن أَصْحَاب الْبَقَرَة بني إِسْرَائِيل طلبوها أَرْبَعِينَ
سنة حَتَّى وجدوها عِنْد رجل فِي بقر لَهُ وَكَانَت بقرة تعجبه
فَجعلُوا يعطونه بهَا فيأبى حَتَّى أَعْطوهُ ملْء مسكها
دَنَانِير فذبحوها فضربوه بعضو مِنْهَا فَقَامَ تشخب اوداجه
دَمًا فَقَالُوا لَهُ: من قَتلك قَالَ: قتلني فلَان
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: الذّبْح
والنحر فِي الْبَقر سَوَاء لِأَن الله يَقُول {فذبحوها}
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ لبني
إِسْرَائِيل الذّبْح وَأَنْتُم لكم النَّحْر ثمَّ قَرَأَ
{فذبحوها} {فصل لِرَبِّك وانحر} سُورَة الْكَوْثَر الْآيَة 2
(1/192)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ
نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قتلتم نفسا
فأدّارأتم فِيهَا وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جريرعن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ
قتلتم نفسا فأدّارأتم فِيهَا} قَالَ: اختلفتم فِيهَا {وَالله
مخرج مَا كُنْتُم تكتمون} قَالَ: ماتغيبون
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون} أخرج
ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْمسيب
بن رَافع قَالَ: مَا عمل رجل حَسَنَة فِي سَبْعَة أَبْيَات
إِلَّا أظهرها الله وَمَا عمل رجل سَيِّئَة فِي سَبْعَة
أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وتصديق ذَلِك كتاب الله {وَالله
مخرج مَا كُنْتُم تكتمون}
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَو أَن رجلا عمل فِي صَخْرَة صماء لَا بَاب فِيهَا
وَلَا كوَّة خرج عمله إِلَى النَّاس كَائِنا مَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن
عَفَّان قَالَ: من عمل عملا كَسَاه الله رِدَاءَهُ وَإِن خيرا
فَخير وَإِن شرا فشر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ
(1/192)
سريرة صَالِحَة أَو سَيِّئَة أظهر الله
عَلَيْهِ مِنْهَا رِدَاء يعرف بِهِ
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه من
الْمُؤمن قَالُوا الله رَسُوله أعلم
قَالَ: الْمُؤمن الَّذِي لَا يَمُوت حَتَّى يملاء الله مسامعه
مِمَّا يحب وَلَو أَن عبدا اتَّقى الله فِي جَوف بَيت إِلَى
سبعين بَيْتا على كل بَيت بَاب من حَدِيد لألبسه الله رِدَاء
عمله حَتَّى يتحدث بِهِ النَّاس وَيزِيدُونَ
قَالُوا: وَكَيف يزِيدُونَ يَا رَسُول الله قَالَ: لِأَن التقي
لَو يَسْتَطِيع أَن يزِيد فِي بره لزاد
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من الْكَافِر
قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: الْكَافِر الَّذِي لَا يَمُوت حَتَّى يملاء الله مسامعه
مِمَّا يكره وَلَو أَن فَاجِرًا فجر فِي جَوف بَيت إِلَى سبعين
بَيْتا على كل بَيت بَاب من حَدِيد لألبسه الله رِدَاء عمله
حَتَّى يتحدث بِهِ النَّاس وَيزِيدُونَ
قَالُوا: وَكَيف يزِيدُونَ يَا رَسُول الله قَالَ: لِأَن
الْفَاجِر لَو يَسْتَطِيع أَن يزِيد فِي فجوره لزاد
وَأخرج ابْن عدي عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ إِن الله مرد كل امرىء رِدَاء عمله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ثَابت قَالَ: كَانَ يُقَال لَو أَن
ابْن آدم عمل بِالْخَيرِ فِي سبعين بَيْتا لكساه الله تَعَالَى
رِدَاء عمله حَتَّى يعرف بِهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن
الْمسيب قَالَ: النَّاس يعرف أَعْمَالهم من تَحت كنف الله
فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد فضيحة أخرجه من تَحت كنفه فبدت
عَوْرَته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي إِدْرِيس
الْخَولَانِيّ رَفعه قَالَ: لَا يهتك الله عبدا وَفِيه
مِثْقَال حَبَّة من خير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَو أَن عبدا
اكتتم بِالْعبَادَة كَمَا يكتتم بِالْفُجُورِ لأظهر الله ذَلِك
مِنْهُ
(1/193)
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ
بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
قَوْله تَعَالَى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ
بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى ويريكم آيَاته
لَعَلَّكُمْ تعقلون
(1/193)
أخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} قَالَ: ضرب بالعظم
الَّذِي يَلِي الغضروف
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم ضربوه
بفخذها فَلَمَّا فعلوا أَحْيَاهُ الله حَتَّى أنبأهم بقاتله
الَّذِي قَتله وَتكلم ثمَّ مَاتَ
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ:
ضربوه بفخذها فحي فَمَا زَاد على أَن قَالَ: قتلني فلَان ثمَّ
عَاد فَمَاتَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: ضرب بفخذ الْبَقَرَة فَقَامَ حَيا فَقَالَ: قتلني فلَان
ثمَّ عَاد فِي ميتَته
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: ضرب بالبضعة الَّتِي بَين
الْكَتِفَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: أَمرهم أَن
يَأْخُذُوا عظما فيضربوا بِهِ الْقَتِيل فَفَعَلُوا فَرجع الله
روحه فَسمى قَاتله ثمَّ عَاد مَيتا كَمَا كَانَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى}
الْآيَة
أخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن
مُنَبّه قَالَ: إِن فَتى من بني إِسْرَائِيل كَانَ برا بوالدته
وَكَانَ يقوم ثلث اللَّيْل يُصَلِّي وَيجْلس عِنْد رَأس والدته
ثلث اللَّيْل فيذكرها بالتسبيح والتهليل وَالتَّكْبِير
والتحميد وَيَقُول: يَا أمه إِن كنت ضعفت عَن قيام اللَّيْل
فكبري الله وسبيحه وهلليه فَكَانَ ذَلِك عملهما الدَّهْر كُله
فَإِذا أصبح أَتَى الْجَبَل فاحتطب على ظَهره فَيَأْتِي بِهِ
السُّوق فيبيعه بِمَا شَاءَ الله أَن يَبِيعهُ فَيتَصَدَّق
بِثُلثِهِ ويبقي لعبادتع ثلثا وَيُعْطِي الثُّلُث أمه وَكَانَت
أمه تَأْكُل النّصْف وَتَتَصَدَّق بِالنِّصْفِ وَكَانَ ذَلِك
عملهما الدَّهْر كُله
فَلَمَّا طَال عَلَيْهَا قَالَت: يابني اعْلَم أَنِّي قد ورثت
من أَبِيك بقرة وختمت عُنُقهَا وتركتها فِي الْبَقر على اسْم
إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب قَالَت
وسأبين لَك مَا لَوْنهَا وهيئتها فَإِذا أتيت الْبَقر فادعها
باسم إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
فَأَنَّهَا تفعل كَمَا وَعَدتنِي وَقَالَت: إِن علامتها لَيست
بهرمة وَلَا فتية غير أَنَّهَا بَينهمَا وَهِي صفراء فَاقِع
لَوْنهَا تسر الناظرين إِذا نظرت إِلَى جلدهَا يخيل إِلَيْك
أَن شُعَاع الشَّمْس يخرج من جلدهَا وَلَيْسَت بالذلول وَلَا
صعبة تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث مسلمة لاشية فِيهَا
ولونها وَاحِد فَإِذا رَأَيْتهَا فَخذ بعنقها فَإِنَّهَا تتبعك
بِإِذن إِلَه إِسْرَائِيل
(1/194)
فَانْطَلق الْفَتى وَحفظ وَصِيَّة والدته
وَسَار فِي الْبَريَّة يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثًا حَتَّى إِذا
كَانَ صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم انْصَرف فصاح بهَا فَقَالَ:
بإله إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل واسحق وَيَعْقُوب إِلَّا مَا
أتيتني فَأَقْبَلت الْبَقَرَة عَلَيْهِ وَتركت الرَّعْي
فَقَامَتْ بَين يَدي الْفَتى فَأخذ بعنقها فتكلمت الْبَقَرَة
وَقَالَت: يَا أَيهَا الْفَتى الْبر بوالدته اركبني فَإِنَّهُ
أَهْون عَلَيْك
قَالَ الْفَتى: لم تَأْمُرنِي والدتي أَن أركب عَلَيْك
وَلكنهَا أَمرتنِي أَن أسوقك سوقاً فَأحب أَن أبلغ قَوْلهَا
فَقَالَت: بإله إِسْرَائِيل لَو ركبتني مَا كنت لتقدر عَليّ
فَانْطَلق يَا أَيهَا الْفَتى الْبر بوالدته لَو أَنَّك أمرت
هَذَا الْجَبَل أَن ينقلع لَك من أَصله لانقلع لبرك بوالدتك
ولطاعتك إلهك
فَانْطَلق حَتَّى إِذا كَانَ من مسيرَة يَوْم من منزله استقبله
عدوّ الله إِبْلِيس فتمثل لَهُ على صُورَة رَاع من رُعَاة
الْبَقر فَقَالَ: يَا أَيهَا الْفَتى من أَيْن جِئْت بِهَذِهِ
الْبَقَرَة أَلا تركبها فَإِنِّي أَرَاك قد أعييت أَظُنك لَا
تملك من الدُّنْيَا مَالا غير هَذِه الْبَقَرَة فَإِنِّي
أُعْطِيك الْأجر ينفعك وَلَا يَضرهَا فَإِنِّي رجل من رُعَاة
الْبَقر اشْتقت إِلَى أَهلِي فَأخذت ثوراً من ثيراني فَحملت
عَلَيْهِ طَعَامي وزادي حَتَّى غذا بلغت شطر الطَّرِيق
أَخَذَنِي وجع بَطْني فَذَهَبت لأقضي حَاجَتي فَعدا وسط
الْجَبَل وَتَرَكَنِي وَأَنا أطلبه وَلست أقدر عَلَيْهِ فَأَنا
أخْشَى على نَفسِي الْهَلَاك وَلَيْسَ معي زَاد وَلَا مَاء
فَإِن رَأَيْت أَن تحملنِي على بقرتك فتبلغني مرَاعِي وتنجيني
من الْمَوْت وَأُعْطِيك أجرهَا بقرتين
قَالَ الْفَتى: إِن بني آدم لَيْسَ بِالَّذِي يقتلهُمْ
الْيَقِين وتهلكهم أنفسهم فَلَو علم الله مِنْك الْيَقِين
لبلغك بِغَيْر زَاد وَلَا مَاء وَلست بِرَاكِب أمرا لم أومر
بِهِ إِنَّمَا أَنا عبد مَأْمُور وَلَو علم سَيِّدي أَنِّي
عصيته فِي هَذِه الْبَقَرَة لأهلكني وعاقبني عُقُوبَة شَدِيدَة
وَمَا أَنا بمؤثر هَوَاك على هوى سَيِّدي فَانْطَلق يَا أَيهَا
الرجل بِسَلام فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس: أُعْطِيك بِكُل خطْوَة
تخطوها إِلَى منزلي درهما فَذَلِك مَال عَظِيم وتفدي نَفسِي من
الْمَوْت فِي هَذِه الْبَقَرَة
قَالَ الْفَتى: إِن سَيِّدي لَهُ ذهب الأَرْض وفضتها فَإِن
أَعْطَيْتنِي شَيْئا مِنْهَا علم أَنه من مَاله وَلَكِن
أَعْطِنِي من ذهب السَّمَاء وفضتها فَأَقُول أَنه لَيْسَ هَذَا
من مَالك فَقَالَ إِبْلِيس: وَهل فِي السَّمَاء ذهب وَفِضة أَو
هِيَ يقدر أحد على هَذَا قَالَ الْفَتى: أَو هَل يَسْتَطِيع
العَبْد بِمَا لم يَأْمر بِهِ سَيّده كَمَا لَا تَسْتَطِيع
أَنْت ذهب السَّمَاء وفضتها
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: أَرَاك أعجز العبيد فِي أَمرك
قَالَ لَهُ الْفَتى: إِن الْعَاجِز من
(1/195)
عصى ربه
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: مَا لي لَا أرى مَعَك زادا ولاماء قَالَ
الْفَتى: زادي التَّقْوَى وطعامي الْحَشِيش وشرابي من عُيُون
الْجبَال قَالَ إِبْلِيس: أَلا آمُرك بِأَمْر يرشدك قَالَ: مر
بِهِ نَفسك فَإِنِّي على رشاد إِن شَاءَ الله
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: مَا أَرَاك تقبل نصيحة قَالَ لَهُ
الْفَتى: الناصح لنَفسِهِ من أطَاع سَيّده وَأدّى الْحق
الَّذِي عَلَيْهِ فَإِن كنت شَيْطَانا فأعوذ بِاللَّه مِنْك
وَإِن كنت آدَمِيًّا فَاخْرُج فَلَا حَاجَة لي فِي صحابتك
فجمد إِبْلِيس عِنْد ذَلِك ثَلَاث سَاعَات مَكَانَهُ وَلَو
ركبهَا لَهُ إِبْلِيس مَا كَانَ الْفَتى يقدر عَلَيْهَا
وَلَكِن الله حَبسه عَنْهَا
فَبَيْنَمَا الْفَتى يمشي إِذْ طَار طَائِر من بَين يَدَيْهِ
فاختلس الْبَقَرَة ودعاها الْفَتى وَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم
وَإِسْمَاعِيل واسحق وَيَعْقُوب إِلَّا مَا أتيتني فَأَتَت
الْبَقَرَة إِلَيْهِ وَقَامَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَت: يَا
أَيهَا الْفَتى ألم تَرَ إِلَى ذَلِك الطَّائِر الَّذِي طَار
من بَين يَديك فَإِنَّهُ إِبْلِيس عَدو الله اختلسني فَلَمَّا
ناديتني بإله إِسْرَائِيل جَاءَ ملك من الْمَلَائِكَة فانتزعني
مِنْهُ فردني إِلَيْك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك فَانْطَلق فلست
ببارحتك حَتَّى تَأتي أهلك إِن شَاءَ الله
قَالَ: فَدخل الْفَتى إِلَى أمه يخبرها الْخَبَر فَقَالَت: يَا
بني إِنِّي أَرَاك تحتطب على ظهرك اللَّيْل والنَّهَار فتشخص
فَاذْهَبْ بِهَذِهِ الْبَقَرَة فبعها وَخذ ثمنهَا فتقوّ بِهِ
وودع بِهِ نَفسك
قَالَ الْفَتى: بكم أبيعها قَالَت: بِثَلَاثَة دَنَانِير على
رضَا مني
فَانْطَلق الْفَتى إِلَى السُّوق فَبعث الله إِلَيْهِ ملكا من
الْمَلَائِكَة ليري خلقه قدرته فَقَالَ للفتى: بكم تبيع هَذِه
الْبَقَرَة أَيهَا الْفَتى فَقَالَ: أبيعها بِثَلَاثَة
دَنَانِير على رضَا من والدتي
قَالَ: لَك سِتَّة دَنَانِير وَلَا تستأمر والدتك
فَقَالَ: لَو أَعْطَيْتنِي زنتها لم أبعها حَتَّى أستأمرها
فَخرج الْفَتى فَأخْبر والدته الْخَبَر فَقَالَت: بعها
بِسِتَّة دَنَانِير على رضَا مني
فَانْطَلق الْفَتى وَأَتَاهُ الْملك فَقَالَ: مَا فعلت
فَقَالَ: أبيعها بِسِتَّة دَنَانِير على رضَا من والدتي
قَالَ: فَخذ اثْنَي عشر دِينَارا وَلَا تستأمرها
قَالَ: لَا
فَانْطَلق الْفَتى إِلَى أمه فَقَالَت: يَا بني إِن الَّذِي
يَأْتِيك ملك من الْمَلَائِكَة فِي صُورَة آدَمِيّ فَإِذا
أَتَاك فَقل لَهُ: إِن والدتي تقْرَأ عَلَيْك السَّلَام
وَتقول: بكم تَأْمُرنِي أَن أبيع هَذِه الْبَقَرَة قَالَ لَهُ
الْملك: يَا أَيهَا الْفَتى يَشْتَرِي بقرتك هَذِه مُوسَى بن
عمرَان لقتيل يقتل من بني إِسْرَائِيل وَله مَال كثير وَلم
يتْرك أَبوهُ ولدا غَيره وَله أَخ لَهُ بنُون كَثِيرُونَ
فَيَقُولُونَ كَيفَ لنا أَن نقْتل هَذَا الْغُلَام ونأخذ مَاله
فدعوا الْغُلَام إِلَى منزلهم
(1/196)
فَقَتَلُوهُ فطرحوه إِلَى جَانب دَارهم
فَأصْبح أهل الدَّار فأخرجوا الْغُلَام إِلَى بَاب الدَّار
وَجَاء بَنو عَم الْغُلَام فَأخذُوا أهل الدَّار فَانْطَلقُوا
بهم إِلَى مُوسَى فَلم يدر مُوسَى كَيفَ يحكم بَينهم من أجل
أَن أهل الدَّار بُرَآء من الْغُلَام
فشق ذَلِك على مُوسَى فَدَعَا ربه فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن
خُذ بقرة صفراء فاقعا لوناه فاذبحها ثمَّ اضْرِب الْغُلَام
بِبَعْضِهَا
فعمدوا إِلَى بقرة الْفَتى فاشتروها على أَن يملؤوا جلدهَا
دَنَانِير ثمَّ ذبحوها ثمَّ ضربوا الْغُلَام بِبَعْضِهَا
فَقَامَ يُخْبِرهُمْ فَقَالَ: إِن بني عمي قتلوني وَأهل
الدَّار مني بُرَآء فَأَخذهُم مُوسَى فَقَالُوا: يَا مُوسَى
أتتخذنا هزوا قد قتلنَا ابْن عمنَا مَظْلُوما وَقد علمُوا أَن
سيفضحوا فعمدوا إِلَى جلد الْبَقَرَة فملؤوه دَنَانِير ثمَّ
دفعوه إِلَى الْفَتى فَعمد الْفَتى فَتصدق بالثلثين على
فُقَرَاء بني إِسْرَائِيل وتقوّى بِالثُّلثِ {كَذَلِك يحيي
الله الْمَوْتَى ويريكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تعقلون}
(1/197)
ثُمَّ قَسَتْ
قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ
أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ
مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ
فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ
مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (74)
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ قست قُلُوبكُمْ من
بعد ذَلِك فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة وَإِن من الْحِجَارَة
لما يتفجر مِنْهُ الأتهار وَإِن مِنْهَا لما يشقق فَيخرج
مِنْهُ المَاء وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله وَمَا
الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ثمَّ
قست قُلُوبكُمْ من بعد ذَلِك} قَالَ: من بعد مَا أَرَاهُم الله
من إحْيَاء الْمَوْتَى وَمن بعد مَا أَرَاهُم من أَمر
الْقَتِيل {فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة} ثمَّ عذر الله
الْحِجَارَة وَلم يعْذر شقي ابْن آدم فَقَالَ {وَإِن من
الْحِجَارَة لما يتفجر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِن مِنْهَا لما
يشقق فَيخرج مِنْهُ المَاء وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة
الله}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن من الْحِجَارَة} الْآيَة
أَي أَن من الْحِجَارَة لألين من قُلُوبكُمْ لما تدعون
إِلَيْهِ من الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كل حجر
يتفجر مِنْهُ المَاء أَو يشقق عَن مَاء أَو يتردى من رَأس جبل
فَمن خشيَة الله
نزل بذلك الْقُرْآن
(1/197)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن مِنْهَا
لما يهْبط من خشيَة الله} قَالَ: إِن الْحجر ليَقَع على ألرض
وَلَو اجْتمع عَلَيْهِ كثير من النَّاس مَا استطاعوه وَإنَّهُ
ليهبط من خشيَة الله
(1/198)
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ
يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
قَوْله تَعَالَى: أفتطمعون أَن يُؤمنُوا
لكم وَقد كَانَ فريق مِنْهُم يسمعُونَ كَلَام الله ثمَّ
يحرفونه من بعد مَا عقلوه وهم يعلمُونَ
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
ثمَّ قَالَ الله لنَبيه وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ يؤيسهم
مِنْهُم {أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم وَقد كَانَ فريق مِنْهُم
يسمعُونَ كَلَام الله} وَلَيْسَ قَوْله التَّوْرَاة كلهَا وَقد
سَمعهَا وَلَكنهُمْ الَّذين سَأَلُوا مُوسَى رُؤْيَة رَبهم
فَأَخَذتهم الصاعقة فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم} الْآيَة
قَالَ: فَالَّذِينَ يحرفونه وَالَّذين يكتبونه م الْعلمَاء
مِنْهُم وَالَّذين نبذوا كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ هَؤُلَاءِ
كلهم يهود
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يسمعُونَ كَلَام
الله} قَالَ: هِيَ التَّوْرَاة حرفوها
(1/198)
وَإِذَا لَقُوا
الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ
إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا لقوا الَّذين
آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض قَالُوا
أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم ليحاجوكم بِهِ عِنْد ربكُم
أَفلا تعقلون أوَ لَا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا
يعلنون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} أَي بصاحبكم رَسُول
الله وَلكنه إِلَيْكُم خَاصَّة وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض
قَالُوا: لَا تحدثُوا الْعَرَب بِهَذَا فَإِنَّكُم قد كُنْتُم
تستفتحون بِهِ عَلَيْكُم فَكَانَ مِنْهُم {ليحاجوكم بِهِ عِنْد
ربكُم} أَي يقرونَ أَنه نَبِي وَقد علمْتُم أَنه قد أَخذ
عَلَيْكُم الْمِيثَاق باتباعه وَهُوَ يُخْبِرهُمْ أَنه
النَّبِي الَّذِي كَانَ ينْتَظر ونجده فِي كتَابنَا اجحدوه
وَلَا تقروا بِهِ
(1/198)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين من الْيَهُود
وَقَوله {بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} يَعْنِي بِمَا أكْرمكُم
بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم قُرَيْظَة تَحت حصونهم فَقَالَ يَا إخْوَان القردة
والخنازير وَيَا عَبدة الطاغوت
فَقَالُوا: من أخبر هَذَا الْأَمر مُحَمَّد مَا خرج هَذَا
الْأَمر إِلَّا مِنْكُم {أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم}
بِمَا حكم الله ليَكُون لَهُم حجَّة عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدخلن علينا قَصَبَة الْمَدِينَة
إِلَّا مُؤمن
فَقَالَ: رُؤَسَاء الْيَهُود: اذْهَبُوا فَقولُوا آمنا واكفروا
إِذا رجعتم إِلَيْنَا فَكَانُوا يأْتونَ الْمَدِينَة بالبكر
ويرجعون إِلَيْهِم بعد الْعَصْر وَهُوَ قَوْله (وَقَالَت
طَائِفَة من أهل الْكتاب آمنُوا بِالَّذِي أنزل على الَّذين
آمنُوا وَجه النَّهَار واكفروا آخِره) (آل عمرَان الْآيَة 72)
وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذا دخلُوا الْمَدِينَة نَحن مُسلمُونَ
ليعلموا خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمره
فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يظنون أَنهم مُؤمنُونَ فَيَقُولُونَ
لَهُم: أَلَيْسَ قد قَالَ لكم فِي التَّوْرَاة كَذَا وَكَذَا
فَيَقُولُونَ: بلَى
فَإِذا رجعُوا إِلَى قَومهمْ قَالُوا {أتحدثونهم بِمَا فتح
الله عَلَيْكُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: نزلت
هَذِه الْآيَة فِي نَاس من الْيَهُود آمنُوا ثمَّ نافقوا
فَكَانُوا يحدثُونَ الْمُؤمنِينَ من الْعَرَب بِمَا عذبُوا
بِهِ فَقَالَ بَعضهم لبَعض {أتحدثونهم بِمَا فتح الله
عَلَيْكُم} من الْعَذَاب لِيَقُولُوا نَحن أحب إِلَى الله
مِنْكُم وَأكْرم على الله مِنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَن امْرَأَة من
الْيَهُود أَصَابَت فَاحِشَة فجاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَبْتَغُونَ مِنْهُ الحكم رَجَاء الرُّخْصَة
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عالمهم وَهُوَ
ابْن صوريا فَقَالَ لَهُ: احكم
قَالَ: فجبؤه
والتجبئة يحملونه على حمَار ويجعلون على وَجهه إِلَى ذَنْب
الْحمار
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبحكم الله
حكمت قَالَ: لَا
وَلَكِن نِسَاءَنَا كن حسانا فأسرع فِيهِنَّ رجالنا فغيرنا
الحكم وَفِيه أنزلت {وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض} الْآيَة
(1/199)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} قَالُوا: هم
الْيَهُود وَكَانُوا إِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا
فصانعوهم بذلك ليرضوا عَنْهُم وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض نهى
بَعضهم بَعْضًا أَن يحدثوا بِمَا فتح الله عَلَيْهِم وَبَين
لَهُم فِي كِتَابه من أَمر مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام رفعته
ونبوته وَقَالُوا: إِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك احْتَجُّوا
عَلَيْكُم بذلك عِنْد ربكُم {أَفلا تعقلون أَو لَا يعلمُونَ
أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون} قَالَ: مَا يعلنون من
أَمرهم وَكَلَامهم إِذا لقوا الَّذين آمنُوا وَمَا يسرون إِذا
خلا بَعضهم إِلَى بعض من كفرهم بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وتكذيبهم بِهِ وهم يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {أَو لَا
يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون} يَعْنِي من كفرهم بِمُحَمد
وتكذيبهم بِهِ {وَمَا يعلنون} حِين قَالُوا للْمُؤْمِنين: آمنا
(1/200)
وَمِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
قَوْله تَعَالَى: وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ
لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني وَإِن هم إِلَّا يظنون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأميون قوم لم
يصدقُوا رَسُولا أرْسلهُ الله وَلَا كتابا أنزلهُ فَكَتَبُوا
كتابا بِأَيْدِيهِم ثمَّ قَالُوا لقوم سفلَة جهال: هَذَا من
عِنْد الله
وَقَالَ: قد أخْبرهُم أَنهم يَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِم ثمَّ
سماهم أُمِّيين لجحودهم كتب الله وَرُسُله
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله
{وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب} قَالَ: مِنْهُم
من لَا يحسن أَن يكْتب
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب} قَالَ: لَا
يَدْرُونَ مَا فِيهِ {وَإِن هم إِلَّا يظنون} وهم يجحدون نبؤتك
بِالظَّنِّ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمِنْهُم
أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب} قَالَ: نَاس من يهود لم
يَكُونُوا يعلمُونَ من الْكتاب شَيْئا وَكَانُوا
يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ بِغَيْر مَا فِي كتاب الله ويقولن
هُوَ من الْكتاب أماني تمنونها
(1/200)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أماني} قَالَ:
إِلَّا أَحَادِيث
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أماني}
قَالَ: إِلَّا قولا يَقُولُونَ بأفواههم كذبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{إِلَّا أماني} قَالَ: إِلَّا كذبا {وَإِن هم إِلَّا يظنون}
قَالَ: الا يكذبُون
(1/201)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ
مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
قَوْله تَعَالَى: فويل للَّذين يَكْتُبُونَ
الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله
ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم
وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ
أخرج وَكِيع وَابْن الْمُنْذر وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم}
قَالَ: نزلت فِي أهل الْكتاب
وَأخرج أَحْمد وهناد بن السّري بن الزّهْد وَعبد بن حميد
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار
وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك
وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: ويل وادٍ فِي حهنم يهوي فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ
خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره
وَأخرج ابْن جرير عَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فويل لَهُم مِمَّا كتبت
أَيْديهم} قَالَ: الويل جبل فِي النَّار وَهُوَ الَّذِي أنزل
فِي الْيَهُود لأَنهم حرفوا التَّوْرَاة زادوا فِيهَا مَا
أَحبُّوا ومحوا مِنْهَا مَا كَانُوا يكْرهُونَ ومحوا اسْم
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّوْرَاة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي
النَّار [] حجرا يُقَال لَهَا ويل يصعد عَلَيْهِ العرفاء
وينزلون فِيهِ
وَأخرج الْحَرْبِيّ فِي فَوَائده عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ
لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحك يَا عَائِشَة
فَجَزِعت مِنْهَا
فَقَالَ لي: يَا حميراء إت وَيحك أَو ويك رَحْمَة فَلَا تحجزعي
مِنْهَا وَلَكِن اجزعي من الويل
(1/201)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النبوّة
عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الويح وَالْوَيْل بَابَانِ
فَأَما الويح فباب رَحْمَة وَأما الويل فباب عَذَاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ويل
وادٍ فِي جَهَنَّم يسيل من صديد أهل النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن النُّعْمَان بن بشير
قَالَ: الويل وَاد من فيح فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَطاء بن يسَار
قَالَ: ويل وَاد فِي جَهَنَّم لَو سيرت فِيهِ الْجبَال لماعت
من شدَّة حره
وَأخرج هناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ويل سيل من صديد فِي أصل
جَهَنَّم وَفِي لفظ ويل وَاد فِي جَهَنَّم يسيل فِيهِ صديده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى عفرَة قَالَ: إِذا سَمِعت
الله يَقُول: ويل هِيَ النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فويل
للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب} الْآيَة
قَالَ: هم أَحْبَار الْيَهُود وجدوا صفة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوبَة فِي التَّوْرَاة أكحل أعين ربعَة
جعد الشّعْر حسن الْوَجْه فَلَمَّا وجدوه فِي التَّوْرَاة محوه
حسداً وبغياً فَأَتَاهُم نفر من قُرَيْش فَقَالُوا: تَجِدُونَ
فِي التَّوْرَاة نَبيا أُمِّيا فَقَالُوا: نعم نجده طَويلا
أَزْرَق سبط الشّعْر فانكرت قُرَيْش وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا
منا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
وصف الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة
فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسده
أَحْبَار الْيَهُود فغيَّروا صفته فِي كِتَابهمْ وَقَالُوا:
لَا نجد نَعته عندنَا وَقَالُوا للسفلة: لَيْسَ هَذَا نعت
النَّبِي الَّذِي يحرم كَذَا وَكَذَا كَمَا كتبوه وغيَّروا نعت
هَذَا كَذَا كَمَا وصف فلبسوا على النَّاس وَإِنَّمَا فعلوا
ذَلِك لِأَن الْأَحْبَار كَانَت لَهُم مأكلة يُطعمهُمْ
إِيَّاهَا السفلة لقيامهم على التَّوْرَاة فخافوا أَن تؤمن
السفلة فتنقطع تِلْكَ المأكلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ: يَا معشر الْمُسلمين كَيفَ تسْأَلُون أهل الْكتاب
عَن شَيْء وَكِتَابكُمْ الَّذِي أنزل الله على نبيه أحدث
أَخْبَارًا لله تعرفونه غضاً مَحْضا لم يشب
(1/202)
وَقد حَدثكُمْ الله أَن أهل الْكتاب قد
بدلُوا كتاب الله وغيروه وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِم الْكتاب
وَقَالُوا: هُوَ من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا أَفلا
يَنْهَاكُم مَا جَاءَكُم من الْعلم عَن مسائلهم وَلَا وَالله
مَا رَأينَا مِنْهُم أحدا قطّ سألكم عَن الَّذِي أنزل
إِلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ كَانَ
نَاس من الْيَهُود يَكْتُبُونَ كتابا من عِنْدهم ويبيعونه من
الْعَرَب ويحدثونهم أَنه من عِنْد الله فَيَأْخُذُونَ ثمنا
قَلِيلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر واين أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ نَاس من بني إِسْرَائِيل
كتبُوا كتابا بِأَيْدِيهِم ليتأكلوا النَّاس فَقَالُوا: هَذِه
من عِنْد الله وَمَا هِيَ من عِنْد الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ليشتروا بِهِ
ثمنا قَلِيلا} قَالَ: عرضا من عرض الدُّنْيَا {وويل لَهُم
مِمَّا يَكْسِبُونَ} يَقُول: مِمَّا يَأْكُلُون بِهِ النَّاس
السفلة وَغَيرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف
وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه كره كِتَابَة الْمَصَاحِف بِالْأَجْرِ وتلا هَذِه الْآيَة
{فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم} الْآيَة
وَأخرج وَكِيع عَن الْأَعْمَش
أَنه كره أَن يكْتب الْمَصَاحِف بِالْأَجْرِ وتأوّل هَذِه
الْآيَة {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ
يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله}
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه
يكره شِرَاء الْمَصَاحِف وَبَيْعهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن أبي
الضُّحَى قَالَ: سَأَلت ثَلَاثَة من أهل الْكُوفَة عَن شِرَاء
الْمَصَاحِف
عبد الله بن يزِيد الخطمي ومسروق بن الأجدع وشريحاً فكلهم
قَالَ: لَا نَأْخُذ لكتاب الله ثمنا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق قَتَادَة عَن زُرَارَة عَن
مطرف قَالَ: شهِدت فتح تستر مَعَ الْأَشْعَرِيّ فأصبنا دانيال
بالسوس وأصبنا مَعَه ربطتين من كتَّان وأصبنا مَعَه ربعَة
فِيهَا كتاب الله وَكَانَ أول من وَقع عَلَيْهِ رجل من بلعنبر
يُقَال لَهُ حرقوص فَأعْطَاهُ الْأَشْعَرِيّ الربطتين
وَأَعْطَاهُ مِائَتي دِرْهَم وَكَانَ مَعنا أجِير نَصْرَانِيّ
يُسمى نعيماً فَقَالَ: بيعوني هَذِه الربعة بِمَا فِيهَا
فَقَالُوا: إِن يكن فِيهَا ذهب أَو فضَّة أَو كتاب الله
(1/203)
قَالَ: فَإِن الَّذِي فِيهَا كتاب الله
فكرهوا أَن يبيعوه الْكتاب فَبِعْنَاهُ الربعة بِدِرْهَمَيْنِ
وَوَهَبْنَا لَهُ الْكتاب
قَالَ قَتَادَة: فَمن ثمَّ كره بيع الْمَصَاحِف لِأَن
الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه كَرهُوا بيع ذَلِك الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق قَتَادَة عَن سعيد بن
الْمسيب وَالْحسن: أَنَّهُمَا كرها بيع الْمَصَاحِف
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان أَنه
سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف فَقَالَ: إِن إِبْرَاهِيم يكره
بيعهَا وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن سَالم قَالَ: كَانَ ابْن عمر إِذا
أَتَى على الَّذِي يَبِيع الْمَصَاحِف قَالَ: بئس التِّجَارَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عبَادَة بن نسي
أَن عمر كَانَ يَقُول: لَا تَبِيعُوا الْمَصَاحِف وَلَا
تشتروها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم
أَن عمر كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن مَسْعُود: أَنه كره بيع
الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ:
وددت أَن الْأَيْدِي تقطع على بيع الْمَصَاحِف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد من طَرِيق سعيد بن
جُبَير قَالَ: وددت أَن الْأَيْدِي قطعت على بيع الْمَصَاحِف
وشرائها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عِكْرِمَة قَالَ: سَمِعت سَالم بن
عبد الله يَقُول: بئس التِّجَارَة الْمَصَاحِف
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله: أَنه كره بيع
الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد عَن عبد الله بن
شَقِيق الْعقيلِيّ: أَنه كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف قَالَ:
وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشددون
فِي بيع الْمَصَاحِف ويرونه عَظِيما
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب:
أَنه كره بيع الْمَصَاحِف كَرَاهِيَة شَدِيدَة وَكَانَ يَقُول:
أعن أَخَاك بِالْكتاب أَو هَب لَهُ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عليّ بن حُسَيْن قَالَ: كَانَت
الْمَصَاحِف لَا تبَاع وَكَانَ
(1/204)
الرجل يَأْتِي بِوَرَقَة عِنْد الْمِنْبَر
فَيَقُول من الرجل يحْتَسب فَيكْتب لي ثمَّ يَأْتِي الآخر
فَيكْتب حَتَّى يتم الْمُصحف
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مَسْرُوق وعلقمة وَعبد الله بن
يزِيد الْأنْصَارِيّ وَشُرَيْح وَعبادَة
أَنهم كَرهُوا بيع الْمَصَاحِف وشراءها وَقَالُوا: لَا نَأْخُذ
لكتاب الله ثمنا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن إِبْرَاهِيم عَن أَصْحَابه قَالَ:
كَانُوا يكْرهُونَ بيع الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن أبي الْعَالِيَة
أَنه كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف وَقَالَ: وددت أَن الَّذين
يبيعون الْمَصَاحِف ضربوا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانُوا
يكْرهُونَ بيع الْمَصَاحِف وكتابتها بِالْأَجْرِ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ عَطاء: لم
يكن من مضى يبيعون الْمَصَاحِف إِنَّمَا حدث ذَلِك الْآن
وَإِنَّمَا يَجْلِسُونَ بمصاحفهم فِي الْحجر فَيَقُول أحدهم
للرجل إِذا كَانَ كَاتبا وَهُوَ يطوف: يَا فلَان إِذا فرغت
تعال فَاكْتُبْ لي
قَالَ: فَيكْتب الْمُصحف وَمَا كَانَ من ذَلِك حَتَّى يفرغ من
مصحفه
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: كَانَ فِي
أوّل الزَّمَان يَجْتَمعُونَ فيكتبون الْمَصَاحِف ثمَّ أَنهم
استأجروا الْعباد فكتبوها لَهُم ثمَّ أَن الْعباد بعد أَن
كتبوها باعوها وأوّل من بَاعهَا هم الْعباد (الْعباد: جمع عبد
وهم قبائل شَتَّى من الْعَرَب اجْتَمعُوا بِالْحيرَةِ على
المسيحية قبل الْإِسْلَام وَالنِّسْبَة عبَادي)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن عمرَان بن جرير
قَالَ: سَأَلت أَبَا مجلز عَن بيع الْمَصَاحِف قَالَ: إِنَّمَا
بِيعَتْ فِي زمن مُعَاوِيَة فَلَا تبعها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: كتاب
الله أعز من أَن يُبَاع
وَأخرج ابْن سعيد عَن حَنْظَلَة قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ طَاوس
فَمر بِقوم يبيعون الْمَصَاحِف فَاسْتَرْجع
ذكر من رخص فِي بيعهَا وشراءها أخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن
عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف فَقَالَ: لَا بَأْس
إِنَّمَا يَأْخُذُونَ أجور أَيْديهم
(1/205)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن
الْحَنَفِيَّة أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف قَالَ: لَا
بَأْس إِنَّمَا يَبِيع الْوَرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن
الشّعبِيّ قَالَ: لَا بَأْس بِبيع الْمَصَاحِف إِنَّهُم لَا
يبيعون كتاب الله إِنَّمَا يبيعون الْوَرق وَعمل أَيْديهم
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ: لَا
بَأْس بشرَاء الْمَصَاحِف وَأَن يعْطى الْأجر على كتَابَتهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن مطر
الْوراق
أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف فَقَالَ: كَانَ خيرا أَو
حبرًا هَذَا الْأمة لَا يريان يَبِيعهَا بَأْسا الْحسن
وَالشعْبِيّ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن حميد
أَن الْحسن كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف فَلم يزل بِهِ مطر
الْوراق حَتَّى رخص فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طرق عَن الْحسن قَالَ: لَا بَأْس
بِبيع الْمَصَاحِف ونقطها بالآجر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن الحكم: أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا
بشرَاء الْمَصَاحِف وَبَيْعهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن أبي شهَاب مُوسَى بن
نَافِع قَالَ: قَالَ لي سعيد بن جُبَير: هَل لَك فِي مصحف
عِنْدِي قد كفيتك عرضه فتشتريه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو
عبيد وَابْن أبي دَاوُد من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
اشْتَرِ الْمَصَاحِف وَلَا تبعها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رخص فِي
شِرَاء الْمَصَاحِف وَكره فِي بيعهَا
قَالَ ابْن أبي دَاوُد: كَذَا قَالَ رخص كَأَنَّهُ صَار
مُسْندًا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله
فِي بيع الْمَصَاحِف قَالَ: ابتعها وَلَا تبعها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن
جُبَير
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر
مثله
(1/206)
وَقَالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ
أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ
عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
(80)
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا لن تمسنا
النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة قل أتخذتم عِنْد الله لن
يخلف الله عَهده أم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ
(1/206)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والواحدي عَن
ابْن عَبَّاس أَن يهود كَانُوا يَقُولُونَ: مُدَّة الدُّنْيَا
سَبْعَة آلَاف سنة وَإِنَّمَا نعذب لكل ألف سنة من أَيَّام
الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النَّار وَإِنَّمَا هِيَ
سَبْعَة أَيَّام معدودات ثمَّ يَنْقَطِع الْعَذَاب فَأنْزل
الله فِي ذَلِك {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار} إِلَى قَوْله {هم
فِيهَا خَالدُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والواحدي
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وجد أهل الْكتاب مسيرَة مَا بَين
طرفِي جَهَنَّم مسيرَة أَرْبَعِينَ فَقَالُوا: لن يعذب أهل
النَّار إِلَّا قدر أَرْبَعِينَ فَإِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة ألجموا فِي النَّار فَسَارُوا فِيهَا حَتَّى
انْتَهوا إِلَى سقر وفيهَا شَجَرَة الزقوم إِلَى آخر يَوْم من
الْأَيَّام الْمَعْهُودَة فَقَالَ لَهُ خَزَنَة النَّار: يَا
أَعدَاء الله زعمتم أَنكُمْ لن تعذبوا فِي النَّار إِلَّا
أَيَّامًا مَعْدُودَة فقد انْقَضى الْعدَد وَبَقِي الْأَبَد
فَيَأْخُذُونَ فِي الصعُود يرهقون على وُجُوههم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
أَن الْيَهُود قَالُوا: لن تمسنا النَّار إِلَّا أَرْبَعِينَ
يَوْمًا مُدَّة عبَادَة الْعجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: اجْتمعت يهود يَوْمًا فخاصموا
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: لن تمسنا النَّار
إِلَّا أَيَّامًا معدودات وَسموا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ
يخلفنا فِيهَا نَاس وأشاروا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ورد يَده على رؤوسهم كَذبْتُمْ بل أَنْتُم خَالدُونَ
مخلدون فِيهَا لَا نخلفكم فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أبدا
ففيهم أنزلت هَذِه الْآيَة {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا
أَيَّامًا مَعْدُودَة} يعنون أَرْبَعِينَ لَيْلَة
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْيَهُود أنْشدكُمْ بِاللَّه وبالتوراة
الَّتِي أنزل الله على مُوسَى يَوْم طور سيناء من أهل النَّار
الَّذين أنزلهم الله فِي التَّوْرَاة قَالُوا: إِن رَبهم غضب
عَلَيْهِم غضبة فنمكث فِي النَّار أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ
نخرج فتخلفوننا فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: كَذبْتُمْ وَالله لَا نخلفكم فِيهَا أبدا فَنزل
الْقُرْآن تَصْدِيقًا لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وتكذيباً لَهُم {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا
مَعْدُودَة} إِلَى قَوْله {وهم فِيهَا خَالدُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ والدارمي وَالنَّسَائِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة
(1/207)
قَالَ لما افتتحت خَيْبَر أهديت لرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة فِيهَا سم فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْمَعُوا لي من كَانَ هَهُنَا
من الْيَهُود فَقَالَ لَهُم: من أبوكم قَالَ: فلَان
قَالَ: كَذبْتُمْ بل أبوكم فلَان
قَالُوا: صدقت وبررت
ثمَّ قَالَ لَهُم: هَل أَنْتُم صادقيّ عَن شَيْء إِن سألتكم
عَنهُ قَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم وَإِن كذبناك عرفت
كذبنَا كَمَا عَرفته فِي أَبينَا
فَقَالَ لَهُم: من أهل النَّار قَالُوا: نَكُون فِيهَا يَسِيرا
ثمَّ تخلفوننا فِيهَا
فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اخْسَئُوا
- وَالله - لَا نخلفكم فِيهَا أبدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل
أتخذتم عِنْد الله عهدا} أَي موثقًا من الله بذلك أَنه كَمَا
تَقولُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قَالَت
الْيَهُود مَا قَالَت قَالَ الله لمُحَمد {قل أتخذتم عِنْد
الله عهدا} يَقُول: أدخرتم عِنْد الله عهدا
يَقُول: اقلتم لَا إِلَه إِلَّا الله لم تُشْرِكُوا وَلم
تكفرُوا بِهِ فَإِن كُنْتُم قُلْتُمُوهَا فارجوا بهَا وَإِن
كُنْتُم لم تقولوها فَلم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل أتخذتم عِنْد
الله} قَالَ: بفراكم وبزعمكم أَن النَّار لَيْسَ تمسكم إِلَّا
أَيَّامًا مَعْدُودَة يَقُول: إِن كُنْتُم اتخذتم عِنْد الله
عهدا بذلك فَلَنْ يخلف الله عَهده {أم تَقولُونَ على الله مَا
لَا تعلمُونَ} قَالَ: قَالَ الْقَوْم: الْكَذِب وَالْبَاطِل
وَقَالُوا عَلَيْهِ مَالا يعلمُونَ
(1/208)
بَلَى مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (82)
قَوْله تَعَالَى: بلَى من كسب سَيِّئَة
وأحاطت بِهِ خطيئته فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا
خَالدُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ
أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
(1/208)
قَوْله {بلَى من كسب} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وأحاطت
بِهِ خطيئته} قَالَ: أحَاط بِهِ شركه
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بلَى من كسب سَيِّئَة} أَي من عمل
مثل أَعمالكُم وَكفر بِمَا كَفرْتُمْ بِهِ حَتَّى يُحِيط كفره
بِمَا لَهُ من حَسَنَة {فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا
خَالدُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} أَي من
آمن بِمَا كَفرْتُمْ بِهِ وَعمل بِمَا تركْتُم من دينه فَلهم
الْجنَّة خَالِدين فِيهَا يُخْبِرهُمْ أَن الثَّوَاب
بِالْخَيرِ وَالشَّر مُقيم على أَهله أبدا لَا انْقِطَاع لَهُ
أبدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: هِيَ الْكَبِيرَة الْمُوجبَة
لأَهْلهَا النَّار
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله
{وأحاطت بِهِ خطيئته} مَا الْخَطِيئَة قَالَ: اقرؤوا الْقُرْآن
فَكل آيَة وعد الله عَلَيْهَا النَّار فَهِيَ الْخَطِيئَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: الذُّنُوب تحيط بالقلوب فَكلما
عمل ذَنبا ارْتَفَعت حَتَّى تغشى الْقلب حَتَّى يكون هَكَذَا
وَقبض كَفه ثمَّ قَالَ: والخطيئة كل ذَنْب وعد الله عَلَيْهِ
النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع
بن خَيْثَم فِي قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: هُوَ
الَّذِي يَمُوت على خطيئته قبل أَن يَتُوب
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {وأحاطت
بِهِ خطيئته} قَالَ: مَاتَ بِذَنبِهِ
(1/209)
وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا
قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق
بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين إحسانا
وَذي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا للنَّاس
حسنا وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة ثمَّ توليتم
إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم وَأَنْتُم معرضون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} أَي
ميثاقكم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِذ
أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} الْآيَة
قَالَ: أَخذ مواثيقهم أَن يخلصوا لَهُ وَأَن لَا يعبدوا غَيره
(1/209)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} قَالَ:
مِيثَاق أَخذه الله على بني إِسْرَائِيل فَاسْمَعُوا على مَا
أَخذ مِيثَاق الْقَوْم {لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين
إحساناً} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حمي عَن عِيسَى بن عمر قَالَ: قَالَ الْأَعْمَش:
نَحن نَقْرَأ / لَا يعْبدُونَ إِلَّا الله / بِالْيَاءِ لأَنا
نَقْرَأ آخر الْآيَة {ثمَّ توَلّوا} عَنهُ وَأَنْتُم تقرؤون
{ثمَّ توليتم} فاقرؤوها لَا تَعْبدُونَ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَ: الْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر أَمرهم أَن يأمروا
بِلَا إِلَه إِلَّا الله من لم يقلها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَ: الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب
فِي قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَ: يَعْنِي النَّاس
كلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء وَأبي جَعْفَر فِي
قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَا: للنَّاس كلهم
وَأخرج أَبُو عبيد سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عبد
الْملك بن سُلَيْمَان أَن زيد ابْن ثَابت كَانَ يقْرَأ
{وَقُولُوا للنَّاس حسنا} وَكَانَ ابْن مَسْعُود يقْرَأ
{وَقُولُوا للنَّاس حسنا}
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ توليتم} أَي تركْتُم ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ توليتم}
قَالَ: أعرضتم عَن طَاعَتي {إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم} وهم
الَّذين اخترتهم لطاعتي
(1/210)
وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ
أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ
تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ
دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ
وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ
مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ
الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ (86)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم
لَا تسفكون دمائكم وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ ثمَّ
أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون
أَنفسكُم وتخرجون فريقاً مِنْكُم من دِيَارهمْ تظاهرون
عَلَيْهِم
(1/210)
بالإثم والعدوان وَإِن يأتوكم أسرى تفادوهم
وَهُوَ محرم عَلَيْكُم إخراجهم أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب
وتكفرون بِبَعْض فَمَا جَزَاء من يفعل ذَلِك مِنْكُم إِلَّا
خزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْقيمَة يردون إِلَى
أَشد الْعَذَاب وَمَا الله بغافل عَمَّا تعقلون أُولَئِكَ
الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة فَلَا
يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينْصرُونَ
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم
أَنه قَرَأَ {لَا تسفكون دماءكم} بِنصب التَّاء وَكسر الْفَاء
وَرفع الْكَاف
وَأخرج عبد بن حميد عَن طَلْحَة بن مصرف أَنه قَرَأَهَا
{تسفكون} بِرَفْع الْفَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِذ
أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم} يَقُول: لَا يقتل بَعْضكُم
بَعْضًا {وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ} يَقُول: لَا
يخرج بَعْضكُم بَعْضًا من الديار ثمَّ أقررتم بِهَذَا
الْمِيثَاق وَأَنْتُم تَشْهَدُون
يَقُول: وَأَنْتُم شُهُود
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون} إِن
هَذَا حق من ميثاقي عَلَيْكُم {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون
أَنفسكُم} أَي أهل الشّرك ختى تسفكوا دماءكم مَعَهم {وتخرجون
فريقاً مِنْكُم من دِيَارهمْ} قَالَ: تخرجونهم من دِيَارهمْ
مَعَهم {تظاهرون عَلَيْهِم بالإِثم والعدوان} فَكَانُوا إِذا
كَانَ بَين الْأَوْس والخزرج حَرْب خرجت بَنو قينقاع مَعَ
الْخَزْرَج وَخرجت النَّضِير وَقُرَيْظَة من الْأَوْس وَظَاهر
كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ حلفاءه على إخوانه حَتَّى تسافكوا
دِمَاءَهُمْ فَإِذا وضعت أَوزَارهَا افْتَدَوْا أَسْرَاهُم
تَصْدِيقًا لما فِي التَّوْرَاة {وَإِن يأتوكم أُسَارَى
تفادوهم} وَقد عَرَفْتُمْ أَن ذَلِك عَلَيْكُم فِي دينكُمْ
{وَهُوَ محرم عَلَيْكُم} فِي كتابكُمْ {إخراجهم} {أفتؤمنون
بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض} أتفادونهم مُؤمنين بذلك
وتخرجونهم كفرا بذلك
(1/211)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة أَن
عبد الله بن سَلام مر على رَأس الجالوت بِالْكُوفَةِ وَهُوَ
يفادي من النِّسَاء من لم يَقع عَلَيْهِ الْعَرَب وَلَا يفادي
من وَقع عَلَيْهِ الْعَرَب فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام:
أما مَكْتُوب عنْدك فِي كتابك أَن فادوهن كُلهنَّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه
قَرَأَ {وَإِن يأتوكم أُسَارَى تفادوهم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {أُسَارَى
تفادوهم}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ:
فِي قراءتنا / وَإِن يؤخذوا تفدوهم /
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: يكون أول
الْآيَة عَاما وَآخِرهَا خَاصّا وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة
(وَيَوْم الْقِيَامَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب وَمَا الله
بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين
اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} قَالَ: استحبوا
قَلِيل الدُّنْيَا على كثير الْآخِرَة
(1/212)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ
وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ
وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ
رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ
فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)
قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى
الْكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم
الْبَينَات وأيدناه بِروح الْقُدس أفكلما جَاءَكُم رَسُول
بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم استكبرتم ففريقاً كَذبْتُمْ وفريقاً
تقتلون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وقفينا}
اتَّبعنَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جوبير عَن الضَّحَّاك عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي
التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة مفصلة محكمَة {وقفينا من بعده
بالرسل} يَعْنِي رَسُولا يدعى اشمويل بن بابل ورسولاً يَدعِي
مشتانيل ورسولاً يدعى شعيا بن أمصيا ورسولاً يدعى حزقيل
ورسولاً يدعى أرميا بن حلقيا وَهُوَ الْخضر ورسولاً يدعى
دَاوُد بن أيشا وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَان ورسولاً يدعى
الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم فَهَؤُلَاءِ الرُّسُل ابتعثهم
الله وانتخبهم للْأمة بعد مُوسَى بن
(1/212)
عمرَان وَأخذ عَلَيْهِم ميثاقاً غليظاً أَن
يؤدوا إِلَى أممهم صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَصفَة أمته
وَأما قَوْله تَعَالَى {وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم
الْبَينَات} أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
قَالَ: هِيَ الْآيَات الَّتِي وضعت على يَده من احياء
الْمَوْتَى وخلقه من الطين كَهَيئَةِ الطير وإبراء الأسقام
وَالْخَبَر بِكَثِير من الغيوب وَمَا رد عَلَيْهِم من
التَّوْرَاة مَعَ الإِنجيل الَّذِي أحدث الله إِلَيْهِ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وأيدناه بِروح الْقُدس} أخرج ابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأيدناه} قَالَ: قوّيناه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: روح الْقُدس
الِاسْم الَّذِي كَانَ عِيسَى يحيي بِهِ الْمَوْتَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الْقُدس الله
تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: الْقُدس
هُوَ الرب تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْقُدس
الطُّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ:
الْقُدس الْبركَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد فِي
قَوْله {وأيدناه بِروح الْقُدس} قَالَ: أَعَانَهُ جِبْرِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: روح الْقُدس
جِبْرِيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن جَابر عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: روح الْقُدس جِبْرِيل
وَأخرج ابْن سعيد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وضع لحسان منبراً فِي الْمَسْجِد فَكَانَ ينافح
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أيد حسان بِروح الْقُدس
كَمَا نافح عَن نبيه
وَأخرج ابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي: أَن نفسا
لن تَمُوت حَتَّى تستكمل رزقها فَاتَّقُوا الله واجملوا فِي
الطّلب
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن الْحسن
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كلمة روح
الْقُدس لن يُؤذن للْأَرْض أَن تَأْكُل من لَحْمه
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ففريقاً كَذبْتُمْ وفريقاً تقتلون}
(1/213)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
فِي قَوْله تَعَالَى: {فريقا} يَعْنِي طَائِفَة
(1/214)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا
غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا
يُؤْمِنُونَ (88)
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف
بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا مَا يُؤمنُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي
الْقلب لتقلبه
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس أَنه
كَانَ يقْرَأ {قُلُوبنَا غلف} مثقلة كَيفَ تتعلم وَإِنَّمَا
قُلُوبنَا غلف للحكمة أَي أوعية للحكمة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {قُلُوبنَا غلف} مَمْلُوءَة علما لَا تحْتَاج إِلَى علم
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا غَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة فِي قَوْله
{وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف} قَالَ: هِيَ الْقُلُوب المطبوع
عَلَيْهَا
وَأخرج وَكِيع عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {قُلُوبنَا غلف}
قَالَ: عَلَيْهَا طَابع
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف}
عَلَيْهَا غشاوة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف} قَالَ: قَالُوا لَا تفقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب
الإِخلاص وَابْن جرير عَن حُذَيْفَة قَالَ: الْقُلُوب
أَرْبَعَة
قلب أغلف فَذَلِك قلب الْكَافِر وقلب مصفح فَذَلِك قلب
الْمُنَافِق وقلب أجرد فِيهِ مثل السراج فَذَلِك قلب الْمُؤمن
وقلب فِيهِ إِيمَان ونفاق فَمثل الإِيمان كَمثل شَجَرَة يمدها
مَاء طيب وَمثل النِّفَاق كَمثل قرحَة يمدها الْقَيْح وَالدَّم
فَأَي الْمَادَّتَيْنِ غلبت صاحبتها أهلكته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: تعرض فتْنَة
على الْقُلُوب فَأَي قلب أنكرها نكتت فِي قلبه نُكْتَة
بَيْضَاء وَأي قلب لم ينكرها نكتت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء
ثمَّ تعرض فتْنَة أُخْرَى على الْقُلُوب فَإِن أنكرها الْقلب
الَّذِي أنكرها نكتت فِي قلبه نُكْتَة بَيْضَاء وَإِن لم
ينكرها نكتت نُكْتَة سَوْدَاء ثمَّ تعرض فتْنَة أُخْرَى فَإِن
أنكرها ذَلِك الْقلب الَّذِي اشْتَدَّ وابيض وَصفا وَلم تضره
فتْنَة أبدا وَإِن لم ينكرها فِي الْمَرَّتَيْنِ الأوليتين
أسود وارتد ونكس فَلَا يعرف حَقًا وَلَا يُنكر مُنْكرا
(1/214)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الايمان
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: إِن الإِيمان يَبْدُو لَحْظَة بَيْضَاء فِي الْقلب
فَكلما ازْدَادَ الإِيمان عظما ازْدَادَ ذَلِك الْبيَاض فَإِذا
اسْتكْمل الإِيمان ابيض الْقلب كُله وَإِن النِّفَاق لَحْظَة
سَوْدَاء فِي الْقلب فَكلما ازْدَادَ النِّفَاق عظما ازْدَادَ
ذَلِك السوَاد فَإِذا اسْتكْمل النِّفَاق اسود الْقلب كُله
وأيم الله لَو شققتم على قلب مُؤمن لوجدتموه أَبيض وَلَو شققتم
عَن قلب مُنَافِق لوجدتموه أسود
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد جيد عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُلُوب أَرْبَعَة
قلب أجرد فِيهِ مثل السراج يزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه
وقلب منكوس وقلب مصفح وَأما الْقلب الأجرد فَقلب الْمُؤمن
سراجه فِيهِ نوره وَأما الْقلب الأغلف فَقلب الْكَافِر وَأما
الْقلب المنكوس فَقلب الْمُنَافِق الْكَافِر عرف ثمَّ أنكر
وَأما الْقلب المصفح فَقلب فِيهِ إِيمَان ونفاق وَمثل الإِيمان
كَمثل البقلة يمدها المَاء الطّيب وَمثل النِّفَاق كَمثل
القرحة يمدها الْقَيْح وَالدَّم فَأَي الْمَادَّتَيْنِ غلبت
على الْأُخْرَى غلبت عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان الْفَارِسِي مَوْقُوفا مثله
سَوَاء
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فقليلاً مَا يُؤمنُونَ} أخرج عبد
الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فقليلاً مَا
يُؤمنُونَ} قَالَ: لَا يُؤمن مِنْهُم إِلَّا قَلِيل
(1/215)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ
كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)
قَوْله تَعَالَى: وَلما جَاءَهُم كتاب من
عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم وَكَانُوا من قبل يستفتحون على
الَّذين كفرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ
فلعنة الله على الْكَافرين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلما
جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن {مُصدق
لما مَعَهم} قَالَ: من التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَكَانُوا من قبل يستفتحون} الْآيَة
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم
وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل من
(1/215)
طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة
الْأنْصَارِيّ حَدثنِي أَشْيَاخ منا قَالُوا: لم يكن أحد من
الْعَرَب أعلم بشأن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منا
كَانَ مَعنا يهود وَكَانُوا أهل كتاب وَكُنَّا أَصْحَاب وثن
وَكُنَّا إِذا بلغنَا مِنْهُم مَا يكْرهُونَ قَالُوا: إِن
نَبيا يبْعَث الْآن قد أظل زَمَانه نتبعه فنقتلكم مَعَه قتل
عَاد وإرم فَلَمَّا بعث الله رَسُوله اتبعناه وكفروه بِهِ
ففينا - وَالله - وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكَانُوا من قبل
يستفتحون على الَّذين كفرُوا} الْآيَة كلهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق السّديّ عَن
أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن
ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت
الْعَرَب تمر باليهود فيؤذونهم وَكَانُوا يَجدونَ مُحَمَّدًا
فِي التَّوْرَاة فَيسْأَلُونَ الله أَن يَبْعَثهُ نَبيا
فيقاتلون مَعَه الْعَرَب فَلَمَّا جَاءَهُم مُحَمَّد كفرُوا
بِهِ حِين لم يكن من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء
وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت يهود بني
قُرَيْظَة وَالنضير من قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يستفتحون الله يدعونَ على الَّذين كفرُوا
وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستنصرك بِحَق النَّبِي
الْأُمِّي إلاَّ نصرتنا عَلَيْهِم فينصرون {فَلَمَّا جَاءَهُم
مَا عرفُوا} يُرِيد مُحَمَّدًا وَلم يشكوا فِيهِ {كفرُوا بِهِ}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن
أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ يهود أهل الْمَدِينَة
قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَاتلُوا من
يليهم من مُشْركي الْعَرَب من أَسد وغَطَفَان وجهينة وعذرة
يستفتحون عَلَيْهِم ويستنصرون يدعونَ عَلَيْهِم باسم نَبِي
الله فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ رَبنَا انصرنا عَلَيْهِم باسم
نبيك وبكتابك الَّذِي تنزل عَلَيْهِ الَّذِي وعدتنا إِنَّك
باعثه فِي آخر الزَّمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن قَتَادَة
قَالَ: كَانَت الْيَهُود تستفتح بِمُحَمد على كفار الْعَرَب
يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ابْعَثْ النَّبِي الَّذِي نجده فِي
التَّوْرَاة يعذبهم ويقتلهم فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّد كفرُوا
بِهِ حِين رَأَوْهُ بعث من غَيرهم حسداً للْعَرَب وهم يعلمُونَ
أَنه رَسُول الله
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل بِسَنَد
ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت يهود خَيْبَر تقَاتل
غطفان فَكلما الْتَقَوْا هزمت يهود فعاذت بِهَذَا الدُّعَاء:
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك بِحَق مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي
الَّذِي وعدتنا أَن تخرجه لنا فِي آخر الزَّمَان إِلَّا نصرتنا
عَلَيْهِم فَكَانُوا إِذا الْتَقَوْا دعوا بِهَذَا فهزموا
غطفان فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفرُوا
بِهِ
(1/216)
فَأنْزل الله {وَكَانُوا من قبل يستفتحون
على الَّذين كفرُوا} يَعْنِي وَقد كَانُوا يستفتحون بك يَا
مُحَمَّد إِلَى قَوْله {فلعنة الله على الْكَافرين}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
أَن يهود كَانُوا يستفتحون على الْأَوْس والخزرج برَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مبعثه فَلَمَّا بَعثه الله من
الْعَرَب كفرُوا بِهِ وجحدوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ
فَقَالَ لَهُم معَاذ ابْن جبل وَبشر بن الْبَراء ودادو بن
سَلمَة: يَا معشر يهود اتَّقوا الله وَأَسْلمُوا فقد كُنْتُم
تستفتحون علينا بِمُحَمد وَنحن أهل شرك وتخبرونا بِأَنَّهُ
مَبْعُوث وتصفونه بِصفتِهِ
فَقَالَ سَلام بن مشْكم أحد بني النَّضِير: مَا جَاءَنَا
بِشَيْء نعرفه وَمَا هُوَ بِالَّذِي كُنَّا نذْكر لكم فَأنْزل
الله {وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن سَلمَة
بن سَلامَة وقش وَكَانَ من أهل بدر قَالَ: كَانَ لنا جَار
يَهُودِيّ فِي بني عبد الْأَشْهَل فَخرج علينا يَوْمًا من
بَيته قبل مبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَسِير
حَتَّى وقف على مجْلِس بني الْأَشْهَل قَالَ سَلمَة: وَأَنا
يَوْمئِذٍ أحدث من فِيهِ سنا عليّ بردة مُضْطَجعا فِيهَا
بِفنَاء أَهلِي فَذكر الْبَعْث وَالْقِيَامَة والحساب
وَالْمِيزَان وَالْجنَّة وَالنَّار قَالَ: ذَلِك لأهل شرك
أَصْحَاب أوثان لَا يرَوْنَ أَن بعثاً كَائِن بعد الْمَوْت
فَقَالُوا لَهُ: وَيحك يَا فلَان
ترى هَذَا كَائِنا أَن النَّاس يبعثون بعد مَوْتهمْ إِلَى دَار
فِيهَا جنَّة ونار يجزنون فِيهَا بأعمالهم فَقَالَ: نعم
وَالَّذِي يحلف بِهِ يودّ أَن لَهُ بحظه من تِلْكَ النَّار
أعظم تنور فِي الدُّنْيَا يحمونه ثمَّ يدخلونه إِيَّاه فيطيونه
عَلَيْهِ وَأَن ينجو من تِلْكَ النَّار غَدا
قَالُوا لَهُ: وَيحك وَمَا آيَة ذَلِك قَالَ: نَبِي يبْعَث من
نَحْو هَذِه الْبِلَاد وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو مَكَّة واليمن
فَقَالُوا: وَمَتى نرَاهُ قَالَ: فَنظر إِلَيّ وَأَنا من
أحدثهم سنا أَن يستنفذ هَذَا الْغُلَام عمره يُدْرِكهُ قَالَ
سَلمَة: فوَاللَّه مَا ذهب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى بعث
الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بَين أظهرنَا
فَآمَنا بِهِ وَكفر بِهِ بغياً وحسداً فَقُلْنَا وَيلك يَا
فلَان أَلَسْت بِالَّذِي قلت لنا قَالَ: بلَى وَلَيْسَ بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَكَانُوا من قبل يستفتحون
على الَّذين كفرُوا} يَقُول يستنصرون بِخُرُوج مُحَمَّد على
مُشْركي الْعَرَب يَعْنِي بذلك أهل الْكتاب فَلَمَّا بعث الله
مُحَمَّدًا ورأوه من غَيرهم كفرُوا بِهِ وحسدوه
(1/217)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد
بن جُبَير فِي قَوْله {فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا
بِهِ} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود عرفُوا مُحَمَّدًا أَنه نَبِي
وَكَفرُوا بِهِ
(1/218)
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
قَوْله تَعَالَى: بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ
أنفسهم أَن يكفروا بِمَا أنزل الله بغيا أَن ينزل الله من
فَضله على من يَشَاء من عباده فباوءوا بغضب على غضب وللكافرين
عَذَاب مهين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم} الْآيَة
قَالَ: هم الْيَهُود كفرُوا بِمَا أنزل الله وَبِمُحَمَّدٍ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بغياً وحسداً للْعَرَب {فباؤوا بغضب على
غضب} قَالَ: غضب الله عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ بكفرهم بالإِنجيل
وبعيسى وبكفرهم بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل
{بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم} قَالَ: بئس مَا باعوا بِهِ
أنفسهم حَيْثُ باعوا نصِيبهم من الْآخِرَة بطمع يسير من
الدُّنْيَا
قَالَ: وَهل تعرف ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر
وَهُوَ يَقُول: يعْطى بهَا ثمنا فيمنعها وَيَقُول صَاحبهَا
أَلا تشرى وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بغياً أَن ينزل الله} أَي أَن
الله جعله من غَيرهم {فباؤوا بغضب} بكفرهم بِهَذَا النَّبِي
{على غضب} كَانَ عَلَيْهِم فِيمَا ضيعوه من التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {فباؤوا بغضب على غضب} قَالَ:
كفرهم بِعِيسَى وكفرهم بِمُحَمد
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {فباؤوا بغضب} الْيَهُود غضب
بِمَا كَانَ من تبديلهم التَّوْرَاة قبل خُرُوج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم {عَليّ غضب} جحودهم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وكفرهم بِمَا جَاءَ بِهِ
(1/218)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ
الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ
أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
(91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
(92)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا
بِمَا أنزل الله قَالُوا نؤمن بِمَا أنزل علينا ويكفرون بِمَا
وَرَاءه وَهُوَ الْحق مُصدقا لما مَعَهم قل فَلم تقتلون
أَنْبيَاء الله من قبل إِن كُنْتُم مُؤمنين وَلَقَد جَاءَكُم
مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثمَّ اتخذتم الْعجل من بعده وَأَنْتُم
ظَالِمُونَ
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {ويكفرون بِمَا
وَرَاءه} قَالَ: بِمَا بعده
وَأخرج ابْن جرير عَن الدي فِي قَوْله {ويكفرون بِمَا وَرَاءه}
قَالَ: الْقُرْآن
(1/219)
وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا
آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم
ورفعنا فَوْقكُم الطّور خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة قَالُوا
سمعنَا وعصينا وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم قل بئْسَمَا
يَأْمُركُمْ بِهِ آيمانكم إِن كُنْتُم مُؤمنين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} قَالَ: أشربوا حبه حَتَّى خلص
ذَلِك إِلَى قُلُوبهم
(1/219)
قُلْ إِنْ كَانَتْ
لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ
دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
قَوْله تَعَالَى: قل إِن كَانَت لكم
الدَّار
(1/219)
الْآخِرَة عِنْد الله خَالِصَة من دون
النَّاس فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين وَلنْ
يَتَمَنَّوْهُ أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم وَالله عليم بالظالمين
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ (قَالُوا لن يدْخل
الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هود أَو نَصَارَى) (الْبَقَرَة
الْآيَة 111) وَقَالُوا (نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه)
(الْمَائِدَة الْآيَة 18) فَأنْزل الله {قل إِن كَانَت لكم
الدَّار الْآخِرَة عِنْد الله خَالِصَة من دون النَّاس فتمنوا
الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين} فَلم يَفْعَلُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي
هَذِه الْآيَة قَالَ: قل لَهُم يَا مُحَمَّد {إِن كَانَت لكم
الدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة كَمَا زعتم {خَالِصَة من
دون النَّاس} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {فتمنوا الْمَوْت إِن
كُنْتُم صَادِقين} انها لكم خَالِصَة من دون المؤنين فَقَالَ
لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كُنْتُم فِي
مَقَالَتَكُمْ صَادِقين قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فو الَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولهَا رجل مِنْكُم إِلَّا غص بريقه
فَمَاتَ مَكَانَهُ فَأَبَوا أَن يَفْعَلُوا وكرهوا مَا قَالَ
لَهُم فَنزل {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم}
يَعْنِي عملته أَيْديهم {وَالله عليم بالظالمين} إِنَّهُم لن
يَتَمَنَّوْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عِنْد نزُول هَذِه الْآيَة: وَالله لَا يتمنونه أبدا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فتمنوا الْمَوْت} أَي ادعوا بِالْمَوْتِ
على أَي الْفَرِيقَيْنِ أكذب فَأَبَوا ذَلِك وَلَو تمنوه يَوْم
قَالَ ذَلِك مَا بَقِي على وَجه الأَرْض يَهُودِيّ إِلَّا
مَاتَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله (قل إِن لكم
الدَّار الْآخِرَة) يَعْنِي الْجنَّة {خَالِصَة} خَاصَّة
{فتمنوا الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ
أبدا} لأنعم يعلمُونَ أَنهم كاذبون {بِمَا قدمت} قَالَ: أسلفت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو تمنى
الْيَهُود الْمَوْت لماتوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لَو تمنوا الْمَوْت لشرق أحدهم بريقه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن
عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو
أَن الْيَهُود تمنوا الْمَوْت لماتوا ولرأوا مَقَاعِدهمْ من
النَّار
(1/220)
وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ
بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
قَوْله تَعَالَى: ولتجدنهم أحرص النَّاس
على حَيَاة وَمن الَّذين أشركوا يودّ أحدهم لَو يعمر ألف سنة
وَمَا هُوَ بمزحزحه من الْعَذَاب أَن يعمر وَالله بَصِير بِمَا
يعْملُونَ
(1/220)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولتجدنهم أحرص النَّاس على
حَيَاة} قَالَ: الْيَهُود {وَمن الَّذين أشركوا} قَالَ:
الْأَعَاجِم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ولتجدنهم أحرص النَّاس على حَيَاة}
يَعْنِي الْيَهُود {وَمن الَّذين أشركوا} وَذَلِكَ أَن
الْمُشرك لَا يَرْجُو بعثاً بعد الْمَوْت فَهُوَ يحب طول
الْحَيَاة وَأَن الْيَهُودِيّ قد عرف مَا لَهُ فِي الْآخِرَة
من الخزي بِمَا صنع بِمَا عِنْده من الْعلم {وَمَا هُوَ
بمزحزحه} قَالَ: بمنجيه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يودّ
أحدهم لَو يعمر ألف سنة} قَالَ: هُوَ قَول الْأَعَاجِم إِذا
عطس أحدهم زه هزا رسال يَعْنِي ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا هُوَ
بمزحزحه} قَالَ: هم الَّذين عَادوا جِبْرِيل
(1/221)
قُلْ مَنْ كَانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ
بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى
وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ
اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
قَوْله تَعَالَى: قل من كَانَ عَدو لجبريل
فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن الله مُصدقا لما بَين
يَدَيْهِ وَهدى وبشرى للْمُؤْمِنين من كَانَ عدوا لله
وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَإِن الله
عَدو الْكَافرين
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْفِرْيَابِي وَأحمد وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم
وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: حضرت عِصَابَة من الْيَهُود نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم حَدثنَا عَن
خلال نَسْأَلك عَنْهُن لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي
قَالَ سلوني عَمَّا شِئْتُم وَلَكِن اجعلوا لي ذمَّة الله
وَمَا أَخذ يَعْقُوب على نبيه لَئِن أَنا حدثتكم شَيْئا
فعرفتموه للتتابعني قَالُوا: فَذَلِك لَك
قَالُوا: أَربع خلال نَسْأَلك عَنْهَا
أخبرنَا أَي طَعَام حرم إِسْرَائِيل على نَفسه من قبل أَن تنزل
التَّوْرَاة وَأخْبرنَا كَيفَ مَاء الرجل من مَاء الْمَرْأَة
وَكَيف الْأُنْثَى مِنْهُ وَالذكر وَأخْبرنَا كَيفَ هَذَا
النَّبِي الْأُمِّي فِي النّوم وَمن وليه من الْمَلَائِكَة
فَأخذ عَلَيْهِم عهد الله لَئِن
(1/221)
أَخْبَرتكُم لتتابعني فَأَعْطوهُ مَا شَاءَ
من عهد وميثاق
قَالَ: فأنشدكم بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة هَل تعلمُونَ أَن
إِسْرَائِيل مرض مَرضا طَال سقمه فَنَذر نذرا لَئِن عافاه الله
من سقمه ليحرمن أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ وَأحب الطَّعَام
إِلَيْهِ وَكَانَ أحب الطَّعَام إِلَيْهِ لُحْمَان الْإِبِل
وَأحب الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلْبَانهَا فَقَالُوا: اللَّهُمَّ
نعم
فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ
قَالَ: أنْشدكُمْ بِالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ هَل
تعلمُونَ أَن مَاء الرجل أَبيض غليظ وَأَن مَاء الْمَرْأَة
أصفر رَقِيق فَأَيّهمَا علا كَانَ لَهُ الواد والشبه بِإِذن
الله إِن علا مَاء الرجل كَانَ ذكرا بِإِذن الله وَإِن علا
مَاء الْمَرْأَة كَانَ أُنْثَى بِإِذن الله قَالُوا:
اللَّهُمَّ نعم
قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ قَالَ: فأنشدكم بِالَّذِي أنزل
التَّوْرَاة على مُوسَى هَل تعلمُونَ أَن النَّبِي الْأُمِّي
هَذَا تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه قَالُوا: نعم
قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِم
قَالُوا: أَنْت الْآن فحدثنا من وليك من الْمَلَائِكَة
فَعندهَا نتابعك أَو نُفَارِقك قَالَ: وليي جِبْرِيل وَلم
يبْعَث الله نَبيا قطّ إِلَّا وَهُوَ وليه
قَالُوا: فَعندهَا نُفَارِقك لَو كَانَ وليك سواهُ من
الْمَلَائِكَة لأتبعناك وَصَدَّقنَاك
قَالَ: فَمَا يمنعكم أَن تُصَدِّقُوهُ قَالُوا: هُوَ عدوّنا
فَأنْزل الله تَعَالَى {من كَانَ عدوا لجبريل} إِلَى قَوْله
{كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} فَعِنْدَ ذَلِك باؤوا بغضب على غضب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه
فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ
قَالَ نزل عمر رَضِي الله عَنهُ بِالرَّوْحَاءِ فَرَأى نَاسا
يبتدرون أحجاراً فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالُوا: يَقُولُونَ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى إِلَى هَذِه الْأَحْجَار
فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ رَاكِبًا
مر بواد فَحَضَرت الصَّلَاة فصلَّى ثمَّ حدث فَقَالَ: إِنِّي
كنت أغشى الْيَهُود يَوْم دراستهم فَقَالُوا: مَا من أَصْحَابك
أحد أكْرم علينا مِنْك لِأَنَّك تَأْتِينَا
قلت: وَمَا ذَاك إِلَّا أَنِّي أعجب من كتب الله كَيفَ يصدق
بَعْضهَا بَعْضًا كَيفَ تصدق التَّوْرَاة وَالْفرْقَان
التَّوْرَاة فَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا
وَأَنا أكلمهم فَقلت: أنْشدكُمْ بِاللَّه وَمَا تقرؤون من
كِتَابه أتعلمون أَنه رَسُول الله قَالُوا: نعم
فَقلت: هلكتم وَالله تعلمُونَ أَنه رَسُول الله ثمَّ لَا
تتبعونه فَقَالُوا: لم نهلك وَلَكِن سألناه من يَأْتِيهِ
بنبوّته فَقَالَ: عدوّنا جِبْرِيل لِأَنَّهُ ينزل بالغلظة
والشدة وَالْحَرب والهلاك وَنَحْو هَذَا فَقلت فَمن سلمكم من
الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: مِيكَائِيل ينزل بالقطر وَالرَّحْمَة
وَكَذَا
قلت: وَكَيف منزلتهما من ربهما فَقَالُوا: أَحدهمَا عَن
يَمِينه وَالْآخر من الْجَانِب الآخر
قلت: فَإِنَّهُ لَا يحل لجبريل أَن يعادي مِيكَائِيل وَلَا يحل
(1/222)
لميكائيل أَن يسالم عدوّ جِبْرِيل وَإِنِّي
أشهد أَنَّهُمَا وربهما سلم لمن سالموا وَحرب لمن حَاربُوا
ثمَّ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أُرِيد أَن
أخبرهُ فَلَمَّا لَقيته قَالَ: أَلا أخْبرك بآيَات أنزلت عليّ
قلت: بلَى يَا رَسُول الله فَقَرَأَ {من كَانَ عدوا لجبريل}
حَتَّى بلغ {الْكَافرين} قلت: وَالله يَا رَسُول الله مَا
قُمْت من عِنْد الْيَهُود إِلَّا إِلَيْك لأخبرك بِمَا قَالُوا
إِلَيّ وَقلت لَهُم فَوجدت الله قد سبقني
صَحِيح الإِسناد وَلَكِن الشّعبِيّ لم يدْرك عمر
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ عمر
يَأْتِي يهود يكلمهم فَقَالُوا: إِنَّه لَيْسَ من أَصْحَابك
أحد أَكثر إتياناً إِلَيْنَا مِنْك فَأخْبرنَا من صَاحب صَاحبك
الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْي فَقَالَ: جِبْرِيل
قَالُوا: ذَاك عدونا من الْمَلَائِكَة وَلَو أَن صَاحبه صَاحب
صاحبنا لاتبعناه فَقَالَ عمر: وَمن صَاحب صَاحبكُم قَالُوا:
مِيكَائِيل
قَالَ: وَمَا هما قَالُوا: أما جِبْرِيل فَينزل بِالْعَذَابِ
والنقمة وَأما مِيكَائِيل فَينزل بالغيث وَالرَّحْمَة
وَأَحَدهمَا عَدو لصَاحبه
فَقَالَ عمر
وَمَا منزلتهما قَالُوا: إنَّهُمَا من أقرب الْمَلَائِكَة
مِنْهُ أَحدهمَا عَن يَمِينه وكلتا يَدَيْهِ يَمِين وَالْآخر
على الشق الآخر
فَقَالَ عمر: لَئِن كَانَا كَمَا تَقولُونَ مَا هما بعدوّين
ثمَّ خرج من عِنْدهم فَمر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَدَعَاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {من كَانَ عدوّاً لجبريل}
الْآيَة
فَقَالَ عمر: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ أَنه الَّذِي خاصمتهم
بِهِ آنِفا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا عمر بن الْخطاب
انْطلق ذَات يَوْم إِلَى الْيَهُود فَلَمَّا أبصروه رحبوا بِهِ
فَقَالَ عمر: وَالله مَا جِئْت لِحُبِّكُمْ وَلَا للرغبة
فِيكُم وَلَكِنِّي جِئْت لأسْمع مِنْكُم وسألوه فَقَالُوا: من
صَاحب صَاحبكُم فَقَالَ لَهُم: جِبْرِيل قَالُوا: ذَاك عدوّنا
من الْمَلَائِكَة يطلع مُحَمَّد على سرنا وَإِذا جَاءَ جَاءَ
بِالْحَرْبِ وَالسّنة وَلَكِن صاحبنا مِيكَائِيل وَإِذا جَاءَ
جَاءَ بِالْخصْبِ وَالسّلم
فَتوجه نَحْو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحدثه
حَدِيثهمْ فَوَجَدَهُ قد أنزل هَذِه الْآيَة {قل من كَانَ عدوا
لجبريل} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ لما كَانَ لعمر أَرض
بِأَعْلَى الْمَدِينَة يَأْتِيهَا وَكَانَ مَمَره على مدارس
الْيَهُود وَكَانَ كلما مر دخل عَلَيْهِم فَسمع مِنْهُم
وَإنَّهُ دخل عَلَيْهِم ذَات يَوْم فَقَالَ لَهُم: أنْشدكُمْ
بالرحمن الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى بطور سيناء
أتجدون مُحَمَّدًا عنْدكُمْ قَالُوا: نعم إِنَّا نجده
مَكْتُوبًا عندنَا وَلَكِن صَاحبه
(1/223)
من الْمَلَائِكَة الَّذِي يَأْتِيهِ
بِالْوَحْي جِبْرِيل وَجِبْرِيل عدونا وَهُوَ صَاحب كل عَذَاب
وقتال وَخسف وَلَو كَانَ وليه مِيكَائِيل لآمَنَّا بِهِ فَإِن
مِيكَائِيل صَاحب كل رَحْمَة وكل غيث
قَالَ عمر: فَأَيْنَ مَكَان جِبْرِيل من الله قَالُوا:
جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره
قَالَ عمر: فأشهدكم أَن الَّذِي عدوّ للَّذي عَن يَمِينه عدوّ
للَّذي هُوَ عَن يسَاره وَالَّذِي عَدو للَّذي عَن يسَاره عدوّ
للَّذي هُوَ عَن يَمِينه وَأَنه من كَانَ عدوّهما فَإِنَّهُ
عدوّ لله ثمَّ رَجَعَ عمر ليخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ فَوجدَ جِبْرِيل قد سبقه بِالْوَحْي فَدَعَاهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ {قل من كَانَ عدوا
لجبريل} الْآيَة
فَقَالَ عمر: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد جِئْت وَمَا
أُرِيد إِلَّا أَن أخْبرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي ليلى
أَن يَهُودِيّا لَقِي عمر فَقَالَ: إِن جِبْرِيل الَّذِي يذكر
صَاحبكُم عدوّ لنا
فَقَالَ عمر {من كَانَ عدوّاً لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله
وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عدوّ للْكَافِرِينَ} قَالَ:
فَنزلت على لِسَان عمر وَقد نقل ابْن جرير الاجماع على أَن
سَبَب نزُول الْآيَة ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ سمع عبد الله بن سَلام بِمقدم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِأَرْض يخْتَرف
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي
سَائِلك عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي
مَا أول اشراط السَّاعَة وَمَا أول طَعَام أهل الْجنَّة وَمَا
ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه أَو أمه قَالَ: أَخْبرنِي
جِبْرِيل بِهن آنِفا
قَالَ: جِبْرِيل قَالَ: نعم
قَالَ: ذَاك عَدو الْيَهُود من الْمَلَائِكَة
فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {من كَانَ عدوّاً لجبريل فَإِنَّهُ
نزله على قَلْبك} قَالَ: أما أوّل أَشْرَاط السَّاعَة فَنَار
تخرج من الْمشرق فتحشر النَّاس إِلَى الْمغرب وَأما أول مَا
يَأْكُل أهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد حوت وَأما مَا ينْزع
الْوَلَد إِلَى أَبِيه وَأمه فَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء
الْمَرْأَة نزع إِلَيْهِ الْوَلَد وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة
مَاء الرجل نزع إِلَيْهَا
قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن الله} يَقُول:
جِبْرِيل نزل بِالْقُرْآنِ بِإِذن الله يشدد بِهِ فُؤَادك
ويربط بِهِ على قَلْبك {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} يَقُول: لما
قبله من الْكتب الَّتِي أنزلهَا والآيات وَالرسل الَّذين
بَعثهمْ الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ}
(1/224)
قَالَ: من التَّوْرَاة والإِنجيل {وَهدى
وبشرى للْمُؤْمِنين} قَالَ: جعل الله هَذَا الْقُرْآن هدى
وبشرى للْمُؤْمِنين لِأَن الْمُؤمن إِذا سمع الْقُرْآن حفظه
ووعاه وانتفع بِهِ وَاطْمَأَنَّ إلبه وَصدق بموعود الله
الَّذِي وعده فِيهِ وَكَانَ على يَقِين من ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عبيد الله العكي عَن رجل من
قُرَيْش قَالَ: سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْيَهُود فَقَالَ أَسأَلكُم بِكِتَابِكُمْ الَّذِي تقرؤون هَل
تجدونه قد بشر بِي عِيسَى أَن يأيتكم رَسُول اسْمه أَحْمد
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ وجدناك فِي كتَابنَا وَلَكنَّا كرهنا
لِأَنَّك تستحل الْأَمْوَال وتهرق الدِّمَاء فَأنْزل الله {من
كَانَ عدوًّا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله} الْآيَة
وَأما قَوْله تَعَالَى {وَجِبْرِيل وميكال}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جِبْرِيل
كَقَوْلِك عبد الله جبر عبد وايل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
جِبْرِيل عبد الله وَمِيكَائِيل عبيد الله وكل اسْم فِيهِ ايل
فَهُوَ معبد لله
وَأخرج الديلمي عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اسْم جِبْرِيل عبد الله وَاسم اسرافيل عبد
الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عليّ بن
حُسَيْن قَالَ: اسْم جِبْرِيل عبد الله وَاسم مِيكَائِيل عبيد
الله وَاسم اسرافيل عبد الرَّحْمَن وكل شَيْء رَاجع إِلَى ايل
فَهُوَ معبد لله عز وَجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: جِبْرِيل اسْمه
عبد الله وَمِيكَائِيل اسْمه عبيد الله قَالَ: والإِل الله
وَذَلِكَ قَوْله (لَا يرقبون فِي مُؤمن إلاًّ ولاذمة)
(التَّوْبَة الْآيَة 10) قَالَ: لَا يرقبون الله
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن يعمر أَنه
كَانَ يَقْرَأها جبرال وَيَقُول جبر هُوَ عبد وَال هُوَ الله
وَأخرج وَكِيع عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ مثقلة
{وَجِبْرِيل وميكال}
(1/225)
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة
قَالَ: جبر عبد وايل الله وميك عبد وايل الله واسراف عبد وايل
الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد حسن عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمَعَهُ جِبْرِيل يناجيه إِذْ انْشَقَّ أفق السَّمَاء فَأقبل
جِبْرِيل يتضاءل وَيدخل بعضه فِي بعض وَيَدْنُو من الأَرْض
فَإِذا ملك قد مثل بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام
ويخيرك بَين أَن تكون نَبيا ملكا وَبَين أَن تكون نَبيا عبدا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَشَارَ جِبْرِيل إليّ بِيَدِهِ أَن تواضع فَعرفت أَنه لي
نَاصح فَقلت: عبد نَبِي
فعرج ذَلِك الْملك إِلَى السَّمَاء فَقلت: يَا جِبْرِيل قد كنت
أردْت أَن أَسأَلك عَن هَذَا فَرَأَيْت من حالك ماشغلني عَن
الْمَسْأَلَة فَمن هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا اسرافيل
خلقه الله يَوْم خلقه بَين يَدَيْهِ صافا قَدَمَيْهِ لايرفع
طرفه بَينه وَبَين الرب سَبْعُونَ نورا مَا مِنْهَا نور يدنو
مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ بَين يَدَيْهِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
فَإِذا أذن الله فِي شَيْء فِي السَّمَاء أَو فِي الأَرْض
ارْتَفع ذَلِك اللَّوْح فَضرب جَبهته فَينْظر فِيهِ فَإِذا
كَانَ من عَمَلي أَمرنِي بِهِ وَإِن كَانَ من عمل مِيكَائِيل
أمره بِهِ وَإِن كَانَ من عمل ملك الْمَوْت أمره بِهِ
قلت: يَا جِبْرِيل على أَي شَيْء أَنْت قَالَ: على الرِّيَاح
والجنود
قلت: على أَي شَيْء مِيكَائِيل قَالَ: على النَّبَات والقطر
قلت: على أَي شَيْء ملك الْمَوْت قَالَ: على قبض الْأَنْفس
وَمَا ظَنَنْت أَنه هَبَط إِلَّا بِقِيَام السَّاعَة وَمَا
ذَاك الَّذِي رَأَيْته مني إِلَّا خوفًا من قيلم السَّاعَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم
بِأَفْضَل الْمَلَائِكَة جِبْرِيل وَأفضل النَّبِيين آدم
وَأفضل الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَأفضل الشُّهُور رَمَضَان
وَأفضل اللَّيَالِي لَيْلَة الْقدر وَأفضل النِّسَاء مَرْيَم
بنت عمرَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد
الْعَزِيز بن عُمَيْر قَالَ: اسْم جِبْرِيل فِي الْمَلَائِكَة
خَادِم الله عز وَجل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: إِن رَبِّي عز وَجل ليبعثني على
الشَّيْء لأمضيه فأجد الْكَوْن قد سبقني إِلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُوسَى بن عَائِشَة قَالَ: بَلغنِي
أَن جِبْرِيل إِمَام أهل السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: جِبْرِيل على
ريح الْجنُوب
(1/226)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
ثَابت قَالَ: بلغنَا أَن الله تَعَالَى وكَّل جِبْرِيل بحوائج
النَّاس فَإِذا دَعَا الْمُؤمن قَالَ يَا جِبْرِيل احْبِسْ
حَاجته فَإِنِّي أحب دعاءه وَإِذا دَعَا الْكَافِر قَالَ: يَا
جِبْرِيل اقْضِ حَاجته فَإِنِّي أبْغض دعاءه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبد الله بن عبيد قَالَ إِن
جِبْرِيل مُوكل بالحوائج فَإِذا سَأَلَ الْمُؤمن ربه قَالَ:
احْبِسْ احْبِسْ حبا لدعائه أَن يزْدَاد وَإِذا سَأَلَ
الْكَافِر قَالَ: أعْطه أعْطه بغضاً لدعائه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن جَابر
بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن
جِبْرِيل مُوكل بحاجات الْعباد فَإِذا دَعَا الْمُؤمن قَالَ:
يَا جِبْرِيل احْبِسْ حَاجَة عَبدِي فَإِنِّي أحبه وَأحب صَوته
وَإِذا دَعَا الْكَافِر قَالَ: يَا جِبْرِيل اقْضِ حَاجَة
عَبدِي فَإِنِّي أبغضه وَأبْغض صَوته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل: وددت أَنِّي
رَأَيْتُك فِي صُورَتك قَالَ: وتحب ذَلِك قَالَ: نعم
قَالَ: موعدك كَذَا وَكَذَا من اللَّيْل بَقِيع الْغَرْقَد
فَلَقِيَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موعده فنشر
جنَاحا من أجنحته فسد أفق السَّمَاء حَتَّى مَا يرى من
السَّمَاء شَيْء
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت جِبْرِيل مهبطاً قد
مَلأ مَا بَين الْخَافِقين عَلَيْهِ ثِيَاب سندس مُعَلّق بهَا
اللُّؤْلُؤ والياقوت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح بن عبيد أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لما صعد إِلَى السَّمَاء رأى جِبْرِيل فِي
خلقته منظومة أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت قَالَ: فخيل
إليّ أَن مَا بَين عَيْنَيْهِ قد سد الْأُفق وَكُنَّا أرَاهُ
قبل ذَلِك على صور مُخْتَلفَة وَأكْثر مَا كنت أرَاهُ على
صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكنت أَحْيَانًا أرَاهُ كَمَا يرى
الرجل صَاحبه من وَرَاء الغربال
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة وَقَتَادَة
دخل حَدِيث بَعضهم لبَعض لجبريل جَنَاحَانِ وَعَلِيهِ وشاح من
در منظوم وَهُوَ براق الثنايا أجلى الجبينين وَرَأسه حُبكَ
حبكاً مثل المرجان وَهُوَ اللُّؤْلُؤ كَأَنَّهُ الثَّلج
وَقَدمَاهُ إِلَى الخضرة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا بَين مَنْكِبي جِبْرِيل مسيرَة
خَمْسمِائَة عَام للطائر السَّرِيع الطيران
(1/227)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه
أَنه سُئِلَ عَن خلق جِبْرِيل فَذكر أَن مَا بَين مَنْكِبَيْه
من ذِي إِلَى ذِي خَفق الطير سَبْعمِائة عَام
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمار بن
أبي عمار
إِن حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ: يَا رَسُول الله أَرِنِي
جِبْرِيل على صورته
قَالَ إِنَّك لَا تَسْتَطِيع أَن ترَاهُ
قَالَ: بلَى فأرنيه
قَالَ: فَاقْعُدْ
فَقعدَ فَنزل جِبْرِيل على خَشَبَة كَانَت الْكَعْبَة يلقِي
الْمُشْركُونَ عَلَيْهَا ثِيَابهمْ إِذا طافوا فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْفَعْ طرفك
فَانْظُر فَرفع طرفه فَرَأى قَدَمَيْهِ مثل الزبرجد الْأَخْضَر
فَخر مغشياً عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن ابْن شهَاب أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ جِبْرِيل أَن يترأى لَهُ
فِي صورته فَقَالَ جِبْرِيل: إِنَّك لن تطِيق ذَلِك
قَالَ: إِنِّي أحب أَن تفعل
فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمصلى فِي
لَيْلَة مُقْمِرَة فَأَتَاهُ جِبْرِيل فِي صورته فَغشيَ على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُ ثمَّ أَفَاق
وَجِبْرِيل مُسْنده وَوَاضِع إِحْدَى يَدَيْهِ على صَدره
والآخرى بَين كَتفيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَا كنت أرى أَن شَيْئا من الْخلق هَكَذَا فَقَالَ
جِبْرِيل: فَكيف لَو رَأَيْت إسْرَافيل إِن لَهُ لاثني عشر
جنَاحا مِنْهَا جنَاح فِي الْمشرق وَجَنَاح فِي الْمغرب وَإِن
الْعَرْش على كَاهِله وَإنَّهُ لَيَتَضَاءَل أَحْيَانًا
لِعَظَمَة الله عز وَجل حَتَّى يصير مثل الْوَصع حَتَّى مَا
يحمل عرشته إِلَّا عَظمته
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أبي جَعْفَر
قَالَ: كَانَ أَبُو بكر يسمع مُنَاجَاة جِبْرِيل لرَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يرَاهُ
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ لي النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَأَيْت جِبْرِيل لم يره خلق
إِلَّا عمي إِلَّا أَن يكون نَبيا وَلَكِن أَن جعل ذَلِك فِي
آخر عمرك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي سعيد عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة لنهرا مَا يدْخلهُ
جِبْرِيل من دخلة فَيخرج فينتفض إِلَّا خلق الله من كل قَطْرَة
تقطر ملكا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَلَاء بن هَارُون قَالَ:
لجبريل فِي كل يَوْم انغماسة فِي نهر الْكَوْثَر ثمَّ ينتفض
فَكل قَطْرَة يخلق مِنْهَا ملك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن جِبْرِيل ليأتيني كَمَا
يَأْتِي الرجل صَاحبه فِي ثِيَاب بيض مَكْفُوفَة بِاللُّؤْلُؤِ
والياقوت رَأسه كالحبك وشعره كالمرجان ولونه كالثلح أجلى
الجبين براق الثنايا عَلَيْهِ وشاحان من در
(1/228)
منظوم وجناحاه أخضران وَرجلَاهُ مغموستان
فِي الخضرة وَصورته الَّتِي صور عَلَيْهَا تملأ مَا بَين
الأفقين وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أشتهي أَن أَرَاك
فِي صُورَتك يَا روح الله
فتحوّل لَهُ فِيهَا فسدَّ مَا بَين الأفقين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل هَل ترى رَبك
قَالَ: إِن بيني وَبَينه لسَبْعين حِجَابا من نَار أَو نور لَو
رَأَيْت أدناه لاحترقت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي
الْحِلْية بِسَنَد واه عَن أبي هرير
أنَّ رجلا من الْيَهُود أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَل احتجب الله بِشَيْء عَن
خلقه غير السَّمَوَات قَالَ: نعم بَينه وَبَين الْمَلَائِكَة
الَّذين حول الْعَرْش سَبْعُونَ حِجَابا من نور وَسَبْعُونَ
حِجَابا من نَار وَسَبْعُونَ حِجَابا من ظلمَة وَسَبْعُونَ
حِجَابا من رفارف الاستبرق وَسَبْعُونَ حِجَابا من ظلمَة
وَسَبْعُونَ حِجَابا من رفاف السندس وَسَبْعُونَ حِجَابا من در
أَبيض وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أَخْضَر وَسَبْعُونَ حِجَابا
من در أَحْمَر وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أصفر وَسَبْعُونَ
حِجَابا من در أَخْضَر وَسَبْعُونَ حِجَابا من ضِيَاء
وَسَبْعُونَ حِجَابا من ثلج وَسَبْعُونَ حِجَابا من برد
وَسَبْعُونَ حِجَابا من عَظمَة الله الَّتِي لَا تُوصَف قَالَ:
فَأَخْبرنِي عَن ملك الله الَّذِي يَلِيهِ فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْملك الَّذِي يَلِيهِ
إسْرَافيل ثمَّ جِبْرِيل ثمَّ مِيكَائِيل ثمَّ ملك الْمَوْت
عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي أَنه بلغه
أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
يبكي فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا
يبكيك قَالَ: وَمَالِي لَا أبْكِي
فوَاللَّه مَا جَفتْ لي عين مُنْذُ خلق الله النَّار مَخَافَة
أَن أعصيه فيقذفني فِيهَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن رَبَاح قَالَ حدثت أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لجبريل: لم تأتني إِلَّا وَأَنت
صَار بَين عَيْنَيْك قَالَ: إِنِّي لم أضْحك مُنْذُ خلقت
النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو الشَّيْخ عَن أنس أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لجبريل: مَالِي لم
أر مِيكَائِيل ضَاحِكا قطّ قَالَ: مَا ضحك مِيكَائِيل مُنْذُ
خلقت النَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ
نظر الله إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وهما يَبْكِيَانِ
فَقَالَ الله: مَا يبكيكما وَقد علمتما إِنِّي لَا أجور
فَقَالَا: يَا رب إِنَّا لَا نَأْمَن مكرك
قَالَ: هَكَذَا فافعلا فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن مكري إِلَّا كل
خاسر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق اللَّيْث عَن خَالِد بن سعيد
قَالَ: بلغنَا أَن إسْرَافيل
(1/229)
يُؤذن لأهل السَّمَاء فَيُؤذن لأثنتي عشرَة
سَاعَة من النَّهَار ولاثنتي عشرَة سَاعَة من اللَّيْل لكل
سَاعَة تأذين يسمع تأذينه من فِي السَّمَوَات السَّبع وَمن فِي
الْأَرْضين السَّبع إِلَّا الْجِنّ والإِنس ثمَّ يتَقَدَّم بهم
عَظِيم الْمَلَائِكَة فَيصَلي بهم
قَالَ: وبلغنا أَن مِيكَائِيل يؤم الْمَلَائِكَة فِي الْبَيْت
الْمَعْمُور
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن زيد بن رفيع قَالَ دخل على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
وَهُوَ يستاك فناول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جِبْرِيل السِّوَاك فَقَالَ جِبْرِيل: كبر
قَالَ جِبْرِيل: ناول مِيكَائِيل فَإِنَّهُ أكبر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد أَن رجلا
قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْخلق أكْرم على الله عز وَجل
قَالَ: لَا أَدْرِي
فَجَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا جِبْرِيل
أَي الْخلق أكْرم على الله قَالَ: لَا أَدْرِي
فعرج جِبْرِيل ثمَّ هَبَط فَقَالَ: أكْرم الْخلق على الله
جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واسرافيل وَملك الْمَوْت فأمَّا
جِبْرِيل فَصَاحب الْحَرْب وَصَاحب الْمُرْسلين وَأما
مِيكَائِيل فَصَاحب كل قَطْرَة تسْقط وكل ورقة تنيت وكل ورقة
تسْقط وَأما ملك الْمَوْت فَهُوَ مُوكل بِقَبض كل روح عبد فِي
بر أَو بَحر وَأما إسْرَافيل فأمين الله بَينه وَبينهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرب الْخلق إِلَى الله
جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وهم مِنْهُ مسيرَة خمسين ألف
سنة جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره وإسرافيل
بَينهمَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن خَالِد بن أبي عمرَان قَالَ:
جِبْرِيل أَمِين الله إِلَى رسله وَمِيكَائِيل يتلَقَّى الْكتب
الَّتِي تلقى من أَعمال النَّاس وإسرافيل كمنزلة الْحَاجِب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَابْن أبي دَاوُد فِي
الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إسْرَافيل صَاحب الصُّور وَجِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل
عَن يسَاره وَهُوَ بَينهمَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: إِن أدنى الْمَلَائِكَة
من الله جِبْرِيل ثمَّ مِيكَائِيل فَإِذا ذكر عبدا بِأَحْسَن
عمله قَالَ: فلَان بن فلَان عمل كَذَا وَكَذَا من طَاعَتي
صلوَات الله عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَ مِيكَائِيل جِبْرِيل مَا
أحدث رَبنَا فَيَقُول:
(1/230)
فلَان بن فلَان ذكر بِأَحْسَن عمله فصلى
عَلَيْهِ صلوَات الله عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَ مِيكَائِيل من
يرَاهُ من أهل السَّمَاء فَيَقُول: مَاذَا أحدث رَبنَا
فَيَقُول: ذكر فلَان بن فلَان بِأَحْسَن عمله فصلى عَلَيْهِ
صلوَات الله عَلَيْهِ فَلَا يزَال يَقع إِلَى الأَرْض
وَإِذا ذكر عبدا بِأَسْوَأ عمله قَالَ: عَبدِي فلَان بن فلَان
عمل كَذَا وَكَذَا من معصيتي فلعنتي عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَ
مِيكَائِيل جِبْرِيل مَاذَا أحث رَبنَا فَيَقُول: ذكر فلَان بن
فلَان بِأَسْوَأ عمله فَعَلَيهِ لعنة الله فَلَا يزَال يَقع من
سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى يَقع إِلَى الأَرْض
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وزيراي من السَّمَاء جِبْرِيل
وَمِيكَائِيل وَمن أهل الأَرْض أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله أيدني
بأَرْبعَة وزراء اثْنَيْنِ من أهل السَّمَاء جِبْرِيل
وَمِيكَائِيل واثنين من أهل الأَرْض أبي بكر وَعمر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أم سَلمَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي السَّمَاء
ملكَيْنِ أَحدهمَا يَأْمر بالشدة وَالْآخر يَأْمر باللين وكل
مُصِيب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
ونبيان أَحدهمَا يَأْمر باللين وَالْآخر يَأْمر بالشده وكل
مُصِيب وَذكر إِبْرَاهِيم ونوحاً ولي صاحبان أَحدهمَا يَأْمر
باللين وَالْآخر يَأْمر بالشده وكل مُصِيب وَذكر أَبَا بكر
وَعمر
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن
عَمْرو قَالَ جَاءَ فِئَام النَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله زعم أَبُو بكر أَن
الْحَسَنَات من الله والسيئات من الْعباد وَقَالَ عمر:
الْحَسَنَات والسيئات من الله فتابع هَذَا قوم وَهَذَا قوم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأقضين
بَيْنكُمَا بِقَضَاء إسْرَافيل بَين جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إِن
مِيكَائِيل قَالَ بقول أبي بكر وَقَالَ جِبْرِيل بقول عمر
فَقَالَ جِبْرِيل لميكائيل: إِنَّا مَتى تخْتَلف أهل السَّمَاء
تخْتَلف أهل الأَرْض فلنتحاكم إِلَى إسْرَافيل فتحاكما
إِلَيْهِ فَقضى بَينهمَا بِحَقِيقَة الْقدر خَيره وشره وحلوه
ومره كُله من الله ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا بكر إِن الله لَو
أَرَادَ أَن لَا يعْصى لم يخلق إِبْلِيس
فَقَالَ أَبُو بكر: صدق الله وَرَسُوله
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه أَنه صلى مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتي
(1/231)
الْفجْر فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رَكْعَتَيْنِ خفيفتين قَالَ: فَسَمعته يَقُول:
اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَمُحَمّد أعوذ
بك من النَّار ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أُغمي عَلَيْهِ وَرَأسه فِي حجرها فَجعلت تمسح
وَجهه وَتَدْعُو لَهُ بالشفاء فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: لَا بل
أسأَل الله الرفيق الْأَعْلَى مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
وإسرافيل عَلَيْهِم السَّلَام
(1/232)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا
الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ
فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ
لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (101)
قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْك
آيَات بَيِّنَات وَمَا يكفر بهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ أَو
كلما عَاهَدُوا عهدا نبذه فريق مِنْهُم بل أَكْثَرهم لَا
يُؤمنُونَ وَلما جَاءَهُم رَسُول من عِنْد الله مُصدق لما
مَعَهم نبذ فريق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب كتاب الله وَرَاء
ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ قَالَ ابْن صوريا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يَا مُحَمَّد مَا جئتنا بِشَيْء نعرفه مَا أنزل الله
عَلَيْك من آيَة بَيِّنَة فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَقَد
أنزلنَا إِلَيْك آيَات بَيِّنَات وَمَا يكفر بهَا إِلَّا
الْفَاسِقُونَ} وَقَالَ مَالك بن الضَّيْف: حِين بعث رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مَا أَخذ عَلَيْهِم من
الْمِيثَاق وَمَا عهد إِلَيْهِم فِي مُحَمَّد وَالله مَا عهد
إِلَيْنَا فِي مُحَمَّد وَلَا أَخذ علينا ميثاقاً فَأنْزل الله
تَعَالَى {أَو كلما عَاهَدُوا عهدا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْك آيَات بَيِّنَات} يَقُول:
فَأَنت تتلوه عَلَيْهِم وتخبرهم بِهِ غدْوَة وَعَشِيَّة وَبَين
ذَلِك
وَأَنت عِنْدهم أُمِّي لم تقْرَأ كتابا وَأَنت تخبرهم بِمَا
فِي أَيْديهم على وَجهه فَفِي ذَلِك عِبْرَة لَهُم وَبَيَان
وَحجَّة عَلَيْهِم لَو كَانُوا يعلمُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نبذه} قَالَ: نقضه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {نبذه فريق
مِنْهُم} قَالَ: لم يكن فِي الأَرْض عهد يعاهدون إِلَيْهِ
إِلَّا نقضوه ويعاهدون الْيَوْم وينقضون غَدا قَالَ: وَفِي
قِرَاءَة عبد الله: نقضه فريق مِنْهُم
(1/232)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله
{وَلما جَاءَهُم رَسُول من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم}
الْآيَة
قَالَ: وَلما جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عارضوه بِالتَّوْرَاةِ فاتفقت التَّوْرَاة وَالْقُرْآن فنبذوا
التَّوْرَاة وَأخذُوا بِكِتَاب آصف وسحر هاروت وماروت
كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ مَا فِي التَّوْرَاة من الْأَمر
بِاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتصديقه
(1/233)
|