الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة
سُورَة الْمَائِدَة أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة قَالَ: الْمَائِدَة مدنيه
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو عبيد فِي فضائله والنحاس فِي ناسخه
وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جُبَير بن نفير
قَالَ: حججْت فَدخلت على عَائِشَة فَقَالَت لي: يَا جُبَير
تقْرَأ الْمَائِدَة فَقلت: نعم
فَقَالَت: أما انها آخر سُورَة نزلت فَمَا وجدْتُم فِيهَا من
حَلَال فاستحلوه وَمَا وجدْتُم من حرَام فحرموه
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن
عَمْرو قَالَ: آخر سُورَة نزلت سُورَة الْمَائِدَة وَالْفَتْح
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أنزلت على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الْمَائِدَة وَهُوَ رَاكب
على رَاحِلَته فَلم تستطع أَن تحمله فَنزل عَنْهَا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر فِي
الصَّلَاة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل
والبيهيقي فِي شعب الإِيمان عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: اني
لآخذة بزمام العضباء نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذْ نزلت الْمَائِدَة كلهَا فَكَادَتْ من ثقلهَا تدق
عضد النَّاقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة
عَن أم عَمْرو بنت عبس عَن عَمها أَنه كَانَ فِي مسير مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ سُورَة
الْمَائِدَة فاندق كتف رَاحِلَته العضباء من ثقل السُّورَة
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي
صلى الله غليه وَسلم قَرَأَ فِي خطبَته سُورَة الْمَائِدَة
وَالتَّوْبَة
وَأخرج أَبُو عبيد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ نزلت
سُورَة الْمَائِدَة على رَسُول
(3/3)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة
الْوَدَاع فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَهُوَ على نَاقَته
فانصدعت كتفها فَنزل عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: نزلت سُورَة
الْمَائِدَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْمسير فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ رَاكب رَاحِلَته فبركت
بِهِ رَاحِلَته من ثقلهَا
وَأخرج أَبُو عبيد عَن ضَمرَة بن حبيب وعطية بن قيس قَالَا:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَائِدَة من آخر
الْقُرْآن تَنْزِيلا فاحلوا حلالها وحرموا حرامها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي ميسرَة
قَالَ: آخر سُورَة أنزلت سُورَة الْمَائِدَة وان فِيهَا لسبع
عشرَة فَرِيضَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي ميسرَة قَالَ: فِي
الْمَائِدَة ثَمَان عشرَة فَرِيضَة لَيْسَ فِي سُورَة من
الْقُرْآن غَيرهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخ
المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وماأكل السَّبع إِلَّا
مَا ذكتيم وَمَا ذبح على النصب وان تستقيموا بالازلام والجوارح
مكلبين وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب وَالْمُحصنَات من
الَّذين أُوتُوا الْكتاب وَتَمام الطّهُور واذا قُمْتُم إِلَى
الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وَالسَّارِق والسارقة وَمَا جعل الله من
بحيرة الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد والنحاس كِلَاهُمَا فِي النَّاسِخ عَن أبي
ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: لم ينْسَخ من الْمَائِدَة
شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر
عَن ابْن عون قَالَ: قلت لِلْحسنِ: نسخ من الْمَائِدَة شَيْء
فَقَالَ: لَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن الشّعبِيّ قَالَ: لم ينْسَخ من
الْمَائِدَة إِلَّا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا
الْهَدْي وَلَا القلائد} الْمَائِدَة الْآيَة 2
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخ من هَذِه
السُّورَة آيتان آيَة
القلائد وَقَوله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم}
الْمَائِدَة الْآيَة 42
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه من طَرِيق عَبدة بن أبي
لبَابَة قَالَ: بَلغنِي عَن سَالم
(3/4)
مولى أبي حُذَيْفَة قَالَ كَانَت لي إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجَة فَأتيت الْمَسْجِد
فَوَجَدته قد كبر فتقدمت قَرِيبا مِنْهُ فَقَرَأَ بِسُورَة
الْبَقَرَة وَسورَة النِّسَاء وبسورة الْمَائِدَة وبسورة
الْأَنْعَام ثمَّ ركع فَسَمعته يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيم ثمَّ قَامَ فَسجدَ فَسَمعته يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي
الْأَعْلَى ثَلَاثًا فِي كل رَكْعَة
(5)
سُورَة الْمَائِدَة
مَدَنِيَّة وآياتها عشرُون وَمِائَة
(3/5)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ
بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ
مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ
مَا يُرِيدُ (1)
- يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا
بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا
يُتْلَى عَلَيْكُم غير محلي الصَّيْد وَأَنْتُم حرم إِن الله
يحكم مَا يُرِيد
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{أَوْفوا بِالْعُقُودِ} يَعْنِي بالعهود مَا أحل الله وَمَا
حرم وَمَا فرض وَمَا حدَّ فِي الْقُرْآن كُله لاتغدروا وَلَا
تنكثوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{أَوْفوا بِالْعُقُودِ} أَي بِعقد الْجَاهِلِيَّة ذكر لنا أَن
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول أَوْفوا
بِعقد الْجَاهِلِيَّة ولاتحدثوا عقدا فِي الْإِسْلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{أَوْفوا بِالْعُقُودِ} قَالَ: بالعهود وَهِي عُقُود
الْجَاهِلِيَّة الْحلف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله
بن عُبَيْدَة قَالَ: الْعُقُود خمس: عقدَة الْإِيمَان وعقدة
النِّكَاح وعقدة البيع وعقدة الْعَهْد وعقدة الْحلف
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة قَالَ:
الْعُقُود خمس: عقدَة الْإِيمَان وعقدة النِّكَاح وعقدة البيع
وعقدة الْعَهْد وعقدة الْحلف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي بكر بن مُحَمَّد
بن عَمْرو بن حزم قَالَ: هَذَا كتاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عندنَا الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه
إِلَى الْيمن يفقِّه أَهلهَا وَيُعلمهُم السّنة وَيَأْخُذ
صَدَقَاتهمْ فَكتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا كتاب من الله وَرَسُوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
أَوْفوا بِالْعُقُودِ} عهدا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لعَمْرو بن حزم أمره بتقوى الله فِي أمره كُله {إِن الله
مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون}
(3/5)
(النَّحْل الْآيَة 128) وَأمره أَن يَأْخُذ
الْحق كَمَا أمره وَأَن يبشر بِالْخَيرِ النَّاس وَيَأْمُرهُمْ
بِهِ الحَدِيث بِطُولِهِ
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن عَمْرو بن
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَدّوا للحلفاء عقودهم الَّتِي عاقدت
أَيْمَانكُم
قَالُوا: وَمَا عقدهم يَا رَسُول الله قَالَ: الْعقل عَنْهُم
والنصرلهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مقَاتل بن حَيَّان
قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا
بِالْعُقُودِ} يَقُول: أَوْفوا بالعهود يَعْنِي الْعَهْد
الَّذِي كَانَ عهد اليهم فِي الْقُرْآن فِيمَا أَمرهم من
طَاعَته أَن يعملوا بهَا وَنَهْيه الَّذِي نَهَاهُم عَنهُ
وبالعهد الَّذِي بَينهم وَبَين الْمُشْركين وَفِيمَا يكون من
العهود بَين النَّاس
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {أحلّت
لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَالَ: يَعْنِي الْإِبِل وَالْبَقر
وَالْغنم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: أهل القباب الْحمر والن
عَم [وَالنعَم] المؤثل والقبائل وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير
ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {أحلّت لكم بَهِيمَة
الْأَنْعَام} قَالَ: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
أَنه أَخذ بذنب الْجَنِين فَقَالَ: هَذَا من بَهِيمَة
الْأَنْعَام الَّتِي أحلَّت لكم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر فِي قَوْله {أحلّت لكم بَهِيمَة
الْأَنْعَام} قَالَ: مَا فِي بطونها
قلت: إِن خرج مَيتا آكله قَالَ: نعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَالَ: الْأَنْعَام كلهَا
{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} قَالَ: إِلَّا الْميتَة ومالم
يذكر اسْم الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى
عَلَيْكُم} قَالَ {الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا
أهل لغير الله بِهِ}
(3/6)
الْمَائِدَة الْآيَة 3 إِلَى آخر الْآيَة
فَهَذَا مَا حرم الله من بَهِيمَة الْأَنْعَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} قَالَ: إِلَّا الْميتَة وماذكر
مَعهَا {غير محلي الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} قَالَ: غير أَن يحل
الصَّيْد أحد وَهُوَ محرم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أَيُّوب قَالَ:
سُئِلَ مُجَاهِد عَن القرد أيؤكل لَحْمه فَقَالَ: لَيْسَ من
بَهِيمَة الْأَنْعَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي
الْآيَة قَالَ: الْأَنْعَام كلهَا حل الاما كَانَ مِنْهَا
وحشياً فَإِنَّهُ صيد فلايحل إِذا كَانَ محرما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {إِن الله يحكم مَا يُرِيد} قَالَ: إِن الله يحكم
ماأراد فِي خلقه وَبَين مااراد فِي عباده وَفرض فَرَائِضه
وحدَّ حُدُوده وَأمر بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته
(3/7)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا
الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ
وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ
رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (2)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام
وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام
يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم ورضوانا وَإِذا حللتم فاصطادوا
وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام
أَن تَعْتَدوا وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا
على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد
الْعقَاب
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تحلوا شَعَائِر
الله} قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يحجون الْبَيْت الْحَرَام
ويهدون الْهَدَايَا ويعظمون حُرْمَة المشاعر وينحرون فِي حجهم
فَأَرَادَ الْمُسلمُونَ أَن يُغيرُوا عَلَيْهِم فَقَالَ الله
{لَا تحلوا شَعَائِر الله} وَفِي قَوْله {وَلَا الشَّهْر
الْحَرَام} يَعْنِي لاتستحلوا قتالاً فِيهِ {وَلَا آمين
الْبَيْت الْحَرَام} يَعْنِي من توجه قبل الْبَيْت فَكَانَ
(3/7)
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يحجون
الْبَيْت جَمِيعًا فَنهى الله الْمُؤمنِينَ أَن يمنعوا أحدا
يحجّ الْبَيْت أَو يتَعَرَّضُوا لَهُ من مُؤمن أَو كَافِر ثمَّ
أنزل الله بعد هَذَا {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا
يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} التَّوْبَة
الْآيَة 28 وَفِي قَوْله {يَبْتَغُونَ فضلا} يَعْنِي أَنهم
يترضون الله بحجهم {وَلَا يجرمنكم} يَقُول: لايحملنكم {شنآن
قوم} يَقُول: عَدَاوَة قوم {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى}
قَالَ: الْبر
ماأمرت بِهِ {وَالتَّقوى} مانهيت عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: شَعَائِر الله مَا نهى الله عَنهُ أَن تصيبه
وَأَنت محرم وَالْهَدْي مالم يقلدوا القلائد مقلدات الْهَدْي
{وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} يَقُول: من توجه حَاجا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تحلوا
شَعَائِر الله} قَالَ: مَنَاسِك الْحَج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{لَا تحلوا شَعَائِر الله} قَالَ: معالم الله فِي الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن المنذرعن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن
شَعَائِر الْحَج فَقَالَ: حرمات الله اجْتِنَاب سخط الله
وَاتِّبَاع طَاعَته فَذَلِك شَعَائِر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير والنحاس فِي
ناسخه عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي
وَلَا القلائد وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} قَالَ: مَنْسُوخ
كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا خرج من بَيته يُرِيد
الْحَج تقلد من السمر فَلم يعرض لَهُ أحد واذا تقلد بقلادة شعر
لم يعرض لَهُ أحد وَكَانَ الْمُشرك يَوْمئِذٍ لايصد عَن
الْبَيْت فَأمر الله أَن لايقاتل الْمُشْركُونَ فِي الشَّهْر
الْحَرَام ولاعند الْبَيْت ثمَّ نسخهَا قَوْله {فَاقْتُلُوا
الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي الْآيَة قَالَ: نسخ مِنْهَا {آمّين الْبَيْت الْحَرَام}
نسختها الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَالَ {مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن
يعمروا مَسَاجِد الله شَاهِدين على أنفسهم بالْكفْر}
(3/8)
التَّوْبَة الْآيَة 17 وَقَالَ {إِنَّمَا
الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد
عَامهمْ هَذَا} التَّوْبَة الْآيَة 28 وَهُوَ الْعَام الَّذِي
حج فِيهِ أَبُو بكر بالآذان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تحلوا
شَعَائِر الله} الْآيَة
قَالَ: نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: كَانُوا يتقلدون من لحاء
شجر الْحرم يأمنون بذلك إِذا خَرجُوا من الْحرم فَنزلت {لَا
تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي
وَلَا القلائد}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تحلوا
شَعَائِر الله} قَالَ: القلائد
اللحاء فِي رِقَاب النَّاس والبهائم أَمَانًا لَهُم والصفا
والمروة وَالْهَدْي وَالْبدن كل هَذَا من شَعَائِر الله قَالَ
أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا كُله عمل أهل
الْجَاهِلِيَّة فعله وإقامته فَحرم الله ذَلِك كُله
بِالْإِسْلَامِ إِلَّا اللحاء القلائد ترك ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: أما القلائد
فَإِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا ينزعون من لحاء السمر
فيتخذون مِنْهَا قلائد يأمنون بهَا فِي النَّاس فَنهى الله عَن
ذَلِك أَن ينْزع من شجر الْحرم
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَا الشَّهْر
الْحَرَام} قَالَ: هُوَ ذُو الْقعدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية وَأَصْحَابه
حِين صدهم الْمُشْركُونَ عَن الْبَيْت وَقد اشْتَدَّ ذَلِك
عَلَيْهِم فَمر بهم أنَاس من الْمُشْركُونَ من أهل الْمشرق
يُرِيدُونَ الْعمرَة فَقَالَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نصد هَؤُلَاءِ كَمَا صدنَا أَصْحَابنَا فَأنْزل
الله {وَلَا يجرمنكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: أقبل الحطم بن هِنْد
الْبكْرِيّ حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَدَعَاهُ فَقَالَ: إلام تَدْعُو فَأخْبرهُ وَقد كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يدْخل
الْيَوْم عَلَيْكُم رجل من ربيعَة يتَكَلَّم بِلِسَان شَيْطَان
فَلَمَّا أخبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
انْظُرُوا لعَلي أسلم ولي من أشاوره فَخرج من عِنْده فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(3/9)
لقد دخل بِوَجْه كَافِر وَخرج بعقب غادر
فَمر بسرح من سرح الْمَدِينَة فساقه ثمَّ أقبل من عَام قَابل
حَاجا قد قلد وَأهْدى فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَن يبْعَث إِلَيْهِ فَنزلت هَذِه الْآيَة حَتَّى بلغ
{وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} فَقَالَ النَّاس من
أَصْحَابه: يَا رَسُول الله خلِّ بَيْننَا وَبَينه فَإِنَّهُ
صاحبنا
قَالَ: أَنه قد قلد قَالُوا: إِنَّمَا هُوَ شَيْء كُنَّا نصنعه
فِي الْجَاهِلِيَّة فَأبى عَلَيْهِم فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: قدم
الحطم بن هِنْد الْبكْرِيّ الْمَدِينَة فِي عير لَهُ تحمل
طَعَاما فَبَاعَهُ ثمَّ دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَبَايعهُ وَأسلم فَلَمَّا ولى خَارِجا نظر اليه فَقَالَ
لمن عِنْده لقد دخل عليَّ بِوَجْه فَاجر وَولى بقفا غادر
فَلَمَّا قدم الْيَمَامَة ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَخرج فِي
عير لَهُ تحمل الطَّعَام فِي ذِي الْقعدَة يُرِيد مَكَّة
فَلَمَّا سمع بِهِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تهَيَّأ لِلْخُرُوجِ اليه نفر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار
ليقتطعوه فِي عيره فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تحلوا شَعَائِر الله} الْآيَة
فَانْتهى الْقَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا آمين
الْبَيْت الْحَرَام} قَالَ: هَذَا يَوْم الْفَتْح جَاءَ
النَّاس يؤمُّونَ الْبَيْت من الْمُشْركين يهلون بِعُمْرَة
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله إِنَّمَا هَؤُلَاءِ
مشركون فَمثل هَؤُلَاءِ فَلَنْ ندعهم إِلَّا أَن نغير
عَلَيْهِم فَنزل الْقُرْآن {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا آمين
الْبَيْت الْحَرَام يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم ورضواناً}
قَالَ: يَبْتَغُونَ الْأجر وَالتِّجَارَة حرم الله على كل أحد
إخافتهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم
ورضواناً} قَالَ: هِيَ للْمُشْرِكين يَلْتَمِسُونَ فضل الله
ورضواناً نَمَاء يصلح لَهُم دنياهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد قَالَ: خمس آيَات فِي كتاب الله رخصَة وَلَيْسَت
بعزمة {وَإِذا حللتم فاصطادوا} إِن شَاءَ اصطاد وَإِن شَاءَ لم
يصطد {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} الْجُمُعَة الْآيَة
10
{أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} الْبَقَرَة الْآيَة 184
{فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} الْحَج الْآيَة 28
(3/10)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ:
خمس آيَات من كتاب الله رخصَة وَلَيْسَت بعزيمة {فَكُلُوا
مِنْهَا وأطعموا} الْحَج الْآيَة 28 فَمن شَاءَ أكل وَمن شَاءَ
لم يَأْكُل {وَإِذا حللتم فاصطادوا} فَمن شَاءَ فعل وَمن شَاءَ
لم يفعل {وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر} الْبَقَرَة الْآيَة
184 فَمن شَاءَ صَامَ وَمن شَاءَ أفطر {فكاتبوهم إِن علمْتُم}
النُّور الْآيَة 33 إِن شَاءَ كَاتب وَإِن شَاءَ لم يفعل
{فَإِذا قُضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} الْجُمُعَة الْآيَة 10
إِن شَاءَ انْتَشَر وَإِن شَاءَ لم ينتشر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا يجرمنكم
شنآن قوم} قَالَ: لَا يحملنكم بغض قوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَلَا آمين
الْبَيْت الْحَرَام} قَالَ: الَّذين يُرِيدُونَ الْحَج
{يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم} قَالَ: التِّجَارَة فِي الْحَج
{ورضواناً} قَالَ: الْحَج {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم} قَالَ:
عَدَاوَة قوم {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} قَالَ: الْبر
ماأمرت بِهِ وَالتَّقوى
مانهيت عَنهُ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي هَذِه الْآيَة وَالْبُخَارِيّ
فِي تَارِيخه عَن وابصة قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا لَا أُرِيد أَن أدع شَيْئا من الْبر
وَالْإِثْم إِلَّا سَأَلته عَنهُ فَقَالَ لي ياوابصة أخْبرك
عَمَّا جِئْت تسْأَل عَنهُ أم تسْأَل قلت: يَا رَسُول الله
أَخْبرنِي قَالَ: جِئْت لتسأل عَن الْبر والاثم ثمَّ جمع
أَصَابِعه الثَّلَاث فَجعل ينكت بهَا فِي صَدْرِي وَيَقُول:
يَا وابصة استفت قَلْبك استفت نَفسك الْبر: مااطمأن اليه
الْقلب واطمأنت اليه النَّفس وَالْإِثْم: ماحاك فِي الْقلب
وَتردد فِي الصَّدْر وَإِن أَفْتَاك النَّاس وأفتوك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْبر والاثم فَقَالَ ماحاك فِي نَفسك
فَدَعْهُ قَالَ: فَمَا الْإِيمَان قَالَ: من ساءته سيئته وسرته
حسنته فَهُوَ مُؤمن
(3/11)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن
مَسْعُود قَالَ: الْإِثْم حوّاز الْقُلُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الاثم حوّاز
الْقُلُوب فَإِذا حز فِي قلب أحدكُم شَيْء فليدعه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِثْم حوّاز الْقُلُوب وَمَا
من نظرة إِلَّا وللشيطان فِيهَا مطمع
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مامن رجل ينعش لِسَانه حَقًا
يعْمل بِهِ إِلَّا أجْرى عَلَيْهِ أجره إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة ثمَّ بوَّأه الله ثَوَابه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ فِيمَا يُخَاطب ربه عز وَجل: يَا رب أَي عِبَادك أحب
إِلَيْك أحبه بحبك قَالَ: يَا دَاوُد أحب عبَادي إليّ نقي
الْقلب نقي الْكَفَّيْنِ لَا يَأْتِي إِلَى أحد سوءا وَلَا
يمشي بالنميمة تَزُول الْجبَال وَلَا يَزُول أَحبَّنِي وَأحب
من يحبني وحببني إِلَى عبَادي قَالَ: يَا رب إِنَّك لتعلم
إِنِّي أحبك وَأحب من يجبك فَكيف أحببك إِلَى عِبَادك قَالَ:
ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي يَا دَاوُد إِنَّه لَيْسَ من عبد
يعين مَظْلُوما أَو يمشي مَعَه فِي مظلمته إِلَّا أُثَبِّتُ
قَدَمَيْهِ يَوْم تزل الْأَقْدَام
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من رد عَن عرض أَخِيه رد الله عَن وَجهه
النَّار يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعَان على قتل مُؤمن وَلَو بِشَطْر
كلمة لَقِي الله مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم عَن ابْن
عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من
أعَان ظَالِما بباطل ليدحض بِهِ حَقًا فقد برىء من ذمَّة الله
وَرَسُوله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعَان على خُصُومَة بِغَيْر
حق كَانَ فِي سخط الله حَتَّى ينْزع
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أَوْس ابْن شُرَحْبِيل
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَشى
مَعَ ظَالِم ليعينه وهويعلم أَنه ظَالِم فقد خرج من
الْإِسْلَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من
(3/12)
حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله
فقد ضاد الله فِي أمره وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَلَيْسَ
بالدينار وَالدِّرْهَم وَلكنهَا الْحَسَنَات والسيئات وَمن
خَاصم فِي بَاطِل وَهُوَ يُعلمهُ لم يزل فِي سخط الله حَتَّى
ينْزع وَمن قَالَ فِي مُؤمن ماليس فِيهِ أسْكنهُ الله ردغة
الخبال حَتَّى يخرج مِمَّا قَالَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق فسيلة
أَنَّهَا سَمِعت أَبَاهَا وَهُوَ وَاثِلَة بن الْأَسْقَع
يَقُول: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمن
الْمعْصِيَة أَن يحب الرجل قومه قَالَ لَا وَلَكِن من
الْمعْصِيَة أَن يعين الرجل قومه على الظُّلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَشى مَعَ قوم يرى أَنه شَاهد
وَلَيْسَ بِشَاهِد فَهُوَ شَاهد زور وَمن أعَان على خُصُومَة
بِغَيْر علم كَانَ فِي سخط الله حَتَّى ينْزع وقتال الْمُسلم
كفر وسبابه فسوق
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن
بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعَان قوما على ظلم فَهُوَ كالبعير
المتردي فَهُوَ ينْزع بِذَنبِهِ
وَلَفظ الْحَاكِم: مثل الَّذِي يعين قومه على غير الْحق كَمثل
الْبَعِير يتردى فَهُوَ يمد بِذَنبِهِ
(3/13)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ
إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ
تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ
يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ
مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
- قَوْله تَعَالَى: حرمت عَلَيْكُم
الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ
والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع
إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح على النصب وَأَن تستقسموا بالأزلام
ذَلِكُم فسق الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا
تخشوهم واخشون الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت
عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الإِسلام دينا فَمن اضْطر فِي
مَخْمَصَة غير متجانف لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: بَعَثَنِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قومِي أدعوهم إِلَى
الله وَرَسُوله وَأعْرض عَلَيْهِم شَعَائِر الْإِسْلَام
فأتيتهم فَبَيْنَمَا نَحن كَذَلِك إِذْ جاؤوا بقصعة دم
واجتمعوا عَلَيْهَا يأكلونها
(3/13)
قَالُوا: هَلُمَّ يَا صدي فَكل
قلت: وَيحكم
إِنَّمَا أتيتكم من عِنْد من يحرِّم هَذَا عَلَيْكُم وَأنزل
الله عَلَيْهِ
قَالُوا: وماذاك قَالَ: فتلوت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة {حرمت
عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة قَالَ: إِذا
أكل لحم الْخِنْزِير عرضت عَلَيْهِ التَّوْبَة فَإِن تَابَ
وَإِلَّا قتل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا
أهل لغير الله بِهِ} قَالَ: ماأهل للطواغيت بِهِ {والمنخنقة}
قَالَ: الَّتِي تخنق فتموت {والموقوذة} الَّتِي تضرب بالخشبة
فتموت {والمتردية} قَالَ: الَّتِي تتردى من الْجَبَل فتموت
{والنطيحة} قَالَ: الشَّاة الَّتِي تنطح الشَّاة {وَمَا أكل
السَّبع} يَقُول: ماأخذ السَّبع {إِلَّا مَا ذكيتم} يَقُول:
ماذبحتم من ذَلِك وَبِه روح فكلوه {وَمَا ذبح على النصب}
قَالَ: النصب
إنصاب كَانُوا يذبحون ويهلون عَلَيْهَا {وَأَن تستقسموا
بالأزلام} قَالَ: هِيَ القداح كَانُوا يستقسون بهَا فِي
الْأُمُور {ذَلِكُم فسق} يَعْنِي من أكل من ذَلِك كُله فَهُوَ
فسق
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى
{والمنخنقة} قَالَ: كَانَت الْعَرَب تخنق الشَّاة فَإِذا
مَاتَت أكلُوا لَحمهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت امرىء
الْقَيْس وَهُوَ يَقُول: يغط غطيط الْبكر شدّ خناقه ليقتلني
والمرء لَيْسَ بِقِتَال قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
{والموقوذة} قَالَ: الَّتِي تضرب بالخشب حَتَّى تَمُوت
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الشَّاعِر يَقُول: يلوينني دين النَّهَار واقتضي ديني إِذا وقذ
النعاس الرقدا قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {والأنصاب} قَالَ:
الأنصاب
الْحِجَارَة الَّتِي كَانَت الْعَرَب تعبدها من دون الله وتذبح
لَهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يَقُول: فَلَا لعمر الَّذِي مسحت
كعبته وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد قَالَ: أَخْبرنِي عَن
قَوْله {وَإِن تستقسموا بالأزلام} قَالَ: الأزلام
القداح كَانُوا يستقسمون الْأُمُور بهَا مَكْتُوب على أَحدهمَا
أَمرنِي رَبِّي وعَلى الآخر نهاني ربّي
(3/14)
فَإِذا أَرَادوا أمرا أَتَوا بَيت أصنامهم
ثمَّ غطوا على القداح بِثَوْب فَأَيّهمَا خرج عمِلُوا بِهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الحطيئة وَهُوَ يَقُول: لايزجر الطير إِن مرت بِهِ
سنحاً ولايفاض على قدح بأزلام وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن
عدي بن حَاتِم قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أرمي
بالمعراض الصَّيْد فأصيب فَقَالَ: إِذا رميت بالمعراض فخزق
فكله وَإِن أَصَابَهُ بعرضه فَإِنَّمَا هُوَ وقيذ فلاتأكله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرادة
الَّتِي تتردى فِي الْبِئْر والمتردية الَّتِي تتردى من
الْجَبَل
وَأخرج عَن أبي ميسرَة أَنه كَانَ يقْرَأ (والمنطوحة)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (وأكيل
السَّبع)
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: إِذا أدْركْت ذَكَاة
الموقوذة والمتردية والنطيحة وَهِي تحرّك يدا أَو رجلا فَكلهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاتأكل الشريطة فَإِنَّهَا
ذَبِيحَة الشَّيْطَان قَالَ ابْن الْمُبَارك: هِيَ أَن تخرج
الرّوح مِنْهُ بِشَرْط من غير قطع حلقوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَمَا ذبح على النصب} قَالَ: كَانَت حِجَارَة حول
الْكَعْبَة يذبح عَلَيْهَا أهل الْجَاهِلِيَّة ويبدلونها
بحجارة: إِذا شاؤوا أعجب اليهم مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن تستقسموا
بالأزلام} قَالَ: سِهَام الْعَرَب وكعاب فَارس الَّتِي
يتقامرون بهَا
(3/15)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ
{والأزلام} القداح يضْربُونَ بهَا لكل سفر وغزو وتجارة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَإِن
تستقسموا بالأزلام} قَالَ: القداح كَانُوا إِذا أَرَادوا أَن
يخرجُوا فِي سفر جعلُوا قداحاً لِلْخُرُوجِ وللجلوس فَإِن وَقع
الْخُرُوج خَرجُوا وَإِن وَقع الْجُلُوس جَلَسُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَإِن
تستقسموا بالأزلام} قَالَ: حَصى بيض كَانُوا يضْربُونَ بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ:
كَانُوا إِذا أَرَادوا أمرا أَو سفرا يَعْمِدُونَ إِلَى قداح
ثَلَاثَة على وَاحِد مِنْهَا مَكْتُوب أَمرنِي وعَلى الآخر
إنهني ويتركون الآخر محللاً بَينهمَا عَلَيْهِ شَيْء ثمَّ
يجيلونها فَإِن خرج الَّذِي عَلَيْهِ مرني مضوا لأمرهم وَإِن
خرج الَّذِي عَلَيْهِ إنهني كفوا وَإِن خرج الَّذِي لَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْء أعادوها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يلج
الدَّرَجَات العلى من تكهَّن أَو استقسم أَو رَجَعَ من سفر
تطيراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ} قَالَ: يئسوا
أَن ترجعوا إِلَى دينهم أبدا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ} يَقُول: يئس
أهل مَكَّة أَن ترجعوا إِلَى دينهم عبَادَة الاوثان أبدا
{فَلَا تخشوهم} فِي اتِّبَاع مُحَمَّد {واخشوني} فِي عبَادَة
الْأَوْثَان وَتَكْذيب مُحَمَّد فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا
بِعَرَفَات نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل وَهُوَ رَافع يَده والمسلمون
يدعونَ الله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} يَقُول: حلالكم
وحرامكم فَلم ينزل بعد هَذَا حَلَال ولاحرام {وَأَتْمَمْت
عَلَيْكُم نعمتي} قَالَ: منتي فَلم يحجّ مَعكُمْ مُشْرك
{ورضيت} يَقُول: واخترت {لكم الْإِسْلَام دينا} مكث رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة إِحْدَى
وَثَمَانِينَ يَوْمًا ثمَّ قَبضه الله إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الْيَوْم يئس
الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم واخشون الْيَوْم أكملت
لكم دينكُمْ} قَالَ: هَذَا حِين فعلت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَلَا تخشوهم
واخشون} قَالَ: فَلَا تخشوهم ان يظهروا عَلَيْكُم
وَأخرج مُسلم عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبده المصلون فِي
جَزِيرَة الْعَرَب وَلَكِن فِي التحريش بَينهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن
الشَّيْطَان قد أيس أَن يعبد بأرضكم هَذِه وَلكنه رَاض مِنْكُم
بِمَا تحقرون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن تعبد
الْأَصْنَام بِأَرْض الْعَرَب وَلَكِن سيرضى مِنْكُم بِدُونِ
ذَلِك بالمحقرات وَهِي
(3/16)
الموبقات يَوْم الْقِيَامَة فَاتَّقُوا
الْمَظَالِم مااستطعتم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أخبر
الله نبيه وَالْمُؤمنِينَ أَنه قد أكمل لَهُم الْإِيمَان فَلَا
تحتاجون إِلَى زِيَادَة أبدا وَقد أتمه فَلَا ينقص أبدا وَقد
رضيه فلايسخطه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
قَالَ: أخْلص الله لَهُم دينهم وَنفى الْمُشْركين عَن الْبَيْت
قَالَ: وبلغنا أَنَّهَا أنزلت يَوْم عَرَفَة ووافقت يَوْم
جُمُعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم
دينكُمْ} قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة
حِين نفى الله الْمُشْركين عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وأخلص
للْمُسلمين حجهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ الْمُشْركُونَ والمسلمون يحجون جَمِيعًا فَلَمَّا نزلت
بَرَاءَة فنفي الْمُشْركُونَ عَن الْبَيْت الْحَرَام وَحج
الْمُسلمُونَ لايشاركهم فِي الْبَيْت الْحَرَام أحد من
الْمُشْركين فَكَانَ ذَلِك من تَمام النِّعْمَة وَهُوَ قَوْله
{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله
{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} قَالَ: تَمام الْحَج وَنفي
الْمُشْركين عَن الْبَيْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت
هَذِه الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَات وَقد أطاف
بِهِ النَّاس وتهدمت منار الْجَاهِلِيَّة ومناسكهم واضمحل
الشّرك وَلم يطف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلم يحجّ مَعَه فِي
ذَلِك الْعَام مُشْرك فَأنْزل الله {الْيَوْم أكملت لكم
دينكُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزل على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة وَهُوَ بِعَرَفَة {الْيَوْم
أكملت لكم دينكُمْ} وَكَانَ إِذا أَعْجَبته آيَات جَعلهنَّ صدر
السُّورَة قَالَ: وَكَانَ جِبْرِيل يعلم كَيفَ ينْسك
وَأخرج الْحميدِي وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن طَارق بن شهَاب
قَالَ قَالَت الْيَهُود لعمر: إِنَّكُم تقرأون آيَة فِي
كتابكُمْ لَو علينا معشر الْيَهُود نزلت لاتّخذنا ذَلِك
الْيَوْم عيداً
قَالَ: وَأي آيَة قَالُوا {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ
وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي}
(3/17)
قَالَ عمر: وَالله إِنِّي لأعْلم الْيَوْم
الَّذِي نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ
والساعة الَّتِي نزلت فِيهَا نزلت على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد عَن
أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانُوا عِنْد عمر فَذكرُوا هَذِه
الْآيَة فَقَالَ رجل من أهل الْكتاب: لَو علمنَا أَي يَوْم
نزلت هَذِه الْآيَة لاتخذناه عيداً
فَقَالَ عمر: الْحَمد لله الَّذِي جعله لنا عيداً وَالْيَوْم
الثَّانِي نزلت يَوْم عَرَفَة وَالْيَوْم الثَّانِي يَوْم
النَّحْر فأكمل لنا الْأَمر فَعلمنَا أَن الْأَمر بعد ذَلِك
فِي انتقاص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عنترة قَالَ: لما نزلت
{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَذَلِكَ يَوْم الْحَج
الْأَكْبَر بَكَى عمر فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مايبكيك قَالَ: أبكاني أَنا كُنَّا فِي زِيَادَة من
ديننَا فَأَما إِذْ كمل فَإِنَّهُ يكمل شَيْء قطّ إِلَّا نقص
فَقَالَ: صدقت
وَأخرج ابْن جرير عَن قبيصَة بن أبي ذُؤَيْب قَالَ: قَالَ
كَعْب: لَو أَن غير هَذِه الْأمة نزلت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة
لنظروا الْيَوْم الَّذِي أنزلت فِيهِ عَلَيْهِم فاتخذوه عيداً
يَجْتَمعُونَ فِيهِ فَقَالَ عمر: وَأي آيَة ياكعب فَقَالَ
{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} فَقَالَ عمر: لقد علمت الْيَوْم
الَّذِي أنزلت وَالْمَكَان الَّذِي نزلت فِيهِ نزلت فِي يَوْم
جُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة وَكِلَاهُمَا بِحَمْد الله لنا عيد
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل
عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {الْيَوْم أكملت
لكم دينكُمْ} فَقَالَ يَهُودِيّ: لَو نزلت هَذِه الْآيَة علينا
لاتخذنا يَوْمهَا عيداً
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهَا نزلت فِي يَوْم عيدين
اثْنَيْنِ: فِي يَوْم جُمُعَة يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِيسَى بن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا فِي الدِّيوَان فَقَالَ لنا نَصْرَانِيّ:
ياأهل الْإِسْلَام لقد أنزلت عَلَيْكُم آيَة لَو أنزلت علينا
لاتخذنا ذَلِك الْيَوْم وَتلك السَّاعَة عيدا مابقى منا
اثْنَان {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} فَلم يجبهُ أحد منا
فَلَقِيت مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَسَأَلته عَن ذَلِك
فَقَالَ: ألارددتم عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب:
أنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف على
الْجَبَل يَوْم عَرَفَة فلايزال ذَلِك الْيَوْم عيد للْمُسلمين
مابقي مِنْهُم أحد
وَأخرج ابْن جرير عَن دَاوُد قَالَ: قلت لعامر الشّعبِيّ ان
الْيَهُود تَقول كَيفَ لم
(3/18)
تحفظ الْعَرَب هَذَا الْيَوْم الَّذِي أكمل
الله لَهَا دينهَا فِيهِ فَقَالَ عَامر: أَو مَا حفظته
قلت لَهُ: فَأَي يَوْم هُوَ قَالَ: يَوْم عَرَفَة أنزل الله
فِي يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: أنزلت
هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
قَائِم عَشِيَّة عَرَفَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن قيس السكونِي
أَنه سمع مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان على الْمِنْبَر ينْزع
بِهَذِهِ الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} حَتَّى خَتمهَا
فَقَالَ: نزلت فِي يَوْم عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
سَمُرَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم
دينكُمْ} على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
بِعَرَفَة وَاقِف يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ بِعَرَفَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ولد
نَبِيكُم يَوْم الِاثْنَيْنِ ونبأ يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخرج من
مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدخل الْمَدِينَة يَوْم
الِاثْنَيْنِ وَفتح مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وأنزلت سُورَة
الْمَائِدَة يَوْم الِاثْنَيْنِ {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ لما نصب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عليا يَوْم غَدِير خم فَنَادَى لَهُ
بِالْولَايَةِ هَبَط جِبْرِيل عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة
{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد
ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم غَدِير خم
وَهُوَ يَوْم ثَمَانِي عشر من ذِي الْحجَّة قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ
فَأنْزل الله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم
دينكُمْ} قَالَ: هَذَا نزل يَوْم عَرَفَة فَلم ينزل بعْدهَا
حرَام ولاحلال وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَمَاتَ فَقَالَت أَسمَاء بنت عُمَيْس: حججْت مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحجَّة فَبَيْنَمَا نَحن
نسير إِذْ تجلى لَهُ جِبْرِيل على الرَّاحِلَة فَلم تطق
الرَّاحِلَة من ثقل ماعليها من الْقُرْآن فبركت فَأَتَيْته
فسجيت عَلَيْهِ بردا كَانَ عليّ
(3/19)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ مكث
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مانزلت هَذِه الْآيَة
احدى وَثَمَانِينَ لَيْلَة قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم
دينكُمْ}
أما قَوْله تَعَالَى: {ورضيت لكم الإِسلام دينا} أخرج ابْن
جرير عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَنه يمثل لأهل كل دين دينهم
يَوْم الْقِيَامَة فَأَما الْإِيمَان فيبشر أَصْحَابه وَأَهله
ويعدهم إِلَى الْخَيْر حَتَّى يَجِيء الْإِسْلَام فَيَقُول: رب
أَنْت السَّلَام وَأَنا الْإِسْلَام فَيَقُول: إياك الْيَوْم
أقبل وَبِك الْيَوْم أجزي
وَأخرج أَحْمد عَن عَلْقَمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ:
حَدثنِي رجل قَالَ: كنت فِي مجْلِس عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر
لرجل من الْقَوْم: كَيفَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ينعَت الْإِسْلَام قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الْإِسْلَام بَدَأَ جذعاً ثمَّ
ثنياً ثمَّ رباعياً ثمَّ سدسياً ثمَّ بازلاً
قَالَ عمر: فَمَا بعد البزول إِلَّا النُّقْصَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن اضْطر} يَعْنِي إِلَى ماحرم مِمَّا
سمي فِي صدر هَذِه السُّورَة {فِي مَخْمَصَة} يَعْنِي مجاعَة
{غير متجانف لإثم} يَقُول: غير معتدٍ لإثم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فِي مَخْمَصَة}
قَالَ: فِي مجاعَة وحهد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: تبيتون فِي المشتى ملاء بطونكم
وجاراتكم غرتي يبتن خمائصا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن
حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير
متجانف لإثم} قَالَ: فِي مجاعَة غير متعرض لإثم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: رخص
للْمُضْطَر إِذا كَانَ غير متعمد لإثم أَن يَأْكُلهُ من جهد
فَمن بغى أَو عدا أَو خرج فِي مَعْصِيّة الله فَإِنَّهُ محرم
عَلَيْهِ أَن يَأْكُلهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ
أَنهم قَالُوا يارسول الله إِنَّا بِأَرْض تصيبنا بهَا المخمصة
فَمَتَى تحل لنا الْميتَة قَالَ: إِذا لم تصطبحوا وَلم تغتبقوا
وَلم تحتفئوا بقلاً فشأنكم بهَا
(3/20)
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد عَن الفجيع
العامري
أَنه قَالَ يارسول الله مايحل لنا من الْميتَة فَقَالَ:
ماطعامكم قُلْنَا: نغتبق ونصطبح
قَالَ عقبَة: قدح غدْوَة وقدح عَشِيَّة
قَالَ: ذَاك
وأبى الْجُوع وَأحل لَهُم الْميتَة على هَذِه الْحَال وَأخرج
الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا رويت أهلك من اللَّبن غبوقا
فاجتنب مانهى الله عَنهُ من ميتَة
(3/21)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا
أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ
مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)
- قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك مَاذَا
أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من
الْجَوَارِح مكلبين تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله فَكُلُوا
مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ
وَاتَّقوا الله إِن الله سريع الْحساب
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن أبي رَافع قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَأذن لَهُ
فَأَبْطَأَ فَأخذ رِدَاءَهُ فَخرج فَقَالَ: قد أذنا لَك قَالَ:
أجل وَلَكنَّا لاندخل بَيْتا فِيهِ كلب ولاصورة فنظروا فَإِذا
فِي بعض بُيُوتهم جرو
قَالَ أَبُو رَافع: فَأمرنِي أَن أقتل كل كلب بِالْمَدِينَةِ
فَفعلت وجاءالناس فَقَالُوا: يارسول الله مَاذَا يحل لنا من
هَذِه الْأمة الَّتِي أمرت بقتلها فَسكت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم
قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين}
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أرسل الرجل
كَلْبه وَذكر اسْم الله فَأمْسك عَلَيْهِ فَليَأْكُل مالم
يَأْكُل
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع فِي قتل
الْكلاب فَقتل حَتَّى بلغ العوالي فَدخل عَاصِم بن عدي وَسعد
بن خَيْثَمَة وعويم بن سَاعِدَة فَقَالُوا: مَاذَا أحل لنا
يارسول الله فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ لما
أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل الْكلاب قَالُوا:
يارسول الله مَاذَا أحل لنا من هَذِه الْأمة فَنزلت
{يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير أَن عدي بن حَاتِم
وَزيد بن المهلهل
(3/21)
الطائيين سَأَلَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا: يارسول الله قد حرم اللخ الْميتَة
فَمَاذَا يحل لنا فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل
أحل لكم الطَّيِّبَات}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَامر
أَن عدي بن حَاتِم الطَّائِي أَتَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن صيد الْكلاب فَلم يدر مايقول
لَهُ حَتَّى أنزل الله عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة فِي الْمَائِدَة
{تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن رعوة بن الزبير عَمَّن حَدثهُ أَن رجلا
من الْأَعْرَاب أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يستفتيه فِي الَّذِي حرم الله عَلَيْهِ وَالَّذِي أحل لَهُ
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحل لَك
الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْك الْخَبَائِث إِلَّا ان تفتقرالى
طَعَام لَك فتأكل مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنهُ
فَقَالَ الرجل: ومافقري الَّذِي يحل لي وَمَا غناي الَّذِي
يغنيني عَن ذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ من لُحُوم ماشيتك إِلَى نتاجك أَو
كنت ترجو غنى تطلبه فتبلغ من ذَلِك شَيْئا فاطعم أهلك مابدا
لَك حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنهُ
فَقَالَ الْأَعرَابِي: ماغناي الَّذِي أَدَعهُ إِذا وجدته
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أرويت أهلك
غبوقاً من اللَّيْل فاجتنب ماحرم الله عَلَيْك من طَعَام وَأما
مَالك فَإِنَّهُ ميسور كُله لَيْسَ فِيهِ حرَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن صَفْوَان بن أُميَّة أَن عرفطة بن
نهيك التَّمِيمِي قَالَ: يارسول الله إِنِّي وَأهل بَيْتِي
يرْزقُونَ من هَذَا الصَّيْد وَلنَا فِيهِ قسم وبركة وَهُوَ
مشغلة عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فِي جمَاعَة وبنا اليه
حَاجَة أفتحله أم أحرمهُ قَالَ: أحله لِأَن الله قد أحله نعم
الْعَمَل وَالله أولى بالعذر قد كَانَت قبلي لله رسل كلهم
يصطادون وَيطْلبُونَ الصَّيْد وَيَكْفِيك من الصَّلَاة فِي
جمَاعَة إِذا غبت غبت عَنْهَا فِي طلب الرزق حبك الْجَمَاعَة
وَأَهْلهَا وحبك ذكر الله وَأَهله وابتغ على نَفسك وَعِيَالك
حَلَالا فَإِن فِي ذَلِك جِهَاد فِي سَبِيل الله وَاعْلَم أَن
عون الله فِي صَالح التُّجَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا
علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} قَالَ: هِيَ الْكلاب المعلمة
والبازي يعلم الصَّيْد والجوارح يَعْنِي: الْكلاب والفهود
والصقور وأشباهها والمكلبين الضوراي {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن
عَلَيْكُم} يَقُول: كلوا مِمَّا قتلن فَإِن قتل وَأكل فَلَا
تَأْكُل {واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} يَقُول: إِذا أرْسلت
جوارحك فَقل بِسم الله وَإِن نسيت فَلَا حرج
(3/22)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {من الْجَوَارِح مكلبين} قَالَ: الطير
وَالْكلاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من الْجَوَارِح
مكلبين} قَالَ: يكالبن الصَّيْد {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن
عَلَيْكُم} قَالَ: إِذا أرْسلت كلبك أَو طائرك أَو سهمك فَذكرت
اسْم الله فَأمْسك أَو قتل فَكل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: فِي الْمُسلم
يَأْخُذ كلب الْمَجُوسِيّ الْمعلم أَو بازه أَو صقره مِمَّا
علمه الْمَجُوسِيّ فيرسله فَيَأْخذهُ
قَالَ: لايأكله وَإِن سميت لِأَنَّهُ من تَعْلِيم الْمَجُوسِيّ
وَإِنَّمَا قَالَ {تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمَا علمْتُم من
الْجَوَارِح} قَالَ: كُلّ مَا {تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله}
قَالَ: تعلمونهن من الطّلب كَمَا علمكُم الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا الْمعلم من
الْكلاب أَن يمسك صَيْده فلايأكل كل مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيهِ
صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أكل الْكَلْب
فلاتأكل فَإِنَّمَا أمسك على نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: سَأَلت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صيد الْبَازِي
قَالَ: ماأمسك عَلَيْك فَكل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ قلت:
يارسول الله إِنِّي أرسل الْكلاب المعلمة وَاذْكُر اسْم الله
فَقَالَ: إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله فَكل
ماأمسكن عَلَيْك
قلت: وَإِن قتلن قَالَ: وَإِن قتلن مَا لم يشركها كلب لَيْسَ
مِنْهَا فَإنَّك إِنَّمَا سميت على كلبك وَلم تسمِّ على غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قلت يارسول
الله إِنَّا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فَمَا يحل لنا مِنْهَا
قَالَ: يحل لكم {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين تعلمونهن
مِمَّا علمكُم الله فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم
واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} ثمَّ قَالَ: مَا أرْسلت من كلب
وَذكرت اسْم الله فَكل مَا أمسك عَلَيْك
قلت: وَإِن قتل قَالَ: وَإِن قتل مالم يَأْكُل هُوَ الَّذِي
أمسك
قلت: إِنَّا قوم نرمي فَمَا يحل لنا قَالَ: ماذكرت اسْم الله
وخزقت فَكل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن الحكم أَن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَ ابْن عَبَّاس
(3/23)
فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذا أرْسلت كَلْبِي
وَسميت فَقتل الصَّيْد آكله قَالَ: نعم
قَالَ نَافِع: يَقُول الله {إِلَّا مَا ذكيتم} تَقول أَنْت:
وَإِن قتل قَالَ: وَيحك ياابن الْأَزْرَق
أَرَأَيْت لَو أمسك على سنور فأدركت ذَكَاته أَكَانَ يكون على
يأس وَالله إِنِّي لأعْلم فِي أَي كلاب نزلت: فِي كلاب نَبهَان
من طي وَيحك ياابن الْأَزْرَق
لَيَكُونن لَك نبأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ماأمسك عَلَيْك الَّذِي لَيْسَ بمكلب
فأدركت ذَكَاته فَكل وَإِن لم تدْرك ذَكَاته فَلَا تَأْكُل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أكل الْكَلْب
فَلَا تَأْكُل وَإِذا أكل الصَّقْر فَكل لِأَن الْكَلْب
تَسْتَطِيع أَن تضربه والصقر لاتستطيع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُرْوَة أَنه سُئِلَ عَن الْغُرَاب
أَمن الطَّيِّبَات هُوَ قَالَ: من أَيْن يكون من الطَّيِّبَات
وَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسِقًا
(3/24)
الْيَوْمَ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا
مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
- قَوْله تَعَالَى: الْيَوْم أحل لكم
الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم
حل لَهُم وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من
الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورهنَّ محصنين غير مسافحين وَلَا متخذي أخدان وَمن يكفر
بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: ذَبَائِحهم
وَفِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من
قبلكُمْ} قَالَ: حل لكم {إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ}
يَعْنِي مهورهن {محصنين} يَعْنِي تنكحوهن بِالْمهْرِ
وَالْبَيِّنَة {غير مسافحين} غير معلنين بِالزِّنَا {وَلَا
متخذات أخدان} يَعْنِي يسررن بِالزِّنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَطَعَام الَّذين
أُوتُوا الْكتاب حل لكم} قَالَ: ذبيحتهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله
{وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: ذَبَائِحهم
(3/24)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من
الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: أحل الله لنا
محصنتين: مُحصنَة مُؤمنَة ومحصنة من أهل الْكتاب نساؤنا
عَلَيْهِم حرَام وَنِسَاؤُهُمْ لنا حَلَال
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتزوج نسَاء أهل الْكتاب
ولايتزوجون نِسَاءَنَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن عمر بن الْخطاب قَالَ:
الْمُسلم يتَزَوَّج النَّصْرَانِيَّة ولايتزوج النَّصْرَانِي
الْمسلمَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: أحل لنا
طعامهم وَنِسَاؤُهُمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِنَّمَا أحلّت ذَبَائِح الْيَهُود وَالنَّصَارَى من
أجل أَنهم آمنُوا بِالتَّوْرَاةِ والإِنجيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ:
من الْحَرَائِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات
من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: من العفائف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله
{وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ:
الَّتِي أحصنت فرجهَا وَاغْتَسَلت من الْجَنَابَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله
أَنه سُئِلَ عَن نِكَاح الْمُسلم الْيَهُودِيَّة والنصرانية
فَقَالَ: تزوجناهن زمن الْفَتْح وَنحن لانكاد نجد المسلمات
كثيرا فَلَمَّا رَجعْنَا طلقناهن
قَالَ: ونساؤهن لنا حل وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِم حرَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: سَأَلت
ابْن عمر عَن نسَاء أهل الْكتاب فَتلا عليّ هَذِه الْآيَة
{وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من الَّذين
أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ}
{وَلَا تنْكِحُوا المشركات} الْبَقَرَة الْآيَة 221
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن
أَنه سُئِلَ: أيتزوج الرجل الْمَرْأَة من أهل الْكتاب قَالَ:
مَاله وَلأَهل الْكتاب وَقد أَكثر الله المسلمات فَإِن كَانَ
لابد فَاعِلا فليعهد إِلَيْهَا حصاناً غير مسافحة
قَالَ الرجل: وَمَا المسافحة قَالَ: هِيَ الَّتِي إِذا ألمح
اليها الرجل بِعَيْنِه تَبعته
(3/25)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {وَلَا متخذي أخدان} قَالَ: ذُو الخدن والخلية
الْوَاحِدَة
قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا قَالُوا: كَيفَ نتزوج نِسَاءَهُمْ
وهم على دين وَنحن على دين فَأنْزل الله {وَمن يكفر
بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} قَالَ: لاوالله لايقبل الله عملا
إِلَّا بِالْإِيمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} قَالَ:
أخبرالله أَن الْإِيمَان هُوَ العروة الوثقى وَأَنه لايقبل
عملا إِلَّا بِهِ ولايحرم الْجنَّة إِلَّا على من تَركه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نهى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْنَاف النِّسَاء الاماكان من
الْمُؤْمِنَات الْمُهَاجِرَات وَحرم كل ذَات دين غير
الْإِسْلَام قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد
حَبط عمله}
(3/26)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(6)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها الَّذين آمنُوا
إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم
وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا وَإِن كُنْتُم مرضى
أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم
النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا
فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مايريد الله ليجعل
عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته
عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد
ضَعِيف عَن عَلْقَمَة بن صَفْوَان قَالَ: كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أراق الْبَوْل نكلمه فَلَا
يُكَلِّمنَا ونسلم عَلَيْهِ فَلَا يرد علينا حَتَّى يَأْتِي
أَهله فيتوضأ كوضوئه للصَّلَاة فَقُلْنَا: يارسول الله نكلمك
فَلَا تكلمنا ونسلم عَلَيْك فَلَا ترد علينا حَتَّى نزلت آيَة
الرُّخْصَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى
الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
عَن بُرَيْدَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يتَوَضَّأ عِنْد كل صَلَاة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح
تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَصلى الصَّلَوَات بِوضُوء وَاحِد
فَقَالَ لَهُ عمر: يارسول الله إِنَّك فعلت شَيْئا لم تكن
تَفْعَلهُ قَالَ: إِنِّي عمدا فعلت ياعمر
(3/26)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الْخَلَاء
فَقدم إِلَيْهِ طَعَام فَقَالُوا: أَلا نَأْتِيك بِوضُوء
فَقَالَ: إِنَّمَا أمرت بِالْوضُوءِ إِذا قُمْت إِلَى
الصَّلَاة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة
وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن
حَنْظَلَة بن الغسيل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَمر بِالْوضُوءِ لكل صَلَاة طَاهِرا كَانَ أوغير طَاهِر
فَلَمَّا شقّ ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَمر بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة وَوضع عَنهُ الْوضُوء
إِلَّا من حدث
وَأخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن عَليّ أَنه كَانَ
يتَوَضَّأ عِنْد كل صَلَاة وَيقْرَأ {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن رِفَاعَة بن رَافع
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمسيء صلَاته:
إِنَّهَا لاتتم صَلَاة أحدكُم حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره
الله يغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ
وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم والنحاس أَن معنى هَذِه الْآيَة
{إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة
إِن ذَلِك إِذا قُمْتُم من الْمضَاجِع يَعْنِي النّوم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} يَقُول: قُمْتُم
وَأَنْتُم على غير طهر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي قَوْله {فَاغْسِلُوا
وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} قَالَ: ذَلِك الْغسْل الدَّلْك
وَأخرج الدَّارقطني وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا عَن جَابر
بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا تَوَضَّأ أدَار المَاء على مرفقيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَلْحَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ
رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمسح
رَأسه هَكَذَا وأمرَّ حَفْص بيدَيْهِ على رَأسه حَتَّى مسح
قَفاهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمسح بناصيته وعَلى
الْعِمَامَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
(3/27)
وَابْن أبي حَاتِم والنحاس عَن ابْن
عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا (وأرجلكم) بِالنّصب يَقُول رجعت إِلَى
الْغسْل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن عَليّ أَنه قَرَأَ (وأرجلكم) قَالَ: عَاد إِلَى الْغسْل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
والنحاس عَن ابْن مَسْعُود
أَنه قَرَأَ (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بِالنّصب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة
أَنه كَانَ يقْرَأ (وأرجلكم) يَقُول: رَجَعَ الْأَمر إِلَى
الْغسْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة أَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: رَجَعَ قَوْله إِلَى غسل الْقَدَمَيْنِ فِي
قَوْله {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَرَأَ الْحسن
وَالْحُسَيْن {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فَسمع عَليّ ذَلِك
وَكَانَ يقْضِي بَين النَّاس فَقَالَ: أَرْجُلكُم هَذَا من
الْمُقدم والمؤخر فِي الْكَلَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أنس أَنه قَرَأَ (وأرجلكم)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم} قَالَ: هُوَ الْمسْح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: أَبى النَّاس إِلَّا الْغسْل وَلَا أجد فِي
كتاب الله إِلَّا الْمسْح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الْوضُوء غسلتان ومسحتان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
افْترض الله غسلتين ومسحتين ألاترى أَنه ذكر التَّيَمُّم فَجعل
مَكَان الغسلتين مسحتين وَترك المسحتين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أنس
أَنه قيل لَهُ: إِن الْحجَّاج خَطَبنَا فَقَالَ: اغسلوا
وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم وَأَنه
لَيْسَ شَيْء من ابْن آدم أقرب إِلَى الْخبث من قَدَمَيْهِ
فَاغْسِلُوا بطونهما وَظُهُورهمَا
(3/28)
وعراقيبهما
فَقَالَ أنس: صدق الله وَكذب الْحجَّاج
قَالَ الله {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} وَكَانَ أنس إِذا مسح
قَدَمَيْهِ بلهما
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزل جِبْرِيل بِالْمَسْحِ على
الْقَدَمَيْنِ أَلا ترى أَن التَّيَمُّم أَن يمسح ماكان غسلا
ويلقى ماكان مسحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش والنحاس عَن الشّعبِيّ
قَالَ: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ وَجَرت السُّنة بِالْغسْلِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانُوا يقرؤونها
{برؤوسكم وأرجلكم} بالخفض وَكَانُوا يغسلون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى
قَالَ: اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على غسل الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الحكم قَالَ: مَضَت السّنة من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين بِغسْل
الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: لم أرَ أحدا يمسح
الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ
وَالسّنة بِالْغسْلِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الْبَراء بن عَازِب
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يمسح على
الْخُفَّيْنِ قبل نزُول الْمَائِدَة وَبعدهَا حَتَّى قَبضه
الله عزوجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أَنه قَالَ: ذكر
الْمسْح على الْقَدَمَيْنِ عِنْد عمر وَسعد وَعبد الله بن عمر
فَقَالَ: عمر: سعد أفقه مِنْك
فَقَالَ عمر ياسعد انا لاننكر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مسح وَلَكِن هَل مسح مُنْذُ أنزلت سُورَة
الْمَائِدَة فَإِنَّهَا أحكمت كل شَيْء وَكَانَت آخر سُورَة
نزلت من الْقُرْآن إِلَّا بَرَاءَة قَالَ: فَلم يتَكَلَّم أحد
وَأخرج أَبُو الْحسن بن صَخْر فِي الهاشميات بِسَنَد ضَعِيف
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزل بهَا جِبْرِيل على ابْن عمي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة
فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم} قَالَ لَهُ: اجْعَلْهَا بَينهمَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
عَن جرير أَنه بَال ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح على
(3/29)
الْخُفَّيْنِ قَالَ: مايمنعني أَن أَمسَح
وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح
قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك قبل نزُول الْمَائِدَة
قَالَ: ماأسلمت إلابعد نزُول الْمَائِدَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الله
قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول
الْمَائِدَة فرأيته يمسح على الْخُفَّيْنِ
وَأخرج ابْن عدي عَن بِلَال قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: امسحوا على الْخُفَّيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْقَاسِم بن الْفضل الْحدانِي قَالَ:
قَالَ أَبُو جَعْفَر: من الْكَعْبَيْنِ فَقَالَ الْقَوْم:
هَهُنَا فَقَالَ: هَذَا رَأس السَّاق وَلَكِن الْكَعْبَيْنِ
هما عِنْد الْمفصل
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم جنبا
فاطهروا} يَقُول: فاغتسلوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ رجل جيد الثِّيَاب طيب
الرّيح حسن الْوَجْه فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يارسول الله
فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام
قَالَ أدنو مِنْك قَالَ: نعم
فَدَنَا حَتَّى ألصق ركبته بركبة رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: يارسول الله ماالاسلام قَالَ: تقيم
الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج إِلَى بَيت
الله الْحَرَام وتغتسل من الْجَنَابَة قَالَ: صدقت
فَقُلْنَا: مارأينا كَالْيَوْمِ قطّ رجلا - وَالله - لكأنه
يعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب الذمارِي قَالَ: مَكْتُوب فِي
الزبُور من اغْتسل من الْجَنَابَة فَإِنَّهُ عَبدِي حَقًا وَمن
لم يغْتَسل من الْجَنَابَة فَإِنَّهُ عدوي حَقًا
أما قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم مرضى} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: احْتَلَمَ رجل على عهد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مجذوم فغسلوه
فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله ضيعوه ضيعهم الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يطوف بِالْبَيْتِ بَعْدَمَا ذهب بَصَره وَسمع قوما
يذكرُونَ المجامعة وَالْمُلَامَسَة والرفث ولايدرون مَعْنَاهُ
وَاحِد أم شَتَّى فَقَالَ: الله أنزل الْقُرْآن بلغَة كل حَيّ
من أَحيَاء الْعَرَب فَمَا كَانَ مِنْهُ
(3/30)
لايستحي النَّاس من ذكره فقد عناه وَمَا
كَانَ مِنْهُ يستحي النَّاس فقد كناه وَالْعرب يعْرفُونَ
مَعْنَاهُ لِأَن المجامعة وَالْمُلَامَسَة والرفث وَوضع أصبعيه
فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَلا هُوَ النيك
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} قَالَ: أَو جامعتم النِّسَاء
وهذيل تَقول اللَّمْس بِالْيَدِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد
بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: يلمس الاحلاس فِي منزله بيدَيْهِ
كاليهودي المصل وَقَالَ الْأَعْشَى: ودارعة صفراء بالطيب
عندنَا للمس الندى مَا فِي يَد الدرْع منتق وَأخرج عبد بن حميد
عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} قَالَ: إِن أعياك المَاء
فلايعييك الصَّعِيد أَن تضع فِيهِ كفيك ثمَّ تنفضهما فتمسح
بهما يَديك ووجهك لاتعدو ذَلِك لغسل جَنَابَة وَلَا لوضوء
صَلَاة وَمن تيَمّم بالصعيد فصلى ثمَّ قدر على المَاء
فَعَلَيهِ الْغسْل وَقد مَضَت صلَاته الَّتِي كَانَ صلاهَا
وَمن كَانَ مَعَه مَاء قَلِيل وخشي على نَفسه الظمأ فليتيمم
الصَّعِيد ويتبلغ بمائه فَإِنَّهُ كَانَ يُؤمر بذلك وَالله
أعذر بالعذر
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة
قَالَت: سَقَطت قلادة لي بِالْبَيْدَاءِ وَنحن داخلون
الْمَدِينَة فَأَنَاخَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وثنى رَأسه فِي حجري رَاقِدًا وَأَقْبل أَبُو بكر فلكزني لكزة
شَدِيدَة وَقَالَ: حبست النَّاس فِي قلادة فَبِي الْمَوْت
لمَكَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أوجعني ثمَّ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَيْقَظَ وَحَضَرت
الصُّبْح فالتمس المَاء فَلم يُوجد فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم}
الْآيَة
فَقَالَ أسيد بن الْحضير: لقد بَارك الله فِيكُم ياآل أبي بكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن مَاجَه عَن
عمار بن يَاسر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرس
باولات الْجَيْش وَمَعَهُ عَائِشَة فَانْقَطع عقد لَهَا من جزع
ظفار فَجَلَسَ ابْتِغَاء عقدهَا ذَلِك حَتَّى أَضَاء الْفجْر
وَلَيْسَ مَعَ النَّاس مَاء فَأنْزل الله على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رخصَة الطُّهْر بالصعيد الطّيب فَقَامَ
الْمُسلمُونَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَضربُوا بِأَيْدِيهِم إِلَى المناكب من بطُون أَيْديهم إِلَى
الابط
(3/31)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {من حرج} قَالَ: من ضيق
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا تَوَضَّأ
العَبْد الْمُسلم فَغسل وَجهه خرج من وَجهه كل خَطِيئَة بطشتها
يَدَاهُ مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قطر المَاء حَتَّى يخرج
نقياً من الذُّنُوب
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ عَن عبد الله بن دارة عَن حمْرَان مولى عُثْمَان عَن
عُثْمَان بن عَفَّان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: ماتوضأ عبد فأسبغ وضوءه ثمَّ قَامَ إِلَى
الصَّلَاة إِلَّا غفر لَهُ مابينه وَبَين الصَّلَاة الْأُخْرَى
قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: وَكنت إِذا سَمِعت
الحَدِيث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم التمسته فِي الْقُرْآن فَالْتمست هَذَا فَوَجَدته
{إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من
ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك} الْبَقَرَة
الْآيَة 221 فَعرفت أَن الله لم يتم عَلَيْهِ النِّعْمَة
حَتَّى غفر لَهُ ذنُوبه ثمَّ قَرَأت الْآيَة الَّتِي فِي
سُورَة الْمَائِدَة {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا
وُجُوهكُم} حَتَّى بلغ {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته
عَلَيْكُم} فَعرفت أَن الله لم يتم النِّعْمَة عَلَيْهِم
حَتَّى غفر لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ الرجل الْمُسلم
خرجت ذنُوبه من سَمعه وبصره وَيَديه وَرجلَيْهِ فَإِن جاس جلس
مغفوراً لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن أبي
أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا تمضمض أحدكُم حط ماأصاب بِفِيهِ وَإِذا
غسل وَجهه حط ماأصاب بِوَجْهِهِ وَإِذا غسل يَدَيْهِ حط ماأصاب
بيدَيْهِ وَإِذا مسح رَأسه تناثرت خطاياه من أصُول الشّعْر
وَإِذا غسل قَدَمَيْهِ حط ماأصاب برجليه
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أبي أُمَامَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل
قَامَ إِلَى وضوئِهِ يُرِيد الصَّلَاة فَغسل كفيه نزلت كل
خَطِيئَة من كفيه فَإِذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من
لِسَانه وشفتيه مَعَ أول قَطْرَة فاذ غسل
(3/32)
وَجهه نزلت كل خَطِيئَة من سَمعه وبصره
مَعَ أول قَطْرَة وَإِذا غسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين
وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ سلم من كل ذَنْب كَهَيْئَته
يَوْم وَلدته أمه فَإِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع الله
دَرَجَته وَإِن قعد قعد سالما
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من تَوَضَّأ
فأسبغ الْوضُوء غسل يَدَيْهِ وَوَجهه وَمسح على رَأسه
وَأُذُنَيْهِ ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة غفر
لَهُ ذَلِك الْيَوْم مامشت رجله وقبضت عَلَيْهِ يَدَاهُ وَسمعت
إِلَيْهِ أذنَاهُ وَنظرت إِلَيْهِ عَيناهُ وَحدث بِهِ نَفسه من
سوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم
يتَوَضَّأ فَيغسل يَدَيْهِ ويمضمض فَاه وَيتَوَضَّأ كَمَا أَمر
الاحط عَنهُ ماأصاب يَوْمئِذٍ مانطق بِهِ فَمه وَمَا مس
بيدَيْهِ وَمَا مَشى إِلَيْهِ حَتَّى أَن الْخَطَايَا لتتحادر
من أَطْرَافه ثمَّ هُوَ إِذا مَشى إِلَى الْمَسْجِد فرِجل
تكْتب حَسَنَة وَأُخْرَى تمحو سَيِّئَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَعْلَبَة بن عباد عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مامن عبد
يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء فَيغسل وَجهه حَتَّى يسيل المَاء
على ذقنه ثمَّ يغسل ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء على مرفقيه
ثمَّ يغسل رجلَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء من كعبيه ثمَّ يقوم
فَيصَلي الاغفر الله ماسلف من ذَنبه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا من مُسلم يتَوَضَّأ للصَّلَاة فيمضمض إلاخرج مَعَ قطر
المَاء كل سَيِّئَة تكلم بهَا لِسَانه ولايستنشق الاخرج مَعَ
قطر المَاء كل سَيِّئَة نظر إِلَيْهَا بهما ولايغسل شَيْئا من
يَدَيْهِ إلاّ خرج مَعَ قطر المَاء كل سَيِّئَة مَشى بهما
إِلَيْهَا فَإِذا خرج إِلَى الْمَسْجِد كتب لَهُ بِكُل خطْوَة
خطاها حَسَنَة ومحا بهَا عَنهُ سَيِّئَة حَتَّى يَأْتِي مقَامه
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ:
قلت يارسول الله أَخْبرنِي عَن الْوضُوء فَقَالَ: مامنكم من
رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويمج ثمَّ يستنشق وينثر إِلَّا جرت
خَطَايَا فِيهِ وخياشيمه مَعَ المَاء ثمَّ يغسل وَجهه كَمَا
أمره الله إِلَّا جرت خَطَايَا وَجهه من أَطْرَاف لحيته مَعَ
المَاء ثمَّ يغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين إِلَّا جرت
خَطَايَا يَدَيْهِ بَين أَطْرَاف أنامله ثمَّ يمسح رَأسه كَمَا
أمره الله الاجرت خَطَايَا رَأسه من أَطْرَاف شعره مَعَ المَاء
ثمَّ يغسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أمره الله
إِلَّا جرت
(3/33)
خَطَايَا قَدَمَيْهِ من أَطْرَاف أَصَابِعه
مَعَ المَاء ثمَّ يقوم فيحمد الله ويثني عَلَيْهِ بِالَّذِي
هُوَ لَهُ أهل ثمَّ يرْكَع رَكْعَتَيْنِ إِلَّا انْصَرف من
ذنُوبه كَهَيْئَته يَوْم وَلدته أمة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله {وَيتم نعْمَته عَلَيْك} قَالَ: تَمام النِّعْمَة
دُخُول الْجنَّة لم تتمّ نعْمَته على عبد لم يدْخل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخطيب عَن
معَاذ بن جبل قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على رجل وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الصَّبْر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَلت الْبلَاء
فَاسْأَلْهُ المعافاة
وَمر على رجل وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك تَمام
النِّعْمَة
قَالَ: ياابن آدم هَل تَدْرِي ماتمام النِّعْمَة قَالَ: يارسول
الله دَعْوَة دَعَوْت بهَا رَجَاء الْخَيْر قَالَ: تَمام
النِّعْمَة دُخُول الْجنَّة والفوز من النَّار
وَمر على رجل وَهُوَ يَقُول: يَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام
فَقَالَ: قد اسْتُجِيبَ لَك فسل
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتتم على عبد نعْمَة إِلَّا
بِالْجنَّةِ
(3/34)
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ
إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
- قَوْله تَعَالَى: واذْكُرُوا نعْمَة الله
عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سمعنَا
وأطعنا وَاتَّقوا الله إِن الله عليم بِذَات الصُّدُور
- أخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي
واثقكم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سمعنَا وأطعنا} حَتَّى ختم بعث الله
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب
قَالُوا: آمنا بِالنَّبِيِّ وَالْكتاب وأقررنا بِمَا فِي
التَّوْرَاة فأذكرهم الله ميثاقه الَّذِي أقرُّوا بِهِ على
أنفسهم وَأمرهمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم} قَالَ: النعم
آلَاء الله وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ
قَالَ: الَّذِي واثق بِهِ بني آدم فِي ظهر آدم عَلَيْهِ
السَّلَام
(3/34)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى
أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
(8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا كونُوا قوّامين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ولايجرمنكم
شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى
(3/34)
وَاتَّقوا الله إِن الله خَبِير بِمَا
تَعْمَلُونَ وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم وَالَّذين كفرُوا وكذبوا
بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم
- أخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن عبد الله بن كثير
فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوّامين لله
شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} الْآيَة نزلت فِي يهود خَيْبَر ذهب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليستعينهم فِي دِيَة
فَهموا ليقتلوه فَذَلِك قَوْله {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على
أَلا تعدلوا} الْآيَة
وَالله أعلم
(3/35)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
- قَوْله يعالى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا
إِلَيْكُم أَيْديهم فكفَّ أَيْديهم عَنْكُم وَاتَّقوا الله
وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل منزلا فَتفرق النَّاس
فِي العضاه يَسْتَظِلُّونَ تحتهَا فعلق النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سلاحه بشجرة فجَاء أَعْرَابِي إِلَى سَيْفه
فَأَخذه فَسَلَّهُ ثمَّ أقبل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: من يمنعك مني قَالَ: الله
قَالَ الْأَعرَابِي: مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة من يمنعك مني
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الله
فَشَام الْأَعرَابِي السَّيْف فَدَعَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه فَأخْبرهُم بصنيع الْأَعرَابِي
وَهُوَ جَالس إِلَى جنبه لم يُعَاقِبهُ
قَالَ معمر: وَكَانَ قَتَادَة يذكر نَحْو هَذَا وَيذكر أَن
قوما من الْعَرَب أَرَادوا أَن يفتكوا بِالنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فأرسلوا هَذَا الْأَعرَابِي ويتألوا {اذْكروا
نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم
أَيْديهم} الْآيَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَاتل رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محَارب خصفة بِنَخْل فَرَأَوْا من
الْمُسلمين غرَّة فجَاء رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ غورث بن
الْحَارِث قَامَ على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ: من يمنعك قَالَ: الله فَوَقع السَّيْف من يَده
فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: من يمنعك
قَالَ: كن خيرا آخذ
قَالَ: تشهد أَن
(3/35)
لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول
الله قَالَ: أعاهدك أَن لَا أقاتلك وَلَا أكون مَعَ قوم
يقاتلونك فخلى سَبيله فجَاء إِلَى قومه فَقَالَ: جِئتُكُمْ من
عِنْد خير النَّاس فَلَمَّا حضرت الصَّلَاة صلى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فَكَانَ النَّاس
طائفتين: طَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو وَطَائِفَة تصلي مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانصرفوا فَكَانُوا
مَوضِع الَّذين بِإِزَاءِ عدوهم وَجَاء أُولَئِكَ فصلى بهم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ
للنَّاس رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَربع رَكْعَات
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق
الْحسن
أَن رجلا من محَارب يُقَال لَهُ غورث بن الْحَارِث قَالَ
لِقَوْمِهِ: أقتل لكم مُحَمَّدًا قَالُوا لَهُ: كَيفَ تقتله
فَقَالَ: أفتك بِهِ فَأقبل إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس وسيفه فِي حجره فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد أنظر إِلَى سَيْفك هَذَا قَالَ: نعم فَأَخذه فاستله
وَجعل يهزه ويهم فيكبته الله فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَا تخافني
وَفِي يَدي السَّيْف ورده إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة
الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم
فكفَّ أَيْديهم عَنْكُم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء
وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن عَمْرو بن أُميَّة
الضمرِي حِين انْصَرف من بِئْر مَعُونَة لَقِي رجلَيْنِ
كلابيين مَعَهُمَا أَمَان من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَتَلَهُمَا وَلم يعلم أم مَعَهُمَا أَمَانًا من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذهب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير وَمَعَهُ أَبُو بكر
وَعمر وَعلي فَتَلقاهُ بَنو النَّضِير فَقَالُوا: مرْحَبًا
يَا أَبَا الْقَاسِم لماذا جِئْت قَالَ: رجل من أَصْحَابِي قتل
رجلَيْنِ من بني كلاب مَعَهُمَا أَمَان مني طلب مني دِيَتهمَا
فَأُرِيد أَن تُعِينُونِي
قَالُوا: نعم أقعد حَتَّى نجمع لَك
فَقعدَ تَحت الْحصن وَأَبُو بكر وَعمر وَعلي وَقد تآمر بَنو
النَّضِير أَن يطْرَحُوا عَلَيْهِ حجرا فجَاء جِبْرِيل فاخبره
بِمَا هموا بِهِ فَقَامَ بِمن مَعَه وَأنزل الله {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم}
الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس
نَحوه
وَأخرج أَيْضا عَن عُرْوَة وَزَاد بعد نزُول الْآيَة وَأمر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإجلائهم لما أَرَادوا
فَأَمرهمْ أَن يخرجُوا من دِيَارهمْ
قَالُوا: إِلَى أَيْن قَالَ: إِلَى الْحَشْر
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَاصِم
بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله بن أبي بكر قَالَا: خرج رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير
يَسْتَعِينهُمْ على دِيَة الْعَامِرِيين
(3/36)
اللَّذين قَتلهمَا عَمْرو بن أُميَّة
الضمرِي فَلَمَّا جَاءَهُم خلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا:
إِنَّكُم لن تَجدوا مُحَمَّدًا أقرب مِنْهُ الْآن فَمروا رجلا
يظْهر على هَذَا الْبَيْت فيطرح عَلَيْهِ صَخْرَة فَيُرِيحنَا
مِنْهُ
فَقَالَ عمر بن جحاش بن كَعْب: أَنا فَأتى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر فَانْصَرف فَأنْزل الله فيهم وَفِيمَا
أَرَادَ هُوَ وَقَومه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا
نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم
أَيْديهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم}
قَالَ: هم يهود
دخل عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا لَهُم
وَأَصْحَابه من وَرَاء جِدَاره فاستعانهم فِي مغرم فِي دِيَة
غرمها ثمَّ قَامَ من عِنْدهم فائتمروا بَينهم بقتْله فَخرج
يمشي الْقَهْقَرَى مُعْتَرضًا ينظر إِلَيْهِم ثمَّ دَعَا
أَصْحَابه رجلا رجلا حَتَّى تقاوموا إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن زِيَاد قَالَ: جَاءَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير يَسْتَعِينهُمْ
فِي عقل أَصَابَهُ وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعلي فَقَالَ
أعينوني فِي عقل أصابني
فَقَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم قد آن لَك تَأْتِينَا
وتسألنا حَاجَة اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمك ونعطيك الَّذِي تسألنا
فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
ينتظرونه وَجَاء حييّ بن أَخطب فَقَالَ حييّ لأَصْحَابه: لَا
تَرَوْنَهُ أقرب مِنْهُ الْآن اطرحوا عَلَيْهِ حِجَارَة
فَاقْتُلُوهُ وَلَا ترَوْنَ شرا أبدا فجاؤوا إِلَى رحى لَهُم
عَظِيمَة ليطرحوها عَلَيْهِ فَأمْسك الله عَنْهَا أَيْديهم
حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل فأقامه من بَينهم فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم
قوم} الْآيَة
فَأخْبر الله نبيه مَا أَرَادوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي
مَالك فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي كَعْب بن الْأَشْرَف
وَأَصْحَابه حِين أَرَادوا أَن يغروا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ بعث
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن عَمْرو أحد
النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا من
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَى غطفان فَالْتَقوا على مَاء
من مياه عَامر فَاقْتَتلُوا فَقتل الْمُنْذر ابْن عَمْرو
وَأَصْحَابه إِلَّا ثَلَاثَة نفر كَانُوا فِي طلب ضَالَّة
لَهُم فَلم يرعهم إِلَّا وَالطير تجول فِي جوّ السَّمَاء يسْقط
من خراطيمها علق الدَّم فَقَالُوا قتل أَصْحَابنَا والرحمن
فَانْطَلق رجل مِنْهُم فلقي رجلا فاختلفا ضربتين فَلَمَّا
خالطه الضَّرْبَة رفع طرفه إِلَى السَّمَاء ثمَّ رفع
عَيْنَيْهِ فَقَالَ: الله
(3/37)
أكبر
الْجنَّة وَرب الْعَالمين وَكَانَ يرْعَى أعنق ليَمُوت
فَانْطَلق صَاحِبَاه فلقيا رجلَيْنِ من بني سليم فانتسبا لَهما
إِلَى بني عَامر فَقَتَلَاهُمَا وَكَانَ بَينهمَا وَبَين
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موادعة فَقدم قومهما على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطْلبُونَ عقلهما فَانْطَلق
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر
وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن
عَوْف حَتَّى دخلُوا على بني النَّضِير يستعينونهم فِي عقلهما
فَقَالُوا: نعم
فاجتمعت يهود على أَن يقتلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَصْحَابه فَاعْتَلُّوا لَهُ بصنعة الطَّعَام فَلَمَّا
أَتَاهُ جِبْرِيل بِالَّذِي أجمع لَهُ يهود من الْغدر خرج ثمَّ
أعَاد عليا فَقَالَ: لاتبرح من مَكَانك هَذَا فَمن مر بك من
أَصْحَابِي فسألك عني فَقل: وَجه إِلَى الْمَدِينَة فأدركوه
فجعلو يَمرونَ على عَليّ فَيَقُول لَهُم الَّذِي أمره النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ آخِرهم ثمَّ
تَبِعَهُمْ فَفِي ذَلِك أنزلت {إِذْ هم قوم أَن يبسطوا
إِلَيْكُم أَيْديهم} حَتَّى {وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة
مِنْهُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة من طَرِيق
الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ إِن
قوما من الْيَهُود صَنَعُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ولأصحابه طَعَاما ليقتلوه فَأوحى الله إِلَيْهِ بشأنهم
فَلم يَأْتِ الطَّعَام وَأمر أَصْحَابه فَلم يأتوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ ذكر لنا أَنَّهَا أنزلت على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِبَطن نخل فِي الْغَزْوَة الثَّانِيَة
فَأَرَادَ بَنو ثَعْلَبَة وَبَنُو محَارب ان يفتكوا بِهِ
فأطلعه الله على ذَلِك ذكر لنا أَن رجلا انتدب لقَتله فَأتى
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيفه مَوْضُوع فَقَالَ:
آخذه يارسول الله قَالَ: خُذْهُ
قَالَ: استله قَالَ: نعم
فاستله فَقَالَ: من يمنعك مني قَالَ: الله يَمْنعنِي مِنْك
فهدده أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأغلظوا لَهُ
القَوْل فَشَام السَّيْف فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَصْحَابه بالرحيل فأنزلت عَلَيْهِ صَلَاة الْخَوْف
عِنْد ذَلِك
(3/38)
وَلَقَدْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ
اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ
وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ
اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ
فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أَخذ الله
مِيثَاق بني إِسْرَائِيل وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا
وَقَالَ الله إِنِّي مَعكُمْ لَئِن أقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم
الزَّكَاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا
لأكفرن عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ ولأدخلنكم جنَّات تجْرِي من
تحتهَا الْأَنْهَار فَمن كفر بعد ذَلِك مِنْكُم فقد ضل سَوَاء
السَّبِيل
(3/38)
- أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي
قَوْله {وَلَقَد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} قَالَ:
أَخذ الله مواثيقهم أَن يخلصوا لَهُ وَلَا يعبدوا غَيره
{وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} يَعْنِي بذلك وبعثنا
مِنْهُم اثْنَي عشر كَفِيلا فكفلوا عَلَيْهِم بِالْوَفَاءِ لله
بِمَا وثقوا عَلَيْهِ من العهود فِيمَا أَمرهم عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {اثْنَي عشر نَقِيبًا} قَالَ: من كل سبط من بني
إِسْرَائِيل رجال أرسلهم مُوسَى إِلَى الجبارين فوجدوهم يدْخل
فِي كم أحدهم اثْنَان ولايحمل عنقود عنبهم إِلَّا خَمْسَة أنفس
بَينهم فِي خَشَبَة وَيدخل فِي شطر الرمانة إِذا نزع حبها
خَمْسَة أنفس وَأَرْبَعَة فَرجع النُّقَبَاء كل مِنْهُم ينْهَى
سبطه عَن قِتَالهمْ إِلَّا يُوشَع بن نون وكالب بن بَاقِيَة
أمرا الأسباط بِقِتَال الجبارين ومجاهدتهم فعصوهما وأطاعوا
الآخرين فهما الرّجلَانِ اللَّذَان أنعم الله عَلَيْهِمَا
فتاهت بَنو إِسْرَائِيل أَرْبَعِينَ سنة يُصْبِحُونَ حَيْثُ
أَمْسوا وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبحُوا فِي تيههم ذَلِك فَضرب
مُوسَى الْحجر لكل سبط عينا حجر لَهُم يحملونه مَعَهم فَقَالَ
لَهُم مُوسَى: اشربوا ياحمير
فَنَهَاهُ الله عَن سبهم وَقَالَ: هم خلقي فَلَا تجعلهم حميراً
والسبط كل بطن بني فلَان
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: أَمر الله بني
إِسْرَائِيل بالسير إِلَى أريحاء - وَهِي أَرض بَيت الْمُقَدّس
- فَسَارُوا حَتَّى إِذا كَانُوا قَرِيبا مِنْهُ أرسل مُوسَى
اثْنَي عشر نَقِيبًا من جَمِيع أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل
فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَن يأتوه بِخَبَر الْجَبَابِرَة
فَلَقِيَهُمْ رجل من الجبارين يُقَال لَهُ عاج فَأخذ اثْنَي
عشر فجعلهم فِي حجزته وعَلى رَأسه حزمة حطب فَانْطَلق بهم
إِلَى امْرَأَته فَقَالَ: انظري إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم
الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم يُرِيدُونَ أَن يقاتلونا فطرحهم بَين
يَديهَا فَقَالَ: أَلا أطحنهم برجلي فَقَالَت امْرَأَته: بل خل
عَنْهُم حَتَّى يخبروا قَومهمْ بِمَا رَأَوْا
فَفعل ذَلِك فَلَمَّا خرج الْقَوْم قَالَ بَعضهم لبَعض: ياقوم
إِنَّكُم ان أخبرتم بني إِسْرَائِيل خبر الْقَوْم ارْتَدُّوا
عَن نَبِي الله وَلَكِن اكتموه ثمَّ رجعُوا فَانْطَلق عشرَة
مِنْهُم فَنَكَثُوا الْعَهْد فَجعل كل مِنْهُم يخبرأخاه وأباه
بِمَا رأى من عاج وكتم رجلَانِ مِنْهُم فَأتوا مُوسَى وهاورن
فأخبروهما فَذَلِك حِين يَقُول الله {وَلَقَد أَخذ الله
مِيثَاق بني إِسْرَائِيل وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} قَالَ:
شَهِيدا من كل سبط رجل شَاهد على قومه
(3/39)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ:
النُّقَبَاء الْأُمَنَاء
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
عزَّ وَجل {اثْنَي عشر نَقِيبًا}
قَالَ: اثْنَي عشر وزيراً وصاروا أَنْبيَاء بعد ذَلِك
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الشَّاعِر يَقُول: وَإِنِّي بِحَق قَائِل لسراتها مقَالَة نصح
لايضيع نقيبها وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل {اثْنَي عشر نَقِيبًا} قَالَ: هم
من بني إِسْرَائِيل بَعثهمْ مُوسَى لينظروا إِلَى الْمَدِينَة
فجاؤوا بِحَبَّة من فاكهتهم فَعِنْدَ ذَلِك فتنُوا فَقَالُوا:
لانستطيع الْقِتَال فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو صدقني وآمن بِي واتبعني
عشرَة من الْيَهُود لأسلم كل يَهُودِيّ كَانَ قَالَ كَعْب
اثْنَي عشر وتصديق ذَلِك فِي الْمَائِدَة {وبعثنا مِنْهُم
اثْنَي عشر نَقِيبًا}
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ كم يملك هَذِه الْأمة من خَليفَة فَقَالَ:
سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: اثْنَا عشر كعدة بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للنقباء الاثْنَي عشر:
سِيرُوا الْيَوْم فحدثوني حَدِيثهمْ وَمَا امرهم ولاتخافوا إِن
الله {مَعكُمْ لَئِن أقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم الزَّكَاة
وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{وعزرتموهم} قَالَ: أعنتموهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وعزرتموهم} قَالَ: نصرتموهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: التعزيز والتوقير
النُّصْرَة وَالطَّاعَة
(3/40)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ
مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا
مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى
خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
- قَوْله تَعَالَى: فبمَا نقضهم ميثاقهم
لعناهم وَجَعَلنَا قُلُوبهم قاسية يحرفُونَ الْكَلم عَن
موَاضعه ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ وَلَا تزَال تطلع على
خَائِنَة مِنْهُم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فاعفوا عَنْهُم
وَاصْفَحْ أَن الله يحب الْمُحْسِنِينَ
(3/40)
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فبمَا نقضهم ميثاقهم} قَالَ: هُوَ مِيثَاق أَخذه الله
على أهل التَّوْرَاة فنقضوه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبمَا نقضهم}
يَقُول: فبنقضهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبمَا نقضهم
ميثاقهم لعناهم} قَالَ: اجتنبوا نقض الْمِيثَاق فَإِن الله قدم
فِيهِ وأوعد فِيهِ وَذكره فِي آي من الْقُرْآن تقدمة ونصيحة
وَحجَّة وَإِنَّمَا بِعظم عظمها الله بِهِ عِنْد أولي الْفَهم
وَالْعقل وَأهل الْعلم بِاللَّه وانا مانعلم الله أوعد فِي
ذَنْب مَا أوعد فِي نقض الْمِيثَاق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يحرفُونَ
الْكَلم عَن موَاضعه} يَعْنِي حُدُود الله فِي التَّوْرَاة
يَقُول: ان أَمركُم مُحَمَّد بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ فاقبلوه
وَإِن خالفكم فاحذروا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ونسوا
حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: نسوا الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: نسوا الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: كتاب الله إِذا نزل
عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {ونسوا حظاً} تركُوا
نَصِيبا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {ونسوا حظاً مِمَّا
ذكرُوا بِهِ} قَالَ: عرى دينهم ولطائف الله الَّتِي لايقبل
الْأَعْمَال إِلَّا بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: نسوا كتاب الله بَين أظهرهم وَعَهده الَّذِي عَهده
إِلَيْهِم وَأمره الَّذِي أَمرهم بِهِ وضيعوا فَرَائِضه وعطلوا
حُدُوده وَقتلُوا رسله ونبذوا كِتَابه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد فِي الزّهْد عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: إِنِّي لأحسب الرجل ينسى الْعلم كَانَ يُعلمهُ بالخطيئة
يعملها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم} قَالَ: هم
يهود مثل الَّذِي هموا بِهِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم دخل عَلَيْهِم حائطهم
(3/41)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا
تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم} يَقُول: على خِيَانَة وَكذب
وفجور
وَفِي قَوْله {فَاعْفُ عَنْهُم وَاصْفَحْ} قَالَ: لم يُؤمر
يَوْمئِذٍ بقتالهم فَأَمرهمْ الله أَن يعْفُو عَنْهُم ويصفح
ثمَّ نسخ ذَلِك فِي بَرَاءَة فَقَالَ {قَاتلُوا الَّذين لَا
يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} التَّوْبَة
الْآيَة 29 الْآيَة
(3/42)
وَمِنَ الَّذِينَ
قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا
حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
(14)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن الَّذين قَالُوا
إِنَّا نَصَارَى أَخذنَا ميثاقهم فنسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا
بِهِ فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة وسوف ينبئهم الله بِمَا كَانُوا يصنعون
- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَمن الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} قَالَ: كَانُوا بقرية
يُقَال لَهَا ناصرة كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم ينزلها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وَمن الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} قَالَ:
كَانُوا بقرية يُقَال لَهَا ناصرة نزلها عِيسَى وَهُوَ اسْم
تسموا بِهِ وَلم يؤمروا بِهِ
وَفِي قَوْله {ميثاقهم فنسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ:
نسوا كتاب الله بَين أظهرهم وعهد الله الَّذِي عهد لَهُم وَأمر
الله الَّذِي أَمر بِهِ وضيعوا فَرَائِضه {فأغرينا بَينهم
الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ:
بأعمالهم أَعمال السوء وَلَو أَخذ الْقَوْم بِكِتَاب الله
وَأمره ماتفرقوا وماتباغضوا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: أغرى بَعضهم بَعْضًا
بالخصومات والجدال فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة
قَالَ: مَا أرى الإغراء فِي هَذِه الْآيَة إِلَّا الْأَهْوَاء
الْمُخْتَلفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: إِن الله تقدم إِلَى بني
إِسْرَائِيل أَن لايشتروا بآيَات الله ثمنا قَلِيلا ويعلموا
الْحِكْمَة ولايأخذوا عَلَيْهَا أجرا فَلم يفعل ذَلِك إِلَّا
قَلِيل
(3/42)
مِنْهُم فَأخذُوا الرِّشْوَة فِي الحكم
وجاوزوا الْحُدُود فَقَالَ فِي الْيَهُود حَيْثُ حكمُوا
بِغَيْر مَا أَمر الله {وألقينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} الْمَائِدَة الْآيَة 64 وَقَالَ فِي
النَّصَارَى {فنسوا حَظًّا مِمَّا ذكرُوا بِهِ فأغرينا بَينهم
الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة}
(3/43)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا
كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ
السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أهل الْكتاب قد
جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من
الْكتاب ويعفوا عَن كثير قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين
يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه سبل السَّلَام ويخرجهم من
الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ ويهديهم إِلَى صِرَاط
مُسْتَقِيم لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح
ابْن مَرْيَم قل فَمن يملك من الله شَيْئا إِن أَرَادَ أَن
يهْلك الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَأمه وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا
وَللَّه ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا يخلق
مايشاء وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما أخبر
الْأَعْوَر سمويل بن صوريا الَّذِي صدق النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على الرَّجْم أَنه فِي كِتَابهمْ وَقَالَ:
لَكنا نخفيه فَنزلت {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا
يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتاب} وَهُوَ شَاب
أَبيض طَوِيل من أهل فدك
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أهل الْكتاب قد
جَاءَكُم رَسُولنَا} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم {يبين لكم كثيرا} يَقُول: يبين لكم مُحَمَّد رَسُولنَا
كثيرا مِمَّا كُنْتُم تكتمونه النَّاس: ولاتبينونه لَهُم
مِمَّا فِي كتابكُمْ وَكَانَ مِمَّا يخفونه من كِتَابهمْ فبينه
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس: رجم
الزَّانِيَيْنِ المحصنين
(3/43)
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ الْيَهُود يسألونه
عَن الرَّجْم فَقَالَ: أَيّكُم أعلم فأشاروا إِلَى ابْن صوريا
فَنَاشَدَهُ بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَالَّذِي
رفع الطّور بالمواثيق الَّتِي أخذت عَلَيْهِم هَل تَجِدُونَ
الرَّجْم فِي كتابكُمْ فَقَالَ: إِنَّه لما كثر فِينَا جلدنا
مائَة وحلقنا الرؤوس فَحكم عَلَيْهِم بِالرَّجمِ فَأنْزل الله
{يَا أهل الْكتاب} إِلَى قَوْله {صِرَاط مُسْتَقِيم}
وَأخرج ابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من كفر
بِالرَّجمِ فقد كفر بِالْقُرْآنِ من حَيْثُ لايحتسب
قَالَ تَعَالَى {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين
لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتاب} قَالَ: فَكَانَ
الرَّجْم مِمَّا أخفوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيَعْفُو عَن
كثير} من ذنُوب الْقَوْم جَاءَ مُحَمَّد باقالة مِنْهَا
وَتجَاوز إِن اتَّبعُوهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يهدي بِهِ الله من
اتبع رضوانه سبل السَّلَام} قَالَ: سَبِيل الله الَّذِي شَرعه
لِعِبَادِهِ ودعاهم إِلَيْهِ وابتعث بِهِ رسله وَهُوَ
الْإِسْلَام الَّذِي لايقبل من أحد عمل إِلَّا بِهِ لَا
الْيَهُودِيَّة وَلَا النَّصْرَانِيَّة وَلَا الْمَجُوسِيَّة
وَالله تَعَالَى أعلم
(3/44)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ
فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ
مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت الْيَهُود
وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم
بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من
يَشَاء وَللَّه ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا
وَإِلَيْهِ الْمصير
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبي
وبحري بن عَمْرو وشاس بن عدي فَكَلَّمَهُمْ وكلموه ودعاهم
إِلَى الله وحذرهم نقمته فَقَالُوا: ماتخوفنا يامحمد نَحن
وَالله أَبنَاء الله وأحباؤه كَقَوْل النَّصَارَى فَأنْزل الله
فيهم {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى} إِلَى آخر الْآيَة
وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله تَعَالَى: {قل فَلم يعذبكم} الْآيَة
(3/44)
أخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ مر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من أَصْحَابه وَصبي فِي الطَّرِيق
فَلَمَّا رَأَتْ أمه الْقَوْم خشيت على وَلَدهَا أَن يُوطأ
فَأَقْبَلت تسْعَى وَتقول: ابْني ابْني
فَأَخَذته فَقَالَ الْقَوْم: يارسول الله ماكانت هَذِه لتلقي
ابْنهَا فِي النَّار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لاوالله ولايلقى حَبِيبه فِي النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لايعذب
الله حَبِيبه وَلَكِن يَبْتَلِيه فِي الدُّنْيَا
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يغْفر لمن يَشَاء
ويعذب من يَشَاء} يَقُول: يهدي مِنْكُم من يَشَاء فِي
الدُّنْيَا فَيغْفر لَهُ وَيُمِيت من يَشَاء مِنْكُم على كفره
فيعذبه
(3/45)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ
مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ
وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
- قَوْله يعالى: يَا أهل الْكتاب قد
جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل أَن
تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير فقد جَاءَكُم بشير
ونذير وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهود إِلَى
الْإِسْلَام فرغبهم فِيهِ وحذرهم فَأَبَوا عَلَيْهِ فَقَالَ
لَهُم معَاذ بن جبل وَسعد بن عبَادَة وَعقبَة بن وهب: يامعشر
يهود اتَّقوا الله فوَاللَّه إِنَّكُم لتعلمون أَنه رَسُول
الله لقد كُنْتُم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بِصفتِهِ
فَقَالَ رَافع بن حُرَيْمِلَة ووهب بن يهودا: ماقلنا لكم هَذَا
وَمَا أنزل الله من كتاب من بعد مُوسَى وَلَا أرسل بشيراً
وَلَا نذيراً بعده فَأنْزل الله {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم
رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من
الرُّسُل} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد جَاءَ بِالْحَقِّ الَّذِي فتر
بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل فِيهِ بَيَان وموعظة وَنور وَهدى
وعصمة لمن أَخذ بِهِ قَالَ: وَكَانَت الفترة بَين عِيسَى
وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر لنا أَنه كَانَت
سِتّمائَة سنة أَو ماشاء الله من ذَلِك
(3/45)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {على
فَتْرَة من الرُّسُل} قَالَ: كَانَ بَين عِيسَى وَمُحَمّد
خَمْسمِائَة سنة وَسِتُّونَ
قَالَ معمر: قَالَ الْكَلْبِيّ: خَمْسمِائَة سنة وَأَرْبَعُونَ
سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَت الفترة
خَمْسمِائَة سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَت الفترة بَين
عِيسَى وَمُحَمّد أَرْبَعمِائَة سنة وبضعاً وَثَلَاثِينَ سنة
(3/46)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا
وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل
فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يُؤْت أحدا من
الْعَالمين
- أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ
جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: وَاسم الله قد جعل
نَبيا وجعلكم ملوكاً على رِقَاب النَّاس فاشكروا نعْمَة الله
إِن الله يحب الشَّاكِرِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل
فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنهم
أول من سخَّر لَهُم الخدم من بني آدم وملكوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ:
ملَّكهم الخدم وَكَانُوا أول من ملك الخدم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً}
قَالَ: كَانَ الرجل من بني إِسْرَائِيل إِذا كَانَت لَهُ
الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّار يُسمى ملكا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: الزَّوْجَة
وَالْخَادِم وَالْبَيْت
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم
ملوكاً} قَالَ: الْمَرْأَة الْخَادِم {وآتاكم مَا لم يُؤْت
أحدا من الْعَالمين} قَالَ: الَّذين هم بَين ظهرانيهم
يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل
إِذا كَانَ لأَحَدهم خَادِم ودابة وَامْرَأَة كتب ملكا
(3/46)
وَأخرج ابْن جرير وَالزُّبَيْر بن بكار فِي
الموفقيات عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ بَيت وخادم فَهُوَ ملك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسليه عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ بَيت وخادم
فَهُوَ ملك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسليه عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله
{وجعلكم ملوكاً} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم زَوْجَة ومسكن وخادم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو
بن الْعَاصِ
أَنه سَأَلَهُ رجل: أَلسنا من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين قَالَ:
أَلَك امْرَأَة تأوي إِلَيْهَا قَالَ: نعم
قَالَ: أَلَك مسكن تسكنه قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَنت من الْأَغْنِيَاء
قَالَ: إِن لي خَادِمًا
قَالَ: فَأَنت كم الْمُلُوك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: جعل لَهُم أَزْوَاجًا
وخدماً وبيوتاً {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين}
المنَّ والسلوى وَالْحجر والغمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: وَهل
الْملك إِلَّا مركب وخادم وَدَار
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} قَالَ:
الْمَنّ والسلوى
(3/47)
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا
الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا
تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
(21)
- قَوْله تَعَالَى: يَا قوم ادخُلُوا
الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم وَلَا ترتدوا على
أدباركم فتنقلبوا خاسرين
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الأَرْض المقدسة}
قَالَ: هِيَ الْمُبَارَكَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن معَاذ بن جبل قَالَ: الأَرْض مابين
الْعَريش إِلَى الْفُرَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ الشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّتِي كتب الله
لكم} قَالَ: أَمركُم الله بهَا
(3/47)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي
الْآيَة قَالَ: أَمر الْقَوْم كَمَا أمروا بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاة وَالْحج وَالْعمْرَة
(3/48)
قَالُوا يَا مُوسَى
إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا
حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا
دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ
فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ
فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
- قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ياموسى إِن
فِيهَا قوما جبارين وَإِنَّا لن ندْخلهَا حَتَّى يخرجُوا
مِنْهَا فَإِن يخرجُوا مِنْهَا فَإنَّا داخلون قَالَ رجلَانِ
من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا ادخُلُوا
عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون وعَلى
الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{إِن فِيهَا قوما جبارين} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانَت لَهُم
أجسام وَخلق لَيست لغَيرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{يَا مُوسَى إِن فِيهَا قوما جبارين} قَالَ: هم أطول منا
أجساماً وَأَشد قوّة
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن أبي ضَمرَة قَالَ:
استظل سَبْعُونَ رجلا من قوم مُوسَى خلف رجل من العماليق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن زيد بن أسلم قَالَ:
بَلغنِي أَنه رُئِيَتْ ضبع وَأَوْلَادهَا رابضة فِي فجاج عين
رجل من العمالقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك
أَنه أَخذ عَصا فذرع فِيهَا شَيْئا ثمَّ قَاس فِي الأَرْض
خمسين أَو خمْسا وَخمسين ثمَّ قَالَ: هَكَذَا أطوال العماليق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَمر مُوسَى أَن يدْخل مَدِينَة الجبارين فَسَار بِمن مَعَه
حَتَّى نزل قَرِيبا من الْمَدِينَة وَهِي أريحاء فَبعث
إِلَيْهِم اثْنَي عشر نَقِيبًا من كل سبط مِنْهُم عين فيأتوه
بِخَبَر الْقَوْم فَدَخَلُوا الْمَدِينَة فَرَأَوْا أمرا
عَظِيما من هيبتهم وجسمهم وعظمهم فَدَخَلُوا حَائِطا لبَعْضهِم
فجَاء صَاحب الْحَائِط ليجني من حَائِطه فَجعل يحش الثِّمَار
فَنظر إِلَى آثَارهم فَتَبِعهُمْ فَكلما أصَاب وَاحِد مِنْهُم
أَخذه فَجعله فِي كمه مَعَ الْفَاكِهَة وَذهب إِلَى ملكهم
فنثرهم بَين يَدَيْهِ فَقَالَ الْملك: قد رَأَيْتُمْ شَأْننَا
وأمرنا اذْهَبُوا فَأخْبرُوا صَاحبكُم
قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فأخبروه بِمَا عاينوا من
أَمرهم
فَقَالَ: اكتموا عَنَّا فَجعل الرجل يخبر أَبَاهُ
(3/48)
وَصديقه وَيَقُول: اكتم عني فأشيع ذَلِك
فِي عَسْكَرهمْ وَلم يكتم مِنْهُم الارجلان يُوشَع بن نون
وكالب بن يوحنا وهم اللَّذَان أنزل الله فيهمَا {قَالَ رجلَانِ
من الَّذين يخَافُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {ادخُلُوا الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ مَدِينَة
الجبارين لما نزل بهَا مُوسَى وَقَومه بعث مِنْهُم اثْنَي عشر
رجلا وهم النُّقَبَاء الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى ليأتوهم
بخبرهم فَسَارُوا فَلَقِيَهُمْ رجل من الجبارين فجعلهم فِي
كساءته فحملهم حَتَّى أَتَى بهم الْمَدِينَة ونادى فِي قومه:
فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: من أَنْتُم قَالُوا: نَحن قوم
مُوسَى بعثنَا لنأتيه بخبركم فأعطوهم حَبَّة من عِنَب تَكْفِي
الرجل وَقَالُوا لَهُم: اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَومه
فَقولُوا لَهُم: أقدروا قدر فاكهتهم فَلَمَّا أتوهم قَالُوا:
ياموسى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا
قَاعِدُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 24 {قَالَ رجلَانِ من الَّذين
يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} وَكَانَا من أهل الْمَدِينَة
أسلما واتبعا مُوسَى فَقَالَا لمُوسَى {ادخُلُوا عَلَيْهِم
الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون} وَأخرج ابْن جرير
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ} قَالَ: يُوشَع بن
نون وكالب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله
{قَالَ رجلَانِ} قَالَ: كالب ويوشع بن نون فَتى مُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من الَّذين يخَافُونَ أنعم
الله عَلَيْهِمَا} قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة (يخَافُونَ أنعم
الله عَلَيْهِمَا)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَا من الْعَدو
فصارا مَعَ مُوسَى
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {قَالَ رجلَانِ من
الَّذين يخَافُونَ} بِرَفْع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {من الَّذين
يخَافُونَ} بِنصب الْيَاء فِي يخَافُونَ
(3/49)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {قَالَ
رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} بِالْهدى
فهداهما فَكَانَا على دين مُوسَى وَكَانَا فِي مَدِينَة
الجبارين
وَأخرج ابْن جرير عَن سهل بن عَليّ {قَالَ رجلَانِ من الَّذين
يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} بالخوف
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ من
الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} قَالَ: هم
النُّقَبَاء
وَفِي قَوْله {ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب} قَالَ: هِيَ
قَرْيَة الجبارين
(3/50)
قَالُوا يَا مُوسَى
إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
- قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ياموسى إِنَّا
لن ندْخلهَا أبدا ماداموا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك
فَقَاتلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ
- أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن أنس أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سَار إِلَى بدر اسْتَشَارَ
الْمُسلمين فَأَشَارَ عَلَيْهِ عمر ثمَّ استشارهم فَقَالَت
الْأَنْصَار: يامعشر الْأَنْصَار إيَّاكُمْ يُرِيد رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالُوا: لَا نقُول كَمَا قَالَت بَنو اسرئيل لمُوسَى
{فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا
قَاعِدُونَ} وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو ضربت أكبادها
إِلَى برك الغماد لاتبعناك
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاصحابه
ألاتقاتلون قَالُوا: نعم
ولانقول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ
أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن
اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا مَعكُمْ مُقَاتِلُونَ
وَأخرج أَحْمد عَن طَارق بن شهَاب أَن الْمِقْدَاد قَالَ
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر يارسول الله
انا لانقول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ
أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن
اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا مَعكُمْ مُقَاتِلُونَ
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لقد شهِدت من
الْمِقْدَاد مشهداً لِأَن أكون أَنا صَاحبه أحب إليَّ مِمَّا
عدل بِهِ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
يَدْعُو على الْمُشْركين قَالَ: وَالله يارسول الله لانقول
كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ أَنْت
وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن
نُقَاتِل عَن يَمِينك
(3/50)
وَعَن يسارك وَمن بَين يَديك وَمن خَلفك
فَرَأَيْت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرق
لذَلِك وسر بذلك
وَأخرج ابْن جريرعن قَتَادَة ذكر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يَوْم الْحُدَيْبِيَة حِين صد
الْمُشْركُونَ الْهَدْي وحيل بَينهم وَبَين مناسكهم إِنِّي
ذَاهِب بِالْهَدْي فناحره عِنْد الْبَيْت
فَقَالَ الْمِقْدَاد بن الْأسود: اما وَالله لانكون كالملأ من
بني إِسْرَائِيل إِذْ قَالُوا لنبيهم {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك
فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ}
(3/51)
قَالَ رَبِّ إِنِّي
لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ رَبِّي إِنِّي
لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم
الْفَاسِقين
- أخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: غضب مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام حِين قَالَ لَهُ الْقَوْم: {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك
فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} فَدَعَا عَلَيْهِم
فَقَالَ: {رب إِنِّي لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق
بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين} وَكَانَ عجلة من مُوسَى
عجلها فَلَمَّا ضرب عَلَيْهِم التيه نَدم مُوسَى فَلَمَّا نَدم
أوحى الله إِلَيْهِ {فَلَا تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين}
الْمَائِدَة الْآيَة 26 لاتحزن على الْقَوْم الَّذين سميتهم
فاسقين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم
الْفَاسِقين} يَقُول: افصل بَيْننَا وَبينهمْ
(3/51)
قَالَ فَإِنَّهَا
مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي
الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ فَإِنَّهَا
مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي الأَرْض فَلَا
تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين
- أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِنَّهَا مُحرمَة
عَلَيْهِم} قَالَ: أبدا
وَفِي قَوْله {يتيهون فِي الأَرْض} قَالَ: أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم بعثوا
اثْنَي عشر رجلا من كل سبط رجلا عيُونا ليأتوهم بِأَمْر
الْقَوْم فَأَما عشرَة فجبنوا قَومهمْ وكرهوا إِلَيْهِم
الدُّخُول وَأما يُوشَع بن نون وَصَاحبه فأمرا بِالدُّخُولِ
واستقاما على أَمر الله ورغبا
(3/51)
قَومهمْ فِي ذَلِك وأخبراهم فِي ذَلِك
أَنهم غالبون حَتَّى بلغ {هَا هُنَا قَاعِدُونَ}
قَالَ: لما جبن الْقَوْم عَن عدوّهم وَتركُوا أَمر رَبهم قَالَ
الله {فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة} إِنَّمَا
يشربون مَاء الاطوار لايهبطون قَرْيَة ولامصرا ولايهتدون لَهَا
وَلَا يقدرُونَ على ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: حرمت
عَلَيْهِم الْقرى فَكَانُوا لَا يهبطون قَرْيَة وَلَا يقدرُونَ
على ذَلِك إِنَّمَا يتبعُون الاطواء أَرْبَعِينَ سنة والاطواء
الركايا وَذكر لنا أَن مُوسَى توفّي فِي الْأَرْبَعين سنة
وَأَنه لم يدْخل بَيت الْمُقَدّس مِنْهُم إِلَّا أبناؤهم
وَالرجلَانِ اللَّذَان قَالَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
تاهوا أَرْبَعِينَ سنة فَهَلَك مُوسَى وهرون فِي التيه وكل من
جَاوز الْأَرْبَعين سنة فَلَمَّا مَضَت الْأَرْبَعُونَ سنة
ناهضهم يُوشَع بن نون وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِالْأَمر بعد
مُوسَى وَهُوَ الَّذِي قيل لَهُ الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة
فَهموا بافتتاحها فدنت الشَّمْس للغروب فخشي إِن دخلت لَيْلَة
السبت أَن يُسْبِتُوا فَنَادَى الشَّمْس: إِنِّي مَأْمُور
وَإنَّك مأمورة
فوقفت حَتَّى افتتحها فَوجدَ فِيهَا من الْأَمْوَال مالم ير
مثله قطّ فقربوه إِلَى النَّار فَلم تأتِ فَقَالَ: فِيكُم
غلُول فَدَعَا رُؤُوس الاسباط وهم اثْنَا عشر رجلا فبايعهم
فالتصقت يَد رجل مِنْهُم بِيَدِهِ فَقَالَ: الْغلُول عنْدك
فَأخْرجهُ فَأخْرج رَأس بقرة من ذهب لَهَا عينان من ياقوت
وأسنان من لُؤْلُؤ فوضعا مَعَ القربان فَأَتَت النَّار
فَأَكَلتهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: تاهت بَنو إِسْرَائِيل
أَرْبَعِينَ سنة يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسوا وَيُمْسُونَ
حَيْثُ أَصْبحُوا فِي تيهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن
مُنَبّه قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل لما حرم الله عَلَيْهِم
أَن يدخلُوا الأَرْض المقدسة أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي
الأَرْض شكوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: مانأكل فَقَالَ: إِن
الله سيأتكم بِمَا تَأْكُلُونَ
قَالُوا: من أَيْن قَالَ: إِن الله سينزل عَلَيْكُم خبْزًا
مخبوزاً
فَكَانَ ينزل عَلَيْهِم المنّ وَهُوَ خبز الرقَاق وَمثل الذّرة
قَالُوا: وَمَا نَأْتَدِمُ وَهل بُدِّلْنَا من لحم قَالَ:
فَإِن الله يأتيكم بِهِ
قَالُوا: من أَيْن فَكَانَت الرّيح تأتيهم بالسلوى وَهُوَ طير
سمين مثل الْحمام
فَقَالُوا: فَمَا نلبس قَالَ: لَا يخلق لأحدكم ثوب أَرْبَعِينَ
سنة
قَالُوا: فَمَا نحتذي قَالَ: لَا يَنْقَطِع لأحدكم شسع
أَرْبَعِينَ سنة
قَالُوا: فَإِنَّهُ يُولد فِينَا أَوْلَاد صغَار فَمَا نكسوهم
(3/52)
قَالَ: الثَّوْب الصَّغِير يشب مَعَه
قَالُوا: فَمن أَيْن لنا المَاء قَالَ: يأتيكم بِهِ الله
فَأمر الله مُوسَى أَن يضْرب بعصاه الْحجر قَالُوا: فَمَا نبصر
تغشانا الظامة فَضرب لَهُ عموداً من نور فِي وسط عسكره أَضَاء
عسكره كُله
قَالُوا: فَبِمَ نستظل الشَّمْس علينا شَدِيدَة قَالَ: يظلكم
الله تَعَالَى بالغمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: ظلل عَلَيْهِم
الْغَمَام فِي التيه قدر خَمْسَة فراسخ أَو سِتَّة كلما
أَصْبحُوا سَارُوا غادين فَإِذا امسوا إِذا هم فِي مكانهم
الَّذِي ارتحلوا مِنْهُ فَكَانُوا كَذَلِك أَرْبَعِينَ سنة وهم
فِي ذَلِك ينزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى وَلَا تبلى
ثِيَابهمْ وَمَعَهُمْ حجر من حِجَارَة الطّور يحملونه مَعَهم
فَإِذا نزلُوا ضربه مُوسَى بعصاه فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا
عشرَة عينا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق لَهُم فِي التيه
ثِيَاب لَا تخلق وَلَا تذوب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
طَاوس قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا كَانُوا فِي تيهم
تشب مَعَهم ثِيَابهمْ إِذا شبوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لما استسقى مُوسَى
لِقَوْمِهِ أوحى الله إِلَيْهِ: أَن اضْرِب بعصاك الْحجر
فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا فَقَالَ لَهُم مُوسَى:
ردوا معشر الْحمير
فَأوحى الله إِلَيْهِ: قلت لعبادي معشر الْحمير وَإِنِّي قد
حرمت عَلَيْكُم الأَرْض المقدسة
قَالَ: يارب فَاجْعَلْ قَبْرِي مِنْهَا قذفة حجر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو رَأَيْتُمْ
قبر مُوسَى لرأيتموه من الأَرْض المقدسة قذفة بِحجر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما استسقى لِقَوْمِهِ
فسقوا قَالَ: اشربوا ياحمير
فَنَهَاهُ عَن ذَلِك وَقَالَ: لَا تدع عبَادي ياحمير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَا تأس} قَالَ: لَا تحزن
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {فَلَا
تأس} قَالَ: لَا تحزن
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت امْرُؤ
الْقَيْس وهويقول: وقوفاً بهَا صحبي عليّ مطيهم يَقُولُونَ لَا
تهْلك أسى وتجمَّل وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت
(3/53)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء قَاتل أهل مَدِينَة حَتَّى
إِذا كَاد أَن يفتحها خشِي أَن تغرب الشَّمْس فَقَالَ: أيتها
الشَّمْس إِنَّك مأمورة وَأَنا مَأْمُور بحرمتي عَلَيْك إِلَّا
وقفت سَاعَة من النَّهَار
قَالَ: فحبسها الله تَعَالَى حَتَّى افْتتح الْمَدِينَة
وَكَانُوا إِذا أَصَابُوا الْغَنَائِم قربوها فِي القربان
فَجَاءَت النَّار فَأَكَلتهَا فَلَمَّا أَصَابُوا وضعُوا
القربان فَلم تجىء النَّار تَأْكُله
فَقَالُوا: يانبي الله مالنا لَا يقبل قرباننا قَالَ: فِيكُم
غلُول
قَالُوا: وَكَيف لنا أَن نعلم من عِنْده الْغلُول قَالَ: وهم
اثْنَا عشر سبطاً قَالَ: يبايعني رَأس كل سبط مِنْكُم
فَبَايعهُ رَأس كل سبط فلزقت كَفه بكف رجل مِنْهُم فَقَالُوا
لَهُ: عنْدك الْغلُول
فَقَالَ: كَيفَ لي أَن أعلم قَالَ تَدْعُو سبطك فتبايعهم رجلا
رجلا فَفعل فلزقت كَفه بكف رجل مِنْهُم قَالَ: عنْدك الْغلُول
قَالَ: نعم عِنْدِي الْغلُول
قَالَ: وماهو قَالَ: رَأس ثَوْر من ذهب أعجبني فغللته فجَاء
بِهِ فَوَضعه فِي الْغَنَائِم فَجَاءَت النَّار فأكلته فَقَالَ
كَعْب: صدق الله وَرَسُوله هَكَذَا وَالله فِي كتاب الله
يَعْنِي فِي التَّوْرَاة ثمَّ قَالَ: ياأبا هُرَيْرَة أحدثكُم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي نَبِي كَانَ قَالَ: هُوَ
يُوشَع بن نون
قَالَ: فحدثكم أَي قَرْيَة قَالَ: هِيَ مَدِينَة أريحاء وَفِي
رِوَايَة عبد الرَّزَّاق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لم تحل الْغَنِيمَة لأحد قبلنَا وَذَلِكَ أَن
الله رأى ضعفنا فطيبها لنا وَزَعَمُوا أَن الشَّمْس لم تحبس
لأحد قبله وَلَا بعده
(3/54)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ
الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
- قَوْله تَعَالَى: واتل عَلَيْهِم نبأ
ابْني آدم بِالْحَقِّ إِذْ قربا قربانا فَتقبل من أَحدهمَا
وَلم يتَقَبَّل من الآخر قَالَ لأَقْتُلَنك قَالَ إِنَّمَا
يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود عَن نَاس من الصَّحَابَة
أَنه كَانَ لايولد لآدَم مَوْلُود أَلا ولد مَعَه جَارِيَة
فَكَانَ يزوّج غُلَام هَذَا الْبَطن لجارية الْبَطن الآخر
ويزوّج جَارِيَة هَذَا الْبَطن غُلَام هَذَا الْبَطن الآخر
حَتَّى ولد لَهُ ابْنَانِ يُقَال لَهما قابيل وهابيل وَكَانَ
قابيل صَاحب زرع وَكَانَ هابيل صَاحب ضرع وَكَانَ قابيل
أكبرهما وَكَانَت لَهُ أُخْت أحسن من أُخْت هابيل وَإِن هابيل
طلب أَن ينْكح أُخْت قابيل فَأبى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ اختي
ولدت معي وَهِي أحسن من أختك وَأَنا أَحَق أَن أتزوّج بهَا
فَأمره أَبوهُ أَن يتزوّجها هابيل فَأبى وإنهما قَرَّبَا
قرباناً إِلَى الله أَيهمَا أَحَق
(3/54)
بالجارية وَكَانَ آدم قد غَابَ عَنْهُمَا
إِلَى مَكَّة ينظر إِلَيْهَا فَقَالَ آدم للسماء: احفظي وَلَدي
بالأمانة فَأَبت وَقَالَ للْأَرْض فَأَبت وَقَالَ للجبال
فَأَبت فَقَالَ لقابيل فَقَالَ: نعم تذْهب وَترجع وتجد أهلك
كَمَا يَسُرك
فَلَمَّا انْطلق آدم قربا قرباناً وَكَانَ قابيل يفخر عَلَيْهِ
فَقَالَ: أَنا أَحَق بهَا مِنْك هِيَ أُخْتِي وَأَنا أكبر
مِنْك وَأَنا وَصِيّ وَالِدي فَلَمَّا قربا قرب هابيل جَذَعَة
سَمِينَة وَقرب قابيل حزمة سنبل فَوجدَ فِيهَا سنبلة عَظِيمَة
ففركها فَأكلهَا فَنزلت النَّار فَأكلت قرْبَان هابيل وَتركت
قرْبَان قابيل فَغَضب وَقَالَ: لأَقْتُلَنك حَتَّى لَا تنْكح
أُخْتِي
فَقَالَ هابيل {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
{إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك} يَقُول: إِثْم قَتْلِي
إِلَى إثمك الَّذِي فِي عُنُقك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد جيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نهى أَن ينْكح الْمَرْأَة أخاها توأمها وَأَن ينْكِحهَا غَيره
من اخوتها وَكَانَ يُولد لَهُ فِي كل بطن رجل وَامْرَأَة
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك ولد لَهُ امْرَأَة وضيئة وَأُخْرَى
قبيحة ذميمة فَقَالَ أَخُو الذميمة: انكحني أختك وأنكحك
أُخْتِي
قَالَ: لَا أَنا أَحَق بأختي فقربا قرباناً فجَاء صَاحب الْغنم
بكبش أَبيض وَصَاحب الزَّرْع بصبرة من طَعَام فَتقبل من صَاحب
الْكَبْش فخزنه الله فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَهُوَ
الْكَبْش الَّذِي ذبحه إِبْرَاهِيم وَلم يقبل من صَاحب
الزَّرْع فبنو آدم كلهم من ذَلِك الْكَافِر
وَأخرج إِسْحَق بن بشر فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن عَسَاكِر فِي
تَارِيخه من طَرِيق جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَن الضَّحَّاك عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: ولد لآدَم أَرْبَعُونَ ولدا عشرُون
غُلَاما وَعِشْرُونَ جَارِيَة فَكَانَ مِمَّن عَاشَ مِنْهُم
هابيل وقابيل وَصَالح وَعبد الرَّحْمَن وَالَّذِي كَانَ
سَمَّاهُ عبد الْحَارِث وود وَكَانَ يُقَال لَهُ شِيث وَيُقَال
لَهُ هبة الله وَكَانَ اخوته قد سودوه وَولد لَهُ سواع ويغوث
ونسر وَإِن الله أمره أَن يفرق بَينهم فِي النِّكَاح ويزوج
أُخْت هَذَا من هَذَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ من شَأْن
ابْني آدم أَنه لم يكن مِسْكين يتَصَدَّق عَلَيْهِ وَإِنَّمَا
كَانَ القربان يقربهُ الرجل فَبينا ابْنا آدم قاعدان إِذْ
قَالَا: لَو قربنا قرباناً وَكَانَ أَحدهمَا رَاعيا وَالْآخر
حراثاً وَإِن صَاحب الْغنم قرب خير غنمه واسمنه وَقرب الآخر
بعض زرعه فَجَاءَت النَّار فَنزلت فَأكلت الشَّاة
(3/55)
وَتركت الزَّرْع وَإِن ابْن آدم قَالَ
لِأَخِيهِ: أتمشي فِي النَّاس وَقد علمُوا أَنَّك قربت قرباناً
فَتقبل مِنْك وردَّ عليَّ فَلَا وَالله لَا ينظر النَّاس إليّ
وَإِلَيْك وَأَنت خير مني فَقَالَ: لأَقْتُلَنك
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنبي {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من
الْمُتَّقِينَ لَئِن بسطت إليّ يدك لتقتلني مَا أَنا بباسط
يَدي إِلَيْك لأقتلك} لَا أَنا مستنصر ولأمسكن يَدي عَنْك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: إِن ابْني آدم اللَّذين
قربا قرباناً كَانَ أَحدهمَا صَاحب حرث وَالْآخر صَاحب غنم
وأنهما أُمِرَا أَن يُقَرِّبَا قرباناً وَأَن صَاحب الْغنم قرب
أكْرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبَة بهَا نَفسه وَإِن صَاحب
الْحَرْث قرب شَرّ حرثه الكردن والزوان غير طيبَة بهَا نَفسه
وَإِن الله تقبل قرْبَان صَاحب الْغنم وَلم يقبل قرْبَان صَاحب
الْحَرْث وَكَانَ من قصتهما مَا قصّ الله فِي كِتَابه وَايْم
الله إِن كَانَ الْمَقْتُول لأشد الرجالين [الرجلَيْن] وَلكنه
مَنعه التحرج أَن يبسط يَده إِلَى أَخِيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ ابْني آدم} قَالَ: هابيل
وقابيل لصلب آدم قرب هابيل عنَاقًا من أحسن غنمه وَقرب قابيل
زرعا من زرعه فَتقبل من صَاحب الشَّاة فَقَالَ لصَاحبه:
لأَقْتُلَنك
فَقتله
فعقل الله إِحْدَى رجلَيْهِ بساقه إِلَى فَخذهَا من يَوْم
قَتله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَجعل وَجهه إِلَى الْيمن
حَيْثُ دارت عَلَيْهِ حَظِيرَة من ثلج فِي الشتَاء وَعَلِيهِ
فِي الصَّيف حَظِيرَة من نَار وَمَعَهُ سَبْعَة أَمْلَاك كلما
ذهب ملك جَاءَ الآخر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {واتل
عَلَيْهِم نبأ ابْني آدم بِالْحَقِّ} قَالَ: كَانَا من بني
إِسْرَائِيل وَلم يَكُونَا ابْني آدم لصلبه وَإِنَّمَا كَانَ
القربان فِي بني اسرئيل وَكَانَ أوّل من مَاتَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لِأَن استيقن
ان الله تقبل مني صَلَاة وَاحِدَة أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا
ومافيها إِن الله يَقُول {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من
الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن عَليّ بن
أبي طَالب قَالَ: لايقل عمل مَعَ تقوى وَكَيف يقل مايتقبل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز
أَنه كتب إِلَى رجل: أوصيك بتقوى الله الَّذِي لايقبل غَيرهَا
ولايرحم إِلَّا عَلَيْهَا ولايثيب إِلَّا عَلَيْهَا فَإِن
الواعظين بهَا كثير والعاملين بهَا قَلِيل
(3/56)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يزِيد
الْعيص: سَأَلت مُوسَى بن أعين عَن قَوْله عز وَجل {إِنَّمَا
يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ} قَالَ: تنزهوا عَن أَشْيَاء
من الْحَلَال مَخَافَة أَن يقعوا فِي الْحَرَام فسماهم الله
متقين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن فضَالة بن عبيد قَالَ: لِأَن
أكون اعْلَم أَن الله يقبل مني مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أحب
إِلَيّ من الدُّنْيَا ومافيها فَإِن الله يَقُول {إِنَّمَا
يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة قَالَ:
قَالَ عَامر بن عبد قيس آيَة فِي الْقُرْآن أحب إِلَيّ من
الدُّنْيَا جَمِيعًا أَن أعطَاهُ أَن يَجْعَلنِي الله من
الْمُتَّقِينَ فَإِنَّهُ قَالَ {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من
الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن همام بن يحيى قَالَ: بَكَى
عَامر بن عبد الله عِنْد الْمَوْت فَقيل لَهُ: مايبكيك قَالَ:
آيَة فِي كتاب الله
فَقيل لَهُ: أيّة آيَة قَالَ {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من
الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لايقبل عمل عبد حَتَّى يرضى
عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ثَابت قَالَ: كَانَ مطرف يَقُول:
اللَّهُمَّ تقبَّل مني صِيَام يَوْم اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي
حَسَنَة ثمَّ يَقُول {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من
الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِنَّمَا
يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ} قَالَ: الَّذين يَتَّقُونَ
الشّرك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن هِشَام بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ:
دخل سَائل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ لِابْنِهِ: اعطه دِينَار
فاعطاه فَلَمَّا انْصَرف قَالَ ابْنه: تقبل الله مِنْك ياأبتاه
فَقَالَ: لَو علمت أَن الله تقبل مني سَجْدَة وَاحِدَة أَو
صَدَقَة دِرْهَم لم يكن غَائِب أحب إِلَيّ من الْمَوْت تَدْرِي
مِمَّن يتَقَبَّل الله {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من
الْمُتَّقِينَ}
(3/57)
لَئِنْ بَسَطْتَ
إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ
إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي
وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ
جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)
- قَوْله تَعَالَى: لَئِن بسطت إِلَيّ يدك
لتقتلني مَا أَنا بباسط يَدي إِلَيْك لأقتلك إِنِّي أَخَاف
الله رب الْعَالمين إِنِّي أُرِيد أَن تبوأ بإثمي وإثمك فَتكون
من أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين
(3/57)
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{لَئِن بسطت إِلَيّ يدك} الْآيَة
قَالَ: كَانَ كتب عَلَيْهِم إِذا أَرَادَ الرجل رجلا تَركه
ولايمتنع مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل كتب عَلَيْهِم إِذا الرجل بسط
يَده إِلَى الرجل لايمتنع عَنهُ حَتَّى يقْتله أَو يَدعه
فَذَلِك قَوْله {لَئِن بسطت} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك} قَالَ: بقتلك
إيَّايَ {وإثمك} قَالَ: بِمَا كَانَ مِنْك قبل ذَلِك
وَأخرج عَن قَتَادَة وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {إِنِّي أُرِيد
أَن تبوء بإثمي وإثمك} قَالَ: ترجع بإثمي وإثمك الَّذِي عملت
فتستوجب النَّار
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الشَّاعِر يَقُول: من كَانَ كَارِه عيشه فليأتنا يلقى الْمنية
أَو يبوء عناء وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعد بن أبي وَقاص: أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُون فتْنَة
الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم والقائم خير من الْمَاشِي
والماشي خير من السَّاعِي قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن دخل عَليّ
بَيْتِي فَبسط إليّ يَده ليقتلني قَالَ: كن كَابْن آدم وتلا
{لَئِن بسطت إلىّ يدك لتقتلني} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْحَاكِم عَن أبي ذَر قَالَ ركب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا وأردفني خَلفه
فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر أَرَأَيْت إِن أصَاب النَّاس جوع
لاتستطيع أَن تقوم من فراشك إِلَى مسجدك كَيفَ تصنع قلت: الله
وَرَسُوله أعلم قَالَ: تعفف يَا أباذر أَرَأَيْت إِن أصَاب
النَّاس موت شَدِيد يكون الْبَيْت فِيهِ بِالْعَبدِ يَعْنِي
الْقَبْر قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: اصبر يَا أَبَا ذَر
قَالَ: أَرَأَيْت إِن قتل النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى تغرق
حِجَارَة الزَّيْت من الدِّمَاء كَيفَ تصنع قلت: الله
وَرَسُوله أعلم قَالَ: اقعد فِي بَيْتك واغلق بابك
قلت: فَإِن لم أترك قَالَ: فَائت من أنق مِنْهُم فَكُن فيهم
قلت: فآخذ سلاحي قَالَ: إِذن تشاركهم فِيمَا هم فِيهِ وَلَكِن
إِن خشيت أَن يروّعك شُعَاع السَّيْف فالق طرف ردائك على وَجهك
حَتَّى يبوء بإثمه وإثمك فَيكون من أَصْحَاب النَّار
(3/58)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اكسروا سيفكم يَعْنِي
فِي الْفِتْنَة واقطعوا أوتاركم والزموا أَجْوَاف الْبيُوت
وَكُونُوا فِيهَا كالخير من ابْني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة قَالَ: لَئِن اقتتلتم
لأنتظرن أقْصَى بَيت فِي دَاري فلألجنه فلئن عليَّ فلأقولن:
هَا بؤ بإثمي وإثمك كخير ابْني آدم
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبي نَضرة قَالَ: دخل
أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ يَوْم الْحرَّة غاراً فَدخل عَلَيْهِ
الْغَار رجل وَمَعَ أبي سعيد السَّيْف فَوَضعه أَبُو سعيد
وَقَالَ: بؤ بإثمي وإثمك وَكن من أَصْحَاب النارولفظ ابْن سعد
وَقَالَ: {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك فَتكون من
أَصْحَاب النَّار} قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: أَنْت
قَالَ: نعم
قَالَ: فَاسْتَغْفر لي
قَالَ: غفر الله لَك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْني آدم ضربا مثلا
لهَذِهِ الْأمة فَخُذُوا بِالْخَيرِ مِنْهُمَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ياأيها النَّاس أَلا إِن ابْن
آدم ضربا لكم مثلا فتشبهوا بخيرهما وَلَا تتشبهوا بشرهما
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن
أَبِيه قَالَ: قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله ضرب لكم ابْني آدم
مثلا فَخُذُوا خيرهما ودعوا شرهما
قَالَ بلَى
وَأخرج الْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِنَّهَا سَتَكُون
فتن أَلا ثمَّ تكون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم
والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي والماشي فِيهَا خير من
السَّاعِي إِلَيْهَا فَإِذا نزلت فَمن كَانَ لَهُ إبل فليلحق
بإبله وَمن كَانَ لَهُ أَرض فليلحق بأرضه
فَقيل: أَرَأَيْت يارسول الله إِن لم يكن لَهُ ذَلِك قَالَ:
فليأخذ حجرا فليدق بِهِ على حد سَيْفه ثمَّ لينج إِن
اسْتَطَاعَ النجَاة اللَّهُمَّ هَل بلغت ثَلَاثًا
فَقَالَ رجل: يارسول الله أَرَأَيْت إِن أكرهت حَتَّى ينْطَلق
بِي إِلَى أحد الصفين فيرميني رجل بِسَهْم أَو يضربني بِسيف
فَيَقْتُلنِي قَالَ يبوء بإثمه وإثمك فَيكون من أَصْحَاب
النَّار
قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة أَنه قيل لَهُ: مَا
تَأْمُرنَا إِذا قتل المصلون قَالَ: آمُرك أَن تنظر أقْصَى
بَيت فِي دَارك فلتج فِيهِ فَإِن دخل عَلَيْك فَتَقول لَهُ:
بُؤْ بإثمي وإثمك فَتكون كَابْن آدم
(3/59)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن خَالِد بن
عرفطة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ياخالد إِنَّه سَيكون بعدِي أَحْدَاث وَفتن وَاخْتِلَاف فَإِن
اسْتَطَعْت أَن تكون عبد الله الْمَقْتُول لَا الْقَاتِل فافعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يكون فتْنَة
النَّائِم فِيهَا خير من المضطجع والمضطجع خير من الْقَاعِد
والقاعد خير من الْمَاشِي والماشي خير من السَّاعِي قتلاها
كلهَا فِي النَّار
قَالَ: يارسول الله فيمَ تَأْمُرنِي إِن أدْركْت ذَلِك قَالَ:
ادخل بَيْتك
قلت: أَفَرَأَيْت إِن إِن دخل عليَّ قَالَ: قل بؤ بإثمي وإثمك
وَكن عبد الله الْمَقْتُول
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن
الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: من قتل مَظْلُوما كفَّر الله كل ذَنْب
عَنهُ وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي
وإثمك}
وَأخرج ابْن سعد عَن خباب بن الْأَرَت عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من
الْقَائِم والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي والماشي فِيهَا خير
من السَّاعِي فَإِن أدْركْت ذَلِك فَكُن عبد الله الْمَقْتُول
ولاتكن عبد الله الْقَاتِل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يعجز أحدكُم أَتَاهُ الرجل أَن يقْتله أَن
يَقُول هَكَذَا وَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى
فَيكون كالخير من ابْني آدم وَإِذا هُوَ فِي الْجنَّة وَإِذا
هُوَ فِي الْجنَّة وَإِذا قَاتله فِي النَّار
(3/60)
فَطَوَّعَتْ لَهُ
نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: فطوّعت لَهُ نَفسه قتل
أَخِيه فَقتله فَأصْبح من الخاسرين
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {فطوّعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} قَالَ: زيَّنت لَهُ
نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة
{فطوّعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} ليَقْتُلهُ فرَاغ الْغُلَام
مِنْهُ فِي رُؤُوس الْجبَال فَأَتَاهُ يَوْمًا من الْأَيَّام
وَهُوَ يرْعَى غنما لَهُ وَهُوَ نَائِم فَرفع صَخْرَة فشدخ
بهَا رَأسه فَمَاتَ فَتَركه بالعراء ولايدري كَيفَ يدْفن فَبعث
الله غرابين أَخَوَيْنِ فاقتتلا فَقتل أَحدهمَا صَاحبه فحفر
لَهُ ثمَّ حثا عَلَيْهِ التُّرَاب فَلَمَّا رَآهُ قَالَ:
ياويلتا أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب
(3/60)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ:
ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ لم يدر كَيفَ يقْتله فتمثل لَهُ
إِبْلِيس فِي صُورَة طير فَأخذ طيراً فَوضع رَأسه بَين حجرين
فشدخ رَأسه فَعلمه الْقَتْل
وَأخرج عَن مُجَاهِد نَحوه
وَأخرج ابْن جرير عَن خَيْثَمَة قَالَ: لما قتل ابْن آدم
أَخَاهُ شفت الأَرْض دَمه فلعنت فَلم تشف الأَرْض دَمًا بعد
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بِدِمَشْق جبل يُقَال لَهُ قاسيون فِيهِ
قتل ابْن آدم أَخَاهُ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَمْرو بن خَبِير الشَّعْبَانِي
قَالَ: كنت مَعَ كَعْب الْأَحْبَار على جبل دير المران فَرَأى
لجة سَائِلَة فِي الْجَبَل فَقَالَ: هَهُنَا قتل ابْن آدم
أَخَاهُ وَهَذَا أثر دَمه جعله الله آيَة للْعَالمين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن كَعْب قَالَ: إِن الدَّم
الَّذِي على جبل قاسيون هُوَ دم ابْن آدم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: إِن الأَرْض نشفت دم ابْن
آدم الْمَقْتُول فلعن ابْن آدم الأَرْض فَمن أجل ذَلِك لاتنشف
الأَرْض دَمًا بعد دم هابيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن عَن عبد الرَّحْمَن بن
فضَالة قَالَ: لما قتل قابيل هابيل مسح الله عقله وخلع فُؤَاده
تائها حَتَّى مَاتَ
قَوْله تَعَالَى: {فَأصْبح من الخاسرين} أخرج أَحْمد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتقتل نفس ظلما
إِلَّا كَانَ على ابْن آدم الأول كفل من دَمهَا لِأَنَّهُ أول
من سنّ الْقَتْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماقتلت نفس ظلما إِلَّا
كَانَ على ابْن آدم قَاتل الأول كفل من دَمهَا لِأَنَّهُ أول
من سنّ الْقَتْل
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن أَشْقَى
النَّاس رجلا لِابْنِ آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ مَا سفك دم فِي
الأَرْض مُنْذُ قتل أَخَاهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا
لحق بِهِ مِنْهُ شَيْء وَذَلِكَ أَنه أول من سنّ الْقَتْل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْقَى النَّاس ثَلَاثَة:
(3/61)
عَاقِر نَاقَة ثَمُود وَابْن آدم الَّذِي
قتل أَخَاهُ مَا سفك على الأَرْض من دم إِلَّا لحقه مِنْهُ
لِأَنَّهُ أول من سنّ الْقَتْل
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن
عَمْرو قَالَ إِنَّا لنجد ابْن آدم الْقَاتِل يقاسم أهل
النَّار قسْمَة صَحِيحَة الْعَذَاب عَلَيْهِ شطر عَذَابهمْ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت من
طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَن أبي أَيُّوب الْيَمَانِيّ عَن
رجل من قومه يُقَال لَهُ عبد الله أَنه وَنَفَرًا من قومه
ركبُوا الْبَحْر وَإِن الْبَحْر أظلم عَلَيْهِم أَيَّامًا ثمَّ
انجلت عَنْهُم تِلْكَ الظلمَة وهم قرب قَرْيَة
قَالَ عبد الله: فَخرجت ألتمس المَاء وَإِذا أَبْوَاب مغلقة
تجأجأ فِيهَا الرّيح فهتفت فِيهَا فَلم يجبني أحد فَبينا أَنا
على ذَلِك إِذْ طلع عليَّ فارسان فسألا عَن أَمْرِي فأخبرتهما
الَّذِي أَصَابَنَا فِي الْبَحْر وَأَنِّي خرجت أطلب المَاء
فَقَالَا لي: اسلك فِي هَذِه السِّكَّة فَإنَّك ستنتهي إِلَى
بركَة فِيهَا مَاء فاستق مِنْهَا ولايهولنك ماترى فِيهَا
فَسَأَلتهمَا عَن تِلْكَ الْبيُوت المغلقة الَّتِي تجأجىء
فِيهَا الرّيح فَقَالَا: هَذِه بيُوت أَرْوَاح الْمَوْتَى
فَخرجت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى الْبركَة فَإِذا فِيهَا رجل
مُعَلّق منكوس على رَأسه يُرِيد أَن يتَنَاوَل المَاء بِيَدِهِ
فَلَا يَنَالهُ فَلَمَّا رَآنِي هتف بِي وَقَالَ: يَا عبد الله
اسْقِنِي فغرفت بالقدح لأناوله فقبضت يَدي فَقلت: أَخْبرنِي من
أَنْت فَقَالَ: أَنا ابْن آدم أول من سفك دَمًا فِي الأَرْض
(3/62)
فَبَعَثَ اللَّهُ
غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي
سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ
مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)
- قَوْله تَعَالَى: فَبعث الله غرابا
يبْحَث فِي الأَرْض ليريه كَيفَ يواري سوأة أَخِيه قَالَ
ياويلتا أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي
فَأصْبح من النادمين
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة قَالَ: لما قَتله
نَدم ضمه إِلَيْهِ حَتَّى أروح وعكفت عَلَيْهِ الطير
وَالسِّبَاع تنْتَظر مَتى يَرْمِي بِهِ فتأكله وَكره أَن
يَأْتِي بِهِ آدم فيحزنه فَبعث الله غرابين قتل أَحدهمَا الآخر
وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ ثمَّ حفر بِهِ بمنقاره وبرجليه حَتَّى
مكَّن لَهُ ثمَّ دَفعه بِرَأْسِهِ حَتَّى أَلْقَاهُ فِي الحفرة
ثمَّ بحث عَلَيْهِ برجليه حَتَّى واراه فَلَمَّا رأى مَا صنع
الْغُرَاب {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب
فأواري سوأة أخي}
(3/62)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله غرابين فاقتتلا فَقتل أَحدهمَا
الآخر ثمَّ جعل يحثو عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى واراه فَقَالَ
ابْن آدم الْقَاتِل: {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون مثل هَذَا
الْغُرَاب فأواري سوأة أخي}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
جَاءَ غراب إِلَى غراب ميت فَحَثَا عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى
واراه فَقَالَ الَّذِي قتل أَخَاهُ {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون
مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مكث يحمل أَخَاهُ
فِي جراب على رقبته سنة حَتَّى بعث الله بغرابين فرآهما يبحثان
فَقَالَ {أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب} فَدفن أَخَاهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد
قَالَ: ان آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر مكث مائَة عَام لايضحك
حزنا عَلَيْهِ فَأتى على رَأس الْمِائَة فَقيل لَهُ: حياك الله
وبياك وَبشر بِغُلَام فَعِنْدَ ذَلِك ضحك
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: لما قتل ابْن آدم بَكَى آدم فَقَالَ: تَغَيَّرت
الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا فلون الأَرْض مغبر قَبِيح تغير كل
ذِي لون وَطعم وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح فَأُجِيب آدم
عَلَيْهِ السَّلَام: أَبَا هابيل قد قتلا جَمِيعًا وَصَارَ
الْحَيّ بِالْمَيتِ الذَّبِيح وَجَاء بشره قد كَانَ مِنْهُ على
خوف فجَاء بهَا يَصِيح وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قتل ابْن آدم أَخَاهُ قَالَ آدم
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن
عَلَيْهَا فلون الأَرْض مغبر قَبِيح تغير كل ذِي لون وَطعم
وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح قتل قابيل هابيلا أَخَاهُ فواحزنا
مضى الْوَجْه الْمليح فَأَجَابَهُ إِبْلِيس عَلَيْهِ
اللَّعْنَة: تَنَح عَن الْبِلَاد وساكنيها فَبِي فِي الْخلد
ضَاقَ بك الفسيح
(3/63)
وَكنت بهَا وزوجك فِي رخاء وقلبك من أَذَى
الدُّنْيَا مريح فَمَا انفكت مكايدتي ومكري إِلَى أَن فاتك
الثّمن الربيح
(3/64)
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ
رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ
بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
- قَوْله تَعَالَى: من أجل ذَلِك كتبنَا
على بني إِسْرَائِيل أَنه من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد
فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا وَمن
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا وَلَقَد
جَاءَتْهُم رسلنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثمَّ إِن كثيرا مِنْهُم بعد
ذَلِك فِي الأَرْض لمسرفون
- أخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {من أجل ذَلِك
كتبنَا على بني إِسْرَائِيل} يَقُول: من أجل ابْن آدم الَّذِي
قتل أَخَاهُ ظلما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي
قَوْله {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض
فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} عِنْد الْمَقْتُول يَقُول:
فِي الْإِثْم {وَمن أَحْيَاهَا} فاستنقذها من هلكة
{فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} عِنْد المستنفذ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا}
قَالَ: أوبق نَفسه كَمَا لَو قتل النَّاس جَمِيعًا وَفِي
قَوْله {وَمن أَحْيَاهَا} قَالَ: من سلم من قَتلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: احياؤها
أَن لايقتل نفسا حرمهَا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: من قتل
نَبيا أَو إِمَام عدل فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دخلت على عُثْمَان
يَوْم الدَّار فَقلت: جِئْت لأنصرك
فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَيَسُرُّك أَن تقتل النَّاس
جَمِيعًا وإيار مَعَهم قلت: لَا
قَالَ: فَإنَّك إِن قتلت رجلا وَاحِدًا فَكَأَنَّمَا قتلت
النَّاس جَمِيعًا فَانْصَرف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا}
(3/64)
قَالَ: هَذِه مثل الَّتِي فِي سُورَة
النِّسَاء {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم
خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا
عَظِيما} النِّسَاء الْآيَة 93 يَقُول: لَو قتل النَّاس
جَمِيعًا لم يزدْ على مثل ذَلِك الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله
{من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا
قتل النَّاس جَمِيعًا} قَالَ: فِي الْوزر {وَمن أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} قَالَ: فِي الْأجر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَمن أَحْيَاهَا} قَالَ: من أنجاها من غرق أَو حرق
أَو هدم أَو هلكة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن
فِي قَوْله {وَمن أَحْيَاهَا} قَالَ: من قتل حميم فَعَفَا
عَنهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن أَنه قيل لَهُ فِي هَذِه الْآيَة:
أَهِي لنا كَمَا كَانَت لبني إِسْرَائِيل قَالَ: اي وَالَّذِي
لااله غَيره
(3/65)
إِنَّمَا جَزَاءُ
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ
تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا جَزَاء
الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض
فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من
خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا
وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم إِلَّا الَّذين تَابُوا
من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا إِن الله غَفُور رَحِيم
- أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله}
قَالَ: نزلت فِي الْمُشْركين مِنْهُم من تَابَ قبل أَن يقدر
عَلَيْهِ لم يكن عَلَيْهِ سَبِيل وَلَيْسَت تحرز هَذِه الْآيَة
الرجل الْمُسلم من الْحَد إِن قتل أَو أفسد فِي الأَرْض أَو
حَارب الله وَرَسُوله ثمَّ لحق بالكفار قبل أَن يقدروا
عَلَيْهِ لم يمنعهُ ذَلِك أَن يُقَام فِيهِ الْحَد الَّذِي
أَصَابَهُ
(3/65)
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ كَانَ قوم
من أهل الْكتاب بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عهد وميثاق فنقضوا الْعَهْد وأفسدوا فِي الأَرْض فَخير
الله نبيه فيهم إِن شَاءَ أَن يقتل وَإِن شَاءَ أَن يصلب وَإِن
شَاءَ أَن يقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف وَأما النَّفْي
فَهُوَ الْهَرَب فِي الأَرْض فَإِن جَاءَ تَائِبًا فَدخل فِي
الْإِسْلَام قُبِل مِنْهُ وَلم يُؤْخَذ بِمَا سلف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن سعد قَالَ: نزلت هَذِه
الْآيَة فِي الحرورية {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ
الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن أنس أَن نَفرا من عكل قدمُوا على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسلموا وآمنوا فَأَمرهمْ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتُوا إبل الصَّدَقَة فيشربوا
من أبوالها فَقتلُوا راعيها واستاقوها فَبعث النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي طَلَبهمْ فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم
وسمل أَعينهم وَلم يحسمهم وتركهم حَتَّى مَاتُوا فَأنْزل الله
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر
قَالَ: نزلت آيَة الْمُحَاربين فِي الْعرنِين
وَأخرج ابْن جرير قَالَ: قدم على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قوم من عرينة مضرورين فَأَمرهمْ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا صحوا واشتدوا قتلوا رعاء
اللقَاح ثمَّ صرخوا باللقاح عَامِدين بهَا إِلَى أَرض قَومهمْ
قَالَ جرير: فَبَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي نفر من الْمُسلمين فقدمنا بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم من
خلاف وسمل أَعينهم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا
جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن عبد الْملك بن
مَرْوَان كتب إِلَى أنس يسْأَله عَن هَذِه الْآيَة فَكتب
إِلَيْهِ أنس يُخبرهُ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أُولَئِكَ
النَّفر من الْعرنِين وهم من بجيلة
قَالَ أنس فَارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام وَقتلُوا الرَّاعِي
وَاسْتَاقُوا الْإِبِل وأخافوا السَّبِيل وَأَصَابُوا الْفرج
الْحَرَام فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جِبْرِيل عَن الْقَضَاء فِيمَن حَارب فَقَالَ: من سرق وأخاف
السَّبِيل واستحل الْفرج الْحَرَام فاصلبه
وَأخرج الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي إِيضَاح الْإِشْكَال من
طَرِيق أبي قلَابَة عَن أنس
(3/66)
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله}
قَالَ: هم من عكل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قدم على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال من بني فزاره قد مَاتُوا
هزالًا فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
لقاحه فسرقوها فطلبوا فَأتى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم وسمل أَعينهم قَالَ أَبُو
هُرَيْرَة: فيهم نزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين
يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} قَالَ: فَترك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْين بعد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
كَانَ نَاس من بني سليم أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام وهم كذبة ثمَّ قَالُوا:
إِنَّا نَجْتَوِي الْمَدِينَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه اللقَاح تَغْدُو عَلَيْكُم وَتَروح
فَاشْرَبُوا من أبوالها فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ
الصَّرِيخ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
قتلوا الرَّاعِي وَسَاقُوا النعم فَرَكبُوا فِي أَثَرهم فَرجع
صحابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أَسرُّوا
مِنْهُم فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم فَأنْزل
الله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله}
الْآيَة
فَقتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم وصلب وَقطع
وسمل الْأَعْين قَالَ: فَمَا مثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قبل ولابعد وَنهى عَن الْمثلَة وَقَالَ: لاتمثلوا
بِشَيْء
وَأخرج مُسلم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ
إِنَّمَا سمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعين
أُولَئِكَ لأَنهم سملوا أعين الرُّعَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء
الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي سودان عرينة أَتَوا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وبهم المَاء الْأَصْفَر فشكوا ذَلِك إِلَيْهِ
فَأَمرهمْ فَخَرجُوا إِلَى إبل الصَّدَقَة فَقَالَ اشربوا من
أبوالها وَأَلْبَانهَا فَشَرِبُوا حَتَّى إِذا صحوا وبرئوا
قتلوا الرُّعَاة وَاسْتَاقُوا الْإِبِل فَبعث رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتى بهم فَأَرَادَ أَن يسمل أَعينهم
فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَأمره أَن يُقيم فيهم الْحُدُود
كَمَا أنزل الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ: ذكرت لليث بن
سعد ماكان من سمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَترك
حسمهم حَتَّى مَاتُوا فَقَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن عجلَان
يَقُول: أنزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم معاتبة فِي ذَلِك وعلَّمه عُقُوبَة مثلهم من
الْقطع وَالْقَتْل وَالنَّفْي وَلم يسمل بعدهمْ وَغَيرهم
قَالَ: وَكَانَ هَذَا القَوْل ذكر لِابْنِ عمر فَأنْكر أَن
تكون نزلت معاتبة وَقَالَ: بل كَانَت عُقُوبَة ذَلِك النَّفر
(3/67)
بأعيانهم ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة فِي
عُقُوبَة غَيرهم مِمَّن حَارب بعدهمْ فَرفع عَنهُ السمل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن
أبي الزِّنَاد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما
قطع الَّذين أخذُوا لقاحه وسمل أَعينهم عاتبه الله فِي ذَلِك
فَأنْزل الله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله
وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق
وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله
وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: إِذا خرج الْمُحَارب فَأخذ المَال وَلم يقتل يقطع من
خلاف واذا خرج فَقتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل وَإِذا خرج فَقتل
وَأخذ المَال قتل وصلب واذا خرج فَأَخَاف السَّبِيل وَلم
يَأْخُذ المَال وَلم يقتل نفي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء
الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: من شهر السِّلَاح فِي قبَّة الْإِسْلَام وأفسد
السَّبِيل وَظهر عَلَيْهِ وَقدر فإمام الْمُسلمين مخيَّر فِيهِ
إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ صلبه وَإِن شَاءَ قطع يَده وَرجله
قَالَ {أَو ينفوا من الأَرْض} يهربوا يخرجُوا من دَار
الْإِسْلَام إِلَى دَار الْحَرْب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والنحاس فِي ناسخه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ لايحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث
خِصَال: زَان مُحصن يرْجم وَرجل قتل مُتَعَمدا فَيقْتل وَرجل
خرج من الْإِسْلَام فحارب فَيقْتل أَو يصلب أَو ينفى من
الأَرْض
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس
أَن قوما من عرينة جاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فأسلموا وَكَانَ مِنْهُم مواربة قد شلت أعضاؤهم واصفرت
وُجُوههم وعظمت بطونهم فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى إبل الصَّدَقَة يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا
فَشَرِبُوا حَتَّى صحوا وسمنوا فعمدوا إِلَى راعي النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَتَلُوهُ وَاسْتَاقُوا الْإِبِل
وَارْتَدوا عَن الْإِسْلَام وَجَاء جِبْرِيل فَقَالَ: يامحمد
ابْعَثْ فِي آثَارهم فَبعث ثمَّ قَالَ: ادْع بِهَذَا
الدُّعَاء: اللَّهُمَّ إِن السَّمَاء سماؤك وَالْأَرْض أَرْضك
والمشرق مشرقك وَالْمغْرب مغربك اللَّهُمَّ ضيق [] من مسك حمل
حَتَّى تقدرني عَلَيْهِم
فجاؤوا بهم فَأنْزل الله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين
يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
فَأمره جِبْرِيل أَن من أَخذ المَال وَقتل يصلب وَمن قتل وَلم
يَأْخُذ المَال يقتل وَمن
(3/68)
أَخذ المَال وَلم يقتل تقطع يَده وَرجله من
خلاف وَقَالَ ابْن عَبَّاس هَذَا الدُّعَاء: لكل آبق وَلكُل من
ضلت لَهُ ضَالَّة من انسان وَغَيره يَدْعُو هَذَا الدُّعَاء
وَيكْتب فِي شَيْء ويدفن فِي مَكَان نظيف إِلَّا قدره الله
عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين
يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: هَذَا الَّذِي يقطع الطَّرِيق فَهُوَ محَارب فَإِن قتل
وَأخذ مَالا صلب وَإِن قتل وَلم يَأْخُذ مَالا قتل وَإِن أَخذ
مَالا وَلم يقتل قطعت يَده وَرجله وَإِن أَخذ قبل أَن يفعل
شَيْئا من ذَلِك نفي وَأما قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا من
قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} فَهَؤُلَاءِ خَاصَّة وَمن أصَاب
دَمًا ثمَّ تَابَ من قبل أَن يقدر عَلَيْهِ أهْدر عَنهُ مامضى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء وَمُجاهد
قَالَا: الإِمَام فِي ذَلِك مُخَيّر إِن شَاءَ قتل وَإِن شَاءَ
قطع وَإِن شَاءَ صلب وَإِن شَاءَ نفى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن
وَالضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالُوا: الإِمَام مخيَّر فِي
الْمُحَارب يصنع بِهِ ماشاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك فال كَانَ قوم
بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِيثَاق
فنقضوا الْعَهْد وقطعو السبل وأفسدوا فِي الأَرْض فَخير الله
نبيه فيهم إِن شَاءَ قتل وَإِن شَاءَ صلب وَإِن شَاءَ قطع
أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض
قَالَ: هُوَ أَن يطلبوا حَتَّى يعْجزُوا فَمن تَابَ قبل أَن
يقدروا عَلَيْهِ قبل ذَلِك مِنْهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن الضَّحَّاك قَالَ: نزلت
هَذِه الْآيَة فِي الْمُشْركين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نَفْيه أَن
يَطْلُبهُ الإِمَام حَتَّى يَأْخُذهُ أَقَامَ عَلَيْهِ إِحْدَى
هَذِه الْمنَازل الَّتِي ذكر الله بِمَا اسْتحلَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {أَو ينفوا من
الأَرْض} قَالَ: من بلد إِلَى بلد
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: ينفى حَتَّى لايقدر
عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله
{أَو ينفوا من الأَرْض} قَالَ: نَفْيه أَن يطْلب فَلَا
يقدرعليه كلما سمع بِهِ أَرض طلب
(3/69)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي
الْآيَة قَالَ: يخرجُوا من الأَرْض أَيْنَمَا أدركوا خَرجُوا
حَتَّى يلْحقُوا بِأَرْض الْعَدو
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: من
أَخَاف سَبِيل الْمُؤمنِينَ نفي من بلد إِلَى غَيره
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويسعون فِي
الأَرْض فَسَادًا} قَالَ: الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَقتل النَّفس
وهلاك الْحَرْث والنسل
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَسَعِيد بن
جُبَير قَالَا: ان جَاءَ تَائِبًا لم يقطع مَالا ولاسفك دَمًا
فَذَلِك الَّذِي قَالَ الله {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل
أَن تقدروا عَلَيْهِم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا
فِي كتاب الْأَشْرَاف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ حَارِثَة بن بدر التَّمِيمِي من أهل
الْبَصْرَة قد أفسد فِي الأَرْض وَحَارب وكلم رجَالًا من
قُرَيْش أَن يستأمنوا لَهُ عليا فَأَبَوا فَأتى سعيد بن قيس
الهمذاني فَأتى عليا فَقَالَ: ياأمير الْمُؤمنِينَ ماجزاء
الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض
فَسَادًا قَالَ: أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم
وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ثمَّ قَالَ {إِلَّا
الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} فَقَالَ سعيد:
وَإِن كَانَ حَارِثَة بن بدر فَقَالَ: هَذَا حَارِثَة بن بدر
قد جَاءَ تَائِبًا فَهُوَ آمن قَالَ: نعم
قَالَ: فجَاء بِهِ إِلَيْهِ فَبَايعهُ وقَبِل ذَلِك مِنْهُ
وَكتب لَهُ أَمَانًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الْأَشْعَث عَن رجل
قَالَ: صلى رجل مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْغَدَاة ثمَّ
قَالَ: هَذَا مقَام العائذ التائب أَنا فلَان بن فلَان أَنا
كنت مِمَّن حَارب الله وَرَسُوله وَجئْت تَائِبًا من قبل أَن
يقدر عليَّ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِن فلَان بن فلَان كَانَ
مِمَّن حَارب الله وَرَسُوله وَجَاء تَائِبًا من قبل أَن يقدر
عَلَيْهِ فلايعرض لَهُ أحد إِلَّا بِخَير فَإِن يكن صَادِقا
فسبيلي ذَلِك وَإِن يَك كَاذِبًا فَلَعَلَّ الله أَن يَأْخُذهُ
بِذَنبِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن رجل سرق سَرقَة
فجَاء تَائِبًا من غير أَن يُؤْخَذ عَلَيْهِ هَل عَلَيْهِ حد
قَالَ: لَا ثمَّ قَالَ: {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن
تقدروا عَلَيْهِم} الْآيَة
(3/70)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن السّديّ
فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله
وَرَسُوله} قَالَ: سمعنَا انه إِذا قَتَلَ قُتِلَ واذا أَخذ
المَال وَلم يقتل قطعت يَده بِالْمَالِ وَرجله بالمحاربة
وَإِذا قتل وَأخذ المَال قطعت يَده وَرجلَاهُ وصلب {إِلَّا
الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} فَإِن جَاءَ
تَائِبًا إِلَى الإِمَام قبل أَن يقدر عَلَيْهِ فَأَمنهُ
الإِمَام فَهُوَ آمن فَإِن قَتله إِنْسَان بعد أَن يعلم أَن
الإِمَام قد أَمنه قتل بِهِ فَإِن قَتله وَلم يعلم أَن
الإِمَام قد أَمنه كَانَت الدِّيَة
(3/71)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ
الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (35)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا اتَّقوا الله وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة وَجَاهدُوا
فِي سَبيله لَعَلَّكُمْ تفلحون
- أخرج عبد بن حميد وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {وابتغوا إِلَيْهِ
الْوَسِيلَة} قَالَ: الْقرْبَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {وابتغوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ: الْقرْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ: تقربُوا
إِلَى الله بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يرضيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي وَائِل قَالَ {الْوَسِيلَة} فِي
الْإِيمَان
وَأخرج الطستي وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء
عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ:
أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {وابتغوا إِلَيْهِ
الْوَسِيلَة} قَالَ: الْحَاجة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم
أما سَمِعت عنترة وَهُوَ يَقُول: إِن الرِّجَال لَهُم إِلَيْك
وَسِيلَة إِن يأخذوك تكللي وتخضبي
(3/71)
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ
بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)
- قَوْله يعالى: إِن الَّذين كفرُوا لَو
أَن لَهُم مافي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه ليفتدوا بِهِ من
عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تقبل مِنْهُم وَلَهُم عَذَاب
أَلِيم يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم
بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُم عَذَاب مُقيم
(3/71)
- أخرج مُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يخرج من النَّار قوم
فَيدْخلُونَ الْجنَّة
قَالَ يزِيد بن الْفَقِير: فَقلت لجَابِر بن عبد الله: يَقُول
الله {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم
بِخَارِجِينَ مِنْهَا} قَالَ: اتل أول الْآيَة {إِن الَّذين
كفرُوا لَو أَن لَهُم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه
ليفتدوا بِهِ من عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} أَلا إِنَّهُم
الَّذين كفرُوا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طلق بن حبيب قَالَ: كنت من
أَشد النَّاس تَكْذِيبًا للشفاعة حَتَّى لقِيت جَابر بن عبد
الله فَقَرَأت عَلَيْهِ كل آيَة أقدر عَلَيْهَا يذكر الله
فِيهَا خُلُود أهل النَّار
قَالَ: ياطلق أتراك أَقْرَأ لِكِتابِ الله وأَعْلَم لسنة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني إِن الَّذين قَرَأت
هم أَهلهَا هم الْمُشْركُونَ وَلَكِن هَؤُلَاءِ قوم أَصَابُوا
ذنوباً ثمَّ خَرجُوا مِنْهَا ثمَّ أَهْوى بيدَيْهِ إِلَى
أُذُنَيْهِ فَقَالَ: صمتا إِن لم أكن سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يخرجُون من النَّار بَعْدَمَا
دخلُوا وَنحن نَقْرَأ كَمَا قَرَأت
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لِابْنِ عَبَّاس {وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا}
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَيحك
اقْرَأ مافوقها هَذِه للْكفَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن الله إِذا فرغ من
الْقَضَاء بَين خلقه أخرج كتابا من تَحت عَرْشه فِيهِ:
رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ
قَالَ: فَيخرج من النَّار مثل أهل الْجنَّة أَو قَالَ مثلي أهل
الْجنَّة مَكْتُوب هَهُنَا مِنْهُم - وَأَشَارَ إِلَى نَحره -
عُتَقَاء الله تَعَالَى فَقَالَ رجل لعكرمة: يَا أَبَا عبد
الله فَإِن الله يَقُول {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار
وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} قَالَ: وَيلك
أُولَئِكَ هم أَهلهَا الَّذين هم أَهلهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أَشْعَث
قَالَ: قلت: أَرَأَيْت قَول الله {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من
النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فَقَالَ: إِنَّك
وَالله لاتسقط على شَيْء إِن للنار أَهلا لايخرجون مِنْهَا
كَمَا قَالَ الله تَعَالَى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: ماكان فِيهِ
عَذَاب مُقيم يَعْنِي دَائِم لاينقطع
(3/72)
وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا
كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
- قَوْله تَعَالَى: وَالسَّارِق والسارقة
فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا نكالاً من الله
وَالله عَزِيز حَكِيم
(3/72)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
نجدة الْحَنَفِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله
{وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} أخاص أم عَام
قَالَ: بل عَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن نجدة بن نفيع قَالَ: سَأَلت ابْن
عَبَّاس عَن قَوْله {وَالسَّارِق والسارقة} الْآيَة
قَالَ: ماكان من الرِّجَال وَالنِّسَاء قطع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ من طرق
عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ فَاقْطَعُوا أيمانهما
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه قَالَ: فِي قراءتنا وَرُبمَا قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد
الله والسارقون والسارقات فَاقْطَعُوا أَيْمَانهم
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{جَزَاء بِمَا كسبا نكالا من الله} قَالَ: لاترثوا لَهُم فِيهِ
فَإِنَّهُ أَمر الله الَّذِي أَمر بِهِ قَالَ: وَذكر لنا أَن
عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول: اشتدوا على الْفُسَّاق واجعلوهم
يدا يدا ورجلاً رجلا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاتقطع يَد السَّارِق إلافي ربع
دِينَار فَصَاعِدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن جريج عَن عَمْرو
بن شُعَيْب قَالَ إِن أول حد أقيم فِي الْإِسْلَام لرجل أَتَى
بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سرق فَشَهِدُوا
عَلَيْهِ فَأمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يقطع فَلَمَّا حف الرجل نظر إِلَى وَجه رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا سفى فِيهِ الرماد فَقَالُوا: يارسول
الله كَأَنَّهُ اشْتَدَّ عَلَيْك قطع هَذَا
قَالَ: ومايمنعني وَأَنْتُم أعون للشَّيْطَان على أخيكم
قَالُوا: فَأرْسلهُ
قَالَ: فَهَلا قبل أَن تَأْتُونِي بِهِ إِن الإِمَام إِذا
أَتَى بِحَدّ لم يسغْ لَهُ أَن يعطله
(3/73)
فَمَنْ تَابَ مِنْ
بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
- قَوْله تَعَالَى: فَمن تَابَ من بعد ظلمه
وَأصْلح فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ إِن الله غَفُور رَحِيم
ألم تعلم أَن الله لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض يعذب من
يَشَاء وَيغْفر لمن يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن
عمر أَن امْرَأَة سرقت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقطعت يَدهَا الْيُمْنَى
فَقَالَت: هَل لي من تَوْبَة يارسول
(3/73)
الله قَالَ: نعم أَنْت الْيَوْم من خطيئتك
كَيَوْم وَلدتك أمك فَأنْزل الله فِي سُورَة الْمَائِدَة {فَمن
تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ إِن
الله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{فَمن تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ}
يَقُول: الْحَد كَفَّارَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن
ثَوْبَان قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِرَجُل سرق شملة فَقَالَ: ماأخاله سرق أَو سرقت قَالَ: نعم
قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ احسموها ثمَّ
ائْتُونِي بِهِ فَأتوهُ بِهِ فَقَالَ: تبت إِلَى الله فَقَالَ:
إِنِّي أَتُوب إِلَى الله
قَالَ: اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن الْمُنْكَدر أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قطع رجلا ثمَّ أَمر بِهِ فحسم وَقَالَ: تب
إِلَى الله فَقَالَ أَتُوب إِلَى الله فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن السَّارِق إِذا قطعت يَده وَقعت فِي
النَّار فَإِن عَاد تبعها وَإِن تَابَ استشلاها يَقُول:
استرجعها
(3/74)
يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي
الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ
وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ
يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ
تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ
فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ (41)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الرَّسُول
لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر من الَّذين
قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم وَمن الَّذين هادوا
سماعون للكذب سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك يحرفُونَ الْكَلم من
بعد موَاضعه يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن
لم تؤتوه فاحذروا وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من
الله شَيْئا أُولَئِكَ الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم
لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم
- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ
فِي الْكفْر} قَالَ: هم الْيَهُود {من الَّذين قَالُوا آمنا
بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ إِن الله أنزل {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله
فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}
(3/74)
الْمَائِدَة الْآيَة 44 الظَّالِمُونَ
الْفَاسِقُونَ أنزلهَا الله فِي طائفتين من الْيَهُود قهرت
إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى ارتضوا
واصطلحوا على أَن كل قَتِيل قتلته الغريزة من الذليلة فديته
خَمْسُونَ وسْقا وكل قَتِيل قتلته الذليلة من الغريزة فديته
مائَة وسق فَكَانُوا على ذَلِك حَتَّى قدم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَنزلت الطائفتان كلتاهما
لمقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ لم يظْهر
عَلَيْهِم فَقَامَتْ الذليلة فَقَالَت: وَهل كَانَ هَذَا فِي
حيين قطّ دينهما وَاحِد ونسبهما وَاحِد وبلدهما وَاحِد ودية
بَعضهم نصف دِيَة بعض إِنَّمَا أعطيناكم هَذَا ضيماً مِنْكُم
لنا وفرقاً مِنْكُم فاما إِذْ قدم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فلانعطيكم ذَلِك فَكَادَتْ الْحَرْب تهيج بَينهم ثمَّ
ارتضوا على أَن يجْعَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَينهم ففكرت الغريزة فَقَالَت: وَالله مَا مُحَمَّد بمعطيكم
مِنْهُم ضعف مَا يعطيهم مِنْكُم وَلَقَد صدقُوا مَا أعطونا
هَذَا الاضيما وقهراً لَهُم فدسوا إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فاخبر الله رَسُوله بأمرهم كُله وماذا أَرَادوا
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين
يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} إِلَى قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا
أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} ثمَّ قَالَ: فيهم -
وَالله - أنزلت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن عَامر الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَلَا يحزنك الَّذين
يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} قَالَ: رجل من الْيَهُود قتل رجلا
من أهل دينه فَقَالُوا لحلفائهم من الْمُسلمين: سلوا مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن كَانَ يقْضِي بِالدِّيَةِ
اختصمنا إِلَيْهِ وَإِن كَانَ يقْضِي بِالْقَتْلِ لم نأته
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَحْبَار
الْيَهُود اجْتَمعُوا فِي بَيت الْمِدْرَاس حِين قدم رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَقد زنى رجل بعد
احصانه بِامْرَأَة من الْيَهُود وَقد أحصنت فَقَالُوا:
ابْعَثُوا هَذَا الرجل وَهَذِه الْمَرْأَة إِلَى مُحَمَّد
فَاسْأَلُوهُ كَيفَ الحكم فيهمَا وولوه الحكم فيهمَا فَإِن حكم
بعملكم من التجبية وَالْجَلد بِحَبل من لِيف مَطْلِي بقار ثمَّ
يسود وُجُوههمَا ثمَّ يحْملَانِ على حِمَارَيْنِ وُجُوههمَا من
قبل أدبار الْحمار فَاتَّبعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ ملك سيد
الْقَوْم وَإِن حكم فيهمَا بِالنَّفْيِ فَإِنَّهُ نَبِي
فَاحْذَرُوهُ على مَا فِي أَيْدِيكُم أَن يسلبكم
فَأتوهُ فَقَالُوا: يامحمد
هَذَا رجل قد زنى بعد إحْصَانه بِامْرَأَة قد أحصنت فاحكم
فيهمَا فقد وليناك الحكم فيهمَا فَمشى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى أَحْبَارهم فِي بَيت
(3/75)
الْمِدْرَاس فَقَالَ: يامعشر يهود أخرجُوا
إِلَيّ علمائكم فأخرجوا إِلَيْهِ عبد الله بن صوريا وياسر بن
أَخطب ووهب بن يهودا فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا
فَسَأَلَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حصل
أَمرهم إِلَى أَن قَالُوا لعبد الله بن صوريا: هَذَا أعلم من
بَقِي بِالتَّوْرَاةِ فَخَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِهِ وشدد الْمَسْأَلَة وَقَالَ: ياابن صوريا أنْشدك
الله وأذكرك أَيَّامه عِنْد بني إِسْرَائِيل هَل تعلم أَن الله
حكم فِيمَن زنى بعد إحْصَانه بِالرَّجمِ فِي التَّوْرَاة
فَقَالَ: اللَّهُمَّ نعم أما وَالله يَا أَبَا الْقَاسِم
إِنَّهُم ليعرفون أَنَّك مُرْسل وَلَكنهُمْ يحسدونك فَخرج
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بهما فَرُجِمَا
عِنْد بَاب الْمَسْجِد ثمَّ كفر بعد ذَلِك ابْن صوريا وَجحد
نبوّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر}
الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد
وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أول مرجوم رجمه رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيَهُود زنى رجل مِنْهُم
وَامْرَأَة فَقَالَ بَعضهم لبَعض: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا
النَّبِي فَإِنَّهُ نَبِي بعث بتَخْفِيف فَإِن أَفتانا
بِفُتْيَا دون الرَّجْم قبلناها واحتججنا بهَا عِنْد الله
وَقُلْنَا: فتيا نَبِي من أنبيائك
قَالَ: فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس
فِي الْمَسْجِد وَأَصْحَابه فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم
ماترى فِي رجل وَامْرَأَة مِنْهُم زَنَيَا فَلم يكلمهُ كلمة
حَتَّى أَتَى مِدْرَاسهمْ فَقَامَ على الْبَاب فَقَالَ: أنْشدك
الله الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ماتجدون فِي
التَّوْرَاة على من زنى إِذا أحصن قَالُوا يحمم ويجبه ويجلد
وَالتَّجْبِيَة أَن يحمل الزانيان على حمَار ويقابل أقفيتهما
وَيُطَاف بهما وَسكت شَاب فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سكت ألظ النِّشْدَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ
نَشَدتنَا فَإنَّا نجد فِي التَّوْرَاة الرَّجْم ثمَّ زنى رجل
فِي أسرة من النَّاس فَأَرَادَ رجمه فحال قومه دونه وَقَالُوا:
وَالله مانرجم صاحبنا حَتَّى تَجِيء بصاحبك فترجمه
فَاصْطَلَحُوا بِهَذِهِ الْعقُوبَة بَينهم
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَإِنِّي أحكم بِمَا
فِي التَّوْرَاة فَأمر بهما فرجمها
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَبَلغنَا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم
{إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا
النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا} الْمَائِدَة الْآيَة 44
فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والنحاس
فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن
(3/76)
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: مر
على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودِيّ محمم مجلود
فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: أهكذا تَجِدُونَ حد الزَّانِي فِي
كتابكُمْ قَالُوا: نعم فَدَعَا رجلا من عُلَمَائهمْ فَقَالَ:
أنْشدك بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى: أهكذا
تَجِدُونَ حد الواني فِي كنابكم قَالَ: اللَّهُمَّ لَا
وَلَوْلَا أَنَّك نشدتني بِهَذَا لم أخْبرك نجد حد الزَّانِي
فِي كتَابنَا الرَّجْم وَلكنه كثر فِي أشرافنا فَكُنَّا إِذا
أَخذنَا الشريف تَرَكْنَاهُ وَإِذا أَخذنَا الضَّعِيف
أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نجْعَل
شَيْئا نقيمه على الشريف والوضيع فَاجْتَمَعْنَا على التحميم
وَالْجَلد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اللَّهُمَّ إِنِّي أول من أَحْيَا أَمرك إِذْ أماتوه وَأمر
بِهِ فرجم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك
الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} إِلَى قَوْله {إِن
أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} وَإِن أفتاكم بِالرَّجمِ
{فاحذروا} إِلَى قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله
فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ فِي الْيَهُود {وَمن لم
يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
الْمَائِدَة الْآيَة 45 قَالَ: فِي النَّصَارَى إِلَى قَوْله
{وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ}
الْمَائِدَة الْآيَة 47 قَالَ: فِي الْكفَّار كلهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: إِن الْيَهُود
جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا
لَهُ رجلا مِنْهُم وَامْرَأَة زَنَيَا فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ماتجدون فِي التَّوْرَاة قَالُوا: نفصحهم
ويجلدون
قَالَ عبد الله بن سَلام: كَذبْتُمْ ان فِيهَا آيَة الرَّجْم
فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فنشروها فَوضع أحدهم يَده على آيَة
الرَّجْم فَقَالَ ماقبلها وَمَا بعْدهَا فَقَالَ عبد الله بن
سَلام: ارْفَعْ يدك فَرفع يَده فَإِذا آيَة الرَّجْم
قَالُوا: صدق فَأمر بهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَرُجِمَا
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لم
تؤتوه فاحذروا} قَالَ هم الْيَهُود زنت مِنْهُم امْرَأَة وَقد
كَانَ حكم الله فِي التَّوْرَاة فِي الزِّنَا الرَّجْم فنفسوا
أَن يرجموها وَقَالُوا: انْطَلقُوا إِلَى مُحَمَّد فَعَسَى أَن
تكون عِنْده رخصَة فَإِن كَانَت عِنْده رخصَة فاقبلوها فَأتوهُ
فَقَالُوا: ياأبا الْقَاسِم إِن امْرَأَة منا زنت فَمَا تَقول
فِيهَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَكيف حكم
الله فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي قَالُوا: دَعْنَا مِمَّا
فِي التَّوْرَاة وَلَكِن ماعندك فِي ذَلِك فَقَالَ: ائْتُونِي
(3/77)
بأعلمكم بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أنزلت على
مُوسَى
فَقَالَ لَهُم: بِالَّذِي نجاكم من آل فِرْعَوْن وَبِالَّذِي
فلق لكم الْبَحْر فانجاكم وَأغْرقَ آل فِرْعَوْن إِلَّا
أخبرتموني ماحكم الله فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي قَالُوا:
حكمه الرَّجْم فَأمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فرجمت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله {وَمن الَّذين
هادوا سماعون للكذب} قَالَ: يهود الْمَدِينَة {سماعون لقوم
آخَرين لم يأتوك} قَالَ: يهود فدك {يحرفُونَ الْكَلم} قَالَ:
يهود فدك {يَقُولُونَ} ليهود الْمَدِينَة {إِن أُوتِيتُمْ
هَذَا} الْجلد {فَخُذُوهُ وَإِن لم تؤتوه فاحذروا} الرَّجْم
وَأخرج الْحميدِي فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة
وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله
قَالَ: زنى رجل من أهل فدك فَكتب أهل فدك إِلَى نَاس من
الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ اسألوا مُحَمَّدًا عَن ذَلِك فَإِن
أَمركُم بِالْجلدِ فَخُذُوهُ عَنهُ وَإِن أَمركُم بِالرَّجمِ
فَلَا تأخذوه عَنهُ فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: أرْسلُوا
إليَّ أعلم رجلَيْنِ مِنْكُم فجاؤوا بِرَجُل أَعور يُقَال لَهُ
ابْن صوريا وَآخر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَهما أَلَيْسَ عندكما التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله قَالَا:
بلَى
قَالَ: فانشدك بِالَّذِي فلق الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل وظلل
عَلَيْكُم الْغَمَام ونجاكم من آل فِرْعَوْن وَأنزل
التَّوْرَاة على مُوسَى وَأنزل الْمَنّ والسلوى على بني
إِسْرَائِيل ماتجدون فِي التَّوْرَاة فِي شَأْن الرَّجْم
فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: مانشدت بِمثلِهِ قطّ: قَالَا: نجد
ترداد النّظر زنية والاعتناق زنية والقبل زنية فَإِذا شهد
أَرْبَعَة أَنهم رَأَوْهُ يبدىء وَيُعِيد كَمَا يدْخل الْميل
فِي المكحلة فقد وَجب الرَّجْم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَهُوَ كَذَلِك
فَأمر بِهِ فرجم فَنزلت {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم} إِلَى
قَوْله {يحب المقسطين} الْمَائِدَة الْآيَة 42
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ فِي قَوْله {وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي
الْكفْر} قَالَ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار زَعَمُوا أَنه
أَبُو لباتة أشارت اليه بَنو قُرَيْظَة يَوْم الْحصار ماالامر
على ماننزل فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَنه الذّبْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن الَّذين
هادوا سماعون للكذب} قَالَ: هم أَبُو يسرة وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {سماعون لقوم
آخَرين} قَالَ: يهود خَيْبَر
(3/78)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {سمَّاعون لقوم آخَرين}
قَالَ: هم أَيْضا سماعون ليهود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله
{يحرِّفون الْكَلم عَن موَاضعه} (الْمَائِدَة الْآيَة 13)
قَالَ: كَانَ يَقُول بني إِسْرَائِيل: يابني أحباري فحرفوا
ذَلِك فجعلوه يابني أبكاري فَذَلِك قَوْله {يحرفُونَ الْكَلم
عَن موَاضعه} وَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقْرَأها (يحرفُونَ الْكَلم
من موَاضعه)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{يحرفُونَ الْكَلم من بعد موَاضعه} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن هَذَا كَانَ فِي قَتِيل بني قُرَيْظَة
وَالنضير إِذْ قتل رجل من قُرَيْظَة قَتله النَّضِير وَكَانَت
النَّضِير إِذا قتلت من بني قُرَيْظَة لم يقيدوهم إِنَّمَا
يعطونهم الدِّيَة لفضلهم عَلَيْهِم فِي أنفسهم تعوذاً فَقدم
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَسَأَلَهُمْ
فأرادوا ان يرفعوا ذَلِك إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ليحكم بَينهم فَقَالَ لَهُم رجل من الْمُنَافِقين: إِن
قتيلكم هَذَا قَتِيل عمد وَإِنَّكُمْ مَتى ترفعون أمره إِلَى
مُحَمَّد أخْشَى عَلَيْكُم الْقود فَإِن قبل مِنْكُم الدِّيَة
فَخُذُوهُ وَإِلَّا فكونوا مِنْهُم على حذر
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} قَالَ: إِن
وافقكم وَإِن لم يوافقكم {فَاحْذَرُوهُ} يهود تَقول:
لِلْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{يحرفُونَ الْكَلم} يَعْنِي حُدُود الله فِي التَّوْرَاة
وَفِي قَوْله {يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُمْ هَذَا} قَالَ:
يَقُولُونَ إِن أَمركُم مُحَمَّد بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ
فاقبلوه وَإِن خالفكم فَاحْذَرُوهُ
وَفِي قَوْله {وَمن يرد الله فتنته} قَالَ: ضلالته {فَلَنْ
تملك لَهُ من الله شَيْئا} يَقُول: لن تغني عَنهُ شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لَهُم فِي
الدُّنْيَا خزي} قَالَ: أما خزيهم فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ
إِذا قَامَ الْهدى فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَقَتلهُمْ
فَذَلِك الخزي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} مَدِينَة
تفتح بالروم فيسبون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَهُم فِي
الدُّنْيَا خزي} قَالَ: يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون
(3/79)
سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ
فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
(42)
- قَوْله تَعَالَى: سماعون للكذب أكالون
للسحت فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم وَإِن تعرض
عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا وَإِن حكمت فاحكم بَينهم
بِالْقِسْطِ إِن الله يحب المقسطين
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سمَّاعون للكذب
أكَّالون للسحت} وَذَلِكَ أَنهم أخذُوا الرِّشْوَة فِي الحكم
وقضوا بِالْكَذِبِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
فِي قَوْله {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} قَالَ: تِلْكَ
أَحْكَام الْيَهُود يسمع كذبه وَيَأْخُذ رشوته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: السُّحت الرِّشْوَة فِي الدّين
قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي فِي الحكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من
شفع لرجل ليدفع عَنهُ مظلمته أويرد عَلَيْهِ حَقًا فاهدى لَهُ
هَدِيَّة فقبلها فَذَلِك السُّحت
فَقيل: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّا كُنَّا نعد السُّحت
الرِّشْوَة فِي الحكم فَقَالَ عبد الله: ذَلِك الْكفْر {وَمن
لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}
الْمَائِدَة الْآيَة 44
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن السُّحت فَقَالَ: الرشا
قيل: فِي الحكم قَالَ: ذَلِك الْكفْر ثمَّ قَرَأَ {وَمن لم
يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}
الْمَائِدَة الْآيَة 44
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن السُّحت أهوَ الرِّشْوَة فِي الحكم
قَالَ: لَا
{وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
الْمَائِدَة الْآيَة 45 الْفَاسِقُونَ وَلَكِن السُّحت أَن
يستعينك رجل على مظْلمَة فيهدي لَك فتقبله فَذَلِك السُّحت
(3/80)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق قَالَ:
قلت لعمر بن الْخطاب: أَرَأَيْت الرِّشْوَة فِي الحكم أَمن
السُّحت هِيَ قَالَ: لَا وَلَكِن كفرا إِنَّمَا السُّحت أَن
يكون للرجل عِنْد السُّلْطَان جاه ومنزلة وَيكون إِلَى
السُّلْطَان حَاجَة فلايقضي حَاجته حَتَّى يهدي إِلَيْهِ
هَدِيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رشوة الْحُكَّام حرَام وَهِي
السُّحت الَّذِي ذكر الله فِي كِتَابه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل لحم
نبت من سحت فَالنَّار أولى بِهِ
قيل: يارسول الله وَمَا السُّحت قَالَ: الرِّشْوَة فِي الحكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد بن ثَابت
أَنه سُئِلَ عَن السُّحت فَقَالَ: الرِّشْوَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه سُئِلَ عَن السُّحت فَقَالَ: الرشا
فَقيل لَهُ: فِي الحكم قَالَ: ذَاك الْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: بَابَانِ
من السُّحت يأكلهما النَّاس
الرشا فِي الحكم وَمهر الزَّانِيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ قَالَ: أَبْوَاب السُّحت
ثَمَانِيَة: رَأس السُّحت رشوة الْحَاكِم وَكسب الْبَغي
وعَسَبُ الْفَحْل وَثمن الْميتَة وَثمن الْخمر وَثمن الْكَلْب
وَكسب الْحجام وَأجر الكاهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طريف قَالَ: مر عَليّ بِرَجُل يحْسب
بَين قوم بِأَجْر وَفِي لفظ: يقسم بَين نَاس قسما فَقَالَ لَهُ
عَليّ: إِنَّمَا تَأْكُل سحتاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: من
السُّحت مهر الزَّانِيَة وَثمن الْكَلْب إِلَّا كلب الصَّيْد
وَمَا أَخذ من شَيْء فِي الحكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد
الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَدَايَا الْأُمَرَاء سحت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ خِصَال من
السُّحت: رشوة الإِمَام وَهِي أَخبث ذَلِك كُله وَثمن الْكَلْب
وعسب الْفَحْل وَمهر الْبَغي وَكسب الْحجام وحلوان الكاهن
(3/81)
وَأخرج عبد بن حميد عَن طَاوس قَالَ:
هَدَايَا الْعمَّال سحت
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن سعيد قَالَ لما بعث النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى أهل
خيبرأهدوا لَهُ فَرْوَة فَقَالَ: سحت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لعن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراشي والمرتشي
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: لعن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراشي والمرتشي والرائش يَعْنِي
الَّذِي يمشي بَينهمَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من ولي عشرَة فَحكم بَينهم بِمَا
أَحبُّوا أَو كَرهُوا جِيءَ بِهِ مغلولة يَده فَإِن عدل وَلم
يرتش وَلم يحف فك الله عَنهُ وَإِن حكم بِغَيْر ماأنزل الله
ارتشى وحابى فِيهِ شدت يسَاره إِلَى يَمِينه ثمَّ رمي فِي
جَهَنَّم فَلم يبلغ قعرها خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَتَكُون من بعدِي وُلَاة يسْتَحلُّونَ
الْخمر بالنبيذ والبخس بِالصَّدَقَةِ والسحت بالهدية
وَالْقَتْل بِالْمَوْعِظَةِ يقتلُون البريء لتوطى الْعَامَّة
لَهُم فيزدادوا إِثْمًا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من السُّحت: كسب الْحجام وَثمن
الْكَلْب وَثمن القرد وَثمن الْخِنْزِير وَثمن الْخمر وَثمن
الْميتَة وَثمن الدَّم وعسب الْفَحْل وَأجر النائحة وَأجر
الْمُغنيَة وَأجر الكاهن وَأجر السَّاحر وَأجر الْقَائِف وَثمن
جُلُود السبَاع وَثمن جُلُود الْميتَة فَإِذا دبغت فَلَا بَأْس
بهَا وَأجر صور التماثيل وهدية الشَّفَاعَة وجعلة الْغَزْو
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله قَالَ: هَذِه الرغف الَّتِي
يَأْخُذهَا المعلمون من السُّحت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آيتان نسختا من هَذِه السُّورَة
- يَعْنِي من الْمَائِدَة - آيَة القلائد وَقَوله {فَإِن جاؤوك
فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} فَكَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُخَيّرا إِن شَاءَ حكم بَينهم وَإِن شَاءَ
أعرض عَنْهُم فردهم إِلَى
(3/82)
أحكامهم فَنزلت {وَأَن أحكم بَينهم بِمَا
أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم} الْمَائِدَة الْآيَة 49 قَالَ:
فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم
بِمَا فِي كتَابنَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم}
قَالَ: نسختها هَذِه الْآيَة {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل
الله} الْمَائِدَة 49
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن شهَاب
إِن الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة {فَإِن جاؤوك
فاحكم بَينهم} كَانَت فِي شَأْن الرَّجْم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الْآيَات من
الْمَائِدَة الَّتِي قَالَ الله فِيهَا {فاحكم بَينهم أَو أعرض
عَنْهُم} إِلَى قَوْله {المقسطين} إِنَّمَا نزلت فِي الدِّيَة
من بني النَّضِير وَقُرَيْظَة وَذَلِكَ أَن قَتْلَى بني
النَّضِير كَانَ لَهُم شرف يُرِيدُونَ الدِّيَة كَامِلَة وَأَن
بني قُرَيْظَة كَانُوا يُرِيدُونَ نصف الدِّيَة فَتَحَاكَمُوا
فِي ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل
الله ذَلِك فيهمفحملهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على الْحق فَجعل الدِّيَة سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَت قُرَيْظَة وَالنضير وَكَانَ النَّضِير أشرف من
قُرَيْظَة فَكَانَ إِذا قتل رجل من النَّضِير رجلا من
قُرَيْظَة أدّى مائَة وسق من تمر وَإِذا قتل رجل من قُرَيْظَة
رجلا من النَّضِير قتل بِهِ فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قتل رجل من النَّضِير رجلا من قُرَيْظَة
فَقَالُوا: ادفعوه إِلَيْنَا نَقْتُلهُ فَقَالُوا: بَيْننَا
وَبَيْنكُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوهُ فَنزلت
{وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} والقسط
النَّفس بِالنَّفسِ ثمَّ نزلت {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة
يَبْغُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 50
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فَإِن جاؤوك
فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} قَالَ: يَوْم نزلت هَذِه
الْآيَة كَانَ فِي سَعَة من أمره إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ لم
يحكم ثمَّ قَالَ {وَإِن تعرض عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا}
قَالَ: نسختها {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع
أهواءهم} الْمَائِدَة الْآيَة 49
(3/83)
وَأخرج عبد بن حميد والنحاس فِي ناسخه عَن
الشّعبِيّ فِي قَوْله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض
عَنْهُم} قَالَ: إِن شَاءَ حكم بَينهم وَإِن شَاءَ لم يحكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وأَبُو الشَّيْخ عَن
إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ قَالَا: إِذا جاؤوا إِلَى حَاكم من
حكام الْمُسلمين إِن شَاءَ حكم بَينهم وَإِن شَاءَ أعرض
عَنْهُم وَإِن حكم بَينهم حكم بِمَا أنزل الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء فِي الْآيَة
قَالَ: هُوَ مخيَّر
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي أهل الذِّمَّة
يرتفعون إِلَى حكام الْمُسلمين قَالَ: يحكم بَينهم بِمَا أنزل
الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: أهل الذِّمَّة إِذْ
ارتفعوا إِلَى الْمُسلمين حكم عَلَيْهِم بِحكم الْمُسلمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وأَبُو الشَّيْخ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ {وَإِن حكمت
فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} قَالَ: بِالرَّجمِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك فِي قَوْله {إِن الله يحب
المقسطين} قَالَ: المعدلين فِي القَوْل وَالْفِعْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ فِي الْآيَة قَالَ:
مَضَت السّنة أَن يردوا فِي حُقُوقهم ومواريثهم إِلَى أهل
دينهم إِلَّا أَن يَأْتُوا راغبين فِي حد يحكم بَينهم فِيهِ
فَيحكم بَينهم بِكِتَاب الله وَقد قَالَ لرَسُوله {وَإِن حكمت
فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ}
(3/84)
وَكَيْفَ
يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ
اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا
أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
- قَوْله تَعَالَى: وَكَيف يحكمونك
وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله ثمَّ يتولون من بعد
ذَلِك وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
- أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ مر على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودِيّ محمم قد جلد
فَسَأَلَهُمْ ماشأن هَذَا قَالُوا: زنى
فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُود:
ماتجدون حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ قَالُوا نجد حَده التحميم
وَالْجَلد
فَسَأَلَهُمْ أَيّكُم أعلم فوركوا ذَلِك إِلَى رجل مِنْهُم
قَالُوا: فلَان
فارسل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ قَالَ: نجد التحميم وَالْجَلد
فَنَاشَدَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماتجدون حد
الزَّانِي فِي كتابكُمْ قَالَ: نجد الرَّجْم وَلكنه
(3/84)
كثر فِي عظمائنا فامنتعوا مِنْهُم بقومهم
وَوَقع الرَّجْم على ضعفائنا فَقُلْنَا نضع شَيْئا يصلح بَينهم
حَتَّى يستووا فِيهِ فَجعلنَا التحميم وَالْجَلد فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ إِنِّي أول من
أَحْيَا أَمرك إِذْ أماتوه فَأمر بِهِ فرجم
قَالَ: وَوَقع الْيَهُود بذلك الرجل الَّذِي أخبر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وشتموه وَقَالُوا: لوكنا نعلم أَنَّك
تَقول هَذَا ماقلنا انك أعلمنَا
قَالَ: ثمَّ جعلُوا بعد ذَلِك يسْأَلُون النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: ماتجد فِيمَا أنزل إِلَيْك حد الزَّانِي
فَأنْزل الله {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا
حكم الله} يَعْنِي حُدُود الله فَأخْبرهُ الله بِحكمِهِ فِي
التَّوْرَاة قَالَ {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} إِلَى قَوْله
{والجروح قصاص} الْمَائِدَة الْآيَة 45
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله}
يَقُول: عِنْدهم بَيَان ماتشاجروا فِيهِ من شَأْن قتيلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حَيَّان
فِي قَوْله {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم
الله} يَقُول: فِيهَا الرَّجْم للمحصن والمحصنة وَالْإِيمَان
بِمُحَمد والتصديق لَهُ {ثمَّ يتولون} يَعْنِي عَن الْحق {من
بعد ذَلِك} يَعْنِي بعد الْبَيَان {وَمَا أُولَئِكَ
بِالْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي الْيَهُود
(3/85)
إِنَّا أَنْزَلْنَا
التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا
النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا
وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ
كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا
النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا
قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّا أنزلنَا
التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين
أَسْلمُوا للَّذين هادوا والربانيون والأحبار بِمَا استحفظوا
من كتاب الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلَا تخشوا النَّاس
واخشون وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا وَمن لم يحكم بِمَا
أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل فِي قَوْله
{إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور} يَعْنِي هدى من
الضَّلَالَة وَنور من الْعَمى {يحكم بهَا النَّبِيُّونَ}
يحكمون بِمَا فِي التَّوْرَاة من لدن مُوسَى إِلَى عِيسَى
{للَّذين هادوا} لَهُم وَعَلَيْهِم ثمَّ قَالَ وَيحكم بهَا
{الربانيون والأحبار} أَيْضا بِالتَّوْرَاةِ {بِمَا استحفظوا
من كتاب الله} من
(3/85)
الرَّجْم وَالْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلَا تخشوا
النَّاس} فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالرَّجم
يَقُول: اظهروا أَمر مُحَمَّد وَالرَّجم {واخشون} فِي
كِتْمَانه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا
النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا والربانيون
والأحبار} قَالَ: أما الربانيون
ففقهاء الْيَهُود وَأما الْأَحْبَار
فعلماؤهم
قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لما أنزلت هَذِه الْآيَة: نَحن نحكم على الْيَهُود وعَلى
من سواهُم من أهل الْأَدْيَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
فِي قَوْله {يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا}
قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن قبله من
الْأَنْبِيَاء يحكمون بِمَا فِيهَا من الْحق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {والربانيون
والأحبار} قَالَ: الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: {الربانيون} الْعلمَاء الْفُقَهَاء
وهم فَوق الْأَحْبَار
وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ {الربانيون} فُقَهَاء الْيَهُود
{والأحبار} الْعلمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ كَانَ
رجلَانِ من الْيَهُود أَخَوان يُقَال لَهما ابْنا صوريا قد
اتبعا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسلما وأعطياه
عهدا أَن لايسألهما عَن شَيْء فِي التَّوْرَاة إِلَّا أخبراه
بِهِ وَكَانَ أَحدهمَا ربيّا وَالْآخر حبرًا وَإِنَّمَا
الْأَمر كَيفَ حِين زنى الشريف وزنى الْمِسْكِين وَكَيف غيروه
فَأنْزل الله {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور
يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا}
يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والربانيون
والأحبار} هما ابْنا صوريا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الربانيون
الْفُقَهَاء الْعلمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {والربانيون} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ {والأحبار}
قَالَ: هم الْقُرَّاء {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء} يَعْنِي
الربانيون والأحبار هم الشُّهَدَاء لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِمَا قَالَ أَنه حق جَاءَ من عِنْد الله فَهُوَ نَبِي
الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَتْهُ الْيَهُود
فَقضى بَينهم بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جريج {فَلَا تخشوا النَّاس
واخشون} لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن
عَسَاكِر عَن نَافِع قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْن عمر فِي سفر
فَقيل إِن السَّبع فِي الطَّرِيق قد حبس النَّاس فاستحث ابْن
عمر
(3/86)
رَاحِلَته فَلَمَّا بلغ اليه برك فَعَرَكَ
أُذُنه وقعده قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول إِنَّمَا يسْخط على ابْن آدم من خافه ابْن آدم وَلَو
أَن ابْن آدم لم يخف إِلَّا الله لم يُسَلط عَلَيْهِ غَيره
وَإِنَّمَا وكل ابْن آدم عَن رجال ابْن آدم وَلَو أَن ابْن آدم
لم يرج إِلَّا الله لم يكله إِلَى سواهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فَلَا تخشوا النَّاس} فتكتموا
مَا أنزلت {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} على أَن تكتموا
مَا أنزلت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا تشتروا
بآياتي ثمنا قَلِيلا} قَالَ: لاتأكلوا السُّحت على كتابي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله} فقد كفر
وَمن أقرّ بِهِ وَلم يحكم بِهِ فَهُوَ ظَالِم فَاسق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل
الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل
الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} (الْمَائِدَة آيَة 45)
{وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ}
(الْمَائِدَة آيَة 47) قَالَ: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وَفسق
دون فسق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا نزل الله {وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} والظالمون
والفاسقون فِي الْيَهُود خَاصَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: الثَّلَاث الْآيَات
الَّتِي فِي الْمَائِدَة {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله
فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} هم الظَّالِمُونَ هم
الْفَاسِقُونَ لَيْسَ فِي أهل الْإِسْلَام مِنْهَا شَيْء هِيَ
فِي الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} هم
الظَّالِمُونَ هم الْفَاسِقُونَ نزلت هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي
أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو
الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله} الْآيَات
قَالَ: نزلت الْآيَات فِي بني إِسْرَائِيل وَرَضي لهَذِهِ
الْأمة بهَا
(3/87)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن
فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم
الْكَافِرُونَ} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود وَهِي علينا
وَاجِبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: الثَّلَاث آيَات الَّتِي فِي
الْمَائِدَة {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله} أَولهَا فِي هَذِه
الْأمة وَالثَّانيَِة فِي الْيَهُود وَالثَّالِثَة فِي
النَّصَارَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا
أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ: من حكم بكتابه
الَّذِي كتب بِيَدِهِ وَترك كتاب الله وَزعم أَن كِتَابه هَذَا
من عِنْد الله فقد كفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة أَن هَذِه الْآيَات ذكرت
عِنْده {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم
الْكَافِرُونَ} والظالمون والفاسقون فَقَالَ رجل: ان هَذَا فِي
بني إِسْرَائِيل
قَالَ حُذَيْفَة: نعم الْأُخوة لكم بَنو إِسْرَائِيل إِن كَانَ
لكم كل حلوة وَلَهُم كل مرّة كلا وَالله لتسلكن طريقهم قدر
الشرَاك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نعم الْقَوْم
أَنْتُم إِن كَانَ مَا كَانَ من حُلو فَهُوَ لكم وماكان من مُر
فَهُوَ لأهل الْكتاب كَأَنَّهُ يرى أَن ذَلِك فِي الْمُسلمين
{وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز {وَمن لم
يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ: نعم
قَالُوا {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم
الظَّالِمُونَ} قَالَ: نعم
قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ يحكمون بِمَا أنزل الله
قَالَ: نعم هُوَ دينهم الَّذِي بِهِ يحكمون وَالَّذِي بِهِ
يَتَكَلَّمُونَ وَإِلَيْهِ يدعونَ فَإِذا تركُوا مِنْهُ شَيْئا
علمُوا أَنه جور مِنْهُم إِنَّمَا هَذِه الْيَهُود
وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ الَّذين لايحكمون بِمَا أنزل
الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَكِيم بن جُبَير قَالَ: سَأَلت سعيد
بن جُبَير عَن هَذِه الْآيَات فِي الْمَائِدَة {وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} {وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} فَقلت: زعم قوم
أَنَّهَا نزلت على بني إِسْرَائِيل وَلم تنزل علينا قَالَ:
اقْرَأ ماقبلها وَمَا بعْدهَا فَقَرَأت عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا
بل نزلت علينا ثمَّ لقِيت مقسمًا مولى ابْن عَبَّاس فَسَأَلته
عَن هَذِه الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة قلت: زعم قوم
أَنَّهَا نزلت على
(3/88)
بني إِسْرَائِيل وَلم تنزل علينا
قَالَ: إِنَّه نزل على بني إِسْرَائِيل وَنزل علينا وَمَا نزل
علينا وَعَلَيْهِم فَهُوَ لنا وَلَهُم ثمَّ دخلت على عَليّ بن
الْحُسَيْن فَسَأَلته عَن هَذِه الْآيَات الَّتِي فِي
الْمَائِدَة وحدثته أَنِّي سَأَلت عَنْهَا سعيد بن جُبَير
ومقسماً قَالَ: فَمَا قَالَ مقسم فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ
قَالَ صدق وَلكنه كفر لَيْسَ ككفر الشّرك وَفسق لَيْسَ كفسق
الشّرك وظلم لَيْسَ كظلم الشّرك فَلَقِيت سعيد بن جُبَير
فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ: فَقَالَ سعيد بن جُبَير لِابْنِهِ:
كَيفَ رَأَيْته لقد وجدت لَهُ فضلا عَلَيْك وعَلى مقسم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عمر قَالَ: مارأيت مثل من قضى
بَين إثنين بعد هَذِه الْآيَات
وَأخرج سعيد قَالَ: استُعمل أَبُو الدَّرْدَاء على الْقَضَاء
فَأصْبح يهينه
قَالَ: تهينني بِالْقضَاءِ وَقد جعلت على رَأس مهواة منزلتها
أبعد من عدن وَأبين وَلَو علم النَّاس مَا فِي الْقَضَاء
لأخذوه بالدول رَغْبَة عَنهُ وكراهية لَهُ وَلَو يعلم النَّاس
مافي الْأَذَان لأخذوه بالدول رَغْبَة فِيهِ وحرصاً عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن سعد عَن يزِيد بن موهب
أَن عُثْمَان قَالَ لعبد الله بن عمر: اقْضِ بَين النَّاس
قَالَ: لَا أَقْْضِي بَين إثنين وَلَا أؤم إثنين قَالَ: لَا
وَلكنه بَلغنِي أَن الْقُضَاة ثَلَاثَة
رجل قضى بِجَهْل فَهُوَ فِي النَّار وَرجل حاف وَمَال بِهِ
الْهوى فَهُوَ فِي النَّار وَرجل اجْتهد فَأصَاب فَهُوَ كفاف
لَا أجر لَهُ وَلَا وزر عَلَيْهِ
قَالَ: إِن أَبَاك كَانَ يقْضِي قَالَ: إِن أبي إِذا أشكل
عَلَيْهِ شَيْء سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَإِذا أشكل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ
جِبْرِيل وَإِنِّي لَا أجد من أسأَل أما سَمِعت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من عاذ بِاللَّه فقد عاذ بمعاذ
فَقَالَ عُثْمَان: بلَى
قَالَ: فَانِي أعوذ بِاللَّه أَن تَسْتَعْمِلنِي فاعفاه
وَقَالَ: لاتخبر بِهَذَا أحدا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ: بَلغنِي أَن قَاضِيا كَانَ
فِي زمن بني إِسْرَائِيل بلغ من اجْتِهَاده أَن طلب إِلَى ربه
أَن يَجْعَل بَينه وَبَينه علما إِذا هُوَ قضى بِالْحَقِّ عرف
ذَلِك
فَقيل لَهُ: ادخل مَنْزِلك ثمَّ مد يدك فِي جدارك ثمَّ انْظُر
كَيفَ تبلغ أصابعك من الْجِدَار فاخطط عِنْده خطا فَإِذا أَنْت
قُمْت من مجْلِس الْقَضَاء فَارْجِع إِلَى ذَلِك الْخط فامدد
يدك إِلَيْهِ فانك مَتى كنت على الْحق فانك ستبلغه وَإِن قصرت
عَن الْحق قصر بك فَكَانَ يَغْدُو إِلَى الْقَضَاء وَهُوَ
مُجْتَهد وَكَانَ لايقضي إِلَّا بِالْحَقِّ وَكَانَ إِذا فرغ
لم يذقْ طَعَاما وَلَا
(3/89)
شرابًا وَلَا يُفْضِي إِلَى أَهله بِشَيْء
حَتَّى يَأْتِي ذَلِك الْخط فَإِذا بلغه حمد الله وأفضى إِلَى
كل ماأحل الله لَهُ من أهل أَو مطعم أَو مشرب فَلَمَّا كَانَ
ذَات يَوْم وَهُوَ فِي مجْلِس الْقَضَاء أقبل إِلَيْهِ رجلَانِ
بِدَابَّة فَوَقع فِي نَفسه أَنَّهُمَا يُريدَان يختصمان
إِلَيْهِ وَكَانَ أَحدهمَا لَهُ صديقا وخدنا فَتحَرك قلبه
عَلَيْهِ محبَّة أَن يكون لَهُ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ فَلَمَّا
إِن تكلما دَار الْحق على صَاحبه فَقضى عَلَيْهِ فَلَمَّا
قَامَ من مَجْلِسه ذهب إِلَى خطه كَمَا كَانَ يذهب كل يَوْم
فَمد يَده إِلَى الْخط فَإِذا الْخط قد ذهب وتشمر إِلَى السّقف
وَإِذا هُوَ لايبلغه فَخر سَاجِدا وَهُوَ يَقُول: يارب شَيْء
لم أتعمده فَقيل لَهُ: أتحسبن أَن الله لم يطلع على جور قَلْبك
حَيْثُ أَحْبَبْت أَن يكون الْحق لصديقك فتقضي لَهُ بِهِ قد
أردته وأحببته وَلَكِن الله قد رد الْحق إِلَى أَهله وَأَنت
لذَلِك كَارِه
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ عَن لَيْث قَالَ: تقدم عمر
بن الْخطاب خصمان فأقامهما ثمَّ عادا ففصل بَينهم فَقيل لَهُ
فِي ذَلِك فَقَالَ: تقدما إليَّ فَوجدت لأَحَدهمَا مَا لم أجد
لصَاحبه فَكرِهت أَن افصل بَينهمَا ثمَّ عادا فَوجدت بعض ذَلِك
فَكرِهت ثمَّ عادا وَقد ذهب ذَلِك ففصلت بَينهمَا
(3/90)
وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ
وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
- قَوْله تَعَالَى: وكتبنا عَلَيْهِم
فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف
بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص فَمن
تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله
فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ لما رَأَتْ قُرَيْظَة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم بِالرَّجمِ وَقد كَانُوا
يخفونه فِي كِتَابهمْ فَنَهَضت قُرَيْظَة فَقَالُوا: يامحمد
اقْضِ بَيْننَا وَبَين إِخْوَاننَا بني النَّضِير وَكَانَ
بَينهم دم قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت
النَّضِير ينفرون على بني قُرَيْظَة دياتهم على انصاف ديات
النَّضِير فَقَالَ: دم الْقرظِيّ وَفَاء دم النَّضِير فَغَضب
بنوالنضير وَقَالُوا: لانطيعك فِي الرَّجْم وَلَكنَّا نَأْخُذ
بحدودنا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا فَنزلت {أَفَحكم
الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 50 وَنزل
{وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} الْآيَة
(3/90)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج
عَن ابْن عَبَّاس {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} قَالَ: فِي
التَّوْرَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن
النَّفس بِالنَّفسِ} قَالَ: كتب عَلَيْهِم هَذَا فِي
التَّوْرَاة فَكَانُوا يقتلُون الْحر بِالْعَبدِ وَيَقُولُونَ:
كتب علينا أَن النَّفس بِالنَّفسِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كتب ذَلِك
على بني إِسْرَائِيل فَهَذِهِ الْآيَات لنا وَلَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله
{وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} إِلَى تَمام
الْآيَة
أَهِي عَلَيْهِم خَاصَّة قَالَ: بل عَلَيْهِم وَالنَّاس
عَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وكتبنا
عَلَيْهِم فِيهَا} قَالَ: فِي التَّوْرَاة {أَن النَّفس
بِالنَّفسِ} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا أنزل مَا تَسْمَعُونَ فِي أهل الْكتاب حِين
نبذوا كتاب الله وعطّلوا حُدُوده وَتركُوا كِتَابه وَقتلُوا
رسله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن يرويهِ عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ وَمن جدعه
جدعناه فراجعوه فَقَالَ: قضى الله {أَن النَّفس بِالنَّفسِ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن شهَاب قَالَ: لما
نزلت هَذِه الْآيَة {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس
بِالنَّفسِ} أقيد الرجل من الْمَرْأَة وَفِيمَا تَعَمّده من
الْجَوَارِح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الرجل يقتل
بِالْمَرْأَةِ إِذا قَتلهَا
قَالَ الله {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي قَوْله {أَن النَّفس
بِالنَّفسِ} قَالَ: تقتل بِالنَّفسِ {وَالْعين بِالْعينِ}
قَالَ: تفقأ بِالْعينِ {وَالْأنف بالأنف} قَالَ: يقطع الْأنف
بالأنف {وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص} قَالَ: وتقتص
الْجراح بالجراح {فَمن تصدَّق بِهِ} يَقُول: من عَفا عَنهُ
فَهُوَ كَفَّارَة للمطلوب
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَهَا {وكتبنا عَلَيْهِم
فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ} بِنصب
النَّفس وَرفع الْعين ومابعده الْآيَة كلهَا
(3/91)
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
أَن الرّبيع كسرت ثنية جَارِيَة فَأتوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَخُوهَا أنس بن النَّضر: يارسول الله
تكسر ثنية فُلَانَة فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: ياأنس كتاب الله الْقصاص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: الجروح قصاص وَلَيْسَ
للْإِمَام أَن يضْربهُ ولايحبسه إِنَّمَا الْقصاص - ماكان الله
نسياً - لَو شَاءَ لأمر بِالضَّرْبِ والسجن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عمر
فِي قَوْله {فَمن تصدَّق بِهِ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
الْحسن فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ}
قَالَ كَفَّارَة للمجروح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله {فَهُوَ
كَفَّارَة لَهُ} قَالَ للَّذي تصدق بِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن رجل من الْأَنْصَار عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ
كَفَّارَة لَهُ} قَالَ: الرجل تكسر سنه أَو تقطع يَده أَو يقطع
الشَّيْء أَو يجرح فِي بدنه فيعفو عَن ذَلِك فيحط عَنهُ قدر
خطاياه فَإِن كَانَ ربع الدِّيَة فربع خطاياه وَإِن كَانَ
الثُّلُث فثلث خطاياه وَإِن كَانَت الدِّيَة حطت عَنهُ خطاياه
كَذَلِك
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} الرجل
تكسر سنه أَو يجرح من جسده فيعفو عَنهُ فيحط من خطاياه بِقدر
مَا عَفا من جسده إِن كَانَ نصف الدِّيَة فَنصف خطاياه وَإِن
كَانَ ربع الدِّيَة فربع خطاياه وَإِن كَانَ ثلث الدِّيَة فثلث
خطاياه وَإِن كَانَت الدِّيَة كلهَا فخطاياه كلهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عدي بن ثَابت
أَن رجلا هتم فَم رجل على عهد مُعَاوِيَة فَأعْطَاهُ دِيَة
فَأبى إِلَّا أَن يقْتَصّ فاعطاه ديتين فَأبى فَأعْطى ثَلَاثًا
فَحدث رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: من تصدق بِدَم فَمَا دونه فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ من
يَوْم ولد إِلَى يَوْم يَمُوت
(3/92)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كسر رجل من قُرَيْش
سنّ رجل من الْأَنْصَار فاستعدى عَلَيْهِ فَقَالَ مُعَاوِيَة:
أَنا أسترضيه فألح الْأنْصَارِيّ فَقَالَ مُعَاوِيَة: شَأْنك
بصاحبك وَأَبُو الدَّرْدَاء جَالس فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مامن
مُسلم يصاب بِشَيْء من جسده فَيصدق بِهِ إِلَّا رَفعه الله
بِهِ دَرَجَة وَحط عَنهُ بِهِ خَطِيئَة
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: فَانِي قد عَفَوْت
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ:
هُوَ الرجل تكسر سنه ويجرح من جسده فيعفو عَنهُ فيحط عَنهُ من
خطاياه بِقدر ماعفا عَنهُ من جسده إِن كَانَ نصف الدِّيَة
فَنصف خطاياه وَإِن كَانَ ربع الدِّيَة فربع خطاياه وَإِن
كَانَ ثلث الدِّيَة فثلث خطاياه وَإِن كَانَ الدِّيَة كلهَا
فحطاياه كلهَا
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن
أبي الدَّرْدَاء
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مامن مُسلم
يصاب بِشَيْء من جسده فَيتَصَدَّق بِهِ إِلَّا رَفعه الله بِهِ
دَرَجَة وَحط بِهِ خَطِيئَة
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: فَانِي قد عَفَوْت
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مامن رجل
يجرح من جسده جرحة فَيتَصَدَّق بهَا إِلَّا كفر الله عَنهُ مثل
مَا تصدق بِهِ
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من الصَّحَابَة قَالَ: من أُصِيب
بِشَيْء من جسده فَتَركه بعد كَانَ كَفَّارَة لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن يُونُس بن أبي إِسْحَق
قَالَ: سَأَلَ مُجَاهِد أَبَا اسحق عَن قَوْله {فَمن تصدق بِهِ
فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} فَقَالَ لَهُ أَبُو اسحق: هُوَ الَّذِي
يعْفُو
قَالَ مُجَاهِد: بل هُوَ الْجَارِح صَاحب الذَّنب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ
فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ: كَفَّارَة للجارح وَأجر
الْمُتَصَدّق على الله
(3/93)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
وَإِبْرَاهِيم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ:
كَفَّارَة للجارح وَأجر الْمُتَصَدّق على الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم {فَمن تصدق
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَا: للجارح
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ
كَفَّارَة لَهُ} للمتصدق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ
فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} يَقُول: من جرح فَتصدق بِهِ على
الْجَارِح فَلَيْسَ على الْجَارِح سَبِيل ولاقود ولاعقل ولاجرح
عَلَيْهِ من أجل أَنه تصدق عَلَيْهِ الَّذِي جرح فَكَانَ
كَفَّارَة لَهُ من ظلمه الَّذِي ظلم
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من عَفا عَن دم لم يكن لَهُ ثَوَاب
إِلَّا الْجنَّة
(3/94)
وَقَفَّيْنَا عَلَى
آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ
هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
- قَوْله تَعَالَى: وقفينا على آثَارهم
بِعِيسَى ابْن مَرْيَم مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من
التَّوْرَاة وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هدى وَنور ومصدقا
لما بَين يَدَيْهِ من التَّوْرَاة وَهدى وموعظة لِلْمُتقين
وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ وَمن لم يحكم
بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ
- أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي قَوْله {وقفينا على آثَارهم}
يَقُول: بعثنَا من بعدهمْ عِيسَى ابْن مَرْيَم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {وقفينا على آثَارهم}
قَالَ: اتَّبعنَا آثَار الْأَنْبِيَاء أَي بعثنَا على آثَارهم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عدي بن
زيد وَهُوَ يَقُول: يَوْم قفت عيرهم من عيرنَا وَاحْتِمَال
الْحَيّ فِي الصُّبْح فلق وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي
قَوْله {وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ} قَالَ:
من أهل الْإِنْجِيل {فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} قَالَ:
الْكَاذِبُونَ
قَالَ ابْن زيد: كل شَيْء فِي الْقُرْآن فَاسق فَهُوَ كَاذِب
إِلَّا قَلِيلا وَقَرَأَ قَول الله {إِن جَاءَكُم فاسقٌ بنبإ}
الحجرات الْآيَة 6 فَهُوَ كَاذِب
قَالَ: الْفَاسِق هَهُنَا كَاذِب
(3/94)
وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا
مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي
مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ (48)
- قَوْله تَعَالَى: وأنزلنا إِلَيْك
الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب
ومهيمنا عَلَيْهِ فاحكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع
أهواءهم عَمَّا جَاءَك من الْحق لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة
ومنهاجاً وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة وَلَكِن
ليَبْلُوكُمْ فِي مَا ءاتاكم فاستبقوا الْخيرَات إِلَى الله
مرجعكم جَمِيعًا فينبئكم بِمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون
- أخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: لما
أنبأكم الله عَن أهل الْكتاب قبلكُمْ بأعمالهم أَعمال السوء
وبحكمهم بِغَيْر ماأنزل الله وعظ نبيه وَالْمُؤمنِينَ موعظة
بليغة شافية وليعلم من ولي شَيْئا من هَذَا الحكم أَنه لَيْسَ
بَين الْعباد وَبَين الله شَيْء يعطيهم بِهِ خيرا ولايدفع
عَنْهُم بِهِ سوءا إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يرضيه
فَلَمَّا بيَّن الله لنَبيه وَالْمُؤمنِينَ صَنِيع أهل الْكتاب
وجورهم قَالَ {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما
بَين يَدَيْهِ} يَقُول: للكتب الَّتِي قد خلت قبله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: مؤتمناً
عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: الْمُهَيْمِن
الْأمين وَالْقُرْآن أَمِين على كل كتاب قبله
وَأخرج ابو الشَّيْخ عَن عَطِيَّة {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ:
أَمينا على التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يحكم عَلَيْهِمَا وَلَا
يحكمان عَلَيْهِ قَالَ: مؤتمنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد
{ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مؤتمناً على الْقُرْآن والمهيمن الشَّاهِد على ماقبله من
الْكتب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: شَهِيدا على كل كتاب قبله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي روق {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ:
شَهِيدا على خلقه بأعمالهم
(3/95)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاحكم بَينهم بِمَا
أنزل الله} قَالَ: بحدود الله
وَأخرج عبد بن حميد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي
وابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {شرعة ومنهاجاً} قَالَ: سَبِيلا وَسنة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
عزوجل {شرعة ومنهاجاً} قَالَ: الشرعة الدّين والمنهاج
الطَّرِيق
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ
يَقُول: لقد نطق الْمَأْمُون بِالصّدقِ وَالْهدى وَبَين لنا
الْإِسْلَام دينا ومنهاجاً يَعْنِي بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجاً}
قَالَ: الدّين وَاحِد والشرائع مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة
ومنهاجاً} يَقُول: سَبِيلا وَالسّنَن مُخْتَلفَة للتوراة
شَرِيعَة وللإنجيل من يطيعه مِمَّن يعصيه وَلَكِن الدّين
الْوَاحِد الَّذِي لايقبل غَيره التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص
الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن كثير فِي
قَوْله {وَلَكِن ليَبْلُوكُمْ فِي مَا آتَاكُم} قَالَ: من
الْكتب
(3/96)
وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ
أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)
- قَوْله تَعَالَى: وَأَن أحكم بَينهم
بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم واحذرهم أَن يفتنوك عَن
بعض مَا أنزل الله إِلَيْك فَإِن توَلّوا فَاعْلَم أَنما
يُرِيد الله أَن يصيبهم بِبَعْض ذنوبهم وَإِن كثيرا من النَّاس
لفاسقون
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ كَعْب بن أَسد وَعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس
اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّد لَعَلَّنَا نفتنه عَن دينه
فَأتوهُ فَقَالُوا: يامحمد إِنَّك عرفت أَنا أَحْبَار يهود
(3/96)
وأشرافهم وساداتهم وَإِنَّا إِن
اتَّبَعْنَاك اتَّبعنَا يهود وَلم يخالفونا وَإِن بَيْننَا
وَبَين قَومنَا خُصُومَة فنحاكمهم إِلَيْك فتقضي لنا عَلَيْهِم
ونؤمن لَك ونصدقك فَأبى ذَلِك وَأنزل الله عز وَجل فيهم {وَأَن
احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} إِلَى قَوْله {لقوم يوقنون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن أحكم
بَينهم بِمَا أنزل الله} قَالَ: أَمر الله نبيه أَن يحكم
بَينهم بَعْدَمَا كَانَ رخص لَهُ أَن يعرض عَنْهُم إِن شَاءَ
فنسخت هَذِه الْآيَة ماكان قبلهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخت من هَذِه
السُّورَة {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم}
الْمَائِدَة الْآيَة 42 قَالَ: فَكَانَ مُخَيّرا حَتَّى أنزل
الله {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} فَأمر رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم بِمَا فِي كتاب الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن أحكم
بَينهم بِمَا أنزل الله} قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم قَالَ: نسخت ماقبلها {فاحكم
بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} الْمَائِدَة الْآيَة 42
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن مَسْرُوق
أَنه كَانَ يحلف أهل الْكتاب بِاللَّه وَكَانَ يَقُول {وَأَن
احكم بَينهم بِمَا أنزل الله}
(3/97)
أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ
حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
- قَوْله تَعَالَى: أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة
يَبْغُونَ وَمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة
يَبْغُونَ} قَالَ: يهود
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَفَحكم
الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} قَالَ: هَذَا فِي قَتِيل الْيَهُود
إِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانَ يَأْكُل شديدهم ضعيفهم وعزيزهم
ذليلهم
قَالَ {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ}
(3/97)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغض
النَّاس إِلَى الله مبتغ فِي الْإِسْلَام سنة جَاهِلِيَّة
وطالب امرىء بِغَيْر حق ليريق دَمه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: الحكم حكمان: حكم
الله وَحكم الْجَاهِلِيَّة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَفَحكم
الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ وَمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَت تسمى
الْجَاهِلِيَّة العالمية حَتَّى جَاءَت امْرَأَة فَقَالَت:
يارسول الله كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كَذَا وَكَذَا
فَأنْزل الله ذكر الْجَاهِلِيَّة
(3/98)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء
بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ
مِنْهُم إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عبَادَة بن الْوَلِيد أَن
عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: لما حَارَبت بَنو قينقاع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن سلول
وَقَامَ دونهم وَمَشى عبَادَة بن الصَّامِت إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبرأ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله من
حلفهم - وَكَانَ أحد بني عَوْف بن الْخَزْرَج - وَله من حلفهم
مثل الَّذِي كَانَ لَهُم من عبد الله بن أبي فخلعهم إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أتولى الله
وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ وَأَبْرَأ إِلَى الله وَرَسُوله من
حلف هَؤُلَاءِ الْكفَّار وولايتهم وَفِيه وَفِي عبد الله بن
أبي نزلت الْآيَات فِي الْمَائِدَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم
أَوْلِيَاء بعض} إِلَى قَوْله {فَإِن حزب الله هم الغالبون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَن عبد الله
بن أبيّ بن سلول قَالَ: أَن بيني وَبَين قُرَيْظَة وَالنضير
حلف وَإِنِّي أَخَاف الدَّوَائِر فأرتد كَافِرًا
وَقَالَ عبَادَة بن الصَّامِت: أَبْرَأ إِلَى الله من حلف
قُرَيْظَة وَالنضير وأتولى الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} إِلَى قَوْله {فترى
الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم} يَعْنِي عبد الله
بن أبي
وَقَوله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا
الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم
رَاكِعُونَ} ) (الْمَائِدَة الْآيَة 55) يَعْنِي
(3/98)
عبَادَة بن الصَّامِت وَأَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: {وَلَو كَانُوا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا
أنزل إِلَيْهِ مَا اتخذوهم أَوْلِيَاء وَلَكِن كثيرا مِنْهُم
فَاسِقُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 81
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبَادَة بن الْوَلِيد عَن
أَبِيه عَن جده عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: فيَّ نزلت
هَذِه الْآيَة حِين أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فبرأت إِلَيْهِ من حلف الْيَهُود وظاهرت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَطِيَّة بن سعد قَالَ
جَاءَ عبَادَة بن الصَّامِت من بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يارسول
الله إِن لي موَالِي من يهود كثير عَددهمْ وَإِنِّي أَبْرَأ
إِلَى الله وَرَسُوله من ولَايَة يهود وأتولى الله وَرَسُوله
فَقَالَ عبد الله بن أبي: إِنِّي رجل أَخَاف الدَّوَائِر لَا
أَبْرَأ من ولَايَة مواليّ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن
أُبَيِّ: يَا أَبَا حباب أَرَأَيْت الَّذِي نفست بِهِ من
وَلَاء يهود على عبَادَة
فَهُوَ لَك دونه
قَالَ: إِذن أقبل
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض}
إِلَى أَن بلغ إِلَى قَوْله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما
كَانَت وقْعَة أُحد اشْتَدَّ على طَائِفَة من النَّاس
وتخوَّفوا أَن يدال عَلَيْهِم الْكفَّار فَقَالَ رجل لصَاحبه:
أما أَنا فَألْحق بفلان الْيَهُودِيّ فآخذ مِنْهُ أَمَانًا
وأتهوّد مَعَه فَإِنِّي أَخَاف أَن يدال على الْيَهُود
وَقَالَ الآخر: اما أَنا فَألْحق بفلان النَّصْرَانِي بِبَعْض
أَرض الشَّام فآخذ مِنْهُ أَمَانًا وأتنصر مَعَه
فَأنْزل الله تَعَالَى فيهمَا ينهاهما {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء
بَعضهم أَوْلِيَاء بعض}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} فِي بني
قُرَيْظَة إِذْ غدروا وَنَقَضُوا الْعَهْد بَينهم وَبَين
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابه إِلَى أبي
سُفْيَان بن حَرْب يَدعُونَهُ وقريشاً ليدخلوهم حصونهم فَبعث
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا لبَابَة بن عبد
الْمُنْذر إِلَيْهِم ان يستنزلهم من حصونهم فَلَمَّا أطاعوا
لَهُ بالنزول وَأَشَارَ إِلَى حلقه بِالذبْحِ وَكَانَ طَلْحَة
وَالزُّبَيْر يكاتبان النَّصَارَى وَأهل الشَّام وَبَلغنِي أَن
رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا
(3/99)
يخَافُونَ العوز والفاقة فيكاتبون
الْيَهُود من بني قُرَيْظَة وَالنضير فيدسون إِلَيْهِم
الْخَبَر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَلْتَمِسُونَ
عِنْدهم الْقَرْض والنفع فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كلوا من ذَبَائِح بني تغلب
وتزوّجوا من نِسَائِهِم فَإِن الله يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء
بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ
مِنْهُم} فَلَو لم يَكُونُوا مِنْهُم إِلَّا بِالْولَايَةِ
لكانوا مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} الْآيَة
قَالَ: إِنَّهَا فِي الذَّبَائِح من دخل فِي دين قوم فَهُوَ
مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن
عِيَاض
أَن عمر أَمر أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن يرفع اليه مَا
أَخذ وَمَا أعْطى فِي أزيم وَاحِد وَكَانَ لَهُ كَاتب
نَصْرَانِيّ فَرفع إِلَيْهِ ذَلِك فَعجب عمر وَقَالَ: إِن
هَذَا لحفيظ هَل أَنْت قارىء لنا كتابا فِي الْمَسْجِد جَاءَ
من الشَّام فَقَالَ: إِنَّه لايستطيع أَن يدْخل الْمَسْجِد
قَالَ عمر: أجنب هُوَ قَالَ: لَا بل نَصْرَانِيّ
فَانْتَهرنِي وَضرب فَخذي ثمَّ قَالَ: أَخْرجُوهُ ثمَّ قَرَأَ
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن حُذَيْفَة قَالَ: ليتق أحدكُم أَن يكون
يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا وَهُوَ لايشعر وتلا {وَمن
يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم}
(3/100)
فَتَرَى الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى
أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا
أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ
الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ
جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)
- قَوْله تَعَالَى: فترى الَّذين فِي
قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم يَقُولُونَ نخشى أَن تصيبنا
دَائِرَة فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح أَو أَمر من
عِنْده فيصبحوا على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين وَيَقُول
الَّذين آمنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا بِاللَّه جهد
أَيْمَانهم إِنَّهُم لمعكم حبطت أَعْمَالهم فَأَصْبحُوا خاسرين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَطِيَّة {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} كَعبد الله بن أبي
{يُسَارِعُونَ فيهم} فِي ولايتهم
(3/100)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
{فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم} قَالَ: هم
المُنَافِقُونَ فِي مصانعة الْيَهُود وملاحاتهم واسترضاعهم
أَوْلَادهم اياهم {يَقُولُونَ نخشى} أَن تكون الدائرة
للْيَهُود بِالْفَتْح حِينَئِذٍ {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي
بِالْفَتْح} على النَّاس عَامَّة {أَو أَمر من عِنْده} خَاصَّة
لِلْمُنَافِقين {فيصبحوا} المُنَافِقُونَ {على مَا أَسرُّوا
فِي أنفسهم} من شَأْن يهود {نادمين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: شكّ
{يَقُولُونَ نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة} والدائرة ظُهُور
الْمُشْركين عَلَيْهِم {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح}
فتح مَكَّة {أَو أَمر من عِنْده} قَالَ: وَالْأَمر هُوَ
الْجِزْيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم
مرض} قَالَ: أنَاس من الْمُنَافِقين كَانُوا يوادّون الْيَهُود
ويناصحونهم دون الْمُؤمنِينَ
قَالَ الله تَعَالَى {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح}
أَي بِالْقضَاءِ {أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على مَا أَسرُّوا
فِي أنفسهم نادمين} وَأخرج ابْن سعد وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو
انه سمع ابْن الزبير يقْرَأ فَعَسَى الله أَن يَأْتِي
بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على ماأسروا فِي أنفسهم
من موادتهم الْيَهُود وَمن غمهم الْإِسْلَام وَأَهله نادمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو
انه سمع ابْن الزبير يقْرَأ فَعَسَى الله أَن يَأْتِي
بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فَيُصْبِح الْفُسَّاق على مَا
أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين قَالَ عمر: وَلَا أَدْرِي كَانَت
قِرَاءَته أم فسر
(3/101)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ
لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم
يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على
الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم
ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ:
أنزل الله هَذِه الْآيَة وَقد علم أَنه سيرتد مرتدون من
النَّاس فَلَمَّا قبض
(3/101)
الله نبيه ارْتَدَّ عَامَّة الْعَرَب عَن
الْإِسْلَام إِلَّا ثَلَاثَة مَسَاجِد: أهل الْمَدِينَة وَأهل
الجواثي من عبد الْقَيْس وَقَالَ الَّذين ارْتَدُّوا: نصلي
الصَّلَاة ولانزكي وَالله يغصب أَمْوَالنَا فَكلم أَبُو بكر
فِي ذَلِك ليتجاوز عَنْهُم وَقيل لَهُم أَنهم قد فقهوا أَدَاء
الزَّكَاة فَقَالَ: وَالله لَا أفرق بَين شَيْء جمعه الله
وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا مِمَّا فرض الله وَرَسُوله
لقاتلتهم عَلَيْهِ فَبعث الله تَعَالَى عصائب مَعَ أبي بكر
فَقَاتلُوا حَتَّى أقرُّوا بالماعون وَهُوَ الزَّكَاة قَالَ
قَتَادَة: فَكُنَّا نُحدث أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أبي بكر
وَأَصْحَابه {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله
{فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ:
هُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه لما ارْتَدَّ من ارْتَدَّ من
الْعَرَب عَن الْإِسْلَام جاهدهم أَبُو بكر وَأَصْحَابه حَتَّى
ردهم إِلَى الْإِسْلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وخيثمة الاترابلسي فِي فَضَائِل
الصَّحَابَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْحسن
{فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ:
هم الَّذين قَاتلُوا أهل الرِّدَّة من الْعَرَب بعد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير عَن شُرَيْح بن عبيد قَالَ: لما أنزل الله
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف
يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ عمر: أَنا
وقومي هم يارسول الله قَالَ: بل هَذَا وَقَومه يَعْنِي أَبَا
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَعبد بن حميد
والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ: لما نزلت {فَسَوف
يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم قوم هَذَا وَأَشَارَ إِلَى
أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم فِي جمعه
لحَدِيث شُعْبَة وَالْبَيْهَقِيّ {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم
يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم هم قَوْمك يَا أَبَا مُوسَى أهل الْيمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَأَبُو
الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه
بِسَنَد حسن عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله
(3/102)
{فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هَؤُلَاءِ قوم من أهل الْيمن من
كِنْدَة من السّكُون ثمَّ من التحبيب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم
يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هم قوم من أهل الْيمن ثمَّ
كِنْدَة من السّكُون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس {فَسَوف يَأْتِي الله
بِقوم} قَالَ: هم أهل الْقَادِسِيَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن الْقَاسِم بن مخيمرة
قَالَ: أتيت ابْن عمر فرحَّب بِي ثمَّ تَلا {من يرْتَد مِنْكُم
عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ} ثمَّ ضرب على
مَنْكِبي وَقَالَ: احْلِف بِاللَّه أَنهم لمنكم أهل الْيمن
ثَلَاثًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {فَسَوف يَأْتِي الله
بِقوم} قَالَ: هم قوم سبأ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه
فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ:
هَذَا وَعِيد من عِنْد الله انه من ارْتَدَّ مِنْكُم سيتبدل
بهم خيرا
وَفِي قَوْله {أَذِلَّة} لَهُ قَالَ: رحماء
وَأخرج ابْن جرير عَن قَوْله {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ}
قَالَ: أهل رقة على أهل دينهم {أعزة على الْكَافرين} قَالَ:
أهل غلظة على من خالفهم فِي دينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
جريج فِي قَوْله {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} قَالَ: رحماء
بَينهم {أعزة على الْكَافرين} قَالَ: أشداء عَلَيْهِم
وَفِي قَوْله {يجاهدون فِي سَبِيل الله} قَالَ: يُسَارِعُونَ
فِي الْحَرْب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما قبض رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَدَّ طوائف من الْعَرَب
فَبعث الله أَبَا بكر فِي أنصار من أنصار الله فَقَاتلهُمْ
حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام فَهَذَا تَفْسِير هَذِه الْآيَة
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يخَافُونَ لومة لائم} أخرج ابْن سعد
وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ أَمرنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِسبع: بحب الْمَسَاكِين وَأَن أدنو مِنْهُم
وَأَن لَا أنظر إِلَى من هُوَ فَوقِي وَأَن أصل رحمي وَإِن
جفاني وَأَن أَكثر من قَول لاحول ولاقوة إِلَّا
(3/103)
بِاللَّه فَإِنَّهَا من كنز تَحت الْعَرْش
وَأَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا وَلَا أَخَاف فِي الله
لومة لائم وَأَن لَا أسأَل النَّاس شَيْئا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا لَا يمنعن أحدكُم رهبة
النَّاس أَن يَقُول الْحق إِذا رَآهُ وَتَابعه فَإِنَّهُ لَا
يقرِّب من أجل وَلَا يباعد من رزق أَن يَقُول بِحَق أَو أَن
يذكر بعظيم
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايحقرن أحدكُم
نَفسه أَن يرى أَمر الله فِيهِ يُقَال فَلَا يَقُول فِيهِ
مَخَافَة النَّاس فَيُقَال: إيَّايَ كنت أَحَق أَن تخَاف
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن سهل بن سعد
السَّاعِدِيّ قَالَ: بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنا وَأَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَأَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ وَمُحَمّد بن مسلمة وسادس على أَن لَا تأخذنا فِي
الله لومة لائم فَأَما السَّادِس فاستقاله فأقاله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه من طَرِيق الزُّهْرِيّ أَن
عمر بن الْخطاب قَالَ: إِن وليت شَيْئا من أَمر النَّاس فَلَا
تبال لومة لائم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي ذَر قَالَ: مازال بِي الْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حَتَّى مَا ترك لي
الْحق صديقا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ بَايعنَا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر
واليسر والمنشط وَالْمكْره وعَلى أَثَره علينا وَأَن لَا ننازع
الْأَمر أَهله وعَلى أَن نقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا
لَا نَخَاف فِي الله لومة
(3/104)
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا وَلِيكُم الله
وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة
وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة بن سعد
قَالَ: نزلت فِي عبَادَة بن الصَّامِت {إِنَّمَا وَلِيكُم الله
وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا}
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تصدق
عَليّ بِخَاتمِهِ وَهُوَ
(3/104)
رَاكِع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم للسَّائِل من أَعْطَاك هَذَا الْخَاتم قَالَ: ذَاك
الرَّاكِع فَأنْزل الله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عمار بن يَاسر قَالَ: وقف بعلي سَائل وَهُوَ رَاكِع فِي صَلَاة
تطوّع فَنزع خَاتمه فَأعْطَاهُ السَّائِل فَأتى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعلمه ذَلِك فَنزلت على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا وَلِيكُم الله
وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة
وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} فَقَرَأَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه ثمَّ قَالَ: من كنت
مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد
من عَادَاهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي
طَالب قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله
وَالَّذين} إِلَى آخر الْآيَة
فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل الْمَسْجِد
جَاءَ وَالنَّاس يصلونَ بَين رَاكِع وَسَاجِد وقائم يُصَلِّي
فَإِذا سَائل فَقَالَ: ياسائل هَل أَعْطَاك أحد شَيْئا قَالَ:
لَا إِلَّا ذَاك الرَّاكِع - لعَلي بن أبي طَالب - أَعْطَانِي
خَاتمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن
سَلمَة بن كهيل قَالَ: تصدق عَليّ بِخَاتمِهِ وَهُوَ رَاكِع
فَنزلت {إِنَّمَا وَلِيكُم الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم
الله وَرَسُوله} الْآيَة نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب تصدق
وَهُوَ رَاكِع
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ وَعتبَة بن حَكِيم مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى عبد الله بن سَلام ورهط مَعَه
من أهل الْكتاب نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد
الظّهْر فَقَالُوا يارسول الله إِن بُيُوتنَا قاصية لانجد من
يجالسنا ويخالطنا دون هَذَا الْمَسْجِد وَإِن قَومنَا لما
رأونا قد صدقنا الله وَرَسُوله وَتَركنَا دينهم أظهرُوا
الْعَدَاوَة وأقسموا ان لَا يخالطونا وَلَا يؤاكلونا فشق ذَلِك
علينا فبيناهم يَشكونَ ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذْ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله
وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ
الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ}
(3/105)
وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ صَلَاة الظّهْر
وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَعْطَاك
أحد شَيْئا قَالَ: نعم
قَالَ: من قَالَ: ذَاك الرجل الْقَائِم
قَالَ: على أَي حَال أعطاكه قَالَ: وَهُوَ رَاكِع
قَالَ: وَذَلِكَ عَليّ بن أبي طَالب فَكبر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك وَهُوَ يَقُول {وَمن يتول
الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون}
الْمَائِدَة الْآيَة 56
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي
رَافع قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ نَائِم يُوحى إِلَيْهِ فَإِذا حَيَّة فِي جَانب
الْبَيْت فَكرِهت أَن أَبيت عَلَيْهَا فأوقظ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَخفت أَن يكون يُوحى إِلَيْهِ فاضطجعت بَين
الْحَيَّة وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن
كَانَ مِنْهَا سوء كَانَ فيَّ دونه فَمَكثت سَاعَة
فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول
{إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين
يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ}
الْحَمد لله الَّذِي أتمَّ لعَلي نعمه وهيأ لعَلي بِفضل الله
إِيَّاه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عَليّ
بن أبي طَالب قَائِما يُصَلِّي فَمر سَائل وَهُوَ رَاكِع
فَأعْطَاهُ خَاتمه فَنزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا وَلِيكُم
الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي الَّذين آمنُوا وَعلي بن أبي طَالب أوّلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله} الْآيَة
قَالَ: يَعْنِي من أسلم فقد تولى الله وَرَسُوله وَالَّذين
آمنُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
جَعْفَر
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة من الَّذين آمنُوا قَالَ:
الَّذين آمنُوا
قيل لَهُ: بلغنَا أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب
قَالَ: عَليّ من الَّذين آمنُوا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الْملك بن أبي
سُلَيْمَان قَالَ: سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَن
قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا
الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم
رَاكِعُونَ} قَالَ: أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت يَقُولُونَ عَليّ قَالَ: عَليّ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن جرير بن مُغيرَة
قَالَ: كَانَ فِي قِرَاءَة عبد الله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله
وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة}
(3/106)
وَمَنْ يَتَوَلَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ
اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن يتول الله
وَرَسُوله والَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم
الغالبون} قَالَ: أخْبرهُم من الْغَالِب فَقَالَ: لاتخافوا
الدولة وَلَا الدائرة
(3/107)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا
دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تتَّخذوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا
من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَالْكفَّار أَوْلِيَاء
وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ
رِفَاعَة بن زيد بن التابوت وسُويد بن الْحَارِث قد أظهرا
الْإِسْلَام ونافقا وَكَانَ رجال من الْمُسلمين يوادّونهما
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تتَّخذوا الَّذين
اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا} إِلَى قَوْله {أعلم بِمَا
كَانُوا يكتمون}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ يقْرَأ (من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ
وَمن الَّذين أشركوا)
(3/107)
وَإِذَا نَادَيْتُمْ
إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا نَادَيْتُمْ
إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا ذَلِك بِأَنَّهُم
قوم لَا يعْقلُونَ
- أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ
عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا
نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا
ذَلِك بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ} أَمر الله
قَالَ: كَانَ مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا نَادَى بِالصَّلَاةِ فَقَامَ الْمُسلمُونَ إِلَى
الصَّلَاة قَالَت الْيَهُود: قد قَامُوا لَا قَامُوا فَإِذا
رَأَوْهُمْ ركعا وَسجدا استهزأوا بهم وَضَحِكُوا مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة
اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} قَالَ: كَانَ رجل من النَّصَارَى
بِالْمَدِينَةِ إِذا سمع
(3/107)
الْمُنَادِي يُنَادي: أشهد أَن مُحَمَّد
رَسُول الله
قَالَ: أحرق الله الْكَاذِب فَدخل خادمه ذَات لَيْلَة من
اللَّيَالِي بِنَار وَهُوَ قَائِم وَأَهله نيام فَسَقَطت شرارة
فاحرقت الْبَيْت وَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ
قَالَ: قد ذكر الله الْأَذَان فِي كِتَابه فَقَالَ {وَإِذا
نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبيد بن عُمَيْر
قَالَ ائتمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
كَيفَ يجْعَلُونَ شَيْئا إِذا أَرَادوا جمع الصَّلَاة
اجْتَمعُوا لَهَا بِهِ فائتمروا بالناقوس فَبينا عمر بن
الْخطاب يُرِيد أَن يَشْتَرِي خشبتين للناقوس إِذْ رأى فِي
الْمَنَام ان لاتجعلوا الناقوس بل أذنوا بِالصَّلَاةِ فَذهب
عمر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخبره
بِالَّذِي رأى وَقد جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْوَحْي بذلك فَمَا رَاع عمر إِلَّا بِلَال يُؤذن فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سَبَقَك بذلك الْوَحْي
حِين أخبرهُ بذلك عمر
(3/108)
قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
- قَوْله تَعَالَى: قل يَا أهل الْكتاب هَل
تَنْقِمُونَ منا إِلَّا أَن آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل
إِلَيْنَا وَمَا أنزل من قبل وَأَن أَكْثَرَكُم فَاسِقُونَ
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفر من يهود فيهم أَبُو يَاسر بن
أَخطب وَنَافِع بن أبي نَافِع وغازي بن عَمْرو وَزيد بن خَالِد
وازار بن أبي أزار وأسقع فَسَأَلُوهُ عَمَّن يُؤمن بِهِ من
الرُّسُل قَالَ: أُؤْمِن بِاللَّه {وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا
أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب
والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ من رَبهم لَا نفرِّق بَين أحد مِنْهُم وَنحن
لَهُ مُسلمُونَ} فَلَمَّا ذكر عِيسَى جَحَدُوا نبوّته
وَقَالُوا: لانؤمن بِعِيسَى فَأنْزل الله {قل يَا أهل الْكتاب
هَل تَنْقِمُونَ منا إِلَّا أَن آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل
إِلَيْنَا} إِلَى قَوْله {فَاسِقُونَ}
(3/108)
قُلْ هَلْ
أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ
مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ
الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ
شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
- قَوْله تَعَالَى: قل هَل أنبئكم بشر من
ذَلِك مثوبة عِنْد الله من لَعنه الله وَغَضب عَلَيْهِ وَجعل
مِنْهُم القردة والخنازير وَعبد الطاغوت أُولَئِكَ شَرّ
مَكَانا وأضل عَن سَوَاء السَّبِيل
(3/108)
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ:
المثوبة
الثَّوَاب مثوبة الْخَيْر ومثوبة الشَّرّ وقرىء بشر ثَوابًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {مثوبة عِنْد
الله} يَقُول: ثَوابًا عِنْد الله
قَوْله تَعَالَى: {وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير} وَأخرج عبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجعل مِنْهُم
القردة والخنازير} قَالَ: مسخت من يهود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك
أَنه قيل: أَكَانَت القردة والخنازير قبل أَن يمسخوا قَالَ:
نعم وَكَانُوا مِمَّا خلق من الْأُمَم
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ
سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن القردة
والخنازير أَهِي مِمَّا مسخ الله فَقَالَ: إِن الله لم يهْلك
قوما أَو يمسخ قوما فَيجْعَل لَهُم نَسْلًا ولاعاقبة وَإِن
القردة والخنازير قبل ذَلِك
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سَأَلنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن القردة والخنازير
أَهِي من نسل من الْيَهُود فَقَالَ: لَا إِن الله لم يعلن قوما
قطّ فمسخم فَكَانَ لَهُم نسل وَلَكِن هَذَا خلق فَلَمَّا غضب
الله على الْيَهُود فمسخهم جعلهم مثلهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَيَّات مسخ الْجِنّ كَمَا
مسخت القردة والخنازير
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن كثير عَن أَفْلح مولى أبي
أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: حدثت ان المسخ فِي بني
إِسْرَائِيل من الْخَنَازِير كَانَ أَن امْرَأَة كَانَت من بني
إِسْرَائِيل كَانَت فِي قَرْيَة من قرى بني إِسْرَائِيل
وَكَانَ فِيهَا ملك بني إِسْرَائِيل وَكَانُوا قد استجمعوا على
الهلكة إِلَّا أَن تِلْكَ الْمَرْأَة كَانَت على بَقِيَّة من
الْإِسْلَام متمسكة فَجعلت تَدْعُو إِلَى الله حَتَّى إِذا
اجْتمع إِلَيْهَا نَاس فبايعوها على أمرهَا قَالَت لَهُم: أَنه
لابد لكم من أَن تجاهدوا عَن دين الله وَأَن تنادوا قومكم بذلك
فاخرجوا فَإِنِّي خَارِجَة فَخرجت وَخرج إِلَيْهَا ذَلِك
الْملك فِي النَّاس فَقتل أَصْحَابهَا جَمِيعًا وانفلتت من
بَينهم ودعت إِلَى الله حَتَّى تجمع النَّاس إِلَيْهَا إِذا
رضيت مِنْهُم أَمرتهم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَخرجت مَعَهم
(3/109)
فأصيبوا جَمِيعًا وانفلتت مِنْهُم ثمَّ دعت
إِلَى الله حَتَّى إِذا اجْتمع اليها رجال واستجابوا لَهَا
أَمرتهم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَخرجت مَعَهم فأصيبوا جَمِيعًا
وانفلتت مِنْهُم ثمَّ دعت إِلَى الله حَتَّى إِذا اجْتمع اليها
رجال واستجابوا لَهَا أَمرتهم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَخرجت
مَعَهم فأصيبوا جَمِيعًا وانفلتت من بَينهم فَرَجَعت وَقد
أَيِست وَهِي تَقول: سُبْحَانَ الله
لَو كَانَ لهَذَا الدّين ولي وناصر لقد أظهره بعد فباتت محزونة
وَأصْبح أهل الْقرْيَة يسعون فِي نَوَاحِيهَا خنازير مسخهم
الله فِي ليلتهم تِلْكَ فَقَالَت حِين أَصبَحت وَرَأَتْ مَا
رَأَتْ: الْيَوْم أعلم أَن الله قد أعز دينه وَأمر دينه قَالَ:
فَمَا كَانَ مسخ الْخَنَازِير فِي بني إِسْرَائِيل إِلَّا على
يَدي تِلْكَ الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي من طَرِيق
عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: سَيكون فِي أمتِي خسف ورجف وقردة وَخَنَازِير
وَالله أعلم
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن زُهَيْر قَالَ: قلت لِابْنِ أبي ليلى:
كَيفَ كَانَ طَلْحَة يقْرَأ الْحَرْف {وَعبد الطاغوت} فسره
ابْن أبي ليلى وخففه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: كَانَ أَبُو
عبد الرَّحْمَن يقْرَأ (وَعبد الطاغوت) بِنصب الْعين وَالْبَاء
كَمَا يَقُول ضرب الله
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي جَعْفَر النَّحْوِيّ
أَنه كَانَ يَقْرَأها (وَعبد الطاغوت) كَمَا يَقُول: ضرب الله
وَأخرج ابْن جرير عَن بُرَيْدَة
أَنه كَانَ يقْرؤهَا (وعابد الطاغوت)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي حَمَّاد
قَالَ: حَدثنِي الْأَعْمَش وَعَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَ
(وَعبد الطاغوت) يَقُول: خدم قَالَ عبد الرَّحْمَن: وَكَانَ
حَمْزَة رَحمَه الله يقْرؤهَا كَذَلِك
(3/110)
وَإِذَا جَاءُوكُمْ
قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ
خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ
(61)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا جاءوكم قَالُوا
آمنا وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ وَالله أعلم
بِمَا كَانُوا يكتمون
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذا جاؤوكم قَالُوا آمنا}
الْآيَة
قَالَ اناس من الْيَهُود وَكَانُوا يدْخلُونَ على
(3/110)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيخبرونه
أَنهم مُؤمنُونَ راضون بِالَّذِي جَاءَ بِهِ وهم متمسكون
بضلالتهم وبالكفر فَكَانُوا يدْخلُونَ وَيخرجُونَ بِهِ من
عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَإِذا جاؤوكم قَالُوا آمنا وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم
قد خَرجُوا بِهِ} فَإِنَّهُم دخلُوا وهم يَتَكَلَّمُونَ
بِالْحَقِّ وتسر قُلُوبهم الْكفْر فَقَالَ {دخلُوا بالْكفْر
وهم قد خَرجُوا بِهِ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ
نَاس من الْمُنَافِقين كَانُوا يهوداً يَقُول: دخلُوا كفَّارًا
وَخَرجُوا كفَّارًا
(3/111)
وَتَرَى كَثِيرًا
مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)
لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ
قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا
كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
- قَوْله تَعَالَى: وَترى كثيرا مِنْهُم
يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان وأكلهم السُّحت لبئس مَا
كَانُوا يعْملُونَ لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن
قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا بصنعون
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله
{وَترى كثيرا مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان}
قَالَ: هَؤُلَاءِ الْيَهُود {لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ
لَوْلَا ينهاهم الربانيون} إِلَى قَوْله {لبئس مَا كَانُوا
يصنعون} ويعملون وَاحِد
قَالَ: هَؤُلَاءِ لم ينهوا كَمَا قَالَ لهَؤُلَاء حِين عمِلُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَترى كثيرا
مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان وأكلهم السُّحت}
قَالَ: كَانَ هَذَا فِي أَحْكَام الْيَهُود بَين أَيْدِيكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار} وهم الْفُقَهَاء
وَالْعُلَمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لَوْلَا
ينهاهم} الْعلمَاء والأحبار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} قَالَ: حَيْثُ لم ينهوهم عَن
قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم أَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
فِي خطبَته: أَيهَا النَّاس إِنَّمَا هلك من هلك قبلكُمْ
بركوبهم الْمعاصِي وَلم ينههم الربانيون والأحبار فَلَمَّا
تَمَادَوْا فِي
(3/111)
الْمعاصِي وَلم ينههم الربانيون والأحبار
أخذتهم الْعُقُوبَات فَمروا بِالْمَعْرُوفِ وانهوا عَن
الْمُنكر فَإِن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن
الْمُنكر لايقطع رزقا ولايقرب أَََجَلًا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشد توبيخاً من هَذِه الْآيَة لَوْلَا
ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْعدوان وأكلهم
السُّحت لبئس ماكانوا يعْملُونَ هَكَذَا قَرَأَ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك ابْن مُزَاحم قَالَ: مافي
الْقُرْآن آيَة أخوف عِنْدِي من هَذِه الْآيَة {لَوْلَا ينهاهم
الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت لبئس
مَا كَانُوا يصنعون} أَسَاءَ الثَّنَاء على الْفَرِيقَيْنِ
جَمِيعًا
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق سَلمَة بن نبيط عَن الضَّحَّاك
{لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم
وأكلهم السُّحت} قَالَ {الربانيون والأحبار} فقهاؤهم وقراؤهم
وعلماؤهم قَالَ: ثمَّ يَقُول الضَّحَّاك: وَمَا أخوفني من
هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن جرير
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مامن قوم
يكون بَين أظهرهم من يعْمل من الْمعاصِي هم أعز مِنْهُ
وَأَمْنَع من يُغيرُوا إِلَّا أَصَابَهُم الله مِنْهُ بِعَذَاب
(3/112)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ
يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا
بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ
يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ
أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت الْيَهُود يَد
الله مغلولة غلت أَيْديهم ولعنوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاهُ
مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل
إِلَيْك من رَبك طغياناً وَكفرا وألقينا بَينهم الْعَدَاوَة
والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كلما أوقدوا نَارا للحرب
أطفأها الله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا وَالله لَا يحب
المفسدين
- أخرج ابْن إِسْحَق وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ رجل من الْيَهُود يُقَال لَهُ النباش بن قيس: إِن رَبك
بخيل لاينفق
فَأنْزل الله {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة غلت
أَيْديهم ولعنوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق
كَيفَ يَشَاء}
(3/112)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس
{وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} نزلت فِي فنحَاص رَأس
يهود قينقاع
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقَالَت
الْيَهُود يَد الله مغلولة} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي فنحَاص الْيَهُودِيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} قَالَ: أَي بخيلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} قَالَ: لايعنون
بذلك أَن يَد الله موثوقة وَلَكِن يَقُولُونَ: إِنَّه بخيل
أمسك مَا عِنْده تَعَالَى عَمَّا الله يَقُولُونَ علوا كَبِيرا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله
{مغلولة} يَقُولُونَ: إِنَّه بخيل لَيْسَ بجواد
وَفِي قَوْله {غلت أَيْديهم} قَالَ: أَمْسَكت عَن النَّفَقَة
وَالْخَيْر
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس مَرْفُوعا أَن يحيى
بن زَكَرِيَّا سَأَلَ ربه فَقَالَ: يارب اجْعَلنِي مِمَّن
لايقع النَّاس فِيهِ
فَأوحى الله: يَا يحيى هَذَا شَيْء لم أستخلصه لنَفْسي كَيفَ
أَفعلهُ بك اقْرَأ فِي الْمُحكم تَجِد فِيهِ {وَقَالَت
الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح
ابْن الله} التَّوْبَة الْآيَة 30 وَقَالُوا {يَد الله مغلولة}
وَقَالُوا وَقَالُوا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد
قَالَ: إِذا بلغك عَن أَخِيك شَيْء يسوءك فَلَا تغتم فَإِنَّهُ
إِن كَانَ كَمَا يَقُول كَانَت عُقُوبَة أجلت وَإِن كَانَت على
غير مَا يَقُول كَانَت حَسَنَة لم تعملها
قَالَ: وَقَالَ مُوسَى: يارب أَسَالَك أَن لَا يذكرنِي أحد
إِلَّا بِخَير
قَالَ مافعلت ذَلِك لنَفْسي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب
أَسَالَك أَن لَا يذكرنِي أحد إِلَّا بِخَير
قَالَ مَا فعلت ذَلِك لنَفْسي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يارب احْبِسْ
عني كَلَام النَّاس
فَقَالَ الله عزوجل لَو فعلت هَذَا بِأحد لفعلته بِي
قَوْله تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء}
أخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد
وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن المنذرعن
ابْن مَسْعُود قَرَأَ {بل يَدَاهُ مبسوطتان}
(3/113)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن يَمِين الله ملأى لَا يغيضها نَفَقَة سخاء اللَّيْل
وَالنَّهَار أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَوَات
وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لم يغض مَا فِي يَمِينه
قَالَ: وعرشه على المَاء وَفِي يَده الْأُخْرَى الْقَبْض يرفع
ويخفض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل إِلَيْك من رَبك
طغياناً وَكفرا} قَالَ: حملهمْ حسد مُحَمَّد وَالْعرب على أَن
تركُوا الْقُرْآن وَكَفرُوا بِمُحَمد وَدينه وهم يجدونه
عِنْدهم مَكْتُوبًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع قَالَ: قَالَت الْعلمَاء
فِيمَا حفظو وَعَلمُوا: أَنه لَيْسَ على الأَرْض قوم حكمُوا
بِغَيْر مَا أنزل الله إِلَّا ألْقى الله بَينهم الْعَدَاوَة
والبغضاء وَقَالَ: ذَلِك فِي الْيَهُود حَيْثُ حكمُوا بِغَيْر
ماانزل الله {وألقينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَفِي قَوْله {كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ:
حَرْب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {كلما أوقدوا
نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ: كلما اجْمَعُوا أَمرهم على
شَيْء فرّقه الله وأطفأ حَدهمْ ونارهم وَقذف فِي قُلُوبهم
الرعب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {كلما أوقدوا نَارا
للحرب أطفأها الله} قَالَ: أُولَئِكَ أَعدَاء الله الْيَهُود
كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله فَلَنْ تلقى الْيَهُود
بِبَلَد إِلَّا وَجَدتهمْ من أذلّ أَهله لقد جَاءَ الْإِسْلَام
حِين جَاءَ وهم تَحت أَيدي الْمَجُوس وهم أبْغض خلق الله تعمية
وتصغيراً باعمالهم أَعمال السوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَفِي قَوْله عَن الْحسن {كلما أوقدوا
نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ: كلما اجْتمعت السفلة على قتل
الْعَرَب
(3/114)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَن أهل الْكتاب
آمنُوا وَاتَّقوا لكفرنا عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلناهم جنَّات
النَّعيم
(3/114)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {وَلَو أَن أهل الْكتاب آمنُوا وَاتَّقوا} قَالَ:
آمنُوا بِمَا أنزل الله وَاتَّقوا مَا حرم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار
قَالَ {جنَّات النَّعيم} بَين جنَّات الفردوس وجنات عدن وفيهَا
جوَار خُلِقْنَ من ورد الْجنَّة
قيل فَمن سكنها قَالَ: الَّذين هموا بِالْمَعَاصِي فَلَمَّا
ذكرُوا عَظمَة الله جلّ جَلَاله راقبوه
(3/115)
وَلَوْ أَنَّهُمْ
أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ
مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَنهم أَقَامُوا
التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم
لأكلوا من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم مِنْهُم أمة مقتصدة
وَكثير مِنْهُم سَاءَ مَا يعْملُونَ
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة
وَالْإِنْجِيل} الْآيَة
قَالَ: أما اقامتهم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَالْعَمَل بهما
وَأما {وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم} فمحمد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وماأنزل عَلَيْهِ وَأما {لأكلوا من فَوْقهم}
فَأرْسلت عَلَيْهِ مَطَرا وَأما {وَمن تَحت أَرجُلهم} يَقُول:
لأنبت لَهُم من الأَرْض من رِزْقِي مَا يغنيهم {مِنْهُم أمة
مقتصدة} وهم مسلمة أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لأكلوا
من فَوْقهم} يَعْنِي لأرسل عَلَيْهِم السَّمَاء مدراراً {وَمن
تَحت أَرجُلهم} قَالَ: تخرج الأَرْض من بركاتها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة يَقُول: لأكلوا
من الرزق الَّذِي ينزل من السَّمَاء وَالَّذِي وَالَّذِي ينْبت
من الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة
{لأكلوا من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم} يَقُول لأعطتهم
السَّمَاء بركاتها وَالْأَرْض نباتها {مِنْهُم أمة مقتصدة} على
كتاب الله قد آمنُوا ثمَّ ذمّ أَكثر الْقَوْم فَقَالَ {وَكثير
مِنْهُم سَاءَ مَا يعْملُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ:
الْأمة المقتصدة
الَّذين لاهم فسقوا فِي الدّين ولاهم غلوا
قَالَ: والغلو الرَّغْبَة وَالْفِسْق التَّقْصِير عَنهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {أمة مقتصدة} يَقُول
مُؤمنَة
(3/115)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جُبَير بن نفير
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُوشك أَن
يرفع الْعلم
قلت: كَيفَ وَقد قَرَأنَا الْقُرْآن وعلمناه أبناءنا فَقَالَ:
ثكلتك أمك يَا ابْن نفير إِن كنت لأرَاك من أفقه أهل
الْمَدِينَة أوليست التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بأيدي الْيَهُود
وَالنَّصَارَى فَمَا أغْنى عَنْهُم حِين تركُوا أَمر الله ثمَّ
قَرَأَ {وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل}
الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة من طَرِيق ابْن أبي الْجَعْد عَن
زِيَاد بن لبيد قَالَ ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَيْئا فَقَالَ: وَذَلِكَ عِنْد ذهَاب أَبْنَائِنَا يارسول
الله وَكَيف يذهب الْعلم وَنحن نَقْرَأ الْقُرْآن ونقرئه
أبناءنا ويقرئه أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُم إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة قَالَ: ثكلتك أمك يَا ابْن أم لبيد
إِن كنت لأرَاك من أفقه رجل بِالْمَدِينَةِ أوليس هَذِه
الْيَهُود وَالنَّصَارَى يقرؤون التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
ولاينتفعون مِمَّا فيهمَا بِشَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يَعْقُوب بن زيد بن طَلْحَة
عَن زيد بن أسلم عَن أنس بن مَالك قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر حَدِيثا قَالَ: ثمَّ
حَدثهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تفرَّقت
أمة مُوسَى على إِحْدَى وَسبعين مِلَّة سَبْعُونَ مِنْهَا فِي
النَّار وَوَاحِدَة مِنْهَا فِي الْجنَّة
وَتَفَرَّقَتْ أمة عِيسَى على اثْنَيْنِ وَسبعين مِلَّة
وَاحِدَة مِنْهَا فِي الْجنَّة وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي
النَّار
وتعلوا أَنْتُم على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِملَّة وَاحِدَة
فِي الْجنَّة وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار قَالُوا:
من هم يارسول الله قَالَ: الْجَمَاعَات الْجَمَاعَات
قَالَ يَعْقُوب بن زيد: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب إِذا حدث
بِهَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَلا فِيهِ قُرْآنًا {وَلَو أَن أهل الْكتاب آمنُوا وَاتَّقوا}
إِلَى قَوْله {سَاءَ مَا يعْملُونَ} وتلا أَيْضا {وَمِمَّنْ
خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} الْأَعْرَاف
الْآيَة 181 يَعْنِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(3/116)
يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ (67)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الرَّسُول
بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت
رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس إِن الله لَا يهدي
الْقَوْم الْكَافرين
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله بَعَثَنِي برسالة فضقت
(3/116)
بهَا ذرعاً وَعرفت أَن النَّاس مُكَذِّبِي
فوعدني لأبلغن أَو ليعذبني فَأنْزل {يَا أَيهَا الرَّسُول
بلِّغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: لما نزلت {بلغ مَا أنزل إِلَيْك
من رَبك} قَالَ: يارب إِنَّمَا أَنا وَاحِد كَيفَ أصنع ليجتمع
عليّ النَّاس فَنزلت {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا
الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم غَدِير خم فِي عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا
نَقْرَأ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا
أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} أَن عليا مولى
الْمُؤمنِينَ {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله
يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عنترة
أَنه قَالَ لعَلي هَل عنْدكُمْ شَيْء لم يُبْدِهِ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس فَقَالَ: ألم تعلم إِن الله
قَالَ {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك}
وَالله ماورثنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء
فِي بَيْضَاء
أما قَوْله تَعَالَى: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي آيَة
أنزلت من السَّمَاء أَشد عَلَيْك فَقَالَ كنت بمنى أَيَّام
موسم وَاجْتمعَ مُشْرِكُوا الْعَرَب وافناء النَّاس فِي
الْمَوْسِم فَنزل عليّ جِبْرِيل فَقَالَ {يَا أَيهَا الرَّسُول
بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت
رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس} قَالَ: فَقُمْت عِنْد
الْعقبَة فناديت: ياأيها النَّاس من ينصرني على أَن أبلغ
رِسَالَة رَبِّي وَلكم الْجنَّة أَيهَا النَّاس قُولُوا لَا
إِلَه إِلَّا الله وَأَنا رَسُول الله إِلَيْكُم وتنجحوا وَلكم
الْجنَّة
قَالَ: فَمَا بَقِي رجل وَلَا امْرَأَة وَلَا صبي إِلَّا
يرْمونَ عليّ بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَة ويبصقون فِي وَجْهي
وَيَقُولُونَ: كَذَّاب صابىء فَعرض عَليّ عَارض فَقَالَ:
يامحمد إِن كنت رَسُول الله فقد آن لَك أَن تَدْعُو عَلَيْهِم
كَمَا دَعَا نوح على قومه بِالْهَلَاكِ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اهد
قومِي فانهم لايعلمون وَانْصُرْنِي عَلَيْهِم أَن يجيبوني
إِلَى طَاعَتك فجَاء الْعَبَّاس عَمه فأنقذه مِنْهُم وطردهم
عَنهُ قَالَ: الْأَعْمَش فبذلك تفتخر بنوالعباس وَيَقُولُونَ:
فيهم نزلت {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من
يَشَاء}
(3/117)
الْقَصَص الْآيَة 56 هوى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَبَا طَالب وَشاء الله عَبَّاس بن عبد الْمطلب
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم
وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يحرس حَتَّى نزلت {وَالله يَعْصِمك من
النَّاس} فَأخْرج رَأسه من الْقبَّة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس
انصرفوا فقد عصمني الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن يَحْرُسهُ فَلَمَّا نزلت {وَالله
يَعْصِمك من النَّاس} ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الحرس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج بعث مَعَه أَبُو
طَالب من يكلؤه حَتَّى نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
فَذهب ليَبْعَث مَعَه فَقَالَ: ياعم أَن الله قد عصمني لاحاجة
لي إِلَى من تبْعَث
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي
الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرس
وَكَانَ يُرْسل مَعَه عَمه أَبُو طَالب كل يَوْم رجلا من بني
هَاشم يحرسونه فَقَالَ: ياعم أَن الله قد عصمني لاحاجة لي
إِلَى من تبْعَث
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاينام إِلَّا وَنحن حوله
من مَخَافَة الغوائل حَتَّى نزلت آيَة الْعِصْمَة {وَالله
يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عصمَة بن مَالك
الخطمي قَالَ كُنَّا نحرس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِاللَّيْلِ حَتَّى نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَترك
الحرس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما غزا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني أَنْمَار نزل ذَات
الرّقاع بِأَعْلَى نخل فَبينا هُوَ جَالس على رَأس بِئْر قد
دلى رجلَيْهِ فَقَالَ غورث بن الْحَرْث: لأقتلن مُحَمَّد
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: كَيفَ تقتله قَالَ: أَقُول لَهُ
أعطيني سَيْفك فَإِذا أعطانيه قتلته بِهِ
فَأَتَاهُ فَقَالَ: يامحمد اعطني سَيْفك أشمه
(3/118)
فَأعْطَاهُ إِيَّاه فَرعدَت يَده فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَال الله بَيْنك وَبَين
ماتريد فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل
إِلَيْك من رَبك} الْآيَة
وَأخرج ابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
كُنَّا إِذا صَحِبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
سفر تركنَا لَهُ أعظم دوحة وأظلها فَينزل تحتهَا فَنزل ذَات
يَوْم تَحت شَجَرَة وعلق سَيْفه فِيهَا فجَاء رجل فَأَخذه
فَقَالَ: يامحمد من يمنعك مني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الله ينمعني مِنْك ضع عَنْك السَّيْف فَوَضعه
فَنزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج أحمدعن جعدة بن خَالِد بن الصمَّة الْجُشَمِي قَالَ:
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل فَقيل: هَذَا
أَرَادَ أَن يقتلك
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الم ترع
وَلَو أردْت ذَلِك لم يسلطك الله عَليّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أخبر
الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سيكفيه النَّاس ويعصمه
مِنْهُم وَأمره بالبلاغ وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: لَو احتجت فَقَالَ: وَالله لايدع
الله عَقبي للنَّاس مَا صاحبتهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
لما نزلت {يَا أَيهَا الرَّسُول} إِلَى قَوْله {وَالله
يَعْصِمك من النَّاس} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لَا تحرسوني إِن رَبِّي قد عصمني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَقِيق
قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتعقبه
نَاس من أَصْحَابه فَلَمَّا نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
فَخرج فَقَالَ: ياأيها النَّاس الحقوا بملاحقكم فَإِن الله قد
عصمني من النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد
بن كَعْب الْقرظِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا زَالَ يحرس يحارسه أَصْحَابه حَتَّى أنزل الله {وَالله
يَعْصِمك من النَّاس} فَترك الحرس حِين أخبرهُ أَنه سيعصمه من
النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل منزلا اخْتَار
لَهُ أَصْحَابه شَجَرَة ظليلة فيقيل تحتهَا فَأَتَاهُ اعرابي
فاخترط سَيْفه ثمَّ قَالَ: من يمنعك مني قَالَ: الله فَرعدَت
يَد الْأَعرَابِي وَسقط السَّيْف مِنْهُ قَالَ: وَضرب
بِرَأْسِهِ الشَّجَرَة حَتَّى انتثرت دماغه فَأنْزل الله
{وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
(3/119)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهاب قُريْشًا فَأنْزل
الله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فاستلقى ثمَّ قَالَ: من
شَاءَ فليخذلني مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن الرّبيع بن أنس
قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْرُسهُ
أَصْحَابه حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الرَّسُول
بلغ مَا أنزل إِلَيْك} الْآيَة
فَخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: لاتحرسوني فَإِن الله قد عصمني من
النَّاس
(3/120)
قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا
التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ
عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا
إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا
تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا
يَقْتُلُونَ (70)
- قَوْله تَعَالَى: قل يَا أهل الْكتاب
لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل
إِلَيْك من رَبك طغياناً وَكفرا فَلَا تأس على الْقَوْم
الْكَافرين إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون
وَالنَّصَارَى من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا
فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ لقد أَخذنَا مِيثَاق
بني إِسْرَائِيل وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِم رسلًا كلما جَاءَهُم
رَسُول بِمَا لَا تهوى أنفسهم فريقا كذبُوا وفريقا يقتلُون
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رَافع
بن حَارِثَة وَسَلام بن مشْكم وَمَالك بن الصَّيف وَرَافِع بن
حَرْمَلَة قَالُوا: يامحمد أَلَسْت تزْعم أَنَّك على مِلَّة
إِبْرَاهِيم وَدينه وتؤمن بِمَا عندنَا من التَّوْرَاة وَتشهد
أَنَّهَا من حق الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بلَى وَلَكِنَّكُمْ أحدثتم وجحدتم مافيها مِمَّا أَخذ
عَلَيْكُم من الْمِيثَاق كتمتم مِنْهَا مَا أمرْتُم أَن تبينوا
للنَّاس فبرئت من أحداثكم
قَالُوا: فَإنَّا نَأْخُذ مِمَّا فِي أَيْدِينَا فَإنَّا على
الْهدى وَالْحق وَلَا نؤمن بك وَلَا نتبعك فَأنْزل الله فيهم
{قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا
التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} إِلَى قَوْله {الْقَوْم
الْكَافرين}
(3/120)
وَحَسِبُوا أَلَّا
تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)
- قَوْله تَعَالَى: وَحَسبُوا أَلا تكون
فتْنَة فعموا وصموا ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِم ثمَّ عموا وصموا
كثير مِنْهُم وَالله بَصِير بِمَا يعْملُونَ
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة}
قَالَ: يهود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة}
قَالَ: بلَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} قَالَ:
حسب الْقَوْم أَن لَا يكون بلَاء {فعموا وصموا} قَالَ: كلما
عرض لَهُم بلَاء ابتلوا بِهِ هَلَكُوا فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} قَالَ: حسبوا أَن لَا
يبتلوا فعموا عَن الْحق
(3/121)
|