الدر المنثور في
التفسير بالمأثور شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا
هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
قَوْله تَعَالَى: شهر رَمَضَان الَّذِي
أنزل فِيهِ الْقُرْآن هدى للنَّاس وبينات من الْهدى
وَالْفرْقَان فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه وَمن كَانَ
مَرِيضا أَو سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر يُرِيد الله بكم
الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر ولتكملوا الْعدة ولتكبروا
الله على مَا هدَاكُمْ ولعلكم تشكرون
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عدي
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة
مَرْفُوعا وموقوفاً لَا تَقولُوا رَمَضَان فَإِن رَمَضَان اسْم
من أَسمَاء الله وَلَكِن قُولُوا شهر رَمَضَان
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: لَا تقل
رَمَضَان فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا رَمَضَان لَعَلَّه اسْم من
أَسمَاء الله عز وَجل وَلَكِن قل شهر رَمَضَان كَمَا قَالَ
الله عز وَجل
(1/443)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن
ابْن عمر قَالَ: إِنَّمَا سمي رَمَضَان لِأَن الذُّنُوب ترمض
فِيهِ وَإِنَّمَا سمي شوّالاً لِأَنَّهُ يشول الذُّنُوب كَمَا
تشول النَّاقة ذنبها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا
سمي رَمَضَان لِأَن رَمَضَان يرمض الذُّنُوب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني عَن عَائِشَة قَالَت: قيل
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله مَا
رَمَضَان قَالَ: ارمض الله فِيهِ ذنُوب الْمُؤمنِينَ وغفرها
لَهُم
قيل: فشوال قَالَ: شالت فِيهِ ذنوبهم فَلم يبْق فِيهِ ذَنْب
إِلَّا غفره
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَابْن ماجة عَن أبي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ شهرا عيد لَا ينقصان رَمَضَان وَذُو الْحجَّة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن أنس أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل رَجَب قَالَ:
اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي رَجَب وَشَعْبَان وبلغنا رَمَضَان
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَن أَعْرَابِيًا
جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَائِر
الرَّأْس فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِمَا فرض الله
عليّ من الصّيام فَقَالَ: شهر رَمَضَان إِلَّا أَن تطوّع
فَقَالَ: أَخْبرنِي بِمَا فرض الله عَليّ من الزَّكَاة
فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشرائع
الإِسلام
قَالَ: وَالَّذِي أكرمك لَا أتطوّع شَيْئا وَلَا أنقص مِمَّا
فرض الله عليّ شَيْئا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفْلح إِن صدق
أَو دخل الْجنَّة إِن صدق
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل رَمَضَان فتحت أَبْوَاب
الْجنَّة وغلقت أَبْوَاب جَهَنَّم وسلسلت الشَّيَاطِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عرْفجَة قَالَ: كُنَّا عِنْد عتبَة ابْن فرقد وَهُوَ
يحدثنا عَن رَمَضَان إِذْ دخل رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَسكت عتبَة بن فرقد قَالَ: يَا أَبَا عبد
الله حَدثنَا عَن رَمَضَان كَيفَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِيهِ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول رَمَضَان شهر مبارك تفتح فِيهِ
أَبْوَاب الْجنَّة وتغلق فِيهِ أَبْوَاب السعير وتصفد فِيهِ
الشَّيَاطِين وينادي مُنَاد كل لَيْلَة: يَا باغي الْخَيْر
هَلُمَّ وَيَا باغي الشَّرّ أقصر حَتَّى يَنْقَضِي رَمَضَان
(1/444)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله عِنْد كل فطر عُتَقَاء من
النَّار
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة ورمضان إِلَى رَمَضَان مكفرات
لما بَينهُنَّ إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ
رَمَضَان وَعرف حُدُوده وَحفظ مِمَّا يَنْبَغِي أَن يحفظ
مِنْهُ كفر مَا قبله
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن لله عِنْد كل فطر عُتَقَاء وَذَلِكَ فِي كل
لَيْلَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن
خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا كَانَ أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين
ومردة الْجِنّ وغلقت أَبْوَاب النَّار فَلم يفتح مِنْهَا بَاب
وَفتح أَبْوَاب الْجنَّة فَلم يغلق مِنْهَا بَاب وينادي مُنَاد
كل لَيْلَة: يَا باغي الْخَيْر أقبل وَيَا باغي الشَّرّ أقصر
وَللَّه عز وَجل عُتَقَاء من النَّار وَذَلِكَ عِنْد كل
لَيْلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لأَصْحَابه: نبشركم قد جَاءَكُم رَمَضَان شهر مبارك افْترض
الله عَلَيْكُم صِيَامه تفتح فِيهِ أَبْوَاب الْجنَّة وتغلق
فِيهِ أَبْوَاب الْجَحِيم وتغل فِيهِ الشَّيَاطِين فِيهِ
لَيْلَة خير من ألف شهر من حرم خَيرهَا فقد حرم
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب
وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَيْت
أمتِي فِي شهر رَمَضَان خمس خِصَال لم تعط أمة قبلهم: خلوف فَم
الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك وَتَسْتَغْفِر لَهُم
الْمَلَائِكَة حَتَّى يفطروا ويزين الله كل يَوْم جنته ثمَّ
قَالَ: يُوشك عبَادي الصالحون أَن يلْقوا عَنْهُم الْمُؤْنَة
والأذى ويصيروا إِلَيْك وتصفد الشَّيَاطِين وَلَا يخلصوا فِيهِ
إِلَى مَا يخلصون فِي غَيره وَيغْفر لَهُم آخر لَيْلَة
قيل: يَا رَسُول الله أَهِي لَيْلَة الْقدر قَالَ: لَا وَلَكِن
الْعَامِل إِنَّمَا يُوفى أجره إِذا قضى عمله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن جَابر بن عبد الله قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَيْت أمتِي
فِي شهر رَمَضَان خمْسا لم يُعْطهنَّ نَبِي قبلي: أما وَاحِدَة
فَإِنَّهُ إِذا كَانَ
(1/445)
أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان نظر الله
إِلَيْهِم وَمن نظر الله إِلَيْهِ لم يعذبه أبدا وَأما
الثَّانِيَة فَإِنَّهُ خلوف أَفْوَاههم حِين يمسون أطيب عِنْد
الله من ريح الْمسك وَأما الثَّالِثَة فَإِن الْمَلَائِكَة
تستغفر لَهُم فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَأما الرَّابِعَة فَإِن
الله يَأْمر جنته فَيَقُول لَهَا استعدي وتزيني لعبادي أوشك
أَن يستريحوا من تَعب الدُّنْيَا إِلَى دَاري وكرامتي وَأما
الْخَامِسَة فَإِذا كَانَ آخر لَيْلَة غفر لَهُم جَمِيعًا
فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَهِي لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: لَا
ألم تَرَ إِلَى الْعمَّال يعْملُونَ فَإِذا فرغوا من
أَعْمَالهم أعْطوا أُجُورهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والأصبهاني فِي التَّرْغِيب
عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن لله فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان سِتّمائَة ألف عَتيق من
النَّار فَإِذا كَانَ آخر لَيْلَة أعتق بِعَدَد من مضى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ أول لَيْلَة من
شهر رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الْجنان فَلم يغلق مِنْهَا بَاب
وَاحِد الشَّهْر كُله وغلقت أَبْوَاب النَّار فَلم يفتح
مِنْهَا بَاب وَاحِد الشَّهْر كُله وغلت الْجِنّ ونادى مُنَاد
من كل لَيْلَة إِلَى انفجار الصُّبْح: يَا باغي الْخَيْر تمم
وَابْشَرْ وَيَا باغي الشَّرّ أقصر وابصر السَّمَاء هَل من
مُسْتَغْفِر نغفر لَهُ هَل من تائب نتوب عَلَيْهِ هَل من دَاع
نستجيب لَهُ هَل من سَائل نعطي سؤله وَللَّه عِنْد كل فطر من
شهر رَمَضَان كل لَيْلَة عُتَقَاء من الناء سِتُّونَ ألفا
فَإِذا كَانَ يَوْم الْفطر أعتق مثل مَا أعتق فِي جَمِيع
الشَّهْر ثَلَاثِينَ مرّة سِتِّينَ ألفا سِتِّينَ ألفا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظلكم شهركم
هَذَا - يَعْنِي شهر رَمَضَان - بمحلوف رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا مر على الْمُسلمين شهر خير لَهُم مِنْهُ
وَلَا يَأْتِي على الْمُنَافِقين شهر شَرّ لَهُم مِنْهُ بمحلوف
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله يكْتب أجره
وثوابه من قبل أَن يدْخل وَيكْتب وزره وشقاءه قبل أَن يدْخل
وَذَلِكَ أَن الْمُؤمن يعد فِيهِ النَّفَقَة للقوّة فِي
الْعِبَادَة ويعد فِيهِ الْمُنَافِق اغتياب الْمُؤمنِينَ
وَاتِّبَاع عَوْرَاتهمْ فَهُوَ غنم للْمُؤْمِنين وَغرم على
الْفَاجِر
وَأخرج الْعقيلِيّ وَضَعفه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن
سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر يَوْم من شعْبَان فَقَالَ يَا أَيهَا
النَّاس قد أظلكم شهر عَظِيم شهر مبارك شهر فِيهِ لَيْلَة خير
من ألف شهر
(1/446)
جعل الله صِيَامه فَرِيضَة وتطوع ليله
تطوّعاً من تقرب فِيهِ بخصلة من الْخَيْر كَانَ كمن تقرب أدّى
فَرِيضَة فِيمَا سواهُ وَمن أدّى فَرِيضَة فِيهِ كَانَ كمن
أدّى سبعين فَرِيضَة فِيمَا سواهُ وَهُوَ شهر الصَّبْر
وَالصَّبْر ثَوَابه الْجنَّة وَشهر الْمُوَاسَاة وَشهر يُزَاد
فِي رزق الْمُؤمن من فطر فِيهِ صَائِما كَانَ لَهُ مغْفرَة
لذنوبه وَعتق رقبته من النَّار وَكَانَ لَهُ مثل أجره من غير
أَن ينتقص من أجره شَيْء
قُلْنَا: يَا رَسُول الله لَيْسَ كلنا نجد مَا يفْطر الصَّائِم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُعْطي الله
هَذَا الثَّوَاب من فطر صَائِما على مذقة لبن أَو تَمْرَة أَو
شربة من مَاء وَمن أشْبع صَائِما سقَاهُ الله من حَوْضِي شربة
لَا يظمأ حَتَّى يدْخل الْجنَّة وَهُوَ شهر أوّله وأوسطه
مغْفرَة وَآخره عتق من النَّار من خفف عَن مَمْلُوكه فِيهِ غفر
لَهُ وَأعْتقهُ من النَّار فاستكْثروا فيهِ مِنْ أَرْبعَ
خِصَالٍ: خَصْلَتَان تُرْضُونَ بِهمَا رَبَّكُمْ وَخَصْلَتَانِ
لاَ غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا
فَأمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَان تُرْضُونَ بِهِما رَبَّكُمْ
فَشَهَادَةُ أنْ لاَ إلهَ إِلَّا اللهُ وَتسْتَغْفِرونَهُ
وَأمَّا اللَّتَانِ لاَ غِنَى بِكُمْ عَنْهُما فَتَسْأَلُونَ
الْجنَّةَ وتَعُوذونَ بِهِ من النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ ذكر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَمَضَان فَقَالَ: شهر فرض الله
عَلَيْكُم صِيَامه وسننت أَنا قِيَامه فَمن صَامَهُ وقامه
إِيمَانًا واحتساباً خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة إِلَى
الصَّلَاة الَّتِي تَلِيهَا كَفَّارَة وَالْجُمُعَة إِلَى
الجمهة الَّتِي تَلِيهَا كَفَّارَة مَا بَينهمَا والشهر إِلَى
الشَّهْر يَعْنِي شهر رَمَضَان إِلَى شهر رَمَضَان كَفَّارَة
إِلَّا من ثَلَاث الإِشراك بِاللَّه وَترك السّنة ونكث
الصَّفْقَة
فَقلت: يَا رَسُول الله أما الاشراك بِاللَّه فقد عَرفْنَاهُ
فَمَا نكث الصَّفْقَة وَترك السّنة قَالَ: أما نكث الصَّفْقَة
فَأن تبَايع رجلا بيمينك ثمَّ تخَالف إِلَيْهِ فتقاتله بسيفك
وَأما ترك السّنة فالخروج من الْجَمَاعَة
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن أنس بن
مَالك قَالَ: لما أقبل شهر رَمَضَان قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَانَ الله مَاذَا تستقبلون وماذا
يستقبلكم قَالَ عمر بن الْخطاب: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول
الله وَحي نزل أَو عدوّ حضر قَالَ: لَا وَلَكِن شهر رَمَضَان
يغْفر الله فِي أول لية لكل أهل هَذِه الْقبْلَة وَفِي
الْقَوْم رجل يهز رَأسه فَيَقُول: بخ بخ فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَن ضَاقَ صدرك بِمَا سَمِعت
قَالَ: لَا
(1/447)
وَالله يَا رَسُول وَلَكِن ذكرت
الْمُنَافِق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الْمُنَافِق كَافِر وَلَيْسَ للْكَافِرِ فِي ذَا شَيْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما بنى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر جعل لَهُ
ثَلَاث عتبات فَلَمَّا صعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم العتبة الأولى قَالَ: آمين ثمَّ صعد العتبة الثَّانِيَة
فَقَالَ: آمين حَتَّى إِذا صعد العتبة الثَّالِثَة قَالَ: آمين
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك تَقول آمين
آمين آمين وَلَا نرى أحدا فَقَالَ: إِن جِبْرِيل صعد قبلي
العتبة الأولى فَقَالَ: يَا مُحَمَّد
فَقلت لبيْك وَسَعْديك
فَقَالَ: من أدْرك أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا فَلم يغْفر لَهُ
فابعده الله قل آمين
فَقلت: آمين
فلنا صعد العتبة الثَّانِيَة قَالَ: يَا مُحَمَّد قلت: لبيْك
وَسَعْديك
قَالَ: من أدْرك شهر رَمَضَان وَصَامَ نَهَاره وَقَامَ ليله
ثمَّ مَاتَ وَلم يغْفر فَدخل النَّار فابعده الله فَقل آمين
فَقلت: آمين
فَلَمَّا صعد العتبة الثَّالِثَة قَالَ: يَا مُحَمَّد
قلت: لبيْك وَسَعْديك
قَالَ: من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَمَاتَ وَلم يغْفر
لَهُ فَدخل فابعده الله قل آمين
فَقلت: آمين
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعد بن اسحق بن كَعْب بن
عجْرَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم احضروا الْمِنْبَر فحضرنا فَلَمَّا ارْتقى دَرَجَة
قَالَ: آمين
فَلَمَّا ارْتقى الثَّانِيَة قَالَ: آمين
ثمَّ لما ارْتقى الثَّالِثَة قَالَ: آمين
فَلَمَّا نزل قُلْنَا: يَا رَسُول الله لقد سمعنَا مِنْك
الْيَوْم شَيْئا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ قَالَ: إِن جِبْرِيل عرض
لي فَقَالَ: بعد من أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ
قلت: آمين
فَلَمَّا رقيت الثَّانِيَة قَالَ: بعد من ذكرت عِنْده فَلم يصل
عَلَيْك
فَقلت: آمين
فَلَمَّا رقيت الثَّالِثَة قَالَ: بعد من أدْرك أَبَوَيْهِ
الْكبر أَو أَحدهمَا فَلم يدْخلَاهُ الْجنَّة
فَقلت: آمين
وَأخرج ابْن حبَان عَن الْحسن بن مَالك بن الْحُوَيْرِث عَن
أَبِيه عَن جده فَلَمَّا صعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْمِنْبَر فَلَمَّا رقى عتبَة قَالَ: آمين
ثمَّ رقى أُخْرَى قَالَ: آمين
ثمَّ رقى عتبَة ثَالِثَة فَقَالَ: آمين
ثمَّ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد من أدْرك
رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ فابعده الله
فَقلت: آمين
قَالَ: وَمن أدْرك وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فَدخل النَّار
فابعده الله
فَقلت: آمين
قَالَ: وَمن ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَأَبْعَده الله
فَقلت: آمين
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد الْمِنْبَر فَقَالَ:
(1/448)
آمين آمين آمين
قيل: يَا رَسُول الله إِنَّك صعدت الْمِنْبَر فَقلت آمين آمين
آمين فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ: من أدْرك شهر
رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ فَدخل النَّار فابعده الله قل آمين
فَقلت: آمين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل شهر رَمَضَان شدّ مِئْزَره
ثمَّ لم يَأْتِ فرَاشه حَتَّى يَنْسَلِخ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل شهر رَمَضَان
تغير لَونه وَكَثُرت صلَاته وابتهل فِي الدُّعَاء وأشفق مِنْهُ
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذادخل شهر
رَمَضَان أطلق كل أَسِير وَأعْطى كل سَائل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي رَمَضَان يُنَادي مُنَاد بعد
الثُّلُث الأوّل أَو ثلث اللَّيْل الآخر: أَلا سَائل يسْأَل
فَيعْطى أَلا مُسْتَغْفِر يسْتَغْفر فَيغْفر لَهُ أَلا تائب
يَتُوب فيتوب الله عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن أنس قَالَ: قيل يَا
رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ: صَدَقَة فِي رَمَضَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْجنَّة لتتزين من الْحول
إِلَى الْحول لشهر رَمَضَان وَإِن الْحور الْعين لتتزين من
الْحول إِلَى الْحول لصوّام رَمَضَان فَإِذا دخل رَمَضَان
قَالَت الْجنَّة: اللَّهُمَّ اجْعَل لي فِي هَذَا الشَّهْر من
عِبَادك وَيَقُول الْحور: اللَّهُمَّ اجْعَل لنا من عِبَادك
فِي هَذَا الشَّهْر أَزْوَاجًا
فَمن لم يقذف مُسلما فِيهِ بِبُهْتَان وَلم يشرب مُسكرا كفر
الله عَنهُ ذنُوبه وَمن قذف فِيهِ مُسلما أَو شرب فِيهِ مُسكرا
أحبط الله عمله لسنة فَاتَّقُوا شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ شهر
الله جعل الله لكم أحد عشر شهرا تَأْكُلُونَ فِيهَا وتشربون
وتتلذذون وَجعل لنَفسِهِ شهرا فَاتَّقُوا رَمَضَان فَإِنَّهُ
شهر الله
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ
وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر
عَن ابْن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِن الْجنَّة لتزخرف لرمضان من رَأس الْحول إِلَى حول قَابل
فَإِذا كَانَ أوّل يَوْم من رَمَضَان هبت ريح تَحت الْعَرْش من
ورق الْجنَّة على الْحور الْعين فيقلن: يَا رب اجْعَل لنا من
عِبَادك أَزْوَاجًا تقر بهم أَعيننَا وتقر أَعينهم بِنَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن
خُزَيْمَة وَأَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وَابْن
(1/449)
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي
التَّرْغِيب عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم وَأهل
رَمَضَان فَقَالَ: لَو يعلم الْعباد مَا رَمَضَان لتمنت أمتِي
أَن يكون السّنة كلهَا
فَقَالَ رجل: يَا نَبِي الله حَدثنَا فَقَالَ: إِن الْجنَّة
للتزين لرمضان من رَأس الْحول إِلَى الْحول فَإِذا كَانَ أوّل
يَوْم من رَمَضَان هبت ريح من تَحت الْعَرْش فصفقت ورق
الْجنَّة فتنظر الْحور الْعين إِلَى ذَلِك فيقلن: يَا رب
اجْعَل لنا من عِبَادك فِي هَذَا الشَّهْر أَزْوَاجًا تقر بهم
أَعيننَا وتقر أَعينهم بِنَا
فَيُقَال: فَمَا من عبد يَصُوم يَوْمًا من رَمَضَان إِلَّا
زوّج زَوْجَة من الْحور الْعين فِي خيمة من درة مِمَّا نعت
الله (حور مقصورات فِي الْخيام) (الرَّحْمَن الْآيَة 72) على
كل امْرَأَة مِنْهُنَّ سَبْعُونَ حلَّة لَيْسَ مِنْهَا حلَّة
على لون أُخْرَى وَيُعْطى سبعين لوناً من الطّيب لَيْسَ مِنْهُ
لون على ريح الآخر - لكل امْرَأَة مِنْهُنَّ سَبْعُونَ ألف
وصيفة لحاجتها وَسَبْعُونَ ألف وصيف مَعَ كل وصيفة صَحْفَة من
ذهب فِيهَا لون طَعَام يجد لآخر لقْمَة مِنْهَا لَذَّة لم
يجدهَا لأوّله لكل امْرَأَة مِنْهُنَّ سَبْعُونَ سريراً من
ياقوتة حَمْرَاء على كل سَرِير سَبْعُونَ فراشا بطائنها من
استبرق فَوق كل فرَاش سَبْعُونَ أريكة وَيُعْطى زَوجهَا مثل
ذَلِك على سَرِير من ياقوت أَحْمَر موشحاً بالدر عَلَيْهِ
سواران من ذهب هَذَا بِكُل يَوْم صَامَهُ من رَمَضَان سوى مَا
عمل من الْحَسَنَات
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ
أول لَيْلَة من رَمَضَان فتحت أَبْوَاب السَّمَاء فَلَا يغلق
مِنْهَا بَاب حَتَّى يكون آخر لَيْلَة من رَمَضَان وَلَيْسَ من
عبد مُؤمن يُصَلِّي فِي لَيْلَة مِنْهَا إِلَّا كتب الله ألفا
وَخَمْسمِائة حَسَنَة بِكُل سَجْدَة وَبنى لَهُ بَيْتا فِي
الْجنَّة من ياقوتة حَمْرَاء لَهَا سِتُّونَ ألف بَاب فِيهَا
قصر من ذهب موشح بياقوتة حَمْرَاء فَإِذا صَامَ أول يَوْم من
رَمَضَان غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه إِلَى مثل ذَلِك الْيَوْم
من شهر رَمَضَان واستغفر لَهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك من
صَلَاة الْغَدَاة إِلَى أَن توارى بالحجاب وَكَانَ لَهُ بِكُل
سَجْدَة يسجدها فِي شهر رَمَضَان بلَيْل أَو نَهَار شَجَرَة
يسير الرَّاكِب فِي ظلها خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيد
الشُّهُور رَمَضَان وَأَعْظَمهَا حُرْمَة ذُو الْحجَّة
(1/450)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: سيد الشُّهُور رَمَضَان وَسيد الْأَيَّام
الْجُمُعَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب قَالَ: إِن الله اخْتَار
سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار فَجعل مِنْهُنَّ الصَّلَوَات
الْمَكْتُوبَة وَاخْتَارَ الْأَيَّام فَجعل مِنْهُنَّ
الْجُمُعَة وَاخْتَارَ الشُّهُور فَجعل مِنْهُنَّ شهر رَمَضَان
وَاخْتَارَ اللَّيَالِي فَجعل مِنْهُنَّ لَيْلَة الْقدر
وَاخْتَارَ الْبِقَاع فَجعل مِنْهَا الْمَسَاجِد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وَالْبَيْهَقِيّ
والأصبهاني عَن ابْن عَبَّاس أَنه سمع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْجنَّة لتعد وتتزين من الْحول
إِلَى الْحول لدُخُول شهر رَمَضَان فَإِذا كَانَت أول لَيْلَة
من شهر رَمَضَان هبت ريح من تَحت الْعَرْش يُقَال لَهَا
المثيرة تصفق ورق الْجنَّة وَحلق المصاريع يسمع لذَلِك طنين لم
يسمع السامعون أحسن مِنْهُ فيثب الْحور الْعين حَتَّى يشرفن
على شرف الْجنَّة فينادين: هَل من خَاطب إِلَى الله فيزوّجه
ثمَّ يَقُول الْحور الْعين: يَا رضوَان الْجنَّة مَا هَذِه
اللَّيْلَة فيجيبهن بِالتَّلْبِيَةِ ثمَّ يَقُول: هَذِه أول
لَيْلَة من شهر رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الْجنَّة على الصائمين
من أمة مُحَمَّد وَيَا جِبْرِيل اهبط إِلَى الأَرْض فاصفد
مَرَدَة الشَّيَاطِين وغلهم بالأغلال ثمَّ اقذفهم فِي الْبحار
حَتَّى لَا يفسدوا على أمة مُحَمَّد حَبِيبِي صِيَامهمْ
وَيَقُول الله عز وَجل فِي لَيْلَة من شهر رَمَضَان لمناد
يُنَادي ثَلَاث مَرَّات: هَل من سَائل فاعطيه سؤله هَل من تائب
فأتوب عَلَيْهِ هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ من يقْرض
المليء غير المعدم والوفي غير الظلوم قَالَ: وَله فِي كل يَوْم
من شهر رَمَضَان عِنْد الإِفطار ألف ألف عَتيق من النَّار كلهم
قد استوجبوا النَّار فَإِذا كَانَ آخر يَوْم من شهر رَمَضَان
أعتق الله فِي ذَلِك الْيَوْم بِقدر مَا أعتق من أول الشَّهْر
إِلَى آخِره
وَإِذا كَانَ لَيْلَة الْقدر يَأْمر الله جِبْرِيل فيهبط فِي
كبكبة من الْمَلَائِكَة إِلَى الأَرْض وَمَعَهُمْ لِوَاء
أَخْضَر فيركز اللِّوَاء على ظهر الْكَعْبَة وَله سِتّمائَة
جنَاح مِنْهَا جَنَاحَانِ لَا ينشرهما إِلَّا فِي تِلْكَ
اللَّيْلَة فينشرهما فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَتَجَاوز الْمشرق
إِلَى الْمغرب فيحث جِبْرِيل الْمَلَائِكَة فِي هَذِه
اللَّيْلَة فيسلمون على كل قَائِم وقاعد ومصل وذاكر يصافحونهم
ويؤمنون على دُعَائِهِمْ حَتَّى يطلع الْفجْر فَإِذا طلع
الْفجْر يُنَادي جِبْرِيل: معاشر الْمَلَائِكَة الرحيل الرحيل
فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل فَمَا صنع الله فِي حوائج
الْمُؤمنِينَ من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَقُول جِبْرِيل: نظر الله إِلَيْهِم فِي هَذِه اللَّيْلَة
فَعَفَا عَنْهُم وَغفر لَهُم إِلَّا أَرْبَعَة
قُلْنَا: يَا رَسُول الله من هم قَالَ: رجل مدمن خمر
(1/451)
وعاق لوَالِديهِ وقاطع رحم ومشاحن قُلْنَا:
يَا رَسُول الله مَا المشاحن قَالَ: هُوَ المصارم
فَإِذا كَانَت لَيْلَة الْقدر سميت تِلْكَ اللَّيْلَة لَيْلَة
الْجَائِزَة فَإِذا كَانَت غَدَاة الْفطر بعث الله
الْمَلَائِكَة فِي كل بِلَاد فيهبطون إِلَى الأَرْض فَيقومُونَ
على أَفْوَاه السكَك فينادون بِصَوْت يسمع من خلق الله إِلَّا
الْجِنّ والإِنس فَيَقُولُونَ: يَا أمة مُحَمَّد اخْرُجُوا
إِلَى رب كريم يُعْطي الجزيل وَيَعْفُو عَن الْعَظِيم فَإِذا
برزوا إِلَى مصلاهم يَقُول الله للْمَلَائكَة: مَا جَزَاء
الْأَجِير إِذا عمل عمله فَتَقول الْمَلَائِكَة: إلهنا
وَسَيِّدنَا جَزَاؤُهُ أَن يُوفيه أجره
فَيَقُول: فَإِنِّي أشهدكم يَا ملائكتي أَنِّي قد جعلت ثوابهم
من صِيَامهمْ شهر رَمَضَان وقيامه رضاي ومغفرتي
وَيَقُول: يَا عبَادي سلوني فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا
تَسْأَلُونِي الْيَوْم شَيْئا فِي جمعكم لآخرتكم إِلَّا
أَعطيتكُم وَلَا لدنياكم إِلَّا نظرت لكم فَوَعِزَّتِي لأسترن
عَلَيْكُم عثراتكم مَا راقبتموني وَعِزَّتِي لَا أخزيكم وَلَا
أفضحكم بَين يَدي أَصْحَاب الْحُدُود انصرفوا مغفوراً لكم قد
أرضيتموني ورضيت عَنْكُم
فتفرح الْمَلَائِكَة وَيَسْتَغْفِرُونَ بِمَا يُعْطي الله
هَذِه الْأمة إِذا أفطروا من شهر رَمَضَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ:
أوحى الله إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إِنِّي افترضت على
عبَادي الصّيام وَهُوَ شهر رَمَضَان
يَا مُوسَى من وافى الْقِيَامَة وَفِي صَحِيفَته عشر رمضانات
فَهُوَ من الابدال وَمن وافى الْقِيَامَة وَفِي صَحِيفَته
عشرُون رمضاناً فَهُوَ من المخبتين وَمن وافى الْقِيَامَة
وَفِي صفحته ثَلَاثُونَ رمضاناً فَهُوَ من أفضل الشُّهَدَاء
عِنْدِي ثَوابًا يَا مُوسَى إِنِّي آمُر حَملَة الْعَرْش إِذا
دخل شهر رَمَضَان أَن يمسكوا عَن الْعِبَادَة فَكلما دَعَا
صائمو رَمَضَان بدعوة وَأَن يَقُولُوا آمين وَإِنِّي أوجبت على
نَفسِي أَن لَا أرد دَعْوَة صائمي رَمَضَان
يَا مُوسَى إِنِّي ألهم فِي رَمَضَان السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَالْجِبَال وَالدَّوَاب والهوام أَن يَسْتَغْفِرُوا لصائمي
رَمَضَان
يَا مُوسَى اطلب ثَلَاثَة مِمَّن يَصُوم رَمَضَان فصل مَعَهم
وكل واشرب مَعَهم فَإِنِّي لَا أنزل عقوبتي وَلَا نقمتي فِي
بقْعَة فِيهَا ثَلَاثَة مِمَّن يَصُوم رَمَضَان
يَا مُوسَى إِن كنت مُسْفِرًا فاقدم وَإِن كنت مَرِيضا فمرهم
أَن يحملوك وَقل للنِّسَاء وَالْحيض وَالصبيان الصغار أَن
يبرزوا مَعَك حَيْثُ يبرز صائمو رَمَضَان عِنْد صَوْم رَمَضَان
فَإِنِّي لَو أَذِنت لسمائي وأرضي لسلمتا عَلَيْهِم ولكلمتاهم
ولبشرتاهم بِمَا أجيزهم إِنِّي أَقُول لعبادي الَّذين صَامُوا
رَمَضَان ارْجعُوا إِلَى رحالكُمْ فقد
(1/452)
أرضيتموني وَجعلت ثوابكم من صِيَامكُمْ أَن
أعتقكم من النَّار وَأَن احاسبكم حسابا يَسِيرا وَأَن أقيل لكم
العثرة وأخلف لكم النَّفَقَة وَأَن لَا أفضحكم بَين يَدي أحد
وَعِزَّتِي لَا تَسْأَلُونِي شَيْئا بعد صِيَام رَمَضَان
موقفكم هَذَا من آخرتكم إِلَّا أَعطيتكُم وَلَا تَسْأَلُونِي
شَيْئا من أَمر دنياكم إِلَّا نظرت لكم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ
والأصبهاني عَن عمر بن الْخطاب قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ذَاكر الله فِي رَمَضَان مغْفُور
وَسَائِل الله فِيهِ لَا يخيب
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل
وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس بِالْخَيرِ
وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان حِين يلقاه جِبْرِيل
وَكَانَ يلقاه جِبْرِيل كل لَيْلَة فِي رَمَضَان حَتَّى
يَنْسَلِخ يعرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ
الْقُرْآن فَإِذا لقِيه جِبْرِيل كَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس قَالَ: دخل رَمَضَان فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّهْر قد حضركم وَفِيه
لَيْلَة خير من ألف شهر من حرمهَا فقد الْحرم الْخَيْر كُله
وَلَا يحرم خَيرهَا إِلَّا محروم
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تبَارك وَتَعَالَى عُتَقَاء فِي
كل يَوْم وَلَيْلَة من رَمَضَان وَإِن لكل مُسلم فِي كل يَوْم
وَلَيْلَة دَعْوَة مستجابة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ
أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان نظر الله إِلَى خلقه وَإِذا نظر
الله إِلَى عَبده لم يعذبه أبدا وَللَّه فِي كل يَوْم ألف ألف
عَتيق من النَّار فَإِذا كَانَت لَيْلَة تسع وَعشْرين أعتق
الله فِيهَا مثل جَمِيع مَا أعتق فِي الشَّهْر كُله فَإِذا
كَانَت لَيْلَة الْقدر ارتجت الْمَلَائِكَة وتجلى الْجَبَّار
بنوره مَعَ أَنه لَا يصفه الواصفون فَيَقُول لملائكته وهم فِي
عيدهم من الْغَد: يَا معشر الْمَلَائِكَة مَا جَزَاء الْأَجِير
إِذا وفى عمله تَقول الْمَلَائِكَة: يُوفى أجره
فَيَقُول الله: أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمًا وَحضر رَمَضَان:
أَتَاكُم شهر بركَة يغشاكم الله فِيهِ فتنزل الرَّحْمَة وتحط
الْخَطَايَا ويستجيب فِيهِ الدُّعَاء ينظر الله إِلَى تنافسكم
ويباهي بكم مَلَائكَته فأروا الله من أَنفسكُم خيرا فَإِن
الشقي من حرم فِيهِ رَحْمَة الله عز وَجل
(1/453)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ
فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هَذَا رَمَضَان قد جَاءَ تفتح فِيهِ
أَبْوَاب الْجنَّة وتغلق فِيهِ أَبْوَاب النَّار وتغل فِيهِ
الشَّيَاطِين بعدا لمن أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ إِذا لم
يغْفر لَهُ فِيهِ فَمَتَى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شهر
رَمَضَان شهر أمتِي يمرض مريضهم فيعودنه فَإِذا صَامَ مُسلم لم
يكذب وَلم يغتب وفطره طيب وَيسْعَى إِلَى العتمات محافظاً على
فَرَائِضه خرج من ذنُوبه كَمَا تخرج الْحَيَّة من سلخها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي ترغيبه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من صَامَ يَوْمًا من رَمَضَان فَسلم من ثَلَاث ضمنت لَهُ
الْجنَّة
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح: يَا رَسُول الله على مَا
فِيهِ سوى الثَّلَاث قَالَ: على مَا فِيهِ سوى الثَّلَاث
لِسَانه وبطنه وفرجه
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: تَسْبِيحَة
فِي شهر رَمَضَان أفضل من ألف تَسْبِيحَة فِي غَيره
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن مُعلى بن الْفضل قَالَ: كَانُوا
يدعونَ الله عز وَجل سِتَّة أشهر أَن يبلغهم شهر رَمَضَان
وَيدعونَ الله سِتَّة أشهر أَن يتَقَبَّل مِنْهُم
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فضل الْجُمُعَة
فِي شهر رَمَضَان على سَائِر أَيَّامه كفضل رَمَضَان على
سَائِر الشُّهُور
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ:
صَوْم يَوْم من رَمَضَان أفضل من ألف يَوْم وتسبيحة فِي
رَمَضَان أفضل من ألف تَسْبِيحَة وركعة فِي رَمَضَان أفضل من
ألف رَكْعَة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سلم رَمَضَان سلمت السّنة
وَإِذا سلمت الْجُمُعَة سلمت الْأَيَّام
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن
مَكْحُول وَالقَاسِم بن مخيمرة وَعبد بن أبي لبَابَة قَالُوا:
سمعنَا أَبَا لبَابَة الْبَاهِلِيّ وَوَائِلَة بن الْأَسْقَع
وَعبد الله بن بشر سمعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول إِن الْجنَّة لتتزين من الْحول إِلَى الْحول لشهر
رَمَضَان ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من
صان نَفسه وَدينه فِي شهر رَمَضَان زوّجه الله من الْحور
الْعين وَأَعْطَاهُ قصراً من قُصُور الْجنَّة وَمن عمل
سَيِّئَة أَو رمى بهَا مُؤمنا بِبُهْتَان أَو
(1/454)
شرب مُسكرا فِي شهر رَمَضَان أحبط الله
عمله سنة ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اتَّقوا شهر رَمَضَان لِأَنَّهُ شهر الله جعل لكم أحد عشر شهرا
تشبعون فِيهَا وتروون وَشهر رَمَضَان شهر الله فاحفظوا فِيهِ
أَنفسكُم
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي لن يخزوا أبدا مَا
أَقَامُوا شهر رَمَضَان فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَمَا
خزيهم من إضاعتهم شهر رَمَضَان فَقَالَ: انتهاك الْمَحَارِم
من عمل سوءا أَو زنى أَو سرق لم يقبل مِنْهُ شهر رَمَضَان
ولعنة الرب وَالْمَلَائِكَة إِلَى مثلهَا من الْحول فَإِن
مَاتَ قبل شهر رَمَضَان فليبشر بالنَّار فَاتَّقُوا شهر
رَمَضَان فَإِن الْحَسَنَات تضَاعف فِيهِ وَكَذَلِكَ
السَّيِّئَات
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن عَليّ قَالَ: لما كَانَ أوّل
لَيْلَة من رَمَضَان قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأثْنى على الله وَقَالَ: أَيهَا النَّاس قد كفاكم الله
عَدوكُمْ من الْجنَّة ووعدكم الاجابة وَقَالَ (ادْعُونِي
أَسْتَجِب لكم) (غَافِر الْآيَة 60) أَلا وَقد وكل الله بِكُل
شَيْطَان مُرِيد سَبْعَة من الْمَلَائِكَة فَلَيْسَ بمحلول
حَتَّى يَنْقَضِي شهر رَمَضَان أَلا وأبواب السَّمَاء مفتحة من
أول لَيْلَة مِنْهُ إِلَى آخر لَيْلَة مِنْهُ أَلا وَالدُّعَاء
فِيهِ مَقْبُول حَتَّى إِذا كَانَ أول لَيْلَة من الْعشْر شمر
وَشد المئزر وَخرج من بَيته واعتكفهن وَأَحْيَا اللَّيْل
قيل: وَمَا شدّ المئزر قَالَ: كَانَ يعتزل النِّسَاء فِيهِنَّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن اسحق بن أبي اسحق
أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ لكعب: تَجِدُونَ رَمَضَان عنْدكُمْ
قَالَ: نجده حطة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن مرّة
الْجُهَنِيّ قَالَ جَاءَ رجل من قضاعة إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت إِن شهِدت أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله وَصليت الصَّلَوَات
الْخمس وَصمت رَمَضَان وقمته وآتيت الزَّكَاة فَمن أَنا
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مَاتَ على
هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء يَوْم
الْقِيَامَة هَكَذَا - وَنصب أصبعيه - مَا لم يعق وَالِديهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ
أَنه كَانَ يخْطب إِذا حضر رَمَضَان ثمَّ يَقُول: هَذَا
الشَّهْر الْمُبَارك الَّذِي فرض الله صِيَامه وَلم يفْرض
قِيَامه ليحذر الرجل أَن يَقُول: أَصوم إِذا صَامَ فلَان
وَأفْطر إِذا أفطر أَلا إِن الصّيام لَيْسَ من الطَّعَام
وَالشرَاب
(1/455)
وَلَكِن من الْكَذِب وَالْبَاطِل واللغو
أَلا لَا تقدمُوا الشَّهْر إِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا
وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فافطروا فَإِن غم عَلَيْكُم فَأتمُّوا
الْعدة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} أخرج
أَحْمد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والأصبهاني
فِي التَّرْغِيب عَن وائلة بن الْأَسْقَع أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنزلت صحف إِبْرَاهِيم فِي أول
لَيْلَة من رَمَضَان وأنزلت التَّوْرَاة لست مضين من رَمَضَان
وَأنزل الانجيل لثلاث عشرَة خلت من رَمَضَان وَأنزل الزبُور
لثمان عشرَة من رَمَضَان وَأنزل الله الْقُرْآن لأَرْبَع
وَعشْرين خلت من رَمَضَان
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله
قَالَ: أنزل الله صحف إِبْرَاهِيم أول لَيْلَة من رَمَضَان
وَأنزل التَّوْرَاة على مُوسَى لست خلون من رَمَضَان وَأنزل
الزبُور على دَاوُد لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من رَمَضَان وَأنزل
الانجيل على عِيسَى لثماني عشرَة خلت من رَمَضَان وَأنزل
الْفرْقَان على مُحَمَّد لأَرْبَع وَعشْرين خلت من رَمَضَان
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي الْجلد قَالَ: أنزل الله صحف
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي أول لَيْلَة من رَمَضَان
وَأنزل الإِنجيل لثماني عشرَة خلون شهر من رَمَضَان وَأنزل
الْقُرْآن لأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَذكر
لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَعْطَيْت
السَّبع الطوَال مَكَان التَّوْرَاة وَأعْطيت الْمُبين مَكَان
الانجيل وَأعْطيت المثاني مَكَان الزبُور وفضلت بالمفصل
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عَائِشَة قَالَت: أنزلت الصُّحُف
الأولى فِي أول يَوْم من رَمَضَان وأنزلت التَّوْرَاة فِي سِتّ
من رَمَضَان وَأنزل الإِنجيل فِي اثْنَتَيْ عشرَة من رَمَضَان
وَأنزل الزبُور فِي ثَمَانِي عشرَة من رَمَضَان وَأنزل
الْقُرْآن فِي أَربع وَعشْرين من رَمَضَان
وَأخرج ابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن
أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقسم قَالَ:
سَأَلَ عَطِيَّة بن الْأسود ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنَّه قد
وَقع فِي قلبِي الشَّك فِي قَوْله الله {شهر رَمَضَان الَّذِي
أنزل فِيهِ الْقُرْآن} وَقَوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَة الْقدر (الْقدر الْآيَة 1) وَقَوله (إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة) (الدُّخان الْآيَة 3)
(1/456)
وَقد أنزل فِي شوّال وَذي الْقعدَة وَذي
الْحجَّة وَالْمحرم وَشهر ربيع الأول فَقَالَ ابْن عَبَّاس:
فِي رَمَضَان وَفِي لَيْلَة الْقدر وَفِي لَيْلَة مباركة جملَة
وَاحِدَة ثمَّ أنزل بعد ذَلِك على مواقع النَّجْم مُرْسلا فِي
الشُّهُور وَالْأَيَّام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نزل الْقُرْآن جملَة
وَفِي لفظ: فصل الْقُرْآن من الذّكر لاربعة وَعشْرين من
رَمَضَان فَوضع فِي بَيت الْعِزَّة فِي السَّمَاء الدُّنْيَا
فَجعل جِبْرِيل ينزله على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يرتله ترتيلاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: شهر رَمَضَان
وَاللَّيْلَة الْمُبَارَكَة وَلَيْلَة الْقدر فَإِن لَيْلَة
الْقدر هِيَ اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة وَهِي فِي رَمَضَان نزل
الْقُرْآن جملَة من الذّكر إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَهُوَ
موقع النُّجُوم فِي السَّمَاء الدُّنْيَا حَيْثُ وَقع
الْقُرْآن ثمَّ نزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد
ذَلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَفِي الحروب رسلًا رسلًا
وَأخرج ابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن
جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل الْقُرْآن كُله
جملَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقدر فِي رَمَضَان إِلَى
السَّمَاء الدُّنْيَا فَكَانَ الله إِذا أَرَادَ أَن يحدث فِي
الأَرْض شَيْئا أنزلهُ مِنْهُ حَتَّى جُمُعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل الْقُرْآن جملَة
وَاحِدَة على جِبْرِيل فِي لَيْلَة الْقدر فَكَانَ لَا ينزل
مِنْهُ إِلَّا مَا أَمر بِهِ
وَأخرج ابْن الضريس عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزل الْقُرْآن
جملَة وَاحِدَة فِي رَمَضَان فِي لَيْلَة الْقدر فَجعل فِي
بَيت الْعِزَّة ثمَّ أنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي عشْرين سنة جَوَاب كَلَام النَّاس
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن بن عَليّ
أَنه لما قتل عَليّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: وَالله لقد قتلتم
اللَّيْلَة رجلا فِي لَيْلَة نزل فِيهَا الْقُرْآن فِيهَا رفع
عِيسَى بن مَرْيَم وفيهَا قتل يُوشَع بن نون وفيهَا تيب على
بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ:
بَلغنِي أَنه كَانَ ينزل فِيهِ من الْقُرْآن حَتَّى انْقَطع
الْوَحْي وَحَتَّى مَاتَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكَانَ ينزل من الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر كل شَيْء ينزل
من الْقُرْآن فِي تِلْكَ السّنة فَينزل ذَلِك من السَّمَاء
السَّابِعَة على جِبْرِيل فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَلَا ينزل
جِبْرِيل من ذَلِك على مُحَمَّد إِلَّا بِمَا أمره ربه
(1/457)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الضريس عَن
دَاوُد بن أبي هِنْد قَالَ: قلت لعامر الشّعبِيّ: شهر رَمَضَان
الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن فَهَل كَانَ نزل عَلَيْهِ فِي
سَائِر السّنة إِلَّا مَا فِي رَمَضَان قَالَ: بلَى وَلَكِن
جِبْرِيل كَانَ يُعَارض مُحَمَّدًا مَا أنزل فِي السّنة فِي
رَمَضَان فَيحكم الله مَا يَشَاء وَيثبت مَا يَشَاء وينسخ مَا
ينْسَخ وينسيه مَا يَشَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {شهر رَمَضَان الَّذِي
أنزل فِيهِ الْقُرْآن} يَقُول: الَّذِي أنزل صَوْمه فِي
الْقُرْآن
وَأما قَوْله تَعَالَى: {هدى للنَّاس وبينات من الْهدى
وَالْفرْقَان} أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{هدى للنَّاس} قَالَ: يَهْتَدُونَ بِهِ {وبينات من الْهدى}
قَالَ: فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَالْحُدُود
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وبينات من الْهدى
وَالْفرْقَان} قَالَ: بَيِّنَات من الْحَلَال وَالْحرَام
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: كَانَ يَوْم عَاشُورَاء يصام قبل أَن ينزل شهر رَمَضَان
فَلَمَّا نزل رَمَضَان ترك
أخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بصيام يَوْم
عَاشُورَاء ويحثنا عَلَيْهِ ويتعاهدنا عِنْده فَلَمَّا فرض
رَمَضَان لم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا عَنهُ وَلم يتعاهدنا عِنْده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} قَالَ: هُوَ هَلَاكه
بِالدَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر
فليصمه} قَالَ: من كَانَ مُسَافِرًا فِي بلد مُقيم فليصمه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {فَمن شهد مِنْكُم
الشَّهْر فليصمه} قَالَ: إِذا كَانَ مُقيما
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن عَليّ قَالَ: من أدْركهُ رَمَضَان وَهُوَ مُقيم ثمَّ سَافر
فقد لزمَه الصَّوْم لِأَن الله يَقُول {فَمن شهد مِنْكُم
الشَّهْر فليصمه}
(1/458)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عمر فِي
قَوْله {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} قَالَ: من أدْركهُ
رَمَضَان فِي أَهله ثمَّ أَرَادَ السّفر فليصم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن جَابر بن عبد الله
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أفطر يَوْمًا
من شهر رَمَضَان فِي الْحَضَر فليهد بَدَنَة فَإِن لم يجد
فليطعم ثَلَاثِينَ صَاعا من تمر للْمَسَاكِين
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر
فَعدَّة من أَيَّام أخر} أخرج ابْن جرير عَن الْحسن
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَا: إِذا لم يسْتَطع الْمَرِيض
أَن يُصَلِّي قَائِما أفطر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: الصّيام فِي السّفر
مثل الصَّلَاة تقصر إِذا أفطرت وتصوم إِذا وفيت الصَّلَاة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن سعد وَعبد بن حميد
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس بن مَالك
الْقشيرِي
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله وضع عَن
الْمُسَافِر الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة وعَلى الحبلى والمرضع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن
عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ: يسر وعسر فَخذ
بيسر الله
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة عَن عَائِشَة أَن حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ سَأَلَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّوْم فِي السّفر
فَقَالَ: إِن شِئْت فَصم وَإِن شِئْت فافطر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ عَن حَمْزَة بن عَمْرو
الْأَسْلَمِيّ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أجد قوّة
على الصّيام فِي السّفر فَهَل عليّ جنَاح فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ رخصَة من الله تَعَالَى من أَخذ
بهَا فَحسن وَإِن أحب أَن يَصُوم فَلَا جنَاح عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم عَن الصَّوْم فِي السّفر
فَقَالَ: إِن شِئْت أَن تَصُوم فَصم وَإِن شِئْت أَن تفطر
فافطر
وَأخرج عبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة قَالَت كل
قد فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد صَامَ وَأفْطر
وَأتم وَقصر فِي السّفر
وَأخرج الْخَطِيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن معَاذ بن جبل قَالَ
صَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا أنزلت
عَلَيْهِ آيَة الرُّخْصَة فِي السّفر
(1/459)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عِيَاض قَالَ
خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَافِرًا فِي رَمَضَان
فَنُوديَ فِي النَّاس: من شَاءَ صَامَ وَمن شَاءَ أفطر
فَقيل لأبي عِيَاض: كَيفَ فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: صَامَ وَكَانَ أحقهم بذلك
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا أعيب على من
صَامَ وعَلى من أفطر فِي السّفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب وعامر أَنَّهُمَا
اتفقَا أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانُوا يسافرون فِي رَمَضَان فيصوم الصَّائِم وَيفْطر
الْمُفطر فَلَا يعيب الْمُفطر على الصَّائِم وَلَا الصَّائِم
على الْمُفطر
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَأَبُو دَاوُد عَن أنس بن مَالك قَالَ: سافرنا مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان فصَام بَعْضنَا وَأفْطر
بَعْضنَا فَلم يعب الصَّائِم على الْمُفطر وَلَا الْمُفطر على
الصَّائِم
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نسافر مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَمَضَان فمنا الصَّائِم وَمنا
الْمُفطر فَلَا يجد الْمُفطر على الصَّائِم وَلَا الصَّائِم
على الْمُفطر وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه من وجد قوّة فصَام محسن
وَمن وجد ضعفا فَأفْطر محسن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن
جَابر بن عبد الله
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ من
الْبر الصّيام فِي السّفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن كَعْب بن عَاصِم
الْأَشْعَرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ: لِأَن أفطر فِي
رَمَضَان فِي السّفر أحب إليّ من أَن أَصوم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ:
الإِفطار فِي السّفر صَدَقَة تصدق الله بهَا على عباده
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر
أَنه سَأَلَ عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ: رخصَة نزلت من
السَّمَاء فَإِن شِئْتُم فردوها
(1/460)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر
أَنه سُئِلَ عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ: لَو تَصَدَّقت
بِصَدقَة فَردَّتْ ألم تكن تغْضب إِنَّمَا هُوَ صَدَقَة صدقهَا
الله عَلَيْكُم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صَائِم رَمَضَان فِي السّفر كالمفطر فِي
الْحَضَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الإِفطار فِي السّفر كالمفطر فِي الْحَضَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الإِفطار فِي السّفر عَزمَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحرز بن أبي هُرَيْرَة
أَنه كَانَ فِي سفر فصَام رَمَضَان فَلَمَّا رَجَعَ أمره أَبُو
هُرَيْرَة أَن يَقْضِيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر بن ربيعَة: أَن عمر أَمر رجلا
صَامَ لامضان فِي السّفر أَن يُعِيد
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن عَامر بن عبد الْعَزِيز
أَنه سُئِلَ عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ: إِن كَانَ
أَهْون عَلَيْك فَصم
وَفِي لفظ: إِذا كَانَ يسر فصوموا وَإِن كَانَ عسر فافطروا
قَالَ الله {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم
الْعسر}
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن خَيْثَمَة
قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ:
يَصُوم قلت: فَأَيْنَ هَذِه الْآيَة {فَعدَّة من أَيَّام أخر}
قَالَ: إِنَّهَا نزلت يَوْم نزلت وَنحن نرتحل جياعاً وننزل على
غير شبع وَالْيَوْم نرتحل شباعاً وننزل على شبع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أنس قَالَ: من أفطر
فَهِيَ رخصَة وَمن صَامَ فَهُوَ أفضل
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَسَعِيد بن جُبَير
وَمُجاهد أَنهم قَالُوا فِي الصَّوْم فِي السّفر: إِن شِئْت
فافطر وَإِن شِئْت فَصم وَالصَّوْم أفضل
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الْعَوام عَن مُجَاهِد قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم وَيفْطر فِي
السّفر وَيرى أَصْحَابه أَنه يَصُوم وَيَقُول: كلوا إِنِّي أظل
يطعمني رَبِّي ويسقيني
قَالَ الْعَوام: فَقلت لمجاهد: فَأَي ذَلِك يرى قَالَ: صَوْم
فِي رَمَضَان أفضل من صَوْم فِي غير رَمَضَان
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي البخْترِي قَالَ: قَالَ
عُبَيْدَة: إِذا سَافر
(1/461)
الرجل وَقد صَامَ فِي رَمَضَان فليصم مَا
بَقِي ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر
فليصمه} قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: من شَاءَ صَامَ
وَمن شَاءَ أفطر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين سَأَلت عُبَيْدَة
قلت: أسافر فِي رَمَضَان قَالَ: لَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِذا أدْرك الرجل
رَمَضَان فَلَا يخرج فَإِن خرج وَقد صَامَ شَيْئا مِنْهُ
فليصمه فِي السّفر فَإِنَّهُ ان يقضه فِي رَمَضَان أحب إِلَيّ
من أَن يَقْضِيه فِي غَيره
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز قَالَ: إِذا دخل شهر رَمَضَان
فَلَا يسافرن الرجل فَإِن أَبى إِلَّا أَن يُسَافر فليصم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم
أَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد جَاءَ إِلَى عَائِشَة يسلم
عَلَيْهَا وَهُوَ فِي رَمَضَان فَقَالَت: أَيْن تُرِيدُ قَالَ:
الْعمرَة
قَالَت: قعدت حَتَّى دخل هَذَا الشَّهْر لَا تخرج
قَالَ: فَإِن أَصْحَابِي وَأَهلي قد خَرجُوا قَالَت: وَإِن
فردهم ثمَّ أقِم حَتَّى تفطر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أم درة قَالَت: كنت عِنْد عَائِشَة
فجَاء رَسُول الي وَذَلِكَ فِي رَمَضَان فَقَالَت لي عَائِشَة:
مَا هَذَا فَقلت: رَسُول أخي يُرِيد أَن نخرج
قَالَت: لَا تخرجي حَتَّى يَنْقَضِي الشَّهْر فَإِن رَمَضَان
لَو أدركني وَأَنا فِي الطَّرِيق لأقمت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لَا بَأْس أَن يُسَافر
الرجل فِي رَمَضَان وَيفْطر إِن شَاءَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لم يَجْعَل الله
رَمَضَان قيدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: من أدْركهُ شهر رَمَضَان
فَلَا بَأْس أَن يُسَافر ثمَّ يفْطر
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد عَن سِنَان بن سَلمَة بن
محبق الْهُذلِيّ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ حمولة تأوي إِلَى شبع فليصم
رَمَضَان حَيْثُ أدْركهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تصدق بفطر رَمَضَان على مَرِيض
أمتِي ومسافرها
(1/462)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أنس بن مَالك
عَن رجل من كَعْب قَالَ أغارت علينا خيل لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ يَأْكُل فَقَالَ:
اجْلِسْ فأصب من طعامنا هَذَا
فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي صَائِم
قَالَ: اجْلِسْ أحَدثك عَن الصَّلَاة وَعَن الصَّوْم: إِن الله
عز وَجل وضع شطر الصَّلَاة عَن الْمُسَافِر وَوضع الصَّوْم عَن
الْمُسَافِر وَالْمَرِيض وَالْحَامِل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة {فَعدَّة من أَيَّام أخر}
قَالَ: إِن شَاءَ وصل وَإِن شَاءَ فرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَضَاء رَمَضَان قَالَ: إِن شَاءَ
تَابع وَإِن شَاءَ فرق لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {فَعدَّة من
أَيَّام أخر}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَضَاء رَمَضَان
صم كَيفَ شِئْت وَقَالَ ابْن عمر: صمه كَمَا أفطرته
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: يَصُوم شهر
رَمَضَان مُتَتَابِعًا من أفطره من مرض أَو سفر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس
أَنه سُئِلَ عَن قَضَاء رَمَضَان فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ الله
{فَعدَّة من أَيَّام أخر} فَإِذا أحصى الْعدة فَلَا بَأْس
بِالتَّفْرِيقِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي عُبَيْدَة بن الْجراح
أَنه سُئِلَ عَن قَضَاء رَمَضَان مُتَفَرقًا فَقَالَ: إِن الله
لم يرخص لكم فِي فطره وَهُوَ يُرِيد أَن يشق عَلَيْكُم فِي
قَضَائِهِ فاحصر الْعدة واصنع مَا شِئْت
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن رَافع بن خديج قَالَ: احصر الْعدة
وصم كَيفَ شِئْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن معَاذ بن جبل
أَنه سُئِلَ عَن قَضَاء رَمَضَان فَقَالَ: احصر الْعدة وصم
كَيفَ شِئْت
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: فرق
قَضَاء رَمَضَان إِنَّمَا قَالَ الله {فَعدَّة من أَيَّام أخر}
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة
أَن امْرَأَة سَأَلته: كَيفَ تقضي رَمَضَان فَقَالَ: صومي
كَيفَ شِئْت واحصي الْعدة فَإِنَّمَا {يُرِيد الله بكم
الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر}
(1/463)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت
/ فَعدَّة من أَيَّام أخر مُتَتَابِعَات / فَسَقَطت
مُتَتَابِعَات
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَي نسخت
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ عَلَيْهِ
صَوْم من رَمَضَان فليسرده وَلَا يفرقه
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه عَن عبد الله بن عَمْرو
سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَضَاء رَمَضَان
فَقَالَ: يَقْضِيه تباعا وان فرقه أَجزَأَهُ
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي قَضَاء رَمَضَان إِن شَاءَ فرق
وَإِن شَاءَ تَابع
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن
الْمُنْكَدر قَالَ بَلغنِي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سُئِلَ عَن تقطيع قَضَاء صِيَام شهر رَمَضَان فَقَالَ:
ذَاك إِلَيْك أَرَأَيْت لَو كَانَ على أحدكُم دين فَقضى
الدِّرْهَم وَالدِّرْهَمَيْنِ ألم يكن قَضَاء فَالله تَعَالَى
أَحَق أَن يقْضى وَيغْفر
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: اسناده حسن إِلَّا أَنه مُرْسل ثمَّ
رَوَاهُ من طَرِيق آخر مَوْصُولا عَن جَابر مَرْفُوعا وَضَعفه
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} قَالَ:
الإِفطار فِي السّفر والعسر الصَّوْم فِي السّفر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن محجن بن الأدرع أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يُصَلِّي فتراءاه ببصره
سَاعَة فَقَالَ: أتراه يُصَلِّي صَادِقا قلت: يَا رَسُول الله
هَذَا أَكثر أهل الْمَدِينَة صَلَاة
فَقَالَ: لَا تسمعه فتهلكه وَقَالَ: إِن الله إِنَّمَا أَرَادَ
بِهَذِهِ الْأمة الْيُسْر وَلَا يُرِيد بهم الْعسر
وَأخرج أَحْمد عَن الْأَعْرَج أَنه سمع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن خير دينكُمْ أيسره إِن خير دينكُمْ
أيسره
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة التَّمِيمِي قَالَ سَأَلَ النَّاس
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل علينا حرج فِي كَذَا
فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن دين الله يسر ثَلَاثًا يَقُوله
(1/464)
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا
وَسَكنُوا وَلَا تنفرُوا
وَأخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الدّين متين فأوغلوا فِيهِ بِرِفْق
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول اله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الدّين متين فأوغل فِيهِ بِرِفْق
فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الإِسلام ذَلُول لَا يركب إِلَّا ذلولاً
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الدّين يسر وَلنْ يغالب الدّين أحد
إِلَّا غَلبه سددوا وقاربوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا
بالغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن بُرَيْدَة
قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي
فَانْطَلَقْنَا نمشي جَمِيعًا فَإِذا رجل بَين أَيْدِينَا
يُصَلِّي يكثر الرُّكُوع وَالسُّجُود فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: ترَاهُ مرائياً قلت: الله وَرَسُوله أعلم
فَأرْسل يَدي فَقَالَ: عَلَيْكُم هَديا قَاصِدا فَإِنَّهُ من
يشاد هَذَا الدّين يغلبه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَذَا الدّين متين فأوغل فِيهِ
بِرِفْق وَلَا تكْرهُوا عبَادَة الله إِلَى عباده فَإِن المنبت
لَا يقطع سفرا وَلَا يستبقي ظهرا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَذَا الدّين
متين فأوغل بِهِ بِرِفْق وَلَا تبغض إِلَى نَفسك عبَادَة رَبك
فَإِن المنبت لَا سفر قطع وَلَا ظهرا أبقى فاعمل عمل امرىء
يظنّ أَن لن يَمُوت أبدا وَاحْذَرْ حذرا تخشى أَن تَمُوت غَدا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن أبي
أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تشددوا على أَنفسكُم
فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بتشديدهم على أنفسهم وستجدون
بقاياهم فِي الصوامع والديارات
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق معبد الْجُهَنِيّ عَن بعض
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعلم أفضل من الْعَمَل
وَخير الْأَعْمَال أوسطها وَدين الله بَين القاسي والغالي
والحسنة بَين الشَّيْئَيْنِ لَا ينالها إِلَّا بِاللَّه وَشر
السّير الْحَقْحَقَةُ
(1/465)
وَأخرج ابْن عبيد وَالْبَيْهَقِيّ عَن
إِسْحَق بن سُوَيْد قَالَ: تعبّد عبد الله بن مطرف فَقَالَ
لَهُ مطرف: يَا عبد الله الْعلم أفضل من الْعَمَل والحسنة بَين
الشَّيْئَيْنِ وَخير الْأُمُور أوساطها وَشر السّير
الْحَقْحَقَةُ
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبَيْهَقِيّ عَن تَمِيم الدَّارِيّ
قَالَ: خُذ من دينك لنَفسك وَمن نَفسك لدينك حَتَّى يَسْتَقِيم
بك الْأَمر على عبَادَة تطيقها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يحب أَن يُؤْتى رخصه كَمَا يحب
أَن تُؤْتى عَزَائِمه
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان عَن ابْن
عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يحب
أَن تُؤْتى رخصه كَمَا يحب أَن تُؤْتى عَزَائِمه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله
يحب أَن تُؤْتى رخصه كَمَا لَا يحب أَن تُؤْتى مَعْصِيَته
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي
الْأَدْيَان أحب إِلَى الله قَالَ: الحنيفية السمحة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر
أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي أقوى على الصّيام فِي السّفر
فَقَالَ ابْن عمر: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من لم يقبل رخصَة الله كَانَ عَلَيْهِ
من الاثم مثل جبال عَرَفَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن يزِيد بن أَدِيم قَالَ:
حَدثنِي أَبُو الدَّرْدَاء ووأئلة بن الْأَسْقَع وَأَبُو
أُمَامَة وَأنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِن الله يحب أَن تقبل رخصه كَمَا يحب العَبْد
مغْفرَة ربه
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت وضع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ذقني على مَنْكِبه لأنظر زفن الْحَبَشَة حَتَّى
كنت الَّذِي مللت وانصرفت عَنْهُم قَالَت: وَقَالَ يَوْمئِذٍ:
لتعلم يهود أَن فِي ديننَا فسحة أَي أرْسلت بحنيفية سَمْحَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
الْحسن قَالَ: إِن دين الله وضع دون الغلو وَفَوق التَّقْصِير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا تَعب على
من صَامَ فِي السّفر وَلَا على من أفطر خُذ بأيسرهما عَلَيْك
قَالَ الله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد
بكم الْعسر}
(1/466)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ:
خُذ بأيسرهما عَلَيْك فَإِن الله لم يرد إِلَّا الْيُسْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {ولتكملوا
الْعدة} قَالَ: عدَّة رَمَضَان
وَأخرج أَبُو ادود وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر
وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقدمُوا الشَّهْر
حَتَّى تروا الْهلَال أَو تكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ ثمَّ
صُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال أَو تكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
تقدمُوا الشَّهْر بصيام يَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن
يكون شَيْء يَصُومهُ أحدكُم وَلَا تَصُومُوا حَتَّى تروه ثمَّ
صُومُوا حَتَّى تروه فَإِن حَال دونه الْغَمَام فَأتمُّوا
الْعدة ثَلَاثِينَ ثمَّ افطروا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: صُومُوا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته فَإِن غيم
عَلَيْكُم الشَّهْر فأكملوا الْعدة
وَفِي لفظ: فعدوا ثَلَاثِينَ
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن رَافع بن خديج قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احصوا عدَّة شعْبَان
لرمضان وَلَا تقدمُوا الشَّهْر بِصَوْم فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ
فصوموا وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فافطروا فَإِن غم عَلَيْكُم
فاكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ افطروا فَإِن الشَّهْر
هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَحبس ابهامه فِي
الثَّالِثَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب
قَالَ: إِنَّا اصطحبنا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وانهم حدثونا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ صُومُوا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته فَإِن أغمى
عَلَيْكُم فعدوا ثَلَاثِينَ فَإِن شهد ذُو عدل فصوموا
وَافْطرُوا وانسكوا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح صَائِما لتَمام
الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان فجَاء أَعْرَابِيَّانِ فشهدا أَن
لَا إِلَه إِلَّا الله وأنهما أهلاه بالْأَمْس فَأَمرهمْ
فأفطروا
(1/467)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي
قَوْله {ولتكملوا الْعدة} قَالَ: عدَّة مَا أفطر الْمَرِيض
وَالْمُسَافر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والمروزي فِي كتاب
الْعِيدَيْنِ عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {ولتكبروا الله على
مَا هدَاكُمْ} قَالَ: لتكبروا يَوْم الْفطر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حق على الْمُسلمين
إِذا نظرُوا إِلَى هِلَال شوّال أَن يكبروا الله حَتَّى يفرغوا
من عيدهم لِأَن الله يَقُول {ولتكملوا الْعدة ولتكبروا الله}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الصَّغِير عَن أنس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَينُوا أعيادكم
بِالتَّكْبِيرِ
وَأخرج الْمروزِي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
السّنَن عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: كَانُوا فِي
الْفطر أَشد مِنْهُم فِي الْأَضْحَى يَعْنِي فِي التَّكْبِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن الزُّهْرِيّ أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج يَوْم الْفطر
فيكبر حَتَّى يَأْتِي الْمصلى حَيْثُ تقضى الصَّلَاة فَإِذا
قضى الصَّلَاة قطع التَّكْبِير
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر مَوْصُولا عَن الزُّهْرِيّ
عَن سَالم عَن ابْن عمر وَضَعفه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق نَافِع عَن
عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج
إِلَى الْعِيدَيْنِ رَافعا صَوته بالتهليل وَالتَّكْبِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: إِن من السّنة أَن
تكبر يَوْم الْعِيد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة والمروزي عَن ابْن
مَسْعُود أَنه كَانَ يكبر الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه
إِلَّا الله وَالله أكبر وَللَّه الْحَمد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكبر الله أكبر كَبِيرا الله أكبر
كَبِيرا الله أكبر وَللَّه الْحَمد الله أكبر وَأجل على مَا
هدَانَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ:
كَانَ عُثْمَان يعلمنَا التَّكْبِير الله أكبر الله أكبر الله
أكبر كَبِيرا اللَّهُمَّ أَنْت أَعلَى وَأجل من أَن يكون لَك
صَاحِبَة أَو يكون لَك ولد أَو يكون لَك شريك فِي الْملك أَو
يكون لَك ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا اللَّهُمَّ اغْفِر لنا
اللَّهُمَّ ارحمنا
(1/468)
وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَك عبَادي
عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان فليستجيبوا
لي وليؤمنوا بِي لَعَلَّهُم يرشدون
أخرج ابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الصَّلْت بن
حَكِيم عَن رجل من الْأَنْصَار عَن أَبِيه عَن جده قَالَ جَاءَ
رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا
رَسُول الله أَقَرِيب رَبنَا فنناجيه أم بعيد فنناديه فَسكت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَإِذا
سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا
دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا} إِذا أَمرتهم أَن يدعوني فدعوني
أستجيب لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ سَأَلَ
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن رَبنَا
فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب}
الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أنس قَالَ سَأَلَ أَعْرَابِي رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن رَبنَا قَالَ: فِي
السَّمَاء على عَرْشه ثمَّ تَلا (الرَّحْمَن على الْعَرْش
اسْتَوَى) (طه الْآيَة 5) وَأنزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي
عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن عَليّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تعجزوا عَن الدُّعَاء
فَإِن الله أنزل عليَّ {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} فَقَالَ رجل:
يَا رَسُول الله رَبنَا يسمع الدُّعَاء أم كَيفَ ذَلِك فَأنْزل
الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح
أَنه بلغه لما أنزلت (وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أستجيب لكم)
(غَافِر الْآيَة 60) قَالُوا: لَو نعلم أَي سَاعَة نَدْعُو
فَنزلت {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} إِلَى
قَوْله {يرشدون}
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة فِي تَفْسِيره وَعبد الله بن
أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد من طَرِيق
(1/469)
سُفْيَان عَن أبي قَالَ قَالَ الْمُسلمُونَ
يَا رَسُول الله أَقَرِيب رَبنَا فنناجيه أم بعيد فنناديه
فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب}
الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنه لما أنزل
الله (ادْعُونِي أستجيب لكم) (غَافِر الْآيَة 60) قَالَ رجال:
كَيفَ نَدْعُو يَا نَبِي الله فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك
عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عبيد
قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (ادْعُونِي أستجيب لكم) (غَافِر
الْآيَة 60) قَالُوا: كَيفَ لنا بِهِ أَن نَلْقَاهُ حَتَّى
نَدْعُوهُ فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي
قريب} الْآيَة
فَقَالُوا: صدق رَبنَا وَهُوَ بِكُل مَكَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ
الْمُسلمُونَ: أَقَرِيب رَبنَا فنناجيه أم بعيد فنناديه فَنزلت
{فليستجيبوا لي} ليطعوني والاستجابة هِيَ الطَّاعَة {وليؤمنوا
بِي} ليعلموا {فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: مِفْتَاح الْبحار
السفن ومفتاح الأَرْض الطّرق ومفتاح السَّمَاء الدُّعَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد عَن
كَعْب قَالَ: قَالَ مُوسَى: أَي رب
أَقَرِيب أَنْت فأناجيك أم بعيد فأناديك قَالَ: يَا مُوسَى
أَنا جليس من ذَكرنِي قَالَ: يَا رب فَإِن نَكُون من الْحَال
على حَال نعظمك أَو نجلك أَن نذكرك عَلَيْهَا قَالَ: وماهي
قَالَ: الْجَنَابَة وَالْغَائِط
قَالَ: يَا مُوسَى اذْكُرْنِي على كل حَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة فَجعلنَا لَا نصعد شرفاً وَلَا
نهبط وَاديا إِلَّا رفعنَا أصواتنا بِالتَّكْبِيرِ فَدَنَا منا
فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أربعوا على أَنفسكُم فَإِنَّكُم
لَا تدعون أَصمّ وَلَا غَائِبا إِنَّمَا تدعون سميعاً بَصيرًا
إِن الَّذِي تدعون أقرب إِلَى أحدكُم من عنق رَاحِلَته
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ يَقُول الله: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه
إِذا دَعَاني
(1/470)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان
الْفَارِسِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن
ربكُم حَيّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ إِلَيْهِ
أَن يردهما صفراً
وَفِي لفظ: يستحي أَن يبسط العَبْد إِلَيْهِ فَيَرُدهُمَا
خائبين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان قَالَ: إِنِّي أجد فِي
التَّوْرَاة
أَن الله حَيّ كريم يستحي أَن يرد يدين خائبتين يسْأَل بهما
خيرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ربكُم حَيّ كريم
يستحي إِذا رفع العَبْد يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما حَتَّى
يَجْعَل فيهمَا خيرا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جواد كريم يستحي من
العَبْد الْمُسلم إِذا دَعَاهُ أَن يرد يَدَيْهِ صفراً لَيْسَ
فيهمَا شَيْء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله حَيّ كريم
يستحي أَن يرفع العَبْد يَدَيْهِ فَيَرُدهُمَا صفراً لَا خير
فيهمَا فَإِذا رفع أحدكُم يَدَيْهِ فَلْيقل: يَا حَيّ يَا قيوم
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ثَلَاث
مَرَّات ثمَّ إِذا أَرَادَ رد يَدَيْهِ فليفرغ الْخَيْر على
وَجهه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رفع قوم أكفهم إِلَى الله عز وَجل
يسألونه شَيْئا إِلَّا كَانَ حَقًا على الله أَن يضع فِي
أَيْديهم الَّذِي سَأَلُوهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله عز وَجل حَيّ كريم يستحي من
عَبده أَن يرفع يَدَيْهِ فَيَرُدهُمَا صفراً لَيْسَ فيهمَا
شَيْء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن الْوَلِيد بن عبد
الله بن أبي مغيث قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا دَعَا أحدكُم فَرفع يَدَيْهِ فَإِن الله جَاعل فِي
يَدَيْهِ بركَة وَرَحْمَة فَلَا يردهما حَتَّى يمسح بهما وَجهه
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله
تَعَالَى: يَا ابْن آدم وَاحِدَة لي وَوَاحِدَة لَك وَوَاحِدَة
فِيمَا بيني وَبَيْنك وَوَاحِدَة فِيمَا بَيْنك وَبَين عبَادي
فَأَما الَّتِي لي فتعبدني لَا تشرك بِي شَيْئا وَأما الَّتِي
لَك فَمَا عملت من شَيْء أَو من عمل وفيتكه وَأما الَّتِي بيني
وَبَيْنك فمنك الدُّعَاء وعليّ الاجابة وَأما الَّتِي بَيْنك
وَبَين عبَادي فارض لَهُم مَا ترْضى لنَفسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب
الْمُفْرد وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد
(1/471)
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ مَا من مُسلم يَدْعُو الله بدعوة لَيْسَ فِيهَا اثم
وَلَا قطيعة رحم إِلَّا أعطَاهُ الله بهَا إِحْدَى ثَلَاث
خِصَال إِمَّا أَن يعجل لَهُ دَعوته وَإِمَّا أَن يدخرها لَهُ
فِي الْآخِرَة وَإِمَّا أَن يصرف عَنهُ من السوء مثلهَا
قَالُوا: إِذا نكثر قَالَ الله أَكثر
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُسْتَجَاب لأحدكم مَا لم يعجل
يَقُول: دَعَوْت فَلم يستجب لي
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُغني حذر من قدر وَالدُّعَاء ينفع
مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل وَإِن الْبلَاء لينزل فيتلقاه
الدُّعَاء فيعتلجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم
عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي
الْعُمر إِلَّا الْبر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدُّعَاء ينفع مِمَّا
نزل وَمِمَّا لم ينزل فَعَلَيْكُم عباد الله بِالدُّعَاءِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادعوا الله
وَأَنْتُم موقنون بالاجابة وَاعْلَمُوا أَن الله لَا يقبل
دُعَاء من قلب غافل لاهٍ
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس مَرْفُوعا لَا تعجزوا فِي الدُّعَاء
فَإِنَّهُ لَا يهْلك مَعَ الدُّعَاء أحد
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر مَرْفُوعا يَدْعُو الله
بِالْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يوقفه بَين يَدَيْهِ
فَيَقُول: عَبدِي إِنِّي أَمرتك أَن تَدعُونِي ووعدتك أَن
أستجيب لَك فَهَل كنت تَدعُونِي فَيَقُول: نعم يَا رب
فَيَقُول: أما أَنَّك لم تَدعُونِي بدعوة إِلَّا أستجيب لَك
أَلَيْسَ دعوتني يَوْم كَذَا وَكَذَا لغم نزل بك أَن أفرج
عَنْك ففرجت عَنْك فَيَقُول: بلَى يَا رب
فَيَقُول: فَإِنِّي عجلتها لَك فِي الدُّنْيَا
وَدَعَوْتنِي يَوْم كَذَا وَكَذَا لغم نزل بك أَن أفرج عَنْك
فَلم تَرَ فرجا فَيَقُول: نعم يَا رب
فَيَقُول: إِنِّي ادخرت لَك بهَا فِي الْجنَّة كَذَا وَكَذَا
وَدَعَوْتنِي فِي حَاجَة قضيتها لَك فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا يَدْعُو الله عَبده الْمُؤمن إِلَّا
بَين لَهُ إِمَّا أَن يكون عجل لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا
أَن يكون ادخر لَهُ فِي الْآخِرَة
فَيَقُول الْمُؤمن فِي ذَلِك الْمقَام: يَا ليته لم يكن عجل
لَهُ شَيْء من دُعَائِهِ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالْحَاكِم عَن
أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مَا من عبد ينصب وَجه إِلَى الله فِي
مَسْأَلَة إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاه إِمَّا أَن يعجلها لَهُ
فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَن يدخرها لَهُ فِي الْآخِرَة
(1/472)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد
عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
يُسْتَجَاب لأحدكم مَا لم يدع بإثم أَو قطيعة رحم أَو يستعجل
فَيَقُول: دَعَوْت فَلَا أرى تَسْتَجِيب لي فيدع الدُّعَاء
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: لَا يزَال العَبْد بِخَير مَا لم يستعجل
قَالُوا: وَكَيف يستعجل قَالَ: يَقُول قد دَعَوْت ربكُم فَلم
يستجب لي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَالَ
الله تبَارك وَتَعَالَى على لِسَان نَبِي من بني إِسْرَائِيل
قل لبني إِسْرَائِيل تَدعُونِي بألسنتكم وقلوبكم بعيدَة مني
بَاطِل مَا تَدعُونِي وَقَالَ: تَدعُونِي وعَلى أَيْدِيكُم
الدَّم اغسلوا أَيْدِيكُم من الدَّم أَي من الْخَطَايَا هلموا
نادوني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا يقل أحدكُم اغْفِر لي إِن شِئْت وليعزم فِي
الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ لَا مكره لَهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن عبَادَة
بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
مَا على ظهر الأَرْض من رجل مُسلم يَدْعُو الله بدعوة إِلَّا
آتَاهُ إِيَّاهَا أَو كف عَنهُ من السوء مثلهَا مَا لم يدع
بإثم أَو قطيعة رحم
وَأخرج أَحْمد عَن جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: مَا من أحد يَدْعُو بِدُعَاء إِلَّا آتَاهُ الله
مَا سَأَلَ وكف عَنهُ من السوء مثله مَا لم يدع باثم أَو قطيعة
رحم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يستجيب
لعبد أذن لَهُ فِي الدُّعَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِذا سَأَلَ أحدكُم ربه مَسْأَلَة فتعرف الاستجابة فَلْيقل:
الْحَمد لله الَّذِي بعزته تتمّ الصَّالِحَات وَمن أَبْطَأَ
عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء فَلْيقل الْحَمد لله على كل حَال
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن معَاذ بن جبل عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو عَرَفْتُمْ الله حق
مَعْرفَته لزالت لدعائكم الْجبَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي ذَر قَالَ:
يَكْفِي من الدُّعَاء مَعَ الْبر مَا يَكْفِي الطَّعَام من
الْملح
(1/473)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن
شبيب قَالَ: صليت إِلَى جنب سعيد بن الْمسيب الْمغرب فَرفعت
صوتي بِالدُّعَاءِ فَانْتَهرنِي وَقَالَ: ظَنَنْت أَن الله
لَيْسَ بقريب مِنْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتح لَهُ فِي
الدُّعَاء مِنْكُم فتحت لَهُ أَبْوَاب الاجابة
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: من فتح لَهُ مِنْكُم بَاب الدُّعَاء
فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَمَا سُئِلَ شَيْئا أحب
إِلَيْهِ من أَن يسْأَل الْعَافِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ:
كَانَ يُقَال: إِذا بَدَأَ الرجل بالثناء قبل الدُّعَاء فقد
اسْتوْجبَ وَإِذا بَدَأَ بِالدُّعَاءِ قبل الثَّنَاء كَانَ على
رَجَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: لما خلق الله آدم
قَالَ: وَاحِدَة لي وَوَاحِدَة لَك وَوَاحِدَة بيني وَبَيْنك
فمنك الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء وَعلي الإِجابة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن نَافِع بن معد يكرب قَالَ: كنت
أَنا وَعَائِشَة فَقَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه االآية {أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا
دعان} قَالَ: يَا رب مَسْأَلَة عَائِشَة فهبط جِبْرِيل
فَقَالَ: الله يُقْرِئك السَّلَام هَذَا عَبدِي الصَّالح
بِالنِّيَّةِ الصادقة وَقَلبه تَقِيّ يَقُول: يَا رب فَأَقُول
لبيْك فاقضي حَاجته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والأصبهاني فِي
التَّرْغِيب والديلمي من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني
فَإِنِّي قريب} الْآيَة
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أمرت بِالدُّعَاءِ وتكفلت بالاجابة
لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد
وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك اللَّهُمَّ أشهد أَنَّك
فَرد أحد صَمد لم تَلد وَلم تولد وَلم يكن لَك كفوا أحد
وَأشْهد أَن وَعدك حق ولقاءك حق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق
والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَنَّك تبْعَث من فِي
الْقُبُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس فِي قَوْله {فليستجيبوا لي}
قَالَ: ليدعوني {وليؤمنوا بِي} انهم إِذا دَعونِي أستجيب لَهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {فليستجيبوا لي} قَالَ:
فليطيعوني
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي {فليستجيبوا لي}
قَالَ: فليدعوني {وليؤمنوا بِي} يَقُول: إِنِّي أستجيب لَهُم
(1/474)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن الرّبيع فِي قَوْله {لَعَلَّهُم يرشدون} قَالَ:
يَهْتَدُونَ
(1/475)
أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ
لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ
عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ
وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ
الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا
تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
قَوْله تَعَالَى: أحل لكم لَيْلَة الصّيام
الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس
لَهُنَّ علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ
عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم فَالْآن باشروهن وابتغوا مَا كتب
الله لكم وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط
الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر ثمَّ أَتموا الصّيام
إِلَى اللَّيْل وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي
الْمَسَاجِد تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها كَذَلِك يبين
الله آيَاته للنَّاس لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ
أخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ والنحاس فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْبَراء بن عَازِب
قَالَ كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا
كَانَ الرجل صَائِما فَحَضَرَ الإِفطار فَنَامَ قبل أَن يفْطر
لم يَأْكُل ليلته وَلَا يَوْمه حَتَّى يُمْسِي وَإِن قيس بن
صرمة الْأنْصَارِيّ كَانَ صَائِما فَكَانَ يَوْمه ذَاك يعْمل
فِي أرضه فَلَمَّا حضر الإِفطار أَتَى امْرَأَته فَقَالَ: هَل
عنْدك طَعَام قَالَت: لَا وَلَكِن أَنطلق فأطلب لَك فغلبته
عينه فَنَامَ وَجَاءَت امْرَأَته فَلَمَّا رَأَتْهُ نَائِما
قَالَت: خيبة لَك أنمت فَلَمَّا انتصف النَّهَار غشي عَلَيْهِ
فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه
الْآيَة {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} إِلَى قَوْله {من
الْفجْر} فَفَرِحُوا بهَا فَرحا كثيرا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ: لمَّا نزل صَوْم شهر
رَمَضَان كَانُوا لَا يقربون النِّسَاء رَمَضَان كُله فَكَانَ
رجال يخونون أنفسهم فَأنْزل الله {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم
تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم}
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
بِسَنَد حسن عَن كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ النَّاس فِي
رَمَضَان إِذا صَامَ الرجل فَنَامَ حرم عَلَيْهِ الطَّعَام
وَالشرَاب وَالنِّسَاء حَتَّى يفْطر من الْغَد فَرجع عمر بن
الْخطاب من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات
لَيْلَة وَقد سمر عِنْده فَوجدَ امْرَأَته قد نَامَتْ فأيقظها
وَأَرَادَهَا فَقَالَت: إِنِّي قد نمت
(1/475)
فَقَالَ: مَا نمت ثمَّ وَقع بهَا
وصنع كَعْب بن مَالك مثل ذَلِك فغدا عمر بن الْخطاب إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأنْزل الله {علم
الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ
قبل أَن تنزل هَذِه الْآيَة إِذا صلوا الْعشَاء الْآخِرَة حرم
عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء حَتَّى يفطروا
وَأَن عمر أصَاب أَهله بعد صَلَاة الْعشَاء وَأَن صرمة بن قيس
غلبته عينه بعد صَلَاة الْمغرب فَنَامَ فَلم يشْبع من
الطَّعَام وَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى صلى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء فَقَامَ فَأكل وَشرب فَلَمَّا أصبح
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بذلك
فَأنْزل {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم}
يَعْنِي بالرفث مجامعة النِّسَاء {كُنْتُم تختانون أَنفسكُم}
يَعْنِي تجامعون النِّسَاء وتأكلون وتشربون بعد الْعشَاء
{فَالْآن باشروهن} يَعْنِي جامعوهن {وابتغوا مَا كتب الله لكم}
يَعْنِي الْوَلَد {وكلوا وَاشْرَبُوا} فَكَانَ ذَلِك عفوا من
الله وَرَحْمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن
الْمُسلمين كَانُوا فِي شهر رَمَضَان إِذا صلوا الْعشَاء حرم
عَلَيْهِم النِّسَاء وَالطَّعَام إِلَى مثلهَا من الْقَابِلَة
ثمَّ إِن نَاسا من الْمُسلمين أَصَابُوا الطَّعَام وَالنِّسَاء
فِي رَمَضَان بعد الْعشَاء مِنْهُم عمر بن الْخطاب فشكوا ذَلِك
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {أحل
لكم لَيْلَة الصّيام} إِلَى قَوْله {فَالْآن باشروهن} يَعْنِي
انكحوهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
كَانَ النَّاس أول مَا أَسْلمُوا إِذا صَامَ أحدهم يَصُوم
يَوْمه حَتَّى إِذا أَمْسَى طعم من الطَّعَام حَتَّى يُمْسِي
من اللَّيْلَة الْقَابِلَة وَأَن عمر بن الْخطاب بَيْنَمَا
هُوَ نَائِم إِذْ سوّلت لَهُ نَفسه فَأتى أَهله ثمَّ أَتَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله
إِنِّي أعْتَذر إِلَى الله وَإِلَيْك من نَفسِي هَذِه
الْخَاطِئَة فَإِنَّهَا زينت لي فواقعت أَهلِي هَل تَجِد لي من
رخصَة قَالَ: لم تكن حَقِيقا بذلك يَا عمر
فَلم بلغ بَيته أرسل إِلَيْهِ فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِي
آيَة من الْقُرْآن وَأمر الله رَسُوله أَن يَضَعهَا فِي
الْمِائَة الْوُسْطَى من سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ {أحل لكم
لَيْلَة الصّيام} إِلَى قَوْله {تختانون أَنفسكُم} يَعْنِي
بذلك الَّذِي فعل عمر فَأنْزل الله عَفوه فَقَالَ {فَتَابَ
عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله {من الْخَيط الْأسود} فأحل لَهُم
المجامعة وَالْأكل وَالشرب حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم الصُّبْح
(1/476)
وَأخرج ابْن جرير عَن ثَابت أَن عمر بن
الْخطاب وَاقع أَهله لَيْلَة فِي رَمَضَان فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ
ذَلِك فَأنْزل الله {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى
نِسَائِكُم}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن
عَبَّاس {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام
كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} قَالَ: فَكَانَ النَّاس على
عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلوا الْعَتَمَة
حرم عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء وصاموا إِلَى
الْقَابِلَة فاختان رجل نَفسه فجامع امْرَأَته وَقد صلى
الْعشَاء وَلم يفْطر فَأَرَادَ الله أَن يَجْعَل ذَلِك تيسيراً
لمن بَقِي ورخصة وَمَنْفَعَة فَقَالَ {علم الله أَنكُمْ
كُنْتُم تختانون} الْآيَة
فَرخص لَهُم وَيسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج {وكلوا وَاشْرَبُوا}
قَالَ: نزلت فِي أبي قيس بن صرمة من بني الْخَزْرَج
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى
قَالَ كَانُوا إِذا صَامُوا فَنَامَ أحدهم قبل أَن يطعم لم
يَأْكُل شَيْئا إِلَى مثلهَا من الْغَد وَإِذا نَام قبل أَن
يُجَامع لم يُجَامع إِلَى مثلهَا فَانْصَرف شيخ من الْأَنْصَار
يُقَال لَهُ صرمة بن مَالك ذَات لَيْلَة إِلَى أَهله وَهُوَ
صَائِم فَقَالَ: عشوني
فَقَالُوا: حَتَّى نجْعَل لَك طَعَاما سخناً تفطر عَلَيْهِ
فَوضع الشَّيْخ رَأسه فغلبته عَيناهُ فَنَامَ فجاؤوا
بِالطَّعَامِ وَقد نَام فَقَالُوا: كل
فَقَالَ: قد كنت نمت فَترك الطَّعَام وَبَات ليلته يتقلب ظهرا
لبطن فَلَمَّا أصبح أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول
الله إِنِّي أردْت أَهلِي البارحة على مَا يُرِيد الرجل أَهله
فَقَالَت: إِنَّهَا قد نَامَتْ فظننتها تعتل فَوَاقَعْتهَا
فأخبرتني أَنَّهَا كَانَت نَامَتْ فَأنْزل الله فِي صرمة بن
مَالك {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط
الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} وَنزل فِي عمر بن
الْخطاب {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم}
إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {علم
الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم} قَالَ: كَانَ هَذَا
قبل صَوْم رَمَضَان أمروا بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر من
كل عشرَة أَيَّام يَوْمًا وَأمرُوا بِرَكْعَتَيْنِ غدْوَة
وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّة فَكَانَ هَذَا بَدْء الصَّلَاة
وَالصَّوْم فَكَانُوا فِي صومهم هَذَا وَبعد مَا فرض الله
رَمَضَان إِذا رقدوا لم يمسوا النِّسَاء وَالطَّعَام إِلَى
مثلهَا من الْقَابِلَة وَكَانَ أنَاس من الْمُسلمين يصيبون من
(1/477)
النِّسَاء وَالطَّعَام بعد رقادهم وَكَانَت
تِلْكَ خِيَانَة الْقَوْم أنفسهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك
الْقُرْآن {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ
أَصْحَاب مُحَمَّد يَصُوم الصَّائِم فِي شهر رَمَضَان فَإِذا
أَمْسَى أكل وَشرب وجامع النِّسَاء فَإِذا رقد حرم ذَلِك
عَلَيْهِ حَتَّى مثلهَا من الْقَابِلَة وَكَانَ مِنْهُم رجال
يَخْتَانُونَ أنفسهم فِي ذَلِك فَعَفَا الله عَنْهُم أحل لَهُم
ذَلِك بعد الرقاد وَقَبله فِي اللَّيْل كُله
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: كَانَ
الْمُسلمُونَ فِي أول الإِسلام يَفْعَلُونَ كَمَا يفعل أهل
الْكتاب إِذا نَام أحدهم لم يطعم حَتَّى يكون الْقَابِلَة
فَنزلت {وكلوا وَاشْرَبُوا} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فصل مَا بَين صيامنا وَصِيَام أهل
الْكتاب أَكلَة السحر
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرَّفَث
الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الدُّخُول
والتغشي والإِفضاء والمباشرة والرفث واللمس والمس والمسيس:
الْجِمَاع والرفث فِي الصّيام: الْجِمَاع والرفث فِي الْحَج:
الإِغراء بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هن لِبَاس
لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} قَالَ: هن سكن لكم وَأَنْتُم
سكن لَهُنَّ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {هن لِبَاس لكم}
قَالَ: هن سكن لكم تسكنون إلَيْهِنَّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت نَابِغَة بن ذبيان وَهُوَ يَقُول: إِذا مَا الضجيع
ثنى عطفها تثنت عَلَيْهِ فَكَانَت لباسا وَأخرج عبد الرَّزَّاق
فِي المُصَنّف عَن يحيى بن الْعَلَاء عَن ابْن أنعم أَن سعد بن
مَسْعُود الْكِنْدِيّ قَالَ: أَتَى عُثْمَان بن مَظْعُون
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله
إِنِّي لأَسْتَحي أَن ترى أَهلِي عورتي
قَالَ: لم وَقد جعلك الله لَهُم لباساً وجعلهم لَك قَالَ: أكره
ذَلِك
قَالَ: لإغنهم يرونه مني وَأرَاهُ مِنْهُم
قَالَ: أَنْت يَا رَسُول الله
(1/478)
قَالَ: أَنا
قَالَ: أَنْت فَمن بعْدك إِذا فَلَمَّا أدبر عُثْمَان قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ابْن مَظْعُون لحيي
ستير
وَأخرجه ابْن سعد عَن سعد بن مَسْعُود وَعمارَة بن غراب
الْيحصبِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {تختانون} فال:
تقعون عَلَيْهِنَّ خِيَانَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَالْآن
باشروهن} قَالَ: انكحوهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر ابْن وَأبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمُبَاشرَة
الْجِمَاع وَلَكِن الله كريم يستكني
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ:
الْمُبَاشرَة فِي كل كتاب الله الْجِمَاع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: لَيْلَة
الْقدر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أنس فِي قَوْله {وابتغوا
مَا كتب الله لكم} قَالَ: لَيْلَة الْقدر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وابتغوا مَا
كتب الله لكم} قَالَ: وابتغوا الرُّخْصَة الَّتِي كتب الله لكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: قلت لِابْنِ
عَبَّاس كَيفَ تقْرَأ هَذِه الْآيَة {وابتغوا مَا كتب الله
لكم} قَالَ: أَو وَاتبعُوا قَالَ: أَيَّتهمَا شِئْت عَلَيْك
بِالْقِرَاءَةِ الأولى
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت قد كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُدْرِكهُ الْفجْر فِي رَمَضَان وَهُوَ
جنب من أَهله ثمَّ يغْتَسل ويصوم
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن
(1/479)
أم سَلمَة أَنَّهَا سُئِلت عَن الرجل يصبح
جنبا أيصوم فَقَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يصبح جنبا من جماع غير احْتِلَام فِي رَمَضَان ثمَّ
يَصُوم
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله
إِنِّي أصبح جنبا وَأَنا أُرِيد الصّيام فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا أصبح جنبا وَأُرِيد الصّيام
فأغتسل وَأَصُوم ذَلِك الْيَوْم فَقَالَ الرجل: إِنَّك لست
مثلنَا قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر
فَغَضب وَقَالَ: وَالله إِنِّي لأرجو أَن أكون أخشاكم لله
وَأعْلمكُمْ بِمَا أتقي
وَأخرج أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف
والابتداء والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع
بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {حَتَّى يتَبَيَّن لكم
الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} قَالَ: بَيَاض
النَّهَار من سَواد اللَّيْل وَهُوَ الصُّبْح إِذا [] قَالَ:
وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول أُميَّة:
الْخَيط الْأَبْيَض ضوء الصُّبْح منغلق وَالْخَيْط الْأسود لون
اللَّيْل مكموم وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سهل بن سعد قَالَ: أنزلت {وكلوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من
الْخَيط الْأسود} وَلم ينزل من الْفجْر فَكَانَ رجال إِذا
أَرَادوا الصَّوْم ربط أحدهم فِي رجلَيْهِ الْخَيط الْأَبْيَض
وَالْخَيْط الْأسود فَلَا يزَال يَأْكُل وَيشْرب حَتَّى
يتَبَيَّن لَهُ رُؤْيَتهمَا فَأنْزل الله بعد {من الْفجْر}
فَعَلمُوا إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن
أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عدي بن حَاتِم قَالَ لما أنزلت هَذِه الْآيَة {وكلوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من
الْخَيط الْأسود} عَمَدت إِلَى عِقَالَيْنِ أَحدهمَا أسود
وَالْآخر أَبيض فَجَعَلتهمَا تَحت وِسَادَتِي فَجعلت أنظر
إِلَيْهِمَا فَلَا يتَبَيَّن لي الْأَبْيَض من الْأسود
فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأَخْبَرته بِالَّذِي صنعت فَقَالَ: إِن وِسَادك إِذا
لَعَرِيض إِنَّمَا ذَاك بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ
أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلمني الإِسلام
ونعت لي الصَّلَوَات الْخمس كَيفَ أُصَلِّي كل صَلَاة
لوَقْتهَا ثمَّ قَالَ: إِذا جَاءَ رَمَضَان فَكل واشرب حَتَّى
يتَبَيَّن لَك الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط
(1/480)
الْأسود من الْفجْر ثمَّ أتم الصّيام إِلَى
اللَّيْل وَلم أدر مَا هُوَ ففتلت خيطين من أَبيض وأسود
فَنَظَرت فيهمَا عِنْد الْفجْر فرأيتهما سَوَاء فَأتيت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله كل شَيْء
أوصيتني قد حفظت غير الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود
قَالَ: وَمَا مَنعك يَا ابْن حَاتِم وَتَبَسم كَأَنَّهُ قد علم
مَا فعلت
قلت: فتلت خيطين من أَبيض وأسود فَنَظَرت فيهمَا من اللَّيْل
فوجدتهما سَوَاء فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى رُؤِيَ نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ: ألم أقل لَك من الْفجْر
إِنَّمَا هُوَ ضوء النَّهَار من ظلمَة اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن عدي بن
حَاتِم قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا الْخَيط الْأَبْيَض من
الْخَيط الْأسود أَهما الْخيطَان فَقَالَ: إِنَّك لَعَرِيض
الْقَفَا إِن أَبْصرت الْخَيْطَيْنِ ثمَّ قَالَ: لَا بل هُوَ
سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر الْجَعْدِي أَنه سَأَلَ عَن
هَذِه الآيه {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من
الْخَيط الْأسود} يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَليّ بن
أبي طَالب أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: مَتى أدع السّحُور
فَقَالَ رجل: إِذا شَككت فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا شَككت
حِين يتَبَيَّن لَك
وَأخرج وَكِيع عَن أبي الضُّحَى قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن
الْفجْر المستفيض فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
هما فجران فَأَما الَّذِي يسطع فِي السَّمَاء فَلَيْسَ يحل
وَلَا يحرم شَيْئا وَلَكِن الْفجْر الَّذِي يستبين على رُؤُوس
الْجبَال هُوَ الَّذِي يحرم الشَّرَاب
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن سَمُرَة بن
جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لايمنعكم من سحوركم أَذَان بِلَال وَلَا الْفجْر المستطيل
وَلَكِن الْفجْر المستظهر فِي الْأُفق
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يمنعكم أَذَان بِلَال من
سحوركم فَإِنَّهُ يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
تسمعوا أَذَان ابْن أم مَكْتُوم فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى
يطلع الْفجْر
(1/481)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن طلق بن عَليّ أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا
يمنعكم الساطع المصعد وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يعْتَرض لكم
الْأَحْمَر
وَأخرج أَحْمد: لَيْسَ الْفجْر المستطيل فِي الْأُفق وَلكنه
الْمُعْتَرض الْأَحْمَر
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن ثَوْبَان
أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
الْفجْر فجران فَأَما الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنْب السرحان
فَإِنَّهُ لَا يحل شَيْئا وَلَا يحرمه وَأما المستطيل الَّذِي
يَأْخُذ الْأُفق فانه يحل الصَّلَاة وَيحرم الطَّعَام وَأخرجه
الْحَاكِم من طَرِيقه عَن جَابر مَوْصُولا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
الْفجْر فجران فجر يحرم فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب وَيحل فِيهِ
الصَّلَاة وفجر يحل فِيهِ الطَّعَام وَيحرم فِيهِ الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ أَن يَصُوم فليتسحر وَلَو بِشَيْء
وَأخرج {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أقبل اللَّيْل من هَهُنَا
وَأدبر النَّهَار من هَهُنَا وغربت الشَّمْس فقد أفطر
الصَّائِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
فِيمَن أفطر ثمَّ طلعت الشَّمْس قَالَ: يقْضِي لِأَن الله
يَقُول {أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بَينا أَنا نَائِم إِذْ
أَتَانِي رجلَانِ فأخذا بضبعي فأتياني جبلا وعراً فَقَالَا لي:
اصْعَدْ
فَقلت: إِنِّي لَا أُطِيقهُ
فَقَالَا: إِنَّا سنسهله لَك فَصَعدت حَتَّى إِذا كنت فِي
سَوَاء الْجَبَل إِذا أَنا بِأَصْوَات شَدِيدَة فَقلت: مَا
هَذِه الْأَصْوَات قَالُوا: هَذَا عواء أهل النَّار ثمَّ
انْطَلقَا بِي فَإِذا أَنا بِقوم معلقين بعراقيبهم مشققة
أشداقهم تسيل أشداقهم دَمًا
قلت: من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يفطرون قبل
تَحِلَّة صومهم
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ليلى امْرَأَة بشير بن الخصاصية قَالَت
أردْت أَن أَصوم يَوْمَيْنِ مُوَاصلَة فَمَنَعَنِي بشير
وَقَالَ: أَن رَسُول
(1/482)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ
وَقَالَ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك النَّصَارَى وَلَكِن صُومُوا
كَمَا أَمركُم الله وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل فَإِذا
كَانَ اللَّيْل فافطروا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر عَن أبي
ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاصل يَوْمَيْنِ
وَلَيْلَة فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن الله قد قبل وصالك
وَلَا يحل لأحد بعْدك وَذَلِكَ بِأَن الله قَالَ: وَأَتمُّوا
الصّيام إِلَى اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ:
قَالَت عَائِشَة {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} يَعْنِي
أَنَّهَا كرهت الْوِصَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة
أَنه ذكر عِنْده الْوِصَال فَقَالَ: فرض الله الصَّوْم
بِالنَّهَارِ فَقَالَ {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل}
فَإِذا جَاءَ اللَّيْل فَأَنت مفطر فَإِن شِئْت فَكل وَإِن
شِئْت فَلَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال الدّين
ظَاهرا مَا عجل النَّاس الْفطر إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى
يؤخرون
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا
عجلوا الْفطر
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو
دَاوُد عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نهى عَن الْوِصَال قَالُوا: إِنَّك تواصل قَالَ: لست مثلكُمْ
إِنِّي أطْعم وأسقى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ عَن أنس عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تواصلوا
قَالُوا: إِنَّك تواصل قَالَ: إِنِّي لست كَأحد مِنْكُم إِنِّي
أَبيت أطْعم وأسقى
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد أَنه سمع
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تواصلوا
فَأَيكُمْ أَرَادَ أَن يواصل حَتَّى السحر
قَالُوا: فَإنَّك تواصل يَا رَسُول الله قَالَ: إِنِّي لست
كهيئتكم إِنِّي أَبيت لي مطعم يطعمني وسَاق يسقيني
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة
قَالَت نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوِصَال
رَحْمَة لَهُم فَقَالُوا: إِنَّك تواصل قَالَ: إِنِّي لست
كهيئتكم إِنِّي يطعمني رَبِّي ويسقيني
(1/483)
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة
وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ نهى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوِصَال فِي الصَّوْم
فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُسلمين: إِنَّك تواصل يَا رَسُول الله
قَالَ: وَأَيكُمْ مثلي
إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الصّيام من الْأكل
وَالشرب إِنَّمَا الصّيام من اللَّغْو والرفث فَإِن سابك أحد
أَو جهل عَلَيْك فَقل: إِنِّي صَائِم إِنِّي صَائِم
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لم
يدع
وَفِي لفظ: إِذا لم يدع الصَّائِم قَول الزُّور وَالْعَمَل
بِهِ وَالْجهل فَلَيْسَ لله حَاجَة فِي أَن يدع طَعَامه
وَشَرَابه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رب قَائِم
حَظه من الْقيام السهر وَرب صَائِم حَظه من الصّيام الْجُوع
والعطش
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الْغَيْبَة
تخرق الصَّوْم وَالِاسْتِغْفَار يرقعه فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم
أَن يَجِيء غَدا بصومه مرقعاً فَلْيفْعَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله
قَالَ: إِذا صمت فليصم سَمعك وبصرك وَلِسَانك عَن الْكَذِب
والمحارم ودع أَذَى الْخَادِم وَليكن عَلَيْك وقار وسكينة
يَوْم صيامك وَلَا تجْعَل فطرك وصومك سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن طلق بن قيس قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَر: إِذا صمت فتحفظ مَا اسْتَطَعْت فَكَانَ طلق
إِذا كَانَ يَوْم صَوْمه دخل فَلم يخرج إِلَّا للصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ:
خصلتان من حفظهما يسلم لَهُ صَوْمه الْغَيْبَة وَالْكذب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة
قَالَ: الصَّائِم فِي عبَادَة مَا لم يغتب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صَامَ من ظلّ يَأْكُل لُحُوم النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا
يَقُولُونَ: الْكَذِب يفْطر الصَّائِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايقولن أحدكُم: إِنِّي قُمْت
رَمَضَان كُله وصمته
فَلَا أَدْرِي أكره التَّزْكِيَة أَو قَالَ: لابد من نومَة أَو
رقدة
(1/484)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون} قَالَ:
الْمُبَاشرَة الْمُلَامسَة والمس الْجِمَاع وَلَكِن الله يكني
مَا شَاءَ بِمَا يَشَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَا تباشروهن} الْآيَة
قَالَ: هَذَا فِي الرجل يعْتَكف فِي الْمَسْجِد فِي رَمَضَان
أَو غير رَمَضَان فَحرم الله عَلَيْهِ أَن ينْكح النِّسَاء
لَيْلًا أَو نَهَارا حَتَّى يقْضِي اعْتِكَافه
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانُوا يُجَامِعُونَ وهم معتكفون
حَتَّى نزلت {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي
الْمَسَاجِد}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
قَالَ: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف فَخرج من الْمَسْجِد جَامع إِن
شَاءَ فَنزلت
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: كَانَ نَاس يصيبون
نِسَاءَهُمْ وهم عاكفون فنهاهم الله عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا إِذا
اعتكفوا فَخرج الرجل إِلَى الْغَائِط جَامع امْرَأَته ثمَّ
اغْتسل ثمَّ رَجَعَ إِلَى اعْتِكَافه فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: نهى
عَن جماع النِّسَاء فِي الْمَسَاجِد كَمَا كَانَت الْأَنْصَار
تصنع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا جَامع الْمُعْتَكف بَطل اعْتِكَافه
ويستأنف
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم فِي معتكف وَقع بأَهْله
قَالَ: يسْتَقْبل اعْتِكَافه ويستغفر الله وَيَتُوب إِلَيْهِ
ويتقرب مَا اسْتَطَاعَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي الْمُعْتَكف إِذا
جَامع قَالَ: قَالَ: يتَصَدَّق بدينارين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي رجل غشي امْرَأَته
وَهُوَ معتكف أَنه بِمَنْزِلَة الَّذِي غشي فِي رَمَضَان
عَلَيْهِ على الَّذِي فِي رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: من أصَاب
امْرَأَته وَهُوَ معتكف فَعَلَيهِ من الْكَفَّارَة مثل مَا على
الَّذِي يُصِيب فِي رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا يقبل
الْمُعْتَكف وَلَا يُبَاشر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: الْمُعْتَكف لَا
يَبِيع وَلَا يبْتَاع
قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد}
(1/485)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب
وَعَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى
توفاه الله عز وَجل ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده وَالسّنة فِي
الْمُعْتَكف أَن لَا يخرج إِلَّا لحَاجَة الإِنسان وَلَا يتبع
جَنَازَة وَلَا يعود مَرِيضا وَلَا يمس امْرَأَة وَلَا
يُبَاشِرهَا وَلَا اعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِد جمَاعَة
وَالسّنة إِلَى آخِره
فقد قيل: أَنه من قَول عُرْوَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ
من كَلَام الزُّهْرِيّ زمن أدرجه فِي الحَدِيث فقد وهم
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي
الْمُعْتَكف أَنه معتكف الذُّنُوب وَيجْرِي لَهُ من الْأجر
كَأَجر عَامل الْحَسَنَات كلهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه والخطيب فِي تَارِيخه عَن ابْن
عَبَّاس أَنه كَانَ معتكفاً فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ رجل فِي حَاجَة فَقَامَ مَعَه
وَقَالَ: سَمِعت صَاحب هَذَا الْقَبْر يَقُول من مَشى فِي
حَاجَة أَخِيه وَبلغ فِيهَا كَانَ خيرا من اعْتِكَاف عشر
سِنِين وَمن اعْتكف يَوْمًا ابْتِغَاء وَجه الله جعل الله
بَينه وَبَين النَّار ثَلَاث خنادق أبعد مِمَّا بَين
الْخَافِقين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اعْتكف
عشرا فِي رَمَضَان كَانَ كحجتين وعمرتين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: للمعتكف كل يَوْم
حجَّة قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يَقُوله الْحسن إِلَّا عَن
بَلَاغ بلغه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زِيَاد بن السكن قَالَ: كَانَ زبيد
اليامي وَجَمَاعَة إِذا كَانَ يَوْم النيروز وَيَوْم المهرجان
اعتكفوا فِي مَسَاجِدهمْ ثمَّ قَالُوا: إِن هَؤُلَاءِ قد
اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيمَاننَا فَاغْفِر لنا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: إِن مثل
الْمُعْتَكف مثل الْمحرم ألْقى نَفسه بَين يَدي الرَّحْمَن
فَقَالَ: وَالله لَا أَبْرَح حَتَّى ترحمني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الجوائج عَن
الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى
الْحُسَيْن بن عَليّ فَسَأَلَهُ أَن يذهب مَعَه فِي حَاجَة
فَقَالَ: إِنِّي معتكف فَأتى الْحسن فَأخْبرهُ الْحسن: لَو مشي
مَعَك لَكَانَ خيرا لَهُ من اعْتِكَافه وَالله لِأَن أَمْشِي
مَعَك فِي حَاجَتك أحب إِلَيّ من اعْتكف شهرا
(1/486)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي جُزْء التراجم
بِسَنَد ضَعِيف جدا عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن أَمْشِي مَعَ أَخ لي فِي حَاجَة أحب
إليّ من أَن اعْتكف شهرا فِي مَسْجِدي هَذَا وَمن مَشى مَعَ
أَخِيه الْمُسلم فِي حَاجَة حَتَّى يَقْضِيهَا ثَبت الله
قَدَمَيْهِ يَوْم تزل الْأَقْدَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد بن وَاسع الْأَزْدِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعَان
أَخَاهُ يَوْمًا كَانَ خيرا لَهُ من اعْتِكَاف شهر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ: سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كل مَسْجِد لَهُ مُؤذن
وَإِمَام فالاعتكاف فِيهِ يصلح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْمسيب قَالَ: لَا اعْتِكَاف
إِلَّا فِي مَسْجِد
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا اعْتِكَاف إِلَّا
بصيام
وَأخرج مَالك عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَنَافِع مولى ابْن
عمر قَالَا: لَا اعْتِكَاف إِلَّا بصيام لقَوْل الله تَعَالَى
{وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض}
إِلَى قَوْله {وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} فَإِنَّمَا
ذكر الله عز وَجل الِاعْتِكَاف مَعَ الصّيام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمُعْتَكف
عَلَيْهِ الصَّوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: لَا اعْتِكَاف إِلَّا
بِصَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن من وَجه آخر عَن عَليّ وَابْن
مَسْعُود قَالَا: الْمُعْتَكف لَيْسَ عَلَيْهِ صَوْم إِلَّا
أَن يشرطه على نَفسه
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ
على الْمُعْتَكف صِيَام إِلَّا أَن يَجعله على نَفسه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: الْمُعْتَكف يعود الْمَرِيض وَيشْهد
الْجِنَازَة وَيَأْتِي الْجُمُعَة وَيَأْتِي أَهله وَلَا
يجالسهم
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة
قَالَت إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليدْخل
عليّ رَأسه وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فأرجله وَكَانَ لَا يدْخل
الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة إِذا كَانَ معتكفاً
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن
ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان
(1/487)
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَكف فِي كل رَمَضَان
عشرَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ
اعْتكف عشْرين
وَأخرج مَالك عَن أهل الْفضل وَالدّين أَنهم كَانُوا إِذا
اعتكفوا الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان لَا يرجعُونَ
حَتَّى يشْهدُوا الْعِيد مَعَ النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يستحبون
للمعتكف أَن يبيت لَيْلَة الْفطر حَتَّى يكون غدوه مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مجلز قَالَ: بت لَيْلَة الْفطر
فِي الْمَسْجِد الَّذِي اعتكفت فِيهِ حَتَّى يكون غدوّك إِلَى
مصلاك مِنْهُ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظر الرجل إِلَى أَخِيه على شوق
خير من اعْتِكَاف سنة فِي مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة أَن بعض أَزوَاج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مُسْتَحَاضَة وَهِي عاكف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {تِلْكَ
حُدُود الله} يَعْنِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {تِلْكَ حُدُود الله}
قَالَ: مَعْصِيّة الله يَعْنِي الْمُبَاشرَة فِي الِاعْتِكَاف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {تِلْكَ حُدُود الله فَلَا
تقربوها} يَعْنِي الْجِمَاع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله
{كَذَلِك} يَعْنِي هَكَذَا يبين الله
(1/488)
وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى
الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تَأْكُلُوا
(1/488)
أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا
بهَا إِلَى الْحُكَّام لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال النَّاس
بالإثم وَأَنْتُم تعلمُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم
بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} قَالَ: هَذَا فِي
الرجل يكون عَلَيْهِ مَال وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنَة
فيجحد المَال ويخاصمهم إِلَى الْحُكَّام وَهُوَ يعرف أَن الْحق
عَلَيْهِ وَقد علم أَنه إِثْم أكل حرَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ
وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} قَالَ: لَا تخاصم وَأَنت تعلم
أَنَّك ظَالِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لَا
تدل بِمَال أَخِيك إِلَى الْحُكَّام وَأَنت تعلم أَنَّك ظَالِم
فَإِن قَضَاءَهُ لَا يحل لَك شَيْئا كَانَ حَرَامًا عَلَيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} يَعْنِي بالظلم
وَذَلِكَ أَن امْرأ الْقَيْس بن عَابس وعبدان بن أَشوع
الْحَضْرَمِيّ اخْتَصمَا فِي أَرض وَأَرَادَ امْرُؤ الْقَيْس
أَن يحلف فَفِيهِ نزلت {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم
بِالْبَاطِلِ} وَفِي قَوْله {لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال
النَّاس بالإِثم} يَعْنِي طَائِفَة {وَأَنْتُم تعلمُونَ}
يَعْنِي تعلمُونَ أَنكُمْ تدعون الْبَاطِل
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا أَنا
بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إليّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون
أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع مِنْهُ فَمن
قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يأخذنه فَإِنَّمَا أقطع
لَهُ قِطْعَة من النَّار
وَأخرج أَحْمد عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يحل لامرىء أَن يَأْخُذ مَال
أَخِيه بِغَيْر حَقه وَذَلِكَ لما حرم الله مَال الْمُسلم على
الْمُسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه
كَانَ يكره أَن يَبِيع الرجل الثَّوْب وَيَقُول لصَاحبه: إِن
كرهته فَرد مَعَه دِينَارا فَهَذَا مِمَّا قَالَ الله {وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ}
وَأخرج ايْنَ أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد رب
الْكَعْبَة قَالَ: قلت لعبد الله بن عَمْرو: هَذَا ابْن عمك
يَأْمُرنَا أَن نَأْكُل أَمْوَالنَا بَيْننَا بِالْبَاطِلِ
وَأَن نقْتل أَنْفُسنَا وَقد قَالَ الله {وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى
الْحُكَّام} إِلَى آخر الْآيَة
فَجمع يَدَيْهِ فوضعهما على جَبهته ثمَّ قَالَ: أطعه فِي
طَاعَة الله واعصه فِي مَعْصِيّة الله
(1/489)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(189)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن
الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج وَلَيْسَ الْبر
بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى
وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ
تفلحون
أخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة} قَالَ: نزلت فِي معَاذ
بن جبل وثعلبة بن غنمة وهما رجلَانِ من الْأَنْصَار قَالَا:
يَا رَسُول الله مَا بَال الْهلَال يَبْدُو ويطلع دَقِيقًا مثل
الْخَيط ثمَّ يزِيد حَتَّى يعظم وَيَسْتَوِي ويستدير ثمَّ لَا
يزَال ينقص ويدق حَتَّى يعود كَمَا كَانَ لَا يكون على حَال
وَاحِد فَنزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت
للنَّاس} فِي مَحل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدة نِسَائِهِم
والشروط الَّتِي تَنْتَهِي إِلَى أجل مَعْلُوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ سَأَلُوا
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم جعلت الْأَهِلّة فَأنْزل
الله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة} الْآيَة
فَجَعلهَا لصوم الْمُسلمين ولإِفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة
نِسَائِهِم وَمحل دينهم فِي أَشْيَاء وَالله أعلم بِمَا يصلح
خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ ذكر لنا
أَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم خلقت
الْأَهِلّة فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة}
الْآيَة
جعلهَا الله مَوَاقِيت لصوم الْمُسلمين وإفطارهم ولحجهم
ومناسكهم ولعدة نِسَائِهِم وَمحل دينهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
سَأَلَ النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الْأَهِلّة فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة
قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس} يعلمُونَ بهَا حل دينهم وعدة
نِسَائِهِم وَوقت حجهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن
الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس} قَالَ: لحجكم وصومكم
وَقَضَاء ديونكم وعدة نِسَائِكُم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
عزَّ وَجل {مَوَاقِيت للنَّاس} قَالَ: فِي عدَّة نِسَائِهِم
وَمحل دينهم وشروط النَّاس قَالَ: وَهل تعرف العربُ ذَلِك
قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول:
(1/490)
وَالشَّمْس تجْرِي على وَقت مسخرة إِذا
قَضَت سفرا اسْتقْبلت سفرا وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الْأَهِلّة مَوَاقِيت
للنَّاس فصوموا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته فَإِن غم
عَلَيْكُم فعدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ
بِسَنَد ضَعِيف عَن طلق بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الْأَهِلّة مَوَاقِيت للنَّاس
فَإِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ
فافطروا فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا
الْبيُوت} الْآيَة
أخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن الْبَراء قَالَ:
كَانُوا إِذا أَحْرمُوا فِي الْجَاهِلِيَّة أَتَوا الْبَيْت من
ظَهره فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت
من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من
أَبْوَابهَا}
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء
كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَرَجَعُوا لم يدخلُوا
الْبيُوت إِلَّا من ظُهُورهَا فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَدخل
من بَابه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جَابر
قَالَ كَانَت قُرَيْش تَدعِي الحمس وَكَانُوا يدْخلُونَ من
الْأَبْوَاب فِي الإِحرام وَكَانَت الْأَنْصَار وَسَائِر
الْعَرَب لَا يدْخلُونَ من بَاب فِي الإِحرام فَبينا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بُسْتَان إِذْ خرج من بَابه
وَخرج مَعَه قُطْبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ فَقَالُوا: يَا
رَسُول الله إِن قُطْبَة بن عَامر رجل فَاجر وَإنَّهُ خرج
مَعَك من الْبَاب فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على مَا صنعت قَالَ:
رَأَيْتُك فعلته ففعلته كَمَا فعلت
قَالَ: إِنِّي رجل أحمس
قَالَ لَهُ: فَإِن ديني دينك
فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من
ظُهُورهَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن
رجَالًا من أهل الْمَدِينَة كَانُوا إِذا خَافَ أحدهم من عدوّه
شَيْئا أحرم فأمن فَإِذا أحرم لم يلج من بَاب بَيته وَاتخذ
نقباً من ظهر بَيته فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة كَانَ بهَا رجل محرم كَذَلِك وَأَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل بستاناً فدخله من
بَابه وَدخل مَعَه ذَلِك الْمحرم فناداه رجل من وَرَائه: يَا
فلَان إِنَّك محرم وَقد دخلت مَعَ النَّاس
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن كنت محرما فَأَنا محرم وَإِن كنت
أحمس فَأَنا أحمس
فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من
ظُهُورهَا}
(1/491)
إِلَى آخر الْآيَة
فأحل للْمُؤْمِنين أَن يدخلُوا من أَبْوَابهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قيس بن
جُبَير النَّهْشَلِي أَن النَّاس كَانُوا إِذا أَحْرمُوا لم
يدخلُوا حَائِطا من بَابه وَلَا دَارا من بَابهَا وَكَانَت
الحمس يدْخلُونَ الْبيُوت من أَبْوَابهَا فَدخل رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه دَارا وَكَانَ رجل من
الْأَنْصَار يُقَال لَهُ رِفَاعَة بن تَابُوت فتسوّر الْحَائِط
ثمَّ دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا
خرج من بَاب الدَّار خرج مَعَه رِفَاعَة فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك على ذَلِك قَالَ: يَا
رَسُول الله رَأَيْتُك خرجت مِنْهُ فَخرجت مِنْهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رجل أحمس
فَقَالَ: إِن تكن رجلا أحمس فَإِن ديننَا وَاحِد فَأنْزل الله
{وَلَيْسَ الْبر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ نَاس من
الْأَنْصَار إِذا أهلوا بِالْعُمْرَةِ لم يحل بَينهم وَبَين
السَّمَاء شَيْء يتحرجون من ذَلِك وَكَانَ الرجل يخرج مهلا
بِالْعُمْرَةِ فتبدو لَهُ الْحَاجة فَيرجع وَلَا يدْخل من بَاب
الْحُجْرَة من أجل سقف الْبَاب أَن يحول بَينه وَبَين
السَّمَاء فَيفتح الْجِدَار من وَرَائه ثمَّ يقوم فِي حجرته
فيأمر بحاجته فَتخرج إِلَيْهِ من بَيته حَتَّى بلغنَا أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل زمن الحديبة
بِالْعُمْرَةِ فَدخل حجرَة فَدخل رجل على أَثَره من
الْأَنْصَار من بني سَلمَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أحمس
وَكَانَ الحمس لَا يبالون ذَلِك فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: وَأَنا
أحمس
يَقُول: وَأَنا على دينك
فَأنْزل الله {لَيْسَ الْبر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ إِن نايا من الْعَرَب
كَانُوا إِذا حجُّوا لم يدخلُوا بُيُوتهم من أَبْوَابهَا
كَانُوا ينقبون فِي أدبارها فَلَمَّا حج رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الوادع أقبل يمشي وَمَعَهُ رجل من
أُولَئِكَ وَهُوَ مُسلم فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَاب الْبَيْت احْتبسَ الرجل خَلفه وأبى أَن
يدْخل
قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أحمس
وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذين يَفْعَلُونَ ذَلِك يسمون الحمس
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا أَيْضا
أحمس فَادْخُلْ فَدخل الرجل فَأنْزل الله {وَأتوا الْبيُوت من
أَبْوَابهَا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي
الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل من أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا أَتَى
الْبَيْت من بيُوت بعض أَصْحَابه أَو ابْن عَمه رفع الْبَيْت
من خَلفه أَي بيُوت الشّعْر ثمَّ يدْخل فنهوا عَن ذَلِك
وَأمرُوا أَن يَأْتُوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا ثمَّ يسلمُوا
(1/492)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن
كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف لم يدْخل
منزله من بَاب الْبَيْت فَأنْزل الله {لَيْسَ الْبر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: كَانَ أهل يثرب إِذا
رجعُوا من عيدهم دخلُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا ويرون أَن ذَلِك
أدنى إِلَى الْبر فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل
فِي الْجَاهِلِيَّة يهم بالشَّيْء يصنعه فَيحْبس عَن ذَلِك
فَكَانَ لَا يَأْتِي بَيته من قبل بَابه حَتَّى يَأْتِي
الَّذِي كَانَ هم بِهِ وأراده
(1/493)
وَقَاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
قَوْله تَعَالَى: وقاتلوا فِي سَبِيل الله
الَّذين يقاتلونكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب
الْمُعْتَدِينَ
أخرج آدم بن أبي اياس فِي تَفْسِيره وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
الْعَالِيَة فِي قَوْله {وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين
يقاتلونكم} قَالَ: لأَصْحَاب مُحَمَّد أمروا بِقِتَال
الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تَعْتَدوا} يَقُول: لَا تقتلُوا
النِّسَاء وَالصبيان وَلَا الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا من ألْقى
السّلم وكف يَده فَإِن فَعلْتُمْ فقد اعتديتم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر
قَالَ وجدت امْرَأَة مقتولة فِي بعض مغازي رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ كُنَّا إِذا استنفرنا
نزلنَا بِظهْر الْمَدِينَة حَتَّى يخرج إِلَيْنَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول انْطَلقُوا بِسم الله وَفِي
سَبِيل الله تقاتلون أَعدَاء الله لَا تقتلُوا شَيخا فانياً
وَلَا طفْلا صَغِيرا وَلَا امْرَأَة وَلَا تغلوا
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن يحيى الغساني
قَالَ: كتبت إليّ عمر بن عبد الْعَزِيز أسأله عَن هَذِه
الْآيَة {وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين يقاتلونكم وَلَا
تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} فَكتب إِلَيّ أَن
ذَلِك فِي النِّسَاء والذرية من لم ينصب لَك الْحَرْب مِنْهُم
(1/493)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ
فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ
الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)
قَوْله تَعَالَى: واقتلوهم حَيْثُ ثقفتموهم
وأخرجوهم من حَيْثُ أخرجوكم والفتنة أَشد من الْقَتْل وَلَا
تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ
فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم كَذَلِك جَزَاء الْكَافرين
فَإِن انْتَهوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {واقتلوهم حَيْثُ
ثقفتموهم} الْآيَة
قَالَ: عَنى الله بِهَذَا الْمُشْركين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {ثقفتموهم}
قَالَ: وَجَدْتُمُوهُمْ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول حسان: فإمَّا يثقفن بني لؤَي جذيمة إِن
قَتلهمْ دَوَاء وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة
فِي قَوْله {والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: الشّرك أَشد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله
{والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: الْفِتْنَة الَّتِي أَنْتُم
مقيمون عَلَيْهَا أكبر من الْقَتْل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: ارتداد الْمُؤمن إِلَى
الوثن أَشد عَلَيْهِ من أَن يقتل محقاً
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم
{وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى
يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ} كلهَا بِالْألف
{فاقتلوهم} آخِرهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: شمعت أَبَا اسحق
يقرؤهن كُلهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ أَصْحَاب عبد
الله يقرؤونها كُلهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى
يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}
(1/494)
قَالَ: حَتَّى يبدؤوا بِالْقِتَالِ ثمَّ
نسخ بعد ذَلِك فَقَالَ: (وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة)
(الْبَقَرَة الْآيَة 193) وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَأَبُو دَاوُد والنحاس مَعًا فِي النَّاسِخ عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} وَقَوله
(يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال
فِيهِ كَبِير) (الْبَقَرَة الْآيَة 217) فَكَانَ كَذَلِك
حَتَّى نسخ هَاتين الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا فِي بَرَاءَة قَوْله
(فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التَّوْبَة
الْآيَة 5)
(وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة كَمَا يقاتلونكم كَافَّة)
(التَّوْبَة الْآيَة 36)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِن انْتَهوا}
قَالَ: فَإِن تَابُوا
(1/495)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى
لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ
انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
قَوْله تَعَالَى: وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون
فتْنَة وَيكون الدّين لله فَإِن انْتَهوا فَلَا عدوان إِلَّا
على الظَّالِمين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وقاتلوهم
حَتَّى لَا تكون فتْنَة} يَقُول: شرك بِاللَّه {وَيكون الدّين}
ويخلص التَّوْحِيد لله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وقاتلوهم حَتَّى
لَا تكون فتْنَة} قَالَ: لَا تقاتلوا إِلَّا من قاتلكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي
ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة وَلَا تقاتلوهم عِنْد
الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَكَانَ
هَذَا كَذَا حَتَّى نسخ فَأنْزل الله {وقاتلوهم حَتَّى لَا
تكون فتْنَة} أَي شرك {وَيكون الدّين لله} قَالَ: حَتَّى
يُقَال: لَا إِلَه إِلَّا الله عَلَيْهَا قَاتل رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإليها دَعَا
وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول
إِن الله أَمرنِي أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا
إلأه إِلَّا الله {فَإِن انْتَهوا فَلَا عدوان إِلَّا على
الظَّالِمين} قَالَ: وَإِن الظَّالِم الَّذِي أَبى أَن يَقُول:
لَا إِلَه إِلَّا الله يُقَاتل حَتَّى يَقُول: لَا إِلَه
إِلَّا الله
(1/495)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {وَيكون
الدّين لله} يَقُول: حَتَّى لَا يعبد إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {فَلَا عدوان إِلَّا على
الظَّالِمين} قَالَ: هم من أَبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا
الله
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عمر أَنه أَتَاهُ رجلَانِ فِي فتْنَة ابْن الزبير
فَقَالَا: إِن النَّاس صَنَعُوا وَأَنت ابْن عمر وَصَاحب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا يمنعك أَن تخرج قَالَ:
يَمْنعنِي إِن الله حرم دم أخي
قَالَا: ألم يقل الله {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة}
قَالَ: قاتلنا حَتَّى لم تكن فتْنَة وَكَانَ الدّين لله
وَأَنْتُم تُرِيدُونَ أَن تقاتلوا حَتَّى تكون فتْنَة وَيكون
الدّين لغير الله
(1/496)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ
بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
قَوْله تَعَالَى: الشَّهْر الْحَرَام
بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا
عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم وَاتَّقوا الله
وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ
أخرج البُخَارِيّ عَن نَافِع
أَن رجلا أَتَى ابْن عمر فَقَالَ: مَا حملك على أَن تحج عَاما
وتعتمر عَاما وتترك الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَقد علمت مَا
رغب الله فِيهِ قَالَ: يَا ابْن أخي: بني الإِسلام على خمس:
إِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله وَالصَّلَاة الْخمس وَصِيَام
رَمَضَان وَأَدَاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت
قَالَ: أَلا تسمع مَا ذكر الله فِي كِتَابه: (وَإِن
طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا)
(الحجرات الْآيَة 9) {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} قَالَ:
فعلنَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ
الإِسلام قَلِيلا وَكَانَ الرجل يفتن فِي دينه إِمَّا
قَتَلُوهُ وَإِمَّا عذبوه حَتَّى كثر الإِسلام فَلم تكن فتْنَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي ظبْيَان قَالَ: جَاءَ رجل
إِلَى سعد فَقَالَ لَهُ: أَلا تخرج تقَاتل مَعَ النَّاس حَتَّى
لَا تكون فتْنَة فَقَالَ سعد: قد قَاتَلت مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم تكن فتْنَة فَأَما أَنْت وَذَا
البطين تُرِيدُونَ أَن أقَاتل حَتَّى تكون فتْنَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما سَار رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعْتَمِرًا فِي سنة سِتّ من
الْهِجْرَة وحبسه الْمُشْركُونَ عَن الدُّخُول والوصول إِلَى
الْبَيْت وصدوه بِمن مَعَه
(1/496)
من الْمُسلمين فِي ذِي الْقعدَة وَهُوَ شهر
حرَام حَتَّى قاضاهم على الدُّخُول من قَابل فَدَخلَهَا فِي
السّنة الْآتِيَة هُوَ وَمن كَانَ مَعَه من الْمُسلمين وأقصه
الله مِنْهُم نزلت هَذِه الْآيَة {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر
الْحَرَام والحرمات قصاص}
وَأخرج الواحدي من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي صلح الْحُدَيْبِيَة
وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صد عَن
الْبَيْت ثمَّ صَالحه الْمُشْركُونَ على أَن يرجع عَامه
الْقَابِل فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْقَابِل تجهز وَأَصْحَابه
لعمرة الْقَضَاء وخافوا أَن لَا تفي قُرَيْش بذلك وَأَن يصدوهم
عَن الْمَسْجِد الْحَرَام ويقاتلوهم وَكره أَصْحَابه قِتَالهمْ
فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ
أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فأحرموا
بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقعدَة وَمَعَهُمْ الْهَدْي حَتَّى
إِذا كَانُوا بِالْحُدَيْبِية صدهم الْمُشْركُونَ فَصَالحهُمْ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرجع ثمَّ يقدم عَاما
قَابلا فيقيم بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يخرج مَعَه
بِأحد من أهل مَكَّة فَنحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَصْحَابه بِالْهَدْي بِالْحُدَيْبِية وحلقوا أَو قصروا
فَلَمَّا كَانَ عَام قَابل أَقبلُوا حَتَّى دخلُوا مَكَّة فِي
ذِي الْقعدَة فاعتمروا وَأَقَامُوا بهَا ثَلَاثَة أَيَّام
وَكَانَ الْمُشْركُونَ قد فَخَروا عَلَيْهِ حِين صدوه يَوْم
الْحُدَيْبِيَة فَقص الله لَهُ مِنْهُم فَادْخُلْهُ مَكَّة فِي
ذَلِك الشَّهْر الَّذِي ردُّوهُ فِيهِ فَقَالَ {الشَّهْر
الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} قَالَ
فخرت قُرَيْش بردهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَوْم الْحُدَيْبِيَة محرما فِي ذِي الْقعدَة عَن الْبَلَد
الْحَرَام فَأدْخلهُ الله مَكَّة من الْعَام الْمقبل فَقضى
عمرته وأقصه مَا حيل بَينه وَبَين يَوْم الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ أقبل نَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه معتمرين فِي ذِي
الْقعدَة وَمَعَهُمْ الْهَدْي حَتَّى إِذا كَانُوا
بِالْحُدَيْبِية فصدهم الْمُشْركُونَ فَصَالحهُمْ نَبِي الله
أَن يرجع عَامه ذَلِك حَتَّى يرجع من الْعَام الْمقبل فَيكون
بِمَكَّة ثَلَاث لَيَال وَلَا يدخلوها إِلَّا بسلاح الرَّاكِب
وَلَا يخرج بِأحد من أهل مَكَّة فنحروا الْهَدْي
بِالْحُدَيْبِية وحلقوا وَقصرُوا حَتَّى إِذا كَانَ من الْعَام
الْمقبل أقبل نَبِي الله وَأَصْحَابه معتمرين فِي ذِي الْقعدَة
حَتَّى دخلُوا فَأَقَامَ بهَا ثَلَاث لَيَال وَكَانَ
الْمُشْركُونَ قد فَخَروا عَلَيْهِ حِين ردُّوهُ يَوْم
الْحُدَيْبِيَة فأقصه الله مِنْهُم وَأدْخلهُ مَكَّة فِي
(1/497)
ذَلِك الشَّهْر الَّذِي كَانُوا ردُّوهُ
فِيهِ فِي ذِي الْقعدَة فَقَالَ الله {الشَّهْر الْحَرَام
بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص}
وَأخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن جريج قَالَ قلت
لعطاء: قَول الله عز وَجل {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر
الْحَرَام والحرمات قصاص} فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة
صدوا رَسُول الله صلى اللهعليه وَسلم عَن الْبَيْت الْحَرَام
وَكَانَ مُعْتَمِرًا فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا مُعْتَمِرًا مَكَّة فعمرة
فِي الشَّهْر الْحَرَام بعمره فِي الشَّهْر الْحَرَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة وَابْن
شهَاب قَالَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
الْعَام الْقَابِل من عَام الْحُدَيْبِيَة مُعْتَمِرًا فِي ذِي
الْقعدَة سنة سبع وَهُوَ الشَّهْر الَّذِي صده فِيهِ
الْمُشْركُونَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَأنزل الله فِي
تِلْكَ الْعمرَة {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام
والحرمات قصاص} فَاعْتَمَرَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الشَّهْر الْحَرَام الَّذِي صد فِيهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا
اعْتدى عَلَيْكُم} وَقَوله {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة
مثلهَا} الشورى الْآيَة 40 وَقَوله (وَلمن انتصر بعد ظلمه
فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل) (الشورى الْآيَة 41)
وَقَوله (وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ
بِهِ) (النَّحْل الْآيَة 126) قَالَ: هَذَا وَنَحْوه نزل
بِمَكَّة والمسلمون يَوْمئِذٍ قَلِيل فَلَيْسَ لَهُم سُلْطَان
يقهر الْمُشْركين فَكَانَ الْمُشْركُونَ يتعاطونهم بالشتم
والأذى فَأمر الله الْمُسلمين من يتجازى مِنْهُم أَن يتجازى
بِمثل مَا أُوتِيَ إِلَيْهِ أَو يصبر أَو يعْفُو فَلَمَّا
هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة
وأعز الله سُلْطَانه أَمر الله الْمُسلمين أَن ينْتَهوا فِي
مظالهم إِلَى سلطانهم وَلَا يعدو بَعضهم على بعض كَأَهل
الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ (وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا
لوَلِيِّه سُلْطَانا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 33) الْآيَة
يَقُول: ينصره السُّلْطَان حَتَّى ينصفه من ظالمه وَمن انتصر
لنَفسِهِ دون السُّلْطَان فَهُوَ عَاص مُسْرِف قد عمل بحمية
الْجَاهِلِيَّة وَلم يرض بِحكم الله تَعَالَى
(1/498)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} قَالَ: فقاتلوهم
فِيهِ كَمَا قَاتَلُوكُمْ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن جَابر بن عبد
الله قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَغْزُو فِي الشَّهْر الْحَرَام إِلَّا أَن يغزى ويغزو فَإِذا
حَضَره أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخ
(1/499)
وَأَنْفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (195)
قَوْله تَعَالَى: وأنفقوا فِي سَبِيل الله
وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة وأحسنوا إِن
الله يحب الْمُحْسِنِينَ
أخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَة} قَالَ: هُوَ ترك النَّفَقَة فِي سَبِيل الله
مَخَافَة الْعيلَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
قَالَ: ترك النَّفَقَة فِي سَبِيل الله أنْفق وَلَو مشقصاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ التَّهْلُكَة أَن يقتل
الرجل فِي سَبِيل الله وَلَكِن الإِمساك عَن النَّفَقَة فِي
سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله
{وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: نزلت
فِي النَّفَقَات فِي سَبِيل الله
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: إِنَّمَا
أنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَة} فِي النَّفَقَة فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ الْقَوْم فِي سَبِيل الله فيتزوّد
الرجل فَكَانَ أفضل زاداً من الآخر أنْفق الْيَابِس من زَاده
حَتَّى لَا يبْقى من زَاده شَيْء أحب أَن يواسي صَاحبه فَأنْزل
الله {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ
إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا
يسافرون ويقترون وَلَا يُنْفقُونَ من أَمْوَالهم فَأَمرهمْ أَن
ينفقوا فِي مغازيهم فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب فِي قَوْله
{وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: هُوَ
الْبُخْل
(1/499)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
زيد بن الأسلم فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رجال يخرجُون فِي بعوث
يبعثها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر نَفَقَة
فإمَّا يقطع بهم وَإِمَّا كَانُوا عيالاً فَأَمرهمْ الله أَن
يستنفقوا مِمَّا رزقهم الله وَلَا يلْقوا بِأَيْدِيهِم إِلَى
التَّهْلُكَة والتهلكة أَن يهْلك رجال من الْجُوع والعطش وَمن
الْمَشْي وَقَالَ لمن بِيَدِهِ فضل {وأحسنوا إِن الله يحب
الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي
مُعْجَمه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان
وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ عَن الضَّحَّاك بن أبي جبيرَة
أَن الأنصاركانوا يُنْفقُونَ فِي سَبِيل الله وَيَتَصَدَّقُونَ
فَأَصَابَتْهُمْ سنة فسَاء ظنهم وأمسكوا عَن ذَلِك فَأنْزل
الله {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ
إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد
{وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَة} قَالَ: لَا يمنعنكم النَّفَقَة فِي حق خيفة
الْعيلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن أسلم أبي عمرَان قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
وعَلى أهل مصر عقبَة بن عَامر وعَلى أهل الشَّام فضَالة بن
عبيد فَخرج صف عَظِيم من الرّوم فصففنا لَهُم فَحمل رجل من
الْمُسلمين على صف الرّوم حَتَّى دخل فيهم فصاح النَّاس
وَقَالُوا: سُبْحَانَ الله يلقِي بيدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَة
فَقَامَ أَبُو أَيُّوب صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم تتأوّلون هَذِه
الْآيَة هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة
فِينَا معشر الْأَنْصَار إِنَّا لما أعز الله دينه وَكثر
ناصروه قَالَ بَعْضنَا لبَعض سرا دون رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَمْوَالنَا قد ضَاعَت وَإِن الله قد أعز
الإِسلام وَكثر ناصروه فَلَو أَقَمْنَا فِي أَمْوَالنَا
فأصلحنا مَا ضَاعَ فِيهَا فَأنْزل الله على نبيه يرد علينا مَا
قُلْنَا {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ
إِلَى التَّهْلُكَة} فَكَانَت التَّهْلُكَة الإِقامة فِي
الْأَمْوَال وإصلاحها وَتَركنَا الْغَزْو
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالْفِرْيَابِي وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب
أَنه قيل لَهُ {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} هُوَ الرجل يلقى العدّو
فَيُقَاتل حَتَّى يقتل قَالَ: لَا وَلَكِن هُوَ الرجل يُذنب
فيلقي بيدَيْهِ فَيَقُول: لَا يغْفر الله لي أبدا
(1/500)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: كَانَ الرجل يُذنب
فَيَقُول: لَا يغْفر الله لي
فَأنْزل الله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عُبَيْدَة
السَّلمَانِي فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَة} قَالَ: الْقنُوط
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: التَّهْلُكَة عَذَاب الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد
يَغُوث أَنهم حاصروا دمشق فأسرع رجل إِلَى العدوّ وَحده فعاب
ذَلِك عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَرفعُوا حَدِيثه إِلَى عَمْرو بن
الْعَاصِ فَأرْسل إِلَيْهِ فَرده فَقَالَ: قَالَ الله {وَلَا
تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن رجل من الصَّحَابَة فِي قَوْله {وأحسنوا}
قَالَ: أَدّوا الْفَرَائِض
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله
{وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: أَحْسنُوا
الظَّن بِاللَّه
(1/501)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ
أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ
كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
قَوْله تَعَالَى: وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة لله فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى
وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله فَمن كَانَ
مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو
صَدَقَة أَو نسك فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم يجد فَصِيَام
ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ
عشرَة كَامِلَة ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد
الْحَرَام وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد
الْعقَاب
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عبد
الْبر فِي التَّمْهِيد عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ جَاءَ رجل
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بالجعرانة
وَعَلِيهِ جبّة وَعَلِيهِ أثر خلوق
(1/501)
فَقَالَ: كَيفَ تَأْمُرنِي يَا رَسُول الله
أَن أصنع فِي عمرتي فَأنْزل الله {وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة لله} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أَيْن السَّائِل عَن الْعمرَة فَقَالَ: هَذَا أناذا
قَالَ: اخلع الْجُبَّة واغسل عَنْك أثر الخلوق ثمَّ مَا كنت
صانعاً فِي حجك فاصنعه فِي عمرتك
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن
يعلى بن أُميَّة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بالجعرانة عَلَيْهِ جُبَّة وَعَلَيْهَا
خلوق فَقَالَ: كَيفَ تَأْمُرنِي أَن أصنع فِي عمرتي قَالَ:
فَأنْزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتستر بِثَوْب
وَكَانَ يعلى يَقُول: وددت أَنِّي أرى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَقد أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي
فَقَالَ عمر: أَيَسُرُّك أَن تنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَقد أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي فَرفع طرف الثَّوْب
فَنَظَرت إِلَيْهِ لَهُ غطيط كغطيط الْبكر فَلَمَّا سري عَنهُ
قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن الْعمرَة اغسل عَنْك أثر الخلوق
واخلع عَنْك جبتك واصنع فِي عمرتك مَا أَنْت صانع فِي حجك
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ
{وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} قَالَ: أَن تحرم من دويرة
أهلك
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا
الْحَج وَالْعمْرَة لله} إِن تَمام الْحَج أَن تحرم من دويرة
أهلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي
قَوْله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} قَالَ: من تمامهما
أَن يفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر وَأَن يعْتَمر فِي غير
أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة فَلَيْسَ لَهُ أَن
يحل حَتَّى يُتمهَا تَمام الْحَج يَوْم النَّحْر إِذا رمى
يَوْم النَّحْر إِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة وزار الْبَيْت فقد
حل وَتَمام الْعمرَة إِذا طَاف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة
إِذا حل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: تمامهما مَا أَمر الله
فيهمَا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْأَنْبَارِي عَن عَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم قَالَا: فِي
قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة إِلَى
الْبَيْت / لَا يُجَاوز بِالْعُمْرَةِ الْبَيْت الْحَج
الْمَنَاسِك وَالْعمْرَة الْبَيْت والصفا والمروة
(1/502)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَليّ
أَنه قَرَأَ / وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة للبيت / ثمَّ
قَالَ: هِيَ وَاجِبَة مثل الْحَج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والأصبهاني
فِي التَّرْغِيب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أمرْتُم بِإِقَامَة
أَربع
أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأقِيمُوا الْحَج
وَالْعمْرَة إِلَى الْبَيْت
وَالْحج الْحَج الْأَكْبَر وَالْعمْرَة الْحَج الْأَصْغَر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن يزِيد بن
مُعَاوِيَة قَالَ: إِنِّي لفي الْمَسْجِد زمن الْوَلِيد بن
عقبَة حَلقَة فِيهَا حُذَيْفَة وَلَيْسَ إِذْ ذَاك حجزة وَلَا
جلاوزة إِذْ هتف هَاتِف: من كَانَ يقْرَأ على قِرَاءَة أبي
مُوسَى فليأت الزاويه الَّتِي عِنْد أَبْوَاب كِنْدَة وَمن
كَانَ يقْرَأ على قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فليأت هَذِه
الزاوية الَّتِي عِنْد دَار عبد الله وَاخْتلفَا فِي آيَة فِي
سُورَة الْبَقَرَة قَرَأَ هَذَا (وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة للبيت) وَقَرَأَ هَذَا {وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة لله} فَغَضب حُذَيْفَة واحمرت عَيناهُ ثمَّ قَامَ
- وَذَلِكَ فِي زمن عُثْمَان - فَقَالَ: إِمَّا أَن تركب إِلَى
أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِمَّا أَن أركب فَهَكَذَا كَانَ من
قبلكُمْ ثمَّ أقبل فَجَلَسَ فَقَالَ: إِن الله بعث مُحَمَّدًا
فقاتل بِمن أقبل من أدبر حَتَّى أظهر الله دينه ثمَّ إِن الله
قَبضه فطعن النَّاس فِي الإِسلام طعنة جواد ثمَّ إِن الله
اسْتخْلف أَبَا بكر وَكَانَ مَا شَاءَ الله ثمَّ إِن الله
قَبضه فطعن النَّاس فِي الإِسلام طعنة جواد ثمَّ إِن الله
اسْتخْلف عمر فَنزل وسط الإِسلام ثمَّ إِن الله قَبضه فطعن
النَّاس فِي الإِسلام طعنة جواد ثمَّ إِن الله اسْتخْلف
عُثْمَان
وأيم الله ليوشكن أَن تطعنوا فِيهِ طعنة تحلقونه كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ أَنه
قَرَأَهَا {وَأَتمُّوا الْحَج} ثمَّ قطع ثمَّ قَالَ
{وَالْعمْرَة لله} يَعْنِي بِرَفْع التَّاء وَقَالَ: هِيَ تطوع
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن طَاوس قَالَ: قيل لِابْنِ عَبَّاس أتأمر
بِالْعُمْرَةِ قبل الْحَج وَالله تَعَالَى يَقُول {وَأَتمُّوا
الْحَج وَالْعمْرَة لله} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَيفَ تقرؤون
(من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين) (النِّسَاء الْآيَة 11)
فبأيهما تبدؤون قَالُوا: بِالدّينِ
قَالَ: فَهُوَ ذَلِك
(1/503)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: الْعمرَة وَاجِبَة كوجوب الْحَج من اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلا
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَالله إِنَّهَا
لقرينتها فِي كتاب الله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة كِلَاهُمَا فِي
المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن مَسْرُوق قَالَ: أمرْتُم فِي
الْقُرْآن بِإِقَامَة أَربع: أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا
الزَّكَاة وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: الْعمرَة الْحجَّة الصُّغْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن
ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ (وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة
للبيت) ثمَّ قَالَ: وَالله لَوْلَا التحرج إِنِّي لم أسمع
فِيهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا لقلنا
أَن الْعمرَة وَاجِبَة مثل الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: الْعمرَة وَاجِبَة
لَيْسَ أحد من خلق الله إِلَّا عَلَيْهِ حجَّة وَعمرَة واجبتان
من اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِك سَبِيلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن
طَاوس قَالَ: الْعمرَة على النَّاس كلهم إِلَّا على أهل مَكَّة
فَإِنَّهَا لَيست عَلَيْهِم عمْرَة إِلَّا أَن يقدم أحد
مِنْهُم من أفق من الْآفَاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لَيْسَ
أحد من خلق الله إِلَّا عَلَيْهِ حجَّة وَعمرَة واجبتان من
اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِك سَبِيلا كَمَا قَالَ الله حَتَّى أهل
بوادينا إِلَّا أهل مَكَّة فَإِن عَلَيْهِم حجّة وَلَيْسَت
عَلَيْهِم عمْرَة من أجل أَنهم أهل الْبَيْت وَإِنَّمَا
الْعمرَة من أجل الطّواف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم من طَرِيق عَطاء بن أبي
رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان
على النَّاس كلهم إِلَّا أهل مَكَّة فَإِن عمرتهم طوافهم فَمن
جعل بَينه وَبَين الْحرم بطن وَاد فَلَا يدْخل مَكَّة إِلَّا
بِالْإِحْرَامِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة
عمْرَة إِنَّمَا يعْتَمر من زار الْبَيْت ليطوف بِهِ وَأهل
مَكَّة يطوفون مَتى شاؤوا
(1/504)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: الْحَج فَرِيضَة وَالْعمْرَة تطوّع
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي
شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي صَالح ماهان الْحَنَفِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج جِهَاد
وَالْعمْرَة تطوّع
وَأخرج ابْن ماجة عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَنه سمع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْحَج جِهَاد
وَالْعمْرَة تطوّع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
عَن جَابر بن عبد الله أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ: لَا وَإِن
تَعْتَمِرُوا خير لكم
وَأخرج الْحَاكِم عَن زيد بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان لَا
يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم عَن ابْن سِيرِين أَن زيد
بن ثَابت سُئِلَ عَن الْعمرَة قبل الْحَج قَالَ: صلاتان
وَفِي لفظ نسكان لله عَلَيْك لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن عبد الله بن أبي بكر أَن
فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لعَمْرو بن حزم إِن الْعمرَة هِيَ الْحَج الْأَصْغَر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ جَاءَ رجل
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أوصني قَالَ:
تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي
الزَّكَاة وتصوم شهر رَمَضَان وتحج وتعتمر وَتسمع وتطيع
وَعَلَيْك بالعلانية وَإِيَّاك والسر
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال
عِنْد الله إِيمَان لَا شكّ فِيهِ وغزو لَا غلُول فِيهِ وَحج
مبرور
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن كاجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعمرَة إِلَى الْعمرَة كَفَّارَة لما
بَينهمَا وَالْحج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد عَن عَامر بن ربيعَة مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والأصبهاني فِي التَّرْغِيب
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا سبح الْحَاج من تَسْبِيحَة وَلَا هلل من تَهْلِيلَة
وَلَا كبر من تَكْبِيرَة إِلَّا بشر بهَا تبشيرة
(1/505)
وَأخرج مُسلم وَابْن خُزَيْمَة عَن عَمْرو
بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله وَأَن الْهِجْرَة تهدم مَا
كَانَ قبلهَا وَأَن الْحَج يهدم مَا كَانَ قبله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عليّ قَالَ جَاءَ رجل
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي جبان
وَضَعِيف
فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى جِهَاد لَا شَوْكَة فِيهِ: الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عليّ بن حُسَيْن
قَالَ سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الْجِهَاد فَقَالَ: أَلا أدلك على جِهَاد لَا شَوْكَة فِيهِ
الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي قَالَ
جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
إِنِّي رجل جبان وَلَا أُطِيق لِقَاء العدوّ
فَقَالَ: أَلا أدلك على جِهَاد لَا قتال فِيهِ قَالَ: بلَى يَا
رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْك بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت قلت: يَا رَسُول الله
نرى الْجِهَاد أفضل الْعَمَل أَفلا نجاهد فَقَالَ: لَكِن أفضل
الْجِهَاد حج مبرور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف
وَابْن خُزَيْمَة عَن عَائِشَة قَالَت قلت: يَا رَسُول الله
هَل على النِّسَاء من جِهَاد قَالَ: عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا
قتال فِيهِ
الْحَج وَالْعمْرَة
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جِهَاد الْكَبِير والضعيف
وَالْمَرْأَة: الْحَج وَالْعمْرَة
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الإِسلام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الهه وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن تقيم الصَّلَاة وتؤتي
الزَّكَاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الْجَنَابَة وَأَن تتمّ
الْوضُوء وتصوم رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن أم سَلمَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج جِهَاد كل
ضَعِيف
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال
حجَّة مبرورة أَو عمْرَة مبرورة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن مَاعِز عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ:
إِيمَان بِاللَّه وَحده ثمَّ الْجِهَاد ثمَّ حجَّة برة تفضل
سَائِر الْأَعْمَال كَمَا بَين مطلع الشَّمْس وَمَغْرِبهَا
(1/506)
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ
عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحَج
المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة
قيل: وَمَا بره قَالَ: إطْعَام الطَّعَام وَطيب الْكَلَام
وَفِي لفظ وإفشاء السَّلَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الله بن جَراد
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجُّوا
فَإِن الْحَج يغسل الذُّنُوب كَمَا يغسل المَاء الدَّرن
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي مُوسَى رَفعه إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَاج يشفع فِي أَرْبَعمِائَة من
أهل بَيته وَيخرج من ذنُوبه كَمَا وَلدته أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت
أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من جَاءَ يؤم
الْبَيْت الْحَرَام فَركب بعيره فَمَا يرفع خفاً وَلَا يضع
خفاً إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة وَحط عَنهُ بهَا
خَطِيئَة وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى
الْبَيْت فَطَافَ وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ حلق أَو
قصر خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه فليستأنف الْعَمَل
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد الله
ثَلَاثَة: الْغَازِي والحاج الْمُعْتَمِر
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجَّاج والعمار وَفد الله دعاهم
فَأَجَابُوهُ وسألوه فَأَعْطَاهُمْ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْحجَّاج والعمار وَفد الله إِن دَعوه أجابهم وَإِن استغفروه
غفر لَهُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو يعلم
المقيمون مَا للحجاج عَلَيْهِم من الْحق لأتوهم حِين يقدمُونَ
حَتَّى يقبلُوا رواحلهم لأَنهم وَفد الله من جَمِيع النَّاس
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الصَّغِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يغْفر للحجاج وَلمن اسْتغْفر لَهُ الْحَاج
وَفِي لفظ: اللَّهُمَّ اغْفِر للحجاج وَلمن اسْتغْفر لَهُ
الْحَاج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة ومسدد فِي مُسْنده عَن عمر قَالَ: يغْفر
للْحَاج وَلمن اسْتغْفر لَهُ الْحَاج بَقِيَّة ذِي الْحجَّة
وَالْمحرم وصفر وَعشرا من ربيع الأول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر أَنه خطب عِنْد بَاب الْكَعْبَة
فَقَالَ: مَا من أحد يَجِيء إِلَى هَذَا الْبَيْت لَا ينهزه
غير صَلَاة فِيهِ حَتَّى يسْتَلم الْحجر إِلَّا كفر عَنهُ مَا
كَانَ قبل ذَلِك
(1/507)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: من
حج هَذَا الْبَيْت لَا يُرِيد غَيره خرج من ذنُوبه كَيَوْم
وَلدته أمه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم معقل أَن زَوجهَا جعل بكرا
فِي سَبِيل الله وَأَنَّهَا أَرَادَت الْعمرَة فَسَأَلت
زَوجهَا الْبكر فَأبى عَلَيْهَا فَأَتَت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَأمره رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعْطِيهَا وَقَالَ: إِن الْحَج
وَالْعمْرَة لمن سَبِيل الله وَأَن عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل
حجَّة أَو تجزىء بِحجَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَرَادَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج فَقَالَت امْرَأَة
لزَوجهَا: حج بِي
قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أحج بك عَلَيْهِ
قَالَت: فحج بِي على ناضحك
قَالَ: ذَاك نعتقبه أَنا وولدك
قَالَت: فحج بِي على جملك فلَان
قَالَ: ذَاك احْتبسَ فِي سَبِيل الله قَالَت: فبع تمر رفك
قَالَ: ذَلِك قوتي وقوتك
فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة
أرْسلت إِلَيْهِ زَوجهَا فَقَالَت: اقرىء رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مني السَّلَام وسله مَا يعدل حجَّة مَعَك فَأتى
زَوجهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ:
أما أَنَّك لَو كنت حججْت بهَا على الْجمل الحبيس كَانَ فِي
سَبِيل الله وَضحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَعَجبا من حرصها على الْحَج وَقَالَ: أقرءها مني السَّلَام
وَرَحْمَة الله وأخبرها أَنَّهَا تعدل حجَّة معي عمْرَة فِي
رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا فِي عمرتها: إِن
لَك من الْأجر على قدر نصبك ونفقتك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب
أَن قوما مروا بِأبي ذَر بالربذة فَقَالَ لَهُ: مَا أنصبكم
إِلَّا الْحَج استأنفوا الْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم: أَن ابْن مَسْعُود
قَالَ لقوم ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب بن الزبير قَالَ: قلت لعطاء:
أبلغك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
استقبلوا الْعَمَل بعد الْحَج قَالَ: لَا وَلَكِن عُثْمَان
وَأَبُو ذَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب أَنه رأى قوما من الْحجَّاج
فَقَالَ: لَو يعلم هَؤُلَاءِ مَا لَهُم بعد الْمَغْفِرَة لقرت
عيونهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِذا كبر الْحَاج
والمعتمر والغازي كبر الْمُرْتَفع الَّذِي يَلِيهِ ثمَّ الي
يَلِيهِ حَتَّى يَنْقَطِع فِي الْأُفق
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/508)
من أَرَادَ الْحَج فَليَتَعَجَّل فَإِنَّهُ
قد تضل الضَّالة ويمرض الْمَرِيض وَتَكون الْحَاجة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعجلوا
إِلَى الْحَج - يَعْنِي الْفَرِيضَة - فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي
مَا يعرض لَهُ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ
عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد يدع الْحَج لحَاجَة من حوائج
الدُّنْيَا إِلَّا رأى الْمُخلفين قبل أَن يقْضِي تِلْكَ
الْحَاجة وَمَا من عبد يدع الْمَشْي فِي حَاجَة أَخِيه قضيت
أَو لم تقض إِلَّا ابتلى بعونه من يَأْثَم عَلَيْهِ وَلَا
يُؤجر فِيهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي ذَر أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ
السَّلَام قَالَ: إلهي مَا لِعِبَادِك إِذا هم زوارك فِي
بَيْتك قَالَ: لكل زائر حق على المزور يَا دَاوُد إِن لَهُم
أَن أعافيهم فِي الدُّنْيَا وأغفر لَهُم إِذا لقيتهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن سهل بن سعد قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رَاح مُسلم فِي
سَبِيل الله مُجَاهدًا أَو حَاجا مهلا أَو ملبياً إِلَّا غربت
الشَّمْس بذنوبه وَخرج مِنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحجَّاج
والعمار وَفد الله سَأَلُوا أعْطوا وَإِن دعوا أجِيبُوا وَإِن
أَنْفقُوا أخلف لَهُم وَالَّذِي نفس أبي الْقَاسِم بِيَدِهِ
مَا كبر مكبر على نشز وَلَا أهل مهل على شرف إِلَّا أهل مَا
بَين يَدَيْهِ وَكبر حَتَّى يَنْقَطِع مِنْهُ مُنْقَطع
التُّرَاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجَّاج والعمار وَفد الله
يعطيهم مَا سَأَلُوا ويستجيب لَهُم مَا دعوا ويخلف عَلَيْهِم
مَا أَنْفقُوا الدِّرْهَم بِأَلف ألف
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله يرفعهُ قَالَ: مَا أمعر
حَاج قطّ
قيل لجَابِر: وَمَا الإِمعار قَالَ: مَا افْتقر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
(1/509)
تابعوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة
فَإِنَّهُمَا ينفيان الْفقر والذنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير
خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَيْسَ للحجة المبرورة
ثَوَاب دون الْجنَّة وَمَا من مُؤمن يظل يَوْمه محرما إِلَّا
غَابَتْ الشَّمْس بذنوبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن جرير
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ تابعوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة فَإِن الْمُتَابَعَة
بَينهمَا تَنْفِي الْفقر والذنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث
الْحَدِيد
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن ابْن عمر
مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عَامر بن ربيع مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا أهل مهل قطّ وَلَا
كبر مكبر قطّ إِلَّا بشر
قيل: يَا رَسُول الله بِالْجنَّةِ قَالَ: نعم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هرير قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أهل مهل قطّ إِلَّا
آبت الشَّمْس بذنوبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا أَتَى
هَذَا الْبَيْت طَالب حَاجَة لدين أَو دنيا إِلَّا رَجَعَ
بحاجته
وَأخرج أَبُو يعلى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من خرج فِي هَذَا الْوَجْه لحج أَو عمْرَة فَمَاتَ فِيهِ لم
يعرض وَلم يُحَاسب وَقيل لَهُ ادخل الْجنَّة
قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله
يباهي بالطائفين
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده والأصبهاني فِي
التَّرْغِيب عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ فِي طَرِيق مَكَّة ذَاهِبًا
أَو رَاجعا لم يعرض وَلم يُحَاسب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أم
سَلمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أهل
بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى
الْمَسْجِد الْحَرَام غفر لَهُ مَا تقدم وَمَا تَأَخّر
وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي ذَر عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا خرج الْحَاج من أَهله فَسَار
ثَلَاثَة أَيَّام أَو ثَلَاث لَيَال خرج من ذنُوبه كَيَوْم
وَلدته أمه وَكَانَ سَائِر أَيَّامه دَرَجَات وَمن كفن مَيتا
كَسَاه الله من ثِيَاب الْجنَّة وَمن غسل مَيتا خرج من ذنُوبه
وَمن حثى عَلَيْهِ التُّرَاب فِي قَبره كَانَت لَهُ بِكُل هباة
أثقل من مِيزَانه من جبل من الْجبَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر سَمِعت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا ترفع ابل الْحَاج رجلا وَلَا تضع
يدا إِلَّا كتب لَهُ الله بهَا حَسَنَة أَو محا عَنهُ سَيِّئَة
أَو رَفعه بهَا دَرَجَة
(1/510)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حبيب بن الزبير
الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ: قلت لعطاء بن أبي رَبَاح: أبلغك أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يستأنفون الْعَمَل
يَعْنِي الْحجَّاج قَالَ: لَا وَلَكِن بَلغنِي عَن عُثْمَان بن
عَفَّان وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: يستقبلون
الْعَمَل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن
الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رجلا مر بعمر بن الْخطاب وَقد قضى نُسكه فَقَالَ لَهُ عمر:
أحججت قَالَ: نعم
فَقَالَ لَهُ: اجْتنبت مَا نهيت عَنهُ فَقَالَ: مَا ألوت
قَالَ عمر: اسْتقْبل عَمَلك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله عز وَجل ليدْخل بِالْحجَّةِ
الْوَاحِدَة ثَلَاثَة نفر الْجنَّة: الْمَيِّت والحاج عَنهُ
والمنفذ ذَلِك
يَعْنِي الْوَصِيّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة فِي
مُسْنده وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول تبَارك وَتَعَالَى: إِن عبدا صححت لَهُ جِسْمه وأوسعت
لَهُ فِي رزقه يَأْتِي عَلَيْهِ خمسين سِنِين لَا يفد إليَّ
لمحروم
وَأخرج أَبُو يعلى عَن خباب بن الْأَرَت قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يَقُول: إِن عبدا أصححت
لَهُ جِسْمه وأوسعت لَهُ فِي الرزق يَأْتِي عَلَيْهِ خمس حجج
لم يَأْتِ إليَّ فِيهِنَّ لمحروم
وَأخرج الشَّافِعِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كل شهر عمْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر قَالَ: إِذا وضعتم السُّرُوج
فشدوا الرّحال إِلَى الْحَج والعمره فَإِنَّهُمَا أحد الجهادين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن زيد قَالَ: الصَّوْم
وَالصَّلَاة يجهدان الْبدن وَلَا يجهدان المَال وَالصَّدَََقَة
تجهد المَال وَلَا تجهد الْبدن وَإِنِّي لَا أعلم شَيْئا أجهد
لِلْمَالِ وَالْبدن من الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {فَإِن
أحصرتم} يَقُول: من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة ثمَّ حبس عَن
الْبَيْت بِمَرَض يجهده أَو عَدو يحْبسهُ فَعَلَيهِ ذبح مَا
اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة فَمَا فَوْقهَا فَإِن كَانَت
حجَّة الإِسلام فَعَلَيهِ قَضَاؤُهَا وَإِن كَانَت بعد حجَّة
الفريضه فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى
يبلغ الْهَدْي مَحَله} فَإِذا كَانَ أحرم بِالْحَجِّ فمحله
يَوْم النَّحْر وَإِن كَانَ أحرم بِعُمْرَة فَمحل هدبه إِذا
أَتَى الْبَيْت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن أحصرتم}
قَالَ:
(1/511)
هُوَ الرجل من أَصْحَاب مُحَمَّد كَانَ
يحبس عَن الْبَيْت فيهدي إِلَى الْبَيْت وَيمْكث على إِحْرَامه
حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله فَإِن بلغ الْهَدْي مَحَله حلق
رَأسه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود
فِي قَوْله {فَإِن أحصرتم} الْآيَة
يَقُول: إِذا أهل الرجل بِالْحَجِّ فأحصر بعث بِمَا
اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَإِن هُوَ عجل قبل أَن يبلغ الْهَدْي
مَحَله فحلق رَأسه أَو مس طيبا أَو تداوى بدواء كَانَ عَلَيْهِ
فديَة من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك وَالصِّيَام ثَلَاثَة
أَيَّام وَالصَّدَََقَة ثَلَاثَة أصوع على سِتَّة مَسَاكِين
لكل مِسْكين نصف صَاع والنسك {فَإِذا أمنتم} يَقُول: فَإِذا
برىء فَمضى من وَجهه ذَلِك الْبَيْت كَانَ عَلَيْهِ حجَّة
وَعمرَة فَإِن رَجَعَ مُتَمَتِّعا فِي أشهر الْحَج كَانَ
عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة فَإِن هُوَ لم يجد
فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم
قَالَ إِبْرَاهِيم: فَذكرت هَذَا الحَدِيث لسَعِيد بن جُبَير
فَقَالَ: هَكَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الحَدِيث كُله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْحصْر حبس كُله
وَأخرج مَالك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ فِي قَوْله {فَمَا
اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: شَاة
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عمر {فَمَا اسْتَيْسَرَ من
الْهَدْي} قَالَ: بقرة أَو جزور
قيل: أَو مَا يَكْفِيهِ شَاة قَالَ: لَا
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق
وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن
عَبَّاس {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: مَا يجد قد
يستيسر على الرجل وَالْجَزُور والجزوران
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: من الْأزْوَاج الثَّمَانِية من الإِبل
وَالْبَقر والضان والمعز على قدر الميسرة وَمَا عظمت فَهُوَ
أفضل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَمَا
اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: عَلَيْهِ هدي إِن كَانَ
مُوسِرًا فَمن الإِبل وَإِلَّا فَمن الْبَقر وَإِلَّا فَمن
الْغنم
(1/512)
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْقَاسِم
عَن عَائِشَة يَقُول: مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي الشَّاة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم
وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: لَا حصر إِلَّا حصر العدوّ فاما من أَصَابَهُ مرض أَو
وجع أَو ضلال فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
إِنَّمَا قَالَ الله {فَإِذا أمنتم} فَلَا يكون الْأَمْن
إِلَّا من الْخَوْف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: لَا إحصار إِلَّا
من عدوّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَا إحصار
إِلَّا من الْحَرْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: لَا إحصار إِلَّا من
مرض أَو عدوّ أَو أَمر حَابِس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: كل شَيْء حبس
الْمحرم فَهُوَ إحصار
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن نَافِع
أَن عبيد الله بن عبد الله وَسَلام بن عبد الله أخبراه:
أَنَّهُمَا كلما عبد الله بن عمر ليَالِي نزل الْجَيْش بِابْن
الزبير فَقَالَ: لَا يَضرك أَن لَا تحج الْعَام إِنَّا نَخَاف
أَن يُحَال بَيْنك وَبَين الْبَيْت
فَقَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
معتمرين فحال كفار قُرَيْش دون الْبَيْت فَنحر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَدْيه وَحلق رَأسه
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قد أحْصر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحلق رَأسه وجامع نِسَاءَهُ
وَنحر هَدْيه حَتَّى اعْتَمر علما قَابلا
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ
الْهَدْي مَحَله}
أخرج البُخَارِيّ عَن الْمسور أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نحر قبل أَن يحلق وَأمر أَصْحَابه بذلك
وَأخرج البُخَارِيّ تَعْلِيقا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِنَّمَا الْبَدَل على من نقص حجَّة بالتذاذ وَأما من حَبسه
عذر أَو غير ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يحل وَلَا يرجع وَإِن كَانَ
مَعَه هدي وَهُوَ محصر نَحره إِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن
يبْعَث بِهِ وَإِن اسْتَطَاعَ أَن يبْعَث بِهِ لم يحل حَتَّى
يبلغ الْهَدْي مَحَله
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أهل
الْحُدَيْبِيَة أمروا بابدال الْهَدْي فِي الْعَام الَّذِي
حلوا فِيهِ فابدلوا وعزت الإِبل فَرخص لَهُم فِيمَن لَا يجد
بَدَنَة فِي اشْتِرَاء بقرة
(1/513)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي حاصر
الْحِمْيَرِي قَالَ: خرجت مُعْتَمِرًا عَام حوصر ابْن الزبير
وَمَعِي هدي فمنعنا أَن ندخل الْحرم فنحرت الْهَدْي مَكَاني
وأحللت فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل خرجت لأقضي عمرتي أتيت
ابْن عَبَّاس فَسَأَلته فَقَالَ: أبدل الْهَدْي فَإِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَصْحَابه أَن يبدلوا
الْهَدْي الَّذِي نحرُوا عَام الديبية فِي عمْرَة الْقَضَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِذا حلق قبل
أَن يذبح اهرق لذَلِك دَمًا ثمَّ قَرَأَ {وَلَا تحلقوا رؤوسكم
حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْأَعْرَج أَنه قَرَأَ {حَتَّى يبلغ
الْهَدْي مَحَله} {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} ) الْمَائِدَة
الْآيَة 95) بِكَسْر الدَّال مُثقلًا
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ
أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية وَنحن محرمون وَقد
حصرنا الْمُشْركُونَ وَكَانَت لي وفرة فَجعلت الْهَوَام تساقط
على وَجْهي فَمر بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك قلت: نعم
فَأمرنِي أَن أحلق قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ
مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو
صَدَقَة أَو نسك} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
صم ثَلَاثَة أَيَّام أَو تصدق بفرق بَين سِتَّة أَو انسك
مِمَّا تيَسّر
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تحلقوا
رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ
{فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من
صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قعدت إِلَى
كَعْب بن عجْرَة فَسَأَلته عَن هَذِه الْآيَة {ففدية من صِيَام
أَو صَدَقَة أَو نسك} فَقَالَ: نزلت فيَّ كَانَ بِي أَذَى من
رَأْسِي فَحملت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْقمل يَتَنَاثَر على وَجْهي فَقَالَ: مَا كنت أرى أَن
الْجهد بلغ
(1/514)
بك هَذَا أما تَجِد شَاة قلت: لَا
قَالَ: صم ثَلَاثَة أَيَّام أَو اطعم سِتَّة مَسَاكِين لكل
مِسْكين نصف صَاع من طَعَام واحلق رَأسك
فَنزلت فيّ خَاصَّة وَهِي لكم عَامَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ
لفيّ نزلت وإياي عني بهَا {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو
بِهِ أَذَى من رَأسه} قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية وَهُوَ عِنْد الشَّجَرَة:
أَيُؤْذِيك هوامك قلت: نعم
فَنزلت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والواحدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما
نزلنَا الْحُدَيْبِيَة جَاءَ كَعْب بن عجْرَة ينتر هوَام رَأسه
على وَجهه فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا الْقمل قد أكلني
فَأنْزل الله فِي ذَلِك الْموقف {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا}
الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النّسك شَاة
وَالصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَالطَّعَام فرق بَين سِتَّة
مَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن
كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} يَعْنِي من اشْتَدَّ مَرضه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} يَعْنِي بِالْمرضِ أَن يكون
بِرَأْسِهِ أَذَى أَو قُرُوح أَو بِهِ أَذَى من رَأسه
قَالَ: الْأَذَى هُوَ الْقمل
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ:
قلت لعطاء: مَا أَذَى من رَأسه قَالَ: الْقمل وَغَيره الصداع
وَمَا كَانَ فِي رَأسه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: النشك أَن يذبح شَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكعب بن عجْرَة: أَيُؤْذِيك هوَام
رَأسك قَالَ: نعم
قَالَ: فاحلقه وافتد إِمَّا صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَإِمَّا
أَن تطعم سِتَّة مَسَاكِين أَو نسك شَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة
فَقَالَ: الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام وَالصَّدَََقَة ثَلَاثَة
أصوع على سِتَّة مَسَاكِين والنسك شَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن
(أَو أَو) فصاحبه مُخَيّر فَإِذا ان {فَمن لم يجد} فَهُوَ
الأوّل فالأوّل
(1/515)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج
قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو أَو) فَهُوَ خِيَار
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن
دِينَار قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو أَو) لَهُ أَيَّة
شَاءَ
قَالَ ابْن جريج: إِلَّا قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا جَزَاء
الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله) (الْمَائِدَة الْآيَة 33)
فَلَيْسَ بمخيَّر فِيهَا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء
فِي الْقُرْآن (أَو أَو) يخْتَار مِنْهُ صَاحبه مَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج}
يَقُول: من أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: التَّمَتُّع
الاعتمار فِي أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
الزبير أَنه خطب فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس وَالله مَا
التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج كَمَا تَصْنَعُونَ
إِنَّمَا التَّمَتُّع أَن يهل الرجل بِالْحَجِّ فيحصره عدوّ
أَو مرض أَو كسر أَو يحْبسهُ أَمر حَتَّى يذهب أَيَّام الْحَج
فَيقدم فيجعلها عمْرَة فيتمتع تَحِلَّة إِلَى الْعَام الْمقبل
ثمَّ يحجّ وَيهْدِي هَديا فَهَذَا التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَطاء قَالَ: كَانَ ابْن الزبير يَقُول: إِنَّمَا الْمُتْعَة
لمن أحْصر وَلَيْسَت لمن خلي سَبيله
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَهِي لمن أحْصر وَلَيْسَت لمن خلي
سَبيله
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَهِي لمن أحْصر وَمن خليت سَبيله
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ فِي قَوْله {فَإِذا أمنتم فَمن
تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} قَالَ: فَإِن أخر الْعمرَة
حَتَّى يجمعها مَعَ الْحَج فَعَلَيهِ الْهَدْي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ:
إِنَّمَا سميت الْمُتْعَة لأَنهم كَانُوا يتمتعون بِالنسَاء
وَالثيَاب
وَفِي لفظ: يتمتع بأَهْله وثيابه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ أهل اجاهلية
إِذا حجُّوا قَالُوا: إِذا
(1/516)
عَفا الْوَبر وَتَوَلَّى الدبر وَدخل صفر
حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر
فَأنْزل الله التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ تغييراً لما كَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة يصنعون وترخيصاً للنَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي جَمْرَة
أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: تمتعت بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَج ولي أَرْبَعُونَ درهما فِيهَا كَذَا وفيهَا كَذَا
وفيهَا نَفَقَة
فَقَالَ: صم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي
طَالب {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} قَالَ: قبل
التَّرويَة يَوْم وَيَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة فَإِن
فَاتَتْهُ صامهن أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج وَكِيع وَعبد الراق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي قَوْله
{فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} قَالَ: قبل التَّرويَة
يَوْم وَيَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة فَإِن فَاتَهُ
صيامها صامها أَيَّام منى فَإِنَّهُنَّ من الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَلْقَمَة وَمُجاهد وَسَعِيد بن
جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصّيام للمتمتع مَا
بَين إِحْرَامه إِلَى يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِذا لم
يجد الْمُتَمَتّع بِالْعُمْرَةِ هَديا فَعَلَيهِ صِيَام
ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج قبل يَوْم عَرَفَة وَإِن كَانَ
يَوْم عَرَفَة الثَّالِث فقد تمّ صَوْمه وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ
إِلَى أَهله
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: الصّيام لمن
يتمتع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج لمن لم يجد هَديا مَا بَين
أَن يهل بِالْحَجِّ إِلَى يَوْم عَرَفَة فَإِن لم يصم صَامَ
أَيَّام منى
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَعَائِشَة
قَالَا: لم يرخص فِي أَيَّام التَّشْرِيق أَن يصمن إِلَّا
لمتمتع لم يجد هَديا
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عمر قَالَ رخص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمتمتع إِذا
لم يجد الْهَدْي وَلم يصم حَتَّى فَاتَتْهُ أَيَّام الْعشْر
أَن يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق مَكَانهَا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من لم يكن مَعَه هدي فليصم
ثَلَاثَة أَيَّام قبل يَوْم النَّحْر وَمن لم يكن صَامَ تِلْكَ
الثَّلَاثَة أَيَّام فليصم أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام منى
(1/517)
وَأخرج مَالك وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ
قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن
حذاقة بن قيس فَنَادَى فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ: إِن
هَذِه أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله إِلَّا من كَانَ عَلَيْهِ
صَوْم من هدي
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن
الْمسيب عَن عبد الله بن حذاقة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أمره فِي رَهْط أَن يطوفوا فِي منى فِي حجَّة
الْوَدَاع فينادوا إِن هَذِه أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله
فَلَا صَوْم فِيهِنَّ إِلَّا صوما فِي هدي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ:
لَا يُجزئهُ صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَهُوَ متمتع إِلَّا أَن
يحرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا يَصُوم متمتع
إِلَّا فِي الْعشْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: قَالَ
مُجَاهِد يَصُوم الْمُتَمَتّع إِن شَاءَ يَوْمًا من شوّال
وَإِن شَاءَ يَوْمًا من ذِي الْقعدَة قَالَ: وَقَالَ طَاوس
وَعَطَاء: لَا يَصُوم الثَّلَاثَة إِلَّا فِي الْعشْر
وَقَالَ مُجَاهِد
لَا بَأْس أَن يصومهن فِي أشهر الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن مُتْعَة الْحَاج فَقَالَ أهل الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَار وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي حجَّة الْوَدَاع وأهللنا فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجعلوا إهلالكم
بِالْحَجِّ عمْرَة إِلَّا من قلد الْهَدْي فطفنا بِالْبَيْتِ
وبالصفا والمروة وأتينا النِّسَاء ولبسنا الثِّيَاب
وَقَالَ: من قلد الْهَدْي فَإِنَّهُ لَا يحل حَتَّى يبلغ
الْهَدْي مَحَله ثمَّ أمرنَا عَشِيَّة التَّرويَة أَن نهل
بِالْحَجِّ فَإِذا فَرغْنَا من الْمَنَاسِك جِئْنَا فطفنا
بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة وأتينا النِّسَاء ولبسنا
الثِّيَاب
وَقَالَ: من قلد الْهَدْي فَإِنَّهُ لَا يحل حَتَّى يبلغ
الْهَدْي مَحَله ثمَّ أمرنَا عَشِيَّة التَّرويَة أَن نهل
بِالْحَجِّ فَإِذا فَرغْنَا من الْمَنَاسِك جِئْنَا فطفنا
بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة وَقد تمّ حجنا وعلينا الْهَدْي
كَمَا قَالَ الله {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم يجد
فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم}
إِلَى أمصاركم وَالشَّاة تجزىء فَجمعُوا نسكين فِي عَام بَين
الْحَج وَالْعمْرَة فَإِن الله أنزلهُ فِي كِتَابه وَسنة نبيه
وأباحه للنَّاس غير أهل مَكَّة
قَالَ الله تَعَالَى {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد
الْحَرَام} وَأشهر الْحَج الَّتِي ذكر الله شوّال وَذُو
الْقعدَة وَذُو الْحجَّة فَمن تمتّع فِي هَذِه الْأَشْهر
فَعَلَيهِ دم أَو صَوْم والرفث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي
والجدال المراء
وَأخرج مَالك وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر: من
اعْتَمر فِي أشهر
(1/518)
الْحَج فِي شوّال أَو ذِي الْقعدَة أَو ذِي
الْحجَّة فقد استمتع وَوَجَب عَلَيْهِ الْهَدْي أَو الصّيام
إِن لم يجد هَديا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: من اعْتَمر
فِي شوّال أَو فِي ذِي الْقعدَة ثمَّ قَامَ حَتَّى يحجّ فَهُوَ
متمتع عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم يجد
فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله
وَمن اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ رَجَعَ فَلَيْسَ بمتمتع
ذَاك من أَقَامَ وَلم يرجع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كَانَ
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعتمروا فِي
أشهر الْحَج ثمَّ لم يحجوا من عَامهمْ ذَلِك لم يهدوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ عمر: إِذا
اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ أَقَامَ فَهُوَ متمتع فَإِن
رَجَعَ فَلَيْسَ بمتمتع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: من اعْتَمر فِي أشهر
الْحَج ثمَّ أَقَامَ فَهُوَ متمتع فَإِن رَجَعَ فَلَيْسَ
بمتمتع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: من اعْتَمر فِي أشهر
الْحَج ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده ثمَّ حج من عَامه فَلَيْسَ
بمتمتع ذَاك من أَقَامَ وَلم يرجع
وَأخر الْحَاكِم عَن أبي أَنه كَانَ يقْرؤهَا (فَصِيَام
ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر فِي قَوْله
{وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِلَى أهليكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَسَبْعَة إِذا
رجعتم} قَالَ: إِذا رجعتم إِلَى أمصاركم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَسَبْعَة إِذا رجعتم}
قَالَ: إِلَى بِلَادكُمْ حَيْثُ كَانَت
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
{وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ رخصَة إِن شَاءَ
صامهن فِي الطَّرِيق وَإِن شَاءَ صامها بعد مَا رَجَعَ إِلَى
أَهله وَلَا يفرق بَينهُنَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء وَالْحسن {وَسَبْعَة إِذا رجعتم}
قَالَ عَطاء: فِي الطَّرِيق إِن شَاءَ
وَقَالَ الْحسن: إِذا رَجَعَ إِلَى مصره
(1/519)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن
سعيد بن جُبَير قَالَ: إِن أَقَامَ صامهن بِمَكَّة إِن شَاءَ
وَأخرج وَكِيع عَن عَطاء {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِذا
قضيتم حَجكُمْ وَإِذا رَجَعَ إِلَى أَهله أحب إِلَيّ
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن طَاوس {وَسَبْعَة إِذا
رجعتم} قَالَ: إِن شَاءَ فرق
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {تِلْكَ عشرَة
كَامِلَة} قَالَ: كَامِلَة من الْهَدْي
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ تمتّع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الوادع بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَج وَأهْدى فساق مَعَه الْهَدْي من ذِي الحليفة
وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأهل
بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ فتمتع النَّاس مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج
فَكَانَ من النَّاس من أهْدى فساق الْهَدْي وَمِنْهُم من لم
يهد فَلَمَّا قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة
قَالَ للنَّاس: من مِنْكُم أهْدى فَإِنَّهُ لَا يحل لشَيْء حرم
مِنْهُ حَتَّى يقْضِي حجه وَمن لم يكن أهْدى فليطف بِالْبَيْتِ
وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثمَّ ليهل بِالْحَجِّ فَمن لم
يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا
رَجَعَ إِلَى أَهله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عمرَان بن
حُصَيْن قَالَ نزلت آيَة الْمُتْعَة فِي كتاب الله وفعلناها
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لم ينزل آيَة
تنسخ آيَة مُتْعَة الْحَج وَلم ينْه عَنْهَا حَتَّى مَاتَ
قَالَ رجل بِرَأْيهِ مَا شَاءَ
وَأخرج مُسلم عَن أبي نَضرة قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَأْمر
بِالْمُتْعَةِ وَكَانَ ابْن الزبير ينْهَى عَنْهَا
فَذكر ذَلِك لجَابِر بن عبد الله فَقَالَ: على يَدي دَار
الحَدِيث تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قَامَ عمر قَالَ: إِن الله كَانَ يحل لرَسُول الله
مَا شَاءَ مِمَّا شَاءَ وَإِن الْقُرْآن قد نزل مَنَازِله
فاتموا الْحَج وَالْعمْرَة كَمَا أَمركُم الله وافصلوا حَجكُمْ
عَن عُمْرَتكُمْ فَإِنَّهُ أتم لحجكم وَأتم لعمرتكم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي مُوسَى
قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
بالبطحاء فَقَالَ: بِمَ أَهلَلْت قلت: أَهلَلْت بإهلال
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل سقت من هدي قلت:
لَا
قَالَ: طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ حل
فطفت بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ أتيت امْرَأَة من قومِي
فمشطتني وغسلت رَأْسِي فَكنت
(1/520)
أُفْتِي النَّاس بذلك فِي إِمَارَة أبي بكر
وإمارة عمر فَإِنِّي لقائم بِالْمَوْسِمِ إِذا جَاءَنِي رجل
فَقَالَ: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي
شَأْن النّسك
فَقلت: أَيهَا النَّاس من كُنَّا أفتيناه بِشَيْء فليتئد
فَهَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قادم عَلَيْكُم فبه فائتموا
فَلَمَّا قدم قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا الَّذِي
أحدثت فِي شَأْن النّسك قَالَ: أنْ نَأْخُذ بِكِتَاب الله
فَإِن الله قَالَ {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} وَأَن
نَأْخُذ بِسنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحل حَتَّى
نحر الْهَدْي
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَأحمد عَن الْحسن
أَن عمر بن الْخطاب هم أَن ينْهَى عَن مُتْعَة الْحَج فَقَامَ
إِلَيْهِ أبي بن كَعْب فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك لَك قد نزل بهَا
كتاب الله واعتمرناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَنزل عمر
وَأخرج مُسلم عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ: كَانَ عُثْمَان
ينْهَى عَن الْمُتْعَة وكا عَليّ يَأْمر بهَا
فَقَالَ عُثْمَان لعَلي كلمة فَقَالَ عَليّ: لقد علمت أَنا قد
تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
أجل وَلَكنَّا كُنَّا خَائِفين
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه عُثْمَان بن عَفَّان أَنه سُئِلَ
عَن الْمُتْعَة فِي الْحَج فَقَالَ: كَانَت لنا لَيست لكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَت
الْمُتْعَة فِي الْحَج لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَاصَّة
وَأخرج مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ: لَا تصلح المتعتان إِلَّا لنا
خَاصَّة يَعْنِي مُتْعَة النِّسَاء ومتعة الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن سعيد بن
الْمسيب قَالَ: اخْتلف عَليّ وَعُثْمَان وهما بسعفان فِي
الْمُتْعَة فَقَالَ عَليّ: مَا تُرِيدُ إِلَّا أَن تهنى عَن
أَمر فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
فَلَمَّا رأى ذَلِك عَليّ أهل بهما جَمِيعًا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي جَمْرَة قَالَ: سَأَلت
ابْن عَبَّاس عَن الْمُتْعَة فَأمرنِي بهَا وَسَأَلته عَن
الْهَدْي فَقَالَ: فِيهَا جزور أَو بقرة أَو شَاة أَو شرك فِي
دم
قَالَ: وَكَانَ نَاس كرهوها فَنمت فَرَأَيْت فِي الْمَنَام
كَأَن انساناً يُنَادي حج مبرور ومتعة متقبلة فَأتيت ابْن
عَبَّاس فَحَدَّثته فَقَالَ: الله أكبر سنة أبي الْقَاسِم صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد وَعَطَاء عَن
جَابر قَالَ: كثرت القالة من النَّاس فخرجنا حجاجاً حَتَّى
إِذا لم يكن بَيْننَا وَبَين أَن نحل إِلَّا لَيَال قَلَائِل
أمرنَا
(1/521)
بالإحلال فَقُلْنَا: أيروح أَحَدنَا إِلَى
عَرَفَة وفرجه يقطر منياً فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أبالله تعلموني
أَيهَا النَّاس فانا وَالله أعلمكُم بِاللَّه وأتقاكم لَهُ
وَلَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت هَديا
ولحللت كَمَا أحلُّوا فَمن لم يكن مَعَه هدي فليصم ثَلَاثَة
أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله وَمن
وجد هَديا فلينحر فَكُنَّا نَنْحَر الْجَزُور عَن سَبْعَة
قَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قسم يَوْمئِذٍ فِي أَصْحَابه غنما فَأصَاب سعد
بن أبي وَقاص تَيْس فذبحه عَن نَفسه
وَأخرج مَالك عَن ابْن عمر قَالَ: لِأَن اعْتَمر قبل الْحَج
وأهدي أحب إِلَيّ من أَنا اعْتَمر بعد الْحَج فِي ذِي الْحجَّة
أما قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري
الْمَسْجِد الْحَرَام}
أخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء فِي
قَوْله {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
قَالَ: سِتّ قربات
عَرَفَة وعرنة والرجيع والنخلتان وَمر الظهْرَان وضجنان
وَقَالَ مُجَاهِد: هم أهل الْحرم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: هم أهل الْحرم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الْحرم كُله هُوَ الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والأزرقي عَن عَطاء بن
أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ: هُوَ
الْحرم أجمع
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن
الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ: هُوَ الْحرم أجمع
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
قَالَ: أساس الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي وَضعه إِبْرَاهِيم
عَلَيْهِ السَّلَام من الحزوة إِلَى الْمَسْعَى إِلَى مخرج سيل
جِيَاد
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِنَّا لنجد
فِي كتاب الله أَن حد الْمَسْجِد الْحَرَام من الحزور إِلَى
الْمَسْعَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
لَيْسَ لأحد حاضري
(1/522)
الْمَسْجِد الْحَرَام رخصَة فِي الإِحصار
لِأَن الرجل إِذا مرض حمل ووقف بِهِ بِعَرَفَة وَيُطَاف بِهِ
مَحْمُولا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عُرْوَة قَالَ {ذَلِك
لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} عَنى بذلك أهل
مَكَّة لَيست لَهُم مُتْعَة وَلَيْسَ عَلَيْهِم إحصار لقربهم
من الْمشعر
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: من لَهُ
الْمُتْعَة فَقَالَ: قَالَ الله {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري
الْمَسْجِد الْحَرَام} فاما الْقرى الْحَاضِرَة الْمَسْجِد
الْحَرَام الَّتِي لَا تتمتع أَهلهَا فالمطمئنة بِمَكَّة
المطلة عَلَيْهَا نخلتان وَمر الظهْرَان وعرفة وضجنان والرجيع
وَأما الْقرى الَّتِي لَيست بحاضرة الْمَسْجِد الْحَرَام
الَّتِي يتمتع أَهلهَا إِن شاؤوا فالسفر وَالسّفر مَا يقصر
إِلَيْهِ الصَّلَاة عسفان وَجدّة ورهاط واشباه ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الْمُتْعَة للنَّاس إِلَّا لأهل مَكَّة هِيَ لمن لم يكن أَهله
فِي الْحرم وَذَلِكَ قَول الله {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري
الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس
أَنه كَانَ يَقُول: يَا أهل مَكَّة إِنَّه لَا مُتْعَة لكم
أحلّت لأهل الْآفَاق وَحرمت عَلَيْكُم إِنَّمَا يقطع أحدكُم
وَاديا ثمَّ يهل بِعُمْرَة {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري
الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
أَنه سُئِلَ عَن امْرَأَة صرورة أتعتمر فِي حجتها قَالَ: نعم
إِن الله جعلهَا رخصَة إِن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد
الْحَرَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ على أهل
مَكَّة هدي فِي مُتْعَة ثمَّ قَرَأَ {ذَلِك لمن لم يكن أَهله
حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة
هدي فِي مُتْعَة ثمَّ قَرَأَ {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري
الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: لَيْسَ على أهل
مَكَّة مُتْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لَيْسَ
لأهل مَكَّة وَلَا من توطن مَكَّة مُتْعَة
(1/523)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ:
الْمُتْعَة للنَّاس أَجْمَعِينَ إِلَّا أهل مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَيْسَ على أهل
مَكَّة مُتْعَة وَلَا إحصار إِنَّمَا يغشون حَتَّى يقضوا حجهم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله
شَدِيد الْعقَاب}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطرف أَنه تَلا قَوْله تَعَالَى {إِن
الله شَدِيد الْعقَاب} قَالَ: لَو يعلم النَّاس قدر عُقُوبَة
الله ونقمة الله وبأس الله ونكال الله لما رقأ لَهُم دمع وَمَا
قرت أَعينهم بِشَيْء
(1/524)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ
وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا
مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
(197)
قَوْله تَعَالَى: الْحَج أشهر مَعْلُومَات
فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال
فِي الْحَج وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله وتزوّدوا فَإِن
خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يَا أولي الْأَلْبَاب
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي قَوْله {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} شوّال وَذُو الْقعدَة
وَذُو الْحجَّة
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج أشهر مَعْلُومَات
شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَج أشهر
مَعْلُومَات} شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب
{الْحَج أشهر مَعْلُومَات} شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو
الْحجَّة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن
أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن نَافِع
أَنه سُئِلَ أسمعت عبد الله بن عمر يُسَمِّي شهور الْحَج
فَقَالَ: نعم كَانَ يسمّي شوالاً وَذَا الْقعدَة وَذَا
الْحجَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عمر {الْحَج أشهر
مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من
ذِي الْحجَّة
(1/524)
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن
أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود {الْحَج أشهر
مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من
ذِي الْحجَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس
{الْحَج أشهر مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو القعده وَعشر
من ذِي الْحجَّة لَا يفْرض الْحَج إِلَّا فِيهِنَّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الزبير {الْحَج أشهر
مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو القعده وَعشر من ذِي
الْحجَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن وَمُحَمّد وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ عَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَقَالَ: الْحَج
أشهر مَعْلُومَات لَيْسَ فِيهِنَّ عمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
قَالَ: مَا أحد من أهل الْعلم شكّ أَن عمْرَة فِي غير أشهر
الْحَج أفضل من عمْرَة فِي أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ عمر: افصلوا
بَين حَجكُمْ وعمرتكم اجعلوا الْحَج فِي أشهر وَاجْعَلُوا
الْعمرَة فِي غير أشهر الْحَج أتم لحجكم ولعمرتكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عون قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِم
عَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَقَالَ: كَانُوا لَا يرونها
تَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فَمن فرض فِيهِنَّ
الْحَج} قَالَ: من أهلَّ فِيهِنَّ الْحَج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: الْفَرْض الإِحرام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الزبير {فَمن فرض فِيهِنَّ
الْحَج} قَالَ: الإِهلال
وأخرح ابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
ابْن الزبير قَالَ: فرض الْحَج الإِحرام
وأخرح ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْفَرْض
الإِهلال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: الإِهلال
فَرِيضَة الْحَج
(1/525)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَمن
فرض فِيهِنَّ الْحَج} يَقُول: من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن
يحرم بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهر الْحَج من أجل قَول الله
{الْحَج أشهر مَعْلُومَات}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يحرم بِالْحَجِّ
إِلَّا فِي أشهر الْحَج فَإِن من سنة الْحَج أَن يحرم
بِالْحَجِّ فِي أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحرم بِالْحَجِّ
إِلَّا فِي أشهر الْحَج
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي شيبَة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء أَنه قَالَ لرجل قد أحرم
بِالْحَجِّ فِي غير أشهر الْحَج: اجْعَلْهَا عمْرَة فَإِنَّهُ
لَيْسَ لَك حج فَإِن الله يَقُول {الْحَج أشهر مَعْلُومَات
فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: فَمن فرض فِيهِنَّ
الْحَج فَلَا يَنْبَغِي أَن يُلَبِّي بِالْحَجِّ ثمَّ يُقيم
بِأَرْض
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الن عمر {فَمن فرض
فِيهِنَّ الْحَج} قَالَ: التَّلْبِيَة والإِحرام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود {فَمن فرض فِيهِنَّ
الْحَج} قَالَ: التَّلْبِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج}
قَالَ: التَّلْبِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن خَلاد بن السَّائِب
عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن آمُر أَصْحَابِي أَن يرفعوا
أَصْوَاتهم بالاهلال والتلبية فَإِنَّهَا شعار الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن
حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن زيد بن عَليّ الْجُهَنِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جَاءَنِي
جِبْرِيل فَقَالَ: مر أَصْحَابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتهم
بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا من شعار الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الزبير قَالَ: التَّلْبِيَة
زِينَة الْحَج
(1/526)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن
خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بكر الصّديق أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَعْمَال
أفضل قَالَ: العج والثج
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن سعد عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من ملب
يُلَبِّي إِلَّا لبّى مَا عَن يَمِينه وشماله من حجر أَو شجر
أَو مدر حَتَّى تَنْقَطِع الأَرْض من هَهُنَا وَهَهُنَا عَن
يَمِينه وشماله
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من محرم يُضحي لله
يَوْمه يُلَبِّي حَتَّى تغيب الشَّمْس إِلَّا غَابَتْ بذنوبه
فَعَاد كَمَا وَلدته أمه
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن
تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبيْك
اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك لبيْك إِن الْحَمد
وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك
وَكَانَ ابْن عمر يزِيد فِيهَا لبيْك لبيْك وَسَعْديك
وَالْخَيْر بيديك لبيْك وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل
وَأخرج وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس
أَن رجلا أوقصته رَاحِلَته وَهُوَ محلام فَمَاتَ فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغسلوه بِمَاء وَسدر
وكفنوه فِي ثوبيه وَلَا تخمروا رَأسه وَلَا وَجهه فَإِنَّهُ
يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبياً
وَأخرج الشَّافِعِي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: مَا سمى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تلبيته حجا قطّ وَلَا
عمْرَة
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ من تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لبيْك إِلَه الْخلق لبيْك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص
أَنه سمع بعض بني أَخِيه وَهُوَ يُلَبِّي: يَا ذَا المعارج
فَقَالَ سعد: إِنَّه لذُو المعارج وَمَا هَكَذَا كُنَّا نلبي
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الشَّافِعِي عَن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا فرغ من تَلْبِيَة سَأَلَ
الله رضوانه وَالْجنَّة واستعاذه برحمته من النَّار
وَأخرج الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكثر من التَّلْبِيَة
أما قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي
الْحَج}
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَلَا رفث وَلَا
فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج}
(1/527)
قَالَ: الرَّفَث الاعرابة والتعريض
للنِّسَاء بِالْجِمَاعِ والفسوق الْمعاصِي كلهَا والجدال
جِدَال الرجل لصَاحبه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي
أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث} قَالَ: لَا جماع وَلَا
فسوق
قَالَ: الْمعاصِي وَالْكذب
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالْفِرْيَابِي
وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو
يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة: الرَّفَث الْجِمَاع
والفسوق الْمعاصِي والجدال المراء
وَفِي لفظ: أَن تُمَارِي صَاحبك حَتَّى يغضبك أَو تغضبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الرَّفَث غشيان النِّسَاء والقبل والغمز وَأَن يعرض لَهَا
بالفحش من الْكَلَام والفسوق معاصي الله كلهَا والجدال المراء
والملاحاة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق
وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس
عَن قَوْله {فَلَا رفث} قَالَ: الرَّفَث الَّذِي ذكر هُنَا
لَيْسَ الرَّفَث الَّذِي ذكر فِي (أحل لكم لَيْلَة الصّيام
الرَّفَث) (الْبَقَرَة الْآيَة 187) ذَاك الْجِمَاع هَذَا
العراب بِكَلَام الْعَرَب والتعريض بِذكر النِّكَاح
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
الْعَالِيَة قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ ابْن عَبَّاس وَهُوَ محرم
يرتجز بالإِبل وَيَقُول: وَهن يَمْشين بِنَا هَميسا إِن صدق
الطير نَنكْ لَميسا فَقلت: أَتَرْفُثُ وَأَنت محرم قَالَ:
إِنَّمَا الرَّفَث مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي
الْآيَة قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي والجدال
السباب والمنازعة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن
ابْن عمر فِي قَوْله {فَلَا رفث} قَالَ: غشيان النِّسَاء
{وَلَا فسوق} قَالَ: السباب {وَلَا جِدَال} قَالَ: المراء
(1/528)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عمر فِي الْآيَة فَقَالَ: الرَّفَث اتيان النِّسَاء
والتكلم بذلك للرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا ذكرُوا ذَلِك
بأفواههم والفسوق اتيان معاصي الله فِي الْحرم والجدال السباب
والمراء الْخُصُومَات
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ ابْن عمر يَقُول
للحادي: لَا تعرض بِذكر النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس أَن عبد الله بن الزبير
قَالَ: إيَّاكُمْ وَالنِّسَاء فَإِن الاعراب من الرَّفَث
قَالَ طَاوس: وأخبرت بذلك ابْن عَبَّاس فَقَالَ: صدث ابْن
الزبير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس
أَنه كره الاعراب للْمحرمِ قيل: وَمَا الاعراب قَالَ: أَن
يَقُول لَو أحللت قد أصبتك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ:
الرَّفَث اتيان النِّسَاء والجدال تُمَارِي صَاحبك حَتَّى
تغضبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والشيرازي فِي الألقاب عَن
ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق
والمنابزة بِالْأَلْقَابِ تَقول لأخيك: يَا ظَالِم يَا فَاسق
والجدال أَن تجَادل صَاحبك حَتَّى تغضبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة قَالَا:
الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي والجدال المراء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك وَعَطَاء
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: الرَّفَث اتيان
النِّسَاء والفسوق السباب والجدال المماراة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: الرَّفَث الغشيان
والفسوق السباب والجدال الِاخْتِلَاف فِي الْحَج
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله
{فَلَا رفث} قَالَ: لَا جماع {وَلَا فسوق} لَا سباب {وَلَا
جِدَال} لَا مراء
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله
{وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: الْجِدَال كَانَت قُرَيْش
إِذا اجْتمعت بمنى قَالَ هَؤُلَاءِ: حجنا أتم من حَجكُمْ
وَقَالَ هَؤُلَاءِ: حجنا أتم من حَجكُمْ
(1/529)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله
{وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: كَانُوا يقفون مَوَاقِف
مُخْتَلفَة يتجادلون كلهم يَدعِي أَن موقفه موقف إِبْرَاهِيم
فَقَطعه الله حِين أعلم نبيه بمناسكهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا جِدَال فِي الْحَج}
قَالَ: لَا شُبْهَة فِي الْحَج وَلَا شكّ فِي الْحَج قد بَين
وَعلم وقته كَانُوا يحجون فِي ذِي الْحجَّة عَاميْنِ وَفِي
الْمحرم عَاميْنِ ثمَّ حجُّوا فِي صفر من أجل النسيء الَّذِي
نسأ لَهُم أَبُو يمامة حِين وفقت حجَّة أبي بكر فِي ذِي
الْقعدَة قبل حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَابل فِي ذِي الْحجَّة
فَذَلِك حِين يَقُول: إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته
يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: صَار الْحَج فِي
ذِي الْحجَّة فَلَا شهر ينسىء
وَأخرج سُفْيَان وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حج هَذَا
الْبَيْت فَلم يرْفث وَلم يفسق خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته
أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
مثله
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده عَن جَابر بن عبد الله قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قضى نُسكه وَقد
سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده غفر لَهُ مَا تقدم من
ذَنبه
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عمل أحبّ إِلَى الله
من جِهَاد فِي سَبيله وَحجَّة مبرورة متقبلة لَا رفث وَلَا
فسوق وَلَا جِدَال
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن سعيد بن الْمسيب
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عمل
بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بعد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أفضل
من حجَّة مبرورة لَا رفث فِيهَا وَلَا فسوق وَلَا جِدَال
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت
خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجاجاً
وَكَانَت زاملتنا مَعَ غُلَام أبي بكر فَجَلَسْنَا نَنْتَظِر
حَتَّى تَأْتِينَا فَاطلع
(1/530)
الْغُلَام يمشي مَا مَعَه بعيره فَقَالَ
أَبُو بكر: أَيْن بعيرك قَالَ: أضلني اللَّيْلَة فَقَامَ أَبُو
بكر يضْربهُ بعير وَاحِد أضلك وَأَنت رجل فَمَا يزِيد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن تَبَسم وَقَالَ:
انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمحرم مَا يصنع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: لَا ينظر الْمحرم فِي
الْمرْآة وَلَا يَدْعُو على أحد وَإِن ظلمه
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد
التَّقْوَى واتقون يَا أولي الْأَلْبَاب} أخرج عبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن
الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْيمن يحجون وَلَا يتزوّدون
يَقُولُونَ: نَحن متوكلون ثمَّ يقدمُونَ فَيسْأَلُونَ النَّاس
فَأنْزل الله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ نَاس يخرجُون من أهلهم لَيست مَعَهم أزودة يَقُولُونَ:
نحج بَيت الله وَلَا يطعمنا
فَقَالَ الله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} مَا يكف
وُجُوهكُم عَن النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ:
كَانُوا إِذا أَحْرمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوَادهم رموا بهَا
واستأنفوا زادا آخرا فَأنْزل الله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد
التَّقْوَى} فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا أَن يتزوّدوا الكعك
والدقيق والسويق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الزبير قَالَ: كَانَ النَّاس يتوكل
بَعضهم على بعض فِي الزَّاد فَأَمرهمْ الله أَن يتزوّدوا
فَقَالَ {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى}
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانَ
النَّاس من الْأَعْرَاب يحجون بِغَيْر زَاد وَيَقُولُونَ:
نتوكل على الله فَأنْزل الله {وتزوّدوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد
التَّقْوَى} قَالَ: كَانَ أنَاس من أهل الْيمن يحجون وَلَا
يتزوّدون فَأَمرهمْ الله بالزاد وَالنَّفقَة فِي سَبِيل الله
وَأخْبرهمْ أَن خير الزَّاد التَّقْوَى
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة
فِي قَوْله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} قَالَ:
كَانَ أنَاس يقدمُونَ مَكَّة بِغَيْر زَاد فِي أَيَّام الْحَج
فَأمروا بالزاد
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وتزوّدوا} قَالَ:
السويق والدقيق والكعك
(1/531)
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد
بن جُبَير {وتزوّدوا} قَالَ: الخشكناتج والسويق
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن سعيد بن جُبَير {وتزوّدوا}
قَالَ: هُوَ الكعك وَالزَّيْت
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة وَعبد
بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ {وتزوّدوا} قَالَ: الطَّعَام
التَّمْر والسويق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حبَان قَالَ لما نزلت
هَذِه الْآيَة {وتزوّدوا} قَامَ رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين
فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا نجد زاداً نتزوده
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تزوّد مَا تكف
بِهِ وَجهك عَن النَّاس وَخير مَا تزودتم بِهِ التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن سُفْيَان قَالَ:
فِي قِرَاءَة عبد الله / وتزوّدوا وَخير الزَّاد التَّقْوَى /
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جرير بن عبد الله عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من يتزوّد فِي الدُّنْيَا يَنْفَعهُ
فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن الزبير بن
الْعَوام سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
الْعباد عباد الله والبلاد بِلَاد الله فَحَيْثُ وجدت خيرا
فأقم وَاتَّقِ الله
وَأخرج أَحْمد وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه والأصبهاني عَن رجل من أهل الْبَادِيَة قَالَ أَخذ بيَدي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يعلمني مِمَّا علمه
الله فَكَانَ فِيمَا حفظت عَنهُ أَن قَالَ: إِنَّك لن تدع
شَيْئا اتقاء الله إِلَّا أَعْطَاك الله خيرا مِنْهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والأصبهاني فِي التَّرْغِيب
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا أَكثر مَا يدْخل النَّاس الْجنَّة قَالَ: تقوى الله
وَحسن الْخلق وَسُئِلَ مَا أَكثر مَا يدْخل النَّاس النَّار
قَالَ: الأجوفان: الْفَم والفرج
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن رجل من
بني سليط قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ يَقُول: الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يَخْذُلهُ وَلَا
يَظْلمه التَّقْوَى هَهُنَا التَّقْوَى هَهُنَا وَأَوْمَأَ
بِيَدِهِ إِلَى صَدره
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن قَتَادَة بن عَيَّاش قَالَ لما
عقد لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قومِي
(1/532)
أَتَيْته مودعاً لَهُ فَقَالَ: جعل الله
التَّقْوَى زادك وَغفر ذَنْبك ووجهك للخير حَيْثُ تكون
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أُرِيد سفرا فزوّدني فَقَالَ:
زوّدك الله التَّقْوَى قَالَ: زِدْنِي
قَالَ: وَغفر ذَنْبك
قَالَ: زِدْنِي بِأبي أَنْت وَأمي
قَالَ: وَيسر لَك الْخَيْر حَيْثُمَا كنت
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد سفرا فَقَالَ:
أوصني
قَالَ: أوصيك بتقوى الله وَالتَّكْبِير على كل شرف فَلَمَّا
مضى قَالَ: اللَّهُمَّ ازو لَهُ الأَرْض وهوّن عَلَيْهِ السّفر
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي بكر
أَنه قَالَ فِي خطبَته: الصدْق أَمَانَة وَالْكذب خِيَانَة
أَكيس الْكيس التقى وأنوك النوك الْفُجُور
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن عمر بن
الْخطاب
أَنه كتب إِلَى ابْنه عبد الله: أما بعد فَإِنِّي أوصيك بتقوى
الله فَإِنَّهُ من اتَّقَاهُ وفاه وَمن أقْرضهُ جزاه وَمن شكره
زَاده وَاجعَل التَّقْوَى نصب عَيْنَيْك وجلاء قَلْبك وَاعْلَم
أَنه لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَلَا أجر لمن لَا حَسَنَة
لَهُ وَلَا مَال لمن لَا رفق لَهُ وَلَا جَدِيد لمن لَا خلق
لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن دِينَار قَالَ:
سَأَلت الْحسن مَا زين الْقُرْآن قَالَ: التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة قَالَ: مَكْتُوب فِي
التَّوْرَاة: ابْن آدم اتَّقِ الله ونم حَيْثُ شِئْت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ:
الإِيمان عُرْيَان ولباسه التَّقْوَى وزينته الْحيَاء وَمَاله
الْعِفَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن دَاوُد بن هِلَال قَالَ: كَانَ
يُقَال: الَّذِي يُقيم بِهِ العَبْد وَجهه عِنْد الله
التَّقْوَى ثمَّ يتبعهُ الْوَرع
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عُرْوَة قَالَ: كتبت عَائِشَة
إِلَى مُعَاوِيَة
أما بعد فَاتق الله فَإنَّك إِذا اتَّقَيْت الله كَفاك النَّاس
وَإِذا اتَّقَيْت النَّاس لم يغنوا عَنْك من الله شَيْئا
(1/533)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي حَازِم
قَالَ: ترصدني أَرْبَعَة عشر عدوا أما أَرْبَعَة مِنْهَا
فشيطان يضلني وَمُؤمن يحسدني وَكَافِر يقتلني ومنافق يبغضني
وَأما الْعشْرَة مِنْهَا فالجوع والعطش وَالْحر وَالْبرد
والعري والهرم وَالْمَرَض والفقر وَالْمَوْت وَالنَّار وَلَا
أطيقهن إِلَّا بسلاح تَامّ وَلَا أجد لَهُم سِلَاحا أفضل من
التَّقْوَى
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن أبي نجيح
قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام:
أوتينا مِمَّا أُوتِيَ النَّاس وَمِمَّا لم يؤتوا وَعلمنَا
مِمَّا علم النَّاس وَمَا لم يعلمُوا فَلم نجد شَيْئا هُوَ
أفضل من تقوى الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَالْعدْل فِي
الرِّضَا وَالْغَضَب وَالْقَصْد فِي الْغنى والفقر
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ يُقَال:
من اتَّقى الله أحبه النَّاس وَإِن كَرهُوا
(1/534)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ
كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح
أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات
فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هدَاكُمْ
وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين
أخرج سُفْيَان وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت عكاظ ومجنة وَذُو
الْمجَاز أسواقاً فِي الْجَاهِلِيَّة فتأثموا أَن يتجروا فِي
الْمَوْسِم فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
ذَلِك فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من
ربكُم} فِي مواسم الْحَج
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانُوا يَتَّقُونَ الْبيُوع وَالتِّجَارَة فِي الْمَوْسِم
وَالْحج وَيَقُولُونَ: أَيَّام ذكر الله فَنزلت {لَيْسَ
عَلَيْكُم جنَاح} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ من
طَرِيق عبيد بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس: فِي أوّل الْحَج
كَانُوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذِي الْمجَاز ومواسم الْحَج
(1/534)
فخافوا وهم حرم فَأنْزل الله (لَيْسَ
عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي مواسم
الْحَج) فَحدث عبيد بن عُمَيْر أَنه كَانَ يقْرؤهَا فِي
الْمُصحف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة
وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة التَّمِيمِي قَالَ قلت
لِابْنِ عمر: إِنَّا نَاس نكتري فَهَل لنا من حج قَالَ:
أَلَيْسَ تطوفون بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وتأتون
الْمَعْرُوف وترمون الْجمار وتحلقون رؤوسكم قلت: بلَى
فَقَالَ ابْن عمر: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَسَأَلَهُ عَن الَّذِي سَأَلتنِي عَنهُ فَلم يجبهُ
حَتَّى نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة {لَيْسَ
عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} فَدَعَاهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة
وَقَالَ: أَنْتُم حجاج
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الزبير
أَنه قَرَأَ ((لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من
ربكُم فِي مواسم الْحَج))
وَأخرج وَكِيع وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة
وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وابْن الْمُنْذر عَن
ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ / لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا
فضلا من ربكُم فِي مواسم الْحَج /
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن عَطاء قَالَ: نزلت
((لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي
مواسم الْحَج)) وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ((فِي مواسم
الْحَج فابتغوا جينئذ))
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} يَقُول: لَا حرج عَلَيْكُم
فِي الشِّرَاء وَالْبيع قبل الاحرام وَبعده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ
نَاس لَا يتجرون أَيَّام الْحَج فَنزلت فيهم {لَيْسَ عَلَيْكُم
جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم}
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن مُجَاهِد أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ
هَذِه الْآيَة {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من
ربكُم} قَالَ: كَانُوا لَا يتجرون بمنى فَأمروا بِالتِّجَارَة
إِذا أفاضوا من عَرَفَات
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم}
قَالَ: التِّجَارَة فِي الدُّنْيَا وَالْأَجْر فِي الْآخِرَة
(1/535)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
الْآيَة قَالَ: كَانَ نَاس من أهل الْجَاهِلِيَّة يسمون
لَيْلَة النَّفر لَيْلَة الصَّدْر وَكَانُوا لَا يعرجون على
كسير وَلَا ضَالَّة وَلَا لحَاجَة وَلَا يتبغون فِيهَا
تِجَارَة فأحل الله ذَلِك كُله للْمُؤْمِنين أَن يعرجوا على
حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله
أما قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} أخرج
وَكِيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِنَّمَا تسمى عَرَفَات لِأَن جِبْرِيل كَانَ يَقُول لإِبراهيم
عَلَيْهِمَا السَّلَام: هَذَا مَوضِع كَذَا وَهَذَا مَوضِع
كَذَا
فَيَقُول: قد عرفت قد عرفت فَلذَلِك سميت عَرَفَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ:
إِنَّمَا سميت عَرَفَات لِأَنَّهُ قيل لإِبْرَاهِيم حِين أرِي
الْمَنَاسِك عرفت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن عَليّ
مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ
قَالَ: أما بعد - وَكَانَ إِذا خطب قَالَ أما بعد - فَإِن
هَذَا الْيَوْم الْحَج الْأَكْبَر أَلا وَأَن أهل الشّرك
والأوثان كَانُوا يدْفَعُونَ من هَهُنَا قبل أَن تغيب الشَّمْس
إِذا كَانَت الشَّمْس فِي رُؤُوس الْجبَال كَأَنَّهَا عمائم
الرِّجَال فِي وجوهها وَإِنَّا ندفع بعد أَن تغيب الشَّمْس
وَكَانُوا يدْفَعُونَ من الْمشعر الْحَرَام بعد أَن تطلع
الشَّمْس إِذا كَانَت الشَّمْس فِي رُؤُوس الْجبَال كَأَنَّهَا
عمائم الرِّجَال فِي وجوهها وَإِنَّا ندفع قبل أَن تطلع
الشَّمْس مُخَالفا هدينَا لهدي أهل الشّرك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَفَاضَ من عَرَفَات قبل
الصُّبْح فقد تمّ حجه وَمن فَاتَهُ فقد فَاتَهُ الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يطوف الرجل
بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلَالا حَتَّى يهل بِالْحَجِّ فَإِذا
ركب إِلَى عَرَفَة فَمن تيَسّر لَهُ هَدْيه من الإِبل أَو
الْبَقر أَو الْغنم مَا تيَسّر لَهُ من ذَلِك أَي ذَلِك شَاءَ
وَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ فَعَلَيهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام
فِي الْحَج وَذَلِكَ قبل يَوْم عَرَفَة فَإِذا كَانَ آخر يَوْم
من أَيَّام الثَّلَاثَة يَوْم عَرَفَة فَلَا جنَاح عَلَيْهِ
ثمَّ لينطلق حَتَّى يقف بِعَرَفَات من صَلَاة الْعَصْر إِلَى
أَن يكون الظلام ثمَّ ليدفعوا من عَرَفَات إِذا أفاضوا مِنْهَا
حَتَّى يبلغُوا جمعا للَّذي يبيتُونَ بِهِ ثمَّ لِيذكرُوا الله
كثيرا وَأَكْثرُوا التَّكْبِير
(1/536)
والتهاليل قبل أَن تصبحوا ثمَّ أفيضوا
فَإِن النَّاس كَانَ يفيضون وَقَالَ الله (ثمَّ أفيضوا من
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور
رَحِيم) (الْبَقَرَة الْآيَة 199) حَتَّى ترموا الْجَمْرَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حد عَرَفَة من
الْجَبَل المشرف على بطن عَرَفَة إِلَى جبال عَرَفَة إِلَى
ملتقى وصيق ووادي عَرَفَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل عَرَفَة موقف وكل منى نحر
وكل الْمزْدَلِفَة موقف وكل فجاج مَكَّة طَرِيق ومنحر
وَأخرج مُسلم عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: نحرت هَهُنَا وَمنى كلهَا منحر فَانْحَرُوا فِي
رحالكُمْ ووقفت هَهُنَا وعرفة كلهَا موقف ووقفت هنهنا وَجمع
كلهَا موقف
وَأخرج أَحْمد عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل عَرَفَات موقف وَارْفَعُوا عَن
عَرَفَة وكل جمع موقف وَارْفَعُوا عَن محسر وكل فجاج مَكَّة
منحر وكل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَصَححهُ
وَابْن ماجة عَن عَليّ قَالَ: وقف رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة فَقَالَ: هَذِه عَرَفَة وَهُوَ
الْموقف وعرفة كلهَا موقف ثمَّ أَفَاضَ حِين غربت الشَّمْس
وَأَرْدَفَ أُسَامَة بن زيد وَجعل يُشِير بِيَدِهِ على هينته
وَالنَّاس يضْربُونَ يَمِينا وَشمَالًا يلْتَفت إِلَيْهِم
وَيَقُول: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم السكينَة
ثمَّ أَتَى جمعا فصلى بهم الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَلَمَّا
أصبح أَتَى قزَح وقف عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا قزَح وَهُوَ
الْموقف وَجمع كلهَا موقف ثمَّ أَفَاضَ حَتَّى انْتهى إِلَى
وَادي محسر فَفَزعَ نَاقَته فخبب حَتَّى جازوا الْوَادي فَوقف
وَأَرْدَفَ الْفضل ثمَّ أَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا ثمَّ
أَتَى المنحر فَقَالَ: هَذَا المنحر وَمنى كلهَا منحر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن يزِيد بن
شَيبَان قَالَ: أَتَانَا ابْن مربع الْأنْصَارِيّ وَنحن وقُوف
بالموقف فَقَالَ: إِنِّي رَسُول رَسُول الله إِلَيْكُم
يَقُول: كونُوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على ارث من ارث
إِبْرَاهِيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَفَاضَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة وَعَلِيهِ السكينَة
ورديفه أُسَامَة فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم
بِالسَّكِينَةِ فَإِن الْبر لَيْسَ بايجاف
(1/537)
الْخَيل والإِبل
قَالَ: فَمَا رَأَيْتهَا رَافِعَة يَديهَا عَادِية حَتَّى
أَتَى جمعا ثمَّ أرْدف الْفضل ابْن الْعَبَّاس فَقَالَ: أَيهَا
النَّاس إِن الْبر لَيْسَ بايجاف الْخَيل والإِبل فَعَلَيْكُم
بِالسَّكِينَةِ
قَالَ: فَمَا رَأَيْتهَا رَافِعَة يَديهَا حَتَّى أَتَى منى
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه دفع مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة فَسمع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَاءه زجرا شَدِيدا وَضَربا للإِبل
فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِم وَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس
عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ فَإِن الْبر لَيْسَ بالإِيضاع
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا
كَانَ بَدْء الإِيضاع من أهل الْبَادِيَة كَانُوا يقفون حافتي
النَّاس قد عَلقُوا الْعقَاب والعصي فَإِذا أفاضوا تقعقعوا
فانفرت النَّاس فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَإِن ظفري نَاقَته لَا يمس الأَرْض حاركها وَهُوَ
يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة عَن أُسَامَة بن زيد أَنه سَأَلَ كَيفَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير حِين أَفَاضَ من
عَرَفَة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أردفه من
عَرَفَات قَالَ: كَانَ يسير الْعُنُق فَإِذا وجد فجوة نَص
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وقف حَتَّى غربت الشَّمْس فَأقبل يكبر الله
ويهلله ويعظمه ويمجده حَتَّى انْتهى إِلَى الْمزْدَلِفَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفَاضَ من عَرَفَات وَهُوَ
يَقُول: إِلَيْك تعدو قلقاً وضينها مُخَالفا دين النَّصَارَى
دينهَا وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق فِي
المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن عُرْوَة بن الزبير أَن عمر
بن الْخطاب حِين دفع من عَرَفَة قَالَ: إِلَيْك تعدو قلقاً
وضينها مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق
عَن عبد الْملك بن أبي بكر قَالَ: رَأَيْت أَبَا بكر بن عبد
الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام وَأَبا سَلمَة بن سُفْيَان
واقفين على طرف بطن عَرَفَة فوقفت مَعَهُمَا فَلَمَّا دفع
الإِمام دفعا وَقَالا
إِلَيْك تعدو قلقاً وضينها مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا
يكثران من ذَلِك وَزعم أَنه سمع أَبَا بكر عبد الرَّحْمَن يذكر
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولهَا إِذا
دفع
(1/538)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ
عَن ابْن عَبَّاس أَن أُسَامَة بن زيد كَانَ ردف رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة ثمَّ
أرْدف الْفضل من الْمزْدَلِفَة إِلَى منى فكلاهما قَالَ: لم
يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي حَتَّى رمى
جَمْرَة الْعقبَة
وَأخرج مُسلم عَن أُسَامَة بن زيد أَنه كَانَ رَدِيف رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَفَاضَ من عَرَفَة
فَلَمَّا جَاءَ الشّعب أَنَاخَ رَاحِلَته ثمَّ ذهب إِلَى
الْغَائِط فَلَمَّا رَجَعَ جِئْت إِلَيْهِ بالأداوه فَتَوَضَّأ
ثمَّ ركب حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَجمع بهَا بَين الْمغرب
وَالْعشَاء
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن
عمر قَالَ: جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع صلى الْمغرب ثَلَاثًا وَالْعشَاء
رَكْعَتَيْنِ باقامة وَاحِدَة
أما قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام}
أخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والأزرقي فِي تَارِيخ
مَكَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو
أَنه سُئِلَ عَن الْمشعر الْحَرَام فَسكت حَتَّى إِذا هَبَطت
أَيدي الرَّوَاحِل بِالْمُزْدَلِفَةِ قَالَ: هَذَا الْمشعر
الْحَرَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: الْمشعر
الْحَرَام مُزْدَلِفَة كلهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر
أَنه رأى النَّاس يزدحمون على قزَح فَقَالَ: علام يزدحمون
هَؤُلَاءِ كل مَا هَهُنَا مشْعر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فاذكروا الله عِنْد
الْمشعر الْحَرَام} قَالَ: هُوَ الْجَبَل وَمَا حوله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: مَا بَين الجبلين اللَّذين بِجمع مشْعر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا بَين
جبلي مُزْدَلِفَة فَهُوَ الْمشعر الْحَرَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود قَالَ:
لم أجد أحدا يُخْبِرنِي عَن الْمشعر الْحَرَام
وَأخرج مَالك وَابْن جرير عَن عبد الله بن الزبير قَالَ:
عَرَفَة كلهَا موقف إِلَّا بطن عَرَفَة والمزدلفة كلهَا موقف
إِلَّا بطن محسر
(1/539)
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ارْفَعُوا عَن بطن عَرَفَة وَارْفَعُوا عَن بطن محسر
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَيْن
الْمزْدَلِفَة قَالَ: الْمزْدَلِفَة إِذا أفضت من مأزمي
فَذَلِك إِلَى محسر وَلَيْسَ المأزمان مأزما عَرَفَة من
الْمزْدَلِفَة وَلَكِن مفضاهما قَالَ: قف بِأَيِّهِمَا شِئْت
وَأحب إِلَيّ أَن تقف دون قزَح
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِين وقف
بِعَرَفَة هَذَا الْموقف وكل عَرَفَة موقف وَقَالَ حِين وقف
على قزَح: هَذَا الْموقف وكل الْمزْدَلِفَة موقف
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقف عِنْد الْمشعر الْحَرَام وَيقف
النَّاس يدعونَ الله ويكبرونه ويهللونه ويمجدونه ويعظمونه
حَتَّى يدْفع إِلَى منى
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: كَانَ ابْن عمر يقف
بِجمع كلما حج على قزَح نَفسه لَا يَنْتَهِي حَتَّى يتَخَلَّص
عَنهُ فيقف عَلَيْهِ الامام كلما حج
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن عمر
أَنه كَانَ يقدم ضعفة أَهله فيقفون عِنْد الْمشعر الْحَرَام
بِالْمُزْدَلِفَةِ بلَيْل فَيذكرُونَ الله مَا بدا لَهُم ثمَّ
يدْفَعُونَ قبل أَن يقف الإِمام وَقبل أَن يدْفع فَمنهمْ من
يقدم منى لصَلَاة الْفجْر وَمِنْهُم من يقدم بعد ذَلِك فَإِذا
قدمُوا رموا الْجَمْرَة وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: رخص فِي
أُولَئِكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن
عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب بِجمع
بَعْدَمَا صلى الصُّبْح وقف فَقَالَ: إِن الْمُشْركين كَانُوا
لَا يفيضون حَتَّى تطلع الشَّمْس وَيَقُولُونَ: أشرق ثبير
وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خالفهم فَأَفَاضَ
قبل طُلُوع الشَّمْس
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن كُلَيْب الْجُهَنِيّ قَالَ رَأَيْت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته وَقد دفع من
عَرَفَة إِلَى جمع وَالنَّار توقد بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ
يؤمها حَتَّى نزل قَرِيبا مِنْهَا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَت النَّار توقد
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر
وَعُثْمَان
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله بن خَارِجَة عَن
أَبِيه قَالَ: لما أَفَاضَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن
مَرْوَان من المأزمين نظر إِلَى النَّار الَّتِي على قزَح
فَقَالَ لخارجة
(1/540)
بن زيد: يَا أَبَا زيد من أوّل من صنع
النَّار هَهُنَا قَالَ خَارِجَة: كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة
وَضعهَا قُرَيْش وَكَانَت لَا تخرج من الْحرم إِلَى عَرَفَة
وَتقول: نَحن أهل الله قَالَ خَارِجَة: فاخبرني رجال من قومِي
أَنهم رأوها فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانُوا يحجون مِنْهُم حسان
بن ثَابت فِي عدَّة من قومِي قَالُوا: كَانَ قصي بن كلاب قد
أوقد بِالْمُزْدَلِفَةِ نَارا حَيْثُ وقف بهَا حَتَّى يَرَاهَا
من دفع من عَرَفَات
وَأخرج البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: خرجت مَعَ
عبد الله إِلَى مَكَّة ثمَّ قدمنَا جمعا فصلى الصَّلَاتَيْنِ
كل صَلَاة وَحدهَا بآذان وَإِقَامَة الْعشَاء بَينهمَا ثمَّ
صلى الْفجْر حِين طُلُوع الْفجْر وَقَائِل يَقُول: طلع الْفجْر
وَقَائِل يَقُول: لم يطلع الْفجْر ثمَّ قَالَ: أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَاتين الصَّلَاتَيْنِ
حوّلتا عَن وقتهما فِي هَذَا الْمَكَان الْمغرب وَالْعشَاء
فَلَا يقدم النَّاس جمعا حَتَّى يعتموا وَصَلَاة الْفجْر هَذِه
السَّاعَة ثمَّ وقف حَتَّى اسفر ثمَّ قَالَ: لَو أَن أَمِير
الْمُؤمنِينَ أَفَاضَ الْآن أصَاب السّنة فَمَا أَدْرِي أقوله
كَانَ أسْرع أم دفع عُثْمَان فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى
جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن الزبير
قَالَ: من سنة الْحَج أَن يُصَلِّي الإِمام الظّهْر وَالْعصر
وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح بمنى ثمَّ يَغْدُو إِلَى
عَرَفَة فيقيل حَيْثُ قضى لَهُ حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس
خطب النَّاس ثمَّ صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ وقف
بِعَرَفَات حَتَّى تغيب الشَّمْس ثمَّ يفِيض فَإِذا رمى
الْجَمْرَة الْكُبْرَى حل لَهُ كل شَيْء حرم عَلَيْهِ إِلَّا
النِّسَاء وَالطّيب حَتَّى يزور الْبَيْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
عُرْوَة بن مُضرس قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ بِجمع فَقلت: جئْتُك من جبل طيىء وَقد أكلت مطيتي
وأتعبت نَفسِي وَالله مَا تركت من جبل إِلَى وقفت عَلَيْهِ
فَهَل لي من حج فَقَالَ: من صلى مَعنا هَذِه الصَّلَاة فِي
هَذَا الْمَكَان ثمَّ وقف هَذِه الْموقف حَتَّى يفِيض الإِمام
وَكَانَ وقف قبل ذَلِك فِي عَرَفَات لَيْلًا وَنَهَارًا فقد
تمّ حجه وَقضى تفثه
وَأخرج الشَّافِعِي عَن ابْن عمر قَالَ: من أدْرك لَيْلَة
النَّحْر من الْحَاج فَوقف يجبل عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر
فقد أدْرك الْحَج وَمن لم يدْرك عَرَفَة فيقف بهَا قبل أَن
يطلع الْفجْر فقد فَاتَهُ الْحَج فليأت الْبَيْت فليطف بِهِ
سبعا وَيَطوف بَين الصَّفَا
(1/541)
والمروة سبعا ثمَّ ليحلق أَو يقصر إِن
شَاءَ وَإِن كَانَ مَعَه هَدْيه فلينحره قبل أَن يحلق فَإِذا
فرغ من طَوَافه وسعيه فليحلق أَو يقصر ثمَّ ليرْجع إِلَى أَهله
فَإِن أدْركهُ الْحَج قَابلا فليحج إِن اسْتَطَاعَ وليهد
بَدَنَة فَإِن لم يجد هَديا فليصم عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام فِي
الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد
أَن عبد الله بن مَسْعُود لبّى حِين أَفَاضَ من جمع فَقَالَ
أَعْرَابِي: من هَذَا قَالَ عبد الله: انسي النَّاس أم ضلوا
سَمِعت الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة يَقُول فِي
هَذَا الْمَكَان لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن الزبير فِي
قَوْله {واذكروه كَمَا هدَاكُمْ} قَالَ: لَيْسَ هَذَا بعام
هَذَا لأهل الْبَلَد كَانُوا يفيضون من جمع وَيفِيض النَّاس من
عَرَفَات فَأبى الله لَهُم ذَلِك فَأنْزل الله {ثمَّ أفيضوا من
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان {وَإِن كُنْتُم من قبله}
قَالَ: من قبل الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَإِن كُنْتُم من قبله
لمن الضَّالّين} قَالَ: لمن الْجَاهِلين
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي على
رَاحِلَته يَوْم النَّحْر وَيَقُول: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِككُم
فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: دَخَلنَا على
جَابر بن عبد الله فَقلت: أَخْبرنِي عَن حجَّة رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث تسع
سِنِين لم يحجّ ثمَّ أذن فِي النَّاس فِي الْعَاشِرَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاج فَقدم الْمَدِينَة
بشر كثير كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل بِمثل عمله فَخرج رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَخَرجْنَا مَعَه حَتَّى إِذا أَتَيْنَا ذَا
الحليفة فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْمَسْجِد ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى اسْتَوَت بِهِ نَاقَته
على الْبَيْدَاء وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعلم تَأْوِيله فَمَا
عمل بِهِ من شَيْء
(1/542)
عَملنَا بِهِ فَأهل التَّوْحِيد لبيْك
اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد
وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك وَأهل النَّاس بِهَذَا
الَّذِي تهلون بِهِ فَلم يرد عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا مِنْهُ
وَلزِمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلبيته حَتَّى
أَتَيْنَا الْبَيْت مَعَه اسْتَلم الرُّكْن فَرمَلَ ثَلَاثًا
وَمَشى أَرْبعا ثمَّ تقدم إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم فَقَرَأَ
{وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} فَجعل الْمقَام
بَينه وَبَين الْبَيْت فصلى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا بقل
هُوَ الله أحد وبقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ ثمَّ رَجَعَ
إِلَى الْبَيْت فاستلم الرُّكْن ثمَّ خرج من الْبَاب إِلَى
الصَّفَا فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَرَأَ (إِن الصَّفَا
والمروة من شَعَائِر الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 158) فَبَدَأَ
بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَبَدَأَ بالصفا فرقى عَلَيْهِ حَتَّى
رأى الْبَيْت فَكبر الله وَحده وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحي وَيُمِيت
وَهُوَ على كل شَيْء قدير لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز
وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده ثمَّ دَعَا بَين
ذَلِك وَقَالَ: مثل هَذَا ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ نزل إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى انصبت قدماه رمل فِي بطن
الْوَادي حَتَّى إِذا صعد مَشى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَة فَصنعَ
على الْمَرْوَة مثل مَا صنع على الصَّفَا حَتَّى إِذا كَانَ
آخر الطّواف على الْمَرْوَة قَالَ: إِنِّي لَو اسْتقْبلت من
أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي ولجعلتها عمْرَة فَمن
كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَه هدي فليحلل وليجعلها عمْرَة فَحل
النَّاس كلهم وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَمن كَانَ مَعَه هدي فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة
وجهوا إِلَى منى أهلوا بِالْحَجِّ فَركب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فصلى بمنى الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب
وَالْعشَاء وَالصُّبْح ثمَّ مكث قَلِيلا حَتَّى طلعت الشَّمْس
وَأمر بقبة لَهُ من شعر فَضربت بنمرة
فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تشك قُرَيْش
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِف عِنْد الْمشعر
الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَت قُرَيْش تصنع فِي
الْجَاهِلِيَّة فاجاز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ بنمرة
فَنزل بهَا حَتَّى إِذا غربت الشَّمْس أَمر بالقصواء فرحلت
فَركب حَتَّى أَتَى بطن الْوَادي فَخَطب النَّاس فَقَالَ: إِن
دماءكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا
فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا أَلا إِن كل شَيْء من أَمر
الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي مَوْضُوع وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة
مَوْضُوعَة وَأول دم أَضَعهُ دم عُثْمَان بن ربيع بن الْحَرْث
بن الْمطلب وَربا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع وَأول رَبًّا
أَضَعهُ
(1/543)
رَبًّا عَبَّاس بن عبد الْمطلب فَإِنَّهُ
مَوْضُوع كُله اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم
أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله
وَإِن لكم عَلَيْهِنَّ أَن لَا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فَإِن
فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن
بِالْمَعْرُوفِ
وَإِنِّي قد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعده إِن اعتصتم بِهِ
كتاب الله وَأَنْتُم مسؤولون عني فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ
قَالُوا: نشْهد أَنَّك قد بلغت وَأديت وَنَصَحْت قَالَ:
اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثمَّ أذن بِلَال ثمَّ أَقَامَ فصلى الظّهْر
ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا ثمَّ ركب
الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْموقف فَجعل بطن نَاقَته
الْقَصْوَاء إِلَى الصخرات وَجعل جبل المشاة بَين يَدَيْهِ
فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى غربت الشَّمْس
وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا حِين غَابَ القرص وَأَرْدَفَ
أُسَامَة خَلفه فَدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقد شنق للقصواء الزِّمَام حَتَّى أَن رَأسهَا ليصيب مورك
رَحْله وَهُوَ يَقُول بِيَدِهِ الْيُمْنَى: السكينَة أَيهَا
النَّاس كلما أَتَى جبلا من الْجبَال أرْخى لَهَا قَلِيلا
حَتَّى صعد أَتَى الْمزْدَلِفَة فَجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء
بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا شَيْئا
ثمَّ اضْطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلع
الْفجْر فصلى الْفجْر حِين تبين لَهُ الصُّبْح
ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام فرقى
عَلَيْهِ فَاسْتقْبل الْكَعْبَة فَحَمدَ الله وَكبره
وَوَحَّدَهُ فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى أَسْفر جدا ثمَّ دفع قبل
أَن تطلع الشَّمْس حَتَّى أَتَى محسراً فحرك قَلِيلا ثمَّ سلك
الطَّرِيق الْوُسْطَى الَّذِي تخرجك إِلَى الْجَمْرَة
الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة عِنْد الشَّجَرَة
فَرَمَاهَا بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة مِنْهَا فَرمى
بطن الْوَادي ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى المنحر فَنحر بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأمر
عليا مَا غبر وأشركه فِي هَدْيه ثمَّ أَمر من كل بَدَنَة ببضعة
فَجعلت فِي قدر فطبخت فأكلا من لَحمهَا وشربا من مرقتها ثمَّ
ركب ثمَّ أَفَاضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
الْبَيْت فصلى بِمَكَّة الظّهْر ثمَّ أَتَى بني عبد الْمطلب
وهم يسقون على زَمْزَم فَقَالَ: انزعوا بني عبد الْمطلب فلولا
أَن يغلبكم النَّاس على سِقَايَتكُمْ لنزعت مَعكُمْ فأدلوه
دلواً فَشرب مِنْهُ
(1/544)
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم
(1/544)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت
قُرَيْش وَمن دَان دينهَا يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا
يسمون الحمس وَكَانَت سَائِر الْعَرَب يقفون بِعَرَفَات
فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام أَمر نبيه أَن يَأْتِي عَرَفَات ثمَّ
يقف بهَا ثمَّ يفِيض مِنْهَا فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أفيضوا من
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه
قَالَ: كَانَت الْعَرَب تَطوف بِالْبَيْتِ عُرَاة إِلَّا الحمس
والحمس قُرَيْش وَمَا ولدت كَانُوا يطوفون عُرَاة إِلَّا أَن
تعطيهم الحمس ثيابًا فيعطون الرِّجَال الرِّجَال وَالنِّسَاء
النِّسَاء وَكَانَت الحمس لَا يخرجُون من الْمزْدَلِفَة
وَكَانَ النَّاس كلهم يبلغون عَرَفَات قَالَ هِشَام: فَحَدثني
أبي عَن عَائِشَة قَالَ: كَانَت الحمس الَّذين أنزل الله فيهم
{ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} قَالَت: كَانَ
النَّاس يفيضون من عَرَفَات وَكَانَ الحمس يفيضون من
الْمزْدَلِفَة يَقُولُونَ: لَا نفيض إِلَّا من الْحرم
فَلَمَّا نزلت {أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} رجعُوا
إِلَى عَرَفَات
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَت
قُرَيْش: نَحن قواطن الْبَيْت لَا نجاوز الْحرم فَقَالَ الله
{ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ
عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: أضللت بَعِيرًا لي فَذَهَبت أطلبه
يَوْم عَرَفَة فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَاقِفًا مَعَ النَّاس بِعَرَفَة فَقلت وَالله إِن هَذَا لمن
الحمس فَمَا شَأْنه هَهُنَا وَكَانَت قُرَيْش تعد من الحمس
وَزَاد الطَّبَرَانِيّ وَكَانَ الشَّيْطَان قد استهواهم
فَقَالَ لَهُم: إِن عظمتم غير حرمكم استخف النَّاس حرمكم
وَكَانُوا لَا يخرجُون من الْحرم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن
مطعم قَالَ: كَانَت قُرَيْش إِنَّمَا تدفع من الْمزْدَلِفَة
وَيَقُولُونَ: نَحن الحمس فَلَا نخرج من الْحرم وَقد تركُوا
الْموقف على عَرَفَة فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة يقف مَعَ النَّاس بِعَرَفَة على جمل
لَهُ ثمَّ يصبح مَعَ قومه بِالْمُزْدَلِفَةِ فيقف مَعَهم ثمَّ
يدْفع إِذا دفعُوا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن
مطعم قَالَ: لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قبل أَن ينزل عَلَيْهِ وَأَنه لواقف على بعير بِهِ بِعَرَفَات
مَعَ النَّاس يدْفع مَعَهم مِنْهَا وَمَا ذَاك إِلَّا توفيق من
الله
(1/545)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَت الْعَرَب تقف بِعَرَفَة وَكَانَت قُرَيْش دون ذَلِك
بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأنْزل الله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: كَانَت
قُرَيْش يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيقف النَّاس بِعَرَفَة
إِلَّا شيبَة بن ربيعَة فَأنْزل الله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت قُرَيْش وكل
ابْن أُخْت لَهُم وحليف لَا يفيضون مَعَ النَّاس من عَرَفَات
أَنما يفيضون من المغمس كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا نَحن أهل
الله فَلَا نخرج من حرمه فَأَمرهمْ الله أَن يفيضوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس وَكَانَت سنة إِبْرَاهِيم واسماعيل الإِفاضة
من عَرَفَات
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس} قَالَ: إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ
أَفَاضَ النَّاس} قَالَ عَرَفَة كَانَت قُرَيْش تَقول:
إِنَّمَا نَحن حمس أهل الْحرم لَا يخلف الْحرم الْمزْدَلِفَة
أمروا أَن يبلغُوا عَرَفَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
كَانَ النَّاس يقفون بِعَرَفَة إِلَّا قُريْشًا وأحلافها وَهِي
الحمس فَقَالَ بَعضهم: لَا تعظموا إِلَّا الْحرم فَإِنَّكُم
إِن عظمتم غير الْحرم أوشك أَن تتهاونوا بحرمكم فقصروا عَن
مَوَاقِف الْحق فوقفوا بِجمع فَأَمرهمْ الله أَن يفيضوا من
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس من عَرَفَات
أما قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور
رَحِيم}
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم عَرَفَة
هَبَط الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي الْمَلَائِكَة
فَيَقُول لَهُم: عبَادي آمنُوا بوعدي وَصَدقُوا رُسُلِي مَا
جزاؤهم فَيُقَال: أَن يغْفر لَهُم
فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس
وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من يَوْم
أَكثر من أَن يعْتق الله فِيهِ عبدا من النَّار من يَوْم
عَرَفَة وَأَنه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملاءكة فَيَقُول:
مأراده هَؤُلَاءِ
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
(1/546)
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يباهي بِأَهْل عَرَفَات أهل
السَّمَاء فَيَقُول لَهُم: انْظُرُوا عبَادي جاؤوني شعثاً
غبراً
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان
وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: أفضل الْأَيَّام أَيَّام الْعشْر - يَعْنِي عشر
ذِي الْحجَّة - قيل: وَمَا مِثْلهنَّ فِي سَبِيل الله قَالَ:
وَلَا مِثْلهنَّ فِي سَبِيل الله إِلَّا رجل عفر وَجهه
بِالتُّرَابِ وَمَا من يَوْم أفضل عِنْد الله من يَوْم عَرَفَة
ينزل الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فيباهي
بِأَهْل الأضر أهل السَّمَاء فَيَقُول: انْظُرُوا عبَادي
جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رَحْمَتي
ويستعيذون من عَذَابي وَلم يروه فَلم ير يَوْمًا أَكثر عتقا
وعتيقة من النَّار مِنْهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن
الله يباهي مَلَائكَته عَشِيَّة عَرَفَة بِأَهْل عَرَفَة
فَيَقُول: انْظُرُوا عبَادي أَتَوْنِي شعثاً غبراً ضاحين من كل
فج عميق أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا من يَوْم
أَكثر عتقا من النَّار من يَوْم عَرَفَة
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن
طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا رُؤِيَ الشَّيْطَان يَوْمًا هُوَ
فِيهِ أَصْغَر وَلَا أَحْقَر وَلَا ادحر وَلَا أَغيظ مِنْهُ من
يَوْم عَرَفَة وَمَا ذَاك إِلَّا مِمَّا يرى فِيهِ من تنزل
الرَّحْمَة وَتجَاوز الله عَن الذُّنُوب الْعِظَام إِلَّا مَا
رأى يَوْم بدر
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا الَّذِي رأى يَوْم بدر قَالَ:
رأى جِبْرِيل يَزع الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الفضيل بن عَبَّاس أَنه كَانَ رَدِيف
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة وَكَانَ الْفَتى
يُلَاحظ النِّسَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ببصره هَكَذَا وَصَرفه وَقَالَ يَا ابْن أخي: هَذَا يَوْم من
ملك فِيهِ بَصَره إِلَّا من حق وسَمعه إِلَّا من حق ولسان
إِلَّا من حق غفر لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الدُّعَاء دُعَاء يَوْم
عَرَفَة وَأفضل قولي وَقَول الْأَنْبِيَاء قبلي لَا إِلَه
إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد
يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن
جده قَالَ كَانَ أَكثر دُعَاء
(1/547)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ
الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء
قدير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَليّ بن أبي طَالب قَالَ كَانَ أَكثر دُعَاء رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة يَوْم عَرَفَة اللَّهُمَّ لَك
الْحَمد كَالَّذي نقُول وَخيرا مِمَّا نقُول: اللَّهُمَّ لَك
صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي وَإِلَيْك مآبي وَلَك رب تدآبي
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر ووسوسة الصَّدْر
وشتات الْأَمر اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من خير مَا تَجِيء
بِهِ الرّيح وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تَجِيء بِهِ الرّيح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر بن عبد الله قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يقف
عَشِيَّة عَرَفَة بِالْوَقْفِ يسْتَقْبل الْقبْلَة يوجهه ثمَّ
يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ
الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء
قدير مائَة مرّة ثمَّ يقْرَأ (قل هُوَ الله أحد) (الْإِخْلَاص
الْآيَة 1) مائَة مرّة ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ صل على
مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم
إِنَّك حميد مجيد وعلينا مَعَهم مائَة مرّة إِلَّا قَالَ اله
تَعَالَى: يَا ملائكتي مَا جَزَاء عَبدِي هَذَا سبحني وهللني
وكبرني وعظمني وعرفني وَأثْنى عليَّ وَصلى على نبيي اشْهَدُوا
يَا ملائكتي أَنِّي قد غفرت لَهُ وشفعته فِي نَفسه وَلَو
سَأَلَني عَبدِي هَذَا لشفعته فِي أهل الْموقف كلهم
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا متن غَرِيب وَلَيْسَ إِسْنَاده من
ينْسب إِلَى الْوَضع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن بكير بن عَتيق قَالَ: حججْت فتوسمت
رجلا أقتدي بِهِ إِذا سَالم بن عبد الله فِي الْموقف يَقُول:
لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله
الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير لَا إِلَه
إِلَّا الله إِلَهًا وَاحِدًا وَنحن لَهُ مُسلمُونَ لَا إِلَه
إِلَّا الله وَلَو كره الْمُشْركُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله
رَبنَا وَرب آبَائِنَا الأوّلين
فَلم يزل يَقُول هَذَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس ثمَّ نظر
إِلَيّ وَقَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي عمر بن الْخطاب عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله تبَارك
وَتَعَالَى: من شغله ذكري عَن مَسْأَلَتي أَعْطيته أفضل مَا
أعطي السَّائِلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن عَليّ
بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَكثر دعائي وَدُعَاء الْأَنْبِيَاء قبلي بِعَرَفَة لَا
إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله
الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ
اجْعَل فِي
(1/548)
سَمْعِي نورا فِي بَصرِي نورا وَفِي قلبِي
نورا اللَّهُمَّ اشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي وَأَعُوذ بك
من وسواس الصُّدُور وتشتت الْأُمُور وَعَذَاب الْقَبْر
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا يلج فِي اللَّيْل وَشر
مَا يلج فِي النَّهَار وَشر مَا تهب بِهِ الرِّيَاح شَرّ بوائق
الدَّهْر
وَأخرج الجندي عَن ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ يُؤمر
أَن يكون أَكثر دُعَاء الْمُسلم فِي الْوَقْف: رَبنَا آتنا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب
النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي وَابْن أبي
عَاصِم وَالطَّبَرَانِيّ مَعًا فِي الدُّعَاء وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ مَا من عبد
وَلَا أمة دَعَا الله لَيْلَة عَرَفَة بِهَذِهِ الدَّعْوَات -
وَهِي عشر كَلِمَات - ألف مرّة إِلَّا وَلم يسْأَل الله شَيْئا
الا أعطَاهُ إِيَّاه إِلَّا قطيعة رحم أوإثما
سُبْحَانَ الله الَّذِي فِي السَّمَاء عَرْشه سُبْحَانَ
الَّذِي فِي النَّار سُلْطَانه سُبْحَانَ الَّذِي فِي الْجنَّة
رَحمته سُبْحَانَ الَّذِي فِي الْقُبُور قَضَاؤُهُ سُبْحَانَ
الَّذِي فِي الْهَوَاء روحه سُبْحَانَ الَّذِي رفع السَّمَاء
سُبْحَانَ الَّذِي وضع الأَرْض سُبْحَانَ الَّذِي لَا ملْجأ
وَلَا منجى مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ
قيل لَهُ: أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن صَدَقَة بن يسَار قَالَ: سَأَلت
مُجَاهدًا عَن قِرَاءَة الْقُرْآن أفضل يَوْم عَرَفَة أم
الذّكر قَالَ: لَا بل قِرَاءَة الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي عَن عَليّ بن
أبي طَالب أَنه قَالَ وَهُوَ بِعَرَفَات: لَا أدع هَذَا
الْموقف مَا وجدت إِلَيْهِ سَبِيلا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي
الأَرْض يَوْم أَكثر عتقا للرقاب فِيهِ من يَوْم عَرَفَة
فَأَكْثرُوا فِي ذَلِك الْيَوْم من قَول: اللَّهُمَّ اعْتِقْ
رقبتي من النَّار وأوسع لي فِي الرزق واصرف عني فسقة الْجِنّ
والإِنس فَإِنَّهُ عَامَّة مَا أَدْعُوك بِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة
عَرَفَة اللَّهُمَّ أَنَّك ترى مَكَاني وَتسمع كَلَامي وَتعلم
سري وعلانيتي وَلَا يخفى عَلَيْك شَيْء من أَمْرِي أَنا البائس
الْفَقِير المستغيث المستجير الوجل المشفق الْمقر الْمُعْتَرف
بذنوبه أَسأَلك مَسْأَلَة الْمَسَاكِين وابتهل إِلَيْك ابتهال
المذنب الذَّلِيل وادعوك دُعَاء الْخَائِف المضرور من خضعت لَك
رقبته وفاضت لَك عَيناهُ وَنحل لَك
(1/549)
جسده وَرَغمَ أَنفه اللَّهُمَّ لَا تجعلني
بدعائك شقياً وَكن بِي رؤوفاً رحِيما يَا خير المسؤولين وَيَا
خير المعطين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يرفع صَوته عَشِيَّة عَرَفَة يَقُول: اللَّهُمَّ
اهدنا بِالْهَدْي وزينا بالتقوى واغفر لنا فِي الْآخِرَة
وَالْأولَى ثمَّ يخفصض صَوته بقوله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك
من فضلك رزقا طيبا مُبَارَكًا اللَّهُمَّ إِنِّي أمرت
بِالدُّعَاءِ وقضيت على نَفسك بالإِجابة وَإنَّك لَا تخلف
وَعدك وَلَا تنكث عَهْدك اللَّهُمَّ مَا أَحْبَبْت من خير
فحببه إِلَيْنَا ويسره لنا وَمَا كرهت من شَرّ فكرهه إِلَيْنَا
وجنبناه وَلَا تنْزع منا الإِسلام بعد إِذْ أعطيتناه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي الْمَنَاسِك عَن
أبي مجلز قَالَ: شهِدت ابْن عمر بِالْوَقْفِ بِعَرَفَات
فَسَمعته يَقُول: الله أكبر وَللَّه الْحَمد ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ
الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير مرّة وَاحِدَة
ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبروراً وذنباً مغفوراً
ويسكت قدر مَا يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب ثمَّ يعود فَيَقُول مثل
ذَلِك حَتَّى أَفَاضَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سُلَيْمَان
الدَّارَانِي عَن عبد الله بن أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ:
سُئِلَ عَليّ بن أبي طَالب عَن الْوُقُوف بِالْجَبَلِ ولِمَ لم
يكن فِي الْحرم قَالَ: لِأَن الْكَعْبَة بَيت الله وَالْحرم
بَاب الله فَلَمَّا قصدوه وافدين وقفهم بِالْبَابِ
يَتَضَرَّعُونَ
قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فالوقوف بالمشعر قَالَ:
لِأَنَّهُ لما أذن لَهُم بِالدُّخُولِ وقفهم بالحجاب الثَّانِي
وَهُوَ الْمزْدَلِفَة فَلَمَّا أَن طَال تضرعهم أذن لَهُم
بتقريب قُرْبَانهمْ بمنى فَلَمَّا أَن قضوا تفثهم وقربوا
قُرْبَانهمْ فتطهروا بهَا من الذُّنُوب الَّتِي كَانَت لَهُم
أذن لَهُم بالوفادة إِلَيْهِ على الطَّهَارَة
قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمن أَيْن حرم صِيَام أَيَّام
التَّشْرِيق قَالَ: لِأَن الْقَوْم زاروا الله وهم فِي ضيافته
وَلَا يجوز للضيف أَن يَصُوم دون إِذن من أَضَافَهُ
قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَتعلق الرجل بِأَسْتَارِ
الْكَعْبَة لأي معنى هُوَ قَالَ: مثل الرجل بَينه وَبَين
سَيّده جِنَايَة فَتعلق بِثَوْبِهِ وتنصل إِلَيْهِ وتحدى لَهُ
ليهب لَهُ جِنَايَته
وَأخرج ابْن زَنْجوَيْه والأزرقي والجندي ومسدد وَالْبَزَّار
فِي مسنديهما وَابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب
عَن أنس بن مَالك قَالَ: كنت قَاعِدا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
(1/550)
مَسْجِد الْخيف أَتَاهُ رجل من الْأَنْصَار
وَرجل من ثَقِيف فسلما عَلَيْهِ ثمَّ قَالَا: يارسول الله
جِئْنَا نَسْأَلك
قَالَ: إِن شئتما أخبرتكما بِمَا جئتما تسألاني عَنهُ وَإِن
شئتما سألتماني
قَالَ: أخبرنَا يَا رَسُول الله نزداد إِيمَانًا ويقيناً قَالَ
للْأَنْصَارِيِّ: جِئْت تسْأَل عَن مخرجك من بَيْتك تؤم
الْبَيْت الْحَرَام وَمَا لَك فِيهِ وَعَن طوافك وَمَا لَك
فِيهِ وَعَن ركعتيك بعد الطّواف وَمَا لَك فيهمَا وَعَن طوافك
بَين الصَّفَا والمروة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن وقوفك بِعَرَفَة
وَمَا لَك فِيهِ وَعَن رميك الْجمار وَمَا لَك فِيهِ وَعَن
طوافك بِالْبَيْتِ وَمَا لَك فِيهِ يَعْنِي الإِفاضة
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا جِئْت إِلَّا لأسألك
عَن ذَلِك
وَقَالَ: أما مخرجك من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْحَرَام فَإِن
نَاقَتك لَا ترفع خفاً وَلَا تضعه إِلَّا كتب الله لَك بِهِ
حَسَنَة ومحا بِهِ عَنْك خَطِيئَة وَأما طوافك بِالْبَيْتِ
فَإنَّك لَا ترفع قدماً وَلَا تضعها إِلَّا كتب الله لَك بهَا
حَسَنَة ومحا عَنْك بهَا خَطِيئَة وَرفع لَك بهَا دَرَجَة
وَأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رَقَبَة من بني اسماعيل وَأما
طوافك بَين الصَّفَا والمروة فكعتق سبعين رَقَبَة وَأما وقوفك
عَشِيَّة عَرَفَة فَإِن الله تَعَالَى يهْبط إِلَى سَمَاء
الدُّنْيَا فيباهي بكم الْمَلَائِكَة وَيَقُول: انْظُرُوا
إِلَى عبَادي جاؤوني من كل فج عميق شعثاً غبراً يرجون رَحْمَتي
ومغفرتي فَلَو كَانَت ذنوبهم مثل الرمل وَعدد الْقطر وَمثل زبد
الْبَحْر وَمثل نُجُوم السَّمَاء لغفرتها لَهُم وَيَقُول:
أفيضوا عبَادي مغفوراً لكم وَلم شفعتم فِيهِ وَأما رميك
الْجمار فَإِن الله يغْفر لَك بِكُل حَصَاة رميتها كَبِيرَة من
الْكَبَائِر الموبقات الموجبات وَأما نحرك فمدخور لَك عِنْد
رَبك وَأما طوافك بِالْبَيْتِ - يَعْنِي الافاضة - فَإنَّك
تَطوف وَلَا ذَنْب عَلَيْك ويأتيك ملك فَيَضَع يَده بَين كتفيك
وَيَقُول: اعْمَلْ لما بَقِي فقد كفيت مَا مضى
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان عَن ابْن عمر
قَالَ كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
مَسْجِد منى فَأَتَاهُ رجل من الْأَنْصَار وَرجل من ثَقِيف
فسلما عَلَيْهِ ثمَّ قَالَا: يَا رَسُول الله جِئْنَا نَسْأَلك
فَقَالَ: إِن شئتما أخبرتكما بِمَا جئتما تسألاني عَنهُ فعلت
وَإِن شئتما أَن أمسك وتسألاني فعلت
فَقَالَا: أخبرنَا يَا رَسُول الله فَقَالَ الثَّقَفِيّ
للْأَنْصَارِيِّ: سل
فَقَالَ: اخبرني يَا رَسُول الله
فَقَالَ: جئتن تَسْأَلنِي عَن مخرجك من بَيْتك تؤم الْبَيْت
الْحَرَام وَمَا لَك فِيهِ وَعَن طوافك وَمَا لَك فيهمَا وَعَن
ركعتيك بعد الطّواف وَمَا لَك فيهمَا وَعَن طوافك بَين
الصَّفَا والمروة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن وقوفك عَشِيَّة
عَرَفَة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن رميك
(1/551)
الْجمار وَمَا لَك فِيهِ وَعَن نحرك وَمَا
لَك فِيهِ مَعَ الإِفاضة
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لعن هَذَا جِئْت أَسأَلك
قَالَ: فَإنَّك إِذا خرجت من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْحَرَام
لاتضع نَاقَتك خفاً وَلَا ترفعه إِلَّا كتب الله لَك بِهِ
حَسَنَة ومحى عَنْك خَطِيئَة وَأما ركعتاك بعد الطّواف فكعتق
رَقَبَة من بني اسماعيل وَأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين
رَقَبَة وَأما وقوفك عَشِيَّة عَرَفَة فَإِن الله يهْبط إِلَى
سَمَاء الدُّنْيَا فيباهي بكم الْمَلَائِكَة فَيَقُول: عبَادي
جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون جنتي فَلَو كَانَت
ذنوبكم كعدد الرمل أَو كقطر الْمَطَر أَو كزبد الْبَحْر
لغفرتها أفيضوا عبَادي مغفوراً لكم وَلمن شفعتم لَهُ وَأما
رميك الْجمار فلك بِكُل حَصَاة رميتها تَكْفِير كَبِيرَة من
الموبقات وَأما نحرك فمدخور لَك عِنْد رَبك وَأما حلاقك رَأسك
فلك بِكُل شَعْرَة حلقتها حَسَنَة ويمحى عَنْك بهَا خَطِيئَة
وَأما طوافك بِالْبَيْتِ بعد ذَلِك فَإنَّك تَطوف وَلَا ذَنْب
لَك يَأْتِي ملك حَتَّى يضع يَدَيْهِ بَين كتفيك فَيَقُول:
اعْمَلْ فِيمَا يسْتَقْبل فقد غفر لَك مَا مضى
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عمر
قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة
عَرَفَة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله تطول عَلَيْكُم فِي
مقامكم هَذَا فَقبل من محسنكم وَأعْطى محسنكم مَا سَأَلَ ووهب
مسيئكم لمحسنكم إِلَّا التَّبعَات فِيمَا بَيْنكُم أفيضوا على
اسْم الله
فَلَمَّا كَانَ غَدَاة جمع قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله قد
تطوّل عَلَيْكُم فِي مقامكم هَذَا فَقبل من محسنكم ووهب مسيئكم
لمحسنكم والتبعات بَيْنكُم عوضهَا من عِنْده أفيضوا على اسْم
الله فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أفضت بِنَا الأمس
كئيباً حَزينًا وأفضت بِنَا الْيَوْم فَرحا مَسْرُورا فَقَالَ:
إِنِّي سَأَلت رَبِّي بالْأَمْس شَيْئا لم يجد لي بِهِ سَأَلته
التَّبعَات فَأبى عَليّ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم أَتَانِي
جِبْرِيل فَقَالَ: إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول ضمنت
التَّبعَات وعوّضتها من عِنْدِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة أَيهَا
النَّاس إِن الله تطول عَلَيْكُم فِي هَذَا الْيَوْم فغفر لكم
إِلَّا التَّبعَات فِيمَا بَيْنكُم ووهب مسيئكم لمحسنكم
وَأعْطى محسنكم مَا سَأَلَ فادفعوا باسم الله فَلَمَّا كَانَ
بِجمع قَالَ: إِن الله قد غفر لصالحيكم وشفع لصالحيكم فِي
طالحيكم تنزل الرَّحْمَة فتعمهم
(1/552)
ثمَّ يفرق الْمَغْفِرَة فِي الأَرْض
فَيَقَع على كل تائب مِمَّن حفظ لِسَانه وَيَده وإبليس
وَجُنُوده بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج ابْن ماجة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر
الْأُصُول وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن
جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء
الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَشِيَّة
عَرَفَة لأمته بالمغفرة وَالرَّحْمَة فَأكْثر الدُّعَاء فَأوحى
الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد فعلت إِلَّا ظلم بَعضهم بَعْضًا
وَأما ذنوبهم فِيمَا بيني وَبينهمْ فقد غفرتها
فَقَالَ: يَا رب إِنَّك قَادر على أَن تثيب هَذَا الْمَظْلُوم
خيرا من مظلمته وَتغْفر لهَذَا الظَّالِم
فَلم يجبهُ تِلْكَ العشية فَلَمَّا كَانَ غَدَاة الْمزْدَلِفَة
أعَاد الدُّعَاء فَأَجَابَهُ الله أَنِّي قد غفرت لَهُم
فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ
أَصْحَابه قَالَ: تبسمت من عدوّ الله إِبْلِيس إِنَّه لما علم
أَن الله قد اسْتَجَابَ لي فِي أمتِي أَهْوى يَدْعُو
بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور ويحثو التُّرَاب على رَأسه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَأَبُو يعلى عَن
أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن
الله تطوّل على أهل عَرَفَات يباهي بهم الْمَلَائِكَة
فَيَقُول: يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عبَادي شعثاً غبراً
أَقبلُوا يضْربُونَ إِلَيّ من كل فج عميق فاشهدكم أَنِّي قد
أجبْت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وَأعْطيت
لمحسنهم جَمِيع مَا سَأَلُونِي غير التَّبعَات الَّتِي بَينهم
فَإِذا أَفَاضَ الْقَوْم إِلَى جمع ووقفوا وعادوا فِي
الرَّغْبَة والطلب إِلَى الله فَيَقُول: يَا ملائكتي عبَادي
وقفُوا فعادوا فِي الرَّغْبَة والطلب فاشهدكم أَنِّي قد أجبْت
دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وَأعْطيت محسنيهم
جَمِيع مَا سَأَلُونِي وكفلت عَنْهُم التَّبعَات الَّتِي
بَينهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أنس بن مَالك قَالَ وقف النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَات وَقد كَادَت الشَّمْس أَن
تؤوب فَقَالَ: يَا بِلَال أنصت لي النَّاس
فَقَامَ بِلَال فَقَالَ: انصتوا لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
فنصت النَّاس فَقَالَ: يَا معاشر النَّاس أَتَانِي جِبْرِيل
آنِفا فأقرأني من رَبِّي السَّلَام وَقَالَ: إِن الله عز وَجل
غفر لأهل عَرَفَات وَأهل الْمشعر وَضمن عَنْهُم التَّبعَات
فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا لنا
خَاصَّة قَالَ: هَذَا لكم وَلمن أَتَى من بعدكم إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: كثر خير الله وطاب
وَأخرج ابْن ماجة عَن بِلَال بن رَبَاح أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ غَدَاة جمع:
(1/553)
أنصت النَّاس
ثمَّ قَالَ: إِن الله تطاول عَلَيْكُم فِي جمعكم هَذَا فوهب
مسيئكم لمحسنكم وَأعْطى محسنكم مَا سَأَلَ ادفعوا باسم الله
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن مُحَمَّد بن أبي بكر
الثَّقَفِيّ أَنه سَأَلَ أنس بن مَالك وهما عاديان من منى
إِلَى عَرَفَة كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْم
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَانَ يهل
منا الْمهل فَلَا يُنكر عَلَيْهِ وَيكبر منا المكبر فَلَا
يُنكر عَلَيْهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن أم الْفضل بنت
الْحَرْث أَن نَاسا اخْتلفُوا عِنْدهَا يَوْم عَرَفَة فِي
صَوْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم: هُوَ
صَائِم
وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بصائم
فَأرْسلت إِلَيْهِ بقدح لبن وَهُوَ وَاقِف على بعيره فشربه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن
صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي نجيح قَالَ: سُئِلَ ابْن
عمر عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: حججْت مَعَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يصمه وَمَعَ عمر فَلم يصمه وَمَعَ
عُثْمَان فَلم يصمه وَأَنا لَا أصومه وَلَا آمُر بِهِ وَلَا
أنهى عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي قَتَادَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صِيَام يَوْم
عَرَفَة إِنِّي أحتسب على الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله
وَالسّنة الَّتِي بعده
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد
عَن عَائِشَة
أَنَّهَا كَانَت تَصُوم يَوْم عَرَفَة قَالَ الْقَاسِم:
وَلَقَد رَأَيْتهَا عَشِيَّة عَرَفَة يدْفع الإِمام وتقف
حَتَّى يبيض مَا بَينهَا وَبَين النَّاس من الأَرْض ثمَّ
تَدْعُو بِالشرابِ فتفطر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: مَا من يَوْم من
السّنة أصومه أحب إليّ من يَوْم عَرَفَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول صِيَام يَوْم عَرَفَة كصيام
ألف يَوْم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول صِيَام يَوْم عَرَفَة كصيام
ألف عَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَسْرُوق أَنه دخل على عَائِشَة
يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: اسقوني
(1/554)
فَقَالَت عَائِشَة وَمَا أَنْت يَا
مَسْرُوق بصائم
فَقَالَ: لَا إِنِّي أَتَخَوَّف أَن يكون أضحى
فَقَالَت عَائِشَة: لَيْسَ كَذَلِك يَوْم عَرَفَة يَوْم يعرف
الإِمام وَيَوْم النَّحْر يَوْم ينْحَر الإِمام أَو مَا سَمِعت
يَا مَسْرُوق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يعدله بِصَوْم ألف يَوْم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ يُقَال فِي
أَيَّام الْعشْر: بِكُل يَوْم ألف يَوْم وَيَوْم عَرَفَة عشرَة
آلَاف يَوْم يَعْنِي فِي الْفضل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْفضل بن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حفظ لِسَانه وسَمعه وبصره يَوْم
عَرَفَة غفر لَهُ من عَرَفَة إِلَى عَرَفَة
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْفضل بن
عَبَّاس رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
عَرَفَة فَجعل الْفَتى يُلَاحظ النِّسَاء وَينظر إلَيْهِنَّ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ابْن أخي أَن
هَذَا يَوْم من ملك فِيهِ سَمعه وبصره وَلسَانه غفر لَهُ
وَأخرج الْمروزِي فِي كتاب الْعِيدَيْنِ عَن مُحَمَّد بن عباد
المَخْزُومِي قَالَ: لَا يستشهد مُؤمن حَتَّى يكْتب اسْمه
عَشِيَّة عَرَفَة فِيمَن يستشهد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي
والمرزوي عَن إِبْرَاهِيم
أَنه سُئِلَ عَن التَّعْرِيف بالأمصار فَقَالَ: إِنَّمَا
التَّعْرِيف بِعَرَفَات
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي عوَانَة قَالَ: رَأَيْت
الْحسن الْبَصْرِيّ يَوْم عَرَفَة بعد الْعَصْر جلس فَذكر الله
ودعا وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس
وَأخرج الْمروزِي عَن مبارك قَالَ: رَأَيْت الْحسن وَبكر بن
عبد الله وثابتاً الْبنانِيّ وَمُحَمّد بن وَاسع وغيلان بن
جرير يشْهدُونَ عَرَفَة بِالْبَصْرَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة
قَالَ: رَأَيْت عَمْرو بن حُرَيْث فِي الْمَسْجِد يَوْم
عَرَفَة وَالنَّاس مجتمعون إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا والمروزي عَن
الْحسن قَالَ: إِن أول من عرف الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس
وَأخرج الْمروزِي عَن الحكم قَالَ: أول من فعل ذَلِك
بِالْكُوفَةِ مُصعب بن الزبير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي
(1/555)
الْأَضَاحِي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق
عيدنا أهل الإِسلام وَهن أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى صَلَاة
الْغَدَاة يَوْم عَرَفَة وَسلم جثا على رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ:
الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله الله أكبر الله أكبر وَللَّه
الْحَمد إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق يكبر فِي الْعَصْر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ من طَرِيق أبي
الطُّفَيْل عَن عَليّ وعمار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم ويقنت فِي الْفجْر وَكَانَ يكبر من يَوْم عَرَفَة
صَلَاة الْغَدَاة ويقطعها صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام
التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا والمروزي فِي
الْعِيدَيْنِ وَالْحَاكِم عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ
عمر يكبر بعد صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة
الظّهْر أَو الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم عَن شَقِيق قَالَ: كَانَ
يكبر بعد الْفجْر غَدَاة عَرَفَة ثمَّ لَا يقطع حَتَّى
يُصَلِّي الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس:
أَنه كَانَ يكبر من غَدَاة عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من
آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم عَن
عُمَيْر بن سعد قَالَ: قدم علينا ابْن مَسْعُود فَكَانَ يكبر
من صَلَاة الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من آخر
أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ
يَقُول: من يصحبني مِنْكُم من ذكر أَو أُنْثَى فَلَا يصومن
يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ يَوْم أكل وَشرب وتكبير
(1/556)
فَإِذَا قَضَيْتُمْ
مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ
أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
(200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
(201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ
سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)
قَوْله تَعَالَى: فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم
فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا فَمن النَّاس من
يَقُول رَبنَا آتنا
(1/556)
فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة
من خلاق وَمِنْهُم من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا وَالله سريع الْحساب
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم}
قَالَ: حَجكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} قَالَ: حَجكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} قَالَ: اهراقه الدِّمَاء {فاذكروا
الله كذكركم آبَاءَكُم} قَالَ: تفاخر الْعَرَب بَينهَا بفعال
آبائها يَوْم النَّحْر حِين يفزعون فامروا بِذكر الله مَكَان
ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ الْمُشْركُونَ يَجْلِسُونَ فِي الْحَج فَيذكرُونَ فِيهِ
أَيَّام آبَائِهِم وَمَا يعدون من أنسابهم يومهم أجمع فَأنْزل
الله على رَسُوله فِي الإِسلام {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم
أَو أَشد ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي
المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة
يقفون فِي الْمَوْسِم يَقُول الرجل مِنْهُم: كَانَ أبي يطعم
وَيحمل الحملات وَيحمل الدِّيات لَيْسَ لَهُم ذكر غير فعال
آبَائِهِم فَأنْزل الله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو
أَشد ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد اله بن
الزبير قَالَ: كَانُوا إِذا فزعوا من حجهم تفاخروا بِالْآبَاءِ
فَأنْزل الله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ:
كَانُوا إِذا قضوا مناسكهم وقفُوا عِنْد الْجَمْرَة فَذكرُوا
آبَاءَهُم وَذكروا أيامهم فِي الْجَاهِلِيَّة وفعال آبَائِهِم
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج الفاكهي عَن أنس قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة
يذكرُونَ آبَاءَهُم فَيَقُول أحدهم: كَانَ أبي يطعم الطَّعَام
وَيَقُول الآخر: كَانَ أبي يضْرب بِالسَّيْفِ
وَيَقُول الآخر: كَانَ أبي يجز بالنواصي
فَنزلت {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم}
(1/557)
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن سعيد بن
جُبَير وَعِكْرِمَة قَالَا: كَانُوا يذكرُونَ فعل آبَائِهِم
فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا وقفُوا بِعَرَفَة فَنزلت {فاذكروا
الله كذكركم آبَاءَكُم}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة إِذا نزلُوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم
فَقَالَ هَذَا: فعل أبي كَذَا وَكَذَا
وَقَالَ هَذَا: فعل أبي كَذَا وَكَذَا
فَذَلِك قَوْله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي قَوْله
{فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} قَالَ: هُوَ
قَول الصَّبِي أوّل مَا يفصح فِي الْكَلَام أَبَاهُ وَأمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قيل لَهُ: قَول الله {كذكركم آبَاءَكُم} أَن الرجل
ليَأْتِي عَلَيْهِ الْيَوْم وَمَا يذكر أَبَاهُ قَالَ: إِنَّه
لَيْسَ بِذَاكَ وَلَكِن يَقُول: تغْضب لله إِذا عصي أَشد من
غضبك إِذا ذكر والديك بِسوء
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي
الدُّنْيَا} الْآيَات
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قوم من
الْأَعْرَاب يجيئون إِلَى الْموقف فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ عَام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن وَلَا يذكرُونَ من
أَمر الْآخِرَة شَيْئا فَأنْزل فيهم {فَمن النَّاس من يَقُول
رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق}
وَيَجِيء بعدهمْ آخَرُونَ من الْمُؤمنِينَ {رَبنَا آتنا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب
النَّار} فَأنْزل الله فيهم {أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا
كسبوا وَالله سريع الْحساب}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: كَانَ
النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا وقفُوا عِنْد الْمشعر
الْحَرَام دعوا فَقَالَ أحدهم: اللَّهُمَّ ارزقني ابلاً
وَقَالَ الآخر: اللَّهُمَّ ارزقني غنما فَأنْزل الله {فَمن
النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا} إِلَى قَوْله
{سريع الْحساب}
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {فَمن النَّاس
من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا} قَالَ: كَانُوا يطوفون
بِالْبَيْتِ عُرَاة فَيدعونَ: اللَّهُمَّ اسقنا الْمَطَر
وَأَعْطِنَا على عدونا الظفر وردنا صالحين إِلَى صالحين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا
يَقُولُونَ: رَبنَا آتنا رزقا ونصراً وَلَا يسْأَلُون لآخرتهم
شَيْئا فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: كَانَ أَكثر
دَعْوَة يَدْعُو بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اللَّهُمَّ رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي
الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
(1/558)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن
حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
غادر رجلا من الْمُسلمين قد صَار مثل الفرخ المنتوف فَقَالَ
لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل كنت تَدْعُو
الله بِشَيْء قَالَ: نعم كنت أَقُول: اللَّهُمَّ مَا كنت
معاقبني بِهِ فِي الْآخِرَة فعجله لي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله
إِذن لَا تطِيق ذَلِك وَلَا تستطيعه فَهَلا قلت رَبنَا آتنا
فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب
النَّار ودعا لَهُ فشفاه الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي
حَاتِم عَن أنس
أَن ثَابتا قَالَ لَهُ: إِن إخوانك يحبونَ أَن تَدْعُو لَهُم
فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي
الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَن أشقق لكم
الْأُمُور إِذا أَتَاكُم الله فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي
الْآخِرَة حَسَنَة ووقاكم عَذَاب النَّار فقد آتَاكُم الْخَيْر
كُله
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة
وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْجَارُود وَابْن حبَان
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن عبد الله بن السَّائِب
أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِيمَا بَين
الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مَرَرْت على الرُّكْن إِلَّا
رَأَيْت عَلَيْهِ ملكا يَقُول آمين فَإِذا مررتم عَلَيْهِ
فَقولُوا: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة
حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن
عَبَّاس
أَن ملكا موكلاً بالركن الْيَمَانِيّ مُنْذُ خلق الله
السَّمَوَات وَالْأَرْض يَقُول: آمين آمين
فَقولُوا: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة
حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن ماجة والجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن عَطاء بن
أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ فِي
الطّواف فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وكل بِهِ سَبْعُونَ ملكا فَمن
قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة
وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
قَالَ: آمين
(1/559)
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن أبي نجيح
قَالَ: كَانَ أَكثر كَلَام عمر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي
الطّواف: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة
حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد
الزّهْد عَن حبيب بن صهْبَان الْكَاهِلِي قَالَ: كنت أَطُوف
بِالْبَيْتِ وَعمر بن الْخطاب يطوف مَا لَهُ إِلَّا قَوْله:
رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة
وقنا عَذَاب النَّار مَا لَهُ هجيري غَيرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة
أَنه كَانَ يسْتَحبّ أَن يُقَال فِي أَيَّام التَّشْرِيق:
رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة
وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: يَنْبَغِي لكل من نفر أَن
يَقُول حِين ينفر مُتَوَجها إِلَى أَهله: رَبنَا آتنا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب
النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: كَانُوا أصنافاً
ثَلَاثَة فِي تِلْكَ المواطن يَوْمئِذٍ: رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون وَأهل الْكفْر وَأهل النِّفَاق {فَمن
النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي
الْآخِرَة من خلاق} إِنَّمَا حجُّوا للدنيا وَالْمَسْأَلَة لَا
يُرِيدُونَ الْآخِرَة وَلَا يُؤمنُونَ بهَا {وَمِنْهُم من
يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة
حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار} والصنف الثَّالِث (وَمن النَّاس
من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا) (الْبَقَرَة
الْآيَة 204)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا
رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل رَبك الْعَفو
والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ أَتَاهُ من الْغَد
فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل
رَبك الْعَفو والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة
ثمَّ أَتَاهُ من الْغَد فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي
الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل رَبك الْعَفو والعافية فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ أَتَاهُ من الْيَوْم الرَّابِع
فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل
رَبك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإنَّك
إِذا أعطيتهما فِي الدُّنْيَا ثمَّ أعطيتهما فِي الْآخِرَة فقد
أفلحت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {رَبنَا آتنا
فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: عَافِيَة {وَفِي الْآخِرَة
حَسَنَة} قَالَ: عَافِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير والذهبي فِي
فضل الْعلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن فِي
قَوْله {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة
حَسَنَة} قَالَ: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعلم
وَالْعِبَادَة وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة
(1/560)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ:
حَسَنَة الدُّنْيَا المَال وحسنة الْآخِرَة الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {رَبنَا آتنا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: الرزق الطّيب وَالْعلم النافع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي الْآيَة
قَالَ: الْمَرْأَة الصَّالِحَة من الْحَسَنَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سَالم بن عبد الله بن عمر {رَبنَا
آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: الثَّنَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {أُولَئِكَ لَهُم نصيب
مِمَّا كسبوا} قَالَ: مِمَّا عمِلُوا من الْخَيْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالله سريع الْحساب}
قَالَ: سريع الإِحصاء
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي
شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن
عَبَّاس أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي أجرت نَفسِي من قومِي على
أَن يحملوني وَوضعت لَهُم من أجرتي على أَن يدعوني أحج مَعَهم
أفيجزىء ذَلِك عني قَالَ: أَنْت من الَّذين قَالَ الله
{أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا وَالله سريع الْحساب}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن سُفْيَان قَالَ:
أَصْحَاب عبد الله يقرؤونها ((أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا
اكتسبوا))
(1/561)
وَاذْكُرُوا اللَّهَ
فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ
فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
قَوْله تَعَالَى: واذْكُرُوا الله فِي
أَيَّام معدودات فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ لمن اتَّقى
وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ إِلَيْهِ تحشرون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الْأَيَّام المعدودات ثَلَاثَة
أَيَّام: يَوْم الْأَضْحَى ويومان بعده إذبح فِي أَيهَا شِئْت
وأفضلها أَولهَا
(1/561)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي
الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي قَوْله
{واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: ثَلَاثَة
أَيَّام أَيَّام التَّشْرِيق
وَفِي لفظ: هِيَ الثَّلَاثَة الْأَيَّام بعد يَوْم النَّحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد والمروزي فِي الْعِيدَيْنِ
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والضياء فِي المختارة
من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام
الْعشْر وَالْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الزبير {واذْكُرُوا
الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: هن أَيَّام التَّشْرِيق يذكر
الله فِيهِنَّ بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والمحاملي فِي أَمَالِيهِ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: الْأَيَّام المعلومات
الْعشْر وَالْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَيَّام
المعدودات أَرْبَعَة أَيَّام: يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة
أَيَّام بعده
وَأخرج الْمروزِي عَن يحيى بن كثير فِي قَوْله {واذْكُرُوا
الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: هُوَ التَّكْبِير فِي
أَيَّام التَّشْرِيق دبر الصَّلَوَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يكبر تِلْكَ الْأَيَّام بمنى وَيَقُول: التَّكْبِير
وَاجِب ويتأوّل هَذِه الْآيَة {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام
معدودات}
وَأخرج الْمروزِي وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَعَمْرو بن دِينَار قَالَ: رَأَيْت
ابْن عَبَّاس يكبر يَوْم النَّحْر وَيَتْلُو {واذْكُرُوا الله
فِي أَيَّام معدودات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {واذْكُرُوا
الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: التَّكْبِير أَيَّام
التَّشْرِيق يَقُول فِي دبر كل صَلَاة: الله أكبر الله أكبر
الله أكبر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يكبر ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَرَاء الصَّلَوَات بمنى:
لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله
الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج الْمروزِي عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبر أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ:
سَمِعت ابْن عَبَّاس يكبر يَوْم الصَّدْر وَيَأْمُر من حوله
أَن يكبر فَلَا أَدْرِي تأوّل قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا
الله فِي أَيَّام معدودات} أَو قَوْله {فَإِذا قضيتم
مَنَاسِككُم} الْآيَة
وَأخرج مَالك عَن يحيى بن سعيد أَنه بلغه أَن عمر بن الْخطاب
خرج الْغَد من
(1/562)
يَوْم النَّحْر بمنى حَتَّى ارْتَفع
النَّهَار شَيْئا فَكبر وَكبر النَّاس بتكبيره حَتَّى بلغ
تكبيرهم الْبَيْت ثمَّ خرج الثَّالِثَة من يَوْمه ذَلِك حِين
زاغت الشَّمْس فَكبر وَكبر النَّاس بتكبيره فَعرف أَن عمر قد
خرج يَرْمِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سَالم بن عبد الله بن عمر
أَنه رمى الْجَمْرَة بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة الله
أكبر الله أكبر اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبروراً وذنباً
مغفوراً وَعَملا مشكوراً وَقَالَ: حَدثنِي أبي أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كلما رمى بحصاة يَقُول مثل مَا
قلت
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَة الدُّنْيَا بِسبع حَصَيَات يكبر
على كل حَصَاة ثمَّ يتَقَدَّم حَتَّى يسهل فَيقوم مُسْتَقْبل
الْقبْلَة فَيقوم طَويلا وَيَدْعُو وَيرْفَع يَدَيْهِ يقوم
طَويلا ثمَّ يَرْمِي جَمْرَة ذَات الْعقبَة من بطن الْوَادي
وَلَا يقف عِنْدهَا ثمَّ ينْصَرف وَيَقُول: هَكَذَا رَأَيْت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَ أَفَاضَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آخر يَوْمه حِين صلى الظّهْر
ثمَّ رَجَعَ فَمَكثَ بمنى ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق يَرْمِي
الْجَمْرَة إِذا زَالَت الشَّمْس كل جَمْرَة بِسبع حَصَيَات
يكبر مَعَ كل حَصَاة وَيقف عِنْد الأولى وَعند الثَّانِيَة
فيطيل الْقيام ويتضرع ثمَّ يَرْمِي الثَّالِثَة وَلَا يقف
عِنْدهَا
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
غَدَاة الْعقبَة هَات القط لي حَصَيَات من حَصى الْخذف
فَلَمَّا وضعن فِي يَده قَالَ: بأمثال هَؤُلَاءِ وَإِيَّاكُم
والغلو فِي الدّين فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بالغلو فِي
الدّين
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي البداح بن عَاصِم بن عدي عَن أَبِيه
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص للرعاء أَن يرموا
يَوْمًا ويدعوا يَوْمًا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: إِنَّمَا
سميت الْجمار جمار لِأَن آدم كَانَ يَرْمِي إِبْلِيس فيتجمر
بَين يَدَيْهِ والإِجمار الإِسراع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: مَا
يقبل من حَصى الْجمار رفع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: قلت لِابْنِ
عَبَّاس: رمى النَّاس
(1/563)
فِي الْجَاهِلِيَّة والإِسلام
فَقَالَ: مَا تقبل مِنْهُ رفع وَلَوْلَا ذَلِك كَانَ أعظم من
ثبير
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ هَذِه
الْجمار ترمى فِي الْجَاهِلِيَّة والإِسلام كَيفَ لَا تكون
هضاباً تسد الطَّرِيق فَقَالَ: إِن الله وكل بهَا ملكا فَمَا
يقبل مِنْهُ رفع وَلم يقبل مِنْهُ ترك
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَالله مَا قبل
الله من امرىء حجه إِلَّا رفع حصاه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عمر
أَنه قيل لَهُ: مَا كُنَّا نتراءى فِي الْجَاهِلِيَّة من
الْحَصَى والمسلمون الْيَوْم أَكثر إِنَّه لضحضاح فَقَالَ:
إِنَّه - وَالله - مَا قبل الله من امرىء حجه إِلَّا رفع حصاه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِنَّمَا
الْحَصَى قرْبَان فَمَا يقبل مِنْهُ رفع وَمَا لم يتَقَبَّل
مِنْهُ فَهُوَ الَّذِي يبْقى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قُلْنَا:
يَا رَسُول الله هَذِه الْأَحْجَار الَّتِي يرْمى بهَا كل سنة
فنحسب أَنَّهَا تنقص قَالَ: مَا يقبل مِنْهَا يرفع وَلَوْلَا
ذَلِك لرأيتموها مثل الْجبَال
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رمي الْجمار وَمَا لنا فِيهِ
فَسَمعته يَقُول: تَجِد ذَلِك عِنْد رَبك أحْوج مَا تكون
إِلَيْهِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن منى وضيقه فِي غير الْحَج فَقَالَ: إِن منى
تتسع بِأَهْلِهَا كَمَا يَتَّسِع الرَّحِم للْوَلَد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي الدَّرْدَاء
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل منى
كالرحم هِيَ ضيقَة فَإِذا حملت وسعهَا الله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سميت
منى منى لِأَن جِبْرِيل حِين أَرَادَ أَن يُفَارق آدم قَالَ
لَهُ: تمن
قَالَ: أَتَمَنَّى الْجنَّة فسميت منى لِأَنَّهَا منية آدم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عمر بن مطرف قَالَ: إِنَّمَا سميت
منى لما يمنى بهَا من الدِّمَاء
وَأخرج الْحَاكِم وصححهعن عَائِشَة قَالَت قيل: يَا رَسُول
الله أَلا نَبْنِي لَك بِنَاء يظللك قَالَ: لَا منى مناخ من
سبق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَنحن بمنى: لَو يعلم
أهل الْجمع بِمن حلوا لاستبشروا بِالْفَضْلِ بعد الْمَغْفِرَة
(1/564)
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن نُبَيْشَة
الهدبي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف فِي منى لَا
تَصُومُوا هَذِه الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب
وَذكر الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت نهى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ:
هِيَ أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي الشعْثَاء قَالَ: دَخَلنَا
على ابْن عمر فِي الْيَوْم الْأَوْسَط من أَيَّام التَّشْرِيق
فَأتى بِطَعَام فَتنحّى ابْن لَهُ فَقَالَ: ادن فاطعم قَالَ:
إِنِّي صَائِم
قَالَ: أما علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ هَذِه أَيَّام طعم وَذكر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن مَسْعُود بن الحكم الزرقي عَن
أمه أَنَّهَا حدثته قَالَت كَأَنِّي أنظر إِلَى عليّ على بغلة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْضَاء فِي شعب
الْأَنْصَار وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّهَا لَيست أَيَّام صِيَام
إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وَذكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن خلدَة الْأنْصَارِيّ عَن أمه
قَالَت بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَيَّام
التَّشْرِيق يُنَادي: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن بشر بن
شحيم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب أَيَّام
التَّشْرِيق فَقَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مسلمة
وَإِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج مُسلم عَن كَعْب بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَأَوْس بن الْحدثَان أَيَّام
التَّشْرِيق فَنَادَى: أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن
وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن أبي مرّة مولى أم هانىء أَنه دخل مَعَ عبد الله
على أَبِيه عَمْرو بن الْعَاصِ فَقرب إِلَيْهِمَا ظعاما
فَقَالَ: كل فَقَالَ: إِنِّي صَائِم
قَالَ عَمْرو: كل فَهَذِهِ الْأَيَّام الَّتِي كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا بإفطارها وينهانا عَن
صيامها
قَالَ مَالك: وَهن أَيَّام التَّشْرِيق
(1/565)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار
عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى
عَن صِيَام سِتَّة أَيَّام من السّنة: يَوْم الْفطر وَيَوْم
الْأَضْحَى وَأَيَّام التَّشْرِيق وَالْيَوْم الَّذِي يشك
فِيهِ من رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الله بن عمر أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن
أَيَّام التَّشْرِيق لأي شَيْء سميت التَّشْرِيق فَقَالَ:
كَانُوا يشرقون لُحُوم ضحاياهم وبدنهم يشرقون القديد
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ} الْآيَة أخرج
وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تعجل فِي
يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: فِي تَعْجِيله {وَمن
تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} فِي تَأْخِيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ}
قَالَ: فَلَا ذَنْب عَلَيْهِ {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ} قَالَ: فَلَا حرج عَلَيْهِ لمن اتَّقى
يَقُول: اتَّقى معاصي الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: أحلَّ
النَّفر فِي يَوْمَيْنِ لمن اتَّقى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عمر قَالَ: من غَابَتْ لَهُ الشَّمْس فِي الْيَوْم
الَّذِي قَالَ الله فِيهِ {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا
إِثْم عَلَيْهِ} وَهُوَ منى فَلَا ينفرن حَتَّى يرْمى الْجمار
من الْغَد
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لمن اتَّقى} قَالَ: لمن
اتَّقى الصَّيْد وَهُوَ محرم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: هِيَ
فِي مصحف عبد الله (لمن اتَّقى الله)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وصحه وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن عبد الله بن يعمر الديلمي سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة
وَأَتَاهُ أنَاس من أهل مَكَّة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله
كَيفَ الْحَج فَقَالَ: الْحَج عَرَفَات الْحَج عَرَفَات فَمن
أدْرك لَيْلَة جمع قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك
(1/566)
أَيَّام منى ثَلَاثَة أَيَّام {فَمن تعجل
فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ} ثمَّ أرْدف رجلا خَلفه يُنَادي بِهن
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ فِي قَوْله {فَمن تعجل فِي
يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: غفر لَهُ {وَمن
تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: غفر لَهُ
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ
فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: مغْفُور لَهُ {وَمن تَأَخّر
فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: مغْفُور لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة
قَالَ: من تعجل فِي يَوْمَيْنِ غفر لَهُ وَمن تَأَخّر إِلَى
ثَلَاثَة أَيَّام غفر لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا
إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: رَجَعَ مغفوراً لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: رخص الله أَن ينفروا فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا إِن شاؤوا
وَمن تَأَخّر إِلَى الْيَوْم الثَّالِث فَلَا إِثْم عَلَيْهِ
لمن اتَّقى
قَالَ قَتَادَة: يرَوْنَ أَنَّهَا مغفورة لَهُ
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فَمن تعجل فِي
يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: إِلَى قَابل {وَمن
تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: إِلَى قَابل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: لَا وَالَّذِي نفس
الضَّحَّاك بِيَدِهِ إِن نزلت هَذِه الْآيَة {فَمن تعجل فِي
يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} فِي الإِقامة والظعن وَلكنه
برىء من الذُّنُوب
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن
ابْن مَسْعُود {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ} قَالَ: خرج من الإِثم كُله {وَمن تَأَخّر فَلَا
إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: برىء من الإِثم كُله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لمن اتَّقى} قَالَ:
لمن اتَّقى فِي حجه
قَالَ قَتَادَة: وَذكر لنا أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول: من
اتَّقى فِي حجه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح قَالَ: كَانَت امْرَأَة
من الْمُهَاجِرَات تحج فَإِذا رجعت مرت على عمر فَيَقُول
لَهَا: أتقيت فَتَقول: نعم
فَيَقُول لَهَا: استأنفي الْعَمَل
(1/567)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
أَن عمرا قَالَ لقوم حجاج: أنهزكم إِلَيْهِ غَيره قَالُوا: لَا
قَالَ: أتقيتم قَالُوا: نعم
قَالَ: أما لَا فاستأنفوا الْعَمَل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ
فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: قد غفر لَهُ إِنَّهُم يتأولونها
على غير تَأْوِيلهَا إِن الْعمرَة لتكفر مَا مَعهَا من الذنروب
فَكيف بِالْحَجِّ
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
عَن مُعَاوِيَة بن مرّة الْمُزنِيّ {فَلَا إِثْم عَلَيْهِ}
قَالَ: خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِنَّمَا جعل الله
هَذِه الْمَنَاسِك ليكفر بهَا خَطَايَا بني آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي العالي فِي قَوْله
{فَلَا إِثْم عَلَيْهِ لمن اتَّقى} قَالَ: ذهب إثمه كُله إِن
اتَّقى فِيمَا بَقِي من عمره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن
أَنه قيل لَهُ: النَّاس يَقُولُونَ: إِن الْحَاج مغْفُور لَهُ
قَالَ: إِنَّه ذَلِك أَن يدع سيء مَا كَانَ عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن خَيْثَمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ:
إِذا قضيت حجك فسل الله الْجنَّة فَلَعَلَّهُ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن إِبْرَاهِيم
قَالَ: كَانَ يُقَال: صافحوا الْحجَّاج قبل أَن يتلطخوا
بِالذنُوبِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: تلقوا الْحجَّاج والعمار
والغزاة فَلْيَدعُوا لكم قبل أَن يتدنسوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ: كُنَّا
نَلْتَقِي الْحجَّاج فنصافحهم قبل أَن يقارفوا
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن الْحسن
أَنه قيل لَهُ مَا الْحَج المبرور قَالَ: أَن يرجع زاهداً فِي
الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا قضى أحدكُم حجه فليعجل الرحلة
إِلَى أَهله فَإِنَّهُ أعظم لأجره
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قفل من غَزْوَة أَو حج أَو عمْرَة
يكبر على كل شرف من الأَرْض ثَلَاث
(1/568)
تَكْبِيرَات ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا
الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على
كل شَيْء قدير آيبون تائبون عَابِدُونَ ساجدون لربنا حامدون
صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده
وَأخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَابْن عدي فِي الْكَامِل
وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل عَن ابْن عمر عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حج وَلم يزرني فقد جفاني
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن
عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من حج فزار قَبْرِي بعد وفاتي كَانَ كم زارني
فِي حَياتِي
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة
وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زار
قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاءَنِي زَائِرًا لم تنزعه حَاجَة
إِلَّا زيارتي كَانَ حَقًا عَليّ أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم
الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من
زار قَبْرِي كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا وَمن مَاتَ فِي أحد
الْحَرَمَيْنِ بَعثه الله فِي الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حَاطِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني
فِي حَياتِي وَمن مَاتَ بِأحد الْحَرَمَيْنِ بعث من الْآمنينَ
يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
عَن رجل من آل الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ من زارني مُتَعَمدا كَانَ فِي جواري يَوْم الْقِيَامَة
وَمن سكن الْمَدِينَة وصبر على بلائها كنت لَهُ شَهِيدا
وشفيعاً يَوْم الْقِيَامَة وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ
بَعثه الله من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من زارني
بِالْمَدِينَةِ محتسباً كنت لَهُ شَهِيدا وشفيعاً يَوْم
الْقِيَامَة
(1/569)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد
يسلم عليّ عِنْد قَبْرِي إِلَّا وكل الله بِهِ ملكا يبلغنِي
وَكفى أَمر آخرته ودنياه وَكنت لَهُ شَهِيدا وشفيعاً يَوْم
الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يسلم عليّ إِلَّا
ردّ الله عليّ روحي حَتَّى أردّ عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَأْتِي
الْقَبْر فَيسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَا يمس الْقَبْر ثمَّ يسلم على أبي بكر ثمَّ على عمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ:
رَأَيْت جَابِرا وَهُوَ يبكي عِنْد قبر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول: هَهُنَا تسكب العبرات سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا بَين قَبْرِي
ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن منيب بن عبد
الله بن أبي أُمَامَة قَالَ: رَأَيْت أنس بن مَالك أَتَى قبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى
ظَنَنْت أَنه افْتتح الصَّلَاة فَسلم على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ انْصَرف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن
سحيم قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
النّوم قلت: يَا رَسُول الله هَؤُلَاءِ الَّذين يأتونك
فيسلّمون عَلَيْك أتفقه سلامهم قَالَ: نعم وأرد عَلَيْهِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حَاتِم بن مَرْوَان قَالَ: كَانَ عمر
بن عبد الْعَزِيز يُوَجه بالبريد قَاصِدا إِلَى الْمَدِينَة
ليقرىء عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي فديك
قَالَ: سَمِعت بعض من أدْركْت يَقُول: بلغنَا أَنه من وقف
عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتلا هَذِه
الْآيَة (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا)
(الْأَحْزَاب الْآيَة 56) صلى الله عَلَيْك يَا مُحَمَّد
حَتَّى يَقُولهَا سبعين مرّة فَأَجَابَهُ ملك: صلى الله
عَلَيْك يَا فلَان لم تسْقط لَك حَاجَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي حَرْب الْهِلَالِي قَالَ: حج
أَعْرَابِي إِلَى بَاب مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنَاخَ رَاحِلَته فعقلها ثمَّ دخل الْمَسْجِد حَتَّى
أَتَى الْقَبْر ووقف بحذاء وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله جئْتُك
مُثقلًا بِالذنُوبِ والخطايا مستشفعاً بك على رَبك لِأَنَّهُ
قَالَ فِي مُحكم تَنْزِيله (وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم
جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله
تَوَّابًا رحِيما) (النِّسَاء الْآيَة 64)
(1/570)
وَقد جئْتُك بِأبي أَنْت وَأمي مُثقلًا
بِالذنُوبِ والخطايا استشفع بك على رَبك أَن يغْفر لي ذُنُوبِي
وَأَن تشفع فيَّ ثمَّ أقبل فِي عرض النَّاس وَهُوَ يَقُول: يَا
خير من دفنت فِي الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نَفسِي الْفِدَاء لقبر أَنْت ساكنه فِيهِ العفاف وَفِيه
الْجُود وَالْكَرم وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يَقُول للْحَاج إِذا قدم: تقبل نسكك وَأعظم أجرك
وأخلف نَفَقَتك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قدم أحدكُم على أَهله من سفر
فليهد لأَهله فليطرفهم وَلَو كَانَ حِجَارَة
(1/571)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ
اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
(204)
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يُعْجِبك
قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيشْهد الله على مَا فِي
قلبه وَهُوَ أَلد الْخِصَام
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أُصِيبَت السّريَّة
الَّتِي فِيهَا عَاصِم ومرثد قَالَ رجال من الْمُنَافِقين: يَا
وَيْح هَؤُلَاءِ المقتولين الَّذين هَلَكُوا هَكَذَا لَا هم
قعدوا فِي أهلهم وَلَا هم أَدّوا رِسَالَة صَاحبهمْ فَأنْزل
الله {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا} أَي لما يظْهر من الإِسلام بِلِسَانِهِ {وَيشْهد
الله على مَا فِي قلبه} أَنه مُخَالف لما يَقُوله بِلِسَانِهِ
{وَهُوَ أَلد الْخِصَام} أَي ذُو جِدَال إِذا كلمك راجعك
(وَإِذا تولى) خرج من عنْدك (سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا
وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَالله لَا يحب الْفساد) (الْبَقَرَة
الْآيَة 205) أَي لَا يحب عمله وَلَا يرضى بِهِ (وَمن النَّاس
من يشري نَفسه
) (الْبَقَرَة الْآيَة 207) الْآيَة
الَّذين شروا أنفسهم من الله بِالْجِهَادِ فِي سَبيله
وَالْقِيَام بِحقِّهِ حَتَّى هَلَكُوا فِي ذَلِك يَعْنِي
بِهَذِهِ السّريَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق قَالَ: كَانَ الَّذين
اجلبوا على خبيب فِي قَتله نفر من قُرَيْش عِكْرِمَة بن أبي
جهل وَسَعِيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود والأخنس بن
شريق الثَّقَفِيّ حَلِيف بني زهرَة وَعبيدَة بن حَكِيم بن
أُميَّة بن عبد شمس وَأُميَّة ابْن أبي عتبَة
(1/571)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يُعْجِبك}
الْآيَة
قَالَ نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق الثَّقَفِيّ حَلِيف لبني
زهرَة أقبل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمَدِينَة وَقَالَ: جِئْت أُرِيد الإِسلام وَيعلم الله
أَنِّي لصَادِق
فأعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك مِنْهُ فَذَلِك
قَوْله {وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه} ثمَّ خرج من عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بزرع لقوم من
الْمُسلمين وحمر فَأحرق الزَّرْع وعقر الْحمر فَأنْزل الله
(وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض) (الْبَقَرَة 205) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ:
كنت جَالِسا بِمَكَّة فسألوني عَن هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس
من يُعْجِبك قَوْله}
قلت: هُوَ الْأَخْنَس بن شريق ومعنا فَتى من وَلَده فَلَمَّا
قُمْت اتبعني فَقَالَ: إِن الْقُرْآن إِنَّمَا نزل فِي أهل
مَكَّة فَإِن رَأَيْت أَن لَا تسمي أحدا حَتَّى تخرج مِنْهَا
فافعل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن أبي سعيد المَقْبُري
أَنه ذَاكر مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَقَالَ: إِن فِي بعض
كتب الله: إِن لله عباداً ألسنتهم أحلى من الْعَسَل
وَقُلُوبهمْ أمرّ من الصَّبْر لبسوا لِبَاس مسوك الضَّأْن من
اللين يجترون الدُّنْيَا بِالدّينِ
قَالَ الله تَعَالَى: أعلي يجترئون وَبِي يغترون وَعِزَّتِي
لَأَبْعَثَن عَلَيْهِم فتْنَة تتْرك الْحَلِيم مِنْهُم حيران
فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: هَذَا فِي كتاب الله
{وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}
الْآيَة
فَقَالَ سعيد: قد عرفت فِيمَن أنزلت
فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: إِن الْآيَة تنزل فِي الرجل تكون
عَامَّة بعد
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: أوحى
الله إِلَى نَبِي من الْأَنْبِيَاء: مَا بَال قَوْمك يلبسُونَ
جُلُود الضَّأْن ويتشبهون بالرهبان كَلَامهم أحلى من الْعَسَل
وَقُلُوبهمْ أَمر من الصَّبْر أبي يغترون أم لي يخادعون
وَعِزَّتِي لأتركنّ الْعَالم مِنْهُم حيراناً لَيْسَ مني من
تكهن أَو تكهن لَهُ أَو سحر أَو سحر لَهُ وَمن آمن بِي
فَليَتَوَكَّل عليّ وَمن لم يُؤمن فَليتبعْ غَيْرِي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب
إِن الرب تبَارك وَتَعَالَى قَالَ لعلماء بني إِسْرَائِيل:
يفقهُونَ لغير الدّين ويعملون لغير الْعَمَل ويبتغون
الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة يلبسُونَ مسوك الضَّأْن ويخفون
أنفس الذُّبَاب ويتّقوى القذى من شرابكم ويبتلعون أَمْثَال
الْجبَال من الْمَحَارِم ويثقلون الدّين على النَّاس أَمْثَال
الْجبَال وَلَا
(1/572)
يعينونهم بِرَفْع الخناصر يبيضون الثِّيَاب
ويطيلون الصَّلَاة ينتقصون بذلك مَال الْيَتِيم والأرملة
فبعزتي حَلَفت لأضربنكم بفتنة يضل فِيهَا رَأْي ذِي الرَّأْي
وَحِكْمَة الْحَكِيم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ أَلد الْخِصَام}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَهُوَ
أَلد الْخِصَام} قَالَ: شَدِيد الْخُصُومَة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَوْله {وَهُوَ أَلد
الْخِصَام} قَالَ: الجدل المخاصم فِي الْبَاطِل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
مهلهل: إِن تَحت الْأَحْجَار حزماً وجودا وخصيماً أَلد ذَا
مغلاق وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَهُوَ أَلد
الْخِصَام} قَالَ: ظَالِم لَا يَسْتَقِيم
وَأخرج وَكِيع وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن حميد وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبْغض الرِّجَال إِلَى الله الألد
الْخصم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَربع من كن فِيهِ كَانَ منافقاً
خَالِصا وَمن كَانَت فِيهِ خصْلَة مِنْهُنَّ كَانَت فِيهِ
خصْلَة من النِّفَاق حَتَّى يَدعهَا إِذا ائْتمن خَان وَإِذا
حدث كذب وَإِذا عَاهَدَ غدر وَإِذا خَاصم فجر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بك آثِما أَن
لَا تزَال مخاصماً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كفى بك
آثِما أَن لَا تزَال ممارياً وَكفى بك ظَالِما أَن لَا تزَال
مخاصماً وَكفى بك كَاذِبًا أَن لَا تزَال مُحدثا الْأَحَادِيث
فِي ذَات الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من كثر كَلَامه كثر
كذبه وَمن كثر حلفه كثر إثمه وَمن كثرت خصومته لم يسلم دينه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي
قَالَ: مَا خَاصم ورع قطّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شبْرمَة قَالَ: من بَالغ فِي
الْخُصُومَة أَثم وَمن قصر فِيهَا
(1/573)
خصم وَلَا يُطيق الْحق من تألى على من بِهِ
دَار الْأَمر وَفضل الصَّبْر التصبر وَمن لزم العفاف هَانَتْ
عَلَيْهِ الْمُلُوك والسوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: ثَلَاثَة
لَا ينتصفون من ثَلَاثَة
حَلِيم من أَحمَق وبر من فَاجر []
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: مَا
تشاتم رجلَانِ قطّ إِلَّا غلب ألأمهما
(1/574)
وَإِذَا تَوَلَّى
سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا تولى سعى فِي
الأَرْض ليفسد بهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل الله لَا يحب
الْفساد
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض}
قَالَ: عمل فِي الأَرْض {وَيهْلك الْحَرْث} قَالَ: نَبَات
الأَرْض {والنسل} نسل كل شَيْء من الْحَيَوَان: النَّاس
وَالدَّوَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض} قَالَ:
يَلِي فِي الأَرْض فَيعْمل فِيهَا بالعدوان وَالظُّلم فَيحْبس
الله بذلك الْقطر من السَّمَاء فَهَلَك بِحَبْس الْقطر
الْحَرْث والنسل {وَالله لَا يحب الْفساد} ثمَّ قَرَأَ
مُجَاهِد (ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي
النَّاس
) (الرّوم الْآيَة 41) الْآيَة
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه
سُئِلَ عَن قَوْله {وَيهْلك الْحَرْث والنسل} قَالَ: الْحَرْث
الزَّرْع والنسل نسل كل دَابَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: النَّسْل نسل كل دَابَّة النَّاس أَيْضا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
{الْحَرْث والنسل} قَالَ: النَّسْل الطَّائِر وَالدَّوَاب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول:
(1/574)
كهواهم خير الكهول ونسلهم كنسل الْمُلُوك
لَا ثبور وَلَا تخزي وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة
قَالَ: يتخفف الْمحرم إِذا لم يجد نَعْلَيْنِ
قيل أشقهما قَالَ: إِن الله لَا يحب الْفساد
(1/575)
وَإِذَا قِيلَ لَهُ
اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ
جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ
الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد
أخرج وَكِيع وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن من
أكبر الذَّنب عِنْد الله أَن يَقُول الرجل لِأَخِيهِ: اتَّقِ
الله
فَيَقُول: عَلَيْك بِنَفْسِك أَنْت تَأْمُرنِي وَأخرج ابْن
الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُفْيَان قَالَ:
قَالَ رجل لمَالِك بن مغول: اتَّقِ الله فَقَط فَوضع خَدّه على
الأَرْض تواضعاً لله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن
أَن رجلا قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: اتَّقِ الله
فَذهب الرجل فَقَالَ عمر: وَمَا فِينَا خير إِن لم يقل لنا
وَمَا فيهم خير إِن لم يقولوها لنا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {ولبئس المهاد} قَالَ: بئس مَا مهدوا لأَنْفُسِهِمْ
(1/575)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ
رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يشري
نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله وَالله رؤوف بالعباد
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب قَالَ لما أردْت الْهِجْرَة
من مَكَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لي
قُرَيْش: يَا صُهَيْب قدمت إِلَيْنَا وَلَا مَال لَك وَتخرج
أَنْت وَمَالك وَالله لَا يكون ذَلِك أبدا فَقلت لَهُم:
أَرَأَيْتُم إِن دفعت لكم مَالِي تخلون عني قَالُوا: نعم
فَدفعت إِلَيْهِم مَالِي فَخلوا عني فَخرجت حَتَّى قدمت
الْمَدِينَة فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: ربح البيع صُهَيْب مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن سعد والحرث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
(1/575)
وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن
عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ أقبل صُهَيْب مُهَاجرا
نَحْو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاتبعهُ نفر من
قُرَيْش فَنزل عَن رَاحِلَته وانتثل مَا فِي كِنَانَته ثمَّ
قَالَ: يَا معشر قُرَيْش قد علمْتُم إِنِّي من أرماكم رجلا
وأيم الله لَا تصلونَ إِلَيّ حَتَّى أرمي بِكُل سهم فِي
كِنَانَتِي ثمَّ أضْرب بسيفي مَا بَقِي فِي يَدي فِيهِ شَيْء
ثمَّ افعلوا مَا شِئْتُم وَإِن شِئْتُم دللتكم على مَالِي
وقنيتي بِمَكَّة وخليتم سبيلي
قَالُوا: نعم
فَلَمَّا قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ربح
البيع ربح البيع
وَنزلت {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله
وَالله رؤوف بالعباد}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} قَالَ: نزلت فِي صُهَيْب
بن سِنَان وَأبي ذَر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله
{وَمن النَّاس من يشري نَفسه} الْآيَة
قَالَ نزلت فِي صُهَيْب بن سِنَان وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ
وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذَر أما أَبُو ذَر فانفلت مِنْهُم
فَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَجَعَ
مُهَاجرا عرضوا لَهُ وَكَانُوا بمر الظهْرَان فانفلت أَيْضا
حَتَّى قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما
صُهَيْب فَأَخذه أَهله فَافْتدى مِنْهُم بِمَالِه ثمَّ خرج
مُهَاجرا فأدركه قنفذ بن عُمَيْر بن جدعَان فَخرج ممَّا بَقِي
من مَاله وخلى سَبيله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن صُهَيْب قَالَ: لما خرج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة هَمَمْت
بِالْخرُوجِ فصدني فتيَان من قُرَيْش ثمَّ خرجت فلحقني مِنْهُم
أنَاس بعد مَا سرت ليردوني فَقلت لَهُم: هَل لكم أَن أَعطيتكُم
أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي فَفَعَلُوا
فَقلت: احفروا تَحت أُسْكُفَّة الْبَاب فَإِن تحتهَا الأواقي
وَخرجت حَتَّى قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قبَاء قبل أَن يتحوّل مِنْهَا فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا
أَبَا يحيى ربح البيع ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن النَّاس من
يشري نَفسه} الْآيَة
قَالَ: هم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: كُنَّا
فِي غزَاة فَتقدم رجل فقاتل حَتَّى قتل فَقَالُوا: ألْقى
بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة
فَكتب فِيهِ إِلَى عمر فَكتب عمر: لَيْسَ كَمَا قَالُوا هُوَ
من الَّذين قَالَ الله فيهم {وَمن النَّاس من يشري نَفسه
ابْتِغَاء مرضات الله}
(1/576)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: حمل هِشَام بن عَامر على الصَّفّ
حَتَّى خرقه فَقَالُوا: ألْقى بِيَدِهِ
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة {وَمن النَّاس من يشري نَفسه
ابْتِغَاء مرضات الله}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مدركة بن عَوْف الأحمسي
أَنه كَانَ جَالِسا عِنْد عمر فَذكرُوا رجلا شرى نَفسه يَوْم
نهاوند فَقَالَ: ذَاك خَالِي زعم النَّاس أَنه ألْقى نَفسه
إِلَى التَّهْلُكَة
فَقَالَ عمر: كذب أُولَئِكَ بل هُوَ من الَّذين اشْتَروا
الْآخِرَة بالدنيا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه
ابْتِغَاء مرضات الله} قَالَ: نزلت فِي صُهَيْب وَفِي نفر من
أَصْحَابه أَخذهم أهل مَكَّة فعذبوهم ليردوهم إِلَى الشّرك
بِاللَّه مِنْهُم عمار وَأُميَّة وَسُميَّة وَأَبُو يَاسر
وبلال وخباب وعباس مولى حويطب بن عبد الْعُزَّى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن
عَسَاكِر عَن صُهَيْب أَن الْمُشْركين لما أطافوا برَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلُوا على الْغَار وأدبروا
قَالَ: واصهيباه وَلَا صُهَيْب لي
فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخُرُوج
بعث أَبَا بكر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا إِلَى صُهَيْب
فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فَقَالَ أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: وجدته يُصَلِّي فَكرِهت أَن أقطع عَلَيْهِ
صلَاته
فَقَالَ: أصبت وخرجا من ليلتهما فَلَمَّا أصبح خرج حَتَّى
أَتَى أم رُومَان زَوْجَة أبي بكر فَقَالَت: أَلا أَرَاك
هَهُنَا وَقد خرج أَخَوَاك ووضعا لَك شَيْئا من زادهما قَالَ
صُهَيْب: فَخرجت حَتَّى دخلت على زَوْجَتي أم عَمْرو فَأخذت
سَيفي وجعبتي وقوسي حَتَّى أقدم على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فأجده وَأَبا بكر جالسين فَلَمَّا
رَآنِي أَبُو بكر قَامَ إِلَيّ فبشرني بِالْآيَةِ الَّتِي نزلت
فيّ وَأخذ بيَدي فلمته بعض اللائمة فَاعْتَذر وربحني رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ربح البيع أَبَا يحيى
وَأخرج ابْن أبي خَيْثَمَة وَابْن عَسَاكِر عَن مُصعب بن عبد
الله قَالَ هرب صُهَيْب من الرّوم وَمَعَهُ مَال كثير فَنزل
بِمَكَّة فعاقد عبد الله بن جدعَان وحالفه وَإِنَّمَا أخذت
الرّوم صهيباً بن رضوى فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة لحقه صُهَيْب فَقَالَت لَهُ
قُرَيْش: لَا تلْحقهُ بأهلك وَمَالك فَدفع إِلَيْهِم مَاله
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ربح البيع
وَأنزل الله فِي أمره {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء
مرضات الله} وَأَخُوهُ مَالك بن سِنَان
(1/577)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد عمر إِذْ جَاءَهُ كتاب: أَن
أهل الْكُوفَة قد قَرَأَ مِنْهُم الْقُرْآن كَذَا وَكَذَا
فَكبر فَقلت: اخْتلفُوا
قَالَ: من أَي شَيْء عرفت قَالَ: قَرَأت {وَمن النَّاس من
يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} الْآيَتَيْنِ
فَإِذا فعلوا ذَلِك لم يصبر صَاحب الْقُرْآن ثمَّ قَرَأت
(وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم فحسبه
جَهَنَّم ولبئس المهاد) (الْبَقَرَة الْآيَة 206) {وَمن
النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} قَالَ: صدقت
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
وَأخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ:
بَيْنَمَا ابْن عَبَّاس مَعَ عمر وَهُوَ آخذ بِيَدِهِ فَقَالَ
عمر: أرى الْقُرْآن قد ظهر فِي النَّاس قلت: مَا أحب ذَلِك يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ: لم قلت: لأَنهم مَتى يقرؤوا ينفروا وَمَتى نفروا
يَخْتَلِفُوا وَمَتى مَا يَخْتَلِفُوا يضْرب بَعضهم رِقَاب بعض
فَقَالَ عمر: إِن كنت لأكتمها النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه
الْآيَة عِنْد عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اقتتل الرّجلَانِ
فَقَالَ لَهُ عمر: مَاذَا قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أرى
هَهُنَا من إِذا أَمر بتقوى الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم
وَأرى من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضاة الله يقوم هَذَا فيأمر
هَذَا بتقوى الله فَإِذا لم يقبل مِنْهُ وأخذته الْعِزَّة
بالإثم قَالَ لهَذَا: وَأَنا أشري نَفسِي فقاتله فاققتل
الرّجلَانِ فَقَالَ عمر: لله دَرك يَا ابْن عَبَّاس وَأخرج عبد
بن حميد عَن عِكْرِمَة
إِن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا تَلا هَذِه الْآيَة {وَمن
النَّاس من يُعْجِبك قَوْله} إِلَى قَوْله {وَمن النَّاس من
يشري نَفسه} قَالَ: اقتتل الرّجلَانِ
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه
وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والخطيب عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة فَقَالَ: اقتتلا وَرب الْكَعْبَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن صَالح أبي خَلِيل
قَالَ: سمع عمر إنْسَانا يقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَإِذا قيل
لَهُ اتَّقِ الله} إِلَى قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه
ابْتِغَاء مرضات الله} فَاسْتَرْجع فَقَالَ: إِنَّا لله
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون قَامَ الرجل يَأْمر
بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر فَقتل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: أنزلت
هَذِه الْآيَة فِي الْمُسلم الَّذِي لَقِي كَافِرًا فَقَالَ
لَهُ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قلتهَا عصمت مني دمك
وَمَالك إِلَّا
(1/578)
بحقهما فَأبى أَن يَقُولهَا فَقَالَ
الْمُسلم: وَالله لأشرين نَفسِي لله فَتقدم فقاتل حَتَّى قتل
(1/579)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ
الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(209)
قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة وَلَا تتبعوا خطوَات
الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين فَإِن زللتم من بعد مَا
جاءتكم الْبَينَات فاعلموا أَن الله عَزِيز حَكِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة} كَذَا قَرَأَهَا بِالنّصب
يَعْنِي مؤمني أهل الْكتاب فَإِنَّهُم كَانُوا مَعَ الإِيمان
بِاللَّه مستمسكين بِبَعْض أَمر التَّوْرَاة والشرائع الَّتِي
أنزلت فيهم يَقُول: ادخُلُوا فِي شرائع دين مُحَمَّد وَلَا
تدعوا مِنْهَا شَيْئا وحسبكم بالإِيمان بِالتَّوْرَاةِ وَمَا
فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة} قَالَ: نزلت فِي
ثَعْلَبَة وَعبد الله بن سَلام وَابْن يَامِين وَأسد وَأسيد
ابْني كَعْب وَسَعِيد بن عَمْرو وَقيس بن زيد كلهم من يهود
قَالُوا: يَا رَسُول الله يَوْم السبت يَوْم كُنَّا نعظمه
فَدَعْنَا فلنسبت فِيهِ وَأَن التَّوْرَاة كتاب الله فَدَعْنَا
فلنقم بهَا بِاللَّيْلِ فَنزلت
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {ادخُلُوا فِي السّلم} قَالَ: يَعْنِي أهل الْكتاب و
{كَافَّة} : جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّلم
الطَّاعَة وكافة يَقُول: جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
السّلم الإِسلام والزلل ترك الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فَإِن زللتم من بعد مَا جاءتكم
الْبَينَات} قَالَ: فَإِن ضللتم من بعد مَا جَاءَكُم مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {فاعلموا أَن الله
عَزِيز حَكِيم} يَقُول: عَزِيز فِي نقمته إِذا انتقم حَكِيم
فِي أمره
(1/579)
هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ
وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الْأُمُورُ (210)
قَوْله تَعَالَى: هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن
يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة وَقضي
الْأَمر وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور
(1/579)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجمع الله
الْأَوَّلين والآخرين لميقات يَوْم مَعْلُوم قيَاما شاخصة
أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء ينظرُونَ فصل الْقَضَاء وَينزل
الله فِي ظلل من الْغَمَام من الْعَرْش إِلَى الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة
قَالَ: يهْبط وَبَينه وَبَين خلقه سَبْعُونَ ألف حجاب مِنْهَا
النُّور والظلمة وَالْمَاء فيصوّت المَاء فِي تِلْكَ الظلمَة
صَوتا تنخلع لَهُ الْقُلُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: يَأْتِي
الله يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلل من السَّحَاب قد قطعت طاقات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وابمن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد قَوْله {فِي ظلل من الْغَمَام} قَالَ:
هُوَ غير السَّحَاب وَلم يكن قطّ إِلَّا لبني إِسْرَائِيل فِي
تيههم وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَهُوَ الَّذِي جَاءَت فِيهِ الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير والديلمي عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من الْغَمَام طاقات يَأْتِي
الله فِيهَا محفوفاً بِالْمَلَائِكَةِ وَذَلِكَ قَوْله {هَل
ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
الْعَالِيَة قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب (هَل ينظرُونَ
إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله وَالْمَلَائِكَة فِي ظلل من
الْغَمَام) قَالَ: يَأْتِي الْمَلَائِكَة فِي ظلل من الْغَمَام
وَهُوَ كَقَوْلِه (يَوْم تشقق السَّمَاء وَنزل الْمَلَائِكَة
تَنْزِيلا) (الْفرْقَان الْآيَة 25)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {فِي ظلل من
الْغَمَام} قَالَ: طاقات {وَالْمَلَائِكَة} قَالَ:
الْمَلَائِكَة حوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ:
يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وتأتهم الْمَلَائِكَة
عِنْد الْمَوْت
وَأخرج عَن عِكْرِمَة {وَقضي الْأَمر} يَقُول: قَامَت
السَّاعَة
(1/580)
سَلْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ
يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)
قَوْله تَعَالَى: سل بني إِسْرَائِيل كم
آتَيْنَاهُم من آيَة بَيِّنَة وَمن يُبدل نعْمَة الله من بعد
مَا جَاءَتْهُ فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب
(1/580)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
{سل بني إِسْرَائِيل} قَالَ: هم الْيَهُود {كم آتَيْنَاهُم من
آيَة بَيِّنَة} مَا ذكر الله فِي الْقُرْآن وَمَا لم يذكر
{وَمن يُبدل نعْمَة الله} قَالَ: يكفر بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة
قَالَ: آتَاهُم الله آيَات بَيِّنَات عَصا مُوسَى وَيَده
وأقطعهم الْبَحْر وَأغْرقَ عدوّهم وهم ينظرُونَ وظلل عَلَيْهِم
الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى {وَمن يُبدل
نعْمَة الله} يَقُول: من يكفر بِنِعْمَة الله
(1/581)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
قَوْله تَعَالَى: زين للَّذين كفرُوا
الْحَيَاة الدُّنْيَا ويسخرون من الَّذين آمنُوا وَالَّذين
اتَّقوا فَوْقهم يَوْم الْقِيَامَة وَالله يرْزق من يَشَاء
بِغَيْر حِسَاب
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
جريج فِي قَوْله {زين للَّذين كفرُوا الْحَيَاة الدُّنْيَا}
قَالَ: الْكفَّار يَبْتَغُونَ الدُّنْيَا ويطلبونها {ويسخرون
من الَّذين آمنُوا} فِي طَلَبهمْ الْآخِرَة
قَالَ: ابْن جرير لَا أَحْسبهُ إِلَّا عَن عِكْرِمَة قَالَ:
قَالُوا: لَو كَانَ مُحَمَّدًا نَبيا لاتبعه سَادَاتنَا
وَأَشْرَافنَا وَالله مَا اتبعهُ إِلَّا أهل الْحَاجة مثل ابْن
مَسْعُود وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {زين للَّذين كفرُوا
الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هِيَ هَمهمْ وسدمهم وطلبهم
ونيتهم {ويسخرون من الَّذين آمنُوا} وَيَقُولُونَ: مَا هم على
شَيْء استهزاء وسخرية {وَالَّذين اتَّقوا فَوْقهم يَوْم
الْقِيَامَة} هُنَاكُم التَّفَاضُل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة {وَالَّذين اتَّقوا
فَوْقهم} قَالَ: فَوْقهم فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس
عَن هَذِه الْآيَة {وَالله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب}
فَقَالَ: تَفْسِيرهَا لَيْسَ على الله رَقِيب وَلَا من يحاسبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {بِغَيْر حِسَاب}
قَالَ: لَا يُحَاسب الرب
وَأخرج مَيْمُون بن مهْرَان بِغَيْر حِسَاب قَالَ: غدقاً
وَأخرج عَن الرّبيع بن أنس بِغَيْر حِسَاب قَالَ: لَا يُخرجهُ
بِحِسَاب يخَاف أَن ينقص مَا عِنْده إِن الله لَا ينقص مَا
عِنْده
(1/581)
كَانَ النَّاسُ
أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
قَوْله تَعَالَى: كَانَ النَّاس أمة
وَاحِدَة فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين وَأنزل مَعَهم
الْكتاب بِالْحَقِّ ليحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ
وَمَا اخْتلف فِيهِ إلاَّ الَّذين أوتوه من بعد مَا جَاءَتْهُم
الْبَينَات بغيا بَينهم فهدى الله الَّذين آمنُوا لما
اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَالله يهدي من يَشَاء
إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو يعلى
وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
{كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: على الإِسلام كلهم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ بَين آدم
ونوح عشرَة قُرُون كلهم على شَرِيعَة من الْحق فَاخْتَلَفُوا
فَبعث الله النَّبِيين قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَة عبد
الله / كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا /
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ:
كَانُوا أمة وَاحِدَة حَيْثُ عرضوا على آدم ففطرهم الله على
الإِسلام وأقروا لَهُ بالعبودية فَكَانُوا أمة وَاحِدَة
مُسلمين ثمَّ اخْتلفُوا من بعد آدم
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: آدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي أَنه كَانَ
يقْرؤهَا / كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا فَبعث
الله النَّبِيين / وَإِن الله إِنَّمَا بعث الرُّسُل وَأنزل
الْكتاب بعد الِاخْتِلَاف {وَمَا اخْتلف فِيهِ إلاَّ الَّذين
أوتوه} يَعْنِي بني إِسْرَائِيل أُوتُوا الْكتاب وَالْعلم
{بغياً بَينهم} يَقُول: بغياً على الدُّنْيَا وَطلب ملكهَا
وزخرفها أَيهمْ يكون لَهُ الْملك والمهابة فِي النَّاس فبغى
بَعضهم على بعض فَضرب بَعضهم رِقَاب بعض {فهدى الله الَّذين
آمنُوا} يَقُول: فهداهم الله عِنْد الِاخْتِلَاف أَنهم
أَقَامُوا على مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل قبل الِاخْتِلَاف
أَقَامُوا على الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ
وَأقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة واعتزلوا الِاخْتِلَاف
فَكَانُوا شُهَدَاء على النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على قوم نوح
وَقوم هود وَقوم صَالح وَقوم شُعَيْب وَآل فِرْعَوْن وَأَن
رسلهم بلغتهم وَأَنَّهُمْ كذبُوا رسلهم
(1/582)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {كَانَ النَّاس أمة
وَاحِدَة} قَالَ: كفَّارًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {فهدى الله الَّذين
آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ} قَالَ: قَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن الْأَولونَ
وَالْآخرُونَ الأوّلون يَوْم الْقِيَامَة وَأول النَّاس
دُخُولا الْجنَّة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا
وأوتيناه من بعدهمْ فهدانا الله لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق
فَهَذَا الْيَوْم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ فهدانا الله
فَالنَّاس لنا فِيهِ تبع فغداً للْيَهُود وَبعد غَد
لِلنَّصَارَى هُوَ فِي الصَّحِيح بِدُونِ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ بَين آدم
ونوح عشرَة أَنْبيَاء وَنشر من آدم النَّاس فَبعث فيهم
النَّبِيين مبشرين ومنذرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر
لنا أَنه كَانَ بَين آدم ونوح عشرَة قُرُون كلهم على الْهدى
وعَلى شَرِيعَة من الْحق ثمَّ اخْتلفُوا بعد ذَلِك فَبعث الله
نوحًا وَكَانَ أول رَسُول أرْسلهُ الله إِلَى الأَرْض وَبعث
عِنْد الِاخْتِلَاف من النَّاس وَترك الْحق فَبعث الله رسله
وَأنزل كِتَابه يحْتَج بِهِ على خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {فهدى الله
الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ}
فَاخْتَلَفُوا فِي يَوْم الْجُمُعَة فَأخذ الْيَهُود يَوْم
السبت وَالنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد فهدى الله أمة مُحَمَّد
بِيَوْم الْجُمُعَة وَاخْتلفُوا فِي الْقبْلَة فاستقبلت
النَّصَارَى الْمشرق وَالْيَهُود بَيت الْمُقَدّس وَهدى الله
أمة مُحَمَّد للْقبْلَة وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فَمنهمْ من
يرْكَع وَلَا يسْجد وَمِنْهُم من يسْجد وَلَا يرْكَع وَمِنْهُم
من يُصَلِّي وَهُوَ يتَكَلَّم وَمِنْهُم من يُصَلِّي وَهُوَ
يمشي فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك وَاخْتلفُوا فِي
الصّيام فَمنهمْ من يَصُوم النَّهَار وَمِنْهُم من يَصُوم عَن
بعض الطَّعَام فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي إِبْرَاهِيم فَقَالَت الْيَهُود: كَانَ
يَهُودِيّا وَقَالَت النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيّا
وَجعله الله حَنِيفا مُسلما فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من
ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي عِيسَى فَكَذبت بِهِ الْيَهُود وَقَالُوا لأمه
بهتاناً عَظِيما وَجَعَلته النَّصَارَى إِلَهًا وَولدا وَجعله
الله روحه وكلمته فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك
(1/583)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
السّديّ قَالَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: {فهدى الله الَّذين
آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ} يَقُول: اخْتلفُوا عَن الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن
كَعْب / فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا من الْحق
فِيهِ بِإِذْنِهِ ليكونوا شُهَدَاء على النَّاس يَوْم
الْقِيَامَة وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم /
فَكَانَ أَبُو الْعَالِيَة يَقُول: فِي هَذِه الْآيَة يهْدِيهم
للمخرج من الشُّبُهَات والضلالات والفتن
(1/584)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ
نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
قَوْله تَعَالَى: أم حسبتم أَن تدْخلُوا
الْجنَّة وَلما يأتيكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ مستهم
البأساء وَالضَّرَّاء وزلزاوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول
وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريب
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {أم حسبتم} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي يَوْم الْأَحْزَاب أصَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ وَأَصْحَابه بلَاء وَحصر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أخبر الله الْمُؤمن أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء وَأَنه
مبتليهم فِيهَا وَأخْبرهمْ أَنه هَكَذَا فعل بأنبيائه وصفوته
اتطيب أنفسهم فَقَالَ {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} فالبأساء
الْفِتَن وَالضَّرَّاء السقم {وزلزلوا} بالفتن وأذى النَّاس
إيَّاهُم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
عَن خباب بن الْأَرَت قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله أَلا
تَسْتَنْصِر لنا أَلا تَدْعُو الله لنا فَقَالَ: إِن من كَانَ
قبلكُمْ كَانَ أحدهم يوضع الْمِنْشَار على مفرق رَأسه فيخلص
إِلَى قَدَمَيْهِ لَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وَيُمشط
بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا بَين لَحْمه وعظمه لَا يصرفهُ ذَلِك
عَن دينه ثمَّ قَالَ: وَالله لَيتِمَّن هَذَا الْأَمر حَتَّى
يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا
الله وَالذِّئْب على غنمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{وَلما يأتكم مثل الَّذين خلوا} قَالَ: أَصَابَهُم هَذَا يَوْم
الْأَحْزَاب حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ (مَا وعدنا الله وَرَسُوله
إِلَّا غرُورًا) (الْأَحْزَاب الْآيَة 12)
(1/584)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {مثل الَّذين خلوا} يَقُول:
سنَن الَّذين خلوا من قبلكُمْ {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء
وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} خَيرهمْ وأصبرهم وأعلمهم
بِاللَّه {مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريب} فَهَذَا هُوَ
الْبلَاء والنغص الشَّديد ابتلى الله بِهِ الْأَنْبِيَاء
وَالْمُؤمنِينَ قبلكُمْ ليعلم أهل طَاعَته من أهل مَعْصِيَته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليجرب أحدكُم بالبلاء
وَهُوَ أعلم بِهِ كَمَا يجرب أحدكُم ذهبه بالنَّار فَمنهمْ من
يخرج كالذهب الإِبريز فَذَلِك الَّذِي نجاه الله من
السَّيِّئَات وَمِنْهُم من يخرج كالذهب الْأسود فَذَلِك
الَّذِي افْتتن
(1/585)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ
فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك مَاذَا
يُنْفقُونَ قل مَا أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى
وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَمَا تَفعلُوا من خير فَإِن
الله بِهِ عليم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} الْآيَة
قَالَ: يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة لم يكن زَكَاة وَهِي
النَّفَقَة ينفقها الرجل على أَهله وَالصَّدَََقَة يتَصَدَّق
بهَا فنسختها الزَّكَاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ:
سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَيْن يضعون أَمْوَالهم فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا
يُنْفقُونَ قل مَا أنفقتم من خير} الْآيَة
فَذَلِك النَّفَقَة فِي التطوّع وَالزَّكَاة سوى ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن حبَان قَالَ إِن عَمْرو بن
الجموح سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا ننفق
من أَمْوَالنَا وَأَيْنَ نضعها فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا
يُنْفقُونَ} الْآيَة
فَهَذَا مَوَاضِع نَفَقَة أَمْوَالكُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن المنذرعن قَتَادَة قَالَ همتهم
النَّفَقَة فسألوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل
الله {مَا أنفقتم من خير} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَسْأَلُونَك مَاذَا
يُنْفقُونَ} قَالَ: سَأَلُوهُ مَا لَهُم فِي ذَلِك {قل مَا
أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} الْآيَة
قَالَ: هَهُنَا يَا
(1/585)
ابْن آدم فضع كدحك وسعيك وَلَا تنفح بهَا
وَذَاكَ وَتَدَع ذَوي قرابتك وَذَوي رَحِمك
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا رَأَيْت قوما
كَانُوا خيرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَن ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة حَتَّى قبض
كُلهنَّ فِي الْقُرْآن مِنْهُنَّ (يَسْأَلُونَك عَن الْخمر
وَالْميسر) (الْبَقَرَة الْآيَة 219) و (يَسْأَلُونَك عَن
الشَّهْر الْحَرَام) (الْبَقَرَة الْآيَة 217) و (يَسْأَلُونَك
عَن الْيَتَامَى) (الْبَقَرَة الْآيَة 220) و (يَسْأَلُونَك
عَن الْمَحِيض) (الْبَقَرَة الْآيَة 222) و (يَسْأَلُونَك عَن
الْأَنْفَال) (الْأَنْفَال الْآيَة 1) و {يَسْأَلُونَك مَاذَا
يُنْفقُونَ} مَا كَانُوا يَسْأَلُونَك إِلَّا عَمَّا كَانَ
يَنْفَعهُمْ
(1/586)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (216)
قَوْله تَعَالَى: كتب عَلَيْكُم الْقِتَال
وَهُوَ كره لكم وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم
وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم وَالله يعلم
وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ:
إِن الله أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْمُؤمنِينَ بِمَكَّة بِالتَّوْحِيدِ وإقام الصَّلَاة
وإيتاء الزَّكَاة وَأَن يكفوا أَيْديهم عَن الْقِتَال فَلَمَّا
هَاجر إِلَى الْمَدِينَة نزلت سَائِر الْفَرَائِض وَأذن لَهُم
فِي الْقِتَال فَنزلت {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} يَعْنِي فرض
عَلَيْكُم وَأذن لَهُم بعد مَا كَانَ نَهَاهُم عَنهُ {وَهُوَ
كره لكم} يَعْنِي الْقِتَال وَهُوَ مشقة لكم {وَعَسَى أَن
تكْرهُوا شَيْئا} يَعْنِي الْجِهَاد قتال الْمُشْركين {وَهُوَ
خير لكم} وَيجْعَل الله عاقبته فتحا وغنيمة وَشَهَادَة
{وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا} يَعْنِي الْقعُود عَن الْجِهَاد
{وَهُوَ شَرّ لكم} فَيجْعَل الله عاقبته شرا فَلَا تصيبوا
ظفراً وَلَا غنيمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
جريج قَالَ: قلت
(1/586)
لعطاء: مَا تَقول فِي قَوْله {كتب
عَلَيْكُم الْقِتَال} أواجب الغزوعلى النَّاس من أجلهَا قَالَ:
لَا كتب على أُولَئِكَ حِينَئِذٍ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب فِي
الْآيَة قَالَ: الْجِهَاد مَكْتُوب على كل أحد غزا أَو قعد
فالقاعد إِن استعين بِهِ أعَان وَإِن استغيث بِهِ أغاث وَإِن
استغني عَنهُ قعد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله {وَهُوَ كره لكم} قَالَ نسختها هَذِه الْآيَة
(وَقَالُوا سمعنَا وأطعنا) (الْبَقَرَة الْآيَة 285) وَأخرجه
ابْن جرير مَوْصُولا عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق
عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: عَسى من الله وَاجِب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كل شَيْء فِي
الْقُرْآن عَسى فَإِن عَسى من الله وَاجِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك
قَالَ: كل شَيْء من الْقُرْآن عَسى فَهُوَ وَاجِب إِلَّا
حرفين: حرف التَّحْرِيم (عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن)
(التَّحْرِيم الْآيَة 5) وَفِي بني إِسْرَائِيل (عَسى ربكُم
أَن يَرْحَمكُمْ) (الْإِسْرَاء الْآيَة 8)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: عَسى على
نحوين: أَحدهمَا فِي أَمر وَاجِب قَوْله (فَعَسَى أَن يكون من
المفلحين) (الْقَصَص الْآيَة 67) وَأما الآخر فَهُوَ أَمر
لَيْسَ وَاجِب كُله قَالَ الله {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا
وَهُوَ خير لكم} لَيْسَ كل مَا يكره الْمُؤمن من شَيْء هُوَ
خير لَهُ وَلَيْسَ كل مَا أحب هُوَ شَرّ لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت رَدِيف رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس
ارْض عَن الله بِمَا قدر وَإِن كَانَ خلاف هَوَاك فَإِنَّهُ
مُثبت فِي كتاب الله
قلت: يَا رَسُول الله فَأَيْنَ وَقد قَرَأت الْقُرْآن قَالَ
{وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن
تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا
تعلمُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ: يَا
رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: إِيمَان بِاللَّه
وَجِهَاد فِي
(1/587)
سَبِيل الله قَالَ: فَأَي الْعتَاقَة أفضل
أَنْفسهَا
قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن لم أجد قَالَ: فَتعين الصَّانِع وتصنع
لَا خرق (الْخرق بِضَم الْخَاء وَسُكُون الرَّاء أَو فتح
الْخَاء وَالرَّاء وَهُوَ الْحمق أَو سوء التَّصَرُّف أَو مَا
لَا يحسن عمله)
قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن لم أستطع قَالَ: تدع النَّاس من شرك
فَإِنَّهَا صَدَقَة تصدق بهَا على نَفسك
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي
الْأَعْمَال أفضل قَالَ: الإِيمان بِاللَّه وَرَسُوله
قيل: ثمَّ مَاذَا قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
قيل: ثمَّ مَاذَا قَالَ: ثمَّ حج مبرور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن مَسْعُود
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل
الْأَعْمَال الصَّلَاة لوَقْتهَا وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مثل
الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله - وَالله أعلم بِمن يُجَاهد فِي
سَبيله - كَمثل الصَّائِم الْقَائِم الخاشع الرَّاكِع الساجد
وتكفل الله للمجاهد فِي سَبيله أَن يتوفاه فيدخله الْجنَّة أَو
يرجعه سالما بِمَا نَالَ من أجر وغنيمة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: عَلمنِي عملا يعدل الْجِهَاد قَالَ: لَا أَجِدهُ
حَتَّى تَسْتَطِيع إِذا خرج الْمُجَاهِد أَن تدخل مَسْجِدا
فتقوم وَلَا تفتر وتصوم وَلَا تفطر قَالَ: لَا أَسْتَطِيع ذَاك
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِن فرس الْمُجَاهِد ليستن فِي طوله
فَيكْتب لَهُ حَسَنَات
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل: يَا رَسُول الله
أخبرنَا بِمَا يعدل الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: لَا
تستطيعونه
قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كَمثل الْقَائِم
الصَّائِم البائت بآيَات الله لَا يفتر من صِيَام وَصَلَاة
حَتَّى يرجع الْمُجَاهِد إِلَى أَهله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
إِن رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر
بشعب فِيهِ عُيَيْنَة مَاء عذب فأعجبه طيبه فَقَالَ: لَو أَقمت
فِي هَذَا الشّعب واعتزلت النَّاس لن أفعل حَتَّى استأمر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تفعل فَإِن مقَام أحدكُم فِي
سَبِيل
(1/588)
الله أفضل من صلَاته فِي أَهله سِتِّينَ
عَاما أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم ويدخلكم الْجنَّة اغزوا
فِي سَبِيل الله من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة وَجَبت
لَهُ الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ أَتَى رجل إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَي النَّاس أفضل فَقَالَ:
مُؤمن مُجَاهِد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله
قَالَ: ثمَّ من قَالَ: مُؤمن فِي شعب من الشعاب يعبد الله ويدع
النَّاس من شَره
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن
ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس منزلا قَالُوا: بلَى يَا رَسُول
الله قَالَ: رجل أَخذ بِرَأْس فرسه فِي سَبِيل الله حَتَّى
يَمُوت أَو يقتل أَلا أخْبركُم بِالَّذِي يَلِيهِ قَالُوا:
بلَى
قَالَ: امْرُؤ معتزل فِي شعب يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة
ويعتزل شرور النَّاس أَلا أخْبركُم بشر النَّاس قَالُوا: بلَى
قَالَ: الَّذِي يسْأَل بِاللَّه وَلَا يُعْطي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن فضَالة بن عبيد سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الإِسلام ثَلَاثَة: سفلى
وعليا وغرفة فَأَما السُّفْلى فالإِسلام دخل فِيهِ عَامَّة
الْمُسلمين فَلَا تسْأَل أحد مِنْهُم إِلَّا قَالَ: أَنا مُسلم
وَأما الْعليا فتفاضل أَعْمَالهم بعض الْمُسلمين أفضل من بعض
وَأما الغرفة الْعليا فالجهاد فِي سَبِيل الله لَا ينالها
إِلَّا أفضلهم
وَأخرج الْبَزَّار عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الإِسلام ثَمَانِيَة أسْهم: الإِسلام سهم
وَالصَّلَاة سهم وَالزَّكَاة سهم وَالصَّوْم سهم وَحج الْبَيْت
سهم وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ سهم وَالنَّهْي عَن الْمُنكر سهم
وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله سهم وَقد خَابَ من لَا سهم لَهُ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن عَليّ مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن
رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ:
إِيمَان بِاللَّه وَجِهَاد فِي سَبيله وَحج مبرور فَلَمَّا ولى
الرجل قَالَ: وأهون عَلَيْك من ذَلِك إطْعَام الطَّعَام ولين
الْكَلَام وَحسن الْخلق فَلَمَّا ولى الرجل قَالَ: وأهون
عَلَيْك من ذَلِك لَا تتهم الله على شَيْء قَضَاهُ عَلَيْك
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم جاهدوا فِي سَبِيل الله فَإِن الْجِهَاد فِي
سَبِيل الله بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة يُنجي الله بِهِ من
الْهم وَالْغَم
(1/589)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن
أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
عَلَيْكُم بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ بَاب من
أَبْوَاب الْجنَّة يذهب الله بِهِ الْهم وَالْغَم
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن النُّعْمَان
بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل
الْجِهَاد فِي سَبِيل الله كَمثل الصَّائِم نَهَاره الْقَائِم
ليله حَتَّى يرجع مَتى رَجَعَ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَاتَ وَلم يغز وَلم يحدث نَفسه
بالغزو مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عُثْمَان بن عَفَّان أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: يَوْم فِي سَبِيل الله خير من ألف يَوْم فِيمَا
سواهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
معَاذ بن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث
سَرِيَّة فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله
إِنَّك بعثت هَذِه السّريَّة وَإِن زَوجي خرج فِيهَا وَقد كنت
أَصوم بصيامه وأصلي بِصَلَاتِهِ وأتعبد بِعِبَادَتِهِ فدلني
على عمل أبلغ بِهِ عمله قَالَ: تصلين فَلَا تقعدين وتصومين
فَلَا تفطرين وتذكرين فَلَا تفترين
قَالَ: وأطيق ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: وَلَو طوّقت ذَلِك
- وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ - مَا بلغت من العشير من عمله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا خرج الْغَازِي فِي
سَبِيل الله جعلت ذنُوبه جِسْرًا على بَاب بَيته فَإِذا خلف
ذنُوبه كلهَا فَلم يبْق عَلَيْهِ مِنْهَا مثل جنَاح بعوضة
وتكفل الله لَهُ بِأَرْبَع
بِأَن يخلفه فِيمَا يخلف من أهل وَمَال وَأي ميتَة مَاتَ بهَا
أدخلهُ الْجنَّة فَإِن رده سالما بِمَا ناله من أجر أَو غنيمَة
وَلَا تغرب الشَّمْس إِلَّا غربت ذنُوبه
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجمع الله فِي جَوف رجل غباراً
فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم وَمن اغبرت قدماه فِي سَبِيل
الله حرم الله سَائِر جسده على النَّار وَمن صَامَ يَوْمًا فِي
سَبِيل الله ختم لَهُ بِخَاتم الشُّهَدَاء يعرفهُ بهَا
الْأَولونَ وَالْآخرُونَ يَقُولُونَ: فلَان عَلَيْهِ طَابع
الشُّهَدَاء
وَمن قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: من نصل فِي سَبِيل الله فَمَاتَ أَو قتل فَهُوَ
شَهِيد أَو رفصه
(1/590)
فرسه أَو بعيره أَو لدغته هَامة أَو مَاتَ
على فرَاشه بِأَيّ حتف شَاءَ الله فَإِنَّهُ شَهِيد وَإِن لَهُ
الْجنَّة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هِنْد رجل من أَصْحَاب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله مثل الصَّائِم
الْقَائِم القانت لَا يفتر من صِيَام وَلَا صَلَاة وَلَا
صَدَقَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
عَن أبي عبس عبد الرَّحْمَن بن جبر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمهما
الله على النَّار
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي بكر الصّديق أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله
حرمهما الله على النَّار
وَأخرج الْبَزَّار عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرم الله
عَلَيْهِ النَّار
وَأخرج أَحْمد من حَدِيث مَالك بن عبد الله النَّخعِيّ
مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس
منزلَة قَالُوا: بلَى
قَالَ: رجل آخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله حَتَّى يقتل أَو
يَمُوت أَلا أخْبركُم بِالَّذِي يَلِيهِ رجل معتزل فِي شعب
يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله
وَأخرج ابْن سعد عَن أم بشر بنت الْبَراء بن معْرور قَالَت:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا
أنبئكم بِخَير النَّاس بعده قَالُوا: بلَى
قَالَ: رجل فِي غنمه يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة يعلم حق
الله فِي مَاله قد اعتزل شرور النَّاس
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خطب النَّاس عَام تَبُوك وَهُوَ مضيف ظَهره إِلَى نَخْلَة
فَقَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس إِن من خير النَّاس
رجلا عمل فِي سَبِيل الله على ظهر فرسه أَو على ظهر بعيره أَو
على قَدَمَيْهِ حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت وَإِن من شَرّ
النَّاس رجلا فَاجِرًا جريئاً يقْرَأ كتاب الله وَلَا يرعوي
إِلَى شَيْء مِنْهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة كلهم ضَامِن
على الله
رجل خرج غازياً فِي سَبِيل الله فَهُوَ ضَامِن على الله حَتَّى
يتوفاه
(1/591)
فيدخله الْجنَّة أَو يردهُ بِمَا نَالَ من
أجر أَو غنيمَة وَرجل دخل بَيته بِالسَّلَامِ فَهُوَ ضَامِن
على الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن الخصاصية قَالَ أتيت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبايعه على الإِسلام
فَاشْترط عليّ: تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَتصلي الْخمس وتصوم رَمَضَان
وَتُؤَدِّي الزَّكَاة وتحج وتجاهد فِي سَبِيل الله
قلت: يَا رَسُول الله أما اثْنَتَانِ فَلَا أطيقهما أما
الزَّكَاة فَمَا لي إِلَّا عشر ذودهن رسل أَهلِي وحمولتهم
وَأما الْجِهَاد فيزعمون أَن من ولى فقد بَاء بغضب من الله
فَأَخَاف إِذا حضرتني قتال كرهت الْمَوْت وخشعت نَفسِي
فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده ثمَّ حركها
ثمَّ قَالَ: لَا صَدَقَة وَلَا جِهَاد فَبِمَ تدخل الْجنَّة
ثمَّ قلت: يَا رَسُول الله أُبَايِعك فبايعني عَلَيْهِنَّ
كُلهنَّ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أعين لَا تمسها
النَّار
عين فقئت فِي سَبِيل الله وَعين حرست فِي سَبِيل الله وَعين
بَكت من خشيَة الله
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن أبي رَيْحَانَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حرمت النَّار على عين دَمَعَتْ من خشيَة
الله حرمت النَّار على عين سهرت فِي سَبِيل الله وَعين غضت عَن
محارم الله وَعين فقئت فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَظَلَّتْكُم فتن
كَقطع اللَّيْل المظلم أنجى النَّاس مِنْهَا صَاحب شاهقة
يَأْكُل من رسل غنمه أَو رجل من وَرَاء الدروب آخذ بعنان فرسه
يَأْكُل من فَيْء سَيْفه
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله
مَضْمُون على الله إِمَّا أَن يلقيه إِلَى مغفرته وَرَحمته
وَإِمَّا أَن يرجعه بِأَجْر وغنيمة
وَمثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كَمثل الصَّائِم الْقَائِم
الَّذِي لَا يفتر حَتَّى يرجع
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: عينان لَا تمسهما النَّار: عين
بَكت من خشيَة الله وَعين باتت تحرس فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عينان لَا
تمسهما النَّار أبدا
عين باتت تكلأ فِي سَبِيل الله وَعين بَكت من خشيَة الله
(1/592)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مُعَاوِيَة بن
حيدة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثَلَاثَة لَا ترى أَعينهم النَّار: عين حرست فِي سَبِيل الله
وَعين بَكت من خشيَة الله وَعين غضت عَن محارم الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أنبئكم بليلة
الْقدر حارس حرس فِي أَرض خوف لَعَلَّه أَن لَا يرجع إِلَى
أَهله
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل عين باكية يَوْم
الْقِيَامَة إِلَّا عينا غضت عَن محارم الله وعيناً سهرت فِي
سَبِيل الله وعيناً خرج مِنْهَا مثل رَأس الذُّبَاب من خشيَة
الله
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: حرس لَيْلَة فِي سَبِيل الله أفضل من
صِيَام رجل وقيامه فِي أَهله ألف سنة السّنة ثلثمِائة يَوْم
الْيَوْم كألف سنة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من رَاح رَوْحَة فِي سَبِيل الله كَانَ لَهُ
بِمثل مَا أَصَابَهُ من الْغُبَار مسك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَكْحُول قَالَ: حَدثنَا بعض
الصَّحَابَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة قتل أَو مَاتَ دخل
الْجنَّة وَمن رمى بِسَهْم بلغ العدوّ أَو قصر كَانَ عدل
رَقَبَة وَمن شَاب شيبَة فِي سَبِيل الله كَانَت لَهُ نورا
يَوْم الْقِيَامَة وَمن كلم كلمة جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة
رِيحهَا مثل الْمسك ولونها مثل الزَّعْفَرَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أكيدر بن حمام قَالَ: أَخْبرنِي رجل
من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: جلسنا
يَوْمًا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقُلْنَا لفتى فِينَا: اذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَاسْأَلْهُ مَا يعدل الْجِهَاد فَأَتَاهُ
فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
شَيْء ثمَّ أرسلناه الثَّانِيَة فَقَالَ مثلهَا ثمَّ قُلْنَا
إِنَّهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث فَإِن
قَالَ: لَا شَيْء فَقل: مَا يقرب مِنْهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا شَيْء
فَقَالَ: مَا يقرب مِنْهُ يَا رَسُول الله قَالَ: طيب
الْكَلَام وادامة الصّيام وَالْحج كل عَام وَلَا يقرب مِنْهُ
شَيْء بعد
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
فضَالة بن عبيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: أَنا زعيم - والزعيم الْجَمِيل - لمن آمن بِي وَأسلم
وجاهد فِي سَبِيل الله بِبَيْت فِي ربض الْجنَّة وَبَيت فِي
وسط الْجنَّة وَبَيت فِي أَعلَى غرف الْجنَّة فَمن
(1/593)
فعل ذَلِك لم يدع للخير مطلباً وَلَا من
الشَّرّ مهرباً يَمُوت حَيْثُ شَاءَ أَن يَمُوت
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمرَان بن
حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مقَام
الرجل فِي الصَّفّ فِي سَبِيل الله أفضل عِنْد الله من عبَادَة
الرجل سِتِّينَ سنة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: يَا
نَبِي الله حَدثنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة قَالَ: بخ بخ لقد
سَأَلت لعَظيم لقد سَأَلت لعَظيم لقد سَأَلت لعَظيم وَأَنه
ليسير على من أَرَادَ الله بِهِ الْخَيْر تؤمن بِاللَّه
وباليوم الآخر وتقيم الصَّلَاة تؤتي الزَّكَاة وَتعبد الله
وَحده لَا تشرك بِهِ شَيْئا حَتَّى تَمُوت وَأَنت على ذَلِك
ثمَّ قَالَ: إِن شِئْت يَا معَاذ حدثتك بِرَأْس هَذَا الْأَمر
وقوام هَذَا الْأَمر وذروة السنام
فَقَالَ معَاذ
بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: إِن رَأس هَذَا الْأَمر أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وَأَن قوام هَذَا الْأَمر الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَأَن ذرْوَة
السنام مِنْهُ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِنَّمَا أمرت أَن
أقَاتل النَّاس حَتَّى يقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة
ويشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد اعتصموا
وعصموا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم
على الله
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نفس
مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا شجت وَجه وَلَا اغبرت قدم فِي عمل يبتغى
بِهِ دَرَجَات الْآخِرَة بعد الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة كجهاد
فِي سَبِيل الله وَلَا ثقل ميزَان عبد كدابة ينْفق عَلَيْهَا
فِي سَبِيل الله أَو يحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذرْوَة الإِسلام الْجِهَاد لَا يَنَالهُ
إِلَّا أفضلهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي أُمَامَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لم يغز وَلم يُجهز
غازياً أَو يخلف غازياً فِي أَهله بِخَير أَصَابَهُ الله
بقارعة قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن مَكْحُول قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أهل بَيت
لَا يخرج مِنْهُم غاز أَو يجهزون غازياً أَو يخلفونه فِي أَهله
إِلَّا أَصَابَهُم الله بقارعة قبل الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(1/594)
من قَاتل فوَاق نَاقَة فقد وَجَبت لَهُ
الْجنَّة وَمن سَأَلَ الله الْقَتْل من نَفسه صَادِقا ثمَّ
مَاتَ أَو قتل فَإِن لَهُ أجر شَهِيد وَمن جرح جرحا فِي سَبِيل
الله أَو نكب نكبة فَإِنَّهَا تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة كأغزر
مَا كَانَت لَوْنهَا لون الزَّعْفَرَان وريحها ريح الْمسك وَمن
جرح فِي سَبِيل الله فَإِن عَلَيْهِ طَابع الشُّهَدَاء
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يَحْكِي عَن ربه قَالَ أَيّمَا عبد من
عبَادي خرج مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله ابْتِغَاء مرضاتي ضمنت
لَهُ إِن رجعته أرجعته بِمَا أصَاب من أجر أَو غنيمَة وَإِن
قَبضته غفرت لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من رجل يغبر
وَجهه فِي سَبِيل الله إِلَّا آمنهُ الله دُخان النَّار يَوْم
الْقِيَامَة وَمَا من رجل تغبر قدماه فِي سَبِيل الله إِلَّا
أَمن الله قَدَمَيْهِ من النَّار
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن ربيع بن زِيَاد بَيْنَمَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير إِذْ هُوَ بِغُلَام
من قُرَيْش معتزل عَن الطَّرِيق يسير فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ ذَاك فلَانا قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَادعوهُ فَدَعوهُ قَالَ: مَا بالك اعتزلت الطَّرِيق
قَالَ: يَا رَسُول الله كرهت الْغُبَار
قَالَ: فَلَا تعتزله فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إته لذريرة
الْجنَّة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن
عبد الله سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمه الله على النَّار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أم مَالك البهزية قَالَت ذكر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتْنَة فقر بهَا قلت: من خير
النَّاس فِيهَا قَالَ: رجل فِي مَاشِيَة يُؤَدِّي حَقّهَا
ويعبد ربه وَرجل أَخذ بِرَأْس فرسه يخيف الْعَدو ويخيفونه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يلج النَّار رجل بَكَى من خشيَة
الله حَتَّى يعود اللَّبن فِي الضَّرع وَلَا يجْتَمع غُبَار
فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم فِي منخري مُسلم أبدا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ شَيْء أحب إِلَى الله من
قطرتين أَو أثرين قَطْرَة دمع من خشيَة الله وقطرة دم تهراق
فِي سَبِيل الله وَأما الأثران: فأثر فِي سَبِيل الله وَأثر
فِي فَرِيضَة من فَرَائض الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل
(1/595)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْغَزْو غَزوَان
فَأَما من ابْتغى بِهِ وَجه الله وأطاع الإِمام وَأنْفق
الْكَرِيمَة وياسر الشَّرِيك واجتنب الْفساد فَإِن نَومه ونبهه
أجر كُله
وَأما من غزا فخراً ورياء وَسُمْعَة وَعصى الإِمام وأفسد فِي
الأَرْض فَإِنَّهُ لن يرجع بالكفاف
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا من سَرِيَّة تغزو فِي سَبِيل الله فيسلمون ويصيبون
الْغَنِيمَة إِلَّا أَن تعجلوا ثُلثي أجرهم فِي الْآخِرَة
وَيبقى لَهُم الثُّلُث وَمَا من سَرِيَّة تخفق وتخوّف وتصاب
إِلَّا تمّ لَهُم أجرهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أَذْنَاب
الْبَقر ورضيتم بالزرع وتركتم الْجِهَاد سلط الله عَلَيْكُم
ذلاً لَا يَنْزعهُ حَتَّى ترجعوا إِلَى دينكُمْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرية أَن
تخرج قَالُوا: يَا رَسُول الله أنخرج اللَّيْلَة أم نمكث
حَتَّى تصبح قَالَ: أَفلا تحبون أَن تبيتوا هَكَذَا فِي خريف
من خراف الْجنَّة والخريف الحديقة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رجف قلب الْمُؤمن فِي سَبِيل
الله تحات عَنهُ الْخَطَايَا كَمَا يتحات عذق النَّخْلَة
وأخرد الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة خير من أَرْبَعِينَ غَزْوَة
وغزوة خير من أَرْبَعِينَ حجَّة يَقُول: إِذا حج الرجل حجَّة
الإِسلام فغزوة خير لَهُ من أَرْبَعِينَ حجَّة وَحجَّة
الإِسلام خير من أَرْبَعِينَ غَزْوَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة لمن لم يحجّ خير من عشر غزوات
وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج وغزوة فِي الْبَحْر خير من عشر
غزوات فِي الْبر وَمن أجَاز الْبَحْر فَكَأَنَّمَا أجَاز
الأودية كلهَا والمائد فِيهِ كالمتشحط فِي دَمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحجة أفضل من عشر غزوات ولغزوة أفضل
من عشر حجات
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن مَكْحُول قَالَ كثر
المستأذنون على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
الْحَج فِي غَزْوَة تَبُوك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة لمن قد حج أفضل من أَرْبَعِينَ حجَّة
(1/596)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ:
لسفرة فِي سَبِيل الله أفضل من خمسين حجَّة
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: إِن أَبْوَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله: الْمُجَاهِد
فِي سبيلي هُوَ عَليّ ضَامِن إِن قَبضته أورثته الْجنَّة وَإِن
رجعته رجعته بِأَجْر أَو غنيمَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من جَاهد فِي
سَبِيل الله كَانَ ضَامِنا على الله وَمن عَاد مَرِيضا كَانَ
ضَامِنا على الله وَمن غَدا إِلَى مَسْجِد أَو رَاح كَانَ
ضَامِنا على الله وَمن دخل على إِمَام بغزوة كَانَ ضَامِنا على
الله وَمن جلس فِي بَيته لم يغتب إنْسَانا كَانَ ضَامِنا على
الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن
حبشِي الْخَثْعَمِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: إِيمَان لَا شكّ فِيهِ
وَجِهَاد لَا غلُول فِيهِ وَحجَّة مبرورة
قيل: فَأَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ: جهد الْمقل
قيل: فَأَي الْهِجْرَة أفضل قَالَ: من هجر مَا حرم الله
قيل: فَأَي الْجِهَاد أفضل قَالَ: من جَاهد الْمُشْركين
بِنَفسِهِ وَمَاله
قيل: فَأَي الْقَتْل أشرف قَالَ: من أهرق دَمه وعقر جَوَاده
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أنْفق
زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي من أَبْوَاب الْجنَّة يَا
عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب
الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من أَبْوَاب
الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب
الصَّدَقَة
فَقَالَ أَبُو بكر: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا
عَليّ من دعِي من تِلْكَ الْأَبْوَاب من ضَرُورَة فَهَل يدعى
أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا قَالَ: نعم وَأَرْجُو أَن
تكون مِنْهُم
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تضمن الله لمن خرج فِي سَبيله لَا
يُخرجهُ إِلَّا جِهَاد فِي سبيلي وإيمان بِي وتصديق برسلي
فَهُوَ ضَامِن أَن
(1/597)
أدخلته الْجنَّة أَو أرجعه إِلَى منزله
الَّذِي خرج مِنْهُ نائلاً مَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا كلم بكلم فِي سَبِيل الله
إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة كَهَيْئَته يَوْم كلم لَونه
لون دم وريحه ريح مسك وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْلَا
أَن أشق على الْمُسلمين مَا قعدت خلف سَرِيَّة تغزو فِي سَبِيل
الله أبدا وَلَكِن لأجد مَا أحملهم عَلَيْهِ وَلَا يَجدونَ مَا
يتحملون عَلَيْهِ فَيخْرجُونَ ويشق عَلَيْهِم أَن يتخلفوا
بعدِي وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أغزو
فِي سَبِيل الله فَاقْتُلْ ثمَّ أَحْيَا فَاقْتُلْ ثمَّ
أَحْيَا فَاقْتُلْ
وَأخرج ابْن سعد عَن سُهَيْل بن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مقَام أحدكُم فِي سَبِيل الله
سَاعَة خير من عمله عمره فِي أَهله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة من سراياه فَمر جلّ
بِغَار فِيهِ شَيْء من مَاء فَحدث نَفسه بِأَن يُقيم فِي ذَلِك
المَاء فيتقوّت مِمَّا كَانَ فِيهِ من مَاء ويصيب مِمَّا حوله
من البقل ويتخلى من الدُّنْيَا فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي لم أبْعث باليهودية وَلَا
بالنصرانية وَلَكِنِّي بعثت بالحنيفية السمحة وَالَّذِي نفس
مُحَمَّد بِيَدِهِ لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ولمقام أحدكُم فِي الصَّفّ خير من
صلَاته سِتِّينَ سنة
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رجل: يَا
رَسُول الله أَي الْعَمَل أفضل قَالَ: إِيمَان بِاللَّه وتصديق
وَجِهَاد فِي سَبيله وَحج مبرور
قَالَ الرجل: أكثرت يَا رَسُول الله
فَقَالَ: فلين الْكَلَام وبذل الطَّعَام وسماح وَحسن الْخلق
قَالَ الرجل: أُرِيد كلمة وَاحِدَة
قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَلَا تتهم الله على نَفسك
وَأخرج أَحْمد عَن الشِّفَاء بنت عبد الله وَكَانَت من
الْمُهَاجِرَات أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلَ عَن أفضل الإِيمان فَقَالَ: إِيمَان بِاللَّه وَجِهَاد
فِي سَبِيل الله وَحج مبرور
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
الْحسن قَالَ: بني الإِسلام على عشرَة أَرْكَان: الاخلاص لله
وَهِي الْفطْرَة وَالصَّلَاة وَهِي الْملَّة وَالزَّكَاة
والطهرة وَالصِّيَام وَهُوَ الْجنَّة وَالْحج وَهُوَ
الشَّرِيعَة وَالْجهَاد وَهُوَ الْعِزَّة وَالْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْحجَّة وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَهُوَ الواقية وَالطَّاعَة وَهِي الْعِصْمَة وَالْجَمَاعَة
وَهِي الألفة
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن عبسة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة
حرم الله وَجهه على النَّار
(1/598)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الْمُنْذر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاهد
فِي سَبِيل الله وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا خالط قلب
امرىء رهج فِي سَبِيل الله إِلَّا حرم الله عَلَيْهِ النَّار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من لَقِي الله بِغَيْر أثر من جِهَاد لقِيه وَفِيه ثلمة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ترك قوم الْجِهَاد
إِلَّا عمهم الله بِالْعَذَابِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا ضن النَّاس بالدينار
وَالدِّرْهَم وابتغوا أَذْنَاب الْبَقر وَتركُوا الْجِهَاد فِي
سَبِيل الله وتبايعوا بِالْعينِ أنزل الله عَلَيْهِم الْبلَاء
فَلَا يرفعهُ حَتَّى يراجعوا دينهم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ لغدوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
ماجة عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الروحة والغدوة فِي سَبِيل الله أفضل من الدُّنْيَا
وَمَا فِيهَا
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غدْوَة فِي سَبِيل الله
أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت
وَأخرج الْبَزَّار عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو
رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو
رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج أَحْمد من حَدِيث مُعَاوِيَة بن جريج
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن اسحق بن رَافع قَالَ: بَلغنِي عَن
الْمِقْدَاد أَن الْغَازِي إِذا خرج من بَيته عدد مَا خلف
وَرَاءه من أهل الْقبْلَة وَأهل الذِّمَّة والبهائم يجْرِي
عَلَيْهِ بِعَدَد كل وَاحِد مِنْهُم قِيرَاط قِيرَاط كل
لَيْلَة مثل الْجَبَل أَو قَالَ: مثل أحد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحِين قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النِّسَاء مَا على الرِّجَال
إِلَّا الْجُمُعَة والجنائز وَالْجهَاد
(1/599)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ
كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ
أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى
يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ
يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن
الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير وَصد عَن
سَبِيل الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَإِخْرَاج
أَهله مِنْهُ أكبر عِنْد الله والفتنة أَشد من الْقَتْل وَلَا
يزالون يقاتلونكم حَتَّى يردكم عَن دينكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا
وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك
حبطت أَعْمَالهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأُولَئِكَ
أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ إِن الَّذين آمنُوا
وَالَّذين هَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ
يرجون رَحْمَة الله وَالله غَفُور رَحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد صَحِيح
عَن جُنْدُب بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه بعث رهطاً وَبعث عَلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح
أَو عُبَيْدَة بن الْحَرْث فَلَمَّا ذهب لينطلق بَكَى صبَابَة
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَسَ وَبعث
مَكَانَهُ عبد الله بن جحش وَكتب لَهُ كتابا وَأمره أَن لَا
يقْرَأ الْكتاب حَتَّى يبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا وَقَالَ: لَا
تكرهن أحدا على السّير مَعَك من أَصْحَابك فَلَمَّا قَرَأَ
الْكتاب اسْترْجع وَقَالَ: سمعا وَطَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ
فَخَبرهُمْ الْخَبَر وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْكتاب فَرجع رجلَانِ
وَمضى بَقِيَّتهمْ فَلَقوا ابْن الْحَضْرَمِيّ فَقَتَلُوهُ
وَلم يدروا أَن ذَلِك الْيَوْم من رَجَب أَو جُمَادَى فَقَالَ
الْمُشْركُونَ للْمُسلمين: قتلتم فِي الشَّهْر الْحَرَام
فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال
فِيهِ} الْآيَة
فَقَالَ بَعضهم إِن لم يَكُونُوا أَصَابُوا وزراً فَلَيْسَ
لَهُم أجر فَأنْزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين
هَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة
الله وَالله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك
عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} قَالَ: بعث رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن فلَان فِي سَرِيَّة
فَلَقوا عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ بِبَطن نَخْلَة فَذكر
الحَدِيث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
إِن الْمُشْركين صدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وردوه عَن الْمَسْجِد الْحَرَام فِي شهر حرَام فَفتح الله على
نبيه فِي شهر حرَام
(1/600)
من الْعَام الْمقبل فعاب الْمُشْركُونَ على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقِتَال فِي شهر حرَام
فَقَالَ الله {قل قتال فِيهِ كَبِير وَصد عَن سَبِيل الله
وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَإِخْرَاج أَهله مِنْهُ
أكبر عِنْد الله} من الْقِتَال فِيهِ وَأَن مُحَمَّدًا صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة فَلَقوا عَمْرو بن
الْحَضْرَمِيّ وَهُوَ مقبل من الطَّائِف فِي آخر لَيْلَة من
جُمَادَى وَأول لَيْلَة من رَجَب وَأَن أَصْحَاب مُحَمَّد
كَانُوا يظنون أَن تِلْكَ اللَّيْلَة من جُمَادَى وَكَانَت أول
رَجَب وَلم يشعروا فَقتله رجل مِنْهُم وَأخذُوا مَا كَانَ
مَعَه وَأَن الْمُشْركين أرْسلُوا يُعَيِّرُونَهُ بذلك فَقَالَ
الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال
فِيهِ كَبِير} وَغَيره أكبر مِنْهُ {وَصد عَن سَبِيل الله
وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام} وَإِخْرَاج أهل الْمَسْجِد
الْحَرَام مِنْهُ أكبر من الَّذِي أصَاب أَصْحَاب مُحَمَّد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم والشرك أَشد مِنْهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَق حَدثنِي الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل فِيمَا كَانَ من مصاب عَمْرو بن
الْحَضْرَمِيّ {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال
فِيهِ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث
صَفْوَان بن بَيْضَاء فِي سَرِيَّة عبد الله بن جحش قبل
الْأَبْوَاء فغنموا وَفِيهِمْ نزلت {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر
الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة وَكَانُوا سَبْعَة نفر عَلَيْهِم
عبد الله بن جحش الْأَسدي وَفِيهِمْ عمار بن يَاسر وَأَبُو
حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة وَسعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن
غَزوَان السّلمِيّ حَلِيف لبني نَوْفَل أَو سُهَيْل بن
بَيْضَاء وعامر بن فهَيْرَة وواقد بن عبد الله الْيَرْبُوعي
حَلِيف لعمر بن الْخطاب وَكتب مَعَ ابْن جحش كتابا أمره أَن
لَا يقرأه حَتَّى ينزل ملل فَلَمَّا نزل بِبَطن ملل فتح
الْكتاب فَإِذا فِيهِ أَن سر حَتَّى تنزل بطن نَخْلَة
قَالَ لأَصْحَابه: من كَانَ يُرِيد الْمَوْت فليمض وليوص
فَإِنِّي موص وماض لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَسَار وتخلف عَنهُ سعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان أضلا
رَاحِلَة لَهما وَسَار ابْن جحش إِلَى بطن نَخْلَة فَإِذا هم
بالحكم بن كيسَان وَعبد الله بن الْمُغيرَة بن عُثْمَان
وَعَمْرو الْحَضْرَمِيّ فَاقْتَتلُوا فأسروا الحكم بن كيسَان
وَعبد الله بن الْمُغيرَة وانقلب الْمُغيرَة وَقتل عَمْرو
الْحَضْرَمِيّ قَتله وَاقد بن عبد الله فَكَانَت أول غنيمَة
غنمها
(1/601)
أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة بالأسيرين وَمَا غنموا من
الْأَمْوَال قَالَ الْمُشْركُونَ: مُحَمَّد يزْعم أَنه يتبع
طَاعَة الله وَهُوَ أول من اسْتحلَّ الشَّهْر الْحَرَام
فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ
قل قتال فِيهِ كَبِير} لَا يحل وَمَا صَنَعْتُم أَنْتُم يَا
معشر الْمُشْركين أكبر من الْقَتْل فِي الشَّهْر الْحَرَام
حِين كَفرْتُمْ بِاللَّه وصددتم عَنهُ مُحَمَّدًا {والفتنة}
وَهِي الشّرك أعظم عِنْد الله من الْقَتْل فِي الشَّهْر
الْحَرَام فَذَلِك قَوْله {وَصد عَن سَبِيل الله وَكفر بِهِ}
الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ أَن رجلا من بني تَمِيم أرْسلهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة فَمر بِابْن
الْحَضْرَمِيّ يحمل خمرًا من الطَّائِف إِلَى مَكَّة فَرَمَاهُ
بِسَهْم فَقتله وَكَانَ بَين قُرَيْش وَمُحَمّد فَقتله فِي آخر
يَوْم من جُمَادَى الْآخِرَة وَأول يَوْم من رَجَب
فَقَالَت قُرَيْش: فِي الشَّهْر الْحَرَام وَلنَا عهد فَأنْزل
الله {قل قتال فِيهِ كَبِير} الْآيَة
يَقُول: كفر بِهِ وَعبادَة الْأَوْثَان أكبر من قتل ابْن
الْحَضْرَمِيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ
قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن
جحش فلقي نَاسا من الْمُشْركين بِبَطن نَخْلَة والمسلمون
يحسبون أَنه آخر يَوْم من جُمَادَى وَهُوَ أول يَوْم من رَجَب
فَقتل الْمُسلمُونَ ابْن الْحَضْرَمِيّ
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: ألستم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ تحرمون
الشَّهْر الْحَرَام والبلد الْحَرَام وَقد قتلتم فِي الشَّهْر
الْحَرَام فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام
قتال فِيهِ} إِلَى قَوْله {أكبر عِنْد الله} من الَّذِي
استكبرتم من قتل ابْن الْحَضْرَمِيّ {والفتنة} الَّتِي أَنْتُم
عَلَيْهَا مقيمون يَعْنِي الشّرك {أكبر من الْقَتْل}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الزُّهْرِيّ
عَن عُرْوَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث
سَرِيَّة من الْمُسلمين وَأمر عَلَيْهِم عبد الله بن جحش
الْأَسدي فَانْطَلقُوا حَتَّى هَبَطُوا نَخْلَة فوجدوا عَمْرو
بن الْحَضْرَمِيّ فِي عير تِجَارَة لقريش فِي يَوْم بَقِي من
الشَّهْر الْحَرَام فاختصم الْمُسلمُونَ فَقَالَ قَائِل
مِنْهُم: هَذِه غرَّة من عدوّ وغنم رزقتموه وَلَا نَدْرِي أَمن
الشَّهْر الْحَرَام هَذَا الْيَوْم أم لَا
وَقَالَ قَائِل: لَا نعلم الْيَوْم إِلَّا من الشَّهْر
الْحَرَام وَلَا نرى أَن تستحلوه لطمع أشفقتم عَلَيْهِ فغلب
على الْأَمر الَّذين يُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا فشدوا على ابْن
الْحَضْرَمِيّ فَقَتَلُوهُ وغنموا عيره
فَبلغ ذَلِك كفار قُرَيْش وَكَانَ ابْن الْحَضْرَمِيّ أوّل
قَتِيل قتل بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فَركب وَفد كفار
قُرَيْش
(1/602)
حَتَّى قدمُوا على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: أتحل الْقِتَال فِي
الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله عز وَجل {يَسْأَلُونَك عَن
الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير وَصد عَن
سَبِيل الله} إِلَى آخر الْآيَة
فَحَدثهُمْ الله فِي كِتَابه: إِن الْقِتَال فِي الشَّهْر
الْحَرَام حرَام كَمَا كَانَ وَإِن الَّذين يسْتَحلُّونَ من
الْمُؤمنِينَ هُوَ أكبر من ذَلِك فَمن صدهم عَن سَبِيل الله
حِين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أَن يهاجروا إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكفرهم بِاللَّه وصدهم
للْمُسلمين عَن الْمَسْجِد الْحَرَام فِي الْحَج وَالْعمْرَة
وَالصَّلَاة فِيهِ وإخراجهم أهل الْمَسْجِد الْحَرَام وهم
سكانه من الْمُسلمين وفتنهم إيَّاهُم عَن الدّين فَبَلغنَا أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقل ابْن الْحَضْرَمِيّ
وَحرم الشَّهْر الْحَرَام كَمَا كَانَ يحرمه حَتَّى أنزل الله
عز وَجل (بَرَاءَة من الله وَرَسُوله) (التَّوْبَة الْآيَة 1)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ ومقسم قَالَا لَقِي وَاقد
بن عبد الله عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ أوّل لَيْلَة من رَجَب
وَهُوَ يرى أَنه من جُمَادَى فَقتله فَأنْزل الله
{يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِيمَا بلغنَا يحرم الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام ثمَّ أحل
بعد
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة قَالَ
بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن جحش
إِلَى نَخْلَة فَقَالَ لَهُ: كن بهَا حَتَّى تَأْتِينَا
بِخَبَر من أَخْبَار قُرَيْش وَلم يَأْمُرهُ بِقِتَال وَذَلِكَ
فِي الشَّهْر الْحَرَام وَكتب لَهُ كتابا قبل أَن يُعلمهُ أَنه
يسير فَقَالَ: اخْرُج أَنْت وَأَصْحَابك حَتَّى إِذا سرت
يَوْمَيْنِ فافتح كتابك وَانْظُر فِيهِ فَمَا أَمرتك بِهِ
فَامْضِ لَهُ وَلَا تستكرهن أحدا من أَصْحَابك على الذّهاب
مَعَك فَلَمَّا سَار يَوْمَيْنِ فتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ: أَن
امْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة فَتَأْتِينَا من أَخْبَار قُرَيْش
بِمَا تصل إِلَيْك مِنْهُم
فَقَالَ لأَصْحَابه حِين قَرَأَ الْكتاب: سمعا وَطَاعَة من
كَانَ مِنْكُم لَهُ رَغْبَة فِي الشَّهَادَة فَلْيَنْطَلِقْ
معي فَإِنِّي ماضٍ لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمن كره ذَلِك مِنْكُم فَليرْجع فَإِن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قد نهاني أَن أستكره مِنْكُم أحدا فَمضى مَعَه
الْقَوْم حَتَّى إِذا كَانُوا بِنَجْرَان أضلّ سعد بن أبي
وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان بَعِيرًا لَهما كَانَا يتعقبانه
فتخلفا عَلَيْهِ يطلبانه
وَمضى الْقَوْم حَتَّى نزلُوا نَخْلَة فَمر بهم عَمْرو بن
الْحَضْرَمِيّ وَالْحكم بن كيسَان
(1/603)
وَعُثْمَان والمغيرة بن عبد الله مَعَهم
تِجَارَة قد مروا بهَا من الطَّائِف إِلَى مَكَّة أَدَم وزيت
فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَوْم أشرف لَهُم وَاقد بن عبد الله
وَكَانَ قد حلق رَأسه فَلَمَّا رَأَوْهُ حليقاً قَالَ عمار:
لَيْسَ عَلَيْكُم مِنْهُم بَأْس وائتمر الْقَوْم بهم أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ آخر يَوْم من
جُمَادَى فَقَالُوا: لَئِن قتلتوهم إِنَّكُم لتقتلونهم فِي
الشَّهْر الْحَرَام وَلَئِن تركتموهم ليدخلن فِي هَذِه
اللَّيْلَة حرم مَكَّة فيمتنعن مِنْكُم
فأجمع الْقَوْم على قَتلهمْ فَرمى وَاقد بن عبد الله
التَّمِيمِي عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ فَقتله واستأسر عُثْمَان
بن عبد الله وَالْحكم بن كيسَان وهرب الْمُغيرَة فاعجزهم
وَاسْتَاقُوا العير فقدموا بهَا على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم: وَالله مَا أَمرتكُم بِقِتَال
فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأوقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْأَسِيرين وَالْعير فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا
فَلَمَّا قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
قد سقط فِي أَيْديهم وظنوا أَن قد هَلَكُوا وَعَنَّفَهُمْ
اخوانهم من الْمُسلمين وَقَالَت قُرَيْش حِين بَلغهُمْ أَمر
هَؤُلَاءِ: قد سفك مُحَمَّد الدَّم الْحَرَام وَأخذ المَال
وَأسر الرِّجَال واستحل الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله
{يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
فَلَمَّا نزل ذَلِك أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
العير وفدى الْأَسِيرين
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله أتطمع أَن يكون لنا
غَزْوَة فَأنْزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هَاجرُوا
وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله}
وَكَانُوا ثَمَانِيَة وأميرهم التَّاسِع عبد الله بن جحش
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن
الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} قَالَ: يَقُول: يَسْأَلُونَك
عَن قتال فِيهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يقْرؤهَا / عَن قتال
فِيهِ /
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ:
فِي قِرَاءَة عبد الله ((يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام
عَن قتال فِيهِ)) وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عِكْرِمَة
أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف / قتل فِيهِ /
وَأخرج عَن عَطاء بن ميسرَة قَالَ: أحل الْقِتَال فِي الشَّهْر
الْحَرَام فِي بَرَاءَة فِي قَوْله (فَلَا تظلموا فِيهِنَّ
أَنفسكُم وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة
36)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: هَذَا شَيْء مَنْسُوخ
وَلَا بَأْس بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْر الْحَرَام
(1/604)
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه من طَرِيق
جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَوْله
{يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} أَي فِي
الشَّهْر الْحَرَام
قَالَ {قتال فِيهِ كَبِير} أَي عَظِيم فَكَانَ الْقِتَال
مَحْظُورًا حَتَّى نُسْخَة آيَة السَّيْف فِي بَرَاءَة
(فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التَّوْبَة
الْآيَة 5) فأبيح الْقِتَال فِي الْأَشْهر الْحَرَام وَفِي
غَيرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر {والفتنة أَشد من
الْقَتْل} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَا يزالون
يقاتلونكم} قَالَ: كفار قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله
{أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} قَالَ: هَؤُلَاءِ خِيَار هَذِه
الْأمة ثمَّ جعلهم الله أهل رَجَاء
إِنَّه من رجا طلب وَمن خَافَ هرب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ
خِيَار هَذِه الْأمة جعلهم الله أهل رَجَاء كَمَا تَسْمَعُونَ
(1/605)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ
وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ
نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ
الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن الْخمر
وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما
أكبر من نفعهما ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو كَذَلِك
يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تتفكرون
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن عمر
أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً
فَإِنَّهَا تذْهب المَال وَالْعقل فَنزلت {يَسْأَلُونَك عَن
الْخمر وَالْميسر} الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة فدعي عمر
فقرئت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر
بَيَانا شافياً فَنزلت الْآيَة الَّتِي سُورَة النِّسَاء (يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى)
(النِّسَاء الْآيَة 43) فَكَانَ مُنَادِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَقَامَ الصَّلَاة نَادَى أَن لَا يقربن
الصَّلَاة سَكرَان فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً فَنزلت الْآيَة
الَّتِي فِي الْمَائِدَة فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَلَمَّا بلغ
(فَهَل لَأَنْتُم مُنْتَهُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة 91) قَالَ
عمر: انتهينا انتهينا
(1/605)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ:
كُنَّا نشرب الْخمر فأنزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر
وَالْميسر} الْآيَة
فَقُلْنَا: نشرب مِنْهَا مَا ينفعنا
فأنزلت فِي الْمَائِدَة (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر)
(الْمَائِدَة الْآيَة 90)
الْآيَة
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ قد انتهينا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَ لما نزلت
سُورَة الْبَقَرَة نزل فِيهَا تَحْرِيم الْخمر فَنهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: إِنَّمَا
سميت الْخمر لِأَنَّهَا صفاء صفوها وسفل كدرها
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
قَالَ: الميسر الْقمَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد قَالَ: الميسر الْقمَار وَإِنَّمَا سمي الميسر
لقَولهم أيسر جزوراً كَقَوْلِك ضع كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن
الْخمر وَالْميسر} قَالَ: الميسر الْقمَار كَانَ الرجل فِي
الْجَاهِلِيَّة يخاطر عَن أَهله وَمَاله فَأَيّهمَا قهر صَاحبه
ذهب بأَهْله وَمَاله
وَفِي قَوْله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير} يَعْنِي مَا ينقص من
الدّين عِنْد شربهَا {وَمَنَافع للنَّاس} يَقُول: فِيمَا
يصيبون من لذتها وفرحها إِذا شَرِبُوهَا {وإثمهما أكبر من
نفعهما} يَقُول: مَا يذهب من الدّين والاثم فِيهِ أكبر مِمَّا
يصيبون من لذتها وفرحها إِذا شَرِبُوهَا فَأنْزل الله بعد
ذَلِك (لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى
) (النِّسَاء الْآيَة 43) الْآيَة
فَكَانُوا لَا يشربونها عِنْد الصَّلَاة فَإِذا صلوا الْعشَاء
شَرِبُوهَا فَمَا يَأْتِي الظّهْر حَتَّى يذهب عَنْهُم السكر
ثمَّ إِن نَاسا من الْمُسلمين شَرِبُوهَا فقاتل بَعضهم بَعْضًا
وَتَكَلَّمُوا بِمَا لَا يُرْضِي الله من القَوْل
فَأنْزل الله (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب)
(الْمَائِدَة الْآيَة 90) الْآيَة
فَحرم الْخمر وَنهى عَنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر} الْآيَة
قَالَ: نسخهَا (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر
) (المائده الْآيَة 90) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل
فيهمَا إِثْم كَبِير}
(1/606)
قَالَ: هَذَا أول مَا عيبت بِهِ الْخمر
{وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ: ثمنهَا وَمَا يصيبون من السرُور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ:
منافعهما قبل التَّحْرِيم وإثمهما بَعْدَمَا حرما
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل
الْعَفو}
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن
نَفرا من الصَّحَابَة حِين أمروا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل
الله أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا:
إِنَّا لَا نَدْرِي مَا هَذِه النَّفَقَة الَّتِي أمرنَا بهَا
فِي أَمْوَالنَا فَمَا ننفق مِنْهَا فَأنْزل الله {ويسألونك
مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} وَكَانَ قبل ذَلِك ينْفق مَاله
حَتَّى لَا يجد مَا يتَصَدَّق بِهِ وَلَا مَا لَا يَأْكُل
حَتَّى يتَصَدَّق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبان عَن يحيى أَنه بلغه أَن
معَاذ بن جبل وثعلبة أَتَيَا رَسُول الله فَقَالَا: يَا رَسُول
الله إِن لنا ارقاء وأهلين فَمَا ننفق من أَمْوَالنَا فَأنْزل
الله {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ويسألونك مَاذَا
يُنْفقُونَ قل الْعَفو} قَالَ: هُوَ مَا لَا يتَبَيَّن فِي
أَمْوَالكُم وَكَانَ هَذَا قبل أَن تفرض الصَّدَقَة
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو}
قَالَ: مَا يفضل عَن أهلك وَفِي لفظ قَالَ: الْفضل من
الْعِيَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن دِينَار الْهُذلِيّ
أَن عبد الْملك بن مَرْوَان كتب إِلَى سعيد بن جُبَير يسْأَله
عَن الْعَفو
فَقَالَ: الْعَفو على ثَلَاثَة أنحاء
نَحْو تجَاوز عَن الذَّنب وَنَحْو فِي الْقَصْد فِي النَّفَقَة
{ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} وَنَحْو فِي الاحسان
فِيمَا بَين النَّاس (إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي
بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح) (الْبَقَرَة الْآيَة 237)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ:
ذَلِك أَن لَا تَجِد مَالك ثمَّ تقعد تسْأَل النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ:
الْفضل
(1/607)
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق بن أبي نجيح
عَن طَاوس قَالَ: الْعَفو الْيُسْر من كل شَيْء قَالَ: وَكَانَ
مُجَاهِد يَقُول {الْعَفو} الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل الْعَفو}
قَالَ: لم تفرض فِيهِ فَرِيضَة مَعْلُومَة ثمَّ قَالَ (خُذ
الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ) (الْأَعْرَاف الْآيَة 199) ثمَّ
نزلت الْفَرَائِض بعد ذَلِك مُسَمَّاة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ:
هَذَا نسخته الزَّكَاة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الصَّدَقَة
مَا ترك غنى وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ
بِمن تعول تَقول الْمَرْأَة: إِمَّا أَن تطعمني وَأما أَن
تُطَلِّقنِي وَيَقُول العَبْد اطعمني واستعملني وَيَقُول
الابْن: اطعمني إِلَى من تدعني
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير الصَّدَقَة مَا أبقت غنى
وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول
تَقول الْمَرْأَة: انفق عليّ أَو طَلقنِي وَيَقُول مملوكك:
انفق عَليّ أَو بِعني
وَيَقُول ولدك: إِلَى من تَكِلنِي
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن
أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى وابدأ بِمن تعول
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَمر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رجل: يَا
رَسُول الله عِنْدِي دِينَار
قَالَ: تصدق بِهِ على نَفسك
قَالَ: عِنْدِي آخر قَالَ: تصدق بِهِ على ولدك قَالَ: عِنْدِي
آخر
قَالَ: تصدق بِهِ على زَوجتك
قَالَ: عِنْدِي آخر
قَالَ: تصدق بِهِ على خادمك
قَالَ: عِنْدِي آخر
قَالَ: أَنْت أبْصر
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
جَابر بن عبد الله قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَ رجل وَفِي لفظ: قدم أَبُو حُصَيْن
السّلمِيّ بِمثل بَيْضَة من الْحَمَامَة من ذهب فَقَالَ: يَا
رَسُول الله أصبت هَذِه من مَعْدن فَخذهَا فَهِيَ صَدَقَة مَا
أملك غَيرهَا فاعرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ أَتَاهُ من خَلفه فَأَخذهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَحَذفهُ بهَا فَلَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ
أَو لَعَقَرته
فَقَالَ: يَأْتِي أحدكُم بِمَا يملك
(1/608)
فَيَقُول هَذِه صَدَقَة ثمَّ يقْعد
يَسْتَكِف النَّاس خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى وابدأ
بِمن تعول
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن حَكِيم بن حزَام عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْيَد الْعليا خير من الْيَد
السُّفْلى وابدأ بِمن تعول وَخير الصَّدَقَة مَا كَانَ على ظهر
غنى وَمن يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يغنه الله
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق
عَلَيْهَا فَإِن فضل شَيْء فلأهلك فَإِن فضل شَيْء عَن أهلك
فلذي قرابتك فَإِن فضل عَن ذِي قرابتك شَيْء فَهَكَذَا
وَهَكَذَا
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن
مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْأَيْدِي ثَلَاث
فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد
السَّائِل السُّفْلى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فاستعفف عَن
السُّؤَال وَعَن الْمَسْأَلَة مَا اسْتَطَعْت فَإِن أَعْطَيْت
خيرا فليُرَ عَلَيْك وابدأ بِمن تعول وارضخ من الْفضل وَلَا
تلام على الكفاف
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن مَالك بن
نَضْلَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْأَيْدِي ثَلَاث
فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد
السَّائِل السُّفْلى فاعط الْفضل وَلَا تعجز عَن نَفسك
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ دخل رجل الْمَسْجِد
فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس أَن يطْرَحُوا
أثواباً فطرحوا فَأمر لَهُ مِنْهَا بثوبين ثمَّ حث على
الصَّدَقَة فجَاء فَطرح أحد الثَّوْبَيْنِ فصاح بِهِ وَقَالَ:
خُذ ثَوْبك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يقوت
وَأخرج الْبَزَّار عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَد الْعليا خير من الْيَد
السُّفْلى وابدأ بِمن تعول
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا ابْن آدم
إِنَّك إِن تبدل الْفضل خير لَك وان تمسكه شَرّ لَك وَلَا تلام
على كفاف وابدأ بِمن تعول وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد
السُّفْلى
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ يَا ابْن عَوْف إِنَّك من الْأَغْنِيَاء وَلنْ تدخل
الْجنَّة إِلَّا زحفاً فاقرض الله
(1/609)
يُطلق لَك قَدَمَيْك
قَالَ: وَمَا الَّذِي أقْرض يَا رَسُول الله قَالَ: تَبرأ
مِمَّا أمسيت فِيهِ
قَالَ: أَمن كُله أجمع يَا رَسُول الله قَالَ: نعم
فَخرج وَهُوَ يهم بذلك فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: مر ابْن
عَوْف فليضف الضَّيْف وليطعم الْمَسَاكِين وليعط السَّائِل
وليبدأ بِمن يعول فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك كَانَ تَزْكِيَة
مِمَّا هُوَ فِيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ركب الْمصْرِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طُوبَى لمن تواضع
من غير منقصة وذل فِي نَفسه من غير مسكنة وانفق مَالا جمعه فِي
غير مَعْصِيّة ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل الْعِفَّة
وَالْحكمَة طُوبَى لمن ذل فِي نَفسه وطاب كَسبه وصلحت
سَرِيرَته وكرمت عَلَانِيَته وعزل عَن النَّاس شَره وَأنْفق
الْفضل من مَاله وَأمْسك الْفضل من قَوْله
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي ذَر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله مَا
تَقول فِي الصَّلَاة قَالَ: تَمام الْعَمَل
قلت: يَا رَسُول الله أَسأَلك عَن الصَّدَقَة قَالَ: شَيْء
عَجِيب قلت: يَا رَسُول الله تركت أفضل عمل فِي نَفسِي أَو
خَيره قَالَ: مَا هُوَ قلت: الصَّوْم
قَالَ: خير وَلَيْسَ هُنَاكَ
قلت: يَا رَسُول الله وَأي الصَّدَقَة قَالَ: تَمْرَة
قلت: فَإِن لم أفعل قَالَ: بِكَلِمَة طيبَة
قلت: فَإِن لم أفعل قَالَ: تُرِيدُ أَن لَا تدع فِيك من
الْخَيْر شَيْئا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أبي أَسمَاء عَن ثَوْبَان
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل
دِينَار يُنْفِقهُ الرجل على أَصْحَابه فِي سَبِيل الله قَالَ
أَبُو قلَابَة: وَبَدَأَ بالعيال ثمَّ قَالَ أَبُو قلَابَة:
وَأي رجل أعظم أجرا من رجل ينْفق على عِيَال صغَار يعفهم أَو
يَنْفَعهُمْ الله بِهِ ويعينهم
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَار انفقته فِي
سَبِيل الله ودينار أنفقته فِي رَقَبَة ودينار تَصَدَّقت بِهِ
على مِسْكين ودينار انفقته على أهلك أعظمها أجرا الَّذِي
أنفقته على أهلك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن كدير الضَّبِّيّ
قَالَ: أَتَى أَعْرَابِي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: نبئني بِعَمَل يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي عَن
النَّار
قَالَ: تَقول الْعدْل وَتُعْطِي الْفضل قَالَ: هَذَا شَدِيد
لَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول الْعدْل كل سَاعَة وَلَا أَن أعطي
فضل مَالِي
قَالَ: فاطعم الطَّعَام وأفش السَّلَام قَالَ: هَذَا شَدِيد
وَالله قَالَ: هَل لَك من إبل قَالَ: نعم
قَالَ: انْظُر بَعِيرًا من ابلك وسقاء فَاسق أهل
(1/610)
بَيت لَا يشربون إلاَّ غبا فلعلك أَن لَا
يهْلك بعيرك وَلَا ينخرق سقاؤك حَتَّى تجب لَك الْجنَّة
قَالَ: فَانْطَلق يكبر ثمَّ أَنه اسْتشْهد بعد
وَأخرج ابْن سعد عَن طَارق بن عبد الله قَالَ: أتيت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب فَسمِعت من قَوْله:
تصدقوا فَإِن الصَّدَقَة خير لكم وَالْيَد الْعليا خير من
الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثمَّ
أدناك فأدناك
وَأخرج مُسلم عَن خَيْثَمَة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عبد
الله بن عَمْرو إِذْ جَاءَهُ قهرمان لَهُ فَدخل فَقَالَ:
أَعْطَيْت الرَّقِيق قوتهم قَالَ: لَا
قَالَ: فَانْطَلق فاعطهم وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يحبس عَمَّن يملك
قوته
أما قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات}
الْآيَة أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَعْنِي فِي زَوَال الدُّنْيَا وفنائها
واقبال الْآخِرَة وبقائها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ
تتفكرون} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
قَالَ: لِتَعْلَمُوا فضل الْآخِرَة على الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الصَّعق بن حزن
التَّمِيمِي قَالَ: شهِدت الْحسن وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة من
الْبَقَرَة {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
قَالَ: هِيَ وَالله لمن تفكرها ليعلمن أَن الدُّنْيَا دَار
بلَاء ثمَّ دَار فنَاء وليعلمن أَن الْآخِرَة دَار جَزَاء ثمَّ
دَار بَقَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: من تفكر
فِي الدُّنْيَا عرف فضل احداهما على الْأُخْرَى عرف أَن
الدُّنْيَا دَار بلَاء ثمَّ دَار فنَاء وَأَن الْآخِرَة دَار
بَقَاء ثمَّ دَار جَزَاء فكونوا مِمَّن يصرم حَاجَة الدُّنْيَا
لحَاجَة الْآخِرَة
(1/611)
فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
قَوْله تَعَالَى: فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل إصْلَاح لَهُم خير
وَإِن تخالطوهم فإخوانكم وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح
وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم أَن الله عَزِيز حَكِيم
أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن
(1/611)
مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أنزل
الله (وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أحسن) (الْإِسْرَاء الْآيَة 34) و (إِن الَّذين يَأْكُلُون
أَمْوَال الْيَتَامَى) (النِّسَاء الْآيَة 10) الْآيَتَيْنِ
انْطلق من كَانَ عِنْده يَتِيم فعزل طَعَامه من طَعَامه
وَشَرَابه من شرابه فَجعل يفضل لَهُ الشَّيْء من طَعَامه فيجلس
لَهُ حَتَّى يَأْكُلهُ أَو يفْسد فَيَرْمِي بِهِ فَاشْتَدَّ
عَلَيْهِم فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل إصْلَاح
لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم
وشرابهم بشرابهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لما نزل فِي الْيَتِيم
مَا نزل اجتنبهم النَّاس فَلم يؤاكلوهم وَلم يشاربوهم وَلم
يخالطوهم فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} الْآيَة
فخالطهم النَّاس فِي الطَّعَام وَفِيمَا سوى ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الأنبياري والنحاس عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} الْآيَة
قَالَ: كَانَ أنزل قبل ذَلِك فِي سُورَة بني إِسْرَائِيل
(وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن)
(الْإِسْرَاء الْآيَة 34) فَكَانُوا لَا يخالطونهم فِي مطعم
وَلَا غَيره فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم فَأنْزل الله
الرُّخْصَة {وَإِن تخالطوهم فإخوانكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت (إِن
الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما
) (النِّسَاء الْآيَة 10) الْآيَة
أمسك النَّاس وَلم يخالطوا الْأَيْتَام فِي الطَّعَام
وَالْأَمْوَال حَتَّى نزلت {ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل
إصْلَاح لَهُم خير} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ كَانَ أهل
الْبَيْت يكون عِنْدهم الْأَيْتَام فِي حجورهم فَيكون
للْيَتِيم الصرمة من الْغنم وَيكون الْخَادِم لأهل الْبَيْت
فيبعثون خادمهم فيرعى غنم الْأَيْتَام أَو يكون لأهل الْيَتِيم
الصرمة من الْغنم وَيكون الْخَادِم للأيتام فيبعثون خَادِم
الْأَيْتَام فيرعى غنهم فَإِذا كَانَ الرُّسُل وضعُوا أَيْديهم
جَمِيعًا أَو يكون الطَّعَام للأيتام وَيكون الْخَادِم لأهل
الْبَيْت فيأمرون خادمهم فيصنع الطَّعَام وَيكون الطَّعَام
لأهل الْبَيْت وَيكون الْخَادِم للأيتام فيأمرون خَادِم
الْأَيْتَام أَن يصنع الطَّعَام فيضعون أَيْديهم جَمِيعًا
فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة (إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال
(1/612)
الْيَتَامَى ظلما
) (النِّسَاء الْآيَة 10) الْآيَة
قَالُوا: هَذِه مُوجبَة فاعتزلوهم وَفرقُوا مَا كَانَ من
خلطتهم فشق عَلَيْهِم ذَلِك فشكوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الْغنم قد بقيت لَيْسَ
لَهَا رَاع وَالطَّعَام لَيْسَ لَهُ من يصنعه
فَقَالَ: قد سمع الله قَوْلكُم فَإِن شَاءَ أجابكم
فَنزلت هَذِه الْآيَة {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} وَنزل أَيْضا
(وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى
) (النِّسَاء الْآيَة 3) الْآيَة
فقصروا على أَربع فَقَالَ: كَمَا خشيتم أَن لَا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى وتحرجتم من مخالطتهم حَتَّى سَأَلْتُم عَنْهَا
فَهَلا سَأَلْتُم عَن الْعدْل فِي جمع النِّسَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن
تخالطوهم} قَالَ: المخالطة أَن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه
وَيَأْكُل فِي قصعتك وتأكل فِي قصعته وتأكل من ثَمَرَته
{وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} قَالَ: يعلم من يتَعَمَّد
أكل مَال الْيَتِيم وَمن يتحرج مِنْهُ وَلَا يألو عَن اصلاحه
{وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} يَقُول: لَو شَاءَ مَا أحل لكم مَا
أصبْتُم مِمَّا لَا تتعمدون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله لما أنزل {إِن الَّذين
يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} الْآيَة
كره الْمُسلمُونَ أَن يضمنوا الْيَتَامَى وتحرجوا أَن يخالطوهم
فِي شَيْء فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل
الله {قل إصْلَاح لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم وَالله
يعلم الْمُفْسد من المصلح وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} يَقُول:
لأحرجكم وضيق عَلَيْكُم وَلكنه وسع وَيسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ / وَإِن
تخالطوهم فاخوانكم فِي الدّين /
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالله يعلم
الْمُفْسد من المصلح} قَالَ: الله يعلم حِين تخلط مَالك
بِمَالِه أَتُرِيدُ أَن تصلح مَاله أَو تفسده فتأكله بِغَيْر
حق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَو شَاءَ الله
لأعنتكم} قَالَ: لَو شَاءَ الله لجعل مَا أصبْتُم من أَمْوَال
الْيَتَامَى موبقاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم}
قَالَ: لَو شَاءَ الله لأعنتكم فَلم تُؤَدُّوا فَرِيضَة وَلم
تقوموا بِحَق
(1/613)
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن الْأسود
قَالَ: قَالَت عَائِشَة: اخلط طَعَامه بطعامي وَشَرَابه بشرابي
فَإِنِّي أكره أَن يكون مَال الْيَتِيم عِنْدِي كالعيرة
(1/614)
وَلَا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا
الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (221)
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تنْكِحُوا المشركات
حَتَّى يُؤمن وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم
وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا ولعَبْد مُؤمن
خير من مُشْرك وَلَو أعجبكم أُولَئِكَ يدعونَ إِلَى النَّار
وَالله يَدْعُو إِلَى الْجنَّة وَالْمَغْفِرَة بِإِذْنِهِ
وَيبين الله آيَاته للنَّاس لَعَلَّهُم يتذكرون
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل بن حبَان
قَالَ نزلت هَذ الْآيَة فِي أبي مرْثَد الغنوي اسْتَأْذن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عنَاق أَن يَتَزَوَّجهَا
وَكَانَت ذَا حَظّ من جمال وَهِي مُشركَة وَأَبُو مرْثَد يؤمئذ
مُسلم
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّهَا تعجبني
فَأنْزل الله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن وَلأمة
مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ:
اسْتثْنى الله من ذَلِك نسَاء أهل الْكتاب فَقَالَ
(وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب) (الْمَائِدَة
الْآيَة 5)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: نسخ من ذَلِك
نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب أحلهن للْمُسلمين وَحرم المسلمات على
رِجَالهمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: نسخت وَأحل من
المشركات نسَاء أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تنْكِحُوا المشركات} فحجز
النَّاس عَنْهُن حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي بعْدهَا
(وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ)
(الْمَائِدَة الْآيَة 5) فنكح النَّاس نسَاء أهل الْكتاب
(1/614)
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعيد
بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن}
قَالَ: يَعْنِي أهل الْأَوْثَان
وَأخرج آدم وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {وَلَا
تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: نسَاء أهل مَكَّة من
الْمُشْركين ثمَّ أحل مِنْهُم نسَاء أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَا
تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: مشركات الْعَرَب
اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ كتاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن
تَزْوِيج الْيَهُودِيَّة والنصرانية فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ
فَقلت: أَلَيْسَ الله يَقُول {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى
يُؤمن} قَالَ: إِنَّمَا ذَاك المجوسيات وَأهل الْأَوْثَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن شَقِيق
قَالَ: تزوج حُذَيْفَة بيهودية فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن خل
سَبِيلهَا فَكتب إِلَيْهِ أتزعم أَنَّهَا حرَام فأخلى
سَبِيلهَا فَقَالَ: لَا أزعم أَنَّهَا حرَام وَلَكِن أَخَاف
أَن تعاطوا المومسات مِنْهُنَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه
كره نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب وتأوّل {وَلَا تنْكِحُوا
المشركات حَتَّى يُؤمن}
وَأخرج البُخَارِيّ والنحاس فِي ناسخه عَن نَافِع عَن عبد الله
بن عمر كَانَ إِذا سَأَلَ عَن نِكَاح الرجل النَّصْرَانِيَّة
أَو الْيَهُودِيَّة قَالَ: حرم الله المشركات على الْمُسلمين
وَلَا أعرف شَيْئا من الإِشراك أعظم من أَن تَقول الْمَرْأَة:
رَبهَا عِيسَى أَو عبد من عباد الله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو
أَعجبتكُم} أخرج الواحدي وَابْن عَبَّاس من طَرِيق السّديّ عَن
أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة {وَلأمة مُؤمنَة
خير من مُشركَة} قَالَ نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة وَكَانَت
لَهُ أمة سَوْدَاء وَأَنه غضب عَلَيْهَا فلطمها ثمَّ إِنَّه
فزع فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ
خَبَرهَا
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هِيَ يَا
عبد الله قَالَ: تَصُوم وَتصلي وتحسن الْوضُوء وَتشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُوله
فَقَالَ: يَا عبد الله هَذِه مُؤمنَة
فَقَالَ عبد الله: فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لأعتقها ولأتزوّجها
فَفعل فطعن عَلَيْهِ نَاس من الْمُسلمين وَقَالُوا: نكح أمة
وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَن ينكحوا إِلَى الْمُشْركين وينكحوهم
رَغْبَة فِي أحسابهم فَأنْزل الله {وَلأمة مُؤمنَة خير من
مُشركَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
السّديّ مثله سَوَاء معضلاً
(1/615)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن
حَيَّان فِي قَوْله {وَلأمة مُؤمنَة} قَالَ: بلغنَا أَنَّهَا
كَانَت أمة الحذيفة سَوْدَاء فَأعْتقهَا وتزوّجها حُذَيْفَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن
ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تنْكِحُوا
النِّسَاء لحسنهن فَعَسَى حسنهنَّ أَن يرديهن وَلَا تنكحوهن
على أموالهن فَعَسَى أموالهن أَن تطغيهن وانكحوهن على الدّين
فلأمة سَوْدَاء خرماء ذَات دين أفضل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تنْكح الْمَرْأَة
لأَرْبَع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بِذَات
الدّين تربت يداك
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَهُ: إِن الْمَرْأَة تنْكح على دينهَا وَمَالهَا وجمالها
فَعَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنْكح الْمَرْأَة على
إِحْدَى خِصَال: لجمالها وَمَالهَا ودينها فَعَلَيْك بِذَات
الدّين والخلق تربت يَمِينك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تزوّج امْرَأَة لعزها لم
يزده الله إِلَّا ذلاً وَمن تزَوجهَا لمالها لم يزده الله
إِلَّا فقرا وَمن تزَوجهَا لحسبها لم يزده الله إلاَّ دناءة
وَمن تزوج امْرَأَة لم يرد بهَا إِلَّا أَن يغض بَصَره ويحصن
فرجه أَو يصل رَحمَه بَارك الله لَهُ فِيهَا وَبَارك لَهَا
فِيهِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عودوا الْمَرِيض
وَاتبعُوا الْجِنَازَة وَلَا عَلَيْكُم أَن تَأْتُوا الْعرس
وَلَا عَلَيْكُم أَن لَا تنْكِحُوا الْمَرْأَة من أجل حسنها
فعل أَن لَا يَأْتِي بِخَير وَلَا عَلَيْكُم أَن لَا تنْكِحُوا
الْمَرْأَة لِكَثْرَة مَالهَا فعل مَالهَا أَن لَا يَأْتِي
بِخَير وَلَكِن ذَوَات الدّين وَالْأَمَانَة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى
يُؤمنُوا} أخرج ابْن جرير عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ
قَالَ: النِّكَاح بوليّ فِي كتاب الله ثمَّ قَرَأَ {وَلَا
تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي مُوسَى أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا نِكَاح إِلَّا
بوليّ
(1/616)
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَائِشَة وَابْن عَبَّاس قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ وَفِي حَدِيث
عَائِشَة: وَالسُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ
وَأخرج الشَّافِعِي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن
وَليهَا فنكاحها بَاطِل ثَلَاثًا فَإِن أَصَابَهَا فلهَا
الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَإِن استجرأوا فالسلطان ولي
من لَا ولي لَهُ
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزوّج
الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوّج الْمَرْأَة نَفسهَا فَإِن
الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوّج نَفسهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ وشاهدي عدل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجوز نِكَاح إِلَّا
بوليّ وشاهدي عدل
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَا
تنْكح الْمَرْأَة إِلَّا بِإِذن وَليهَا أَو ذِي الرَّأْي من
أَهلهَا أَو السُّلْطَان
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ مرشد وشاهدي عدل
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك وَلَو
أعجبكم} أخرج البُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن سهل بن سعد قَالَ مر
رجل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا
تَقولُونَ فِي هَذَا قَالُوا: حري إِن خطب أَن ينْكح وَإِن شفع
أَن يشفع وَإِن قَالَ أَن يستمع
قَالَ: ثمَّ سكت فَمر رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين فَقَالَ: مَا
تَقولُونَ فِي هَذَا قَالُوا: حري إِن خطب أَن لَا ينْكح وَإِن
شفع أَن لَا يشفع وَإِن قَالَ لَا يسمع
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا خير من
ملْء الأَرْض مثل هَذَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فَزَوجُوهُ
إِن لَا تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي
حَاتِم الْمُزنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فانكحوه إِن لَا
تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض
(1/617)
وَفَسَاد عريض
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَإِن كَانَ فِيهِ قَالَ: إِذا
جَاءَكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فانكحوه ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ الْجُهَنِيّ أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعْطى لله وَمنع لله
وَأحب لله وَأبْغض لله فقد اسْتكْمل إيمَانه
(1/618)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
قَوْله تَعَالَى: ويسألونك عَن الْمَحِيض
قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض وَلَا تقربوهن
حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله إِن
الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والدارمي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَابْن
حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس أَن الْيَهُود
كَانُوا إِذا حَاضَت الْمَرْأَة مِنْهُم أخرجوها من الْبَيْت
وَلم يؤاكلوها وَلم يشاربوها وَلم يجامعوها فِي الْبيُوت
فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا
النِّسَاء فِي الْمَحِيض} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جامعوهن فِي
الْبيُوت واصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح
فَبلغ ذَلِك الْيَهُود فَقَالُوا: مَا يُرِيد هَذَا الرجل أَن
يدع من أمرنَا شَيْئا إِلَّا خَالَفنَا فِيهِ فجَاء أسيد بن
حضير وَعباد بن بشر فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن الْيَهُود
قَالَت كَذَا وَكَذَا أَفلا نجامعهن فَتغير وَجه رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ظننا أَن قد وجد عَلَيْهِمَا
فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّة من لبن إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل فِي أثرهما فَسَقَاهُمَا
فعرفا أَنه لم يجد عَلَيْهِمَا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ عَن جَابر
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى
{ويسألونك عَن الْمَحِيض} قَالَ أَن الْيَهُود قَالُوا: من
أَتَى الْمَرْأَة من دبرهَا كَانَ وَلَده أَحول وَكَانَ نسَاء
الْأَنْصَار لَا يدعن أَزوَاجهنَّ يأتونهن من أدبارهن فجاؤوا
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ عَن
إتْيَان الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَأنْزل الله {ويسألونك
عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض
وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن}
(1/618)
بالاغتسال {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله}
(نِسَاؤُكُمْ حرث لكم) إِنَّمَا الْحَرْث مَوضِع الْوَلَد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن الْقُرْآن نزل فِي شَأْن الْحَائِض والمسلمون يخرجونهن من
بُيُوتهنَّ كَفعل الْعَجم فاستفتوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَأنْزل الله {ويسألونك عَن
الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض}
فَظن الْمُؤْمِنُونَ أَن الاعتزال كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
بخروجهن من بُيُوتهنَّ حَتَّى قَرَأَ آخر الْآيَة ففهم
الْمُؤْمِنُونَ مَا الإعتزال إِذْ قَالَ الله {وَلَا تقربوهن
حَتَّى يطهرن}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {ويسألونك عَن
الْمَحِيض} قَالَ: الَّذِي سَأَلَ عَن ذَلِك ثَابت بن الدحداح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن
حَيَّان فِي قَوْله {ويسألونك عَن الْمَحِيض} قَالَ: أنزل فِي
ثَابت بن الدحداح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة لَا تساكنهم حَائِض فِي بَيت وَلم يؤاكلوهم فِي
إِنَاء فَأنْزل الله الْآيَة فِي ذَلِك فَحرم فرجهَا مَا
دَامَت حَائِضًا وَأحل مَا سوى ذَلِك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا وَقد حَاضَت: إِن هَذَا أَمر
كتبه الله على بَنَات آدم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور
ومسدد فِي مُسْنده عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ نسَاء بني
إِسْرَائِيل يصلين مَعَ الرِّجَال فِي الصَّفّ فاتخذن قوالب
يَتَطَاوَلْنَ بهَا لتنظر إِحْدَاهَا إِلَى صديقها فَألْقى
الله عَلَيْهِنَّ الْحيض ومنعهن الْمَسَاجِد وَفِي لفظ:
فَألْقى عَلَيْهِنَّ الْحيض فأخرن قَالَ ابْن مَسْعُود:
فأخروهن من حَيْثُ أخرهن الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ نسَاء بني
إِسْرَائِيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشوفن للرِّجَال فِي
الْمَسَاجِد فَحرم الله عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِد وسلطت
عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن يزِيد بن بابنوس
قَالَ: قلت لعَائِشَة: مَا تَقُولِينَ فِي العراك قَالَت
الْحيض تعنون قُلْنَا: نعم
قَالَت: سموهُ كَمَا سَمَّاهُ الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والداقطني عَن أبي أُمَامَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقل الْحيض ثَلَاث
وَأَكْثَره عشر
(1/619)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن
عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْحَائِض تنْتَظر مَا بَينهَا وَبَين عشر
فَإِن رَأَتْ الطُّهْر فَهِيَ طَاهِرَة وَإِن جَاوَزت الْعشْر
فَهِيَ مُسْتَحَاضَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس بن مَالك
قَالَ:: لتنتظر الْحَائِض خمْسا سبعا ثمانياً تسعا عشرا فَإِذا
مَضَت الْعشْر فَهِيَ مُسْتَحَاضَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: الْحيض ثَلَاث
وَأَرْبع وَخمْس وست وَسبع وثمان وتسع وَعشر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْحيض
ثَلَاث وَأَرْبع وَخمْس وست وَسبع وثمان وتسع وَعشر فَإِن زَاد
فَهِيَ إستحاضة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: أدنى الْحيض ثَلَاث
وأقصاه عشر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أقل الْحيض ثَلَاث
وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: لَا يكون الْحيض أَكثر
من عشرَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: أدنى
وَقت الْحَائِض يَوْم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَطاء قَالَ: أَكثر الْحيض
خَمْسَة عشر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن شريك وحسين بن صَالح قَالَ: أَكثر
الْحيض خَمْسَة عشر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن شريك قَالَ: عندنَا امْرَأَة تحيض
خَمْسَة عشر من الشَّهْر حيضا مُسْتَقِيمًا صَحِيحا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: عندنَا
امْرَأَة تحيض غدْوَة وتطهر عَشِيَّة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي
الْمَحِيض}
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل هُوَ أَذَى}
قَالَ: الْأَذَى الدَّم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{قل هُوَ أَذَى} قَالَ: هُوَ قذر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق الطَّالقَانِي عَن
مُحَمَّد بن حمير عَن فلَان بن السّري أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض
فَإِن الجذام يكون من أَوْلَاد الْحيض
(1/620)
وَأخرج أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي
مُسْنده عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من أَتَى امْرَأَته وَهِي حَائِض فَجَاءَهُ ولد
أَجْذم فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فاعتزلوا النِّسَاء} يَقُول: اعتزلوا نِكَاح فروجهن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن بعض أَزوَاج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ إِذا أَرَادَ من الْحَائِض شَيْئا ألْقى على فرجهَا ثوبا
ثمَّ صنع مَا أَرَادَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت مَا للرجل من
امْرَأَته وَهِي حَائِض فَقَالَت: كل شَيْء إِلَّا فرجهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت كَانَت إحدانا إِذا كَانَت
حَائِضًا فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يُبَاشِرهَا أمرهَا أَن تتزر فِي فَور حَيْضَتهَا ثمَّ
يُبَاشِرهَا
قَالَت: وَأَيكُمْ يملك أربه كَمَا كَانَ رَسُول الله يملك
أربه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَيْمُونَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يُبَاشر امْرَأَة من
نِسَائِهِ أمرهَا فاتزرت وَهِي حَائِض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن
مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يُبَاشر الْمَرْأَة من نِسَائِهِ وَهِي حَائِض إِذا كَانَ
عَلَيْهَا إِزَار إِلَى أَنْصَاف الفخذين أَو الرُّكْبَتَيْنِ
محتجزة بِهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَائِشَة قَالَت كنت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نبيت فِي الشعار الْوَاحِد وَأَنا حَائِض طامث فَإِن
أَصَابَهُ مني شَيْء غسل مَكَانَهُ لم يعده وَإِن أصَاب ثَوْبه
مني شَيْء غسل مَكَانَهُ لم يعده وَصلى فِيهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عمَارَة بن غراب أَن عمَّة لَهُ حدثته
أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة قَالَت: إحدانا تحيض وَلَيْسَ لَهَا
ولزوجها إِلَّا فرَاش وَاحِد قَالَت: أخْبرك مَا صنع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل فَمضى إِلَى مَسْجده فَلم
ينْصَرف حَتَّى غلبتني عَيْني وأوجعه الْبرد فَقَالَ: أدني مني
فَقلت: إِنِّي حَائِض
فَقَالَ: وَإِن اكشفي عَن فخذيك فَكشفت عَن فَخذي فَوضع خَدّه
وصدره على فَخذي وحنيت عَلَيْهِ حَتَّى دفىء ونام
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حِضْت يَأْمُرنِي أَن أتزر
ثمَّ يباشرني
(1/621)
وَأخرج مَالك عَن ربيعَة بن أبي عبد
الرَّحْمَن أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَت مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجِعَة فِي ثوب
وَاحِد وَإِنَّهَا وَثَبت وثبة شَدِيدَة فَقَالَ لَهَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك لَعَلَّك نفست - يَعْنِي
الْحَيْضَة - قَالَت: نعم
فَقَالَ: شدي عَلَيْك إزارك ثمَّ عودي إِلَى مضجعك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أم سَلمَة
قَالَت بَينا أَنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُضْطَجِعَة فِي خميصة إِذْ حِضْت فانسللت فَأخذت ثِيَاب حيضتي
فَقَالَ: أنفست قلت: نعم
فدعاني فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أم سَلمَة قَالَت كنت مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لِحَافه فَوجدت مَا تَجِد
النِّسَاء من الْحَيْضَة فانسللت من اللحاف فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنفست قلت: وجدت مَا تَجِد
النِّسَاء من الْحَيْضَة
قَالَ: ذَاك مَا كتب على بَنَات آدم
قَالَت: فانسللت فأصلحت من شأني ثمَّ رجعت فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعالي فادخلي معي فِي اللحاف
قَالَت: فَدخلت مَعَه
وَأخرج ابْن ماجة عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه سَأَلَ
أم حَبِيبَة: كَيفَ كنت تصنعين مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحيض قَالَت: كَانَت إحدانا فِي فورها
أول مَا تحيض تشد عَلَيْهَا إِزَار إِلَى أَنْصَاف فخذيها ثمَّ
تضطجع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عبد الله بن سعد
الْأنْصَارِيّ أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا يحل لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض فَقَالَ: لَك مَا
فَوق الإِزار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن عبد الله بن سعد قَالَ
سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مؤاكلة الْحَائِض
فَقَالَ: واكلها
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن معَاذ بن جبل قَالَ سَأَلت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا يحل للرجل من
امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: مَا فَوق الْإِزَار
وَالتَّعَفُّف عَن ذَلِك أفضل
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم أَن رجلا سَأَلَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَاذَا يحل لي
من امْرَأَتي وَهِي حَائِض فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لِتشد عَلَيْهَا إزَارهَا ثمَّ شَأْنك
بِأَعْلَاهَا
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع عَن
عبد الله بن عمر أرسل إِلَى عَائِشَة يسْأَلهَا هَل يُبَاشر
الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَقَالَت: لِتشد إزَارهَا على
أَسْفَلهَا ثمَّ ليباشرها إِن شَاءَ
(1/622)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَا يحل للرجل من
الْمَرْأَة الْحَائِض قَالَ: مَا فَوق الإِزار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى عَن عمر قَالَ سَأَلت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يحل للرجل من
امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: مَا فَوق الإِزار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ: يَا
رَسُول الله مَا لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض قَالَ: تشد
إزَارهَا ثمَّ شَأْنك بهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي
حَائِض قَالَ: مَا فَوق الْإِزَار وَمَا تَحت الأزرار مِنْهَا
حرَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أم سَلمَة قَالَت
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَّقِي سُورَة
الدَّم ثَلَاثًا ثمَّ يُبَاشر بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن مَسْرُوق قَالَ: قلت لعَائِشَة: مَا يحل
للرجل من امْرَأَته إِذا كَانَت حَائِضًا قَالَ: كل شَيْء
إِلَّا الْجِمَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: لَا بَأْس أَن يلْعَب
على بَطنهَا وَبَين فخذيها
أما قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} قَالَ: من الدَّم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا
تقربوهن حَتَّى يطهرن} قَالَ: حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي
هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من
أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي دبرهَا أَو كَاهِنًا فقد كفر
بِمَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي
يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: يتَصَدَّق بِدِينَار
أَو بِنصْف دِينَار
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا
أَصَابَهَا فِي الدَّم فدينار وَإِذا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاع
الدَّم فَنصف دِينَار
(1/623)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ دَمًا
أَحْمَر فدينار وَإِذا كَانَ دَمًا أصفر فَنصف دِينَار
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يتَصَدَّق بخمسي دِينَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله
أصبت امْرَأَتي وَهِي حَائِض فَأمره رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْتق نسمَة وَقِيمَة النَّسمَة يَوْمئِذٍ
دِينَار
أما قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا تطهرن}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{فَإِذا تطهرن} قَالَ: بِالْمَاءِ
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{فَإِذا تطهرن} قَالَ: إِذا اغْتَسَلْنَ وَلَا تحل لزَوجهَا
حَتَّى تَغْتَسِل
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن طَاوس وَمُجاهد قَالَا: إِذا
طهرت أمرهَا بِالْوضُوءِ وَأصَاب مِنْهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد وَعَطَاء
قَالَا: إِذا رَأَتْ الطُّهْر فَلَا بَأْس أَن تستطيب
بِالْمَاءِ ويأتيها قبل أَن تَغْتَسِل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنَّا نَكُون
بالرمل أَرْبَعَة أشهر فَيكون فِينَا النُّفَسَاء وَالْحَائِض
وَالْجنب فَمَا ترى قَالَ: عَلَيْكُم بالصعيد
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة أَن
امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غسلهَا
من الْمَحِيض فَأمرهَا كَيفَ أَن تَغْتَسِل قَالَ: خذي فرْصَة
من مسك فتطهري بهَا
قَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا قَالَ: تطهري بهَا
قَالَ: كَيفَ قَالَ: سُبْحَانَ الله تطهري بهَا
فاجتذبها فَقلت: تتبعي أثر الدَّم
أما قَوْله تَعَالَى: {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأتوهن من
حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: يَعْنِي أَن يَأْتِيهَا طَاهِرا
غير حَائِض
(1/624)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فأتوهن
من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: طواهر غير حيض
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من
حَيْثُ أَمركُم أَن تعتزلوهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن ابْن عَبَّاس {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} يَقُول: فِي
الْفرج وَلَا تعدوه إِلَى غَيره
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فأتوهن من
حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: حَيْثُ نهاكم الله أَن تأتوهن
وَهن حيض يَعْنِي من قبل الْفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رزين {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم
الله} قَالَ: من قبل الطُّهْر وَلَا تأتوهن من قبل الْحيض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الْحَنَفِيَّة {فأتوهن من
حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من قبل التَّزْوِيج من قبل
الْحَلَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن مُجَاهِد {فأتوهن من
حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من حَيْثُ خرج الدَّم فَإِن لم
يأتها من حَيْثُ أَمر فَلَيْسَ من التوّابين وَلَا من
المتطهرين
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يحب التوابين وَيُحب
المتطهرين} أخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَطاء فِي قَوْله {إِن الله يحب التوابين} من الذُّنُوب
{وَيُحب المتطهرين} قَالَ: بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {إِن الله
يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} قَالَ: التَّوْبَة من
الذُّنُوب والتطهر من الشّرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: من أَتَى
امْرَأَته فِي دبرهَا فَلَيْسَ من المتطهرين
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي
حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة: أَن رأى رجلا يتَوَضَّأ فَلَمَّا
فرغ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من
المتطهرين
قَالَ: إِن الطّهُور بِالْمَاءِ حسن وَلَكنهُمْ المتطهرون من
الذُّنُوب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من تَوَضَّأ فَأحْسن
(1/625)
الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّد عَبده
وَرَسُوله اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من
المتطهرين فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من
أَيهَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبيب شيبَة عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه كَانَ إِذا فرغ من وضوئِهِ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رب
اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ حُذَيْفَة
إِذا تطهر قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين
واجعلني من المتطهرين
وَأخرج الْقشيرِي فِي الرسَالَة وَابْن النجار عَن أنس سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: التائب من
الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ وَإِذا أحب الله عَبده لم يضرّهُ
ذَنْب ثمَّ تَلا {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين}
قيل: يَا رَسُول الله وَمَا عَلامَة التَّوْبَة قَالَ الندامة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الشّعبِيّ قَالَ: التائب من
الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ ثمَّ قَرَأَ {إِن الله يحب
التوابين وَيُحب المتطهرين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل بني آدم خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ
التوّابون
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قَتَادَة قَالَ: أوحى الله
إِلَى نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل أَن كَانَ بني آدم
خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ التوابون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قيل لَهُ أصب المَاء على رَأْسِي وَأَنا محرم قَالَ: لَا
بَأْس {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين}
(1/626)
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ
مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
قَوْله تَعَالَى: نِسَاؤُكُمْ حرث لكم
فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم وَقدمُوا لأنفسكم وَاتَّقوا
الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ ملاقوه وَبشر الْمُؤمنِينَ
أخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه قَالَ: كَانَت الْيَهُود تَقول: إِذا أَتَى الرجل
امْرَأَته من خلفهَا فِي قبلهَا ثمَّ حملت جَاءَ الْوَلَد
(1/626)
أَحول
فَنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
إِن محنية وَإِن شَاءَ غير محنية غير أَن ذَلِك فِي صمام
وَاحِد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والدارمي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن جَابر
أَن الْيَهُود قَالُوا للْمُسلمين: من أَتَى امْرَأَته وَهِي
مُدبرَة جَاءَ الْوَلَد أَحول
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقبلة
ومدبرة إِذا كَانَ ذَلِك فِي الْفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن
جرير عَن مرّة الهمذلني أَن بعض الْيَهُود لَقِي بعض
الْمُسلمين فَقَالَ لَهُ: تأتون النِّسَاء وراءهن كَأَنَّهُ
كره الإِبراك فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَرخص الله للْمُسلمين أَن يَأْتُوا النِّسَاء فِي الْفروج
كَيفَ شاؤوا وأنى شاؤوا من بَين أَيْدِيهنَّ وَمن خلفهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مرّة قَالَ: كَانَت الْيَهُود
يسخرون من الْمُسلمين فِي إتيانهم النِّسَاء فَأنْزل الله
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَت
الْأَنْصَار تَأتي نساءها مضاجعة وَكَانَت قُرَيْش تشرح شرحاً
كثيرا فتزوّج رجل من قُرَيْش امْرَأَة من الْأَنْصَار
فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهَا فَقَالَت: لَا إِلَّا كَمَا يفعل
فَأخْبر بذلك رَسُول الله فَأنْزل {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} أَي قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعاً بعد أَن يكون فِي
صمام وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن أبي هِلَال أَن عبد الله
بن عَليّ حَدثهُ: أَنه بلغه أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَلَسُوا يَوْمًا وَرجل من الْيَهُود
قريب مِنْهُم فَجعل بَعضهم يَقُول: إِنِّي لآتي امْرَأَتي
وَهِي مُضْطَجِعَة
وَيَقُول الآخر: إِنِّي لآتيها وَهِي قَائِمَة وَيَقُول الآخر:
إِنِّي لآتيها وَهِي باركة
فَقَالَ الْيَهُودِيّ: مَا أَنْتُم إِلَّا أَمْثَال
الْبَهَائِم وَلَكنَّا إِنَّمَا نأتيها على هَيْئَة وَاحِدَة
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة والدارمي عَن الْحسن قَالَ:
كَانَت الْيَهُود لَا يألون مَا شدد على الْمُسلمين كَانُوا
يَقُولُونَ: يَا أَصْحَاب مُحَمَّد أَنه - وَالله - مَا يحل
لكم أَن تَأْتُوا نساءكم إِلَّا من وَجه وَاحِد فَأنْزل الله
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فخلى
الله بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين حَاجتهم
(1/627)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
أَن الْيَهُود كَانُوا قوما حسداً فَقَالُوا: يَا أَصْحَاب
مُحَمَّد أَنه - وَالله - مَا لكم أَن تَأْتُوا النِّسَاء
إِلَّا من وَجه وَاحِد فكذبهم الله فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ
حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فخلى بَين الرِّجَال
وَبَين نِسَائِهِم يتفكه الرجل من امْرَأَته يَأْتِيهَا إِن
شَاءَ من قبلهَا وَإِن شَاءَ من قبل دبرهَا غير أَن المسلك
وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: قَالَت الْيَهُود
للْمُسلمين: إِنَّكُم تأتون نساءكم كَمَا تَأتي الْبَهَائِم
بَعْضهَا بَعْضًا يبركوهن فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم
فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} وَلَا بَأْس أَن يغشى الرجل
الْمَرْأَة كَيفَ شَاءَ إِذا أَتَاهَا فِي الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: ذَلِك أَن الْيَهُود عرضوا
بِالْمُؤْمِنِينَ فِي نِسَائِهِم وعيروهم فَأنْزل الله فِي
ذَلِك وأكذب الْيَهُود وخلى بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين حوائجهم
فِي نِسَائِهِم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الله بن
عَمْرو بن عُثْمَان قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يحدثنا: أَن
النِّسَاء كن يؤتين فِي أقبالهن وَهِي موليات
فَقَالَت الْيَهُود: من جَاءَ امْرَأَته وَهِي مولية جَاءَ
وَلَده أَحول
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب من طَرِيق صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أم سَلمَة قَالَت لما
قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة أَرَادوا أَن يَأْتُوا
النِّسَاء من أدبارهن فِي فروجهن فأنكرن ذَلِك فجئن أم سَلمَة
فذكرن ذَلِك لَهَا فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن ذَلِك فَقَالَ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} صماماً وَاحِدًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد الدَّارمِيّ وَعبد بن حميد
وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ
سَأَلت حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن فَقلت لَهَا: إِنِّي أُرِيد
أَن أَسأَلك عَن شَيْء وَأَنا أستحي أَن أَسأَلك عَنهُ
قَالَت: سل ابْن أخي عَمَّا بدا لَك
قَالَ: أَسأَلك عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَت:
حَدَّثتنِي أم سَلمَة قَالَت: كَانَت الْأَنْصَار لَا تجبي
وَكَانَت الْمُهَاجِرُونَ تجبي وَكَانَت الْيَهُود تَقول:
إِنَّه من جبى امْرَأَته كَانَ الْوَلَد أَحول فَلَمَّا قدم
الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة نكحوا فِي نسَاء الأنصاء فجبوهن
فَأَبت امْرَأَة أَن تطيع زَوجهَا
(1/628)
وَقَالَت: لن تفعل ذَلِك حَتَّى نسْأَل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَت أم سَلمَة فَذكرت
لَهَا ذَلِك فَقَالَت: اجلسي حَتَّى يَأْتِي رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم استحيت الْأَنْصَارِيَّة أَن تسأله فَخرجت
فَذكرت ذَلِك أم سَلمَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: ادعوها لي
فَدُعِيت فَتلا عَلَيْهَا هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم
فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} صماماً وَاحِدًا
قَالَ: والصمام السَّبِيل الْوَاحِد
وَأخرج فِي مُسْند أبي حنيفَة عَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ أَن
امْرَأَة أتتها فَقَالَت: إِن زَوجي يأتيني مجبأة ومستقبلة
فَكَرِهته فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: لَا بَأْس إِذا كَانَ فِي صمام وَاحِد
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي
فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء فِي
المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ عمر إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَلَكت
قَالَ: وَمَا أهْلكك قَالَ: حوّلت رحلي اللَّيْلَة
فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا فَأوحى الله إِلَى رَسُوله هَذِه
الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
يَقُول: أقبل وَأدبر وَاتَّقِ الدبر وَالْحيض
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فِي أنَاس من الْأَنْصَار أَتَوا
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائتها على كل حَال إِذا كَانَ
فِي الْفرج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
والخرائطي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَتَى نَاس من حمير إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ عَن أَشْيَاء
فَقَالَ لَهُ رجل: إِنِّي أحب النِّسَاء وَأحب أَن آتِي إمرأتي
مجبأة فَكيف ترى فِي ذَلِك فَأنْزل الله فِي سُورَة الْبَقَرَة
بَيَان مَا سَأَلُوا عَنهُ وَأنزل فِيمَا سَأَلَ عَنهُ الرجل
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائتها مقبلة
ومدبرة إِذا كَانَ ذَلِك فِي الْفرج
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه والدارمي وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ إِن ابْن عمر - وَالله يغْفر لَهُ - أَو هم
إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار وهم أهل وثن مَعَ
هَذَا الْحَيّ من الْيَهُود وهم أهل كتاب كَانُوا يرَوْنَ
لَهُم فضلا عَلَيْهِم فِي الْعلم فَكَانُوا يقتدون بِكَثِير من
فعلهم فَكَانَ من أَمر أهل الْكتاب لَا يأْتونَ النِّسَاء
إِلَّا على حرف وَذَلِكَ اسْتُرْ مَا
(1/629)
تكون الْمَرْأَة فَكَانَ هَذَا الْحَيّ من
الْأَنْصَار قد أخذُوا بذلك من فعلهم وَكَانَ هَذَا الْحَيّ من
قُرَيْش يشرحون النِّسَاء شرحاً ويتلذذون مِنْهُنَّ مقبلات
مدبرات ومستلقيات فَلَمَّا قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة
تزوّج رجل مِنْهُم امْرَأَة من الْأَنْصَار فَذهب يصنع بهَا
ذَلِك فأنكرته عَلَيْهِ وَقَالَت: إِنَّمَا كُنَّا نؤتى على
حرف وَاحِد فَاصْنَعْ ذَلِك وَإِلَّا فاجتنبني فسرى أَمرهمَا
فَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَقُول:
مقبلات ومدبرات بعد أَن يكون فِي الْفرج وَإِنَّمَا كَانَت من
قبل دبرهَا فِي قبلهَا
زَاد الطَّبَرَانِيّ قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ ابْن عَمْرو:
فِي دبرهَا فأوهم ابْن عمر - وَالله يغْفر لَهُ - وَإِنَّمَا
كَانَ الحَدِيث على هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد والدارمي عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا
يجتنبون النِّسَاء فِي الْمَحِيض ويأتوهن فِي أدبارهن فسألوا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَأنْزل الله
{ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى} إِلَى قَوْله {من
حَيْثُ أَمركُم الله} فِي الْفرج وَلَا تعدوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
بَينا أَنا وَمُجاهد جالسان عِنْد ابْن عَبَّاس إِذْ أَتَاهُ
رجل فَقَالَ: أَلا تشفيني من آيَة الْمَحِيض قَالَ: بلَى فاقرأ
{ويسألونك عَن الْمَحِيض} إِلَى قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ
أَمركُم الله} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: من حَيْثُ جَاءَ الدَّم
من ثمَّ أمرت أَن تَأتي فَقَالَ: كَيفَ بِالْآيَةِ
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ:
أَي وَيحك وَفِي الدبر من حرث
لَو كَانَ مَا تَقول حَقًا لَكَانَ الْمَحِيض مَنْسُوخا إِذا
شغل من هَهُنَا جِئْت من هَهُنَا وَلَكِن {أَنى شِئْتُم} من
اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} قَالَ: ظهر الْبَطن كَيفَ شِئْت إِلَّا فِي دبر
وَالْحيض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} قَالَ: إِن شِئْت فَأْتِهَا مستلقية وَإِن شِئْت
فمحرفة وَإِن شِئْت فباركة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير {فَأتوا حَرْثكُمْ
أَنى شِئْتُم} قَالَ: يَأْتِيهَا من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا
مَا لم يكن فِي الدبر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} قَالَ: ائْتُوا النِّسَاء فِي أقبالهن على كل نَحْو
(1/630)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ:
جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: كنت آتِي أَهلِي فِي
دبرهَا وَسمعت قَول الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَظَنَنْت أَن ذَلِك لي حَلَال
فَقَالَ: يَا لكع إِنَّمَا قَوْله {أَنى شِئْتُم} قَائِمَة
وَقَاعِدَة ومقبلة ومدبرة فِي أقبالهن لَا تعد ذَلِك إِلَى
غَيره
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ} قَالَ:
منبت الْوَلَد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: ائْتِ حرثك من حَيْثُ نَبَاته
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} قَالَ: يَأْتِيهَا كَيفَ شَاءَ مَا لم يَأْتِيهَا فِي
دبرهَا أَو فِي الْحيض
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
{فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَعْنِي بالحرث الْفرج
يَقُول: تَأتيه كَيفَ شِئْت مُسْتَقْبلَة ومستدبرة وعَلى أَي
ذَلِك أردْت بعد أَن لَا تجَاوز الْفرج إِلَى غَيره وَهُوَ
قَوْله {من حَيْثُ أَمركُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره أَن تُؤْتى
الْمَرْأَة فِي دبرهَا وَيَقُول: إِنَّمَا الْحَرْث من الْقبل
الَّذِي يكون مِنْهُ النَّسْل وَالْحيض وَيَقُول: إِنَّمَا
أنزلت هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ
أَنى شِئْتُم} يَقُول: من أَي وَجه شِئْتُم
وَأخرج الدَّارمِيّ والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن ابْن
عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: يَأْتِيهَا
قَائِمَة وَقَاعِدَة وَمن بَين يَديهَا وَمن خلفهَا وَكَيف
يَشَاء بعد أَن يكون فِي المأتى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلت
ابْن عَبَّاس عَن هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ: ائتها من حَيْثُ يكون الْحيض
وَالْولد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ:
تُؤْتى مقبلة ومدبرة فِي الْفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن
عِكْرِمَة قَالَ: يَأْتِيهَا كَيفَ شَاءَ قَائِما وَقَاعِدا
وعَلى كل حَال مَا لم يكن فِي دبرهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد والدارمي
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْقَعْقَاع الحرمي قَالَ: جَاءَ رجل
إِلَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: آتِي امْرَأَتي كَيفَ
شِئْت
(1/631)
قَالَ: نعم
قَالَ: وَحَيْثُ شِئْت قَالَ: نعم
قَالَ: وأنّى شِئْت قَالَ: نعم
فَفطن لَهُ رجل فَقَالَ: إِنَّه يُرِيد أَن يَأْتِيهَا فِي
مقعدتها فَقَالَ: لَا محاش (محاش: أَسْفَل مَوَاطِن الطَّعَام
فِي الْبَطن الْمُؤَدِّي إِلَى الْمخْرج) النِّسَاء عَلَيْكُم
حرَام
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت يَا نَبِي
الله نساؤنا مَا نأتي مِنْهُنَّ وَمَا نذر قَالَ: حَرْثكُمْ
ائْتِ حرثك أَنى شِئْت غير أَن لَا تضرب الْوَجْه وَلَا تقبح
وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت واطعم إِذا طعمت واكس إِذا
اكتسيت كَيفَ وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض إِلَّا بِمَا حل
عَلَيْهَا
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي شيبَة وَأحمد
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه من طرف عَن خُزَيْمَة بن ثَابت أَن سَائِلًا سَأَلَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إتْيَان النِّسَاء
فِي أدبارهن فَقَالَ: حَلَال
أَو قَالَ: لَا بَأْس
فَلَمَّا ولى دَعَاهُ فَقَالَ: كَيفَ قلت من دبرهَا فِي قبلهَا
فَنعم وَأما من دبرهَا فِي دبرهَا فَلَا إِن الله لَا يستحي من
الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج الْحسن بن عَرَفَة فِي جزئه وَابْن عدي
وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَحْيوا إِن الله لَا يستحي
من الْحق لَا يحل مأتى النِّسَاء فِي حشوشهن
وَأخرج ابْن عدي عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اتَّقوا محاشي النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ
وَابْن حبَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينظر الله إِلَى رجل أَتَى رجلا أَو
امْرَأَة فِي الدبر
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الَّذِي يَأْتِي
امْرَأَته فِي دبرهَا هِيَ اللوطية الصُّغْرَى
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء لَا
تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَلْعُون من أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَتَى شَيْئا من الرِّجَال أَو
النِّسَاء فِي الادبار فقد كفر
(1/632)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ اتيان الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أدبارهن كفر
قَالَ الْحَافِظ بن كثير: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج وَكِيع فِي مُصَنفه وَالْبَزَّار عَن عمر بن الْخطاب
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله
لَا يستحي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: اسْتَحْيوا من
الله فَإِن الله لَا يستحي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء
فِي أدبارهن
قَالَ الْحَافِظ بن كثير: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَأْتُوا النِّسَاء
فِي أعجازهن
وَأخرج ابْن وهب وَابْن عدي عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَلْعُون من أَتَى
النِّسَاء فِي محاشيهن
وَأخرج أَحْمد عَن طلق بن يزِيد أَو يزِيد بن طلق عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله لَا يستحي من الْحق
لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أستاههن
وَأخرج ايْنَ أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ نهى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُؤْتى النِّسَاء فِي أعجازهن
وَقَالَ: إِن الله لَا يستحي من الْحق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن طلق سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أستاههن
فَإِن الله لَا يستحي من الْحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَأحمد
وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي
دبرهَا لَا ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طَاوس قَالَ: سُئِلَ ابْن
عَبَّاس عَن الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا فَقَالَ:
هَذَا يسألني عَن الْكفْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن
عِكْرِمَة: أَن عمر بن الْخطاب ضرب رجلا فِي مثل ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء: أَنه سُئِلَ عَن إتْيَان
النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَ: وَهل يفعل ذَلِك إِلَّا كَافِر
(1/633)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو فِي
الَّذِي يَأْتِي الْمَرْأَة فِي دبرهَا قَالَ: هِيَ اللوطية
الصُّغْرَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن الْمسيب وَأَبا سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن عَن ذَلِك فكرهاه ونهياني عَنهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة فِي
الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا قَالَ: حَدثنِي عقبَة بن
وشاح أَن أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: لَا يفعل ذَلِك إِلَّا
كَافِر
قَالَ: وحَدثني عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تِلْكَ اللوطية
الصُّغْرَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن أبيّ بن كَعْب
قَالَ: أَشْيَاء تكون فِي آخر هَذِه الْأمة عِنْد اقتراب
السَّاعَة فَمِنْهَا نِكَاح الرجل امْرَأَته أَو أمته فِي
دبرهَا فَذَلِك مِمَّا حرم الله وَرَسُوله ويمقت الله عَلَيْهِ
وَرَسُوله وَمِنْهَا نِكَاح الْمَرْأَة للْمَرْأَة وَذَلِكَ
مِمَّا حرم الله وَرَسُوله وَلَيْسَ لهَؤُلَاء صَلَاة مَا
أَقَامُوا على هَذَا حَتَّى يتوبوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا
قَالَ زر: قلت لأبي بن كَعْب وَمَا التَّوْبَة النصوح قَالَ:
سَأَلت عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
هُوَ النَّدَم على الذَّنب حِين يفرط مِنْك فستغفر الله
بندامتك عِنْد الْحَافِر ثمَّ لَا تعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: من أَتَى امْرَأَته
فِي دبرهَا فَهُوَ من الْمَرْأَة مثله من الرجل ثمَّ تَلا
(ويسألونك عَن الْمَحِيض) (الْبَقَرَة الْآيَة 242) إِلَى
قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} أَن تعتزلوهن فِي
الْمَحِيض فِي الْفروج ثمَّ تَلا {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِن شِئْت قَائِمَة وَقَاعِدَة
ومقبلة ومدبرة فِي الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: سُئِلَ طَاوس عَن
إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَ: ذَلِك كفر مَا بَدَأَ
قوم لوط إِلَّا ذَاك أَتَوا النِّسَاء فِي أدبارهن وأتى
الرِّجَال الرِّجَال
وَأخرج أَبُو بكر الأشرم فِي سنَنه وَأَبُو بشر الدولابي فِي
الكنى عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم محاشي النِّسَاء عَلَيْكُم حرَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ محاشي النِّسَاء عَلَيْكُم حرَام
قَالَ ابْن كثير: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
قَالَ الْحَافِظ: فِي جَمِيع الْأَحَادِيث المرفوعة فِي هَذَا
الْبَاب وعدتها نَحْو عشْرين حَدِيثا كلهَا ضَعِيفَة لَا يَصح
مِنْهَا
(1/634)
شَيْء وَالْمَوْقُوف مِنْهَا هُوَ
الصَّحِيح
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي ذَلِك: مُنكر لَا يَصح من وَجه
كَمَا صرح بذلك البُخَارِيّ وَالْبَزَّار وَالنَّسَائِيّ وَغير
وَاحِد
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
أبي النَّضر
أَنه قَالَ لنافع مولى ابْن عمر: إِنَّه قد أَكثر عَلَيْك
القَوْل إِنَّك تَقول عَن ابْن عمر: إِنَّه أفتى أَن يُؤْتى
النِّسَاء فِي أدبارهن قَالَ: كذبُوا عَليّ وَلَكِن سأحدثك
كَيفَ كَانَ الْأَمر: إِن ابْن عمر عرض الْمُصحف يَوْمًا
وَأَنا عِنْده حَتَّى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ: يَا نَافِع هَل تعلم من أَمر
هَذِه الْآيَة قلت: لَا
قَالَ: إنَّا كُنَّا معشر قُرَيْش نجبي النِّسَاء فَلَمَّا
دَخَلنَا الْمَدِينَة ونكحنا نسَاء الْأَنْصَار أردنَا
مِنْهُنَّ مَا كُنَّا نُرِيد فَإِذا هن قد كرهن ذَلِك وأعظمنه
وَكَانَت نسَاء الْأَنْصَار قد أخذت بِحَال الْيَهُود إِنَّمَا
يؤتين على جنوبهن فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن سعيد بن يسَار أبي الْحباب قَالَ: قلت
لِابْنِ عمر: مَا تَقول فِي الْجَوَارِي نحمض لَهُنَّ قَالَ:
وَمَا التحميض فَذكر الدبر
فَقَالَ: وَهل يفعل ذَلِك أحد من الْمُسلمين وَأخرج
الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يعيب النِّكَاح فِي الدبر عَيْبا شَدِيدا
وَأخرج الواحدي من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُهَاجِرين لما
قدمُوا الْمَدِينَة ذكرُوا إتْيَان النِّسَاء فِيمَا بَينهم
وَبَين الْأَنْصَار وَالْيَهُود من بَين أَيْدِيهنَّ وَمن
خلفهن إِذا كَانَ المأتى وَاحِدًا فِي الْفرج فعابت الْيَهُود
ذَلِك إِلَّا من بَين أَيْدِيهنَّ خَاصَّة وَقَالُوا: أَنا نجد
فِي كتاب الله أَن كل إتْيَان النِّسَاء غير مستلقيات دنس
عِنْد الله وَمِنْه يكون الْحول والخبل فَذكر الْمُسلمُونَ
ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: إِنَّا
كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة وَبَعْدَمَا أسلمنَا نأتي النِّسَاء
كَيفَ شِئْنَا وَإِن الْيَهُود عابت علينا فأكذب الله
الْيَهُود وَنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} يَقُول: الْفرج مزرعة الْوَلَد فَأتوا حَرْثكُمْ
أَتَى شِئْتُم من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا فِي الْفرج
ذكر القَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة أخرج اسحق ابْن رَاهَوَيْه
فِي مُسْنده وَتَفْسِيره وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن
نَافِع قَالَ قَرَأت ذَات يَوْم {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: ابْن عمر
(1/635)
أَتَدْرِي فيمَ أنزلت هَذِه الْآيَة قلت:
لَا
قَالَ: نزلت فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر {فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: فِي الدبر
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق النَّضر بن عبد
الله الْأَزْدِيّ عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي
قَوْله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
قَالَ: إِن شَاءَ فِي قبلهَا وَإِن شَاءَ فِي دبرهَا
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج
بِسَنَد حسن عَن ابْن عمر قَالَ: إِنَّمَا نزلت على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
رخصَة فِي إتْيَان الدبر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن
مرْدَوَيْه وَابْن النجار بِسَنَد حسن عَن ابْن عمر أَن رجلا
أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأنْكر ذَلِك النَّاس وَقَالُوا: اثفروها
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق أَحْمد بن الحكم
الْعَبْدي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ جَاءَت
امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم تَشْكُو زَوجهَا فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم}
الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير من طَرِيق زيد بن أسلم عَن
ابْن عمر
أَن رجلا أَتَى امْرَأَته فِي دبرهَا فَوجدَ فِي نَفسه من
ذَلِك وجدا شَدِيدا فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك من طَرِيق أبي بشر
الدولابي نبأنا أَبُو الْحَرْث أَحْمد بن سعيد نبأنا أَبُو
ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله الْمدنِي حَدثنِي عبد الْعَزِيز
مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي عَن عبد الله بن عمر بن حَفْص وَابْن
أبي ذِئْب وَمَالك بن أنس فرقهم كلهم عَن نَافِع قَالَ: قَالَ
لي ابْن عمر: امسك على الْمُصحف يَا نَافِع فَقَرَأَ حَتَّى
أَتَى على {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} قَالَ لي: أَتَدْرِي يَا نَافِع فيمَ نزلت هَذِه
الْآيَة قلت: لَا
قَالَ: نزلت فِي رجل من الأنصلر أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا
فاعظم النَّاس ذَلِك فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} الْآيَة
قلت لَهُ: من دبرهَا فِي قبلهَا قَالَ: لَا إِلَّا فِي دبرهَا
وَقَالَ الرفا فِي فَوَائده تَخْرِيج الدَّارَقُطْنِيّ نبأنا
أَبُو أَحْمد بن
(1/636)
عَبدُوس نبأنا عَليّ بن الْجَعْد نبأنا
ابْن أبي ذِئْب عَن نلفع عَن ابْن عمر قَالَ: وَقع رجل على
امْرَأَته فِي دبرهَا فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم
فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: فَقلت لِابْنِ أبي
ذِئْب مَا تَقول أَنْت فِي هَذَا قَالَ: مَا أَقُول فِيهِ بعد
هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأحمد بن أُسَامَة
التجِيبِي فِي فَوَائده عَن نَافِع قَالَ: قَرَأَ ابْن عمر
هَذِه السُّور فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم}
الْآيَة
فَقَالَ: تَدْرِي فيمَ أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فِي رجال كَانُوا يأْتونَ النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ ودعلج كِلَاهُمَا فِي غرائب مَالك من
طَرِيق أبي مُصعب واسحق بن مُحَمَّد الْقَرَوِي كِلَاهُمَا عَن
نَافِع عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: يَا نَافِع أمسك على الْمُصحف
فَقَرَأَ حَتَّى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَقَالَ: يَا نَافِع أَتَدْرِي فيمَ أنزلت هَذِه الْآيَة قلت:
لَا
قَالَ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار أصَاب امْرَأَته فِي
دبرهَا فَوجدَ فِي نَفسه من ذَلِك فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله الْآيَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:
هَذَا ثَابت عَن مَالك وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الرِّوَايَة
عَن ابْن عمر بِهَذَا الْمَعْنى صَحِيحَة مَعْرُوفَة عَنهُ
مَشْهُورَة
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير والطَّحَاوِي
فِي مُشكل الْآثَار وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا فَأنْكر
النَّاس عَلَيْهِ ذَلِك فأنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا
حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي وَابْن جرير
وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن
مَالك بن أنس
أَنه قيل لَهُ: يَا أَبَا عبد الله إِن النَّاس يروون عَن
سَالم بن عبد الله أَنه قَالَ: كذب العَبْد أَو العلج على أبي
فَقَالَ مَالك: أشهد على يزِيد بن رُومَان أَنه أَخْبرنِي عَن
سَالم بن عبد الله عَن ابْن عمر مثل مَا قَالَ لنافع
فَقيل لَهُ: فَإِن الْحَارِث بن يَعْقُوب يروي عَن أبي الْحباب
سعيد بن يسَار أَنه سَأَلَ ابْن عمر فَقَالَ: يَا أَبَا عبد
الرَّحْمَن إِنَّا نشتري الْجَوَارِي أفنحمض لَهُنَّ قَالَ:
وَمَا التحميض فَذكر لَهُ الدبر
فَقَالَ ابْن عمر: أُفٍّ أُفٍّ أيفعل ذَلِك مُؤمن
أَو قَالَ: مُسلم
فَقَالَ مَالك: أشهد على ربيعَة أَخْبرنِي عَن أبي الْحباب عَن
ابْن عمر مثل مَا قَالَ نَافِع
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مَحْفُوظ عَن مَالك صَحِيح
(1/637)
وَأخرج النَّسَائِيّ من طَرِيق يزِيد بن
رُومَان عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر
أَن عبد الله بن عمر كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَأْتِي الرجل
الْمَرْأَة فِي دبرهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ:
كنت عِنْد مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ:
مَا تَقول فِي إتْيَان الْمَرْأَة فِي دبرهَا فَقَالَ: هَذَا
شيخ من قُرَيْش فسله يَعْنِي عبد الله بن عَليّ بن السَّائِب
فَقَالَ: قذر وَلَو كَانَ حَلَالا
وَأخرج ابْن جرير عَن الدَّرَاورْدِي قَالَ: قيل لزيد بن أسلم:
إِن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر نهى عَن إتْيَان النِّسَاء فِي
أدبارهن
فَقَالَ زيد: أشهد على مُحَمَّد لأخبرني أَنه يَفْعَله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن أبي مليكَة
أَن سَأَلَ عَن إتْيَان الْمَرْأَة فِي دبرهَا فَقَالَ: قد
أردته من جَارِيَة البارحة فاعتاصت عَليّ فاستعنت بدهن
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن أبي سُلَيْمَان
الْجِرْجَانِيّ قَالَ: سَأَلت مَالك بن أنس عَن وَطْء الحلائل
فِي الدبر فَقَالَ لي: السَّاعَة غسلت رَأْسِي مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق ابْن وهب عَن
مَالك: أَنه مُبَاح
وَأخرج الطَّحَاوِيّ من طَرِيق أصبغ بن الْفرج عَن عبد الله بن
الْقَاسِم قَالَ: مَا أدْركْت أحدا اقْتدى بِهِ فِي ديني يشك
فِي أَنه حَلَال يَعْنِي وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا ثمَّ
قَرَأَ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} ثمَّ قَالَ: فَأَي شَيْء أبين من
هَذَا
وَأخرج الطَّحَاوِيّ وَالْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي
والخطيب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أَن
الشَّافِعِي سَأَلَ عَنهُ فَقَالَ: مَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَحْلِيله وَلَا تَحْرِيمه شَيْء
وَالْقِيَاس أَنه حَلَال
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عبد الحكم
أَن الشَّافِعِي نَاظر مُحَمَّد بن الْحسن فِي ذَلِك فاحتج
عَلَيْهِ ابْن الْحسن بِأَن الْحَرْث إِنَّمَا يكون فِي الْفرج
فَقَالَ لَهُ فَيكون مَا سوى الْفرج محرما فَالْتَزمهُ
فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو وَطئهَا بَين سَاقيهَا أَو فِي أعكانها
أَفِي ذَلِك حرث قَالَ: لَا
قَالَ: أفيحرم قَالَ: لَا
قَالَ: فَكيف تحتج بِمَا لَا تَقول بِهِ قَالَ الْحَاكِم:
لَعَلَّ الشَّافِعِي كَانَ يَقُول ذَلِك فِي الْقَدِيم وَأما
فِي الْجَدِيد فَصرحَ بِالتَّحْرِيمِ
ذكر القَوْل الثَّالِث فِي الْآيَة أخرج وَكِيع وَابْن أبي
شيبَة وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
(1/638)
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن
زَائِدَة بن عُمَيْر قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْعَزْل
فَقَالَ: إِنَّكُم قد أَكثرْتُم فَإِن كَانَ قَالَ فِيهِ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَهُوَ كَمَا
قَالَ وَإِن لم يكن قَالَ فِيهِ شَيْئا قَالَ: أَنا أَقُول
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَإِن
شِئْتُم فاعزلوا وَإِن شِئْتُم فَلَا تَفعلُوا
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن أبي ذِرَاع قَالَ: سَأَلت
ابْن عمر عَن قَول الله {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
قَالَ: إِن شَاءَ عزل وَإِن شَاءَ غير الْعَزْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير هن سعيد بن الْمسيب فِي
قَوْله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
قَالَ: إِن شِئْت فأعزل وَإِن شِئْت فَلَا تعزل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر: كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن ينزل
فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ينهنا
عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو
دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن لي جَارِيَة وَأَنا أَطُوف
عَلَيْهَا وَأَنا أكره أَن تحمل فَقَالَ: اعزل عَنْهَا إِن
شِئْت فَإِنَّهَا سيأتيها مَا قدر لَهَا فَذهب الرجل فَلم يلبث
يَسِيرا ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله الْجَارِيَة قد
حملت
فَقَالَ: قد أَخْبَرتك أَنه سيأتيها مَا قدر لَهَا
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ: أَو تَفْعَلُونَ
لَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقدر مَا
نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ سُئِلَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ:
مَا من كل المَاء يكون الْوَلَد وَإِذا أَرَادَ الله خلق شَيْء
لم يمنعهُ شَيْء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله:
إِنَّا كُنَّا نعزل فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموءودة
الصُّغْرَى
فَقَالَ: كذبت الْيَهُود إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يخلقه لم
يمنعهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي
جَارِيَة وَأَنا أعزل عَنْهَا وَأَنا أكره أَن تحمل
(1/639)
وَأَنا أُرِيد مَا أَرَادَ الرِّجَال وَإِن
الْيَهُود تحدث أَن الْعَزْل هُوَ الموءودة الصُّغْرَى
قَالَ: كذبت يهود لَو أَرَادَ الله أَن يخلقه مَا اسْتَطَعْت
أَن تصرفه
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل
قَالَ إِن الْيَهُود تزْعم أَن الْعَزْل هِيَ الموءودة
الصُّغْرَى
قَالَ: كذبت يهود
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن
ثَابت أَنه سُئِلَ عَن الْعَزْل فَقَالَ: هُوَ حرثك ان شِئْت
سقيته وَإِن شِئْت أعطشته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَن سُئِلَ عَن الْعَزْل فَقَالَ: مَا كَانَ ابْن آدم ليقْتل
نفسا قضى الله خلقهَا هُوَ حرثك ان شِئْت عطشته وان شِئْت
سقيته
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ نهى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْزل عَن الْحرَّة
إِلَّا بِإِذْنِهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: تعزل عَن الْأمة
وتستأمر الْحرَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: تستأمر الْحرَّة فِي الْعَزْل وَلَا تستأمر الْأمة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يكره عشر خلال
التَّخَتُّم بِالذَّهَب وجر الإِزار والصفرة يَعْنِي الخلوق
وتغيير الشيب والرقى إِلَّا بالمعوّذات وَعقد التمائم
وَالضَّرْب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير محلهَا وعزل المَاء
عَن مَحَله وإفساد الصَّبِي عشر مُحرمَة
ذكر القَوْل الرَّابِع فِي الْآيَة أخرج عبد بن حميد عَن ابْن
الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
قَالَ: إِذا شِئْتُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقدمُوا
لأنفسكم} قَالَ: الْوَلَد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَقدمُوا لأنفسكم} قَالَ:
التَّسْمِيَة عِنْد الْجِمَاع يَقُول: بِسم الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَأحمد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو
(1/640)
أَن أحدكُم إِذا أَتَى أَهله قَالَ: بِسم
الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا
رزقتنا فَقضى بَينهمَا ولد لم يضرّهُ الشَّيْطَان أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والعقيلي فِي الضُّعَفَاء عَن سلمَان
قَالَ أمرنَا خليلي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن لَا نتَّخذ من الْمَتَاع إِلَّا أثاثاً كأثاث الْمُسَافِر
وَلَا نتَّخذ من السباء إِلَّا مَا ينْكح أَو ينْكح وأمرنا
إِذا دخل أَحَدنَا على أَهله أَن يُصَلِّي وَيَأْمُر أَهله أَن
تصلي خَلفه وَيَدْعُو يأمرها تؤمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن أبي وَائِل قَالَ:
جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ لَهُ: إِنِّي
تزوجت جَارِيَة بكرا وَإِن قد خشيت أَن تعركني
فَقَالَ عبد الله: إِن الْألف من الله وَإِن العرك من
الشَّيْطَان ليكره إِلَيْهِ مَا أحل الله لَهُ فَإِذا أدخلت
عَلَيْك فَمُرْهَا أَن تصلي خَلفك رَكْعَتَيْنِ وَقل:
اللَّهُمَّ بَارك فِي أَهلِي وَبَارك لَهُم فيّ وارزقني
مِنْهُم وارزقهم مني واللهم اجْمَعْ بَيْننَا مَا جمعت وَفرق
بَيْننَا مَا فرقت إِلَى خير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد مولى بني
أَسد قَالَ: تزوجت امْرَأَة فدعوت أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فيهم أَبُو ذَر وَابْن مَسْعُود فعلموني
وَقَالُوا: إِذا دخل عَلَيْك أهلك فصل رَكْعَتَيْنِ ومرها
فلتصل خَلفك وَخذ بناصيتها وسل الله خَيرهَا وتعوذ بِهِ من
شَرها ثمَّ شَأْنك وشأن أهلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: يُقَال إِذا آتى
الرجل أَهله فَلْيقل: بِسم الله اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيمَا
رزقتنا وَلَا تجْعَل للشياطين نَصِيبا فِيمَا رزقتنا
قَالَ: فَكَانَ يُرْجَى إِن حملت أَن يكون ولدا صَالحا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي وَائِل قَالَ: اثْنَتَانِ لَا
يذكر الله العَبْد فيهمَا
إِذا أَتَى الرجل أَهله يبْدَأ فيسمي الله وَإِذا كَانَ فِي
الْخَلَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن
عَلْقَمَة
أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا غشي امْرَأَته فَأنْزل قَالَ:
اللَّهُمَّ لَا تجْعَل للشَّيْطَان فِيمَا رزقتنا نَصِيبا
وَأخرج الخرائطي عَن عَطاء فِي قَوْله {وَقدمُوا لأنفسكم}
قَالَ: التَّسْمِيَة عِنْد الْجِمَاع
(1/641)
وَلَا تَجْعَلُوا
اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا
وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
//
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَن
تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميع عليم
(1/641)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي مُسْنده عَن ابْن عَبَّاس
{وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} يَقُول: لَا تجعلني فِي
عرضة ليمينك أَن لَا تضع الْخَيْر وَلَكِن كفر عَن يَمِينك
واصنع الْخَيْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة
قَالَ: هُوَ أَن يحلف الرجل أَن لَا يكلم قرَابَته أَو لَا
يتَصَدَّق أَو يكون بَين رجلَيْنِ مغاضبة فَيحلف لَا يصلح
بَينهمَا وَيَقُول قد حَلَفت
قَالَ: يكفر عَن يَمِينه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يحلف
على الشَّيْء من الْبر وَالتَّقوى لَا يَفْعَله فَنهى الله عَن
ذَلِك
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ
الرجل يحلف لَا يصل رَحمَه وَلَا يصلح بَين النَّاس فَأنْزل
الله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى
عَائِشَة فَقَالَ: إِنِّي نذرت إِن كلمت فلَانا فَإِن كل
مَمْلُوك لي عَتيق وكل مَال لي ستر للبيت
فَقَالَت: لَا تجْعَل مملوكيك عُتَقَاء وَلَا تجْعَل مَالك
سترا للبيت فَإِن الله يَقُول {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة
لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا} الْآيَة
فَكفر عَن يَمِينك
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة فِي الْآيَة قَالَت: لَا
تحلفُوا بِاللَّه وَإِن نذرتم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس فِي قَوْله {وَلَا تجْعَلُوا
الله عرضة لأيمانكم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الْأَمر
الَّذِي لَا يصلح ثمَّ يعتل بِيَمِينِهِ يَقُول الله {أَن
تبروا وتتقوا} هُوَ خير من أَن تمْضِي على مَا لَا يصلح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ الرجل
يُرِيد الصُّلْح بَين اثْنَيْنِ فيغضبه أَحدهمَا أَو يتهمه
فَيحلف أَن لَا يتَكَلَّم بَينهمَا فِي الصُّلْح فَنزلت
الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: حدثت أَن قَوْله {وَلَا
تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} الْآيَة نزلت فِي أبي بكر فِي
شَأْن مسطح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالله
سميع} يَعْنِي الْيَمين الَّتِي حلفوا عَلَيْهَا {عليم}
يَعْنِي عَالم بهَا كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل كَفَّارَة
الْيَمين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يلج
أحدكُم فِي يَمِينه فِي أَهله أتم لَهُ عِنْد الله من أَن
يُعْطي كَفَّارَته الَّتِي افْترض عَلَيْهِ
(1/642)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة
عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نذر وَلَا يَمِين فِيمَا لَا
يملك ابْن آدم وَلَا فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِي قطيعة
الرَّحِم وَمن حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا
فليدعها وليأت الَّذِي هُوَ خير فَإِن تَركهَا كفارتها
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين قطيعة
رحم أَو مَعْصِيّة فبره أَن يَحْنَث فِيهَا وَيرجع عَن يَمِينه
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من
حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن
يَمِينه وليفعل الَّذِي هُوَ خير
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي - وَالله إِن شَاءَ الله
- لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا
أتيت الَّذِي هُوَ خير وتحللتها
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عدي بن حَاتِم
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على
يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير
فليكفر عَن يَمِينه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسْأَل الامارة
فَإنَّك إِن اعطيتها عَن غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا وَإِن
أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِذا حَلَفت على
يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فأت الَّذِي هُوَ خير
وَكفر عَن يَمِينك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن الْمسيب
أَن أَخَوَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَ بَينهمَا مِيرَاث
فَسَأَلَ أَحدهمَا صَاحب الْقِسْمَة فَقَالَ: إِن عدت
تَسْأَلنِي الْقِسْمَة لم أُكَلِّمك أبدا وكل مَا لي فِي رتاج
الْكَعْبَة
فَقَالَ لَهُ عمر: إنَّ الْكَعْبَة لغنية عَن مَالك كفر عَن
يَمِينك وكلم أَخَاك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يَمِين وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة
الرب وَلَا فِي قَطْعِيَّة الرَّحِم وَفِيمَا لَا تملك
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن مَالك الْجُشَمِي قَالَ
قلت: يَا رَسُول الله يأتيني ابْن عمي فاحلف أَن لَا أعْطِيه
وَلَا أَصله قَالَ: كفر عَن يَمِينك
(1/643)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ
بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
قَوْله تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت
قُلُوبكُمْ وَالله غَفُور حَلِيم
أخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ ووكيع وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم
وَعبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن عَائِشَة قَالَت: أنزلت
هَذِه الْآيَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانكُم} فِي قَول الرجل: لَا وَالله وبلى وَالله وكلا
وَالله زَاد ابْن جرير: يصل بهَا كَلَامه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح
أَنه سُئِلَ عَن اللَّغْو فِي الْيَمين فَقَالَ: قَالَت
عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
هُوَ كَلَام الرجل فِي يَمِينه كلا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن عَائِشَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانكُم} قَالَت: هُوَ الْقَوْم يتدارؤون فِي الْأَمر
يَقُول هَذَا: لَا وَالله وَيَقُول هَذَا: كلا وَالله يتدارؤون
فِي الْأَمر لَا تعقد عَلَيْهِ قُلُوبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت:
إِنَّمَا اللَّغْو فِي المزاحة والهزل وَهُوَ قَول الرجل: لَا
وَالله وبلى وَالله فَذَاك لَا كَفَّارَة فِيهِ إِن
الْكَفَّارَة فِيمَا عقد عَلَيْهِ قلبه أَن يَفْعَله ثمَّ لَا
يَفْعَله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ مر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِقوم ينتضلون وَمَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رجل من أَصْحَابه فَرمى رجل من الْقَوْم
فَقَالَ: أصبت وَالله أَخْطَأت وَالله فَقَالَ الَّذِي مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حنث الرجل يَا رَسُول الله
فَقَالَ: كلا أَيْمَان الرُّمَاة لَغْو لَا كَفَّارَة فِيهَا
وَلَا عُقُوبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عَطاء عَن عَائِشَة وَابْن
عَبَّاس وَابْن عَمْرو
أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: اللَّغْو لَا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لَغْو الْيَمين لَا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لَغْو الْيَمين أَن تحلف وَأَنت غَضْبَان
(1/644)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عَائِشَة
أَنَّهَا كَانَت تتأول هَذِه الْآيَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} وَتقول: هُوَ الشَّيْء يحلف
عَلَيْهِ أحدكُم لَا يُرِيد مِنْهُ إِلَّا الصدْق فَيكون على
غير مَا حلف عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لَغْو الْيَمين حلف
الإِنسان على الشَّيْء يظنّ أَنه الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَإِذا
هُوَ غير ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: اللَّغْو أَن يحلف الرجل على الشَّيْء يرَاهُ
حَقًا وَلَيْسَ بِحَق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي
طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هَذَا فِي الرجل يحلف على
أَمر اضرار أَن يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله فَيرى الَّذِي خير
مِنْهُ فَأمر الله أَن يكفر عَن يَمِينه وَيَأْتِي الَّذِي
هُوَ خير
قَالَ: وَمن اللَّغْو أَن يحلف الرجل على أَمر لَا يرى فِيهِ
الصدْق وَقد أَخطَأ فِي ظَنّه فَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ
الْكَفَّارَة وَلَا إِثْم فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
قَالَ: لَغْو الْيَمين أَن تحرم مَا أحل الله لَك فَذَلِك مَا
لَيْسَ عَلَيْك فِيهِ كَفَّارَة {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا
كسبت قُلُوبكُمْ} قَالَ: مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ فِيهِ المأثم
فَهَذَا عَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن
جُبَير فِي قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الْمعْصِيَة يَعْنِي
أَن لَا يُصَلِّي وَلَا يصنع الْخَيْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على
الشَّيْء ثمَّ ينسى فَلَا يؤاخذه الله بِهِ وَلَكِن يكفّر
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق قَتَادَة عَن
سُلَيْمَان بن يسَار {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانكُم} قَالَ: الْخَطَأ غير الْمُتَعَمد
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة فِي قَول الرجل: لَا
وَالله وبلى وَالله
قَالَ: إِنَّهَا لمن لُغَة الْعَرَب لَيست بِيَمِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
(1/645)
قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الشَّيْء يرى
أَنه صَادِق وَهُوَ كَاذِب فَذَاك اللَّغْو لَا يُؤَاخِذكُم
بِهِ {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} قَالَ: يحلف
على الشَّيْء وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب فَذَاك الَّذِي لَا
يُؤَاخذ بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ قوم حلفوا
على تَحْرِيم الْحَلَال فَقَالُوا: أما إِذْ حلفنا وحرمنا على
أَنْفُسنَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لنا أَن نبر
فَقَالَ اله (أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس)
(الْبَقَرَة الْآيَة 224) وَلم يَجْعَل لَهَا كَفَّارَة
فَأنْزل الله (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك
قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم) (التَّحْرِيم
الْآيَتَانِ 1 - 2) فَأمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
بِالْكَفَّارَةِ لتَحْرِيم مَا حرم على نَفسه الْجَارِيَة
الَّتِي كَانَ حرمهَا على نَفسه أمره أَن يكفر يَمِينه ويعاود
جَارِيَته ثمَّ أنزل الله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ
فِي أَيْمَانكُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالله
غَفُور} يَعْنِي إِذا جَاوز الْيَمين الَّتِي حلف عَلَيْهَا
{حَلِيم} إِذْ لم يَجْعَل فِيهَا الْكَفَّارَة ثمَّ نزلت
الْكَفَّارَة
(1/646)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ
فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
قَوْله تَعَالَى: للَّذين يؤلون من
نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور
رَحِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن
مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي
فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقرؤوها
((للَّذين يقسمون من نِسَائِهِم)) وَيَقُول: الإِيلاء الْقسم
وَالْقسم الإِيلاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي بن كَعْب
مثله
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن حَمَّاد قَالَ:
قَرَأت فِي مصحف أبي (للَّذين يقسمون)
وَأخرج الشتفعي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الايلاء أَن يحلف بِاللَّه أَن لَا يُجَامِعهَا ابداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم}
قَالَ: هُوَ الرجل يحلف لامْرَأَته بِاللَّه لَا ينْكِحهَا
(1/646)
فيتربص أَرْبَعَة أشهر فَإِن هُوَ
نَكَحَهَا كفر يَمِينه فَإِن مَضَت أَرْبَعَة أشهر قبل أَن
ينْكِحهَا خَيره السُّلْطَان إِمَّا أَن يفِيء فيراجع وَإِمَّا
أَن يعزم فيطلق كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِيلَاء أهل الْجَاهِلِيَّة السّنة
والسنتين وَأكْثر من ذَلِك فوقت الله أَرْبَعَة أشهر فَإِن
كَانَ إيلاؤه أقل من أَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ بإيلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {للَّذين يؤلون من
نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} قَالَ: هَذَا فِي الرجل يؤلي
من امْرَأَته يَقُول: وَالله لَا يجْتَمع رَأْسِي ورأسك وَلَا
أقْربك وَلَا أغشاك
قَالَ: وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعدونه طَلَاقا فحدَّ لَهُم
أَرْبَعَة أشهر فَإِن فَاء فِيهَا كفر عَن يَمِينه وَكَانَت
امْرَأَته وَإِن مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر وَلم يفىء فِيهَا
فَهِيَ طالقة وَهِي أَحَق بِنَفسِهَا وَهُوَ أحد الْخطاب
ويخطبها زَوجهَا فِي عدتهَا وَلَا يخطبها غَيره فِي عدتهَا
فَإِن تزوّجها فَهِيَ عِنْده على تَطْلِيقَتَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كل يَمِين منعت جماعاً فَهِيَ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا إِيلَاء
إِلَّا بِحلف
وَأخرج عبد بن حميد سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار أَن
خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ المَخْزُومِي هجر امْرَأَته سنة
وَلم يكن حلف فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: أما تقْرَأ آيَة
الإِيلاء إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن تهجر أَكثر من أَرْبَعَة
أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر
أَنه سمع عَائِشَة وَهِي تعظ خَالِد بن الْعَاصِ المَخْزُومِي
فِي طول الْهِجْرَة لامْرَأَته تَقول: يَا خَالِد إياك وَطول
الْهِجْرَة فَإنَّك قد سَمِعت مَا جعل الله للموتى من الْأَجَل
إِنَّمَا جعل الله لَهُ تربص أَرْبَعَة أشهر فَأخذ طول
الْهِجْرَة
قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم: وَلم يبلغنَا أَنه مضى فِي طول
الْهِجْرَة طَلَاق لأحد وَلَكِن عَائِشَة حذرته ذَلِك
فَأَرَادَتْ أَن تعطفه على امْرَأَته وحذرت عَلَيْهِ أَن تشبهه
بالإِيلاء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا إِيلَاء إِلَّا
بغضب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الإِيلاء
إيلاءان
إِيلَاء
(1/647)
الْغَضَب وإيلاء فِي الرِّضَا أما الإِيلاء
فِي الْغَضَب فَإِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ
وَأما مَا كَانَ فِي الرِّضَا فَلَا يُؤْخَذ بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَطِيَّة بن جُبَير قَالَ: مَاتَت أم صبي بيني وَبَينه قرَابَة
فَحلف أبي أَن لَا يطَأ أُمِّي حَتَّى تفطمه فَمضى أَرْبَعَة
أشهر فَقَالُوا: قد بَانَتْ مِنْك
فاتى عليا فَقَالَ: إِن كنت إِنَّمَا حَلَفت على تضرة فقد
بَانَتْ مِنْك وَإِلَّا فَلَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أم عَطِيَّة قَالَت: ولد لنا غُلَام
فَكَانَ أَجْدَر شَيْء وأسمنه
فَقَالَ الْقَوْم لِأَبِيهِ: إِنَّكُم لتحسنون غذَاء هَذَا
الْغُلَام
فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت أَن لَا أقرب أمه حَتَّى تفطمه
فَقَالَ الْقَوْم قد - وَالله - ذهبت عَنْك إمرأتك
فارتفعا إِلَى عَليّ فَقَالَ عَليّ: أَنْت أَمن نَفسك أم من
غضب غضبته عَلَيْهَا فَحَلَفت قَالَ: لَا بل أُرِيد أَن أصلح
إِلَى وَلَدي
قَالَ: فَإِن لَيْسَ فِي الإِصلاح إِيلَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ: أَتَى رجل عليا فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت أَن لَا آتِي
امْرَأَتي سنتَيْن
فَقَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا قد آلَيْت
قَالَ: إِنَّمَا حَلَفت من أجل أَنَّهَا ترْضع وَلَدي قَالَ:
فَلَا إِذن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
إِنَّه سُئِلَ عَن رجل قَالَ لامْرَأَته: وَالله لَا أقْربك
حَتَّى تفطمي ولدك
قَالَ: وَالله مَا هَذَا بإيلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن
الرجل يحلف أَن لَا يقرب امْرَأَته وَهِي ترْضع شَفَقَة على
وَلَدهَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم: مَا أعلم الإيلاءفي الْغَضَب
قَالَ الله {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} فَإِنَّمَا
الْفَيْء من الْغَضَب
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا أَقُول فِيهَا شَيْئا
وَقَالَ حَمَّاد لَا أَقُول فِيهَا شَيْئا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن يزِيد بن الْأَصَم
قَالَ: تزوجت امْرَأَة فَلَقِيت ابْن عَبَّاس فَقلت: تزوجت
بهلل بنت يزِيد وَقد بَلغنِي أَن فِي خلقهَا شَيْئا ثمَّ
قَالَ: وَالله لقد خرجت وَمَا أكلمها
قَالَ: عَلَيْك بهَا قبل أَن تَنْقَضِي أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مَنْصُور قَالَ:
سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن رجل حلف لَا يكلم امْرَأَته فمضت
أَرْبَعَة أشهر قبل أَن يُجَامِعهَا قَالَ: إِنَّمَا كَانَ
الإِيلاء فِي الْجِمَاع وَأَنا أخْشَى أَن يكون إِيلَاء
(1/648)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِذا آلى على شهر أَو شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة دون
الْحَد برّت يَمِينه لَا يدْخل عَلَيْهِ إِيلَاء
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس
قَالَ: كل شَيْء دون الْأَرْبَعَة فَلَيْسَ بإيلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لَو آلى مِنْهَا شهرا
كَانَ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم
أَن رجلا آلى من امْرَأَته شهرا فَتَركهَا حَتَّى مَضَت
أَرْبَعَة أشهر قَالَ النَّخعِيّ: هُوَ إِيلَاء وَقد بَانَتْ
مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن وبرة
أَن رجلا آلى عشرَة أَيَّام فمضت أَرْبَعَة أشهر فجَاء إِلَى
عبد الله فَجعله إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أبي ليلى قَالَ: إِن آلى مِنْهَا
يَوْمًا أَو لَيْلَة فَهُوَ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الرجل يَقُول لامْرَأَته:
وَالله لَا أطئوك اللَّيْلَة فَتَركهَا من أجل ذَلِك قَالَ:
إِن تَركهَا حَتَّى تمْضِي أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ إِيلَاء
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر عَن أبيّ بن
كَعْب أَنه قَرَأَ ((فَإِن فاؤا فِيهِنَّ فَإِن الله غَفُور
رَحِيم))
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الْفَيْء
الْجِمَاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الْفَيْء الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْفَيْء
الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ قَالَ: الْفَيْء الرِّضَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْفَيْء
الرِّضَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ مَسْرُوق:
الْفَيْء الْجِمَاع
قيل: أَلا سَأَلته عَمَّن رَوَاهُ قَالَ: كَانَ الرجل فِي
عَيْني من ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: الْفَيْء الإِشهاد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن الْحسن
قَالَ: الْفَيْء الْجِمَاع فَإِن كَانَ لَهُ عذر من مرض أَو
سجن أَجزَأَهُ أَن يفِيء بِلِسَانِهِ
(1/649)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: إِذا حَال بَينه وَبَينهَا مرض أَو سفر أَو حبس أَو
شَيْء يعْذر بِهِ فإشهاده فَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الشعْثَاء
أَنه سَأَلَ عَلْقَمَة عَن الرجل يولي من امْرَأَته فَيكون
بهَا نِفَاس أَو شَيْء فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَطَأهَا قَالَ:
إِذا فَاء بِقَلْبِه وَلسَانه وَرَضي بذلك فَهُوَ فَيْء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي الشعْثَاء قَالَ:
يُجزئهُ حَتَّى يتَكَلَّم بِلِسَانِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي قلَابَة قَالَ:
إِذا فَاء فِي نَفسه أَجزَأَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن
قَالَ: إِذا آلى الرجل من امْرَأَته ثمَّ وَقع عَلَيْهَا قبل
الْأَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة لِأَن الله
تَعَالَى قَالَ {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} أَي
لتِلْك الْيَمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن
إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يرجون فِي قَول الله {فَإِن فاؤوا
فَإِن الله غَفُور رَحِيم} أَن كَفَّارَته فيئه
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد بن ثَابت قَالَ: عَلَيْهِ
كَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن فَاء كفر
وَإِن لم يفعل فَهِيَ وَاحِدَة وَهِي أَحَق بِنَفسِهَا
(1/650)
وَإِنْ عَزَمُوا
الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
قَوْله تَعَالَى: وَأَن عزموا الطَّلَاق
فَإِن الله سميع عليم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَإِن
عزموا السراح
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ فِي الإِيلاء
إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر لَا شَيْء عَلَيْهِ حَتَّى توقف
فيطلق أَو يمسك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس أَن
عُثْمَان كَانَ يُوقف الْمولي وَفِي لفظ كَانَ لَا يرى إِلَّا
إِيلَاء شَيْئا وَإِن مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر حَتَّى يُوقف
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يَقُول
إِذا آلى الرجل من امْرَأَته لم يَقع عَلَيْهَا طَلَاق وَإِن
مَضَت أَرْبَعَة أشهر حَتَّى يُوقف فإمَّا أَن يُطلق وَإِمَّا
أَن يفِيء
(1/650)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
قَالَ أَيّمَا رجل آلى من امْرَأَته فَإِن إِذا مضى
الْأَرْبَعَة أشهر وقف حَتَّى يُطلق أَو يفِيء وَلَا يَقع
عَلَيْهِ الطَّلَاق إِذا مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر حَتَّى يُوقف
وَأخرج البُخَارِيّ وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ الإِيلاء
الَّذِي سمى الله لَا يحل لأحد بعد الْأَجَل إِلَّا أَن يمسك
بِالْمَعْرُوفِ أَو يعزم الطَّلَاق كَمَا أمره الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
الدَّرْدَاء فِي رجل آلى من امْرَأَته قَالَ يُوقف عِنْد
انْقِضَاء الْأَرْبَعَة أشهر فإمَّا أَن يُطلق وَإِمَّا أَن
يفِيء
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة
أَنَّهَا كَانَت إِذا ذكر لَهَا الرجل يحلف أَن لَا يَأْتِي
امْرَأَته فيدعها خَمْسَة أشهر لَا ترى ذَلِك شَيْئا حَتَّى
يُوقف وَتقول كَيفَ قَالَ الله إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو
تَسْرِيح بِإِحْسَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة أَن أَبَا
ذَر وَعَائِشَة قَالَا يُوقف الْمولي بعد انْقِضَاء الْمدَّة
فإمَّا أَن يفِيء وَإِمَّا أَن يُطلق
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار
قَالَ أدْركْت بضعَة عشر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كلهم يَقُول يُوقف الْمولي
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من
طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه قَالَ سَأَلت اثْنَي
عشر رجلا من الصَّحَابَة عَن الرجل يولي من امْرَأَته فكلهم
يَقُول لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر
فَيُوقف فَإِن فَاء وَإِلَّا طلق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ثَابت بن عُبَيْدَة مولى زيد بن
ثَابت عَن اثْنَي عشر رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْإِيلَاء لَا يطون طَلَاقا حَتَّى يُوقف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان
وَعلي بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر
وَابْن عَبَّاس قَالُوا الإِيلاء تَطْلِيقَة بَائِنَة إِذا مرت
أَرْبَعَة أشهر قبل أَن يفِيء فَهِيَ أملك بِنَفسِهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ عَزِيمَة الطَّلَاق
انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أَيُّوب قَالَ قلت لِابْنِ جُبَير
أَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي الإِيلاء إِذا مَضَت
أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة وتزوّج وَلَا عدَّة
عَلَيْهَا قَالَ: نعم
(1/651)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِذا آلى الرجل من
امْرَأَته فمضت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة
وَتعْتَد بعد ذَلِك ثَلَاثَة قُرُوء ويخطبها زَوجهَا فِي
عدتهَا وَلَا يخطبها غَيره فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا خطبهَا
زَوجهَا وَغَيره
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ فِي الإِيلاء قَالَ إِذا مَضَت
أَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة وَلَا يخطبها هُوَ
وَلَا غَيره إِلَّا من بعد انْقِضَاء الْعدة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي رجل قَالَ لامْرَأَته إِن
قربتك سنة فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا إِن قربهَا قبل السّنة
فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا وَإِن تَركهَا حَتَّى تمْضِي
الْأَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة فَإِن تزَوجهَا
قبل انْقِضَاء السّنة فَإِنَّهُ يمسك عَن غشيانها حَتَّى
تَنْقَضِي السّنة وَلَا يدْخل عَلَيْهِ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي رجل قَالَ
لامْرَأَته إِن قربتك إِلَى سنة فَأَنت طَالِق قَالَ إِن
قربهَا بَانَتْ مِنْهُ وَإِن تَركهَا حَتَّى تمْضِي
الْأَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة فَإِن تزَوجهَا
فغشيها قبل انْقِضَاء السّنة بَانَتْ مِنْهُ وَإِن لم يقربهَا
حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْهِ
إِيلَاء آخر
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن
أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الرجل يولي من امْرَأَته:
أَنَّهَا إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة
وَاحِدَة ولزوجها عَلَيْهَا رَجْعَة مَا كَانَت فِي الْعدة
وَأخرج مَالك عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِيلَاء العَبْد نَحْو
إِيلَاء الْحر وَهُوَ وَاجِب وإيلاء العَبْد شَهْرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إِيلَاء
العَبْد شَهْرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِيلَاء
العَبْد من الْأمة أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج معمر عَن قَتَادَة قَالَ: إِيلَاء العَبْد من الْحرَّة
أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج مَالك عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ: خرج عمر بن
الْخطاب من اللَّيْل يسمع امْرَأَة تَقول: تطاول هَذَا
اللَّيْل واسود جَانِبه وأرقني أَن لَا خَلِيل ألاعبه
فوَاللَّه لَوْلَا الله أَنِّي أراقبه لحرك من هَذَا السرير
جوانبه فَسَأَلَ عمر ابْنَته حَفْصَة كم أَكثر مَا تصبر
الْمَرْأَة عَن زَوجهَا فَقَالَت: سِتَّة أشهر أَو أَرْبَعَة
أشهر
فَقَالَ عمر: لَا أحبس أحدا من الجيوش أَكثر من ذَلِك
(1/652)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي الدُّنْيَا
فِي كتاب الْأَشْرَاف عَن السَّائِب بن جُبَير مولى ابْن
عَبَّاس وَكَانَ قد أدْرك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: مَا زلت أسمع حَدِيث عمر أَنه خرج ذَات لَيْلَة
يطوف بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ يفعل ذَلِك كثيرا إِذْ مر
بِامْرَأَة من نسَاء الْعَرَب مغلقة بَابهَا وَهِي تَقول:
تطاول هَذَا اللَّيْل تسري كواكبه وأرقني أَن لَا ضجيع ألاعبه
فوَاللَّه لَوْلَا الله لَا شَيْء غَيره لحرك من هَذَا السرير
جوانبه وَبت ألاهي غير بدع ملعن لطيف الحشا لَا يحتويه مضاجعه
يلاعبني طوراً وطوراً كَأَنَّمَا بدا قمراً فِي ظلمَة اللَّيْل
حَاجِبه يسر بِهِ من كَانَ يلهو بِقُرْبِهِ يعاتبني فِي حبه
واعاتبه ولكنني أخْشَى رقيبا موكلا بِأَنْفُسِنَا لَا يفتر
الدَّهْر كَاتبه ثمَّ تنفست الصعداء وَقَالَت: أَشْكُو عمر بن
الْخطاب وحشتي فِي بَيْتِي وغيبة زَوجي عَليّ وَقلة نفقتي
فلَان لَهَا عمر يرحمه الله فَلَمَّا أصبح بعث إِلَيْهَا
بِنَفَقَة وَكِسْوَة وَكتب إِلَى عَامله يسرح إِلَيْهَا
زَوجهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: سَأَلَ عمر
ابْنَته حَفْصَة كم تصبر الْمَرْأَة عَن الرجل فَقلت: سِتَّة
أشهر فَقَالَ: لَا جرم لَا أحبس رجلا أَكثر من سِتَّة أشهر
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن مُحَمَّد بن معن
قَالَ: أَتَت امْرَأَة إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَت: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن زَوجي يَصُوم النَّهَار وَيقوم
اللَّيْل وَأَنا أكره أَن أشكوه إِلَيْك وَهُوَ يقوم بِطَاعَة
الله
فَقَالَ لَهَا: جَزَاك الله خيرا من مثنية على زَوجهَا
فَجعلت تكَرر عَلَيْهِ القَوْل وَهُوَ يُكَرر عَلَيْهَا
الْجَواب وَكَانَ كَعْب بن سوار الاسدي حَاضرا فَقَالَ لَهُ:
اقْضِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا
فَقَالَ: وَهل فِيمَا ذكرت قَضَاء فَقَالَ: إِنَّهَا تَشْكُو
مباعدة زَوجهَا لَهَا عَن فراشها وتطلب حَقّهَا فِي ذَلِك
فَقَالَ لَهُ عمر: أما لِأَن فهمت ذَلِك فَاقْض بَينهمَا
فَقَالَ كَعْب: عَليّ بزوجها فأحضر فَقَالَ: إِن امْرَأَتك
تشكوك
فَقَالَ: قصرت فِي شَيْء من نَفَقَتهَا قَالَ: لَا
فَقَالَت الْمَرْأَة: يَا أَيهَا القَاضِي الْحَكِيم برشده
ألهى خليلي عَن فِرَاشِي مَسْجده نَهَاره وليله مَا يرقده فلست
فِي حكم النِّسَاء أَحْمَده زهده فِي مضجعي تعبده فَاقْض القضا
يَا كَعْب لَا تردده
(1/653)
فَقَالَ زَوجهَا: زهّدَني فِي فرشها وَفِي
الحجل إِنِّي امْرُؤ أزهد فِيمَا قد نزل فِي سُورَة النَّحْل
وَفِي السَّبع الطول وَفِي كتاب الله تخويف جلل فَقَالَ كَعْب:
إِن خير القاضيين من عدل وَقضى بِالْحَقِّ جَهرا وَفصل إِن
لَهَا حَقًا عَلَيْك يَا رجل تصيبها فِي أَربع لمن عقل
قَضِيَّة من رَبهَا عز وَجل فاعطها ذَاك ودع عَنْك الْعِلَل
ثمَّ قَالَ: إِن الله قد أَبَاحَ لَك النِّسَاء أَرْبعا فلك
ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها تعبد فِيهَا رَبك وَلها يَوْم
وَلَيْلَة
فَقَالَ عمر: وَالله مَا أَدْرِي من أَي امريك أعجب
أَمن فهمك أمرهَا أم من حكمك بَينهمَا اذْهَبْ فقد وليتك
قَضَاء الْبَصْرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمر أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج وَعمر بن الْخطاب مَعَه فعرضت
امْرَأَة فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ادعِي زَوجك فدعته وَكَانَ ضِرَارًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: مَا تَقول امْرَأَتك يَا عبد الله فَقَالَ
الرجل: وَالَّذِي أكرمك مَا جف رَأْسِي مِنْهَا
فَقَالَت امْرَأَته: مَا مرّة وَاحِدَة فِي الشَّهْر
فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتبغضيه
قَالَت: نعم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أدنيا رأسيكما
فَوضع جبهتها على جبهة زَوجهَا ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ألف
بَينهمَا وحبب أَحدهمَا إِلَى صَاحبه ثمَّ مر رَسُول الله بسوق
النمط وَمَعَهُ عمر بن الْخطاب فطلعت امْرَأَة تحمل ادما على
رَأسهَا فَلَمَّا رَأَتْ النَّبِي طرحته وَأَقْبَلت فَقبلت
رجلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله: كَيفَ أَنْت وزوجك فَقَالَت:
وَالَّذِي أكرمك مَا طارف وَلَا تالد وَلَا ولد بِأحب إِلَيّ
مِنْهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أشهد أَنِّي
رَسُول الله
فَقَالَ عمر: وَأَنا أشهد أَنَّك رَسُول الله
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من حَدِيث
جَابر بن عبد الله
مثله
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي ذَر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يصبح على كل سلامي من
ابْن آدم صَدَقَة
تَسْلِيمه على من لَقِي صَدَقَة وَأمره بِالْمَعْرُوفِ صدقه
وَنَهْيه عَن النمكر صَدَقَة وإماطته الْأَذَى عَن الطَّرِيق
صَدَقَة وبضعه أَهله صَدَقَة
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَحَدنَا يقْضِي شَهْوَته وَتَكون
لَهُ صَدَقَة قَالَ: أَرَأَيْت لَو ضعها فِي غير حلهَا ألم يكن
يَأْثَم
(1/654)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي
ذرة قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله ذهب الْأَغْنِيَاء
بِالْأَجْرِ
قَالَ: ألستم تصلونَ وتصومون وتجاهدون قلت: بلَى وهم
يَفْعَلُونَ كَمَا نَفْعل يصلونَ وَيَصُومُونَ ويجاهدون
وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نتصدق قَالَ: إِن فِيك صَدَقَة وَفِي
فضل سَمعك صَدَقَة على الَّذِي لَا يسمع تعبر عَن حَاجته
صَدَقَة وَفِي فضل بَصرك على الضَّرِير تهديه إِلَى الطَّرِيق
صَدَقَة وَفِي فضل قوتك على الضَّعِيف تعينه صَدَقَة وَفِي
إماطتك الْأَذَى عَن الطَّرِيق صَدَقَة وَفِي مباضتعك أهلك
صَدَقَة قلت: يَا رَسُول الله أَيَأتِي أَحَدنَا شَهْوَته
ويؤجر قَالَ: أَرَأَيْت لَو جعلته فِي غير حلّه أَكَانَ
عَلَيْك وزر قلت: نعم
قَالَ: أتحتسبون بِالشَّرِّ وَلَا تحتسبون بِالْخَيرِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذرة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَك فِي جماعك زَوجتك
أجر قلت: كَيفَ يكون لي أجر فِي شهوتي قَالَ: أَرَأَيْت لَو
كَانَ لَك ولد فَأدْرك ورجوت خَيره ثمَّ مَاتَ أَكنت تحتسبه
قلت: نعم
قَالَ: فَأَنت خلقته قلت: بل الله
قَالَ: أفأنت هديته قلت: بل الله هداه
قَالَ: أفأنت كنت ترزقه قلت: بل الله يرزقه
قَالَ: فَكَذَلِك فضعه فِي حَلَاله وجنبه حرَامه فَإِن شَاءَ
الله أَحْيَاهُ وَإِن شَاءَ أَمَاتَهُ وَلَك أجر
وَأخرج ابْن السّني وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الطِّبّ
النَّبَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَيعْجزُ أحدكُم أَن يُجَامع أَهله فِي كل يَوْم جُمُعَة فَإِن
لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ غسله وَأجر غسل امْرَأَته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ
وَالله إِنِّي لأكْره نَفسِي على الْجِمَاع رَجَاء أَن يخرج
الله مني نسمَة تسبح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن زيد بن أسلم قَالَ
بَلغنِي أَنه جَاءَت امْرَأَة إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَت
إِن زَوجهَا لَا يُصِيبهَا فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ كَبرت
وَذَهَبت قوّتي فَقَالَ لَهُ عمر أتصيبها فِي كل شهر مرّة
قَالَ أَكثر من ذَلِك قَالَ عمر فِي كم تصيبها قَالَ فِي كل
طهر مرّة فَقَالَ عمر اذهبي فَإِن فِيهِ مَا يَكْفِي
الْمَرْأَة
(1/655)
وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا
يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ
إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ
دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
قَوْله تَعَالَى: والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن
مَا خلق الله فِي أرحامهن إِن كن يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك
(1/655)
إِن أَرَادوا إصلاحا ولهن مثل الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة
وَالله عَزِيز حَكِيم
أخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن الانصارية قَالَت: طلقت
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن للمطلقة
عدَّة فَأنْزل الله حِين طلقت الْعدة للطَّلَاق {والمطلقات
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَكَانَت أول
من أنزلت فِيهَا الْعدة للطَّلَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والمطلقات
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} قَالَ: كَانَ
أهل الْجَاهِلِيَّة يُطلق أحدهم لَيْسَ لذَلِك عدَّة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة
قُرُوء} {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم
فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} الطَّلَاق الْآيَة 4 فنسخ وَاسْتثنى
وَقَالَ (ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم
عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها) (الْأَحْزَاب الْآيَة 49)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي
ناسخه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن
عَائِشَة قَالَت: إِنَّمَا الْأَقْرَاء الاطهار
(1/656)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن
عَائِشَة
أَنَّهَا انْتَقَلت حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن حِين دخلت فِي
الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة
قَالَ ابْن شهَاب: فَذكرت ذَلِك لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن
فَقَالَت: صدق عُرْوَة وَقد جادلها فِي ذَلِك نَاس قَالُوا:
إِن الله يَقُول {ثَلَاثَة قُرُوء} فَقَالَت عَائِشَة:
صَدقْتُمْ وَهل تَدْرُونَ مَا الإِقراء الإِقراء الإِطهار
قَالَ ابْن شهَاب: سَمِعت أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن يَقُول:
مَا أدْركْت أحدا من فقهائنا إِلَّا وَهُوَ يَقُول: هَذَا
يُرِيد الَّذِي قَالَت عَائِشَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عمر وَزيد بن ثَابت قَالَا: الإِقراء الإِطهار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: الإِقراء الْحيض
عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{ثَلَاثَة قُرُوء} قَالَ: ثَلَاث حيض
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والمطلقات
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} قَالَ: حيض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَجعل عدَّة الطَّلَاق
ثَلَاث حيض ثمَّ أَنه نسخ مِنْهَا الْمُطلقَة الَّتِي طلقت
وَلم يدْخل بهَا زَوجهَا فَقَالَ: فِي سُورَة الْأَحْزَاب (يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن
من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة
تعتدونها) (الْأَحْزَاب الْآيَة 49) فَهَذِهِ تزوّج ان شَاءَت
من يَوْمهَا
وَقد نسخ من الثَّلَاثَة فَقَالَ (واللاتي يئسن من الْمَحِيض
من نِسَائِكُم إِن ارتبتم) (الطَّلَاق الْآيَة 4) فَهَذِهِ
الْعَجُوز الَّتِي لَا تحيض وَالَّتِي لن تَحض فعدتهن ثَلَاثَة
أشهر وَلَيْسَ الْحيض من أمرهَا فِي شَيْء وَنسخ من
الثَّلَاثَة قُرُوء الْحَامِل فَقَالَ (أَجلهنَّ أَن يَضعن
حَملهنَّ) (الطَّلَاق الْآيَة 4) فَهَذِهِ لَيست من القروء فِي
شَيْء إِنَّمَا أجلهَا أَن تضع حملهَا
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف
وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عُرْوَة وَعمرَة عَن
عَائِشَة قَالَت: إِذا دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد
بَانَتْ من زَوجهَا وحلت للأزواج
قَالَت عمْرَة: وَكَانَت عَائِشَة تَقول: إِنَّمَا الْقُرْء
الطُّهْر وَلَيْسَ بالحيضة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: إِذا دخلت الْمُطلقَة
فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَانَتْ من زَوجهَا وحلت
للأزواج
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
قَالَ: إِذا طلق الرجل امْرَأَته فَدخلت فِي الدَّم من
الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ وبرىء مِنْهَا وَلَا
تَرثه وَلَا يَرِثهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَلْقَمَة
أَن رجلا طلق امْرَأَته ثمَّ
(1/657)
تَركهَا حَتَّى إِذا مَضَت حيضتان والثالة
أَتَاهَا وَقد قعت فِي مغتسلها لتغتسل من الثَّالِثَة
فَأَتَاهَا زَوجهَا فَقَالَ: قد رَاجَعتك قد رَاجَعتك ثَلَاثًا
فَأتيَا عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر لِابْنِ مَسْعُود وَهُوَ
إِلَى جنبه: مَا تَقول فِيهَا قَالَ: أرى أَنه أَحَق بهَا
حَتَّى تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة وَتحل لَهَا
الصَّلَاة
فَقَالَ عمر: وَأَنا أرى ذَلِك
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: تحل لزَوجهَا
الرّجْعَة عَلَيْهَا حَتَّى تَغْتَسِل من الْحَيْضَة
الثَّالِثَة وَتحل للأزواج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُبَيْدَة بن
عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: أرسل عُثْمَان بن عَفَّان إِلَى
أبي يسْأَله عَن رجل طلق امْرَأَته ثمَّ رَاجعهَا حِين دخلت
فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة قَالَ أبي: كَيفَ يُفْتِي مُنَافِق
فَقَالَ عُثْمَان: نعيذك بِاللَّه أَن تكون منافقاً ونعوذ
بِاللَّه أَن نسميك منافقاً ونعيذك بِاللَّه أَن يكون مِنْك
هَذَا فِي الإِسلام ثمَّ تَمُوت وَلم تبينه
قَالَ: فَإِنِّي أرى أَنه أَحَق بهَا مَا لم تَغْتَسِل من
الْحَيْضَة الثَّالِثَة وَتحل لَهَا الصَّلَاة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْحسن عَن عمر وَعبد الله
وَأبي مُوسَى فِي الرجل يُطلق امْرَأَته فتحيض ثَلَاث حيض
فَرَاجعهَا قبل أَن تَغْتَسِل قَالَ: هُوَ أَحَق بهَا مَا لم
تَغْتَسِل
وَأخرج وَكِيع عَن الْحسن قَالَ: تَعْتَد بِالْحيضِ وَإِن
كَانَت لَا تحيض فِي السّنة إِلَّا مرّة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حَيَّان
أَنه كَانَ عِنْد جده هاشمية وانصارية فَطلق الانصارية وَهِي
ترْضع فمرت بهَا سنة ثمَّ هلك وَلم تَحض فَقَالَت: أَنا أرثه
وَلم أحض
فاختصموا إِلَى عُثْمَان فَقضى للأنصارية بِالْمِيرَاثِ فلامت
الهاشمية عُثْمَان فَقَالَ: هَذَا عمل ابْن عمك هُوَ أَشَارَ
علينا بِهَذَا يَعْنِي ابْن أبي طَالب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا طَلقهَا وَهِي
حَائِض لم تَعْتَد بِتِلْكَ الْحَيْضَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ: الاقراء الْحيض
لَيْسَ بِالطُّهْرِ
قَالَ الله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وَلم يقل لقروئهن
وَأخرج الشَّافِعِي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَن رجلا من
الْأَنْصَار يُقَال لَهُ
(1/658)
حَيَّان بن منقذ طلق امْرَأَته وَهُوَ
صَحِيح وَهِي ترْضع ابْنَته فَمَكثت سَبْعَة عشر شهرا لَا تحيض
يمْنَعهَا الرَّضَاع من أَن تحيض ثمَّ مرض حَيَّان فَقلت لَهُ:
إِن امْرَأَتك تُرِيدُ أَن تَرث فَقَالَ لأَهله: احْمِلُونِي
إِلَى عُثْمَان فَحَمَلُوهُ إِلَيْهِ فَذكر لَهُ شَأْن
امْرَأَته وَعِنْده عليّ بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت فَقَالَ
لَهما عُثْمَان: مَا تريان فَقَالَا: نرى أَنه إِن مَاتَ تَرثه
ويرثها إِن مَاتَت فَإِنَّهَا لَيست من الْقَوَاعِد اللَّاتِي
قد يئسن من الْمَحِيض وَلَيْسَت من الْأَبْكَار اللَّاتِي لم
يبلغهن بالمحيض ثمَّ هِيَ على عدَّة حَيْضهَا مَا كَانَ من
قَلِيل أَو كثير
فَرجع حَيَّان إِلَى أَهله وَأخذ ابْنَته فَلَمَّا فقدت
الرَّضَاع حَاضَت حَيْضَة ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى ثمَّ
توفّي حَيَّان قبل أَن تحيض الثَّالِثَة فاعتدت عدَّة
الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وورثته
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: طَلَاق
الْأمة تَطْلِيقَتَانِ وقرؤها حيضتان وَفِي لفظ وعدتها حيضتان
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر
مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت
قَالَ: الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ وَابْن
مَسْعُود وَابْن عَبَّاس قَالُوا: الطَّلَاق بِالرِّجَالِ
وَالْعدة بِالنسَاء
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ:
الطَّلَاق للرِّجَال وَالْعدة للنِّسَاء
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: عدَّة
الْمُسْتَحَاضَة سنة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق
الله فِي أرحامهن}
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق
الله فِي أرحامهن} قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة تكْتم حملهَا
حَتَّى تَجْعَلهُ لرجل آخر فنهاهن الله عَن ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن
مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: علم الله أَن مِنْهُنَّ
كواتم يكتمن ضِرَارًا ويذهبن بِالْوَلَدِ إِلَى غير
أَزوَاجهنَّ فَنهى عَن ذَلِك وَقدم فِيهِ
(1/659)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عمر {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق
الله فِي أرحامهن} قَالَ: الْحمل وَالْحيض لَا يحل لَهَا إِن
كَانَت حَامِلا أَن تكْتم حملهَا وَلَا يحل لَهَا ان كَانَت
حَائِضًا أَن تكْتم حَيْضهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن
مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: الْحيض وَالْولد لَا يحل
للمطلقة أَن تَقول: أَنا حَائِض
وَلَيْسَت بحائض
وَلَا تَقول: إِنِّي حُبْلَى
وَلَيْسَت بحبلى وَلَا تَقول: لست بحبلى
وَهِي حُبْلَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله {وَلَا يحل
لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: بلغنَا
أَن مَا خلق الله فِي أرحامهن الْحمل وبلغنا أَنه الْحيض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن
إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ: أكبر ذَلِك الْحيض وَفِي لفظ:
أَكثر مَا عَنى بِهِ الْحيض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة قَالَ:
الْحيض
أما قَوْله تَعَالَى: {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وبعولتهن أَحَق
بردهن فِي ذَلِك} يَقُول: إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة
أَو تطلقتين وَهِي حَامِل فَهُوَ أَحَق برجعتها مَا لم تضع
حملهَا وَلَا يحل لَهَا أَن تكتمه يَعْنِي حملهَا وَهُوَ
قَوْله {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي
أرحامهن}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل بن حبَان فِي قَوْله
{وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} يَعْنِي الْمُرَاجَعَة فِي
الْعدة نزلت فِي رجل من غفار طلق امْرَأَته وَلم يشْعر بحملها
فَرَاجعهَا وردهَا إِلَى بَيته فَولدت وَمَاتَتْ وَمَات
وَلَدهَا فَأنْزل الله بعد ذَلِك بأيام يسيرَة (الطَّلَاق
مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان)
(الْبَقَرَة الْآيَة 229) فنسخت الْآيَة الَّتِي قبلهَا وَبَين
الله للرِّجَال كَيفَ يطلقون النِّسَاء وَكَيف يَتَرَبَّصْنَ
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن
مُجَاهِد {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} قَالَ: فِي القروء
الثَّلَاث
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي
ذَلِك} قَالَ: فِي الْعدة
(1/660)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك}
قَالَ: فِي الْعدة مَا ام يطلقهَا ثَلَاثًا
أما قَوْله تَعَالَى: {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ولهن مثل الَّذِي
عَلَيْهِنَّ} قَالَ: إِذا أطعن الله وأطعن أَزوَاجهنَّ
فَعَلَيهِ أَن يحسن خطبتها ويكف عَنْهَا أَذَاهُ وَينْفق
عَلَيْهَا من سعته
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن
عَمْرو بن الْأَحْوَص أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: أَلا إِن لكم على نسائكن حَقًا ولنسائكم عَلَيْكُم
حَقًا
فَأَما حقكم على نِسَائِكُم فَلَا يوطئن فرشكم من تَكْرَهُونَ
وَلَا يَأْذَن فِي بُيُوتكُمْ من تَكْرَهُونَ وَألا وحقهن
عَلَيْكُم أَن تحسنوا إلَيْهِنَّ فِي كسوتهن وطعامهن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي أَن سَأَلَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا حق الْمَرْأَة على الزَّوْج قَالَ: أَن
تطعمها إِذا طعمت وَأَن تكسوها إِذا كُسِيت وَلَا تضرب
الْوَجْه وَلَا تقبح وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت
وَأخرج ابْن عدي عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا جَامع أحدكُم أَهله فَلَا
يعجلها حَتَّى تقضي حَاجَتهَا كَمَا يحب أَن يقْضِي حَاجته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَامع أحدكُم أَهله
فليصدقها فَإِن سبقها فَلَا يعجلها
وَلَفظ عبد الرَّزَّاق: فَإِن قضى حَاجته وَلم تقض حَاجَتهَا
فَلَا يعجلها
وَأخرج وَكِيع وفيان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِنِّي لأحب أَن أتزين للْمَرْأَة كَمَا أحب أَن تتزين
الْمَرْأَة لي لِأَن الله يَقُول {ولهن مثل الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَمَا أحب أَن استوفي جَمِيع حَقي
عَلَيْهَا لِأَن الله يَقُول (وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة)
وَأخرج ابْن ماجة عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أطلى وَولى عانته بِيَدِهِ
وَأخرج الخرائطي فِي كتاب مساوىء الْأَخْلَاق عَن أم سَلمَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينوره (ينور: يدهن
بالنورة وَهِي خليط من زرنيخ وَغَيره تسْتَعْمل لإِزَالَة
الشّعْر) الرجل فَإِذا بلغ مراقه (الشّعْر حَان لَهُ أَن ينتف)
تولى هُوَ ذَلِك
(1/661)
وَأخرج الخرائطي عَن مُحَمَّد بن زِيَاد
قَالَ كَانَ ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جاراً لي فَكَانَ يدخال الْحمام فَقلت: وَأَنت صَاحب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تدخل الْحمام
فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل
الْحمام ثمَّ يتنور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتنور كل شهر ويقلم أَظْفَاره
كل خمس عشرَة
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن
عَائِشَة أَنه سُئِلت بِأَيّ شَيْء كَانَ يبْدَأ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل بَيته قَالَت: بِالسِّوَاكِ
قَوْله تَعَالَى: {وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} قَالَ: فضل مَا فَضله الله بِهِ
عَلَيْهَا من الْجِهَاد وَفضل مِيرَاثه على مِيرَاثهَا وكل مَا
فضل بِهِ عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ:
يطلقهَا وَلَيْسَ لَهَا من الْأَمر شَيْء
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن
أسلم {وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} قَالَ: الْإِمَارَة
(1/662)
|