الدر المنثور في
التفسير بالمأثور لَقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا
اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ
النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ
وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ
يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى
اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا
يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ
الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ
أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ
ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(76)
- قَوْله تَعَالَى: لقد كفر الَّذين
قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَقَالَ
الْمَسِيح يَا بني إِسْرَائِيل اعبدوا الله رَبِّي وربكم أَنه
من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ومأواه
النَّار وَمَا للظالمين من أنصار لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن
الله ثَالِث ثَلَاثَة وَمَا من إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد
وَأَن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن الَّذين كفرُوا
مِنْهُم عَذَاب أَلِيم أَفلا يتوبون إِلَى الله ويستغفرونه
وَالله غَفُور رَحِيم مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا
رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة كَانَا يأكلان
الطَّعَام انْظُر كَيفَ نبين لَهُم الْآيَات ثمَّ انْظُر أَنى
يؤفكون قل أتعبدون من دون الله مَا لَا يملك لكم ضرا وَلَا
نفعا وَالله هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
(3/121)
- أخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن
كَعْب قَالَ: لما رفع الله عِيسَى بن مَرْيَم اجْتمع من
عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل مائَة رجل فَقَالَ بَعضهم: أَنْتُم
كثير نتخوف الْفرْقَة اخْرُجُوا عشرَة فاخرجوا عشرَة ثمَّ
قَالُوا: أَنْتُم كثير نتخوف الْفرْقَة اخْرُجُوا عشرَة
فاخرجوا عشرَة ثمَّ قَالُوا: أَنْتُم كثير فاخرجوا عشرَة
فاخرجوا عشرَة ثمَّ قَالُوا: أَنْتُم كثير فاخرجوا عشرَة
حَتَّى بَقِي عشرَة فَقَالُوا: أَنْتُم كثير حَتَّى الْآن
فاخرجوا سِتَّة وَبَقِي أَرْبَعَة فَقَالَ بَعضهم: ماتقولون
فِي عِيسَى فَقَالَ رجل مِنْهُم: أتعلمون أَنه لايعلم الْغَيْب
إِلَّا الله قَالُوا: لَا
فَقَالَ الرجل: هُوَ الله كَانَ فِي الأَرْض مَا بدا لَهُ ثمَّ
صعد إِلَى السَّمَاء حِين بدا لَهُ
وَقَالَ الآخر: قد عرفنَا عِيسَى وعرفنا أمه هُوَ وَلَده
وَقَالَ الآخر: لَا أَقُول كَمَا تَقولُونَ قد كَانَ عِيسَى
يخبرنا أَنه عبد الله وروحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم
فَنَقُول كَمَا قَالَ لنَفسِهِ لقد خشيت أَن تَكُونُوا
قُلْتُمْ قولا عَظِيما
قَالَ: فَخَرجُوا على النَّاس فَقَالُوا لرجل مِنْهُم: مَاذَا
قلت قَالَ: قلت هُوَ الله كَانَ فِي الأَرْض مابدا لَهُ ثمَّ
صعد إِلَى السَّمَاء حِين بدا لَهُ
قَالَ: فَاتبعهُ عنق من النَّاس وَهَؤُلَاء النسطورية
واليعقوبية ثمَّ خرج الرَّابِع فَقَالُوا لَهُ: مَاذَا قلت
قَالَ: قلت هُوَ عبد الله روحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَم فَاتبعهُ عنق من النَّاس فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب
فَكل قد ذكره الله فِي الْقُرْآن {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن
الله ثَالِث ثَلَاثَة} الْآيَة
ثمَّ قَرَأَ {وبكفرهم وَقَوْلهمْ على مَرْيَم بهتاناً عَظِيما}
النِّسَاء الْآيَة 156 ثمَّ قَرَأَ {وَلَو أَن أهل الْكتاب
آمنُوا وَاتَّقوا} الْمَائِدَة الْآيَة 65 إِلَى قَوْله
{مِنْهُم أمة مقتصدة وَكثير مِنْهُم سَاءَ مَا يعْملُونَ}
الْمَائِدَة الْآيَة 66 قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: فَهَؤُلَاءِ
أمة مقتصدة الَّذين قَالُوا: عِيسَى عبد الله وكلمته وروحه
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لقد كفر
الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} قَالَ: النَّصَارَى
يَقُولُونَ: {إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} وكذبوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: تفرق بَنو
إِسْرَائِيل ثَلَاث فرق فِي
(3/122)
عِيسَى فَقَالَت فرقة هُوَ الله
وَقَالَت فرقة: هُوَ ابْن الله
وَقَالَت فرقة: هُوَ عبد الله وروحه وَهِي المقتصدة وَهِي
مسلمة أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} قَالَ:
قَالَت النَّصَارَى: إِن الله هُوَ الْمَسِيح وَأمه فَذَلِك
قَوْله {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون
الله} الْمَائِدَة الْآيَة 116
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا عبد الله بن هِلَال
الدِّمَشْقِي حَدثنَا أَحْمد بن أبي الْحوَاري قَالَ: قَالَ
أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي: ياأحمد - وَالله - مَا حرك
ألسنتهم بقَوْلهمْ ثَالِث ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ وَلَو شَاءَ
الله لأخرس ألسنتهم
(3/123)
قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا
تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ
وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)
- قَوْله تَعَالَى: قل يَا أهل الْكتاب لَا
تغلوا فِي دينكُمْ غير الْحق وَلَا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا
من قبل وأضلوا كثيرا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل
- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم أَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {لَا تغلوا فِي دينكُمْ} يَقُول لَا
تبتدعوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَا تغلوا
فِي دينكُمْ} قَالَ: الغلوا فِرَاق الْحق وَكَانَ مِمَّا غلوا
فِيهِ أَن دعوا الله صَاحِبَة وَولدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: قد كَانَ
قَائِم قَامَ عَلَيْهِم فَأخذ بِالْكتاب وَالسّنة زَمَانا
فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: إِنَّمَا تركب اثر وأمراً قد
عمل بِهِ قبلك فَلَا تحمد عَلَيْهِ وَلَكِن ابتدع أمرا من قبل
نَفسك وادع إِلَيْهِ واجبر النَّاس عَلَيْهِ فَفعل ثمَّ ادّكر
من بعد فعله زَمَانا فاراد أَن يَمُوت فَخلع سُلْطَانه وَملكه
وَأَرَادَ أَن يتعبد فَلبث فِي عِبَادَته أَيَّامًا فَأتي
فَقيل لَهُ: لَو أَنَّك تبت من خَطِيئَة عملتها فِيمَا بَيْنك
وَبَين رَبك عَسى أَن يُتَاب عَلَيْك وَلَكِن ضل فلَان
وَفُلَان فِي سَبِيلك حَتَّى فارقوا الدُّنْيَا وهم على
الضَّلَالَة فَكيف لَك بهداهم فَلَا تَوْبَة لَك أبدا فَفِيهِ
سمعنَا وَفِي
(3/123)
اشباهه هَذِه الْآيَة {يَا أهل الْكتاب لَا
تغلوا فِي دينكُمْ غير الْحق وَلَا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا
من قبل وأضلوا كثيرا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَا تتبعوا أهواء قوم قد
ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا} فهم أُولَئِكَ الَّذين ضلوا وأضلوا
أتباعهم {وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل} عَن عدل السَّبِيل
وَالله أعلم
(3/124)
لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)
- قَوْله تَعَالَى: لعن الَّذين كفرُوا من
بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم
ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون كَانُوا لَا يتناهون عَن
مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
- أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: كَانَ الرجل يلقى الرجل فَيَقُول لَهُ: ياهذا
اتَّقِ الله ودع ماتصنع فانه لايحل لَك ثمَّ يلقاه من الْغَد
فَلَا يمنعهُ ذَلِك أَن يكون أكيله وشريبه وقعيده فَلَمَّا
فعلوا ذَلِك ضرب الله على قُلُوب بَعضهم بِبَعْض
قَالَ {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان
دَاوُد} إِلَى قَوْله {فَاسِقُونَ} ثمَّ قَالَ: كلا وَالله
لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر ولتأخذن على يَدي
الظَّالِم ولتأطرنه على الْحق اطراء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بني اسرئيل لما عمِلُوا الْخَطِيئَة
نَهَاهُم علماؤهم تعزيراً ثمَّ جالسوهم وآكلوهم وشاربوهم كَأَن
لم يعملوا بالْأَمْس خَطِيئَة فَلَمَّا رأى الله ذَلِك مِنْهُم
ضرب بقلوب بَعضهم على بعض ولعنهم على لِسَان نَبِي من
الْأَنْبِيَاء ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: وَالله لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر
ولتأطرنهم على الْحق أطراً أَو ليضربن الله بقلوب بَعْضكُم على
بعض وليلعننكم كَمَا لعنهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا الْعَطاء ماكان عَطاء فَإِذا
كَانَ رشوة عَن دينكُمْ فَلَا تأخذوه وَلنْ تتركوه يمنعكم
(3/124)
من ذَلِك الْفقر والمخافة إِن بني يَأْجُوج
قد جاؤوا وَإِن رحى الْإِسْلَام ستدور فَحَيْثُ مَا دَار
الْقُرْآن فدوروا بِهِ يُوشك السُّلْطَان وَالْقُرْآن أَن
يقتتلا ويتفرقا إِنَّه سَيكون عَلَيْكُم مُلُوك يحكمون لكم
بِحكم وَلَهُم بِغَيْرِهِ فَإِن أطعتموهم أضلوكم وَإِن
عصيتموهم قتلوكم قَالُوا: يارسول الله فَكيف بِنَا ان أدركنا
ذَلِك قَالَ: تَكُونُونَ كأصحاب عِيسَى نشرُوا بالمناشير
وَرفعُوا على الْخشب موت فِي طَاعَة خير من حَيَاة فِي
مَعْصِيّة إِن أول ماكان نقص فِي بني اسرئيل أَنهم كَانُوا
يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر شبه
التَّعْزِير فَكَانَ أحدهم إِذا لَقِي صَاحبه الَّذِي كَانَ
يعيب عَلَيْهِ آكله وشاربه كَأَنَّهُ لم يعب عَلَيْهِ شَيْئا
فلعنهم الله على لِسَان دَاوُد وَذَلِكَ بِمَا عصوا وَكَانُوا
يعتدون وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ
ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليسلطنَّ الله عَلَيْكُم شِرَاركُمْ
ثمَّ ليدعون خياركم فَلَا يُسْتَجَاب لكم وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر ولتأخذن
على يَد الظَّالِم فلتأطرنه عَلَيْهِ اطراً أَو ليضربن الله
قُلُوب بَعْضكُم بِبَعْض
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَالْبُخَارِيّ فِي الوحدانيات وَابْن
السكن وَابْن مَنْدَه والباوردي فِي معرفَة الصَّحَابَة
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
أَبْزَى عَن أَبِيه قَالَ خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر طوائف من
الْمُسلمين فَأثْنى عَلَيْهِم خيرا ثمَّ قَالَ: مَا بَال
أَقوام لَا يعلمُونَ جيرانهم وَلَا يفقهونهم وَلَا يفطنونهم
وَلَا يأمرونهم وَلَا ينهونهم وَمَا بَال أَقوام لَا يتعلمون
من جيرانهم وَلَا يتفقهمون وَلَا يتفطنون وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ ليعلمن جِيرَانه أَو ليتفقهن أَو ليفطنن أَو
لأعاجلنهم بالعقوبة فِي دَار الدُّنْيَا ثمَّ نزل فَدخل بَيته
فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من
يَعْنِي بِهَذَا الْكَلَام قَالُوا: مَا نعلم يَعْنِي بِهَذَا
الْكَلَام إِلَّا الْأَشْعَرِيين فُقَهَاء عُلَمَاء وَلَهُم
جيران من أهل الْمِيَاه جُفَاة جهلة فَاجْتمع جمَاعَة من
الْأَشْعَرِيين فَدَخَلُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: ذكرت طوائف من الْمُسلمين بِخَير وذكرتنا بشر
فَمَا بالنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لتعلمن جِيرَانكُمْ ولتفقهنهم ولتأمرنهم ولتنهونهم أَو
لأعاجلنكم بالعقوبة فِي دَار الدُّنْيَا فَقَالُوا: يارسول
الله فاما إِذن فامهلنا سنة فَفِي سنة مَا نعلمهُ ويتعلمون
فامهلهم سنة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد
وَعِيسَى ابْن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون
كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ}
(3/125)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لُعِن الَّذين كفرُوا من بني
إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد} يَعْنِي فِي الزبُور
{وَعِيسَى} يَعْنِي فِي الْإِنْجِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {لعن الَّذين كفرُوا} الْآيَة
قَالَ: لعنُوا بِكُل لِسَان لعنُوا على عهد مُحَمَّد فِي
الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {لعن الَّذين كفرُوا}
الْآيَة
خالطوهم بعد النَّهْي على تجارهم فَضرب الله قُلُوب بَعضهم على
بعض وهم ملعونون على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك
الْغِفَارِيّ فِي الْآيَة قَالَ: لعنُوا على لِسَان دَاوُد
فجُعلوا قردة وعَلى لِسَان عِيسَى فجُعِلوا خنازير
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: لعنهم الله على لِسَان دَاوُد فِي زمانهم فجعلهم قردة
خَاسِئِينَ ولعنهم فِي الْإِنْجِيل على لِسَان عِيسَى فجعلهم
خنازير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله
{ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون} مَاذَا كَانَ بَعضهم
قَالُوا {لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي عَمْرو بن حماس أَن ابْن الزبير
قَالَ لكعب: هَل لله من عَلامَة فِي الْعباد إِذا سخط
عَلَيْهِم قَالَ: نعم يذلهم فَلَا يامرون بِالْمَعْرُوفِ
ولاينهون عَن الْمُنكر وَفِي الْقُرْآن {لعن الَّذين كفرُوا من
بني إِسْرَائِيل} الْآيَة
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي عُبَيْدَة بن
الْجراح مَرْفُوعا قتلت بَنو إِسْرَائِيل ثَلَاثَة وَأَرْبَعين
نَبيا من أوّل النَّهَار فَقَامَ مائَة وَاثنا عشر رجلا من
عبادهم فأمروهم بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَن الْمُنكر
فَقتلُوا جَمِيعًا فِي آخر النَّهَار فهم الَّذين ذكر الله
{لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل} الْآيَات
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ عَن
حُذَيْفَة بن الْيَمَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ
ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليوشكن أَن يبْعَث الله عَلَيْكُم
عقَابا من عِنْده ثمَّ لتدعنه فَلَا يستجيب لكم
(3/126)
وَأخرج ابْن مَاجَه عَن عَائِشَة قَالَت:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مروا
بِالْمَعْرُوفِ وانهوا عَن الْمُنكر قبل أَن تدعوا فَلَا
يُسْتَجَاب لكم
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رأى مِنْكُم مُنْكرا فليغيره
بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه
وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان
وَأخرج أَحْمد عَن عدي بن عميرَة
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله
لايعذب الْعَامَّة بِعَمَل الْخَاصَّة حَتَّى يرَوا الْمُنكر
بَين ظهرانيهم وهم قادرون على أَن ينكروه فَإِذا فعلوا ذَلِك
عذب الله الْعَامَّة والخاصة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق أبي سَلمَة عَن
أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله
لايعذب الْعَامَّة بِعَمَل الْخَاصَّة حَتَّى يرَوا الْمُنكر
بَين ظهرانيهم وهم قادرون على أَن ينكروه فَلَا ينكرونه فَإِذا
فعلوا ذَلِك عذب الله الْخَاصَّة والعامة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق أبي سَلمَة عَن
أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي
نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ ليخرجن من أمتِي اناس من قُبُورهم فِي
صُورَة القردة والخنازير داهنوا أهل الْمعاصِي سكتوا عَن نهيهم
وهم يَسْتَطِيعُونَ
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عظمت أمتِي
الدُّنْيَا نزعت مِنْهَا هَيْبَة الْإِسْلَام واذا تركت
الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حرمت بَرَكة
الْوَحْي وَإِذا تسابَّت امتي سَقَطت من عين الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل يارسول الله
أتهلك الْقرْيَة فيهم الصالحون قَالَ: نعم
فَقيل يارسول الله
قَالَ: تهانونهم وسكوتهم عَن معاصي الله عز وَجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من كَانَ قبلكُمْ
من بني إِسْرَائِيل إِذا عمل الْعَامِل فيهم الْخَطِيئَة
فَنَهَاهُ الناهي تعزيراً فَإِذا كَانَ من الْغَد جالسه وآكله
وشاربه كَأَنَّهُ لم يره على خَطِيئَة بالْأَمْس فَلَمَّا رأى
الله ذَلِك مِنْهُم ضرب بقلوب بَعضهم على بعض ولعنهم على
لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم {ذَلِك بِمَا عصوا
وَكَانُوا يعتدون} وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لتأمرن
بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر ولتأخذن على يَد الْمُسِيء
ولتأطرنه على الْحق أطرا أَو ليضربن الله بقلوب بَعْضكُم على
بعض ويلعنكم كَمَا لعنهم
(3/127)
وَأخرج الديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتغنى النِّسَاء
بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ فبشروهم برِيح حَمْرَاء
تخرج من قبل الْمشرق فَينْسَخ بَعضهم ويخسف بِبَعْض {ذَلِك
بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون}
(3/128)
تَرَى كَثِيرًا
مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا
قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)
- قَوْله تَعَالَى: ترى كثيرا مِنْهُم
يتولون الَّذين كفرُوا لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط
الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم} قَالَ: مَا أَمرتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن
حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يامعشر
الْمُسلمين إيَّاكُمْ وَالزِّنَا فَإِن فِيهِ سِتّ خِصَال:
ثَلَاث فِي الدُّنْيَا وَثَلَاث فِي الْآخِرَة فاما الَّتِي
فِي الدُّنْيَا قد طَابَ إِلَيْهَا ودوام الْفقر وَقصر الْعُمر
وَأما الَّتِي فِي الْآخِرَة فسخط الله وَطول الْحساب
وَالْخُلُود فِي النَّار ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله
عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ}
(3/128)
وَلَوْ كَانُوا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ
مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ
فَاسِقُونَ (81)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو كَانُوا
يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا أنزل إِلَيْهِ مَا
اتخذوهم أَوْلِيَاء وَلَكِن كثيرا مِنْهُم فَاسِقُونَ
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو
كَانُوا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا أنزل إِلَيْهِ
مَا اتخذوهم أَوْلِيَاء} الْآيَة
(3/128)
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ
مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى
الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا
عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا
فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا
نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ
أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ
الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)
- قَوْله تَعَالَى: لتجدن أَشد النَّاس
عَدَاوَة للَّذين آمنُوا الْيَهُود وَالَّذين أشركوا ولتجدن
أقربهم مَوَدَّة للَّذين آمنُوا الَّذين قَالُوا إِنَّا
نَصَارَى ذَلِك بِأَن مِنْهُم قسيسن وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ
لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول
ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق يَقُولُونَ
رَبنَا آمنا فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين وَمَا لنا لَا نؤمن
بِاللَّه وَمَا جَاءَنَا من الْحق ونطمع أَن يدخلنا رَبنَا
مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين فأثابهم الله بِمَا قَالُوا جنَّات
تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء
الْمُحْسِنِينَ وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ
أَصْحَاب الْجَحِيم
(3/128)
- أخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ماخلا يَهُودِيّ بِمُسلم إِلَّا هم بقتْله وَفِي لفظ:
إِلَّا حدَّث نَفسه بقتْله
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ولتجدن
أقربهم مَوَدَّة للَّذين آمنُوا الَّذين قَالُوا إِنَّا
نَصَارَى} قَالَ: هم الْوَفْد الَّذين جاؤوا مَعَ جَعْفَر
وَأَصْحَابه من أَرض الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: مَا ذكر الله بِهِ
النَّصَارَى قَالَ: هم نَاس من الْحَبَشَة آمنُوا إِذْ
جَاءَتْهُم مهاجرة الْمُؤمنِينَ فَذَلِك لَهُم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي
النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى
الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي
الْحِلْية والواحدي من طَرِيق ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي
سعيد بن الْمسيب وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْحَارِث
بن هِشَام وَعُرْوَة بن الزبير قَالُوا بعث رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَكتب مَعَه
كتابا إِلَى النَّجَاشِيّ فَقدم على النَّجَاشِيّ فَقَرَأَ
كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دَعَا جَعْفَر
بن أبي طَالب والمهاجرين مَعَه وَأرْسل النَّجَاشِيّ إِلَى
الرهبان والقسيسين فَجَمعهُمْ ثمَّ أَمر جَعْفَر بن أبي طَالب
أَن يقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة
(3/129)
مَرْيَم فآمنوا بِالْقُرْآنِ وفاضت أَعينهم
من الدمع وهم الَّذين أنزل فيهم {ولتجدن أقربهم مَوَدَّة}
إِلَى قَوْله {مَعَ الشَّاهِدين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ:
هم رسل النَّجَاشِيّ الَّذين أرسل بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام
قومه كَانُوا سبعين رجلا اخْتَارَهُمْ من قومه الخيِّر الخيِّر
فالخير فِي الْفِقْه وَالسّن وَفِي لفظ: بعث من خِيَار
أَصْحَابه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثَلَاثِينَ رجلا فَلَمَّا أَتَوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم دخلُوا عَلَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة يس
فبكوا حِين سمعُوا الْقُرْآن وَعرفُوا أَنه الْحق فَأنْزل الله
فيهم {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} الْآيَة
وَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم أَيْضا {الَّذين آتَيْنَاهُم
الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} الْقَصَص الْآيَة 52 إِلَى
قَوْله {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}
الْقَصَص الْآيَة 54 وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ
عَن عُرْوَة قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن هَذِه الْآيَة نزلت
فِي النَّجَاشِيّ {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول}
قَالَ: إِنَّهُم كَانُوا برايين يَعْنِي ملاحين قدمُوا مَعَ
جَعْفَر بن أبي طَالب من الْحَبَشَة فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن آمنُوا وفاضت
أَعينهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا
رجعتم إِلَى أَرْضكُم انقلبتم عَن دينكُمْ فَقَالُوا لن ننقلب
عَن ديننَا فَأنْزل الله ذَلِك من قَوْلهم {وَإِذا سمعُوا مَا
أنزل إِلَى الرَّسُول}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن هَذِه
الْآيَة نزلت فِي الَّذين أَقبلُوا مَعَ جَعْفَر من أَرض
الْحَبَشَة وَكَانَ جَعْفَر لحق بِالْحَبَشَةِ هُوَ
وَأَرْبَعُونَ مَعَه من قُرَيْش وَخَمْسُونَ من الْأَشْعَرِيين
مِنْهُم أَرْبَعَة من عك أكبرهم أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ
وأصغرهم عَامر فَذكر لنا أَن قُريْشًا بعثوا فِي طَلَبهمْ
عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد فَأتوا النَّجَاشِيّ
فَقَالُوا: إِن هَؤُلَاءِ قد أفسدوا دين قَومهمْ فَأرْسل اليهم
فجاؤوا فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: بعث الله فِينَا نَبيا كَمَا
بعث فِي الْأُمَم قبلنَا يَدْعُونَا إِلَى الله وَحده ويأمرنا
بِالْمَعْرُوفِ وينهانا عَن الْمُنكر ويأمرنا بالصلة وينهانا
عَن القطيعة ويأمرنا بِالْوَفَاءِ وينهانا عَن النكث وَإِن
قَومنَا بغوا علينا وأخرجونا حِين صدقناه وآمنا بِهِ فَلم نجد
(3/130)
أحد نلجأ اليه غَيْرك فَقَالَ: مَعْرُوفا
فَقَالَ عَمْرو وَصَاحبه: إِنَّهُم يَقُولُونَ فِي عِيسَى غير
الَّذِي تَقول
قَالَ: وَمَا تَقولُونَ فِي عِيسَى قَالُوا: نشْهد أَنه عبد
الله وَرَسُوله وكلمته وروحه وَلدته عذراء بتول
قَالَ: مَا أخطأتم ثمَّ قَالَ لعَمْرو وَصَاحبه: لَوْلَا أنكما
أقبلتما فِي جواري لفَعَلت بكما وَذكر لنا أَن جَعْفَر
وَأَصْحَابه إِذْ أَقبلُوا جَاءَ أُولَئِكَ مَعَهم فآمنوا
بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ قَائِل: لَو قد رجعُوا إِلَى أَرضهم لَحِقُوا بدينهم
فحدثنا أَنه قدم مَعَ جَعْفَر سَبْعُونَ مِنْهُم فَلَمَّا
قَرَأَ عَلَيْهِم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاضت
أَعينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ بعث
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إثنا عشر رجلا
سَبْعَة قِسِّيسِينَ وَخَمْسَة رهباناً ينظرُونَ إِلَيْهِ
ويسألونه فَلَمَّا لقوه قَرَأَ عَلَيْهِم مَا أنزل الله بكوا
وآمنوا وَأنزل الله فيهم {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى
الرَّسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ بِمَكَّة يخَاف على أَصْحَابه من الْمُشْركين فَبعث
جَعْفَر بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان بن مَظْعُون
فِي رَهْط من أَصْحَابه إِلَى النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة
فَلَمَّا بلغ الْمُشْركين بعثوا عَمْرو بن الْعَاصِ فِي رَهْط
مِنْهُم وَذكروا أَنهم سبقوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ فَقَالُوا إِنَّه قد خرج
فِينَا رجل سفه عقول قُرَيْش وأحلامها زعم أَنه نَبِي وَأَنه
بعث إِلَيْك رهطاً ليفسدوا عَلَيْك قَوْمك فأحببنا أَن
نَأْتِيك ونخبرك خبرهم
قَالَ: إِن جاؤوني نظرت فِيمَا يَقُولُونَ فَلَمَّا قدم
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوا إِلَى
بَاب النَّجَاشِيّ فَقَالُوا: اسْتَأْذن لأولياء الله فَقَالَ:
ائْذَنْ لَهُم فمرحباً بأولياء الله فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ
سلمُوا فَقَالَ الرَّهْط من الْمُشْركين: ألم تَرَ أَيهَا
الْملك انا صدقناك وانهم لم يحيوك بتحيتك الَّتِي تحيى بهَا
فَقَالَ لَهُم: مَا يمنعكم أَن تحيوني بتيحيتي قَالُوا: إِنَّا
حييناك بِتَحِيَّة أهل الْجنَّة وتحية الْمَلَائِكَة
فَقَالَ لَهُم: مايقول صَاحبكُم فِي عِيسَى وَأمه قَالُوا:
يَقُول عبد الله وَرَسُوله وَكلمَة من الله وروح مِنْهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَيَقُول فِي مَرْيَم: إِنَّهَا
الْعَذْرَاء الطّيبَة البتول
قَالَ: فَأخذ عوداً من الأَرْض فَقَالَ: مَا زَاد عِيسَى وَأمه
على مَا قَالَ صَاحبكُم هَذَا الْعود فكره الْمُشْركُونَ
قَوْله وَتغَير لون وُجُوههم فَقَالَ: هَل تقرأون شَيْئا
مِمَّا أنزل عَلَيْكُم قَالُوا: نعم
قَالَ: فاقرأوا وَحَوله القسيسون والرهبان وَسَائِر
النَّصَارَى فَجعلت طَائِفَة من
(3/131)
القسيسسن والرهبان كلما قرأوا آيَة انحدرت
دموعهم مِمَّا عرفُوا من الْحق
قَالَ الله {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا
وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى
الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان فِي إِسْلَامه قَالَ لما قدم
النَّبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة صنعت
طَعَاما فَجئْت بِهِ فَقَالَ: ماهذا قلت: صَدَقَة
فَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا وَلم يَأْكُل ثمَّ إِنِّي رجعت
حَتَّى جمعت طَعَاما فَأَتَيْته بِهِ فَقَالَ: ماهذا قلت:
هَدِيَّة
فَأكل وَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا
قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن النَّصَارَى قَالَ: لَا خير
فيهم ولافيمن أحبهم فَقُمْت وَأَنا مثقل فَأنْزل الله {لتجدن
أَشد النَّاس عَدَاوَة للَّذين آمنُوا الْيَهُود} حَتَّى بلغ
{تفيض من الدمع} فَأرْسل إلىَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ لي: ياسلمان إِن أَصْحَابك هَؤُلَاءِ الَّذين
ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{ولتجدن أقربهم مَوَدَّة} الْآيَة
قَالَ: أنَاس من أهل الْكتاب كَانُوا على شَرِيعَة من الْحق
مِمَّا جَاءَ بِهِ عِيسَى يُؤمنُونَ بِهِ وينتهون إِلَيْهِ
فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صدقوه وآمنوا بِهِ وَعرفُوا مَا
جَاءَ بِهِ من الْحق أَنه من الله فَأثْنى عَلَيْهِم بِمَا
تَسْمَعُونَ
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده
وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه والْحَارث بن
أُسَامَة فِي مُسْنده والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر
الْأُصُول وَالْبَزَّار وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن سلمَان أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {ذَلِك بِأَن
مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: الرهبان الَّذين فِي
الصوامع نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك
بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} وَلَفظ الْبَزَّار دع
القسيسين أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم /
ذَلِك بِأَن مِنْهُم صديقين / وَلَفظ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ:
قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك بِأَن
مِنْهُم قِسِّيسِينَ} فأقرأني / ذَلِك بِأَن مِنْهُم صديقين /
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سلمَان قَالَ: كنت
يَتِيما من رامهرمز وَكَانَ ابْن دهقان رامهرمز يخْتَلف إِلَى
معلم يُعلمهُ فَلَزِمته لأَكُون فِي كنفه وَكَانَ لي أَخ أكبر
مني وَكَانَ مستغنياً فِي نَفسه وَكنت غُلَاما فَقِيرا فَكَانَ
إِذا قَامَ من مَجْلِسه تفرق من يحفظه فَإِذا تفَرقُوا خرج
فتقنع بِثَوْبِهِ ثمَّ صعد الْجَبَل فَكَانَ يفعل ذَلِك غير
مرّة متنكراً قَالَ: فَقلت أما أَنَّك تفعل كَذَا وَكَذَا فَلم
لَا تذْهب بِي مَعَك قَالَ:
(3/132)
أَنْت غُلَام وأخاف أَن يظْهر مِنْك شَيْء
قَالَ: قلت لاتخف
قَالَ: فَإِن فِي هَذَا الْجَبَل قوما فِي برطيل لَهُم عبَادَة
وَصَلَاح يذكرُونَ الله عز وَجل ويذكرون الْآخِرَة يَزْعمُونَ
أَنا عَبدة النيرَان وَعَبدَة الْأَوْثَان وَأَنا على غير دين
قلت: فَاذْهَبْ بِي مَعَك إِلَيْهِم
قَالَ: لَا أقدر على ذَلِك حَتَّى أستأمرهم وَأَنا أَخَاف أَن
يظْهر مِنْك شَيْء فَيعلم أبي فَيقْتل الْقَوْم فَيجْرِي
هلاكهم على يَدي
قَالَ: قلت لن يظْهر مني ذَلِك فاستأمرهم فَقَالَ: غُلَام
عِنْدِي يَتِيم فَأحب أَن يأتيكم وَيسمع كلامكم قَالُوا: إِن
كنت تثق بِهِ
قَالَ: أَرْجُو أَن لَا يَجِيء مِنْهُ إِلَّا مَا أحب
قَالُوا: فجيء بِهِ
فَقَالَ لي: قد اسْتَأْذَنت الْقَوْم أَن تَجِيء معي فَإِذا
كَانَت السَّاعَة الَّتِي رَأَيْتنِي أخرج فِيهَا فأتني وَلَا
يعلم بك أحد فَإِن أبي إِن علم قَتلهمْ
قَالَ: فَلَمَّا كَانَت السَّاعَة الَّتِي يخرج تَبعته فَصَعدَ
الْجَبَل فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِم فَإِذا هم فِي برطيلهم
قَالَ: عَليّ
وَأرَاهُ قَالَ: هم سِتَّة أَو سَبْعَة
قَالَ: وَكَانَت الرّوح قد خرجت مِنْهُم من الْعِبَادَة
يَصُومُونَ النَّهَار ويقومون اللَّيْل يَأْكُلُون الشّجر
وَمَا وجدوا فَقَعَدْنَا إِلَيْهِم فَأثْنى ابْن الدهْقَان
عليَّ خيرا فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عَلَيْهِ وَذكروا من
مضى من الرُّسُل والأنبياء حَتَّى خلصوا إِلَى عِيسَى بن
مَرْيَم قَالُوا: بَعثه الله وَولده بِغَيْر ذكر بَعثه الله
رَسُوله وسخر لَهُ ماكان يفعل من إحْيَاء الْمَوْتَى وَخلق
الطير وابراء الْأَعْمَى والأبرص فَكفر بِهِ قوم وَتَبعهُ قوم
وَإِنَّمَا كَانَ عبد الله وَرَسُوله ابتلى بِهِ خلقه
قَالَ: وَقَالُوا قبل ذَلِك: ياغلام إِن لَك رَبًّا وَإِن لَك
معاداً وَإِن بَين يَديك جنَّة وَنَارًا إِلَيْهَا تصير وَإِن
هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين يعْبدُونَ النيرَان أهل كفر وضلالة
لايرضى الله بِمَا يصنعون وَلَيْسوا على دين فَلَمَّا حضرت
السَّاعَة الَّتِي ينْصَرف فِيهَا الْغُلَام انْصَرف وانصرفت
مَعَه ثمَّ غدونا إِلَيْهِم فَقَالُوا مثل ذَلِك وَأحسن
فلزمتهم فَقَالُوا: ياغلام إِنَّك غُلَام وَإنَّك لَا
تَسْتَطِيع أَن تصنع كَمَا نصْنَع فَكل واشرب وصل ونم
قَالَ: فَاطلع الْملك على صَنِيع ابْنه فَركب الْخَيل حَتَّى
أَتَاهُم فِي برطيلهم فَقَالَ: ياهؤلاء قد جاورتموني فأحسنت
جوراكم وَلم تروا مني سوءا فعمدتم إِلَى ابْني فافسدتموه عليَّ
قد أجلتكم ثَلَاثًا فَإِن قدرت عَلَيْكُم بعد ثَلَاث أحرقت
عَلَيْكُم برطيلكم هَذَا فالحقوا ببلادكم فَإِنِّي أكره أَن
يكون مني إِلَيْكُم سوء
قَالُوا: نعم ماتعمدنا اساءتك وَلَا أردنَا إِلَّا الْخَيْر
فكفَّ ابْنه عَن إتيانهم فَقلت لَهُ: اتَّقِ الله
(3/133)
فَإنَّك تعرف أَن هَذَا الدّين دين الله
وَإِن أَبَاك وَنحن على غير دين إِنَّمَا هم عَبدة النيرَان
لايعرفون الله فَلَا تبع آخرتك بدنيا غَيْرك
قَالَ: ياسلمان هُوَ كَمَا تَقول وَإِنَّمَا أَتَخَلَّف عَن
الْقَوْم بقيا عَلَيْهِم ان اتبعت الْقَوْم يطلبني أبي فِي
الْخَيل وَقد جزع من إتياني إيَّاهُم حَتَّى طردهم وَقد أعرف
أَن الْحق فِي أَيْديهم
قلت: أَنْت أعلم ثمَّ لقِيت أخي فعرضت عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنا
مشتغل بنفسي وَطلب الْمَعيشَة فأتيتهم فِي الْيَوْم الَّذِي
أَرَادوا أَن يرتحلوا فِيهِ فَقَالُوا: ياسلمان قد كُنَّا نحذر
فَكَانَ مَا رَأَيْت اتَّقِ الله وَاعْلَم أَن الدّين مَا
أوصيناك بِهِ وَإِن هَؤُلَاءِ عَبدة النيرَان لايعرفون الله
ولايذكرونه فَلَا يخدعنَّك أحد عَن ذَلِك
قلت: مَا أَنا بمفارقكم
قَالُوا: إِنَّك لَا تقدر على أَن تكون مَعنا نَحن نَصُوم
النَّهَار ونقوم اللَّيْل وَنَأْكُل الشّجر وَمَا أصبْنَا
وَأَنت لاتستطيع ذَلِك
قَالَ: قلت: لَا أفارقكم
قَالُوا: أَنْت أعلم قد أعلمناك حَالنَا فَإِذا أَبيت فاطلب
أحدا يكون مَعَك واحمل مَعَك شَيْئا تَأْكُله لَا تَسْتَطِيع
مانستطيع نَحن
قَالَ: فَفعلت فَلَقِيت أخي فعرضت عَلَيْهِ فَأبى فأتيتهم
فتحمَّلوا فَكَانُوا يَمْشُونَ وأمشي مَعَهم فرزقنا الله
السَّلامَة حَتَّى أَتَيْنَا الْموصل فأتينا بَيْعه بالموصل
فَلَمَّا دخلُوا حفوا بهم وَقَالُوا: أَيْن كُنْتُم قَالُوا:
كُنَّا فِي بِلَاد لَا يذكرُونَ الله بهَا عبّاد نيران فطردونا
فقدمنا عَلَيْكُم فَلَمَّا كَانَ بعد قَالُوا: يَا سلمَان ان
هَهُنَا قوما فِي هَذِه الْجبَال هم أهل دين وَإِنَّا نُرِيد
لقاءهم فَكُن أَنْت هَهُنَا مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُم أهل دين
وسترى مِنْهُم مَا تحب قلت: مَا أَنا بمفارقكم
قَالَ: وأوصوا بِي أهل الْبيعَة فَقَالَ أهل دين الْبيعَة:
أقِم مَعنا فانه لايعجزك شَيْء يسعنا
قلت: مَا أَنا بمفارقكم
فَخَرجُوا وَأَنا مَعَهم فأصبحنا بَين الْجبَال فَإِذا صَخْرَة
وَمَاء كثير فِي جرار وخبز كثير فَقَعَدْنَا عِنْد الصَّخْرَة
فَلَمَّا طلعت الشَّمْس خَرجُوا من بَين تِلْكَ الْجبَال يخرج
رجل رجل من مَكَانَهُ كَأَن الْأَرْوَاح انتزعت مِنْهُم حَتَّى
كَثُرُوا فرحبوا بهم وحفوا وَقَالُوا: أَيْن كُنْتُم لم نركم
قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَاد لَا يذكرُونَ اسْم الله فِيهَا
عَبدة النيرَان وَكُنَّا نعْبد الله فِيهَا فطردونا فَقَالُوا:
ماهذا الْغُلَام قَالَ: فطفقوا يثنون عليَّ وَقَالُوا:
صَحِبنَا من تِلْكَ الْبِلَاد فَلم نرَ مِنْهُ إِلَّا خيرا
قَالَ: فو الله إِنَّهُم لكذا إِذْ طلع عَلَيْهِم رجل من كَهْف
رجل طَوِيل فجَاء حَتَّى سلم وَجلسَ فحف بِهِ أَصْحَابِي
الَّذين كنت مَعَهم وعظموه وَأَحْدَقُوا بِهِ فَقَالَ لَهُم:
أَيْن كُنْتُم فأخبروه
(3/134)
فَقَالَ: وَمَا هَذَا الْغُلَام مَعكُمْ
فَأَثْنوا عليَّ خيرا وَأَخْبرُوهُ باتباعي إيَّاهُم وَلم أرَ
مثل إعظامهم إِيَّاه فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر
من أرسل من رسله وأنبيائه وَمَا لقوا وَمَا صنع بهم حَتَّى ذكر
مولد عِيسَى بن مَرْيَم وَأَنه ولد بِغَيْر ذكر فَبَعثه الله
رَسُولا وأجرى على يَدَيْهِ إحْيَاء الْمَوْتَى وإبراء
الْأَعْمَى والأبرص وَأَنه يخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير
فينفخ فِيهِ فَيكون طيراً بِإِذن الله وَأنزل عَلَيْهِ
الْإِنْجِيل وَعلمه التَّوْرَاة وَبَعثه رَسُولا إِلَى بني
إِسْرَائِيل فَكفر بِهِ قوم وآمن بِهِ قوم وَذكر بعض مَا لَقِي
عِيسَى بن مَرْيَم وَأَنه كَانَ عبدا أنعم الله عَلَيْهِ فَشكر
ذَلِك لَهُ وَرَضي عَنهُ حَتَّى قَبضه الله وَهُوَ يعظمهم
وَيَقُول: اتَّقوا الله والزموا مَا جَاءَ عِيسَى بِهِ وَلَا
تخالفوا فيخالف بكم ثمَّ قَالَ: من أَرَادَ أَن يَأْخُذ من
هَذَا شَيْئا فليأخذ
فَجعل الرجل يقوم فَيَأْخُذ الجرة من المَاء وَالطَّعَام
وَالشَّيْء وَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذين جِئْت مَعَهم
فَسَلمُوا عَلَيْهِ وعظموه فَقَالَ لَهُم: الزموا هَذَا الدّين
وَإِيَّاكُم أَن تفَرقُوا وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَام
خيرا وَقَالَ لي: هَذَا دين الله الَّذِي لَيْسَ لَهُ دين
فَوْقه وَمَا سواهُ هُوَ الْكفْر
قَالَ: قلت: مَا أُفَارِقك
قَالَ: إِنَّك لن تَسْتَطِيع أَن تكون معي إِنِّي لَا أخرج من
كهفي هَذَا إِلَّا كل يَوْم أحد لَا تقدر على الكينونة معي
قَالَ: وَأَقْبل على أَصْحَابه فَقَالُوا: يَا غُلَام إِنَّك
لَا تَسْتَطِيع أَن تكون مَعَه
قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ: يَا غُلَام فَإِنِّي أعلمك الْآن إِنِّي أَدخل هَذَا
الْكَهْف وَلَا أخرج مِنْهُ إِلَى الْأَحَد الآخر وَأَنت أعلم
قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ لَهُ أَصْحَابه: يافلان هَذَا غُلَام ونخاف عَلَيْهِ
قَالَ: قَالَ لي: أَنْت أعلم
قلت: إِنِّي لَا أُفَارِقك
فَبكى أَصْحَابِي الأوّلون الَّذين كنت مَعَهم عِنْد فراقهم
إيَّايَ
فَقَالَ: خُذ من هَذَا الطَّعَام مَا ترى أَنه يَكْفِيك إِلَى
الْأَحَد الآخر وَخذ من هَذَا المَاء مَا تكتفي بِهِ فَفعلت
وَتَفَرَّقُوا وَذهب كل إِنْسَان إِلَى مَكَانَهُ الَّذِي يكون
فِيهِ وتبعته حَتَّى دخل الْكَهْف فِي الْجَبَل فَقَالَ: ضع
مَا مَعَك وكل واشرب وَقَامَ يُصَلِّي فَقُمْت مَعَه أُصَلِّي
قَالَ: وانفتل إِلَيّ فَقَالَ: إِنَّك لَا تَسْتَطِيع هَذَا
وَلَكِن صل ونم وكل واشرب فَفعلت فَمَا رَأَيْته لَا نَائِما
وَلَا طاعماً إِلَّا رَاكِعا وساجداً إِلَى الْأَحَد الآخر
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ: خُذ جرتك هَذِه وَانْطَلق فَخرجت
مَعَه أتبعه حَتَّى انتهينا إِلَى الصَّخْرَة وَإِذا هم قد
خَرجُوا من تِلْكَ الْجبَال واجتمعوا إِلَى الصَّخْرَة ينتظرون
(3/135)
خُرُوجه فقعدوا وجاد فِي حَدِيثه نَحْو
الْمرة الأولى
فَقَالَ: الزموا هَذَا الدّين وَلَا تفَرقُوا وَاتَّقوا الله
وَاعْلَمُوا أَن عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ عبد الله أنعم الله
عَلَيْهِ ثمَّ ذكروني فَقَالُوا: يَا فلَان كَيفَ وجدت هَذَا
الْغُلَام فَأثْنى عَليّ وَقَالَ: خيرا
فحمدوا الله فَإِذا خبز كثير وَمَاء فَأخذُوا وَجعل الرجل
يَأْخُذ بِقدر مَا يَكْتَفِي بِهِ فَفعلت وَتَفَرَّقُوا فِي
تِلْكَ الْجبَال وَرجع إِلَى كهفه وَرجعت مَعَه
فَلبث ماشاء الله يخرج فِي كل يَوْم أحد وَيخرجُونَ مَعَه
ويوصيهم بِمَا كَانَ يوصيهم بِهِ فَخرج فِي أحد فَلَمَّا
اجْتَمعُوا حمد الله ووعظهم وَقَالَ مثل ماكان يَقُول لَهُم
ثمَّ قَالَ لَهُم آخر ذَلِك: يَا هَؤُلَاءِ إِنِّي قد كَبرت
سني ورق عظمي واقترب أَجلي وَأَنه لَا عهد لي بِهَذَا الْبَيْت
مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلَا بُد لي من إِتْيَانه فَاسْتَوْصُوا
بِهَذَا الْغُلَام خيرا وَإِنِّي رَأَيْته لَا بَأْس بِهِ
قَالَ: فجزع الْقَوْم فَمَا رَأَيْت مثل جزعهم وَقَالُوا: يَا
أَبَا فلَان أَنْت كَبِير وَأَنت وَحدك وَلَا نَأْمَن أَن
يصيبك الشَّيْء ولسنا أحْوج مَا كُنَّا إِلَيْك
قَالَ: لَا تراجعوني لَا بُد لي من إِتْيَانه وَلَكِن
اسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَام خيرا وافعلوا وافعلوا
قَالَ: قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ: ياسلمان قد رَأَيْت حَالي وماكنت عَلَيْهِ وَلَيْسَ
هَذَا لَك إِنَّمَا أَمْشِي أَصوم النَّهَار وأقوم اللَّيْل
وَلَا أَسْتَطِيع أَن أحمل معي زادا ولاغيره وَلَا تقدر على
هَذَا
قَالَ: قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ: أَنْت أعلم قَالُوا: يَا أَبَا فلَان إِنَّا نَخَاف
عَلَيْك وعَلى هَذَا الْغُلَام
قَالَ: هُوَ أعلم قد أعلمته الْحَالة وَقد رأى ماكان قبل هَذَا
قلت: لَا أُفَارِقك
فبكوا وودعوه وَقَالَ لَهُم: اتَّقوا الله وَكُونُوا على مَا
أوصيتكم بِهِ فَإِن أعش فلعلي أرجع إِلَيْكُم وَإِن أمت فَإِن
الله حَيّ لَا يَمُوت فَسلم عَلَيْهِم وَخرج وَخرجت مَعَه
وَقَالَ لي: احْمِلْ مَعَك من هَذَا الْخبز شَيْئا تَأْكُله
فَخرج وَخرجت مَعَه يمشي وَاتبعهُ يذكر الله وَلَا يلْتَفت
وَلَا يقف على شَيْء حَتَّى إِذْ أَمْسَى قَالَ: يَا سلمَان صل
أَنْت ونم وكل واشرب ثمَّ قَامَ هُوَ يُصَلِّي إِلَى أَن
انْتهى إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ لَا يرفع طرفه إِلَى
السَّمَاء حَتَّى انتهينا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِذا على
الْبَاب مقْعد قَالَ: ياعبد الله قد ترى حَالي فَتصدق عليَّ
بِشَيْء فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَدخل الْمَسْجِد وَدخلت مَعَه
فَجعل يتتبع أمكنة من الْمَسْجِد يُصَلِّي فِيهَا ثمَّ قَالَ:
ياسلمان إِنِّي لم أنم مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلم أجد طعم نوم
فَإِن أَنْت جعلت لي أَن توقظني إِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا
وَكَذَا نمت فَانِي أحب أَن أَنَام فِي هَذَا الْمَسْجِد
(3/136)
وَإِلَّا لم أنم
قَالَ: قلت: فَإِنِّي أفعل
قَالَ: فَانْظُر إِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا فأيقظني
إِذا غلبتني عَيْني فَنَامَ فَقلت فِي نَفسِي: هَذَا لم ينم
مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَقد رَأَيْت بعض ذَلِك لأدعنه ينَام
حَتَّى يشتفي من النّوم
وَكَانَ فِيمَا يمشي وَأَنا مَعَه يقبل عليَّ فيعظني ويخبرني
أَن لي رَبًّا وَأَن بَين يَدَيْهِ جنَّة وَنَارًا وحساباً
ويعلمني بذلك ويذكرني نَحْو مَا كَانَ يذكر الْقَوْم يَوْم
الْأَحَد حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُول لي: ياسلمان الله
تَعَالَى سَوف يبْعَث رَسُولا اسْمه أَحْمد يخرج بتهامة -
وَكَانَ رجلا أعجمياً لَا يحسن أَن يَقُول تهَامَة ولامحمد -
علامته أَنه يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة
بَين كَتفيهِ خَاتم وَهَذَا زَمَانه الَّذِي يخرج فِيهِ قد
تقَارب فَأَما أَنا فَإِنِّي شيخ كَبِير وَلَا أحسبني أدْركهُ
فَإِن أَدْرَكته أَنْت فَصدقهُ وَاتبعهُ
قلت: وَإِن أَمرنِي بترك دينك وَمَا أَنْت عَلَيْهِ قَالَ:
وَإِن أَمرك فَإِن الْحق فِيمَا يَجِيء بِهِ ورضا الرَّحْمَن
فِيمَا قَالَ
فَلم يمض إِلَّا يسير حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزعًا يذكر الله
تَعَالَى فَقَالَ: ياسلمان مضى الْفَيْء من هَذَا الْمَكَان
وَلم أذكر الله أَيْنَمَا جعلت لي على نَفسك قَالَ: قلت:
أَخْبَرتنِي أَنَّك لم تنم مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَقد رَأَيْت
بعض ذَلِك فَأَحْبَبْت أَن تشتفي من النّوم فَحَمدَ الله
فَقَامَ وَخرج فتبعته فَقَالَ المقعد: ياعبد الله دخلت فسألتك
فَلم تعطني وَخرجت فسألتك فَلم تعطني فَقَامَ ينظر هَل يرى أحد
فَلم يره فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: ناولني يدك فَنَاوَلَهُ
فَقَالَ: قُم بِسم الله فَقَامَ كَأَنَّهُ نشط من عقال صَحِيحا
لاعيب فِيهِ فخلى عَن يَده فَانْطَلق ذَاهِبًا فَكَانَ لَا
يلوي على أحد وَلَا يقوم عَلَيْهِ فَقَالَ لي المقعد: يَا
غُلَام أحمل على ثِيَابِي حَتَّى أَنطلق وأبشر أَهلِي فَحملت
عَلَيْهِ ثِيَابه وَانْطَلق لَا يلوي عليَّ
فَخرجت فِي أَثَره أطلبه وَكلما سَأَلت عَنهُ قَالُوا: أمامك
حَتَّى لَقِيَنِي الركب من كلب فسألتهم فَلَمَّا سمعُوا لغتي
أَنَاخَ رجل مِنْهُم بعيره فَحَمَلَنِي فجعلني خَلفه حَتَّى
بلغُوا بِي بِلَادهمْ قَالَ: فباعوني فاشترتني امْرَأَة من
الْأَنْصَار فجعلتني فِي حَائِط لَهَا وَقدم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فأُخبرت بِهِ فَأخذت شَيْئا من تمر حائطي
فَجَعَلته على شَيْء ثمَّ أَتَيْته فَوجدت عِنْده أُنَاسًا
وَإِذا أَبُو بكر أقرب الْقَوْم مِنْهُ فَوَضَعته بَين
يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا قلت صَدَقَة
فَقَالَ للْقَوْم: كلوا وَلم يَأْكُل هُوَ ثمَّ لَبِثت مَا
شَاءَ الله ثمَّ أخذت مثل ذَلِك فَجَعَلته على شَيْء ثمَّ
أَتَيْته بِهِ فَوجدت عِنْده أُنَاسًا
(3/137)
وَإِذا أَبُو بكر أقرب الْقَوْم مِنْهُ
فَوَضَعته بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: ماهذا قلت: هَدِيَّة
قَالَ: بِسم الله فَأكل وَأكل الْقَوْم قَالَ: قلت: فِي نَفسِي
هَذِه من آيَاته كَانَ صَاحِبي رجلا أعجمياً لم يحسن أَن
يَقُول تهَامَة قَالَ تُهْمَة وَقَالَ أَحْمد فَدرت خَلفه
فَفطن بِي فَأرْخى ثَوْبه فَإِذا الْخَاتم فِي نَاحيَة كتفه
الايسر فتبينته ثمَّ درت حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ فَقلت:
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله
قَالَ: من أَنْت قلت: مَمْلُوك فَحَدَّثته بحديثي وَحَدِيث
الرجل الَّذِي كنت مَعَه وَمَا أَمرنِي بِهِ قَالَ: لمن أَنْت
قلت: لامْرَأَة من الْأَنْصَار جَعَلتني فِي حَائِط لَهَا
قَالَ: يَا أَبَا بكر قَالَ: لبيْك
قَالَ: اشتره
قَالَ: فاشتراني أَبُو بكر فاعتقني فَلَبثت مَا شَاءَ الله أَن
ألبث ثمَّ أَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ وَقَعَدت بَين يَدَيْهِ
فَقلت: يارسول الله مَا تَقول فِي دين النَّصَارَى قَالَ: لَا
خير فيهم وَلَا فِي دينهم فدخلني أَمر عَظِيم فَقلت فِي
نَفسِي: هَذَا الَّذِي كنت مَعَه وَرَأَيْت مِنْهُ مَا رَأَيْت
أَخذ بيد المقعد فأقامه الله على يَدَيْهِ لَا خير فِي
هَؤُلَاءِ وَلَا فِي دينهم فَانْصَرَفت وَفِي نَفسِي ماشاء
الله فَأنْزل الله بعد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ
لَا يَسْتَكْبِرُونَ} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليَّ بسلمان
فَأَتَانِي الرَّسُول فدعاني وَأَنا خَائِف فَجئْت حَتَّى قعدت
بَين يَدَيْهِ فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {ذَلِك
بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ: ياسلمان أُولَئِكَ الَّذين كنت مَعَهم وَصَاحِبك لم
يَكُونُوا نَصَارَى إِنَّمَا كَانُوا مُسلمين فَقلت: يارسول
الله فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لقد أَمرنِي باتباعك
فَقلت لَهُ: وَإِن أَمرنِي بترك دينك وَمَا أَنْت عَلَيْهِ
فأتركه قَالَ: نعم فَاتْرُكْهُ فَإِن الْحق وَمَا يحب الله
فِيمَا يَأْمُرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {قِسِّيسِينَ}
قَالَ: علماؤهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: القسيسون
عبادهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ
عَن هَذِه الْآيَة {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ
وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} وَقَوله
{وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} الْفرْقَان الْآيَة
63 قَالَ: مازلت أسمع عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: نزلت فِي
النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه
(3/138)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} قَالَ:
أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي لفظ: قَالَ: يعنون بالشاهدين مُحَمَّدًا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأمته أَنهم قد شهدُوا لَهُ أَنه بلِّغ وشهدوا
للمرسلين أَنهم قد بلغُوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله
{ونطمع أَن يدخلنا رَبنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين} قَالَ:
الْقَوْم الصالحون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأصاحبه رَضِي الله عَنْهُم
(3/139)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ
مُؤْمِنُونَ (88)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا
إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ وكلوا مِمَّا رزقكم الله
حَلَالا طيبا وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: يارسول الله إِنِّي إِذا أكلت اللَّحْم انتشرت
للنِّسَاء وأخذتني شهوتي وَإِنِّي حرمت عليّ اللَّحْم فَنزلت
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله
لكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة
فِي رَهْط من الصَّحَابَة قَالُوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات
الدُّنْيَا ونسيح فِي الأَرْض كَمَا تفعل الرهبان قَالُوا:
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل
إِلَيْهِم فَذكر لَهُم ذَلِك فَقَالُوا: نعم فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكني أَصوم أفطر وأصلي وأنام وأنكح
النِّسَاء فَمن أَخذ بِسنتي فَهُوَ مني وَمن لم يَأْخُذ
بسنَّتي فَلَيْسَ منى
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي مراسليه وَابْن جرير
عَن أبي مَالك فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} قَالَ: نزلت فِي عُثْمَان
بن مَظْعُون وَأَصْحَابه كَانُوا حرمُوا على أنفسهم كثيرا من
الشَّهَوَات وَالنِّسَاء وهمَّ بَعضهم أَن يقطع ذكره فَنزلت
هَذِه الْآيَة
(3/139)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة
أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سَأَلُوا أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عمله
فِي السِّرّ فَقَالَ بَعضهم: لَا آكل اللَّحْم قَالَ بَعضهم:
لَا أَتزوّج النِّسَاء وَقَالَ بَعضهم لَا أَنَام على الْفراش
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا
بَال أَقوام يَقُول أحدهم كَذَا وَكَذَا لكني أَصوم وَأفْطر
وأنام وأقوم وآكل اللَّحْم وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي
فَلَيْسَ مني
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ
كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَيْسَ مَعنا نسَاء فَقُلْنَا أَلا نستخصي فنهانا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَرخّص لنا أَن ننكح
الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أجل ثمَّ قَرَأَ عبد الله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم
وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ أنَاس من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم همُّوا بالخصاء
وَترك اللَّحْم وَالنِّسَاء فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا
تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون فِي نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَعضهم: لَا آكل اللَّحْم وَقَالَ
الآخر: لَا أَنَام على فرَاش وَقَالَ الآخر: لَا أَتزوّج
النِّسَاء وَقَالَ الآخر: أَصوم وَلَا أفطر فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
قَالَ: كَانُوا حرمُوا الطّيب وَاللَّحم فَأنْزل الله هَذَا
فيهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
قلَابَة قَالَ أَرَادَ أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يرفضوا الدُّنْيَا ويتركوا النِّسَاء
ويترهبوا فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغلظ
فيهم الْمقَالة ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ
بِالتَّشْدِيدِ شَدَّدُوا على أنفسهم فَشدد الله عَلَيْهِم
فَأُولَئِك بقاياهم فِي الديار والصوامع اعبدوا الله وَلَا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم
قَالَ: وَنزلت فيهم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا
طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
(3/140)
قَالَ: نزلت فِي أنَاس من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادوا أَن يتخلوا من
الدُّنْيَا ويتركوا النِّسَاء وتزهَّدوا مِنْهُم عَليّ بن أبي
طَالب وَعُثْمَان بن مَظْعُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
الْآيَة
قَالَ ذكر لنا أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رفضوا النِّسَاء وَاللَّحم وَأَرَادُوا أَن
يتخذوا الصوامع فَلَمَّا بلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ فِي ديني ترك النِّسَاء
وَاللَّحم وَلَا اتِّخَاذ الصوامع وخبرنا أَن ثَلَاثَة نفر على
عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّفقُوا فَقَالَ
أحدهم أما أَنا فأقوم اللَّيْل لَا أَنَام وَقَالَ أحدهم: أما
أَنا فأصوم النَّهَار فَلَا أفطر وَقَالَ الآخر: أما أَنا
فَلَا آتِي النِّسَاء فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَيْهِم فَقَالَ: ألم أنبأ إِنَّكُم اتفقتم على كَذَا
وَكَذَا قَالُوا: بلَى يارسول الله وَمَا أردنَا إِلَّا
الْخَيْر
قَالَ: لكني أقوم وأنام وَأَصُوم وَأفْطر وَآتِي النِّسَاء
فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني وَكَانَ فِي بعض الْقِرَاءَة
فِي الْحَرْف الأول: من رغب عَن سنتك فَلَيْسَ من أمتك وَقد ضل
سَوَاء السَّبِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا آمركُم أَن
تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم جلس يَوْمًا فَذكر النَّاس ثمَّ قَامَ وَلم
يزدهم على التخويف فَقَالَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا عشرَة مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب
وَعُثْمَان بن مَظْعُون: مَا حَقنا أَن لم نُحدث عملا فَإِن
النَّصَارَى قد حرَّموا على أنفسهم فَنحْن نحرم فَحرم بَعضهم
أكل اللَّحْم والودك وَأَن يَأْكُل مِنْهَا وَحرم بَعضهم
النّوم وَحرم بَعضهم النِّسَاء فَكَانَ عُثْمَان بن مَظْعُون
مِمَّن حرم النِّسَاء وَكَانَ لَا يدنو من أَهله وَلَا يدنون
مِنْهُ فَأَتَت امْرَأَته عَائِشَة - وَكَانَ يُقَال لَهَا
الحولاء - فَقَالَت لَهَا عَائِشَة وَمن حولهَا من نسَاء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بالك يَا حولاء متغيرة
اللَّوْن لَا تمتشطين وَلَا تتطيبين فَقَالَت: وَكَيف أتطيب
وأمتشط وَمَا وَقع عليَّ زَوجي وَلَا رفع عني ثوبا مُنْذُ
كَذَا وَكَذَا فَجعلْنَ يضحكن من كَلَامهَا فَدخل رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن يضحكن فَقَالَ: مَا يضحككن
قَالَت: يَا رَسُول الله الحولاء سَأَلتهَا عَن أمرهَا
فَقَالَت: مَا رفع عني زَوجي ثوبا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا
فَأرْسل إِلَيْهِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا بالك ياعثمان قَالَ:
إِنِّي تركته لله لكَي أتخلى لِلْعِبَادَةِ وقصَّ عَلَيْهِ
أمره وَكَانَ عُثْمَان قد أَرَادَ أَن يجب نَفسه
(3/141)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا رجعت فواقعت أهلك فَقَالَ: يَا
رَسُول الله إِنِّي صَائِم قَالَ: أفطر
قَالَ: فَأفْطر وأتى أَهله فَرَجَعت الحولاء إِلَى عَائِشَة قد
اكتحلت وامتشطت وتطيبت فَضَحكت عَائِشَة فَقَالَت: مَالك يَا
حولاء فَقَالَت: أَنه أَتَاهَا أمس فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بَال أَقوام حرمُوا النِّسَاء
وَالطَّعَام وَالنَّوْم أَلا اني أَنَام وأقوم وَأفْطر
وَأَصُوم وأنكح النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني
فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا
أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا} يَقُول لعُثْمَان: لَا تجب
نَفسك فَإِن هَذَا هُوَ الاعتداء وَأمرهمْ أَن يكفروا
أَيْمَانهم فَقَالَ {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانكُم} الْمَائِدَة الْآيَة 89 الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ أَرَادَ
رجال مِنْهُم عُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الله بن عَمْرو أَن
يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فَنزلت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
وَالْآيَة الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
عِكْرِمَة
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون وَعلي بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود
والمقداد بن الْأسود وسالماً مولى أبي حُذَيْفَة وَقُدَامَة
تبتلوا فجلسوا فِي الْبيُوت واعتزلوا النِّسَاء ولبسوا المسوح
وحرموا طَيّبَات الطَّعَام واللباس إِلَّا مَا يَأْكُل ويلبس
السياحة من بني إِسْرَائِيل وهمُّوا بالاختصاء وَأَجْمعُوا
لقِيَام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار فَنزلت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
فَلَمَّا نزلت بعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: إِن لأنفسكم حَقًا ولأعينكم حَقًا وَإِن لأهلكم
حَقًا فصلوا وناموا وأفطروا فَلَيْسَ منا من ترك سنتنا
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ صدقنا وَاتَّبَعنَا مَا أنزلت على
الرَّسُول
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَن رجَالًا من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم عُثْمَان
بن مَظْعُون حرمُوا اللَّحْم وَالنِّسَاء على أنفسهم وَأخذُوا
الشفار ليقطعوا مَذَاكِيرهمْ لكَي تَنْقَطِع الشَّهْوَة
عَنْهُم ويتفرغوا لعبادة رَبهم فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا أردتم قَالُوا: أَردنا أَن نقطع
الشَّهْوَة عَنَّا ونتفرغ لعبادة رَبنَا ونلهو عَن النَّاس
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم أُؤمر بذلك
وَلَكِنِّي أُمِرْتُ فِي ديني أَن أَتزوّج النِّسَاء
فَقَالُوا: نطيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل
الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل
الله لكم}
(3/142)
إِلَى قَوْله {وَاتَّقوا الله الَّذِي
أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف
نصْنَع بأيماننا الَّتِي حلفنا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {لَا
يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن
يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} الْمَائِدَة الْآيَة 89
وَأخرج ابْن مردوية عَن الْحسن العرني قَالَ: كَانَ عَليّ فِي
أنَاس مِمَّن أَرَادوا أَن يحرموا الشَّهَوَات فَأنْزل الله
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله
لكم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن جريج عَن الْمُغيرَة بن
عُثْمَان قَالَ كَانَ عُثْمَان بن مَظْعُون وَعلي وَابْن
مَسْعُود والمقداد وعمار أَرَادوا الاختصاء وَتَحْرِيم
اللَّحْم وَلبس المسوح فِي أَصْحَاب لَهُم فَأتى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان بن مَظْعُون فَسَأَلَهُ عَن
ذَلِك فَقَالَ: قد كَانَ بعض ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنكح النِّسَاء
وآكل اللَّحْم وَأَصُوم وَأفْطر وأصلي وأنام وألبس الثِّيَاب
لم آتِ بالتبتل وَلَا بالرهبانية وَلَكِن جِئْت بالحنيفية
السمحة وَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني قَالَ ابْن جريج:
فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا
طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَن عبد
الله بن رَوَاحَة ضافه ضيف من أَهله وَهُوَ عِنْد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَوَجَدَهُمْ لم
يطعموا ضيفهم انتظاراً لَهُ فَقَالَ لامْرَأَته: حبست ضَيْفِي
من أَجلي هُوَ حرَام عَليّ
فَقَالَت امْرَأَته: هُوَ عليَّ حرَام
قَالَ الضَّيْف: هُوَ عَليّ حرَام فَلَمَّا رأى ذَلِك وضع يَده
وَقَالَ: كلوا بِسم الله ثمَّ ذهب إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: قد أصبت
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات
مَا أحل الله لكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن: {لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل
الله لكم وَلَا تَعْتَدوا} إِلَى مَا حرم الله عَلَيْكُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْمُغيرَة قَالَ: قلت: لإِبْرَاهِيم
فِي هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا
طَيّبَات مَا أحل الله لكم} هوالرجل يحرم الشَّيْء مِمَّا أحل
الله قَالَ: نعم
(3/143)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي
الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل يحلف لَا يصل أَهله أَو يحرِّم
عَلَيْهِ بعض مَا أحل الله لَهُ فيأتيه وَيكفر عَن يَمِينه
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طرق عَن ابْن مَسْعُود
أَن معقل بن مقرن قَالَ لَهُ: إِنِّي حرمت فِرَاشِي عليَّ سنة
فَقَالَ: نم على فراشك وكفِّر عَن يَمِينك ثمَّ تَلا {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارقطني عَن أبي
جُحَيْفَة قَالَ آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء فزار سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء
فَرَأى أم الدَّرْدَاء متبذلة فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك
قَالَت: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي
الدُّنْيَا فجَاء أَبُو الدَّرْدَاء فَصنعَ لَهُ طَعَاما
فَقَالَ: كل فَإِنِّي صَائِم قَالَ: مَا أَنا بآكل حَتَّى
تَأْكُل فَأكل فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ذهب أَبُو الدَّرْدَاء
يقوم قَالَ: نم فَنَامَ ثمَّ ذهب يقوم فَقَالَ: نم
فَلَمَّا كَانَ من آخر اللَّيْل قَالَ سلمَان: قُم الْآن
فَصَليَا فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَن لِرَبِّك عَلَيْك حَقًا
وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًا ولأهلك عَلَيْك حَقًا فأعط كل ذِي
حق حَقه
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ
فَقَالَ: صدق سلمَان
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن
عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم أخبر أَنَّك تَصُوم النَّهَار
وَتقوم اللَّيْل قلت: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: فَلَا تفعل
صم وَأفْطر وقم ونم فَإِن لجسدك عَلَيْك حَقًا وَإِن لعينك
عَلَيْك حَقًا وَإِن لزوجك عَلَيْك حَقًا وَإِن لزورك عَلَيْك
حَقًا وَأَن بحسبك أَن تَصُوم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام
فَإِن لَك بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا فَإِذن ذَلِك صِيَام
الدَّهْر كُله
قلت: إِنِّي أجد قُوَّة
قَالَ: فَصم صِيَام نَبِي الله دَاوُد لَا تزد عَلَيْهِ
قلت: وَمَا كَانَ صِيَام نَبِي الله دَاوُد قَالَ: نصف
الدَّهْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن سعيد بن الْمسيب أَن
نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم
عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَمْرو لما تبتلوا وجلسوا
فِي الْبيُوت واعتزلوا وهما بالخصاء وَأَجْمعُوا على قيام
اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: أما أَنا فَانِي أُصَلِّي
وأنام وَأَصُوم وَأفْطر وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي
فَلَيْسَ مني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت
دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون
(3/144)
وَاسْمهَا خَوْلَة بنت حَكِيم عليَّ وَهِي
باذة الْهَيْئَة فسألتها ماشأنك فَقَالَت: زَوجي يقوم اللَّيْل
ويصوم النَّهَار فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذكرت ذَلِك لَهُ فلقي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَا عُثْمَان إِن الرهبانية لم تكْتب علينا أما لَك
فيَّ أُسْوَة فوَاللَّه إِن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأَنا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي قلَابَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من: تبتل فَلَيْسَ منا
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن شهَاب أَن عُثْمَان بن مَظْعُون
أَرَادَ أَن يختصي ويسيح فِي الأَرْض فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ لَك فيَّ أُسْوَة فَأَنِّي
آتِي النِّسَاء وآكل اللَّحْم وَأَصُوم وَأفْطر إِن خصاء أمتِي
الصّيام وَلَيْسَ من أمتِي من خصى أَو اختصى
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي بردة قَالَ دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن
مَظْعُون على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرأينها
سَيِّئَة الْهَيْئَة فَقُلْنَ لَهَا: مَالك فَقَالَت: مالنا
مِنْهُ شَيْء أما ليله فقائم وَأما نَهَاره فصائم فَدخل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذكرن ذَلِك لَهُ فَلَقِيَهُ
فَقَالَ يَا عُثْمَان بن مَظْعُون أما لَك فيَّ أُسْوَة قَالَ:
وَمَا ذَاك قَالَ: تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل
قَالَ: إِنِّي لأَفْعَل
قَالَ: لَا تفعل إِن لعينك عَلَيْك حَقًا ان لجسدك عَلَيْك
حَقًا وَإِن لأهْلك عَلَيْك حَقًا فصل ونم وصم وَأفْطر قَالَ:
فاتتهن بعد ذَلِك عطرة كَأَنَّهَا عروس فَقُلْنَ لَهَا مَه
قَالَت: أَصَابَنَا ماأصاب النَّاس
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي قلَابَة أَن عُثْمَان بن مَظْعُون
اتخذ بَيْتا فَقعدَ يتعبّد فِيهِ فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فَأخذ بِعضَادَتَيْ بَاب
الْبَيْت الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ: يَا عُثْمَان إِن الله
لم يَبْعَثنِي بالرهبانية مرَّتَيْنِ أوثلاثة وَإِن خير الدّين
عِنْد الله الحنيفية السمحة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَت امْرَأَة
عُثْمَان بن مَظْعُون امْرَأَة جميلَة عطرة تحب اللبَاس
والهيئة لزَوجهَا فزارتها عَائِشَة وَهِي تفلة قَالَت: ماحالك
هَذِه قَالَت: إِن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن
رَوَاحَة وَعُثْمَان بن مَظْعُون قد تخلوا لِلْعِبَادَةِ
وامتنعوا من النِّسَاء وَأكل اللَّحْم وصاموا النَّهَار
وَقَامُوا اللَّيْل فَكرِهت أَن أريه من حَالي مَا يَدعُوهُ
إِلَى مَا
(3/145)
عِنْدِي لما تخلى لَهُ فَلَمَّا دخل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته عَائِشَة فَأخذ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعله فَحَمله بالسبابة من
أُصْبُعه الْيُسْرَى ثمَّ انْطلق سَرِيعا حَتَّى دخل عَلَيْهِم
فَسَأَلَهُمْ عَن حَالهم قَالُوا: أردنَا الْخَيْر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي إِنَّمَا
بعثت بالحنيفية السمحة وَإِنِّي لم أبْعث بالرهبانية
الْبِدْعَة إِلَّا وان أَقْوَامًا ابتدعوا الرهبانية فَكتبت
عَلَيْهِم فَمَا رعوها حق رعايتها إِلَّا فَكُلُوا اللَّحْم
وَأتوا النِّسَاء وصوموا وأفطروا وصلوا وناموا فَإِنِّي بذلك
أمرت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوّج فَإِنَّهُ أَغضّ
لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ
بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بفتية فَقَالَ: من
كَانَ مِنْكُم ذَا طول فلينزوج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ
وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فليصم فَإِن الصَّوْم لَهُ
وَجَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة قَالَ: لَو لم يبْق من
الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لأحببت أَن يكون لي فِيهِ
زَوْجَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب
أَنه قَالَ لرجل: أتزوجت قَالَ: لَا
قَالَ: إِمَّا أَن تكون أَحمَق وَإِمَّا أَن تكون فَاجِرًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم بن
ميسرَة قَالَ: قَالَ لي طَاوس: لتنكحن أَو لأقول لَك مَا قَالَ
عمر لأبي الزَّوَائِد مايمنعك من النِّكَاح إِلَّا عجز أَو
فجور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: مثل الأعزب
كَمثل شَجَرَة فِي فلاة تقلبها الرِّيَاح هَكَذَا وَهَكَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن هِلَال أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تناكحوا تكثروا فَإِنِّي أباهي بكم
الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن سعد بن أبي
وَقاص قَالَ لقد رد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
عُثْمَان بن مَظْعُون التبتل وَلَو أذن لَهُ فِي ذَلِك
لاختصينا
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من طَرِيق
عَائِشَة بنت قدامَة بن
(3/146)
مَظْعُون عَن أَبِيهَا عَن أَخِيه عُثْمَان
بن مَظْعُون أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل تشق عليَّ
هَذِه الْعزبَة فِي الْمَغَازِي فتأذن لي يَا رَسُول الله فِي
الخصاء فأختصي
قَالَ: لَا وَلَكِن عَلَيْك يَا ابْن مَظْعُون بالصيام
فَإِنَّهُ مجفر
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نهى عَن التبتل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن التبتل
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس أَن نَفرا من
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوا
أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عمله فِي
السِّرّ فَقَالَ بَعضهم: لَا أَتزوّج النِّسَاء وَقَالَ
بَعضهم: لَا آكل اللَّحْم وَقَالَ بَعضهم: لَا أَنَام على
فرَاش وَقَالَ بَعضهم أَصوم وَلَا أفطر فَقَامَ فَحَمدَ الله
وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا
وَكَذَا لكني أُصَلِّي وأنام وَأَصُوم وَأفْطر وأتزوج
النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبيد
الله بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من
أحب فِطْرَتِي فَليَسْتَنَّ بِسنتي وَمن سنتي النِّكَاح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مَيْمُون أبي الْمُغلس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ مُوسِرًا
لِأَن ينْكح فَلم ينْكح فَلَيْسَ منا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أَيُّوب
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اسْتنَّ بِسنتي
فَهُوَ مني وَمن سنتي النِّكَاح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد عَن أبي ذَر قَالَ دخل على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يُقَال لَهُ عَكَّاف
بن بشير التَّمِيمِي فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: هَل لَك من زَوْجَة قَالَ: لَا
قَالَ: وَلَا جَارِيَة قَالَ: وَلَا جَارِيَة
قَالَ: وَأَنت مُوسر بِخَير قَالَ: نعم
قَالَ: أَنْت إِذا من إخْوَان الشَّيَاطِين لَو كنت من
النَّصَارَى كنت من رهبانهم إِن من سنتنا النِّكَاح شِرَاركُمْ
عُزَّابُكُمْ وأراذل مَوْتَاكُم عُزَّابُكُمْ أبالشيطان
تتمرسون ماللشيطان من سلَاح أبلغ فِي الصَّالِحين من النِّسَاء
إِلَّا المتزوجين أُولَئِكَ الْمُطهرُونَ المبرأون من الْخَنَا
وَيحك ياعكاف إنَّهُنَّ صَوَاحِب أَيُّوب وَدَاوُد ويوسف وكرسف
فَقَالَ لَهُ بشير بن عَطِيَّة: وَمن كُرْسُف يَا رَسُول الله
قَالَ: رجل كَانَ يعبد الله بساحل من سواحل الْبَحْر ثلثمِائة
عَام يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل ثمَّ إِنَّه كفر بعد
ذَلِك بِاللَّه الْعَظِيم فِي سَبَب امْرَأَة عَشِقَهَا وَترك
مَا كَانَ عَلَيْهِ من عبَادَة ربه ثمَّ
(3/147)
استدركه الله بِبَعْض مَا كَانَ مِنْهُ
فَتَابَ عَلَيْهِ وَيحك يَا عَكَّاف تزوج وَإِلَّا فَأَنت من
الْمُذَبْذَبِينَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطِيَّة بن بسر
الْمَازِني قَالَ جَاءَ عَكَّاف بن ودَاعَة الْهِلَالِي إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَكَّاف أَلَك زَوْجَة قَالَ:
لَا
قَالَ: وَلَا جَارِيَة قَالَ: لَا
قَالَ: وَأَنت صَحِيح مُوسر قَالَ: نعم وَالْحَمْد لله
قَالَ: فَأَنت إِذا من الشَّيَاطِين إِمَّا أَن تكون من
رَهْبَانِيَّة النَّصَارَى فَأَنت مِنْهُم وَإِمَّا أَن تكون
منا فتصنع كَمَا نصْنَع فَإِن من ستنا النِّكَاح شِرَاركُمْ
عُزَّابُكُمْ وأراذل مَوْتَاكُم عُزَّابُكُمْ أبالشيطان
تتمرسون مَاله فِي نَفسه سلَاح أبلغ فِي الصَّالِحين من
النِّسَاء إِلَّا المتزوجون الْمُطهرُونَ المبرأون من الْخَنَا
وَيحك ياعكاف
تزوج إنَّهُنَّ صَوَاحِب دَاوُد وَصَوَاحِب أَيُّوب وَصَوَاحِب
يُوسُف وَصَوَاحِب كُرْسُف فَقَالَ عَطِيَّة من كُرْسُف يَا
رَسُول الله فَقَالَ: رجل من بني إِسْرَائِيل على سَاحل من
سواحل الْبَحْر يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل لَا يفتر من
صَلَاة وَلَا صِيَام ثمَّ كفر من بعد ذَلِك بِاللَّه الْعَظِيم
فِي سَبَب امْرَأَة عَشِقَهَا فَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من
عبَادَة ربه عز وَجل فَتَدَاركهُ الله بِمَا سلف مِنْهُ
فَتَابَ الله عَلَيْهِ وَيحك
تزوج وَإِلَّا فَإنَّك من الْمُذَبْذَبِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي نجيح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
كَانَ مُوسِرًا لِأَن ينْكح فَلم ينْكح فَلَيْسَ مني
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نجيح قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِسْكين مِسْكين
مِسْكين رجل لَيست لَهُ امْرَأَة
قيل يَا رَسُول الله وَإِن كَانَ غَنِيا ذَا مَال قَالَ: وَإِن
كَانَ غَنِيا من المَال
قَالَ: ومسكينة مسكينة مسكينة امْرَأَة لَيْسَ زوج قيل: يَا
رَسُول الله وَإِن كَانَت غنية ومكثرة من المَال قَالَ: وَإِن
كَانَت
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَبُو نجيح اسْمه يسَار وَهُوَ وَالِد
عبد الله بن أبي نجيح والْحَدِيث مُرْسل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا
بِالْبَاءَةِ وينهانا عَن التبتل نهيا شَدِيدا وَيَقُول:
تزوجوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم
الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة
(3/148)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تزوج العَبْد فقد
اسْتكْمل نصف دينه فليتق الله فِي النّصْف الْبَاقِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من رزقه الله
امْرَأَة صَالِحَة فقد أَعَانَهُ على شطر دينه فليتق الله فِي
الشّطْر الْبَاقِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ فِي بني
إِسْرَائِيل رجل عَابِد وَكَانَ مُعْتَزِلا فِي كَهْف لَهُ
فَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل قد أعجبوا بِعِبَادَتِهِ فَبَيْنَمَا
هم عِنْد نَبِيّهم إِذْ ذَكرُوهُ فَأَثْنوا عَلَيْهِ فَقَالَ
النَّبِي: إِنَّه لَكمَا تَقولُونَ لَوْلَا أَنه تَارِك لشَيْء
من السّنة وَهُوَ التَّزَوُّج
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن شَدَّاد بن أَوْس أَنه
قَالَ: زوِّجوني فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَوْصَانِي أَن لَا ألْقى الله عزباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: قَالَ معَاذ فِي
مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زوجوني إِنِّي أكره أَن ألْقى الله
عزباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: يُكفن الرجل فِي
ثَلَاثَة أَثوَاب لَا تَعْتَدوا إِن الله لايحب الْمُعْتَدِينَ
(3/149)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ
بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ
أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (89)
- قَوْله تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم
الْأَيْمَان فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا
تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة فَمن لم يجد
فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا
حلفتم واحفظوا أَيْمَانكُم كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لعلم
تشكرون
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
الْمَائِدَة الْآيَة 87 فِي الْقَوْم الَّذين كَانُوا حرَّموا
النِّسَاء وَاللَّحم على
(3/149)
أنفسهم قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ
نصْنَع بأيماننا الَّتِي حلفنا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {لَا
يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يعلى بن مُسلم قَالَ: سَأَلت سعيد
ابْن جُبَير عَن هَذِه الْآيَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم
الْأَيْمَان} قَالَ: اقْرَأ ماقبلها فَقَرَأت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} إِلَى
قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
قَالَ: اللَّغْو أَن تحرم هَذَا الَّذِي أحل الله لَك وأشباهه
تكفرعن يَمِينك وَلَا تحرمه فَهَذَا اللَّغْو الَّذِي لَا
يُؤَاخِذكُم {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان}
فَإِن مت عَلَيْهِ أخذت بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على
الْحَلَال أَن يحرمه فَقَالَ الله {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} أَن تتركه وتكفرعن يَمِينك
{وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: مَا
أَقمت عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هما الرّجلَانِ يتبايعان
يَقُول أَحدهمَا: وَالله لَا أبيعك بِكَذَا وَيَقُول الآخر:
وَالله لَا أشتريه بِكَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ:
اللَّغْو
أَن يصل الرجل كَلَامه بِالْحلف وَالله لتجيئن وَالله لتأكلن
وَالله لتشربن وَنَحْو هَذَا لَا يُرِيد بِهِ يَمِينا وَلَا
يتَعَمَّد بِهِ حلفا فَهُوَ لَغْو الْيَمين لَيْسَ عَلَيْهِ
كَفَّارَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: الْأَيْمَان ثَلَاثَة
يَمِين تكفر وَيَمِين لَا تكفر وَيَمِين لَا يُؤَاخذ بهَا
فَأَما الَّتِي تكفر فالرجل يحلف على قطيعة رحم أَو مَعْصِيّة
الله فيكفر يَمِينه وَالَّتِي لَا تكفر الرجل يحلف على
الْكَذِب مُتَعَمدا وَلَا تكفر وَالَّتِي لَا يُؤَاخذ بهَا
فالرجل يحلف على الشَّيْء يرى أَنه صَادِق فَهُوَ اللَّغْو لَا
يُؤَاخذ بِهِ
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ:
اللَّغْو
الْخَطَأ أَن تحلف على الشَّيْء وَأَنت ترى كَمَا حَلَفت
عَلَيْهِ فَلَا يكون كَذَلِك تجوّز لَك عَنهُ وَلَا كفَّارة
(3/150)
عَلَيْك فِيهِ {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا
عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: مَا تَعَمّدت فِيهِ المآثم
فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَكِن
يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: بِمَا تعمدتم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانكُم} قَالَ: الرجل يحلف على الشَّيْء يرى أَنه كَذَلِك
وَلَيْسَ كَذَلِك {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم
الْأَيْمَان} قَالَ: الرجل يحلف على الشَّيْء وَهُوَ يُعلمهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَائِشَة قَالَت: إِنَّمَا اللَّغْو
فِي المراء والهزل والمزاحة فِي الحَدِيث الَّذِي لَا يعْقد
عَلَيْهِ الْقلب وَإِنَّمَا الْكَفَّارَة فِي كل يَمِين حلف
عَلَيْهَا فِي جد من الْأَمر فِي غضب أَو غَيره ليفعلن أَو
ليتركن فَذَاك عقد الْأَيْمَان الَّذِي فرض الله فِيهِ
الْكَفَّارَة
قَوْله تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين}
أخرج ابْن مَاجَه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
كفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَاع من تمر وَأمر
النَّاس بِهِ وَمن لم يجد فَنصف صَاع من بر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُقيم كَفَّارَة الْيَمين مدا من حِنْطَة
بِمد الأول
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: كُنَّا
نعطي فِي كَفَّارَة الْيَمين بِالْمدِّ الَّذِي يقتات بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب
قَالَ: أَنِّي أَحْلف لَا أعطي أَقْوَامًا ثمَّ يَبْدُو لي أَن
أعطيهم فأطعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين صَاعا من شعير أَو
صَاعا من تمر أَو نصف صَاع من قَمح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي
طَالب قَالَ: فِي كَفَّارَة الْيَمين إطْعَام عشرَة مَسَاكِين
لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس: فِي كَفَّارَة الْيَمين
نصف صَاع من حِنْطَة
(3/151)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: كل طَعَام فِي الْقُرْآن
فَهُوَ نصف صَاع فِي كَفَّارَة الْيَمين وَغَيرهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من
طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كَفَّارَة الْيَمين مد من
حِنْطَة لكل مِسْكين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن ثَابت
أَنه قَالَ: فِي كَفَّارَة الْيَمين مد من حِنْطَة لكل مِسْكين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر
فِي كَفَّارَة الْيَمين قَالَ: إطْعَام عشرَة مَسَاكِين لكل
مِسْكين مد من حِنْطَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ثَلَاث
فِيهِنَّ مد مد كَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الظِّهَار
وَكَفَّارَة الصّيام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {فكفارته إطْعَام
عشرَة مَسَاكِين} قَالَ: يغديهم ويعشيهم إِن شِئْت خبْزًا
وَلَحْمًا أَو خبْزًا وزيتاً أَو خبْزًا وَسمنًا أَو خبْزًا
وَتَمْرًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
فِي كَفَّارَة الْيَمين قَالَ: أَكلَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ أَنه
سُئِلَ عَن كَفَّارَة الْيَمين فَقَالَ: رغيفين وعرق لكل
مِسْكين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن
سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر قَالَ: قيل لِلشَّعْبِيِّ أردد
على مِسْكين وَاحِد
قَالَ: لَا يجْزِيك إِلَّا عشرَة مَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن
أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يطعم مِسْكينا وَاحِدًا عشر
مَرَّات فِي كَفَّارَة الْيَمين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: من
عسركم ويسركم
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يقوت
أَهله قوتاً فِيهِ سَعَة
(3/152)
وَكَانَ الرجل يقوت أَهله قوتاً فِيهِ
شدَّة فَنزلت {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يقوت أَهله
قوتاً فِيهِ فضل وَبَعْضهمْ يقوت قوتاً دون ذَلِك فَقَالَ الله
{من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} لَيْسَ بأرفعه وَلَا أدناه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر {من
أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: من أَوسط مَا نطعم
أَهْلينَا الْخبز وَالتَّمْر وَالْخبْز وَالزَّيْت وَالْخبْز
وَالسمن وَمن أفضل مَا نطعمهم الْخبز وَاللَّحم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: أفضله
الْخبز وَاللَّحم وأوسطه الْخبز وَالسمن وأخسه الْخبز
وَالتَّمْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن
جُبَير قَالَ: كَانَ أهل الْمَدِينَة يفضلون الْحر على العَبْد
وَالْكَبِير على الصَّغِير يَقُولُونَ: الصَّغِير على قدره
وَالْكَبِير على قدره فَنزلت {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم}
فَأمروا بأوسط من ذَلِك لَيْسَ بأرفعه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {من أَوسط} يَعْنِي
من أعدل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {من أَوسط}
قَالَ: من أمثل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {من
أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: قوتهم وَالطَّعَام صَاع من
كل شَيْء إِلَّا الْحِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء فِيهِ إطْعَام
مِسْكين فَهُوَ مد بِمد أهل مَكَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أَو كسوتهم}
قَالَ عباءة لكل مِسْكين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة قَالَ قُلْنَا يارسول
الله {أَو كسوتهم} ماهو قَالَ: عباءة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَو
كسوتهم} قَالَ: عباءة لكل مِسْكين أَو شملة
(3/153)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {أَو كسوتهم} قَالَ: ثوب ثوب لكل
إِنْسَان وَقد كَانَت العباءة تقضي يَوْمئِذٍ من الْكسْوَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: الْكسْوَة ثوب أَو
إِزَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أَو كسوتهم} قَالَ:
الْقَمِيص أَو الرِّدَاء أَو الْإِزَار
قَالَ: وَيجْزِي فِي كَفَّارَة الْيَمين كل ثوب إِلَّا
التبَّان أَو القلنسوة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُجَاهِد {أَو كسوتهم} قَالَ: أدناه ثوب وَأَعلاهُ مَا شِئْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن الْمسيب
{أَو كسوتهم} قَالَ: إِزَار وعمامة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: السَّرَاوِيل
لَا يَجْزِي والقلنسوة لَا تجزي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عمرَان بن حُصَيْن
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {أَو كسوتهم} قَالَ: لَو أَن وَفْدًا
قدمُوا على أميركم فكساهم قلنسوة قلنسوة قُلْتُمْ قد كسوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء
فِي الرجل يكون عَلَيْهِ الْكَفَّارَة من الْيَمين فيكسو خمس
مَسَاكِين وَيطْعم خَمْسَة أَن ذَلِك جَائِز وَأخرج أَبُو
الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَ (إطْعَام عشرَة
مَسَاكِين أَو كاسوتهم) ثمَّ قَالَ سعيد: أَو كاسوتهم فِي
الطَّعَام
أما قَوْله تَعَالَى: {أَو تَحْرِير رَقَبَة} وَأخرج ابْن
أَبُو شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: لَا يَجْزِي
الْأَعْمَى وَلَا المقعد فِي الرَّقَبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن فضَالة بن عبيد قَالَ: يَجْزِي ولد
الزِّنَا فِي الرَّقَبَة الْوَاجِبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء بن أبي ريَاح قَالَ: تجزي
الرَّقَبَة لصغيرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن: أَنه كَانَ لَا يرى عتق
الْكَافِر فِي شَيْء من الْكَفَّارَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: لَا يَجْزِي ولد
الزِّنَا فِي الرَّقَبَة ويجزىء الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ
فِي كَفَّارَة الْيَمين
وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام}
(3/154)
أخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن ابْن عَبَّاس
فِي آيَة كَفَّارَة الْيَمين قَالَ: هُوَ بِالْخِيَارِ فِي
هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الأول فالأوّل فَإِن لم يجد شَيْئا من
ذَلِك فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت آيَة
الْكَفَّارَات قَالَ حُذَيْفَة: يَا رَسُول الله نَحن
بِالْخِيَارِ قَالَ أَنْت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت أعتقت وَإِن
شِئْت كسوت وَإِن شِئْت أطعمت فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة
أَيَّام مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: من كَانَ عِنْده
دِرْهَمَانِ فَعَلَيهِ أَن يطعم فِي الْكَفَّارَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: إِذا كَانَ عِنْده
خَمْسُونَ درهما فَهُوَ مِمَّن يجد وَيجب عَلَيْهِ الْإِطْعَام
وَإِن كَانَت أقل فَهُوَ مِمَّن لَا يجد ويصوم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: إِذا
كَانَ عِنْده عشرُون درهما فَعَلَيهِ أَن يطعم فِي
الْكَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بن كَعْب
أَنه كَانَ يَقْرَأها (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام
مُتَتَابِعَات)
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن حميد بن قيس الْمَكِّيّ
قَالَ: كنت أَطُوف مَعَ مُجَاهِد فَجَاءَهُ إِنْسَان يسْأَله
عَن صِيَام الْكَفَّارَة أيتابع قَالَ حميد: فَقلت: لَا
فَضرب مُجَاهِد فِي صَدْرِي ثمَّ قَالَ: إِنَّهَا فِي قِرَاءَة
أبيّ بن كَعْب (مُتَتَابِعَات)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ
وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ يَقْرَأها (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام
مُتَتَابِعَات) قَالَ سُفْيَان: وَنظرت فِي مصحف ربيع بن
خَيْثَم فَرَأَيْت فِيهِ (فَمن لم يجد من ذَلِك شَيْئا
فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ
كل شَيْء فِي الْقُرْآن مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه
كَانَ يَقْرَأها (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
(3/155)
مُجَاهِد قَالَ: كل صَوْم فِي الْقُرْآن
فَهُوَ متتابع إلاَّ قَضَاء رَمَضَان فَإِنَّهُ عدَّة من
أَيَّام أخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ
أَنه كَانَ لَا يفرق فِي صِيَام الْيَمين ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن
إِنَّه كَانَ يَقُول فِي صَوْم كَفَّارَة الْيَمين: يَصُومهُ
مُتَتَابِعَات فَإِن أفطر من عذر يقْضِي يَوْمًا مَكَان يَوْم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
{ذَلِك} يَعْنِي الَّذِي ذكر من الْكَفَّارَة {كَفَّارَة
أَيْمَانكُم إِذا حلفتم} يَعْنِي الْيَمين الْعمد {واحفظوا
أَيْمَانكُم} يَعْنِي لَا تعمدوا الْأَيْمَان الكاذبة
{كَذَلِك} يَعْنِي هَكَذَا {يبين الله لكم آيَاته} يَعْنِي مَا
ذكر من الْكَفَّارَة {لَعَلَّكُمْ تشكرون} فَمن صَامَ من
كَفَّارَة الْيَمين يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ وجد مَا يطعم
فليطعم وَيجْعَل صَوْمه تطوّعاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أَبُو بكر إِذا حلف لم
يَحْنَث حَتَّى نزلت آيَة الْكَفَّارَة فَكَانَ بعد ذَلِك
يَقُول: لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا
إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير وَقبلت رخصَة الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من حلف على ملك
يَمِين ليضربه فكفارته تَركه وَمَعَ الْكَفَّارَة حَسَنَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جُبَير بن مطعم
أَنه افتدى يَمِينه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَقَالَ: وَرب
هَذِه الْقبْلَة لَو حَلَفت لحلفت صَادِقا وَإِنَّمَا هُوَ
شَيْء افتديت بِهِ يَمِيني
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي نجيح
أَن نَاسا من أهل الْبَيْت حلفوا عِنْد الْبَيْت خمسين رجلا
قسَامَة فكأنهم حلفوا على بَاطِل ثمَّ خَرجُوا حَتَّى إِذا
كَانُوا فِي بعض الطَّرِيق قَالُوا تَحت صَخْرَة فَبَيْنَمَا
هم قَائِلُونَ تحتهَا إِذْ انقبلت الصَّخْرَة عَلَيْهِم
فَخَرجُوا يَشْتَدُّونَ من تحتهَا فانفلقت خمسين فلقَة فقتلت
كل فلقَة رجلا
(3/156)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا
أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ
فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا
وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من
عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا
يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء
فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة
فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا
الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا أَنما على رَسُولنَا
الْبَلَاغ الْمُبين لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا
وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
(3/156)
- أخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
حرمت الْخمر ثَلَاث مَرَّات قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهم يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فسألوا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك
عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقَالَ النَّاس مَا حرم علينا إِنَّمَا قَالَ إِثْم كَبِير
وَكَانُوا يشربون الْخمر حَتَّى كَانَ يَوْم من الْأَيَّام صلى
رجل من الْمُهَاجِرين أمّ أَصْحَابه فِي الْمغرب خلط فِي
قِرَاءَته فَأنْزل الله أغْلظ مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا
مَا تَقولُونَ} النِّسَاء الْآيَة 43 وَكَانَ النَّاس يشربون
حَتَّى يَأْتِي أحدهم الصَّلَاة وَهُوَ مغتبق ثمَّ نزلت آيَة
أغْلظ من ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر}
إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالُوا: انتهينا
رَبنَا فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله نَاس قتلوا فِي
سَبِيل الله وماتوا على فرشهم كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون
الميسر وَقد جعله الله رجساً من عمل الشَّيْطَان فَأنْزل الله
{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح}
إِلَى آخر الْآيَة
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو حرم عَلَيْهِم
لتركوه كَمَا تركْتُم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر
قَالَ: نزل فِي الْخمر ثَلَاث آيَات فأوّل شَيْء نزل
{يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219
الْآيَة
فَقيل حرمت الْخمر فَقَالُوا: يَا رَسُول الله دَعْنَا ننتفع
بهَا كَمَا قَالَ الله فَسكت عَنْهُم
ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم
سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَقيل: حرمت الْخمر
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَا نشربها قرب الصَّلَاة
(3/157)
فَسكت عَنْهُم ثمَّ نزلت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت الْخمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والنحاس فِي ناسخه عَن سعد بن أبي
وَقاص قَالَ: فيَّ نزل تَحْرِيم الْخمر صنع رجل من الْأَنْصَار
طَعَاما فَدَعَانَا فَأَتَاهُ نَاس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا
حَتَّى انتشوا من الْخمر
وَذَلِكَ قبل أَن تحرم الْخمر
فتفاخروا فَقَالَت الْأَنْصَار: الْأَنْصَار خير وَقَالَت
قُرَيْش: قُرَيْش خير
فَأَهوى رجل بِلحي جزور فَضرب على أنفي ففزره فَكَانَ سعد
مفزور الْأنف قَالَ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذكرت ذَلِك لَهُ فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن شهَاب أَن سَالم بن عبد الله
حَدثهُ
أَن أول مَا حرمت الْخمر إِن سعد بن أبي وَقاص وأصحاباً لَهُ
شربوا فَاقْتَتلُوا فكسروا أنف سعد فَأنْزل الله {إِنَّمَا
الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ نزلت فيَّ
ثَلَاث آيَات من كتاب الله نزل تَحْرِيم الْخمر نادمت رجلا
فعارضته وعارضني فعربدت عَلَيْهِ فشججته فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى
قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} وَنزلت فيَّ {وَوَصينَا
الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} العنكبوت الْآيَة 8 {حَملته أمه
كرها} إِلَى آخر الْآيَة وَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ
صَدَقَة} المجادلة الْآيَة 12 فَقدمت شعيرَة فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك لَزَهِيد فَنزلت الْآيَة
الْأُخْرَى {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا} المجادلة الْآيَة 13
الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا
نزل تَحْرِيم الْخمر فِي قبيلتين من قبائل الْأَنْصَار شربوا
فَلَمَّا أَن ثمل الْقَوْم عَبث بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا أَن
صحوا جعل يرى الرجل مِنْهُم الْأَثر بِوَجْهِهِ وبرأسه ولحيته
فَيَقُول: صنع بِي هَذَا أخي فلَان وَكَانُوا إخْوَة لَيْسَ
فِي قُلُوبهم ضغائن وَالله لَو كَانَ بِي رؤوفاً مَا صنع
(3/158)
بِي هَذَا حَتَّى وَقعت الضغائن فِي
قُلُوبهم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل
أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ نَاس من المتكلفين: هِيَ رِجْس
وَهِي فِي بطن فلَان قتل يَوْم بدر وَفُلَان قتل يَوْم أحد
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن بُرَيْدَة قَالَ بَيْنَمَا نَحن قعُود
على شراب لنا وَنحن نشرب الْخمر جلاء إِذْ قُمْت حَتَّى آتِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم عَلَيْهِ وَقد نزل
تَحْرِيم الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر} إِلَى قَوْله {مُنْتَهُونَ} فَجئْت إِلَى
أَصْحَابِي فقرأتها عَلَيْهِم قَالَ: وَبَعض الْقَوْم شربته
فِي بِيَدِهِ قد شرب بَعْضًا وَبَقِي بعض فِي الْإِنَاء
فَقَالَ بِالْإِنَاءِ تَحت شفته الْعليا كَمَا يفعل الْحجام
ثمَّ صبوا مَا فِي باطيتهم فَقَالُوا: انتهينا رَبنَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا
أهل الْمَدِينَة إِن الله يعرض عَن الْخمر تعريضاً لَا أَدْرِي
لَعَلَّه سينزل فِيهَا أَمر ثمَّ قَامَ فَقَالَ: يَا أهل
الْمَدِينَة إِن الله قد أنزل إليَّ تَحْرِيم الْخمر فَمن كتب
مِنْكُم هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يشْربهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: زَعَمُوا
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون حرم الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة
وَقَالَ: لَا أشْرب شَيْئا يذهب عَقْلِي ويضحك بِي من هُوَ
أدنى مني ويحملني على أَن أنكح كَرِيمَتي من لَا أُرِيد فَنزلت
هَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة فِي الْخمر فَمر عليَّ
رجل فَقَالَ: حرمت الْخمر وتلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: تَبًّا
لَهَا قد كَانَ بَصرِي فِيهَا ثَابتا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ لما نزلت فِي
الْبَقَرَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا
إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} الْبَقَرَة الْآيَة 219
شربهَا قوم لقَوْله مَنَافِع للنَّاس وَتركهَا قوم لقَوْله
إِثْم كَبِير مِنْهُم عُثْمَان بن مَظْعُون حَتَّى نزلت
الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء {لَا تقربُوا الصَّلَاة
وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَتَركهَا قوم وشربها
قوم يتركونها بِالنَّهَارِ حِين الصَّلَاة ويشربونها
بِاللَّيْلِ حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة
{إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر}
(3/159)
الْآيَة
قَالَ عمر: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام بعدا لَك
وَسُحْقًا فَتَركهَا النَّاس وَوَقع فِي صُدُور أنَاس من
النَّاس مِنْهَا فَجعل قوم يمر بالراوية من الْخمر فتخرق فيمر
بهَا أَصْحَابهَا فَيَقُولُونَ: قد كُنَّا نكرمك عَن هَذَا
المصرع وَقَالُوا: مَا حرم علينا شَيْء أَشد من الْخمر حَتَّى
جعل الرجل يلقى صَاحبه فَيَقُول: إِن فِي نَفسِي شَيْئا
فَيَقُول لَهُ صَاحبه: لَعَلَّك تذكر الْخمر
فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: إِن فِي نَفسِي مثل مافي نَفسك حَتَّى ذكر ذَلِك قوم
واجتمعوا فِيهِ فَقَالُوا: كَيفَ نتكلم وَرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شَاهد وخافوا أَن ينزل فيهم فَأتوا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعدُّوا لَهُ حجَّة فَقَالُوا:
أَرَأَيْت حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمصْعَب بن عُمَيْر وَعبد
الله بن جحش أَلَيْسُوا فِي الْجنَّة قَالَ: بلَى
قَالُوا: أَلَيْسُوا قد مضوا وهم يشربون الْخمر فَحرم علينا
شَيْء دخلُوا الْجنَّة وهم يشربونه
فَقَالَ: قد سمع الله مَا قُلْتُمْ فَإِن شَاءَ أجابكم فَأنْزل
الله {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم
الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر
الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالُوا:
انتهينا وَنزل فِي الَّذين ذكرُوا حَمْزَة وَأَصْحَابه {لَيْسَ
على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا
طعموا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر
وَالْميسر} قَالَ: الميسر
هُوَ الْقمَار كُله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع
للنَّاس} قَالَ: فذمهما وَلم يحرمهما وَهِي لَهُم حَلَال
يَوْمئِذٍ ثمَّ أنزل هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْخمر وَهِي
أَشد مِنْهَا فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا
الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانَ
السكر مِنْهَا حَرَامًا ثمَّ أنزل الْآيَة الَّتِي فِي
الْمَائِدَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر والأنصاب والأزلام} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم
مُنْتَهُونَ} فجَاء تَحْرِيمهَا فِي هَذِه الْآيَة قليلها
وكثيرها مَا أسكر مِنْهَا وَمَا لم يسكر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: أول مَا نزل تَحْرِيم
الْخمر {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم
كَبِير} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقَالَ بعض النَّاس: نشربها لمنافعها الَّتِي فِيهَا وَقَالَ
آخَرُونَ لَا خير فِي شَيْء فِيهِ إِثْم ثمَّ نزلت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}
(3/160)
النِّسَاء الْآيَة 43 الْآيَة
فَقَالَ بعض النَّاس: نشربها ونجلس فِي بُيُوتنَا وَقَالَ
آخَرُونَ: لَا خير فِي شَيْء يحول بَيْننَا وَبَين الصَّلَاة
مَعَ الْمُسلمين فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا
الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَانْتَهوا فنهاهم فَانْتَهوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}
النِّسَاء الْآيَة 43 قَالَ: كَانَ الْقَوْم يشربونها حَتَّى
إِذا حضرت الصَّلَاة أَمْسكُوا عَنْهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِين أنزلت هَذِه
الْآيَة: قد تقرَّب الله فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ حرمهَا بعد
ذَلِك فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد غَزْوَة الْأَحْزَاب وَعلم
أَنَّهَا تسفِّه الأحلام وتجهد الْأَمْوَال وتشغل عَن ذكر الله
وَعَن الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
قَالَ: فَانْتهى الْقَوْم عَن الْخمر وأمسكوا عَنْهَا قَالَ:
وَذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة لما أنزلت قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد حرم
الْخمر فَمن كَانَ عِنْده شَيْء فَلَا يطعمهُ وَلَا
تَبِيعُوهَا فَلبث الْمُسلمُونَ زَمَانا يَجدونَ رِيحهَا من
طرق الْمَدِينَة لِكَثْرَة مَا أهرقوا مِنْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن عَبَّاس
أَن الشَّرَاب كَانُوا يضْربُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَيْدِي وَالنعال والعصي حَتَّى توفّي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: لَو
فَرضنَا لَهُم حدا فتوخى نَحْو مَا كَانُوا يضْربُونَ فِي عهد
رَسُول الله صللى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أَبُو بكر
يجلدهم أَرْبَعِينَ حَتَّى توفّي ثمَّ كَانَ عمر من بعده
يجلدهم كَذَلِك أَرْبَعِينَ حَتَّى أَتَى بِرَجُل من
الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَقد شرب فَأمر بِهِ لن يجلد
فَقَالَ: لم تجلدني بيني وَبَيْنك كتاب الله
قَالَ: وَفِي أَي كتاب الله تَجِد أَن لَا أجلدك قَالَ: فَإِن
الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} فَإنَّا من
الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات {ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا}
شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدْرًا
وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد
فَقَالَ عمر: أَلا تردون عَلَيْهِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس:
هَؤُلَاءِ الْآيَات نزلت عذرا للماضين وَحجَّة على البَاقِينَ
عذرا للماضين لأَنهم لقوا الله قبل أَن حرم عَلَيْهِم الْخمر
وَحجَّة على البَاقِينَ لِأَن الله يَقُول {إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر والأنصاب والأزلام} حَتَّى بلغ الْآيَة الْأُخْرَى
فَإِن كَانَ من {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} فَإِن
(3/161)
الله نهى أَن يشرب الْخمر
فَقَالَ عمر: فَمَاذَا ترَوْنَ فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب:
نرى أَنه إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى وعَلى
المفتري ثَمَانُون جلدَة فَأمر عمر فجلد ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن أبي طَلْحَة زوج أم أنس
قَالَ لما نزلت تَحْرِيم الْخمر بعث رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هاتفاً يَهْتِف: أَلا أَن الْخمر قد حرمت فَلَا
تَبِيعُوهَا فَمن كَانَ عِنْده مِنْهُ شَيْء فليهرقه
قَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا غُلَام حل عُزّلى تِلْكَ المزاد
فَفَتحهَا فَأَهْرقهَا وخمرنا يَوْمئِذٍ الْبُسْر وَالتَّمْر
فأهرق النَّاس حَتَّى امْتنعت فجاج الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كُنَّا نَأْكُل من
طَعَام لنا وَنَشْرَب عَلَيْهِ من هَذَا الشَّرَاب فَأَتَانَا
فلَان من نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
إِنَّكُم تشربون الْخمر وَقد أنزل فِيهَا
قُلْنَا مَا تَقولُونَ قَالَ: نعم سمعته من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم السَّاعَة وَمن عِنْده أتيتكم فقمنا فأكفينا
ماكان فِي الْإِنَاء من شَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ كَانَ عِنْد أبي طَلْحَة
مَال ليتيم فَاشْترى بِهِ خمرًا فَلَمَّا حرمت الْخمر أَتَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اجْعَلْهُ خلا
فَقَالَ: لَا أهْرقْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
أَن الْآيَة الَّتِي حرم الله فِيهَا الْخمر نزلت وَلَيْسَ فِي
الْمَدِينَة شراب يشرب إِلَّا من تمر
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر
فَدخلت على نَاس من أَصْحَابِي وَهِي بَين أَيْديهم فضربتها
برجلي وَقلت: انْطَلقُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فقد نزل تَحْرِيم الْخمر وشرابهم يَوْمئِذٍ الْبُسْر
وَالتَّمْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانُوا
يشربون الْخمر بعد مَا أنزلت الَّتِي فِي الْبَقَرَة وَبعد
الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء فَلَمَّا نزلت الَّتِي الَّتِي
فِي سُورَة الْمَائِدَة تَرَكُوهُ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الله أعرض بِالْخمرِ
فَمن كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء فليبع ولينتفع بِهِ فَلم
نَلْبَث إِلَّا يَسِيرا ثمَّ قَالَ: إِن الله قد حرم الْخمر
فَمن أَدْرَكته هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا
يبع وَلَا يشرب
قَالَ: فَاسْتقْبل النَّاس بِمَا كَانَ عِنْدهم مِنْهَا
فسفكوها فِي طرق الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حرمت الْخمر
بِعَينهَا قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب
(3/162)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن وهب بن كيسَان
قَالَ: قلت لجَابِر بن عبد الله مَتى حرمت الْخمر قَالَ: بعد
أحد صبحنا الْخمر يَوْم أحد حِين خرجنَا إِلَى الْقِتَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: حرمت
الْخمر يَوْم حرمت وَمَا كَانَ شراب النَّاس إِلَّا التَّمْر
وَالزَّبِيب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ كَانَ رجل عِنْده مَال
أَيْتَام فَكَانَ يَشْتَرِي لَهُم وَيبِيع فَاشْترى خمرًا
فَجعله فِي خوابي وَإِن الله أنزل تَحْرِيم الْخمر فَأتى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله
إِنَّه لَيْسَ لَهُم مَال غَيره فَقَالَ: أهرقه
فأهرقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: حرمت الْخمر وَمَا
بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء وَمَا خمرهم يَوْمئِذٍ إِلَّا
الفضيخ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: حرمت الْخمر يَوْم حرمت
وَمَا بِالْمَدِينَةِ خمر إِلَّا الفضيخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أَن هَذِه الْآيَة
الَّتِي فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا
الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان
فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} هِيَ فِي التَّوْرَاة إِن
الله أنزل الْحق ليذْهب بِهِ الْبَاطِل وَيبْطل بِهِ اللّعب
والزفن والمزامير والكبارات
يَعْنِي البرابط والزمارات يَعْنِي الدُّف والطنابير وَالشعر
وَالْخمر مرّة لمن طعمها وَأقسم رَبِّي بِيَمِينِهِ وَعزة حيله
لَا يشْربهَا عبد بَعْدَمَا حرمتهَا عَلَيْهِ إِلَّا عطشته
يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يَدعهَا بعد مَا حرمتهَا إِلَّا سقيته
إِيَّاهَا من حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حرم الله الْخمر وكل مُسكر حرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: لقد أنزل الله
تَحْرِيم الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ زبيبة وَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن الْجَارُود وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ عندنَا خمر ليتيم
فَلَمَّا نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة سَأَلنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: ليتيم
فَقَالَ: اهريقوها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: حرمت الْخمر وَهِي تخمر
فِي الجراري
(3/163)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن
عَازِب قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر وَمَا فِي أسقيتنا إِلَّا
الزَّبِيب وَالتَّمْر فأكفأناهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر سَمِعت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من التَّمْر خمر وَمن الْعَسَل خمر
وَمن الزَّبِيب خمر وَمن الْعِنَب خمر وَمن الْحِنْطَة خمر
وأنهاكم عَن كل مُسكر
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت
{يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219
الْآيَة
كرهها قوم لقَوْله {فيهمَا إِثْم كَبِير} وشربها قوم لقَوْله
{وَمَنَافع للنَّاس} حَتَّى نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43
فَكَانُوا يَدَعونها فِي حِين الصَّلَاة ويشربونها فِي غير
حِين الصَّلَاة
حَتَّى نزلت {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة فَقَالَ عمر:
ضَيْعَة لَك الْيَوْم قرنت بالميسر
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت فِي الْخمر أَربع
آيَات {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فتركوها ثمَّ نزلت {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا}
النَّحْل الْآيَة 67 فشربوها ثمَّ نزلت الْآيَتَانِ فِي
الْمَائِدَة {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل
أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة
{يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَلم يزَالُوا بذلك يشربونها حَتَّى
(3/164)
صنع عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طَعَاما
فَدَعَانَا ساقيهم وَعلي بن أبي طَالب يقْرَأ {قل يَا أَيهَا
الْكَافِرُونَ} الْكَافِرُونَ الْآيَة 1 فَلم يفهمها فَأنْزل
الله يشدد فِي الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا
الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ}
فَكَانَت حَلَالا يشربونها من صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى يرْتَفع
النَّهَار فَيقومُونَ إِلَى صَلَاة الظّهْر وهم مصحون ثمَّ لَا
يشربونها حَتَّى يصلوا الْعَتَمَة ثمَّ يقومُونَ إِلَى صَلَاة
الْفجْر وَقد صحوا فَلم يزَالُوا بذلك يشربونها حَتَّى صنع سعد
بن أبي وَقاص طَعَاما فَدَعَا ساقيهم رجل من الْأَنْصَار فشوى
لَهُم رَأس بعير ثمَّ دعاهم عَلَيْهِ فَلَمَّا أكلُوا
وَشَرِبُوا من الْخمر سَكِرُوا وَأخذُوا فِي الحَدِيث فَتكلم
سعد بِشَيْء فَغَضب الْأنْصَارِيّ فَرفع لحي الْبَعِير فَكسر
أنف سعد فَأنْزل الله نسخ الْخمر وتحريمها {إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: نزل
تَحْرِيم الْخمر فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد غَزْوَة
الْأَحْزَاب وَلَيْسَ للْعَرَب يَوْمئِذٍ عَيْش أعجب اليهم
مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: لما نزلت
آيَة الْبَقَرَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن ربكُم يقدم فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ نزلت آيَة النِّسَاء
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ربكُم يقرب فِي
تَحْرِيم الْخمر ثمَّ نزلت آيَة الْمَائِدَة فَحرمت الْخمر
عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ
نزلت أَربع آيَات فِي تَحْرِيم الْخمر أولهنَّ الَّتِي فِي
الْبَقَرَة ثمَّ نزلت الثَّانِيَة {وَمن ثَمَرَات النخيل
وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا}
النَّحْل الْآيَة 67 ثمَّ أنزلت الَّتِي فِي النِّسَاء بَينا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بعض الصَّلَوَات
إِذْ غنى سَكرَان خَلفه فَأنْزل الله {لَا تقربُوا الصَّلَاة
وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 الْآيَة
فَشربهَا طَائِفَة من النَّاس وَتركهَا طَائِفَة ثمَّ نزلت
الرَّابِعَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة فَقَالَ عمر ين الْخطاب
انتهينا ياربنا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن قيس قَالَ لما قدم رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَتَاهُ النَّاس
وَقد كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فَسَأَلُوهُ عَن
ذَلِك فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل
فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من
نفعهما} الْبَقَرَة الْآيَة 216 فَقَالُوا: هَذَا شَيْء قد
جَاءَ فِيهِ رخصَة نَأْكُل الميسر وَنَشْرَب الْخمر ونستغفر من
ذَلِك حَتَّى أَتَى رجل صَلَاة الْمغرب فَجعل يقْرَأ {قل يَا
أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ وَلَا أَنْتُم
عَابِدُونَ مَا أعبد} الْكَافِرُونَ الْآيَات الثَّلَاث فَجعل
لَا يجوّد ذَلِك وَلَا يدْرِي مَا يقْرَأ فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}
(3/165)
النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانَ النَّاس
يشربون الْخمر حَتَّى يَجِيء وَقت الصَّلَاة فَيدعونَ شربهَا
فَيَأْتُونَ الصَّلَاة وهم يعلمُونَ مَا يَقُولُونَ فَلم
يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أنزل الله {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر
والأنصاب والأزلام} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
فَقَالَ: انتهينا يارب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَمُوت
مدمن خمر إِلَّا لَقِي الله كعابد وثن ثمَّ قَرَأَ {إِنَّمَا
الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله حرم
الْخمر وَالْميسر والكوبة والغبيراء وكل مُسكر حرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حرم عَلَيْكُم الْخمر
وَالْميسر والكوبة وكل مُسكر حرَام
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: نزل
تَحْرِيم الْخمر وَإِن بِالْمَدِينَةِ يَوْمئِذٍ لخمسة أشربة
مَا فِيهَا شراب الْعِنَب
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن
عبد الله
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَام الْفَتْح
إِن الله حرَّم بيع الْخمر الأنصاب وَالْميتَة وَالْخِنْزِير
فَقَالَ بعض النَّاس: كَيفَ ترى فِي شحوم الْميتَة يدهن بهَا
السفن والجلود ويستصبح بهَا النَّاس فَقَالَ: لَا هِيَ حرَام
ثمَّ قَالَ عِنْد ذَلِك: قَاتل الله الْيَهُود إِن الله لما
حرم عَلَيْهِم الشحوم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم رجل من دوس
على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم براوية من خمر أهداها
لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمت أَن
الله حرمهَا بعْدك فَأقبل الدوسي على رجل كَانَ مَعَه فَأمره
بِبَيْعِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: هَل علمت أَن الَّذِي حرَّم شربهَا حرم بيعهَا وَأكل
ثمنهَا وَأمر بالمزاد فأهريقت حَتَّى لم يبْق فِيهَا قَطْرَة
(3/166)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن تَمِيم
الدَّارِيّ أَنه كَانَ يهدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كل عَام راوية من خمر فَلَمَّا كَانَ عَام حرمت الْخمر
جَاءَ براوية فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا ضحك وَقَالَ: هَل شَعرت
أَنَّهَا قد حرمت فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَفلا نبيعها
فننتفع بِثمنِهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لعن الله الْيَهُود انْطَلقُوا إِلَى مَا حرم الله
عَلَيْهِم من شحوم الْبَقر وَالْغنم فأذابوه اهالة فباعوا
مِنْهُ مَا يَأْكُلُون وَالْخمر حرَام ثمنهَا حرَام بيعهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة والطَّحَاوِي
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر
أَنه قَامَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: أما بعد فَإِن الْخمر نزل
تَحْرِيمهَا يَوْم نزل وَهِي من خَمْسَة
من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْبر وَالشعِير وَالْعَسَل وَالْخمر
ماخامر الْعقل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: إِن هَذِه الأنبذة تنبذ
من خَمْسَة أَشْيَاء
من التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْعَسَل وَالْبر وَالشعِير فَمَا
خمرته مِنْهَا ثمَّ عتقته فَهُوَ خمر
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل مُسكر خمر
وكل خمر حرَام
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الزَّبِيب وَالتَّمْر هُوَ الْخمر
يَعْنِي إِذا انتبذا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه والنحاس فِي ناسخه وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الْحِنْطَة
خمرًا وَمن الشّعير خمرًا وَمن الزَّبِيب خمرًا وَمن التَّمْر
خمرًا وَمن الْعَسَل خمرًا وَأَنا أنهاكم عَن كل مُسكر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن مَرْيَم بنت طَارق قَالَت: كنت
فِي نسْوَة من الْمُهَاجِرَات حجَجنَا فَدَخَلْنَا على
عَائِشَة فَجعل نسَاء يسألنها عَن الظروف فَقَالَت: إِنَّكُم
لتذكرن ظروفاً مَا كَانَ كثير مِنْهَا على عهد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فاتقين الله واجتنبن مَا يسكركن فَإِن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مُسكر حرَام
وَإِن أسكرها مَاء حبها فلتجتنبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي
ناسخه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: الْخمر من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة والعنبة
(3/167)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ
الملاهي عَن الْحسن قَالَ: الميسر
الْقمَار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن نَافِع
أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: الميسر
الْقمَار
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد
قَالَ: الميسر كعاب فَارس وقداح الْعَرَب وَهُوَ الْقمَار كُله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: الميسر الْقمَار
كُله حَتَّى الْجَوْز الَّذِي يلْعَب بِهِ الصّبيان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
اجتنبوا هَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي يزْجر بهَا زجرا
فَإِنَّهَا من الميسر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن
سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَهَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي
تزجر زجرا فَإِنَّهَا من الميسر
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ
وَهَاتين اللُّعْبَتَيْنِ الموسومتين اللَّتَيْنِ يُزْجَرَانِ
زجرا فَإِنَّهُمَا ميسر الْعَجم
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وأبوالشيخ عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: إيَّاكُمْ وَهَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي
تزجر زجرا فَإِنَّهَا ميسر الْعَجم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل الْقمَار من
الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز والكعاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: النَّرْد وَالشطْرَنْج من الميسر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ قَالَ: الشطرنج ميسر الْأَعَاجِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
أَنه سُئِلَ عَن النَّرْد أَهِي من الميسر قَالَ: كل مَا ألهى
عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهُوَ ميسر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْقَاسِم
أَنه قيل لَهُ: هَذِه النَّرْد تكرهونها فَمَا بَال الشطرنج
قَالَ: كل مَا ألهى عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهُوَ من
الميسر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي
وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
(3/168)
الشّعب من طَرِيق ربيعَة بن كُلْثُوم عَن
أَبِيه قَالَ: خَطَبنَا ابْن الزبير فَقَالَ: يَا أهل مَكَّة
بَلغنِي عَن رجال يَلْعَبُونَ بلعبة يُقَال لَهَا النَّرْد شير
وَإِن الله يَقُول فِي كِتَابه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم
مُنْتَهُونَ} وَإِنِّي أَحْلف بِاللَّه لَا أُوتى بِأحد لعب
بهَا إِلَّا عاقبته فِي شعره وبشره وَأعْطيت سلبه من أَتَانِي
بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من لعب بالنرد شير فقد عصى الله وَرَسُوله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي عبد الرَّحْمَن الخطمي سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مثل الَّذِي يلْعَب
بالنرد ثمَّ يقوم فَيصَلي مثل الَّذِي يتَوَضَّأ بالقيح وَدم
الْخِنْزِير ثمَّ يقوم فَيصَلي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الله بن
عَمْرو قَالَ: اللاعب بالنرد قماراً كآكل لحم الْخِنْزِير
واللاعب بهَا من غير قمار كالمدهن بودك الْخِنْزِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ: اللاعب بالنرد
قماراً من الميسر واللاعب بهَا سِفَاحًا كالصابغ يَده فِي دم
الْخِنْزِير والجالس عِنْدهَا كالجالس عِنْد مسالخه وَإنَّهُ
يُؤمر بِالْوضُوءِ مِنْهَا والكعبين وَالشطْرَنْج سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: مر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقوم يَلْعَبُونَ بالنرد
فَقَالَ: قُلُوب لاهية وأيد عاملة وألسنة لاغية
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: النَّرْد ميسر
الْعَجم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن أنس قَالَ: الشطرنج
من النَّرْد بلغنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه ولي مَال يَتِيم
فأحرقها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبيد الله بن عُمَيْر قَالَ:
سُئِلَ ابْن عمر عَن الشطرنج فَقَالَ: هِيَ شَرّ من النَّرْد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جَعْفَر أَنه سُئِلَ عَن
الشطرنج فَقَالَ: تِلْكَ الْمَجُوسِيَّة لَا تلعبوا بهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ:
رأى رجل من أهل الشَّام أَنه يغْفر لكل مُؤمن فِي كل يَوْم
اثْنَتَيْ عشرَة مرّة إِلَّا أَصْحَاب الشاه يَعْنِي الشطرنج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ
عَن قَتَادَة قَالَ: الميسر الْقمَار
(3/169)
كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يقامر على
أَهله وَمَاله فيقعد سليباً حَزينًا ينظر إِلَى مَاله فِي يَد
غَيره وَكَانَت تورث بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء فَنهى الله
عَن ذَلِك وَتقدم فِيهِ وَأخْبر إِنَّمَا هُوَ رِجْس من عمل
الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من
طَرِيق لَيْث عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد قَالُوا: كل شَيْء
فِيهِ قمار فَهُوَ من الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالكعاب
والجوز
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ
عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه رأى غلماناً يتقامرون فِي يَوْم عيد فَقَالَ: لَا تقامروا
فَإِن الْقمَار من الميسر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين
قَالَ: مَا كَانَ من لعب فِيهِ قمار أَو قيام أَو صياح أَو
شَرّ فَهُوَ من الميسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن شُرَيْح
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاث من الميسر:
الصفير بالحمام والقمار وَالضَّرْب بالكعاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يتبع حمامة فَقَالَ:
شَيْطَان يتبع شَيْطَانَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: شهِدت عُثْمَان
وَهُوَ يخْطب وَهُوَ يَأْمر بِذبح الْحمام وَقتل الْكلاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن خَالِد الْحذاء عَن رجل يُقَال
لَهُ أَيُّوب قَالَ: كَانَ ملاعب آل فِرْعَوْن الْحمام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: من لعب
بالحمام الطيارة لم يمت حَتَّى يَذُوق ألم الْفقر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد الْمسيب بن قَالَ: كَانَ من
ميسر أهل الْجَاهِلِيَّة بيع اللَّحْم بِالشَّاة والشاتين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي
الميسر قَالَ: كَانُوا يشْتَرونَ الْجَزُور فيجعلونها أَجزَاء
ثمَّ يَأْخُذُونَ القداح فيلقونها وينادي: يَا يَاسر الْجَزُور
يَا يَاسر الْجَزُور فَمن خرج قدحه أَخذ جُزْءا بِغَيْر شَيْء
وَمن لم يخرج قدحه غرم وَلم يَأْخُذ شَيْئا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يُقَال: ايْنَ ايسار
(3/170)
الْجَزُور فيجتمع الْعشْرَة فيشترون
الْجَزُور بِعشْرَة فصلان إِلَى الفصال فيجيلون السِّهَام
فَتَصِير بِتِسْعَة حَتَّى تصير إِلَى وَاحِد وَيغرم
الْآخرُونَ فصيلاً فصيلاً إِلَى الفصال فَهُوَ الميسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأنصاب
حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا والأزلام قداح كَانُوا يقتسمون
بهَا الْأُمُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت
لَهُم حَصَيَات إِذا أَرَادَ أحدهم أَن يَغْزُو أَو يجلس
استقسم بهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والأزلام}
قَالَ: هِيَ كعاب فَارس الَّتِي يقتمرون بهَا وسهام الْعَرَب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سَلمَة بن وهرام قَالَ: سَأَلت
طاوساً عَن الأزلام فَقَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَهُم
قداح يضْربُونَ بهَا قدح معلم يَتَطَيَّرُونَ مِنْهُ فَإِذا
ضربوا بهَا حِين يُرِيد أحدهم الْحَاجة فَخرج ذَلِك الْقدح لم
يخرج لِحَاجَتِهِ وَإِن خرج غَيره خرج لِحَاجَتِهِ وَكَانَت
الْمَرْأَة إِذا أَرَادَت حَاجَة لَهَا لم تضرب بِتِلْكَ
القداح فَذَلِك قَوْله الشَّاعِر: إِذا جددت أُنْثَى لأمر
خمارها أَتَتْهُ وَلم تضرب لَهُ بالمقاسم وَأخرج ابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {رِجْس} قَالَ: سخط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن
جُبَير فِي قَوْله {رِجْس} قَالَ: إِثْم {من عمل الشَّيْطَان}
يَعْنِي من تَزْيِين الشَّيْطَان {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان
أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر
وَالْميسر} يَعْنِي حِين شج الْأنْصَارِيّ رَأس سعد بن أبي
وَقاص {ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم
مُنْتَهُونَ} فَهَذَا وَعِيد التَّحْرِيم {وَأَطيعُوا الله
وَأَطيعُوا الرَّسُول} يَعْنِي فِي تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر
والأنصاب والأزلام {فَإِن توليتم} يَعْنِي أعرضتم عَن طاعتهما
{فاعلموا أَنما على رَسُولنَا} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {الْبَلَاغ الْمُبين} يَعْنِي أَن يبين
تَحْرِيم ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: لما نزل تَحْرِيم
(3/171)
الْخمر قَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف
بأصحابنا الَّذين مَاتُوا وهم يشربون الْخمر فَنزلت {لَيْسَ
على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
وَأخرج الطياليسي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب
قَالَ: مَاتَ نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهم يشربون الْخمر فَلَمَّا نزل تَحْرِيمهَا قَالَ أنَاس
من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ بأصحابنا
الَّذين مَاتُوا وهم يشربونها فَنزلت {لَيْسَ على الَّذين
آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
قَالَ بَينا أدير الكاس على أبي طَلْحَة وَأبي عُبَيْدَة بن
الْجراح ومعاذ بن جبل وَسُهيْل بن بَيْضَاء وَأبي دُجَانَة
حَتَّى مَالَتْ رؤوسهم من خليط بسر وتمر فسمعنا منادياً
يُنَادي: أَلا إِن الْخمر قد حرمت
قَالَ: فَمَا دخل علينا دَاخل وَلَا خرج منا خَارج حَتَّى
أهرقنا الشَّرَاب وكسرنا القلال وَتَوَضَّأ بَعْضنَا واغتسل
بَعْضنَا وأصبنا من طيب أم سليم ثمَّ خرجنَا إِلَى الْمَسْجِد
وَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى
قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ رجل: يَا رَسُول
الله فَمَا منزلَة من مَاتَ منا وَهُوَ يشْربهَا فَأنْزل الله
{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كنت ساقي الْقَوْم
فِي منزل أبي طَلْحَة فَنزل تَحْرِيم الْخمر فَنَادَى مُنَاد
فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: اخْرُج فَانْظُر مَا هَذَا الصَّوْت
فَخرجت فَقلت: هَذَا مُنَاد يُنَادي: أَلا إِن الْخمر قد حرمت
فَقَالَ لي: اذْهَبْ فَأَهْرقهَا
قَالَ: فجرت فِي سِكَك الْمَدِينَة قَالَ: وَكَانَت خمرهم
يَوْمئِذٍ الفضيخ الْبُسْر وَالتَّمْر فَقَالَ بعض الْقَوْم:
قتل قوم وَهِي فِي بطونهم فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين
آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد
الله قَالَ: اصطبح نَاس الْخمر يَوْم أحد ثمَّ قتلوا شُهَدَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر قَالَت
الْيَهُود: أَلَيْسَ إخْوَانكُمْ الَّذين مَاتُوا كَانُوا
يشربونها فَأنْزل الله
(3/172)
{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لي: أَنْت
مِنْهُم
وَأخرج الدَّارقطني فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ لما نزل تَحْرِيم الْخمر قَالُوا: يَا رَسُول
الله كَيفَ بِمن شربهَا من إِخْوَاننَا الَّذين مَاتُوا وَهِي
فِي بطونهم فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا} الْآيَة
يَعْنِي بذلك رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَاتُوا وهم يشربون الْخمر قبل أَن تحرم الْخمر فَلم يكن
عَلَيْهِم فِيهَا جنَاح قبل أَن تحرم فَلَمَّا حرمت قَالُوا:
كَيفَ تكون علينا حَرَامًا وَقد مَاتَ إِخْوَاننَا وهم
يشربونها فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} يَقُول لَيْسَ عَلَيْهِم حرج
فِيمَا كَانُوا يشربون قبل أَن أحرمهَا إِذْ كَانُوا محسنين
متقين وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت {لَيْسَ على
الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا}
فِيمَن كَانَ يشْربهَا مِمَّن قتل ببدر وَأحد مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: لما أنزل
الله تَحْرِيم الْخمْرَة فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد سُورَة
الْأَحْزَاب قَالَ فِي ذَلِك رجال من أَصْحَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أُصِيب فلَان يَوْم بدر وَفُلَان يَوْم
أحد وهم يشربونها فَنحْن نشْهد أَنهم من أهل الْجنَّة فَأنْزل
الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب
الْمُحْسِنِينَ} يَقُول: شربهَا الْقَوْم على تقوى من الله
وإحسان وَهِي لَهُم يَوْمئِذٍ حَلَال ثمَّ حرمت بعدهمْ فَلَا
جنَاح عَلَيْهِم فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح}
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا نقُول لإِخْوَانِنَا
الَّذين مضوا كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فَأنْزل
الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا} من الْحَرَام قبل أَن يحرم عَلَيْهِم {إِذا مَا
اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا
ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} وأحسنوا بَعْدَمَا حرم عَلَيْهِم
وهوقوله {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف}
الْبَقَرَة الْآيَة 275
(3/173)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لما
نزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا} الْآيَة
قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لي: أَنْت
مِنْهُم
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو
نعيم عَن ثَابت بن عبيد قَالَ: جَاءَ رجل من آل حَاطِب إِلَى
عَليّ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أرجع إِلَى
الْمَدِينَة وَإِنَّهُم سائلي عَن عُثْمَان فَمَاذَا أَقُول
لَهُم قَالَ: أخْبرهُم أَن عُثْمَان كَانَ من {الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا
وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وآمنوا ثمَّ
اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء بن
السَّائِب عَن محَارب بن دثار أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شربوا الْخمر بِالشَّام فَقَالَ لَهُم
يزِيد بن أبي سُفْيَان: شربتم الْخمر فَقَالُوا: نعم لقَوْل
الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا} حَتَّى فرغوا من الْآيَة
فَكتب فيهم إِلَى عمر فَكتب إِلَيْهِ إِن أَتَاك كتابي هَذَا
نَهَارا فَلَا تنظر بهم اللَّيْل وَإِن أَتَاك لَيْلًا فَلَا
تنظر بهم النَّهَار حَتَّى تبْعَث بهم إليَّ لَا يفتنوا عباد
الله فَبعث بهم إِلَى عمر فَلَمَّا قدمُوا على عمر قَالَ:
شربتم الْخمر قَالُوا: نعم
فَتلا عَلَيْهِم {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى آخر
الْآيَة
قَالُوا: اقْرَأ الَّتِي بعْدهَا {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} قَالَ: فَشَاور
فيهم النَّاس فَقَالَ لعَلي: مَا ترى قَالَ: أرى أَنهم شرَّعوا
فِي دين الله مَا لم يَأْذَن الله فِيهِ فَإِن زَعَمُوا
أَنَّهَا حَلَال فاقتلهم فقد أحلُّوا مَا حرم الله وَإِن
زَعَمُوا أَنَّهَا حرَام فاجلدهم ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ فقد
افتروا على الله الْكَذِب وَقد أخبرنَا الله بِحَدّ مَا يفتري
بِهِ بَعْضنَا على بعض
قَالَ: فجلدهم ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن الله لعن الْخمر وَلعن غارسها وَلعن شاربها وَلعن عاصرها
وَلعن مؤويها وَلعن مديرها وَلعن سَاقيهَا وَلعن حاملها وَلعن
آكل ثمنهَا وَلعن بَائِعهَا
وَأخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فِي
الدُّنْيَا لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة إِلَّا أَن يَتُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فِي
الدُّنْيَا وَلم يتب لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَإِن أُدخل
الْجنَّة
(3/174)
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن
عبد الله
أَن رجلا قدم من الْيمن فَسَأَلَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يُقَال لَهُ المزر
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يسكر هُوَ
قَالُوا: نعم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مُسكر حرَام
إِن الله عهد لمن يشرب الْمُسكر أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: عرق أهل
النَّار أَو عصارة أهل النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن ابْن عَمْرو
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب
الْخمر لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ
تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن شربهَا الثَّالِثَة لم تقبل لَهُ
صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
فَإِن شربهَا الرَّابِعَة لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ
لَيْلَة فَإِن تَابَ لم يتب الله عَلَيْهِ وَكَانَ حَقًا على
الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قيل: وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: صديد أهل النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب
الْخمر شربة لم تقبل صلَاته أَرْبَعِينَ صباحاً فَإِن تَابَ
تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن عَاد لم تقبل تَوْبَته أَرْبَعِينَ
صباحاً فَلَا أَدْرِي أَفِي الثَّالِثَة أَو فِي الرَّابِعَة
قَالَ: فَإِن عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من ردغة
الخبال يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن
عمر وَعَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك
الصَّلَاة سكرا مرّة وَاحِدَة فَكَأَنَّمَا كَانَت لَهُ
الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا فسلبها وَمن ترك الصَّلَاة سكرا
أَربع مَرَّات كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة
الخبال
قيل: وَمَا طِينَة الخبال يَا رَسُول الله قَالَ: عصارة أهل
النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لعن الْخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها
والمحمولة إِلَيْهِ وساقيها وشاربها وآكل ثمنهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَتَانِي
جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله لعن الْخمر وعاصرها
ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ وبائعها وساقيها
ومسقيها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اجتنبوا أم
الْخَبَائِث فَإِنَّهُ كَانَ رجل فِيمَن كَانَ قبلكُمْ يتعبد
ويعتزل النِّسَاء فعلقته امْرَأَة غاوية فَأرْسلت إِلَيْهِ
خَادِمهَا فَقَالَت: إِنَّا ندعوك لشهادة فَدخل فطفقت كلما
(3/175)
دخل عَلَيْهَا بَاب أغلقته دونه حَتَّى
أفْضى إِلَى امْرَأَة وضيئة جالسة عِنْدهَا غُلَام وباطية
فِيهَا خمر فَقَالَت: أَنا لم أدعك لشهادة وَلَكِن دعوتك لتقتل
هَذَا الْغُلَام أَو تقع عليَّ أَو تشرب كأساً من هَذَا الْخمر
فَإِن أَبيت صحت وفضحتك فَلَمَّا رأى أَنه لَا بُد من ذَلِك
قَالَ: اسْقِنِي كأساً من هَذَا الْخمر فسقته كأساً من الْخمر
ثمَّ قَالَ: زيديني فَلم يرم حَتَّى وَقع عَلَيْهَا وَقتل
النَّفس فَاجْتَنبُوا الْخمر فَإِنَّهُ - وَالله - لَا يجْتَمع
الْإِيمَان وإدمان الْخمر فِي صدر رجل أبدا ليوشكن أَحدهمَا
أَن يخرج صَاحبه
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عُثْمَان موثوقا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجتنبوا
الْخمر فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
الدَّرْدَاء قَالَ أَوْصَانِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطِّعت أَو
حرِّقت وَلَا تتْرك صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا فَمن تَركهَا
مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة وَأَن لَا تشرب الْخمر
فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى بنى الفردوس
بِيَدِهِ وحظره على كل مُشْرك وكل مدمن الْخمر سكير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا تقبل لَهُم صَلَاة
وَلَا يرفع لَهُم إِلَى السَّمَاء عمل: العَبْد الْآبِق من
موَالِيه حَتَّى يرجع فَيَضَع يَده فِي أَيْديهم وَالْمَرْأَة
الساخط عَلَيْهَا زَوجهَا حَتَّى يرضى والسكران حَتَّى يصحو
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا مدمن خمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْعد على مائدة يشرب عَلَيْهَا
الْخمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه
وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر وَمن كَانَ
يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجلس على مائدة يدار
عَلَيْهَا الْخمر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ عَن سهل بن أبي صَالح عَن
مُحَمَّد بن عبيد الله عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لَقِي الله وَهُوَ مدمن خمر لقِيه
كعابد وثن
(3/176)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي
هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثله وَقَالَ البُخَارِيّ وَلَا يَصح
حَدِيث أبي هُرَيْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَاتَ مدمن خمر لَقِي الله
وَهُوَ كعابد الوثن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب شرابًا
يذهب بعقله فقد أَتَى بَاب من أَبْوَاب الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن
عَمْرو قَالَ: لِأَن أزني أحب إليَّ من أَن أسكر وَلِأَن أسرق
أحب إليَّ من أَن أسكر لِأَن السَّكْرَان يَأْتِي عَلَيْهِ
سَاعَة لَا يعرف فِيهَا ربه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لبس
الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب
الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشربه فِي الْآخِرَة وَمن شرب فِي
آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب بهَا فِي الْآخِرَة ثمَّ
قَالَ: لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل
الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُوسَى
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا
يدْخلُونَ الْجنَّة مدمن الْخمر وقاطع الرَّحِم ومصدِّق
بِالسحرِ وَمن مَاتَ مدمن الْخمر سقَاهُ الله من نهر الغوطة
قيل: وَمَا نهر الغوطة قَالَ: نهر يخرج من فروج المومسات
يُؤْذِي أهل النَّار ريح فروجهم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر: أَن أَبَا بكر وَعمر
وناساً جَلَسُوا بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذكرُوا أعظم الْكَبَائِر فَلم يكن عِنْدهم فِيهَا علم
فأرسلوني إِلَى عبد الله بن عَمْرو أسأله فَأَخْبرنِي أَن أعظم
الْكَبَائِر شرب الْخمر
فأتيتهم فَأَخْبَرتهمْ فأنكروا ذَلِك ووثبوا جَمِيعًا حَتَّى
أَتَوْهُ فِي دَاره فَأخْبرهُم أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ملكا من مُلُوك بني إِسْرَائِيل أَخذ
رجلا فخيره بَين أَن يشرب الْخمر أَو يقتل نفسا أَو يَزْنِي
أَو يَأْكُل لحم خِنْزِير أَو يقتلوه
فَاخْتَارَ الْخمر وَإنَّهُ لما شربه لم يمْتَنع من شَيْء
أرادوه مِنْهُ وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَا من أحد يشْربهَا فَتقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ
لَيْلَة وَلَا يَمُوت وَفِي مثانته مِنْهُ شَيْء إِلَّا حرمت
عَلَيْهِ بهَا الْجنَّة فَإِن مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَة
مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ
أَنه حج فَدخل على
(3/177)
عَائِشَة فَجعلت تسأله عَن الشَّام وَعَن
بردهَا فَجعل يخبرها فَقَالَت: كَيفَ تصبرون على بردهَا قَالَ:
يَا أم الْمُؤمنِينَ إِنَّهُم يشربون شرابًا لَهُم يُقَال لَهُ
الطلا
قَالَت: صدق الله وَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سمعته يَقُول إِن نَاسا من أمتِي يشربون الْخمر يسمونها
بِغَيْر اسْمهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَعَثَنِي الله
رَحْمَة وَهدى للْعَالمين وبعثني بمحق المعازف والمزامير وَأمر
الْجَاهِلِيَّة ثمَّ قَالَ: من شرب خمرًا فِي الدُّنْيَا
سقَاهُ الله كَمَا شرب مِنْهُ من حميم جَهَنَّم معذب بعد أَو
مغْفُور لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي
وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة وَهدى
للْعَالمين بَعَثَنِي لأمحق المعازف والمزامير وَأمر
الْجَاهِلِيَّة والأوثان وَحلف رَبِّي عز وَجل بعزته لَا يشرب
الْخمر أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقَاهُ الله مثلهَا من
الْحَمِيم يَوْم الْقِيَامَة مغْفُور لَهُ أَو معذب وَلَا
يَدعهَا أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقيته إِيَّاهَا فِي
حَظِيرَة الْقُدس حَتَّى تقنع نَفسه
وَأخرج الْحَاكِم عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَلَفت على مَعْصِيّة فدعها
واقذف ضغائن الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمك وَإِيَّاك وَشرب الْخمر
فَإِن الله لم يقدس شاربها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الملاهي عَن سهل بن
سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
قيل: يارسول الله مَتى قَالَ: إِذا ظَهرت المعازف والقينات
واستحلت الْخمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي
وَقذف ومسخ وَخسف
قيل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَتى ذَلِك
قَالَ: إِذا ظَهرت المعازف وَكَثُرت الْقَيْنَات وشربت الْخمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف ومسخ وَقذف
قلت: يَا رَسُول الله وهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله
قَالَ: إِذا ظَهرت القيان وَظهر الزِّنَا وَشرب الْخمر وَلبس
الْحَرِير كَانَ ذَا عِنْد ذَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن
أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا عملت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة حل بهَا الْبلَاء قيل: وَمَا
هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا كَانَ الْمغنم دولاً
وَالْأَمَانَة مغنماً وَالزَّكَاة مغرماً وأطاع
(3/178)
الرجل زَوجته وعقَّ أمه وبرَّ صديقه وجفا
أَبَاهُ وَارْتَفَعت الْأَصْوَات فِي الْمَسَاجِد وَكَانَ زعيم
الْقَوْم أرذلهم وَأكْرم الرجل مَخَافَة شَره وشربت الْخُمُور
وَلبس الْحَرِير وَاتَّخذُوا القيان وَالْمَعَازِف وَلعن آخر
هَذِه الْأمة أَولهَا فليرتقبوا عِنْد ذَلِك ثَلَاثًا: ريحًا
حَمْرَاء وخسفاً ومسخاً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تمسخ طَائِفَة من
أمتِي قردة وَطَائِفَة خنازير ويخسف بطَائفَة وَيُرْسل على
طَائِفَة الرّيح الْعَقِيم بِأَنَّهُم شربوا الْخمر ولبسوا
الْحَرِير وَاتَّخذُوا القيان وضربوا بِالدُّفُوفِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة خسف وَقذف
ومسخ وَذَلِكَ إِذا شربوا الْخمر وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات
وضربوا بالمعازف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسخ قوم من هَذِه الْأمة
فِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ: بلَى
وَيَصُومُونَ وَيصلونَ ويحجون
قَالَ: فَمَا بالهم قَالَ: اتَّخذُوا المعازف والدفوف والقينات
فَبَاتُوا على شربهم ولهوهم فَأَصْبحُوا قد مسخوا قردة
وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد
الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
قَالُوا: مَتى ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا أظهرُوا
المعازف وَاسْتَحَلُّوا الْخُمُور وَلبس الْحَرِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْغَازِي بن ربيعَة رفع
الحَدِيث قَالَ ليمسخن قوم وهم على أريكتهم قردة وَخَنَازِير
بشربهم الْخمر وضربهم بالبرابط والقيان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن صَالح بن خَالِد رفع ذَلِك
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليستحلن نَاس من
أمتِي الْحَرِير وَالْخمر وَالْمَعَازِف وليأتين الله على أهل
حاضرتهم بجبل عَظِيم حَتَّى ينبذه عَلَيْهِم ويمسخ آخَرُونَ
قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليبيتن رجال على أكل وَشرب وعزف
يُصْبِحُونَ على أرائكهم ممسوخين قردة وَخَنَازِير
واخرج ابْن عدي وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا تَنْقَضِي
هَذِه الدُّنْيَا حَتَّى يَقع بهم الْخَسْف وَالْمَسْخ
(3/179)
وَالْقَذْف
قَالُوا: وَمَتى ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ
النِّسَاء ركبن السُّرُوج وَكَثُرت المعازف وفشت شَهَادَات
الزُّور وشربت الْخمر لَا يستخفى بِهِ وشربت المصلون فِي آنِية
أهل الشّرك من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاسْتغْنى النِّسَاء
بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك
فاستدفروا واستعدوا وَاتَّقوا الْقَذْف من السَّمَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتعْملت أمتِي خمْسا
فَعَلَيْهِم الدمار: إِذا ظهر فيهم التلاعن وَلبس الْحَرِير
وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وَشَرِبُوا الْخمر وَاكْتفى الرِّجَال
بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يبيت قوم من هَذِه
الْأمة على طعم وَشرب وَلَهو وَلعب فيصبحوا وَقد مسخوا قردة
وَخَنَازِير وليصيبنهم خسف وَقذف حَتَّى يصبح النَّاس
فَيَقُولُونَ: قد خسف اللَّيْلَة ببني فلَان وَخسف اللَّيْلَة
بدار فلَان وليرسلن عَلَيْهِم حاصباً من السَّمَاء كَمَا
أرْسلت على قوم لوط على قبائل فِيهَا وعَلى دور وليرسلن
عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم الَّتِي أهلكت عاداً على قبائل
فِيهَا وعَلى دور بشربهم الْخمر ولبسهم الْحَرِير واتخاذهم
الْقَيْنَات وأكلهم الرِّبَا وقطيعتهم الرَّحِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماحه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليشربن نَاس من أمتِي الْخمر
يسمونها بِغَيْر اسْمهَا وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات
يخسف الله بهم الأَرْض وَيجْعَل مِنْهُم القردة والخنازير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ وَأبي عُبَيْدَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْأَمر بَدَأَ
رَحْمَة ونبوّة ثمَّ يكون رَحْمَة وَخِلَافَة ثمَّ كَائِن ملكا
عَضُوضًا ثمَّ كَائِن عتواً وَجَبْرِيَّة وَفَسَادًا فِي
الأَرْض يسْتَحلُّونَ الْحَرِير وَالْخُمُور والفروج يرْزقُونَ
على ذَلِك وينصرون حَتَّى يلْقوا الله عز وَجل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حبس الْعِنَب أَيَّام قطافه حَتَّى
يَبِيعهُ من يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مِمَّن يعلم أَنه
يتَّخذ خمرًا فقد تقدم فِي النَّار على بَصِيرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يكره أَن تسقى
الْبَهَائِم الْخمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَنَّهَا كَانَت تنْهى
النِّسَاء أَن يمتشطن بِالْخمرِ
(3/180)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن
مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ من شرب الْخمر فاجلدوه
قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِن شربهَا الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه إِلَى الْيمن
سَأَلَهُ قَالَ: إِن قومِي يصنعون شرابًا من الذّرة يُقَال
لَهُ المزر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيسكر
قَالَ: نعم قَالَ: فانههم عَنهُ
قَالَ: نهيتهم وَلم ينْتَهوا
قَالَ: فَمن لم ينتهِ فِي الثَّالِثَة مِنْهُم فاقتله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فَاضْرِبُوهُ ثمَّ
قَالَ فِي الرَّابِعَة: من شرب الْخمر فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا شربوا
فَاجْلِدُوهُمْ
قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِذا شربوا الرَّابِعَة فاقتلوهم
قَالَ معمر: فَذكرت ذَلِك لِابْنِ الْمُنْكَدر فَقَالَ: قد ترك
الْقَتْل قد أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن
النعيمان فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده
ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده الرَّابِعَة أَو أَكثر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ
إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فاقتلوهم ثمَّ
قَالَ: إِن الله قد وضع عَنْهُم الْقَتْل فَإِذا شربوا
فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ذكرهَا أَربع
مَرَّات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن دِينَار أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب الْخمر فحدُّوه فَإِن شرب
الثَّانِيَة فحدُّوه فَإِن شرب الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ
قَالَ: فَأتى بِابْن النعيمان قد شرب فَضرب بالنعال
وَالْأَيْدِي ثمَّ أَتَى بِهِ الثَّانِيَة فَكَذَلِك ثمَّ
أَتَى بِهِ الرَّابِعَة فحدَّه وَوضع الْقَتْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب رجلا فِي الْخمر أَربع مَرَّات ثمَّ
أَن عمر بن خطاب ضرب أَبَا محجن الثَّقَفِيّ فِي الْخمر ثَمَان
مَرَّات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الرمد البلوي أَن رجلا مِنْهُم
شرب الْخمر فَأتوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَضَربهُ ثمَّ شرب الثَّانِيَة فَأتوا بِهِ فَضَربهُ فَمَا
أَدْرِي قَالَ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَجعل على
الْعجل فَضربت عُنُقه
(3/181)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا منان وَلَا مدمن خمر قَالَ ابْن
عَبَّاس: فذهبنا نَنْظُر فِي كتاب الله فَإِذا هم فِيهِ فِي
العاقّ {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض
وتقطعوا أَرْحَامكُم} مُحَمَّد الْآيَة 82 إِلَى آخر الْآيَة
وَفِي المنان {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تُبْطِلُوا
صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى} الْبَقَرَة الْآيَة 262 وَفِي
الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر}
إِلَى قَوْله {من عمل الشَّيْطَان}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه
عَن الديلمي قَالَ وفدت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّا نصْنَع طَعَاما
وَشَرَابًا فنطعمه بني عمنَا فَقَالَ: هَل يسكر قلت: نعم
فَقَالَ: حرَام
فَلَمَّا كَانَ عِنْد توديعي إِيَّاه ذكرته لَهُ فَقلت: يَا
نَبِي الله إِنَّهُم لن يصبروا عَنهُ
قَالَ: فَمن لم يصبر عَنهُ فاضربوا عُنُقه
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن شُرَحْبِيل بن أَوْس قَالَ: قَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فاجلدوه فَإِن
عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم حَبِيبَة بنت أبي
سُفْيَان أَن نَاسا من أهل الْيمن قدمُوا على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فأعلمهم الصَّلَاة وَالسّنَن والفرائض
ثمَّ قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن لنا شرابًا نصنعه من
التَّمْر وَالشعِير فَقَالَ: الغبيراء قَالُوا: نعم
قَالَ: لَا تطعموه
قَالُوا: فَإِنَّهُم لَا يدعونها
قَالَ: من لم يَتْرُكهَا فاضربوا عُنُقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِن الَّذين يشربون الْخمر وَقد حرم الله عَلَيْهِم لَا
يسقونها فِي حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ من شرب الْخمر لم
يقبل الله مِنْهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحاً فَإِن مَاتَ فِي
الْأَرْبَعين دخل النَّار وَلم ينظر الله إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يلقى الله شَارِب
الْخمر يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ سَكرَان فَيَقُول: وَيلك مَا
شربت
فَيَقُول: الْخمر
قَالَ: أَو لم أحرمهَا عَلَيْك فَيَقُول: بلَى
فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار
(3/182)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد
الْمسند عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليبيتن أنَاس
من أمتِي على أشر وبطر وَلعب وَلَهو فيصبحوا قردة وَخَنَازِير
باستحلالهم الْمَحَارِم واتخاذهم الْقَيْنَات وشربهم الْخمر
وبأكلهم الرِّبَا ولبسهم الْحَرِير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِنَّه
فِي الْكتاب مَكْتُوب: أَن خَطِيئَة الْخمر تعلو الْخَطَايَا
كَمَا تعلو شجرتها الشّجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَسْرُوق بن الأجدع قَالَ: شَارِب
الْخمر كعابد الوثن وشارب الْخمر كعابد اللات والعزى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جُبَير قَالَ: من شرب مُسكرا
لم يقبل الله مِنْهُ مَا كَانَت فِي مثانته مِنْهُ قَطْرَة
فَإِن مَاتَ مِنْهَا كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من
طِينَة الخبال وَهِي صديد أهل النَّار وقيحهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي ذَر قَالَ: من شرب مُسكرا من
الشَّرَاب فَهُوَ رِجْس ورجس صلَاته أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن
تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن شرب أَيْضا فَهُوَ رِجْس ورجس
صلَاته أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
فَإِن عَاد لَهَا قَالَ: فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة
كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبان رفع الحَدِيث قَالَ: إِن
الْخَبَائِث جعلت فِي بَيت فأغلق عَلَيْهَا وَجعل مفتاحها
الْخمر فَمن شرب الْخمر وَقع بالخبائث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: إِن الْخمر
مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد الْمُنْكَدر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر صباحاً
كَانَ كالمشرك بِاللَّه حَتَّى يُمْسِي وَكَذَلِكَ إِن شربهَا
لَيْلًا كَانَ كالمشرك بِاللَّه حَتَّى يصبح وَمن شربهَا
حَتَّى يسكر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحاً وَمن
مَاتَ وَفِي عروقه مِنْهَا شَيْء مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف الله بعزته وَقدرته لَا يشرب عبد
مُسلم شربة من خمر إِلَّا سقيته بِمَا انتهك مِنْهَا من
الْحَمِيم معذب بعد أَو مغْفُور لَهُ وَلَا يَتْرُكهَا
وهوعليها قَادر ابْتِغَاء مرضاتي إِلَّا سقيته مِنْهَا فأرويته
فِي حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
قَالَ: يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة
(3/183)
شَارِب الْخمر مسوداً وَجهه مزرقَّة
عَيناهُ مائلاً شقَّه
أَو قَالَ: شدقه مدلياً لِسَانه يسيل لعابه على صَدره يقذره كل
من يرَاهُ
وَأخرج أَحْمد عَن قيس بن سعد بن عبَادَة سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر أَتَى عطشان
يَوْم الْقِيَامَة أَلا وكل مُسكر خمر وَإِيَّاكُم والغبيراء
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة
أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن
عَاد كَانَ مثل ذَلِك فَمَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَة أم فِي
الرَّابِعَة قَالَ: فَإِن عَاد كَانَ حتما على الله أَن
يسْقِيه من طِينَة الخبال
قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا طِينَة الخبال قَالَ: عصارة أهل
النَّار
وَأخرج ابْن أبي سعد وَابْن أبي شيبَة عَن خلدَة بنت طلق
قَالَت: قَالَ لنا أبي: جلسنا عِنْد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فجَاء صحار فَسَأَلَهُ مَا ترى فِي شراب نصنعه
من ثمارنا قَالَ: تَسْأَلنِي عَن الْمُسكر لَا تشربه وَلَا
تسقه أَخَاك فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا شربه رجل قطّ
ابْتِغَاء لَذَّة سكر فيسقيه الله الْخمر يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد عَن أَسمَاء بنت يزِيد
أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
من شرب الْخمر لم يرضَ الله عَنهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن
مَاتَ مَاتَ كَافِرًا وَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن
عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قلت: يَا رَسُول الله وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: صديد أهل
النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ الريب من
الْكفْر وَالنوح عمل الْجَاهِلِيَّة وَالشعر من أَمر إِبْلِيس
والغلول جمر من جَهَنَّم وَالْخمر جَامع كل إِثْم والشباب
شُعْبَة من الْجُنُون وَالنِّسَاء حبائل الشَّيْطَان وَالْكبر
شَرّ من الشَّرّ وَشر المآكل مَال الْيَتِيم وَشر المكاسب
الرِّبَا والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من شقي فِي بطن أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عليّ قَالَ: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لم يزل جِبْرِيل
ينهاني عَن عبَادَة الْأَوْثَان وَشرب الْخمر وملاحاة
الرِّجَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أم سَلمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ فِي أول
مَا نهاني عَنهُ رَبِّي وعهد إليَّ بعد عبَادَة الْأَوْثَان
وَشرب الْخمر لملاحاة الرِّجَال وَالله تَعَالَى أعلم
(3/184)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ
الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ
اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ
ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم
ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ فَمن اعْتدى بعد
ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ليبلونكم الله
بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} قَالَ: هُوَ
الضَّعِيف من الصَّيْد وصغيره يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فِي
إحرامهم حَتَّى لَو شاؤوا تناولوه بِأَيْدِيهِم فنهاهم الله
أَن يقربوه فَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا قَالَ: إِن قَتله
مُتَعَمدا أَو نَاسِيا أَو خطأ حكم عَلَيْهِ فَإِن عَاد
مُتَعَمدا عجلت لَهُ الْعقُوبَة إِلَّا أَن يعْفُو الله عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ليبلونكم الله بِشَيْء من
الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} قَالَ: النبل وَالرمْح
ينَال كبار الصَّيْد وأيديهم تنَال صغَار الصَّيْد أَخذ الفروخ
وَالْبيض
وَفِي لفظ: أَيْدِيكُم
أخذكم إياهن بِأَيْدِيكُمْ من بيضهن وفراخهن ورماحكم
مَا رميت أَو طعنت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُجَاهِد {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد} قَالَ: مَا لَا
يَسْتَطِيع أَن يَرْمِي من الصَّيْد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: أنزلت
هَذِه الْآيَة فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فَكَانَت الْوَحْش
وَالطير وَالصَّيْد يَغْشَاهُم فِي رحالهم لم يرَوا مثله قطّ
فِيمَا خلا فنهاهم الله عَن قَتله وهم محرمون {ليعلم الله من
يخافه بِالْغَيْبِ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طرق قيس بن سعد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يَقُول فِي قَوْله: {فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ
عَذَاب أَلِيم} : أَن يُوسع ظَهره وبطنه جلدا ويسلب ثِيَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح
عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ إِذا مَا أَخذ شَيْئا من
الصَّيْد أَو قَتله جلد مائَة ثمَّ نزل الحكم بعد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: يمْلَأ بَطْنه وظهره إِن عَاد لقتل الصَّيْد مُتَعَمدا
وَكَذَلِكَ صنع بِأَهْل وَج أهل وَاد بِالطَّائِف قَالَ ابْن
(3/185)
عَبَّاس: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا
أحدث الرجل حَدثا أَو قتل صيدا ضرب ضربا شَدِيدا وسلب ثِيَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {فَمن اعْتدى بعد
ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} قَالَ: هِيَ وَالله مُوجبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
مثله
(3/186)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا
قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ
هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ
مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ
أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ
فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
(95)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم وَمن قَتلهمْ
مِنْكُم مُتَعَمدا فجزاء مثل مَا قتل من النعم يحكم بِهِ ذَوا
عدل مِنْكُم هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام
مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما ليذوق وبال أمره عَفا الله
عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عَزِيز ذُو
انتقام
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم}
فَنهى الْمحرم عَن قَتله فِي هَذِه الْآيَة وَأكله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم
حرم} قَالَ: حرم صَيْده هَهُنَا وَأكله هَهُنَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن
قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: إِن قَتله مُتَعَمدا أَو
نَاسِيا أوخطأ حكم عَلَيْهِ فَإِن عَاد مُتَعَمدا عجلت لَهُ
الْعقُوبَة إِلَّا أَن يعْفُو الله عَنهُ
وَفِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: إِذا قتل
الْمحرم شَيْئا من الصَّيْد حكم عَلَيْهِ فِيهِ فَإِن قتل
ظَبْيًا أَو نَحوه فَعَلَيهِ شَاة تذبح بِمَكَّة فَإِن لم يجد
فإطعام سِتَّة مَسَاكِين فَإِن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة
أَيَّام فَإِن قتل إبِلا وَنَحْوه فَعَلَيهِ بقرة فَإِن لم
يجدهَا أطْعم عشْرين مِسْكينا فَإِن لم يجد صَامَ عشْرين
يَوْمًا وَإِن قتل نعَامَة أَو حمَار وَحش أَو نَحوه فَعَلَيهِ
بَدَنَة من الْإِبِل فَإِن لم يجد أطْعم ثَلَاثِينَ مِسْكينا
فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالطَّعَام مدٌّ مدٌّ
يشبعهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
الحكم
أَن عمر كتب أَن يحكم عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ والعمد
(3/186)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد
وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: متعمد
القتلة نَاسِيا لإحرامه فَذَلِك الَّذِي يحكم عَلَيْهِ فَإِن
قَتله ذَاكِرًا لإحرامه متعمد القتلة لم يحكم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الَّذِي يقتل الصَّيْد
مُتَعَمدا وَهُوَ يعلم أَنه محرم ومتعمد قَتله قَالَ: لَا يحكم
عَلَيْهِ وَلَا حج لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْعمد هُوَ الْخَطَأ
الْمُكَفّر أَن يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ يُرِيد غَيره
فَيُصِيبهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا}
للصَّيْد نَاسِيا لإحرامه فَمن اعْتدى بعد ذَلِك مُتَعَمدا
للصَّيْد يذكر إِحْرَامه لم يحكم عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَمن قَتله مِنْكُم
مُتَعَمدا} قَالَ: إِذا كَانَ نَاسِيا لإحرامه وَقتل الصَّيْد
مُتَعَمدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: من
قَتله مُتَعَمدا لقَتله نَاسِيا لإحرامه فَعَلَيهِ الْجَزَاء
وَمن قَتله مُتَعَمدا لقَتله غير نَاس لإحرامه فَذَاك إِلَى
الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
قَالَ: من قَتله مُتَعَمدا غير نَاس لإحرامه وَلَا يُرِيد
غَيره فقد حل وَلَيْسَت لَهُ رخصَة وَمن قَتله نَاسِيا لإحرامه
أَو أَرَادَ غَيره فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِك الْعمد الْمُكَفّر
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا}
فَمن قَتله خطأ يغرم وَإِنَّمَا جعل الْغرم على من قَتله
مُتَعَمدا قَالَ: نعم تعظم بذلك حرمات الله وَمَضَت بذلك
السّنَن وَلِئَلَّا يدْخل النَّاس فِي ذَلِك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن دِينَار
قَالَ: رَأَيْت النَّاس أَجْمَعِينَ يغرمون فِي الْخَطَأ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
(3/187)
قَالَ: إِنَّمَا كَانَت الْكَفَّارَة
فِيمَن قتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَلَكِن غلظ عَلَيْهِم فِي
الْخَطَأ كي يتقوا
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: نزل الْقُرْآن بالعمد
وَجَرت السّنة فِي الْخَطَأ يَعْنِي فِي الْمحرم يُصِيب
الصَّيْد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد وَفِي الْخَطَأ
وَمِنْه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم الصَّيْد فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير
فِي الْمحرم إِذا أمات صيدا خطأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن
أصَاب مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْجَزَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس قَالَ: لَا
يحكم على من أصَاب صيدا خطأ إِنَّمَا يحكم من أَصَابَهُ عمدا
وَالله مَا قَالَ الله إِلَّا {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: إِذا
أصَاب الْمحرم الصَّيْد يحكم عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ من النعم
فَإِن وجد جَزَاؤُهُ ذبحه وتصدَّق بِلَحْمِهِ وَإِن لم يجد
جَزَاؤُهُ قوم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ قومت الدَّرَاهِم
حِنْطَة ثمَّ صَامَ مَكَان كل نصف صَاع يَوْمًا
قَالَ {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما}
وَإِنَّمَا أُرِيد بِالطَّعَامِ الصّيام أَنه إِذا وجد
الطَّعَام وجد جَزَاؤُهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي الرجل يُصِيب
الصَّيْد وَهُوَ محرم قَالَ: يحكم عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَإِن لم
يجد قَالَ: يحكم عَلَيْهِ ثمنه فقوّم طَعَاما فَتصدق بِهِ
فَإِن لم يجد حكم عَلَيْهِ الصّيام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله
{فجزاء مثل} قَالَ: شبهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ {فجزاء مثل مَا قتل من
النعم} قَالَ: نده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ:
سَأَلَ مَرْوَان بن الحكم ابْن عَبَّاس وَهُوَ بوادي
الْأَزْرَق قَالَ: أَرَأَيْت مَا أصبْنَا من الصَّيْد لم نجد
لَهُ ندا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثمنه يهدى إِلَى مَكَّة
(3/188)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: عَلَيْهِ من النعم مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: إِن قتل
نعَامَة أَو حمارا فَعَلَيهِ بَدَنَة وَإِن قتل بقرة أَو أيلاً
أَو أروى فَعَلَيهِ بقرة أَو قتل غزالاً أَو أرنباً فَعَلَيهِ
شَاة وَإِن قتل ظَبْيًا أَو جَريا أَو يربوعاً فَعَلَيهِ سخلة
قد أكلت العشب وشربت اللَّبن
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء أَنه سُئِلَ: أيغرم فِي صَغِير
الصَّيْد كَمَا يغرم فِي كبيره قَالَ: أَلَيْسَ يَقُول الله
{فجزاء مثل مَا قتل} وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي
قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل} قَالَ: مَا كَانَ لَهُ مثل يُشبههُ
فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَضَاؤُهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حبَان فِي قَوْله {فجزاء
مثل مَا قتل} قَالَ: فَمَا كَانَ من صيد الْبر مِمَّا لَيْسَ
لَهُ قرن الْحمار والنعامة فَجَزَاؤُهُ من الْبدن وَمَا كَانَ
من صيد الْبر ذَوَات الْقُرُون فَجَزَاؤُهُ من الْبَقر وَمَا
كَانَ من الظباء فَفِيهِ من الْغنم والأرنب فِيهِ ثنية من
الْغنم واليربوع فِيهِ برق وَهُوَ الْحمل وَمَا كَانَ من حمامة
أونحوها من الطير فَفِيهَا شَاة وَمَا كَانَ من جَرَادَة
أونحوها فَفِيهَا قَبْضَة من طَعَام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَرَأَيْت
إِن قتلت صيدا فَإِذا هُوَ أَعور أَو أعرج أَو مَنْقُوص أغرم
مثله قَالَ: نعم إِن شِئْت
قَالَ عَطاء: وَإِن قتلت ولد بقرة وحشية فَفِيهِ ولد بقرة
إنسية مثله فَكل ذَلِك على ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم فِي قَوْله {فجزاء
مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: مَا كَانَ من صيد الْبر مِمَّا
لَيْسَ لَهُ قرن الْحمار أَو النعامة فَعَلَيهِ مثله من
الْإِبِل وَمَا كَانَ ذَا قرن من صيد الْبر من وعل أَو إبل
فَجَزَاؤُهُ من الْبَقر وَمَا كَانَ من ظَبْي فَمن الْغنم مثله
وَمَا كَانَ من أرنب فَفِيهَا ثنية وَمَا كَانَ من يَرْبُوع
وَشبهه فَفِيهِ حمل صَغِير وَمَا كَانَ من جَرَادَة أَو
نَحْوهَا فَفِيهَا قَبْضَة من طَعَام وَمَا كَانَ من طير الْبر
فَفِيهِ أَن يقوم وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ وَإِن شَاءَ صَامَ لكل
نصف صَاع يَوْمًا وَإِن أصَاب فرخ طير بَريَّة أَو بيضها
فَالْقيمَة فِيهَا طَعَام أوصوم على الَّذِي يكون فِي الطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضبع صيد فَإِذا
أَصَابَهُ الْمحرم فَفِيهِ جَزَاء كَبْش مسن وتؤكل
(3/189)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء
أَن عمر وَعُثْمَان وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس
وَمُعَاوِيَة قَالُوا: فِي النعامة بَدَنَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر
أَن عمر قضى فِي الأرنب جفرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد أَنهم
قَالُوا: فِي الْحمار بقرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم
بقرة الْوَحْش فَفِيهَا جزور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء
أَن رجلا أغلق بَابه على حمامة وفرخيها ثمَّ انْطلق إِلَى
عَرَفَات وَمنى فَرجع وَقد مَاتَت فَأتى ابْن عمر فَذكر ذَلِك
لَهُ فَجعل عَلَيْهِ ثَلَاثَة من الْغنم وَحكم مَعَه رجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي طير الْحرم
شَاة شَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: أول من فدى طير الْحرم
بِشَاة عُثْمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: فِي الْجَرَاد
قَبْضَة من طَعَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: تَمْرَة خير من جَرَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم قَالَ: سُئِلَ ابْن
عَبَّاس عَن الْمحرم يصيد الجرادة فَقَالَ: تَمْرَة خير من
جَرَادَة
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: مَا أصَاب
الْمحرم من شَيْء حكم فِيهِ قِيمَته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج
عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: فِي بَيْضَة النعام صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج الشَّافِعِي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن
مَسْعُود مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَأحمد عَن
رجل من الْأَنْصَار
أَن رجلا أوطأ بعيره ادحي نعَامَة فَكسر بيضها فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك بِكُل بَيْضَة صَوْم
يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن ذكْوَان
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رجل محرم
أصَاب بيض نعام قَالَ: عَلَيْهِ فِي كل بَيْضَة صِيَام يَوْم
أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الزِّنَاد عَن عَائِشَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَحوه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي المهزم
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي بيض النعام
ثمنه
(3/190)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: فِي
بيض النعام قِيمَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: فِي بيض
النعام قِيمَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كل بيضتين
دِرْهَم وَفِي كل بَيْضَة نصف دِرْهَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قبيصَة بن جَابر
قَالَ: حجَجنَا زمن عمر فَرَأَيْنَا ظَبْيًا فَقَالَ أَحَدنَا
لصَاحبه: أَترَانِي أبلغه فَرمى بِحجر فَمَا أَخطَأ خششاه
فَقتله فأتينا عمر بن الْخطاب فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك وَإِذا
إِلَى جنبه رجل يَعْنِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَالْتَفت
إِلَيْهِ فَكَلمهُ ثمَّ أقبل على صاحبنا فَقَالَ: أعمدا قَتله
أم خطأ قَالَ الرجل: لقد تَعَمّدت رميه وَمَا أردْت قَتله
قَالَ عمر: مَا أَرَاك إِلَّا قد أشركت بَين الْعمد وَالْخَطَأ
اعمد إِلَى شَاة فاذبحها وَتصدق بلحمها وأسق إهابها يَعْنِي
ادفعه إِلَى مِسْكين يَجعله سقاء فقمنا من عِنْده فَقلت
لصاحبي: أَيهَا الرجل أعظم شَعَائِر الله الله مَا درى أَمِير
الْمُؤمنِينَ مَا يفتيك حَتَّى شاور صَاحبه اعمد إِلَى نَاقَتك
فانحرها فَلَعَلَّ ذَلِك
قَالَ قبيصَة: وَمَا أذكر الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة
{يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: فَبلغ عمر مَقَالَتي فَلم
يفجأنا إِلَّا وَمَعَهُ الدرة فعلا صَاحِبي ضربا بهَا وَهُوَ
يَقُول: أقتلت الصَّيْد فِي الْحرم وسفهت الْفتيا ثمَّ أقبل
عليَّ يضربني فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أحل لَك مني
شَيْئا مِمَّا حرم الله عَلَيْك
قَالَ: يَا قبيصَة إِنِّي أَرَاك شَابًّا حَدِيث السن فصيح
اللِّسَان فسيح الصَّدْر وَإنَّهُ قد يكون فِي الرجل تِسْعَة
أَخْلَاق صَالِحَة وَخلق سيء فيغلب خلقه السيء أخلاقه
الصَّالِحَة فإياك وعثرات الشَّبَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان
أَن أَعْرَابِيًا أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ: قتلت صيدا وَأَنا
محرم فَمَا ترى عليَّ من الْجَزَاء فَقَالَ أَبُو بكر لأبي بن
كَعْب وهوجالس عِنْده: مَا ترى فِيهَا فَقَالَ الْأَعرَابِي:
أَتَيْتُك وَأَنت خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَسأَلك فَإِذا أَنْت تسْأَل غَيْرك قَالَ أَبُو بكر: فَمَا
تنكر يَقُول الله {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} فشاورت صَاحِبي
حَتَّى إِذا اتفقنا على أَمر أمرناك بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن بكر بن عبد الله
الْمُزنِيّ قَالَ: كَانَ رجلَانِ من الْأَعْرَاب محرمان فأجاش
أَحدهمَا ظَبْيًا فَقتله الآخر فَأتيَا عمر وَعِنْده عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ لَهُ عمر: مَا ترى قَالَ: شَاة
قَالَ: وَأَنا أرى ذَلِك
(3/191)
اذْهَبَا فاهديا شَاة فَلَمَّا مضيا قَالَ
أَحدهمَا لصَاحبه: مَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يَقُول
حَتَّى سَأَلَ صَاحبه فَسَمعَهَا عمر فردهما وَأَقْبل على
الْقَائِل ضربا بِالدرةِ وَقَالَ: تقتل الصَّيْد وَأَنت محرم
وَتَغْمِص الْفتيا إِن الله يَقُول {يحكم بِهِ ذَوا عدل
مِنْكُم} ثمَّ قَالَ: إِن الله لم يرض بعمر وَحده فاستعنت
بصاحبي هَذَا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: أوطأ أَرْبَد
ظَبْيًا فَقتله وَهُوَ محرم فَأتى عمر ليحكم عَلَيْهِ فَقَالَ
لَهُ عمر: احكم معي
فحكما فِيهِ جدياً قد جمع المَاء وَالشَّجر ثمَّ قَالَ عمر
{يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز: أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر عَن
رجل أصَاب صيدا وهومحرم وَعِنْده عبد الله بن صَفْوَان فَقَالَ
ابْن عمر لَهُ: إِمَّا أَن تَقول فأصدقك أَو أَقُول فتصدقني
فَقَالَ ابْن صَفْوَان: بل أَنْت فَقل
فَقَالَ ابْن عمر وَوَافَقَهُ على ذَلِك عبد الله بن صَفْوَان
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي حريز
البَجلِيّ قَالَ: أصبت ظَبْيًا وَأَنا محرم فَذكرت ذَلِك لعمر
فَقَالَ: ائْتِ رجلَيْنِ من إخوانك فليحكما عَلَيْك فَأتيت عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف وسعداً فحكما عليَّ تَيْسًا أعفر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن حبشِي قَالَ: سَمِعت رجلا
سَأَلَ عبد الله بن عمر عَن رجل أصَاب ولد أرنب فَقَالَ: فِيهِ
ولد مَاعِز فِيمَا أرى أَنا ثمَّ قَالَ لي: أكذاك فَقلت: أَنْت
أعلم مني
فَقَالَ: قَالَ الله {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِم
بن مُحَمَّد عَن محرم قتل سخلة فِي الْحرم فَقَالَ لي: احكم
فَقلت: أحكم وَأَنت هَهُنَا فَقَالَ: إِن الله يَقُول {يحكم
بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: لَا
يصلح إِلَّا بحكمين لَا يَخْتَلِفَانِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ
أَن رجلا سَأَلَ عليا عَن الْهَدْي ممَّ هُوَ قَالَ: من
الثَّمَانِية الْأزْوَاج فَكَأَن الرجل شكّ فَقَالَ عَليّ:
تقْرَأ الْقُرْآن فَكَأَن الرجل قَالَ نعم
قَالَ: أفسمعت الله يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا
بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} الْمَائِدَة
الْآيَة 1 قَالَ: نعم
قَالَ: وسمعته يَقُول {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من
بَهِيمَة الْأَنْعَام}
(3/192)
الْحَج الْآيَة 34 {وَمن الْأَنْعَام حمولة
وفرشاً} الْأَنْعَام 142 فَكُلُوا من بَهِيمَة الْأَنْعَام
قَالَ: نعم
قَالَ: أفسمعته يَقُول {من الضَّأْن اثْنَيْنِ وَمن الْمعز
اثْنَيْنِ} {وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ وَمن الْبَقر اثْنَيْنِ}
الْأَنْعَام قَالَ: نعم
قَالَ: أفسمعته يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا
الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} الْمَائِدَة الْآيَة 95 إِلَى قَوْله
{هَديا بَالغ الْكَعْبَة} قَالَ الرجل: نعم
فَقَالَ: إِن قتلت ظَبْيًا فَمَا عَليّ قَالَ: شَاة
قَالَ عَليّ: هَديا بَالغ الْكَعْبَة
قَالَ الرجل: نعم
فَقَالَ عَليّ: قد سَمَّاهُ الله بَالغ الْكَعْبَة كَمَا تسمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ:
إِنَّمَا الْهَدْي ذَوَات الْجوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {هَديا بَالغ
الْكَعْبَة} قَالَ: مَحَله مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: الْهَدْي
والنسك وَالطَّعَام بِمَكَّة وَالصَّوْم حَيْثُ شِئْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الحكم قَالَ: قيمَة الصَّيْد حَيْثُ
أَصَابَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو كَفَّارَة
طَعَام مَسَاكِين} قَالَ: الْكَفَّارَة فِي قتل مَا دون الأرنب
إطْعَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
قَالَ: من قتل الصَّيْد نَاسِيا أَو أَرَادَ غَيره فَأَخْطَأَ
بِهِ فَذَلِك الْعمد الْمُكَفّر فَعَلَيهِ مثله {هَديا بَالغ
الْكَعْبَة} فَإِن لم يجد فَابْتَاعَ بِثمنِهِ طَعَاما فَإِن
لم يجد صَامَ عَن كل مد يَوْمًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ
لي الْحسن بن مُسلم: من أصَاب من الصَّيْد مَا يبلغ أَن يكون
فِيهِ شَاة فَصَاعِدا فَذَلِك الَّذِي قَالَ الله {فجزاء مثل
مَا قتل من النعم} وَأما {كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} فَذَلِك
الَّذِي لَا يبلغ أَن يكون فِيهِ هدي العصفور يقتل فَلَا يكون
هدي قَالَ {أَو عدل ذَلِك صياما} عدل النعامة أَو عدل العصفور
أَو عدل ذَلِك كُله
قَالَ ابْن جريج: فَذكرت ذَلِك لعطاء فَقَالَ: كل شَيْء فِي
الْقُرْآن أَو فلصاحبه أَن يخْتَار مَا شَاءَ
(3/193)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه كَانَ يَقُول: إِذا أصَاب الْمحرم شَيْئا من الصَّيْد
عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ من النعم فَإِن لم يجد قوم الْجَزَاء
دَرَاهِم ثمَّ قومت الدَّرَاهِم طَعَاما بِسعْر ذَلِك الْيَوْم
فَتصدق بِهِ فَإِن لم يكن عِنْده طَعَام صَامَ مَكَان كل نصف
صَاع يَوْمًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء وَمُجاهد فِي قَوْله {أَو
كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} قَالَا: هُوَ
مَا يُصِيب الْمحرم من الصَّيْد لَا يبلغ أَن يكون فِيهِ
الْهَدْي فَفِيهِ طَعَام قِيمَته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي الْآيَة
قَالَ: إِن أصَاب إِنْسَان محرم نعَامَة فَإِن لَهُ إِن كَانَ
ذَا يسَار أَن يهدي مَا شَاءَ جزوراً أَو عدلها طَعَاما أَو
عدلها صياما لَهُ ايتهن شَاءَ من أجل قَوْله عز وَجل
فَجَزَاؤُهُ كَذَا
قَالَ: فَكل شَيْء فِي الْقُرْآن أَو فليختر مِنْهُ صَاحبه مَا
شَاءَ
قلت لَهُ: أَرَأَيْت إِذا قدر على الطَّعَام أَلا يقدر على عدل
الصَّيْد الَّذِي أصَاب قَالَ: ترخيص الله عَسى أَن يكون
عِنْده طَعَام وَلَيْسَ عِنْده ثمن الْجَزُور وَهِي الرُّخْصَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي
أَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب
وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَمُعَاوِيَة قضوا فِيمَا كَانَ
من هدي مِمَّا يقتل الْمحرم من صيد فِيهِ جَزَاء نظر إِلَى
قيمَة ذَلِك فأطعم بِهِ الْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن أَو فَهُوَ فِيهِ
بِالْخِيَارِ وَمَا كَانَ فَمن لم يجد فَالْأول ثمَّ الَّذِي
يَلِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم
وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ فِي محرم أصَاب صيدا بخراسان
قَالَ: يكفر بِمَكَّة أَو بمنى ويقوِّم الطَّعَام بِسعْر
الأَرْض الَّتِي يكفر بهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا
كَانَ من دم فبمكة وَمَا كَانَ من صَدَقَة أَو صَوْم حَيْثُ
شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس وَعَطَاء
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَيْن
يتَصَدَّق بِالطَّعَامِ قَالَ: بِمَكَّة من أجل أَنه
بِمَنْزِلَة الْهَدْي
(3/194)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
عَطاء قَالَ: كَفَّارَة الْحَج بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: إِذا قدمت مَكَّة بجزاء صيد
فانحره فَإِن الله يَقُول {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} إِلَّا أَن
تقدم فِي الْعشْر فيؤخر إِلَى يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: هَل لصيامه
وَقت قَالَ: لَا إِذا شَاءَ وَحَيْثُ شَاءَ وتعجيله أحب إليَّ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا عدل
الطَّعَام من الصّيام قَالَ: لكل مد يَوْم يَأْخُذ زعم بصيام
رَمَضَان وبالظهار وَزعم أَن ذَلِك رَأْي يرَاهُ وَلم يسمعهُ
من أحد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله {أَو عدل ذَلِك صياما} قَالَ: يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام
إِلَى عشرَة أَيَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِنَّمَا جعل الطَّعَام ليعلم بِهِ الصّيام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ليذوق وبال
أمره} قَالَ: عُقُوبَة أمره
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قتاد {ليذوق وبال أمره} قَالَ:
عَاقِبَة عمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ من طَرِيق نعيم بن قعنب عَن
أبي ذَر {عَفا الله عَمَّا سلف} عَمَّا كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} قَالَ: فِي
الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء {عَفا الله عَمَّا سلف}
قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد} قَالَ: من
عَاد فِي الْإِسْلَام {فينتقم الله مِنْهُ} وَعَلِيهِ مَعَ
ذَلِك الْكَفَّارَة
قَالَ ابْن جريج: قلت لعطاء: فَعَلَيهِ من الآثام عُقُوبَة
قَالَ: لَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من
طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
فِي الَّذِي يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ محرم يحكم عَلَيْهِ من
وَاحِدَة فَإِن عَاد لم يحكم عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك إِلَى
الله إِن شَاءَ عاقبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ ثمَّ تَلا {وَمن
عَاد فينتقم الله مِنْهُ} وَلَفظ أبي الشَّيْخ: وَمن عَاد قيل
لَهُ اذْهَبْ ينْتَقم الله مِنْك
(3/195)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قتل شَيْئا من
الصَّيْد خطأ وهومحرم حكم عَلَيْهِ كلما قَتله وَمن قَتله
مُتَعَمدا حكم عَلَيْهِ فِيهِ مرّة وَاحِدَة فَإِن عَاد يُقَال
لَهُ: ينْتَقم الله مِنْك كَمَا قَالَ الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ
أَن رجلا أصَاب صيدا وَهُوَ محرم فَسَأَلَ شريحاً فَقَالَ: هَل
أصبت قبل هَذَا شَيْئا قَالَ: لَا
قَالَ: أما إِنَّك لَو فعلت لم أحكم عَلَيْك ولوكلتك إِلَى
الله يكون هُوَ ينْتَقم مِنْك
وَأخرج ابْن جرير وأبوالشيخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: رخص فِي
قتل الصَّيْد مرّة فَإِن عَاد لم يَدعه الله حَتَّى ينْتَقم
مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم
فِي الَّذِي يقتل الصَّيْد ثمَّ يعود قَالَ: كَانُوا
يَقُولُونَ: من عَاد لَا يحكم عَلَيْهِ أمره إِلَى الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد مرّة وَاحِدَة فَإِن عَاد لم يحكم
عَلَيْهِ وَقيل لَهُ: اذْهَبْ ينْتَقم الله مِنْك وَيحكم
عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ أبدا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء
بن أبي رَبَاح قَالَ: يحكم عَلَيْهِ كلما عَاد
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كلما أصَاب الصَّيْد
الْمحرم حكم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق زيد أبي
الْمُعَلَّى عَن الْحسن
أَن رجلا أصَاب صيدا وَهُوَ محرم فَتجوز عَنهُ ثمَّ عَاد
فَأصَاب صيدا آخر فَنزلت نَار من السَّمَاء فَأَحْرَقتهُ
فَهُوَ قَوْله {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا
عَاد فَبعث الله عَلَيْهِ نَارا فأكلته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقْتل الْمحرم الْفَأْرَة
وَالْعَقْرَب والحدأ والغراب وَالْكَلب الْعَقُور زَاد فِي
رِوَايَة وَيقتل الْحَيَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس فواسق
فاقتلوهن فِي الْحرم: الحدأ والغراب وَالْكَلب والفأرة
وَالْعَقْرَب
(3/196)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
مَسْعُود
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر محرما أَن يقتل
حَيَّة فِي الْحرم بمنى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يقتل الْمحرم الذِّئْب
(3/197)
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ
الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)
- قَوْله تَعَالَى: أحل لكم صيد الْبَحْر
وَطَعَامه مَتَاعا لكم وللسيارة وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا
دمتم حرما وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون
- أخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه
مَتَاعا لكم} قَالَ: مَا لَفظه مَيتا فَهُوَ طَعَامه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة
مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس عَن أبي بكر
الصّديق فِي الْآيَة قَالَ: صَيْده مَا حويت عَلَيْهِ
وَطَعَامه مَا لفظ إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة
أَن أَبَا بكر الصّديق قَالَ فِي قَوْله {أحل لكم صيد الْبَحْر
وَطَعَامه} قَالَ: صيد الْبَحْر مَا تصطاده أَيْدِينَا
وَطَعَامه مَا لاثه الْبَحْر
وَفِي لفظ: طَعَامه كل مَا فِيهِ وَفِي لفظ: طَعَامه ميتَته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الطُّفَيْل عَن أبي بكر
الصّديق قَالَ فِي الْبَحْر: هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل
ميتَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صيد الْبَحْر
حَلَال وماؤه طهُور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الزبير عَن عبد
الرَّحْمَن مولى بني مَخْزُوم قَالَ: مَا فِي الْبَحْر شَيْء
إِلَّا قد ذكَّاه الله لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خطب
أَبُو بكر النَّاس فَقَالَ {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه
مَتَاعا لكم} قَالَ: وَطَعَامه مَا قذف بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قدمت الْبَحْرين فَسَأَلَنِي أهل الْبَحْرين
عَمَّا يقذف الْبَحْر من السّمك فَقلت لَهُم: كلوا فَلَمَّا
رجعت سَأَلت عمر بن الْخطاب عَن ذَلِك
(3/197)
فَقَالَ: بِمَ أفتيتهم قَالَ: أفتيتهم أَن
يَأْكُلُوا
قَالَ: لَو أفتيتهم بِغَيْر ذَلِك لعلوتك بِالدرةِ ثمَّ قَالَ
{أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه} فصيده مَا صيد مِنْهُ
وَطَعَامه مَا قذف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صَيْده مَا صيد
وَطَعَامه مَا لفظ بِهِ الْبَحْر وَفِي رِوَايَة مَا قذف بِهِ
يَعْنِي مَيتا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ من طرق أُخْرَى عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة
قَالَ: صَيْده الطري وَطَعَامه المالح للْمُسَافِر والمقيم
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن ثَابت قَالَ: صَيْده مَا اصطدت
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: مَا حسر عَنهُ
فَكل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ:
صَيْده مَا اضْطربَ وَطَعَامه مَا قذف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن
عَبَّاس {أحل لكم صيد الْبَحْر} يَعْنِي طَعَامه مالحه وَمَا
حسر عَنهُ المَاء وَمَا قذفه فَهَذَا حَلَال لجَمِيع النَّاس
محرم وَغَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن نَافِع
أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة سَأَلَ ابْن عمر عَن
حيتان أَلْقَاهَا الْبَحْر فَقَالَ ابْن عمر: أميتة هِيَ
قَالَ: نعم
فَنَهَاهُ فَلَمَّا رَجَعَ عبد الله إِلَى أَهله أَخذ الْمُصحف
فَقَرَأَ سُورَة الْمَائِدَة فَأتى على هَذِه الْآيَة
{وَطَعَامه مَتَاعا لكم} فَقَالَ: طَعَامه هُوَ الَّذِي
أَلْقَاهُ فألحقه فمره يَأْكُلهُ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: مَا
لفظ الْبَحْر فَهُوَ طَعَامه وَإِن كَانَ مَيتا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: صَيْده مَا اصطدت طرياً
وَطَعَامه مَا تزوّدت مملوحاً فِي سفرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان قَالَ: مَا نعلمهُ حرم من
صيد الْبَحْر شَيْئا غير الْكلاب
(3/198)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون
الْكرْدِي
أَن ابْن عَبَّاس كَانَ رَاكِبًا فَمر عَلَيْهِ جَراد فَضَربهُ
فَقيل لَهُ: قتلت صيدا وَأَنت محرم فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ من
صيد الْبَحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن يسَار
قَالَ: قَالَ كَعْب الْأَحْبَار لعمر: وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ إِن هُوَ إِلَّا نثرة حوت يَنْثُرهُ فِي كل عَام
مرَّتَيْنِ
يَعْنِي الْجَرَاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن أبي مجلز فِي الْآيَة قَالَ: مَا كَانَ من صيد
الْبَحْر يعِيش فِي الْبر وَالْبَحْر فَلَا يصيده وَمَا كَانَ
حَيَاته فِي المَاء فَذَلِك لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة {مَتَاعا لكم} لمن
كَانَ يحضرهُ الْبَحْر {وللسيارة} قَالَ: السّفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
{وَطَعَامه} قَالَ: حيتانه {مَتَاعا لكم} لأهل الْقرى
{وللسيارة} أهل الْأَسْفَار وأجناس النَّاس كلهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
الْحسن {وللسيارة} قَالَ: هم المحرمون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس {وللسيارة} قَالَ: الْمُسَافِر يتزوّد مِنْهُ
وَيَأْكُل
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق طَاوس عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما}
قَالَ: هِيَ مُبْهمَة لَا يحل لَك أكل لحم الصَّيْد وَأَنت
محرم وَلَفظ ابْن أبي حَاتِم قَالَ: هِيَ مُبْهمَة صَيْده
وَأكله حرَام على الْمحرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق
قَالَ: قلت لمجاهد: فَإِنَّهُ صيد اصطيد بهمذان قبل أَن يحرم
الرجل بأَرْبعَة أشهر
فَقَالَ: لَا كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ مُبْهمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ: حج عُثْمَان بن
عَفَّان فَأتى بِلَحْم صيد صَاده حَلَال فَأكل مِنْهُ عُثْمَان
وَلم يَأْكُل عَليّ فَقَالَ عُثْمَان: وَالله مَا صدنَا وَلَا
أمرنَا وَلَا أَشَرنَا فَقَالَ عَليّ {وَحرم عَلَيْكُم صيد
الْبر مَا دمتم حرما}
(3/199)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن
الْحسن
أَن عمر بن الْخطاب لم يكن يرى بَأْسا بِلَحْم الصَّيْد
للْمحرمِ إِذا صيد لغيره وَكَرِهَهُ عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب
إِن عليا كره لحم الصَّيْد للْمحرمِ على كل حَال
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ لَا يَأْكُل الصَّيْد وَهُوَ محرم وَإِن صَاده
الْحَلَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِسْمَاعِيل قَالَ: سَأَلت
الشّعبِيّ عَنهُ فَقَالَ: قد اخْتلف فِيهِ فَلَا تَأْكُل
مِنْهُ أحب إليَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه سُئِلَ عَن لحم صيد صَاده حَلَال أيأكله الْمحرم قَالَ:
نعم
ثمَّ لَقِي عمر بن الْخطاب فَأخْبرهُ فَقَالَ: لَو أَفْتيت
بِغَيْر هَذَا لعلوتك بِالدرةِ إِنَّمَا نهيت أَن تصطاده
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر
مَا دمتم حرما} فَجعل الصَّيْد حَرَامًا على الْمحرم صَيْده
وَأكله حَرَامًا وَإِن كَانَ الصَّيْد صيد قبل أَن يحرم الرجل
فَهُوَ حَلَال وَإِن صَاده حرَام للْحَلَال فَلَا يحل أكله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن
عُثْمَان قَالَ كُنَّا مَعَ طَلْحَة بن عبيد الله وَنحن حرم
فأهدي لنا طَائِر فمنا من أكل وَمنا من تورع فَلم يَأْكُل
فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَة وَافق من أكل وَقَالَ: أكلناه
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: اقرأها كَمَا تقرؤها فَإِن الله ختم
الْآيَة بِحرَام قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي {وَحرم عَلَيْكُم
صيد الْبر مَا دمتم حرما} يَقُول: فَهَذَا يَأْتِي مَعْنَاهُ
على قَتله وعَلى أكل لَحْمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي
قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج حَاجا
فَخَرجُوا مَعَه فصرف طَائِفَة مِنْهُم فيهم أَبُو قَتَادَة
فَقَالَ: خُذُوا سَاحل الْبَحْر حَتَّى نَلْتَقِي فَأخذُوا
سَاحل الْبَحْر فَلَمَّا انصرفوا أَحْرمُوا كلهم إِلَّا أَبُو
قَتَادَة لم يحرم فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حمر
وَحش فَحمل أَبُو قَتَادَة على الْحمر فعقر مِنْهَا أَتَانَا
فنزلوا فَأَكَلُوا من لَحمهَا فَقَالُوا: نَأْكُل لحم صيد
وَنحن محرمون فحملنا مَا بَقِي من لَحمهَا فَلَمَّا أَتَوا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: يَا رَسُول الله
إِنَّا كُنَّا أحرمنا وَقد كَانَ أَبُو قَتَادَة
(3/200)
لم يحرم فَرَأَيْنَا حمر وَحش فَحمل
عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَة فعقر مِنْهَا أَتَانَا فنزلنا فأكلنا
من لَحمهَا ثمَّ قُلْنَا أنأكل لحم صيد وَنحن محرمون فحملنا
مَا بَقِي من لَحمهَا
قَالَ: أمنكم أحد أمره أَن يحمل عَلَيْهَا أَو أَشَارَ
إِلَيْهَا قَالُوا: لَا
قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِي من لَحمهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحم صيد الْبر لكم حَلَال
وَأَنْتُم حرم مَا لم تصيدوه أَو يصد لكم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ يَا
زيد بن أَرقم أعلمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أهدي لَهُ بيضات نعام وَهُوَ حرَام فردهن قَالَ: نعم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة: كُنَّا مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حج أَو عمْرَة فَاسْتقْبلنَا رَحل
جَراد فَجعلنَا نضربهن بعصينا وسياطنا فنقتلهن فأسقط فِي
أَيْدِينَا فَقُلْنَا: مَا نصْنَع وَنحن محرمون فسألنا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا بَأْس بصيد
الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء عَاشَ فِي الْبر
وَالْبَحْر فَأَصَابَهُ الْمحرم فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة
(3/201)
جَعَلَ اللَّهُ
الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ
وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(97)
- قَوْله تَعَالَى: جعل الله الْكَعْبَة
الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام
وَالْهَدْي والقلائد ذَلِك لِتَعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي
السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِن الله بِكُل شَيْء عليم
- أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
قَالَ: إِنَّمَا سميت الْكَعْبَة لِأَنَّهَا مربعة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّمَا سميت الْكَعْبَة
لتربيعها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما
للنَّاس} قَالَ: قيَاما لدينهم ومعالم لحجهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ:
قِيَامهَا أَن يَأْمَن من توجه إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {قيَاما للنَّاس} قَالَ: قواماً
للنَّاس
(3/201)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن
جُبَير {قيَاما للنَّاس} قَالَ: صلاحاً لدينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن
جُبَير {قيَاما للنَّاس} قَالَ: شدَّة لدينهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
{قيَاما للنَّاس} قَالَ: عصمَة فِي أَمر دينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ
النَّاس كلهم فيهم مُلُوك يدْفع بَعضهم عَن بعض وَلم يكن فِي
الْعَرَب مُلُوك يدْفع بَعضهم عَن بعض فَجعل الله لَهُم
الْبَيْت الْحَرَام قيَاما يدْفع بَعضهم عَن بعض بِهِ {والشهر
الْحَرَام} كَذَلِك يدْفع الله بَعضهم عَن بعض بِالْأَشْهرِ
الْحرم والقلائد ويلقي الرجل قَاتل أَبِيه أَو ابْن عَمه فَلَا
يعرض لَهُ وَهَذَا كُله قد نسخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب قَالَ: جعل الله
الْبَيْت الْحَرَام والشهر الْحَرَام قيَاما للنَّاس يأمنون
بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة الأولى لَا يخَاف بَعضهم بَعْضًا حِين
يلقونهم عِنْد الْبَيْت أَو فِي الْحرم أَو فِي الشَّهْر
الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت
الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام وَالْهَدْي
والقلائد} قَالَ: حواجز أبقاها الله فِي الْجَاهِلِيَّة بَين
النَّاس فَكَانَ الرجل لَو جر كل جريرة ثمَّ لَجأ الْحرم لم
يتَنَاوَل وَلم يقرب وَكَانَ الرجل لَو لَقِي قَاتل أَبِيه فِي
الشَّهْر الْحَرَام لم يعرض لَهُ وَلم يقربهُ وَكَانَ الرجل
لَو لَقِي الْهَدْي مُقَلدًا وَهُوَ يَأْكُل العصب من الْجُوع
لم يعرض لَهُ وَلم يقربهُ وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ الْبَيْت
تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من النَّاس وَكَانَ إِذا نفر
تقلد قلادة من الْإِذْخر أَو من السمر فمنعته من النَّاس
حَتَّى يَأْتِي أَهله حواجز أبقاها الله بَين النَّاس فِي
الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْحسن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت
الْحَرَام قيَاما للنَّاس} قَالَ: لَا يزَال النَّاس على دين
مَا حجُّوا الْبَيْت واستقبلوا الْقبْلَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة
قَالَ: جعل الله هَذِه الْأَرْبَعَة قيَاما للنَّاس هِيَ قوام
أَمرهم
(3/202)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن
مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده فِي قَوْله {قيَاما للنَّاس}
قَالَ: تعظيمهم إِيَّاهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن
حَيَّان {قيَاما للنَّاس} يَقُول: قواماً علما لقبلتهم وَأمنا
هم فِيهِ آمنون
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم {قيَاما للنَّاس}
قَالَ: أمنا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز
قَالَ: حَدثنِي من أصدق قَالَ: تنصب الْكَعْبَة يَوْم
الْقِيَامَة للنَّاس تخبرهم بأعمالهم فِيهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز
أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانَ الرجل مِنْهُم إِذا أحرم تقلد
قلادة من شعر فَلَا يعرض لَهُ أحد فَإِذا حج وَقضى حجه تقلد
قلادة من إذخرفقال الله {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت
الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي الْآيَة
قَالَ: كَانُوا إِذا دخل الشَّهْر الْحَرَام وضعُوا السِّلَاح
وَمَشى بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة قَالَ:
كَانَت الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا جعل الله هَذَا لَهُم
شَيْئا بَينهم يعيشون بِهِ فَمن انتهك شَيْئا من هَذَا أَو
هَذَا لم يناظره الله حَتَّى بعد ذَلِك {لِتَعْلَمُوا أَن الله
يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض}
وَالله تَعَالَى أعلم
(3/203)
اعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)
- قَوْله تَعَالَى: اعلموا أَن الله شَدِيد
الْعقَاب وَأَن الله غَفُور رَحِيم مَا على الرَّسُول إِلَّا
الْبَلَاغ وَالله يعلم مَا تبدون وَمَا تكتمون
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن أَبَا بكر الصّديق حِين
حَضرته الْوَفَاة قَالَ: ألم ترَ أَن الله ذكر آيَة الرخَاء
عِنْد آيَة الشدَّة وَآيَة الشدَّة عِنْد آيَة الرخَاء ليَكُون
الْمُؤمن رَاغِبًا رَاهِبًا لَا يتَمَنَّى على الله غير الْحق
وَلَا يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة
(3/203)
قُلْ لَا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ
الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
- قَوْله تَعَالَى: قل لَا يَسْتَوِي
الْخَبيث وَالطّيب وَلَو أعْجبك كَثْرَة الْخَبيث فَاتَّقُوا
الله يَا أولي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تفلحون
(3/203)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: الْخَبيث هم
الْمُشْركُونَ وَالطّيب هم الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لدرهم حَلَال
أَتصدق بِهِ أحب إليَّ من مائَة ألف وَمِائَة ألف حرَام فَإِن
شِئْتُم فاقرأوا كتاب الله {قل لَا يَسْتَوِي الْخَبيث
وَالطّيب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى
حَدثنَا ابْن وهب حَدثنِي يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن
الاسكندراني قَالَ: كتب إِلَى عمر عبد العزبز بعض عماله يذكر
أَن الْخراج قد انْكَسَرَ فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن الله يَقُول
{لَا يَسْتَوِي الْخَبيث وَالطّيب وَلَو أعْجبك كَثْرَة
الْخَبيث} فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون فِي الْعدْل والإصلاح
وَالْإِحْسَان بِمَنْزِلَة من كَانَ قبلك فِي الظُّلم والفجور
والعدوان فافعل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {يَا
أولي الْأَلْبَاب} يَقُول: من كَانَ لَهُ لب أَو عقل
(3/204)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ
لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ
الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ
غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ
ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تسئلوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ وَإِن
تسئلوا عَنْهَا حِين ينزل الْقُرْآن تبد لكم عَفا الله عَنْهَا
وَالله غَفُور حَلِيم قد سَأَلَهَا قوم من قبلكُمْ ثمَّ
أَصْبحُوا بهَا كَافِرين
- أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ
خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة مَا سَمِعت
مثلهَا قطّ فَقَالَ رجل: من أبي قَالَ فلَان فَنزلت هَذِه
الْآيَة {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس فِي
قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن
أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسؤْكُم} أَن النَّاس سَأَلُوا نَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحفوه بِالْمَسْأَلَة
فَخرج ذَات يَوْم حَتَّى صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: لَا
تَسْأَلُونِي الْيَوْم عَن شَيْء إِلَّا أنبأتكم بِهِ فَلَمَّا
سمع ذَلِك الْقَوْم أرموا وظنوا أَن ذَلِك بَين يَدي أَمر قد
حضر فَجعلت الْتفت عَن يَمِيني وشمالي فَإِذا كل رجل لاف
ثَوْبه بِرَأْسِهِ يبكي فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول
الله من أبي
(3/204)
قَالَ: أَبوك حذافة وَكَانَ إِذا لحى يدعى
إِلَى غير أَبِيه فَقَالَ عمر بن الْخطاب: رَضِينَا بِاللَّه
رَبًّا وبالإِسلام دينا ونعوذ بِاللَّه من سوء الْفِتَن
قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا رَأَيْت
فِي الْخَيْر وَالشَّر كَالْيَوْمِ قطّ إِن الْجنَّة وَالنَّار
مثلتا لي حَتَّى رأيتهما دون الْحَائِط
قَالَ قَتَادَة: وَإِن الله يرِيه مَا لَا ترَوْنَ ويسمعه مَا
لَا تَسْمَعُونَ
قَالَ: وَأنزل عَلَيْهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا
عَن أَشْيَاء} الْآيَة
قَالَ قَتَادَة: وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب (قد سَأَلَهَا
قوم بيّنت لَهُم فَأَصْبحُوا بهَا كَافِرين)
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ نَاس يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
استهزاء فَيَقُول الرجل: من أبي وَيَقُول الرجل تضل نَاقَته:
أَيْن نَاقَتي فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} حَتَّى فرغ من
الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عون قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة مولى
ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} قَالَ: ذَاك
يَوْم قَامَ فيهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أَخْبَرتكُم بِهِ فَقَامَ
رجل فكره الْمُسلمُونَ مقَامه يَوْمئِذٍ فَقَالَ: يَا رَسُول
الله من أبي قَالَ: أَبوك حذافة
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن طَاوس قَالَ نزلت {لَا
تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فِي رجل قَالَ:
يَا رَسُول الله من أبي قَالَ: أَبوك فلَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء}
الْآيَة
قَالَ: غضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا من
الْأَيَّام فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: سلوني فَإِنَّكُم لَا
تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أنبأتكم بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ
رجل من قُرَيْش من بني سهم يُقَال لَهُ عبد الله بن حذافة -
وَكَانَ يطعن فِيهِ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله من أبي قَالَ:
أَبوك فلَان فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَقبل
رجله وَقَالَ: يَا رَسُول الله رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وَبِك
نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فَاعْفُ عَنَّا عَفا الله عَنْك
فَلم يزل بِهِ حَتَّى رَضِي فَيَوْمئِذٍ قَالَ: الْوَلَد
للْفراش وللعاهر الْحجر وَأنزل عَلَيْهِ {قد سَأَلَهَا قوم من
قبلكُمْ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ غَضْبَان محمار الوجهه حَتَّى جلس على الْمِنْبَر
فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: أَيْن
(3/205)
آبَائِي قَالَ: فِي النَّار
فَقَامَ آخر فَقَالَ: من أبي فَقَالَ: أَبوك حذافة
فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا
وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا
إِنَّا يَا رَسُول الله حَدِيث عهد بجاهلية وشرك وَالله أعلم
مَنْ آبَاؤُنَا فسكن غَضَبه وَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء}
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله تَعَالَى
قد افْترض عَلَيْكُم الْحَج فَقَامَ رجل فَقَالَ: لكل عَام يَا
رَسُول الله فَسكت عَنهُ حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات
قَالَ: لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت مَا قُمْتُم بهَا
ذروني مَا تركتكم فَإِنَّمَا هلك الَّذين قبلكُمْ بِكَثْرَة
سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ فَإِذا
نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء
فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم وَذكر أَن هَذِه الْآيَة فِي
الْمَائِدَة نزلت فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس كتب الله عَلَيْكُم الْحَج
فَقَامَ عكاشة بن مُحصن الْأَسدي فَقَالَ: أَفِي كل عَام
يارسول الله قَالَ: أما أَنِّي لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو
وَجَبت ثمَّ تركتكم لَضَلَلْتُمْ اسْكُتُوا عني مَا سكت
عَنْكُم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بسؤالهم
وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم
تَسُؤْكُمْ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى كتب
عَلَيْكُم الْحَج
فَقَالَ رجل من الْأَعْرَاب: أَفِي كل عَام فَسكت طَويلا ثمَّ
تكلم فَقَالَ: من السَّائِل فَقَالَ: أَنا ذَا
فَقَالَ: وَيحك
مَاذَا يُؤمنك أَن أَقُول نعم وَالله لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ
وَلَو وَجَبت لتركتم وَلَو تركْتُم لكَفَرْتُمْ أَلا أَنه
إِنَّمَا أهلك الَّذين من قبلكُمْ أَئِمَّة الْحَرج وَالله لَو
أَنِّي أحللت لكم جَمِيع مَا فِي الأَرْض من شَيْء وَحرمت
عَلَيْكُم مِنْهَا مَوضِع خف بعير لوقعتم فِيهِ وَأنزل الله
عِنْد ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن
أَشْيَاء} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كتب الله
عَلَيْكُم الْحَج
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله كل عَام فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ
قَالَ: وَالَّذِي
(3/206)
نَفسِي بِيَدِهِ لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ
وَلَو وَجَبت مَا أطقتموها وَلَو تَرَكْتُمُوهَا لكَفَرْتُمْ
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن
أَشْيَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيْن أبي قَالَ:
فِي النَّار
ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله الْحَج كل عَام
فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحول وركه فَدخل
الْبَيْت ثمَّ خرج فَقَالَ: لم تَسْأَلُونِي عَمَّا لَا
أَسأَلكُم عَنهُ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو
قلت نعم لَوَجَبَتْ عَلَيْكُم كل عَام ثمَّ لكَفَرْتُمْ
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن
أَشْيَاء} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارقطني وَالْحَاكِم وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ لما نزلت {وَللَّه على النَّاس
حجُّ الْبَيْت} آل عمرَان الْآيَة 97 قَالُوا: يَا رَسُول الله
أَفِي كل عَام فَسكت ثمَّ قَالُوا: أَفِي كل عَام قَالَ: لَا:
وَلَو قلت نعم لَوَجَبَتْ فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
لما نزلت آيَة الْحَج أذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد كتب
عَلَيْكُم الْحَج فحجوا
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أعاماً وَاحِدًا أم كل عَام
فَقَالَ: لَا بل عَاما وَاحِدًا وَلَو قلت كل عَام لَوَجَبَتْ
وَلَو وَجَبت لكَفَرْتُمْ وَأنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي
النَّاس فَقَالَ: يَا قوم كتب عَلَيْكُم الْحَج فَقَامَ رجل من
بني أَسد فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَفِي كل عَام فَغَضب غَضبا
شَدِيدا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قلت نعم
لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت مَا اسْتَطَعْتُم وَإِذن لكَفَرْتُمْ
فَاتْرُكُونِي ماتركتكم واذ أَمرتكُم بِشَيْء فافعلوا وَإِذا
نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَانْتَهوا عَنهُ فَأنْزل الله {لَا
تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} نَهَاهُم أَن
يسْأَلُوا عَن مثل الَّذِي سَأَلت النَّصَارَى من الْمَائِدَة
فَأَصْبحُوا بهَا كَافِرين فَنهى الله عَن ذَلِك وَقَالَ {لَا
تسألوا عَن أَشْيَاء} أَي إِن نزل الْقُرْآن فِيهَا بتغليظ
ساءكم ذَلِك وَلَكِن انتظروا فَإِذا نزل الْقُرْآن فَإِنَّكُم
لَا تسْأَلُون عَن شَيْء إِلَّا وجدْتُم تبيانه
(3/207)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: ذكر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج
فَقيل: أواجب هُوَ يَا رَسُول الله كل عَام قَالَ: لَا وَلَو
قلتهَا لَوَجَبَتْ عَلَيْكُم كل عَام وَلَو وَجَبت مَا أطقتم
وَلَو لم تُطِيقُوا لكَفَرْتُمْ ثمَّ قَالَ: سلوني فَلَا
يسألني رجل فِي مجلسي هَذَا عَن شَيْء إِلَّا أخْبرته وَإِن
سَأَلَني عَن أَبِيه
فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: من أبي قَالَ: أَبوك حذافة بن
قيس
فَقَامَ عمر فَقَالَ: يَا رَسُول الله رَضِينَا بِاللَّه
رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَبيا ونعوذ بِاللَّه من غَضَبه وَغَضب رَسُوله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: إِن
كَانُوا ليسألون عَن الشَّيْء وَهُوَ لَهُم حَلَال فَمَا
يزالون يسْأَلُون حَتَّى يحرم عَلَيْهِم وَإِذا حرم عَلَيْهِم
وَقَعُوا فِيهِ
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو
دَاوُد وَابْن الْمُنْذر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم الْمُسلمين فِي
الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم فَحرم من أجل
مَسْأَلته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن لله حد حدوداً فَلَا تعتدوها وَفرض لكم
فَرَائض فَلَا تضيعوها وَحرم أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها وَترك
أَشْيَاء فِي غير نِسْيَان وَلَكِن رَحْمَة مِنْهُ لكم
فاقبلوها وَلَا تبحثوا عَنْهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خصيف عَن مُجَاهِد عَن
ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ يَعْنِي بحيرة
والسائبة والوصيلة والحام أَلا ترى أَنه يَقُول بعد ذَلِك: مَا
جعل الله من كَذَا وَلَا كَذَا قَالَ: وَأما عِكْرِمَة
فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُم كَانُوا يسألونه عَن الْآيَات فنهوا
عَن ذَلِك ثمَّ قَالَ {قد سَأَلَهَا قوم من قبلكُمْ ثمَّ
أَصْبحُوا بهَا كَافِرين} قَالَ: فَقلت: قد حَدثنِي مُجَاهِد
بِخِلَاف هَذَا عَن ابْن عَبَّاس فَمَا لَك تَقول هَذَا
فَقَالَ: هاه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عبد
الْكَرِيم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: هُوَ الَّذِي
سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أبي وَأما سعيد
بن جُبَير فَقَالَ: هم الَّذين سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن الْبحيرَة والسائبة وَأما مقسم فَقَالَ:
هِيَ فِيمَا سَأَلت الْأُمَم أنبياءها عَن الْآيَات
(3/208)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن
نَافِع فِي قَوْله {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: مَا زَالَ
كَثْرَة السُّؤَال مذ قطّ تكره
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم
أَنه قَرَأَ (تبد لكم) بِرَفْع التَّاء وَنصب الدَّال
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْملك بن أبي جُمُعَة
الْأَزْدِيّ قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن كسب الكناس فَقَالَ لي:
وَيحك
مَا تسْأَل عَن شَيْء لَو ترك فِي مَنَازِلكُمْ لضاقت
عَلَيْكُم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وقف فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ مردف الْفضل بن
عَبَّاس على جمل آدم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس خُذُوا
الْعلم قبل رَفعه وَقَبضه
قَالَ: وَكُنَّا نهاب مَسْأَلته بعد تَنْزِيل الله الْآيَة
{لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فقدمنا
إِلَيْهِ أَعْرَابِيًا فرشوناه برداء على مَسْأَلته فاعتم بهَا
حَتَّى رَأَيْت حَاشِيَة الْبرد على حَاجِبه الْأَيْمن
وَقُلْنَا لَهُ: سل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ
يرفع الْعلم وَهَذَا الْقُرْآن بَين أظهرنَا وَقد تعلمناه
وعلمناه نِسَاءَنَا وذرارينا وخدامنا فَرفع رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه قد علا وَجهه حمرَة من الْغَضَب
فَقَالَ: أوليست الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَين أظهرها
الْمَصَاحِف وَقد أَصْبحُوا مَا يتعلقون مِنْهَا بِحرف مِمَّا
جَاءَ بِهِ أنبياؤهم أَلا وَإِن ذهَاب الْعلم أَن تذْهب حَملته
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مَالك
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: فَنحْن نَسْأَلهُ إِذْ قَالَ: ان
لله عبادا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يَغْبِطهُمْ
النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء بقربهم ومقعدهم من الله يَوْم
الْقِيَامَة
فَقَالَ أَعْرَابِي: من هم يَا رَسُول الله قَالَ: هم عباد من
عباد الله من بلدان شَتَّى وقبائل شَتَّى من شعوب الْقَبَائِل
لم تكن بَينهم أَرْحَام يتواصلون بهَا وَلَا دنيا يتبادلون
بهَا يتحابون بِروح الله يَجْعَل الله وُجُوههم نورا وَيجْعَل
لَهُم مَنَابِر من لُؤْلُؤ قُدَّام الرَّحْمَن يفزع النَّاس
وَلَا يفزعون وَيخَاف النَّاس وَلَا يخَافُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن
مَالك بن بُحَيْنَة قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم على أهل الْمقْبرَة ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ بعد نزُول
هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن
أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
(3/209)
فاسكت الْقَوْم
فَقَامَ أَبُو بكر فَأتى عَائِشَة فَقَالَ: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على أهل الْمقْبرَة فَقَالَت
عَائِشَة: صليت على أهل الْمقْبرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ مَقْبرَة بعسقلان يحْشر مِنْهَا
سَبْعُونَ ألف شَهِيد
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة
والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن معَاذ بن جبل قَالَ
كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقدمت بِهِ
رَاحِلَته ثمَّ إِن رَاحِلَتي لحقت براحلته حَتَّى تصْحَب
ركبتي ركبته فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك
عَن أَمر يَمْنعنِي مَكَان هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
قَالَ: مَا هُوَ يَا معَاذ قلت: مَا الْعَمَل الَّذِي يدخلني
الْجنَّة وينجيني من النَّار قَالَ: قد سَأَلت عَن عَظِيم
وَإنَّهُ يسير شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي
رَسُول الله واقام الصَّلَاة وايتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت
وَصَوْم رَمَضَان ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك بِرَأْس الْأَمر
وعموده وذروته أما رَأس الْأَمر فالإسلام وعموده الصَّلَاة
وَأما ذروته فالجهاد ثمَّ قَالَ: الصّيام جنَّة وَالصَّدَََقَة
تكفر الْخَطَايَا وَقيام اللَّيْل وَقَرَأَ {تَتَجَافَى
جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} إِلَى آخر الْآيَة
ثمَّ قَالَ: أَلا أنبئكم مَا هُوَ أملك بِالنَّاسِ من ذَلِك
ثمَّ أخرج لِسَانه فأمسكه بَين أصبعيه فَقلت: يَا رَسُول الله
أكل مَا نتكلم بِهِ يكْتب علينا قَالَ: ثكلتك أمك
وَهل يكب النَّاس على مناخرهم فِي النَّار إِلَّا حصائد
ألسنتهم إِنَّك لن تزَال سالما مَا أَمْسَكت فَإِذا تَكَلَّمت
كتب عَلَيْك أَو لَك
(3/210)
مَا جَعَلَ اللَّهُ
مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ
وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ
آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا
وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
- قَوْله تَعَالَى: مَا جعل الله من بحيرة
وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حام وَلَكِن الَّذين كفرُوا
يفترون على الله الْكَذِب وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ وَإِذا
قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول
قَالُوا حَسبنَا مَا وجدنَا عَلَيْهِ آبَائِنَا أولو كَانَ
آباؤهم لَا يعلمُونَ شَيْئا وَلَا يَهْتَدُونَ
- أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن
الْمسيب قَالَ: الْبحيرَة
الَّتِي يمْنَع درها للطواغيت وَلَا يحلبها أحد من النَّاس
والسائبة: كَانُوا يسيبونها لآلهتهم
(3/210)
لَا يحمل عَلَيْهَا شَيْء
قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت عَمْرو بن عَامر الْخُزَاعِيّ يجر قصبه
فِي النَّار كَانَ أول من سيب السوائب قَالَ ابْن الْمسيب:
والوصيلة
النَّاقة الْبكر تبكر فِي أول نتاج الْإِبِل ثمَّ تثني بعد
بأنثى وَكَانُوا يسيبونها لطواغيتهم إِن وصلت إِحْدَاهمَا
بِالْأُخْرَى لَيْسَ بَينهمَا ذكر والحامي: فَحل الْإِبِل
يضْرب الضراب الْمَعْدُود فَإِذا قضى ضرابه وَدعوهُ للطواغيت
واعفوه من الْحمل فَلم يحمل شَيْء وسموه الحتمي
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي
نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
الْأَحْوَص عَن أَبِيه قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي خلقان من الثِّيَاب فَقَالَ لي: هَل لَك من
مَال قلت: نعم
قَالَ: من أَي مَال قلت: من كل المَال من الْإِبِل وَالْغنم
وَالْخَيْل وَالرَّقِيق
قَالَ: فَإِذا آتاك الله مَالا فلير عَلَيْك ثمَّ قَالَ: تنْتج
إبلك رافية آذانها قلت: نعم وَهل تنْتج الْإِبِل إِلَّا
كَذَلِك قَالَ: فلعلك تَأْخُذ مُوسَى قتقطع آذان طَائِفَة
مِنْهَا وَتقول: هَذِه بَحر وتشق آذان طَائِفَة مِنْهَا
وَتقول: هَذِه الصرم قلت: نعم
قَالَ: فَلَا تفعل إِن كل مَا آتاك الله لَك حل ثمَّ قَالَ
{مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حام}
قَالَ أَبُو الْأَحْوَص: أما الْبحيرَة فَهِيَ الَّتِي يجدعون
آذانها فَلَا تنْتَفع امْرَأَته وَلَا بَنَاته وَلَا أحد من
أهل بَيته بصوفها وَلَا أوبارها وَلَا أشعارها وَلَا
أَلْبَانهَا فَإِذا مَاتَت اشْتَركُوا فِيهَا
وَأما السائبة: فَهِيَ الَّتِي يسيبون لآلهتهم
وَأما الوصيلة: فالشاة تَلد سِتَّة أبطن وتلد السَّابِع جدياً
وعناقاً فَيَقُولُونَ: قد وصلت فَلَا يذبحونها وَلَا تضرب
وَلَا تمنع مهما وَردت على حَوْض وَإِذا مَاتَت كَانُوا فِيهَا
سَوَاء
والحام من الْإِبِل إِذا أدْرك لَهُ عشرَة من صلبه كلهَا تضرب
حمى ظَهره فَسُمي الحام فَلَا ينْتَفع لَهُ بوبر وَلَا ينْحَر
وَلَا يركب لَهُ ظهر فَإِذا مَاتَ كَانُوا فِيهِ سَوَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
الْبحيرَة
هِيَ النَّاقة إِذا أنتجت خَمْسَة أبطن نظرُوا إِلَى الْخَامِس
فَإِن كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال دون النِّسَاء وَإِن
كَانَت أُنْثَى جدعوا آذانها فَقَالُوا: هَذِه بحيرة
وَأما السائبة: فَكَانُوا يسيبون من أنعامهم لآلهتهم لَا
يركبون لَهَا ظهرا وَلَا يحلبون لَهَا لَبَنًا وَلَا يجزون
لَهَا وَبرا وَلَا يحملون عَلَيْهَا شَيْئا
وَأما
(3/211)
الوصيلة: فالشاة إِذا أنتجت سَبْعَة أبطن
نظرُوا السَّابِع فَإِن كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى وَهُوَ ميت
اشْترك فِيهِ الرِّجَال دون النِّسَاء وَإِن كَانَت أُنْثَى
اسحيوها وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى فِي بطن استحيوهما
وَقَالُوا: وصلته أُخْته فحرمته علينا
وَأما الحام: فالفحل من الْإِبِل إِذا ولد لوَلَده قَالُوا:
حمى هَذَا ظَهره فَلَا يحملون عَلَيْهِ شَيْئا وَلَا يجزون
لَهُ وَبرا وَلَا يمنعونه من حمى رعي وَلَا من حَوْض يشرب
مِنْهُ وَإِن كَانَ الْحَوْض لغير صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا جعل الله
من بحيرة} قَالَ: الْبحيرَة النَّاقة كَانَ الرجل إِذا ولدت
خَمْسَة فيعمد إِلَى الْخَامِسَة فَمَا لم تكن سقيا فيبتك
آذانها وَلَا يجز لَهَا وَبرا وَلَا يَذُوق لَهَا لَبَنًا
فَتلك الْبحيرَة {وَلَا سائبة} كَانَ الرجل يسيب من مَاله مَا
شَاءَ {وَلَا وصيلة} فَهِيَ الشَّاة إِذا ولدت سبعا عمد إِلَى
السَّابِع فَإِن كَانَ ذكرا ذبح وَإِن كَانَت أُنْثَى تركت
وَإِن كَانَ فِي بَطنهَا اثْنَان ذكر وَأُنْثَى فولدتهما
قَالُوا: وصلت أخاها فيتركان جَمِيعًا لَا يذبحان فَتلك
الوصيلة {وَلَا حام} كَانَ الرجل يكون لَهُ الْفَحْل فَإِذا
ألقح عشرا قيل: حام فاتركوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مَا جعل الله من بحيرة}
الْآيَة
قَالَ: الْبحيرَة من الْإِبِل كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة
يحرمُونَ وبرها وظهرها ولحمها ولبنها إِلَّا على الرِّجَال
فَمَا ولدت من ذكر وَأُنْثَى فَهُوَ على هيئتها فَإِن مَاتَت
اشْترك الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أكل لَحمهَا فَإِذا ضرب من
ولد الْبحيرَة فَهُوَ الحامي والسائبة من الْغنم على نَحْو
ذَلِك إِلَّا أَنَّهَا مَا ولدت من ولد بَينهَا وَبَين سِتَّة
أَوْلَاد كَانَ على هيئتها فَإِذا ولدت فِي السَّابِع ذكرا أَو
أُنْثَى أَو ذكرين ذبحوه فَأَكله رِجَالهمْ دون نِسَائِهِم
وَإِن توأمت أُنْثَى وَذكر فَهِيَ وصيلة ترك ذبح الذّكر
بِالْأُنْثَى وَإِن كَانَتَا أنثيين تركتا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ صلى
بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فاستأخر
عَن قبلته وَأعْرض بِوَجْهِهِ وتعوَّذ بِاللَّه ثمَّ دنا من
قبلته حَتَّى رَأَيْنَاهُ يتَنَاوَل بِيَدِهِ فَلَمَّا سلم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا: يَا نَبِي الله
لقد صنعت الْيَوْم فِي صَلَاتك شَيْئا ماكنت تَصنعهُ
قَالَ: نعم عرضت عليَّ فِي مقَامي هَذَا الْجنَّة وَالنَّار
فَرَأَيْت فِي النَّار مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله وَرَأَيْت
فِيهَا الحميرية صَاحِبَة الْهِرَّة الَّتِي ربطتها فَلم
(3/212)
تطعمها وَلم تسقها وَلم ترسلها فتأكل من
خشَاش الأَرْض حَتَّى مَاتَت فِي رباطها وَرَأَيْت فِيهَا
عَمْرو بن لحي يجر قصبه فِي النَّار وَهُوَ الَّذِي سيَّب
السوائب وبحر الْبحيرَة وَنصب الْأَوْثَان وغيَّر دين
إِسْمَاعِيل وَرَأَيْت فِيهَا عمرَان الْغِفَارِيّ مَعَه محجنه
الَّذِي كَانَ يسرق بِهِ الْحَاج
قَالَ: وسمى لي الرَّابِع فَنسيته
وَرَأَيْت الْجنَّة فَلم أر مثل مَا فِيهَا فتناولت مِنْهَا
قطفاً لأريكموه فحيل بيني وَبَينه فَقَالَ رجل من الْقَوْم:
كَيفَ تكون الْحبَّة مِنْهُ قَالَ: كأعظم دلو فرته أمك قطّ
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق: فَسَأَلت عَن الرَّابِع فَقَالَ:
هُوَ صَاحب ثنيتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي
نزعهما
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت جَهَنَّم
يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَرَأَيْت عمرا يجر قصبه فِي النَّار
وَهُوَ أول من سيب السوائب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لأكتم بن الجون: يَا أكتم
عرضت عليَّ النَّار فَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي بن قمعة بن
خندف يجر قصبه فِي النَّار فَمَا رَأَيْت رجلا أشبه بِرَجُل
مِنْك بِهِ وَلَا بِهِ مِنْك
فَقَالَ أكتم: أخْشَى أَن يضرني شبهه يَا رَسُول الله فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إِنَّك مُؤمن وَهُوَ
كَافِر إِنَّه أول من غيَّر دين إِبْرَاهِيم وبحر الْبحيرَة
وسيب السائبة وَحمى الحامي
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أول
من سيب السوائب وَعبد الْأَصْنَام أَبُو خُزَاعَة عَمْرو بن
عَامر وَإِنِّي رَأَيْته يجر أمعاءه فِي النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعرف أول من سيَّب السوائب وَنصب النصب
وَأول من غير دين إِبْرَاهِيم قَالُوا: من هُوَ يَا رَسُول
الله قَالَ: عَمْرو بن لحي أَخُو بني كَعْب لقد رَأَيْته يجر
قصبه فِي النَّار يُؤْذِي أهل النَّار ريح قصبه وَإِنِّي لأعرف
من بَحر البحائر
قَالُوا: من هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ: رجل من بني مُدْلِج
كَانَت لَهُ ناقتان فجدع آذانهما وَحرم ألبانهما وَظُهُورهمَا
وَقَالَ: هَاتَانِ لله ثمَّ احْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشرب
ألبانهما وَركب ظهورهما قَالَ: فَلَقَد رَأَيْته فِي النَّار
وهما يقضمانه بأفواههما ويطآنه بأخفافهما
(3/213)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
أبي بن كَعْب قَالَ: بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الظّهْر وَالنَّاس فِي الصُّفُوف
خَلفه فرأيناه تنَاول شَيْئا فَجعل يتَنَاوَلهُ فَتَأَخر
فَتَأَخر النَّاس ثمَّ تَأَخّر الثَّانِيَة فَتَأَخر النَّاس
فَقلت: يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك صنعت الْيَوْم شَيْئا مَا
كنت تَصنعهُ فِي الصَّلَاة فَقَالَ: إِنَّه عرضت عَليّ
الْجنَّة بِمَا فِيهَا من الزهرة والنضرة فتناولت قطفاً من
عنبها وَلَو أَخَذته لأكل مِنْهُ من بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
لَا ينقصونه فحيل بيني وَبَينه وَعرضت عَليّ النَّار فَلَمَّا
وجدت سفعتها تأخَّرت عَنْهَا وَأكْثر من رَأَيْت فِيهَا
النِّسَاء إِن ائْتمن أفشين وَإِن سألن ألحفن وَإِذا سئلن بخلن
وَإِذا أعطين لم يشكرن وَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي يجر
قصبه فِي النَّار وأشبه من رَأَيْت بِهِ معبد بن أكتم
الْخُزَاعِيّ فَقَالَ معبد: يَا رَسُول الله أتخشى عليّ من
شبهه قَالَ: لَا أَنْت مُؤمن وَهُوَ كَافِر وَهُوَ أول من حمل
الْعَرَب على عبَادَة الْأَصْنَام
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَلَكِن
الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب وَأَكْثَرهم لَا
يعْقلُونَ} قَالَ: لَا يعْقلُونَ تَحْرِيم الشَّيْطَان الَّذِي
يحرم عَلَيْهِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن أبي مُوسَى فِي الْآيَة
قَالَ: الْآبَاء جعلُوا هَذَا وماتوا وَنَشَأ الْأَبْنَاء
وظنوا أَن الله هُوَ جعل هَذَا فَقَالَ الله {وَلَكِن الَّذين
كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب} الْآبَاء فالآباء افتروا على
الله الْكَذِب وَالْأَبْنَاء أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ يظنون
الله هُوَ الَّذِي جعله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن أبي مُوسَى فِي
قَوْله {وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب}
قَالَ: هم أهل الْكتاب {وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: هم
أهل الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله
الْكَذِب وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: الَّذين لَا
يعقلوهم الأتباع وَأما الَّذين افتروا فعقلوا أَنهم افتروا
(3/214)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ
مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ
جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ
إِلَى الله مرجعكم جَمِيعًا فينبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ
(3/214)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد
والعدني وَابْن منيع والْحميدِي فِي مسانيدهم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو
يعلى والكجي فِي سنَنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان والضياء فِي المختارة عَن قيس قَالَ: قَامَ أَبُو بكر
فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس
إِنَّكُم تقرأون هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَإِنَّكُمْ تضعونها على غير موضعهَا وَإِنِّي سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن النَّاس إِذا رَأَوْا
الْمُنكر وَلم يغيروه أوشك أَن يعمهم الله بعقاب
وَأخرج ابْن جرير عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: صعد أَبُو بكر
مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله
وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لتتلون
آيَة من كتاب الله وتعدونها رخصَة وَالله مَا أنزل الله فِي
كِتَابه أَشد مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم
أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَالله لتأمرن
بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليعمنكم الله مِنْهُ
بعقاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن جرير البَجلِيّ:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مامن قوم
يكون بَين أظهرهم رجل يعْمل بِالْمَعَاصِي هم أمنع مِنْهُ وأعز
ثمَّ لَا يغيرون عَلَيْهِ إِلَّا أوشك أَن يعمهم الله مِنْهُ
بعقاب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير
وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي
أُميَّة الشَّعْبَانِي قَالَ أتيت أَبَا ثَعْلَبَة الْخُشَنِي
فَقلت لَهُ: كَيفَ تصنع فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: أَيَّة آيَة
قَالَ: قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم
لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: أما وَالله لقد
سَأَلت عَنْهَا خَبِيرا سَأَلت عَنْهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بل ائْتَمرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر
حَتَّى إِذا رَأَيْت شحا مُطَاعًا وَهوى مُتبعا وَدُنْيا
مُؤثرَة وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْك
بِخَاصَّة نَفسك ودع عَنْك أَمر الْعَوام فَإِن من وَرَائِكُمْ
أَيَّام الصَّبْر الصابر فِيهِنَّ مثل الْقَابِض على الْحمر
لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مثل أجر خمسين رجلا يعْملُونَ مثل
عَمَلكُمْ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ ابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ أَنه كَانَ فيهم شَيْء
فاحتبس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَاهُ
فَقَالَ: مَا حَبسك
(3/215)
قَالَ: يَا رَسُول الله قَرَأت هَذِه
الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا
يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن ذهبتم إِنَّمَا هِيَ لَا يضركم
من ضل من الْكفَّار إِذا اهْتَدَيْتُمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الْحسن
أَن ابْن مَسْعُود سَأَلَهُ رجل عَن قَوْله {عَلَيْكُم
أَنفسكُم} فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ بزمانها
فَإِنَّهَا الْيَوْم مَقْبُولَة وَلكنه قد أوشك أَن يَأْتِي
زمَان تأمرون بِالْمَعْرُوفِ فيصنع بكم كَذَا وَكَذَا أَو
قَالَ: فَلَا يقبل مِنْكُم فَحِينَئِذٍ عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا
يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود فِي
قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَ: مروا بِالْمَعْرُوفِ وانهوا عَن الْمُنكر مالم يكن من
دون ذَلِك السَّوْط وَالسيف فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك
فَعَلَيْكُم أَنفسكُم
وَأخرج عبد بن حميد ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ:
كَانُوا عِنْد عبد الله بن مَسْعُود فَوَقع بَين رجلَيْنِ بعض
مَا يكون بَين النَّاس حَتَّى قَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى
صَاحبه فَقَالَ رجل من جلساء عبد الله: أَلا أقوم فآمرهما
بِالْمَعْرُوفِ وأنهاهما عَن الْمُنكر فَقَالَ آخر إِلَى جنبه:
عَلَيْك نَفسك فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {عَلَيْكُم
أَنفسكُم} فَسَمعَهَا ابْن مَسْعُود فَقَالَ: مَه لم يَجِيء
تَأْوِيل هَذِه الْآيَة بعد إِن الْقُرْآن أنزل حَيْثُ أنزل
وَمِنْه آي قد مضى تأويلهن قبل أَن ينزلن وَمِنْه مَا وَقع
تأويلهن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْه
آي يَقع تأويلهن بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بسنين وَمِنْه آي يَقع تأويلهن بعد الْيَوْم وَمِنْه آي يَقع
تأويلهن عِنْد السَّاعَة مَا ذكر من أَمر السَّاعَة وَمِنْه آي
يَقع تأويلهن عِنْد الْحساب مَا ذكر من أَمر الْحساب
وَالْجنَّة وَالنَّار فَمَا دَامَت قُلُوبكُمْ وَاحِدَة
وأهواؤكم وَاحِدَة وَلم تلبسوا شيعًا فَلم يذقْ بَعْضكُم بَأْس
بعض فَمروا وانهوا فَإِذا اخْتلفت الْقُلُوب والأهواء وألبستم
شيعًا وذاق بَعْضكُم بَأْس بعض فَكل امرىء وَنَفسه فَعِنْدَ
ذَلِك جَاءَ تَأْوِيل هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر
أَنه قيل لَهُ: أجلست فِي هَذِه الْأَيَّام فَلم تَأمر وَلم
تنه فَإِن الله قَالَ {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: إِنَّهَا
لَيست لي وَلَا لِأَصْحَابِي لِأَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب
فَكُنَّا نَحن الشُّهُود
(3/216)
وَأَنْتُم الْغَيْب وَلَكِن هَذِه الْآيَة
لأقوام يجيئون من بَعدنَا إِن قَالُوا لم يقبل مِنْهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة عَن رجل
قَالَ: كنت فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب بِالْمَدِينَةِ فِي
حَلقَة فيهم أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا
فيهم شيخ حسبت أَنه قَالَ أبي بن كَعْب فَقَرَأَ {عَلَيْكُم
أَنفسكُم} فَقَالَ: إِنَّمَا تَأْوِيلهَا فِي آخر الزَّمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق
قَتَادَة عَن أبي مَازِن قَالَ: انْطَلَقت على عهد عُثْمَان
إِلَى الْمَدِينَة فَإِذا قوم جُلُوس فَقَرَأَ أحدهم
{عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: أَكْثَرهم: لم يَجِيء تَأْوِيل
هَذِه الْآيَة الْيَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن جُبَير بن نفير قَالَ: كنت فِي حَلقَة
فِيهَا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنِّي
لأصغر الْقَوْم فتذاكروا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي
عَن الْمُنكر فَقلت: أَلَيْسَ الله يَقُول {عَلَيْكُم
أَنفسكُم} فَأَقْبَلُوا عَليّ بِلِسَان وَاحِد فَقَالُوا:
تنْزع آيَة من الْقُرْآن لَا تعرفها وَلَا تَدْرِي مَا
تَأْوِيلهَا حَتَّى تمنيت أَنِّي لم أكن تَكَلَّمت ثمَّ
أَقبلُوا يتحدثون فَلَمَّا حضر قيامهم قَالُوا: إِنَّك غُلَام
حدث السن وَإنَّك نزعت أَيَّة لَا تَدْرِي ماهي وَعَسَى أَن
تدْرك ذَلِك الزَّمَان إِذا رَأَيْت شحا مُطَاعًا وَهوى مُتبعا
وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْك بِنَفْسِك لَا
يَضرك من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: يارسول
الله أَخْبرنِي عَن قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا
اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: يَا معَاذ مروا بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر فَإِذا رَأَيْتُمْ شحا مُطَاعًا وَهوى
مُتبعا وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْكُم
أَنفسكُم لَا يضركم ضَلَالَة غَيْركُمْ فَهُوَ من وَرَائِكُمْ
أَيَّام الصَّبْر المتمسك فِيهَا بِدِينِهِ مثل الْقَابِض على
الْجَمْر فللعامل مِنْهُم يَوْمئِذٍ مثل عمل أحدكُم الْيَوْم
كَأَجر خمسين مِنْكُم
قلت: يَا رَسُول الله خمسين مِنْهُم قَالَ: بل خمسين مِنْكُم
أَنْتُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: ذكرت
هَذِه الْآيَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم
أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} فَقَالَ نَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يجىء تَأْوِيلهَا لَا يَجِيء
تَأْوِيلهَا حَتَّى يهْبط عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ
السَّلَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مُحَمَّد بن عبد الله التَّيْمِيّ
عَن أبي بكر الصّديق سَمِعت
(3/217)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: مَا ترك قوم الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا ضَربهمْ
الله بذل وَلَا أقرّ قوم الْمُنكر بَين أظهارهم إِلَّا عمهم
الله بعقاب وَمَا بَيْنك وَبَين أَن يعمكم الله بعقاب من
عِنْده إِلَّا أَن تأولوا هَذِه الْآيَة على غير أَمر
بِمَعْرُوف وَلَا نهي عَن الْمُنكر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن
حزم قَالَ: خطب أَبُو بكر النَّاس فَكَانَ فِي خطبَته قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس
لَا تتكلموا على هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} إِن
الذاعر ليَكُون فِي الْحَيّ فَلَا يمنعوه فيعمهم الله بعقاب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل
إِذا اهْتَدَيْتُمْ} فَقَالَ: يالها من سَعَة مَا أوسعها
ويالها ثِقَة مَا أوثقها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عُثْمَان الشحام أبي سَلمَة قَالَ:
حَدثنِي شيخ من أهل الْبَصْرَة وَكَانَ لَهُ فضل وَسن قَالَ:
بَلغنِي أَن دَاوُد سَأَلَ ربه قَالَ: يَا رب كَيفَ لي أَن
أَمْشِي لَك فِي الأَرْض واعمل لَك فِيهَا بنصح قَالَ ياداود
تحب من أَحبَّنِي من أَحْمَر وأبيض وَلَا يزَال شفتاك رطبتين
من ذكري واجتنب فرَاش المغيب
قَالَ: أَي رب فَكيف أَن تحبني أهل الدُّنْيَا الْبر والفاجر
قَالَ: ياداود تصانع أهل الدُّنْيَا لدنياهم وتحب أهل
الْآخِرَة لآخرتهم وتجتان إِلَيْك ذَنْبك بيني وَبَيْنك
فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك فَلَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر
أَنه جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن نفر سِتَّة
كلهم قَرَأَ الْقُرْآن وَكلهمْ مُجْتَهد لَا يألوهم فِي ذَلِك
يشْهد بَعضهم على بعض بالشرك فَقَالَ: لَعَلَّك ترى أَنِّي
آمُرك أَن تذْهب إِلَيْهِم تقَاتلهمْ عظهم وانههم فَإِن عصوك
فَعَلَيْك نَفسك فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} حَتَّى ختم الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن صَفْوَان بن مُحرز
أَنه أَتَاهُ رجل من أَصْحَاب الْأَهْوَاء فَذكر لَهُ بعض أمره
فَقَالَ لَهُ صَفْوَان: أَلا أدلك على خَاصَّة الله الَّتِي خص
الله بهَا أولياءه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم
أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
(3/218)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم
لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} يَقُول: أطِيعُوا أَمْرِي
واحفظوا وصيتي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل
إِذا اهْتَدَيْتُمْ} يَقُول: إِذا مَا أَطَاعَنِي العَبْد
فِيمَا أَمرته من الْحَلَال وَالْحرَام فَلَا يضرّهُ من ضل
بعده إِذا عمل بِمَا أَمرته بِهِ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَارب بَينهمَا عَن الضَّحَّاك عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا
اهْتَدَيْتُمْ} مالم يكن سيف أَو سَوط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول
أَن رجلا سَأَلَهُ عَن قَول الله {عَلَيْكُم أَنفسكُم} الْآيَة
فَقَالَ: إِن تَأْوِيل هَذِه الْآيَة لم يَجِيء بعد إِذا هاب
الْوَاعِظ وَأنكر الموعوظ فَعَلَيْك نَفسك لَا يَضرك حِينَئِذٍ
من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ: إِنَّمَا
أنزلت هَذِه الْآيَة لِأَن الرجل كَانَ يسلم وَيكفر أَبوهُ
وَيسلم الرجل وَيكفر أَخُوهُ فَلَمَّا دخل قُلُوبهم حلاوة
الْإِيمَان دعوا آبَاءَهُم وإخوانهم فَقَالُوا: حَسبنَا مَا
وجدنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم
لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة
فَقَالَ: نزلت فِي أهل الْكتاب يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل} من أهل الْكتاب
{إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
حُذَيْفَة فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل
إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: إِذا أمرْتُم بِالْمَعْرُوفِ
ونهيتم عَن الْمُنكر
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {لَا يضركم
من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: إِذا أمرت بِالْمَعْرُوفِ
ونهيت عَن الْمُنكر لَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم
أَنفسكُم} فَقَالَ: الْحَمد لله بهَا وَالْحَمْد لله عَلَيْهَا
مَا كَانَ مُؤمن فِيمَا مضى وَلَا مُؤمن فِيمَا بَقِي إِلَّا
وَإِلَى جَانِبه مُنَافِق يكره عمله
(3/219)
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن أنس قَالَ: قيل يَا رَسُول الله مَتى يتْرك
الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ إِذا
ظهر فِيكُم مَا ظهر فِي بني إِسْرَائِيل قبلكُمْ
قَالُوا: وَمَا ذَاك يارسول الله قَالَ: إِذا ظهر الادهان فِي
خياركم والفاحشة فِي كباركم وتحوّل الْملك فِي صغاركم
وَالْفِقْه وَفِي لفظ: وَالْعلم فِي رذالكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر
أَو ليوشكن الله أَن يبْعَث عَلَيْكُم عقَابا مِنْهُ ثمَّ
تَدعُونَهُ فَلَا يستجيب لكم
وَالله تَعَالَى أعلم
(3/220)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا
عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ
ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ
تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ
بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ
كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا
إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى
أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ
مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ
الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا
أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا
لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا
بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ
أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
(108)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين
الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من
غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فأصابتكم
مُصِيبَة الْمَوْت تحبسونهما من بعد الصَّلَاة فيقسمان
بِاللَّه إِن ارتبتم لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى
وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين فَإِن عثر
على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران يقومان مقامهما من
الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان فيقسمان بِاللَّه
لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَمَا اعتدينا إِنَّا
إِذا لمن الظَّالِمين ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ
على وَجههَا أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم
وَاتَّقوا الله واسمعوا وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَضَعفه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو
النَّعيم فِي الْمعرفَة من طَرِيق أبي النَّضر وَهُوَ
الْكَلْبِيّ عَن باذان مولى أم هانىء عَن ابْن عَبَّاس عَن
تَمِيم الدَّارِيّ فِي هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} قَالَ
برىء النَّاس مِنْهَا غَيْرِي وَغير عدي بن بداء وَكَانَا
نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قبل الْإِسْلَام
فَأتيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا وَقدم
(3/220)
عَلَيْهِمَا مولى لبني سهم يُقَال لَهُ:
بديل بن أبي مَرْيَم بِتِجَارَة وَمَعَهُ جَام من فضَّة يُرِيد
بِهِ الْملك وَهُوَ عظم تِجَارَته فَمَرض فأوصى إِلَيْهِمَا
وَأَمرهمَا أَن يبلغَا مَا ترك أَهله
قَالَ تَمِيم: فَلَمَّا مَاتَ أَخذنَا ذَلِك الْجَام
فَبِعْنَاهُ بِأَلف دِرْهَم ثمَّ اقتسمناه أَنا وعدي بن بداء
فَلَمَّا قدمنَا إِلَى أَهله دفعنَا إِلَيْهِم ماكان مَعنا
وَفقدُوا الْجَام فَسَأَلُونَا عَنهُ فَقُلْنَا: مَا ترك غير
هَذَا وَمَا دفع إِلَيْنَا غَيره
قَالَ تَمِيم: فَلَمَّا أسلمت بعد قدوم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تَأَثَّمت من ذَلِك فَأتيت أَهله
فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَأديت إِلَيْهِم خَمْسمِائَة دِرْهَم
وَأَخْبَرتهمْ أَن عِنْد صَاحِبي مثلهَا فَأتوا بِهِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلم
يَجدوا فَأَمرهمْ أَن يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يعظم بِهِ على أهل
دينه فَحلف الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة
بَيْنكُم} إِلَى قَوْله {أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم}
فَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَرجل آخر فَحَلفا فنزعت
الْخَمْسمِائَةِ دِرْهَم من عدي بن بداء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس وَالطَّبَرَانِيّ
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رجل من بني سهم مَعَ تَمِيم
الدَّارِيّ وعدي بن بداء فَمَاتَ السَّهْمِي بِأَرْض لَيْسَ
فِيهَا مُسلم فأوصى إِلَيْهِمَا فَلَمَّا قدما بِتركَتِهِ
فقدوا جَاما من فضَّة مخوصاً بِالذَّهَب فَأَحْلفهُمَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّه: مَا كتمتماها وَلَا
اطلعتما ثمَّ وجدوا الْجَام بِمَكَّة فَقيل: اشْتَرَيْنَاهُ من
تَمِيم وعدي فَقَامَ رجلَانِ من أَوْلِيَاء السَّهْمِي فَحَلفا
بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَإِن الْجَام
لصَاحِبِهِمْ وَأخذ الْجَام وَفِيه نزلت {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ
تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بداء رجلَيْنِ نَصْرَانِيين يتجران
إِلَى مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة ويطيلان الْإِقَامَة بهَا
فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حوّل متجرهما
إِلَى الْمَدِينَة فَخرج بديل بن أبي مَارِيَة مولى عَمْرو بن
الْعَاصِ تَاجِرًا حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَخَرجُوا جَمِيعًا
تجارًا إِلَى الشَّام حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق
اشْتَكَى بديل فَكتب وَصيته بِيَدِهِ ثمَّ دسها فِي مَتَاعه
وَأوصى إِلَيْهِمَا فَلَمَّا مَاتَ فتحا مَتَاعه فأخذا مِنْهُ
شَيْئا ثمَّ حجزاه كَمَا كَانَ وقدما الْمَدِينَة على أَهله
فدفعا مَتَاعه فَفتح أَهله مَتَاعه فوجدوا كِتَابه وَعَهده
وَمَا خرج بِهِ وَفقدُوا شَيْئا فسألوهما عَنهُ فَقَالُوا:
هَذَا الَّذِي قبضنا لَهُ وَدُفِعَ إِلَيْنَا فَقَالُوا لَهما:
هَذَا كِتَابه بِيَدِهِ قَالُوا:
(3/221)
مَا كتمنا لَهُ شَيْئا فترافعوا إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم
الْمَوْت} إِلَى قَوْله {إِنَّا إِذا لمن الآثمين} فَأمر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستحلفوهما بعد
صَلَاة الْعَصْر بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا
قبضنا لَهُ غير هَذَا وَلَا كتمنا فمكثا مَا شَاءَ الله أَن
يمكثا ثمَّ ظهر مَعَهُمَا على إِنَاء من فضَّة منقوش مموه
بِذَهَب فَقَالَ أَهله: هَذَا من مَتَاعه وَلَكنَّا
اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ ونسينا أَن نذكرهُ حِين حلفنا فكرهنا
أَن نكذب نفوسنا فترافعوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَنزلت الْآيَة الْأُخْرَى {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا
استحقا إِثْمًا} فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رجلَيْنِ من أهل الْمَيِّت أَن يحلفا على مَا كتما وغيبا
ويستحقانه ثمَّ إِن تميماً الدَّارِيّ أسلم وَبَايع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَقُول: صدق الله وَرَسُوله
أَنا أخذت الْإِنَاء ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن الله
يظهرك على أهل الأَرْض كلهَا فَهَب لي قريتين من بَيت لحم -
وَهِي الْقرْيَة الَّتِي ولد فِيهَا عِيسَى - فَكتب لَهُ بهَا
كتابا فَلَمَّا قدم عمر الشَّام أَتَاهُ تَمِيم بِكِتَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: أَنا حَاضر
ذَلِك فَدَفعهَا إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {شَهَادَة
بَيْنكُم} مُضَاف بِرَفْع شَهَادَة بِغَيْر نون وبخفض بَيْنكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
من طَرِيق عَليّ عَن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت
حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} هَذَا لمن مَاتَ
وَعِنْده الْمُسلمُونَ أمره الله أَن يشْهد على وَصيته
عَدْلَيْنِ من الْمُسلمين ثمَّ قَالَ {أَو آخرَانِ من
غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} فَهَذَا لمن
مَاتَ وَلَيْسَ عِنْده أحد من الْمُسلمين أمره الله بِشَهَادَة
رجلَيْنِ من غير الْمُسلمين فَإِن ارتيب بِشَهَادَتِهِمَا
استحلفا بِاللَّه بعد الصَّلَاة: مَا اشترينا بشهادتنا ثمنا
قَلِيلا فَإِن اطلع الْأَوْلِيَاء على أَن الْكَافرين كذبا فِي
شَهَادَتهمَا قَامَ رجلَانِ من الْأَوْلِيَاء فَحَلفا بِاللَّه
أَن شَهَادَة الْكَافرين بَاطِلَة فَذَلِك قَوْله تَعَالَى
{فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} يَقُول: إِن اطلع
على أَن الْكَافرين كذبا قَامَ الأوليان فَحَلفا أَنَّهُمَا
كذبا ذَلِك أدنى أَن يَأْتِي الكافران بِالشَّهَادَةِ على
وَجههَا أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم فَتتْرك
شَهَادَة الْكَافرين وَيحكم بِشَهَادَة الأوليان فَلَيْسَ على
شُهُود الْمُسلمين أَقسَام إِنَّمَا الْأَقْسَام إِذا كَانَا
كَافِرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
(3/222)
{اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: من أهل
الْإِسْلَام {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من غير أهل
الْإِسْلَام وَفِي قَوْله {فيقسمان بِاللَّه} يَقُول: يحلفان
بِاللَّه بعد الصَّلَاة
وَفِي قَوْله {فآخران يقومان مقامهما} قَالَ: من أَوْلِيَاء
الْمَيِّت فيحلفان {بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من
شَهَادَتهمَا} يَقُول: فيحلفان بِاللَّه مَا كَانَ صاحبنا
ليوصي بِهَذَا وإنهما لكاذبان
وَفِي قَوْله {ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على
وَجههَا أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم}
يَعْنِي أَوْلِيَاء الْمَيِّت فيستحقون مَاله بأيمانهم ثمَّ
يوضع مِيرَاثه كَمَا أَمر الله وَتبطل شَهَادَة الْكَافرين
وَهِي مَنْسُوخَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم}
قَالَ: مَا من الْكتاب إِلَّا قد جَاءَ على شَيْء جَاءَ على
إدلاله غير هَذِه الْآيَة وَلَئِن أَنا لم أخْبركُم بهَا لأَنا
أَجْهَل من الَّذِي ترك الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة هَذَا رجل
خرج مُسَافِرًا وَمَعَهُ مَال فأدركه قدره فَإِن وجد رجلَيْنِ
من الْمُسلمين دفع إِلَيْهِمَا تركته وَأشْهد عَلَيْهِمَا
عَدْلَيْنِ من الْمُسلمين فَإِن لم يجد عَدْلَيْنِ من
الْمُسلمين فرجلين من أهل الْكتاب فَإِن أدّى فسبيل مَا أدّى
وَإِن هُوَ جحد اسْتحْلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا
هُوَ دبر صَلَاة: أَن هَذَا الَّذِي وَقع إِلَيّ وَمَا غيبت
شَيْئا فَإِذا حلف برىء فَإِذا أَتَى بعد ذَلِك صاحبا الْكتاب
فشهدا عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى الْقَوْم عَلَيْهِ من تسميتهم مَا
لَهُم جعلت أَيْمَان الْوَرَثَة مَعَ شَهَادَتهم ثمَّ اقتطعوا
حَقه فَذَلِك الَّذِي يَقُول الله {ذَوا عدل مِنْكُم أَو
آخرَانِ من غَيْركُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {شَهَادَة
بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} قَالَ: أَن يَمُوت
الْمُؤمن فيحضر مَوته مسلمان أَو كَافِرَانِ لَا يحضرهُ غير
اثْنَيْنِ مِنْهُم فَإِن رَضِي ورثته بِمَا غابا عَنهُ من
تركته فَذَلِك وَيحلف الشَّاهِدَانِ أَنَّهُمَا صادقان فَإِن
عثر قَالَ: وجد لطخ أَو لبس أَو تَشْبِيه حلف الِاثْنَان
الأوّلان من الْوَرَثَة فاستحقا وأبطلا أَيْمَان الشَّاهِدين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو
آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من غير الْمُسلمين من أهل
الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن
الْمسيب فِي قَوْله {اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: من أهل
دينكُمْ {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من أهل الْكتاب
إِذا كَانَ بِبِلَاد لَا يجد غَيرهم
(3/223)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح قَالَ: لَا تجوز
شَهَادَة الْيَهُودِيّ وَلَا النَّصْرَانِي إِلَّا فِي
وَصِيَّة وَلَا تجوز فِي وَصِيَّة إِلَّا فِي سفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن الشّعبِيّ
أَن رجلا من الْمُسلمين حَضرته الْوَفَاة بدقوقاء وَلم يجد
أحدا من الْمُسلمين يشْهد على وَصيته فَأشْهد رجلَيْنِ من أهل
الْكتاب فَقدما الْكُوفَة فَأتيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
فَأَخْبَرَاهُ وقدما بِتركَتِهِ ووصيته فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ:
هَذَا أَمر لم يكن بعد الَّذِي كَانَ فِي عهد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَحْلفهُمَا بعد الْعَصْر بِاللَّه مَا خَانا وَلَا كذبا
وَلَا بدَّلا وَلَا كتما وَلَا غيرا وَإِنَّهَا وَصِيَّة الرجل
وَتركته فَأمْضى شَهَادَتهمَا
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {شَهَادَة
بَيْنكُم} الْآيَة
كلهَا قَالَ: كَانَ ذَلِك فِي رجل توفّي وَلَيْسَ عِنْده أحد
من أهل الْإِسْلَام وَذَلِكَ فِي أول الْإِسْلَام وَالْأَرْض
حَرْب وَالنَّاس كفار إِلَّا أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النَّاس
يتوارثون بَينهم بِالْوَصِيَّةِ ثمَّ نسخت الْوَصِيَّة وفرضت
الْفَرَائِض وَعمل الْمُسلمُونَ بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن الزبير قَالَ: مَضَت السّنة أَن لايجوز
شَهَادَة كَافِر فِي حضر وَلَا سفر إِنَّمَا هِيَ فِي
الْمُسلمين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هَذِه الْآيَة
مَنْسُوخَة
وَأخرج عبد بن حميد وأبوالشيخ عَن عِكْرِمَة {أَو آخرَانِ من
غَيْركُمْ} قَالَ: من الْمُسلمين من غير حيه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد والنحاس وَأَبُو
الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه {اثْنَان ذَوا عدل
مِنْكُم} قَالَ: من قبيلتكم {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ:
من غير قبيلتكم أَلا ترى أَنه يَقُول {تحبسونهما من بعد
الصَّلَاة} كلهم من الْمُسلمين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عقيل قَالَ:
سَأَلت ابْن شهَاب عَن هَذِه الْآيَة قلت: أَرَأَيْت
الِاثْنَيْنِ اللَّذين ذكر الله من غير أهل الْمَرْء الْمُوصي
أَهما من الْمُسلمين أَو هما من أهل الْكتاب وَرَأَيْت الآخرين
اللَّذين يقومان مقامهما أتراهما من أهل الْمَرْء الْمُوصي أم
هما فِي غير الْمُسلمين قَالَ ابْن شهَاب: لم نسْمع فِي هَذِه
اللآية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن
أَئِمَّة الْعَامَّة سنة أذكرها وَقد كُنَّا نتذكرها أُنَاسًا
من عُلَمَائِنَا
(3/224)
أَحْيَانًا فَلَا يذكرُونَ فِيهَا سنة
مَعْلُومَة ولاقضاء من إِمَام عَادل وَلكنه مُخْتَلف فِيهَا
رَأْيهمْ وَكَانَ أعجبهم فِيهَا رَأيا إِلَيْنَا الَّذين
كَانُوا يَقُولُونَ: هِيَ فِيمَا بَين أهل الْمِيرَاث من
الْمُسلمين يشْهد بَعضهم الْمَيِّت الَّذِي يرثونه ويغيب عَنهُ
بَعضهم وَيشْهد من شهده على مَا أوصى بِهِ لِذَوي الْقُرْبَى
فيخبرون من غَابَ عَنهُ مِنْهُم بِمَا حَضَرُوا من وَصِيَّة
فَإِن سلمُوا جَازَت وَصيته وَإِن ارْتَابُوا أَن يَكُونُوا
بدلُوا قَول الْمَيِّت وآثروا بِالْوَصِيَّةِ من أَرَادوا
مِمَّن لم يوص لَهُم الْمَيِّت بِشَيْء حلف اللَّذَان
يَشْهَدَانِ على ذَلِك بعد الصَّلَاة وَهِي أَن الْمُسلمين
{فيقسمان بِاللَّه إِن ارتبتم لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ
ذَا قربى وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين}
فَإِذا أقسما على ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا وأيمانهما مَا لم
يعثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فِي شَيْء من ذَلِك قَامَ
آخرَانِ مقامهما من أهل الْمِيرَاث من الْخصم الَّذين
يُنكرُونَ مَا يشْهد عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ المستحلفان أول
مرّة فيقسمان بِاللَّه لَشَهَادَتنَا على تكذيبكما أَو
إبِْطَال مَا شهدتما بِهِ وَمَا اعتدينا إِنَّا إِذا لمن
الظَّالِمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
عُبَيْدَة فِي قَوْله {تحبسونهما من بعد الصَّلَاة} قَالَ:
صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله
{لَا نشتري بِهِ ثمنا} قَالَ: لَا نَأْخُذ بِهِ رشوة {وَلَا
نكتم شَهَادَة الله} وَإِن كَانَ صَاحبهَا بَعيدا
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَامر الشّعبِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ (وَلَا نكتم شَهَادَة)
يَعْنِي بِقطع الْكَلَام منوّناً (الله) بِقطع الْألف وخفض
اسْم الله على الْقسم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَنه
كَانَ يقْرؤهَا (وَلَا نكتم شَهَادَة الله) يَقُول هوالقسم
وَأخرج عَن عَاصِم (وَلَا نكتم شَهَادَة الله) مُضَاف بِنصب
شَهَادَة ولاينون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} أَي
اطلع مِنْهُمَا على خِيَانَة على أَنَّهُمَا كذبا أَو كتما
فَشهد رجلَانِ هما أعدل مِنْهُمَا بِخِلَاف مَا قَالَا أُجِيز
شَهَادَة الآخرين وَبَطلَت شَهَادَة الْأَوَّلين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو عُبَيْدَة وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه
كَانَ يقْرَأ (من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان) بِفَتْح
التَّاء
(3/225)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن عدي عَن أبي مجلز أَن
أبي بن كَعْب قَرَأَ {من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان}
قَالَ عمر: كذبت
قَالَ: أَنْت أكذب
فَقَالَ الرجل: تكذب أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: أَنا أَشد
تَعْظِيمًا لحق أَمِير الْمُؤمنِينَ مِنْك وَلَكِن كَذبته فِي
تَصْدِيق كتاب الله وَلم أصدق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي
تَكْذِيب كتاب الله
فَقَالَ عمر: صدق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى ابْن يعمر أَنه قَرَأَهَا
(الأوليان) وَقَالَ: هما الوليان
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وأبوالشيخ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ (من
الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الْأَوَّلين) وَيَقُول: أَرَأَيْت
لَو كَانَ الأوليان صغيرين كَيفَ يقومان مقامهما وَأخرج عبد بن
حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه كَانَ يقْرَأ الْأَوَّلين
مُشَدّدَة على الْجِمَاع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم (من الَّذين اسْتحق) بِرَفْع
التَّاء وَكسر الْحَاء (عَلَيْهِم الْأَوَّلين) مُشَدّدَة على
الْجِمَاع
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن يزِيد فِي قَوْله {الأوليان} قَالَ:
الْمَيِّت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وأبوالشيخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا
بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا} يَقُول: ذَلِك أَحْرَى أَن
يصدقُوا فِي شَهَادَتهم {أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد
أَيْمَانهم} يَقُول: وَأَن يخَافُوا الْعَنَت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن يزِيد فِي قَوْله {أَو يخَافُوا أَن
ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} قَالَ: فَتبْطل أَيْمَانهم
وَتُؤْخَذ أَيْمَان هَؤُلَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن مقَاتل فِي قَوْله
{وَاتَّقوا الله واسمعوا} قَالَ: يَعْنِي الْقَضَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله
{وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين} قَالَ: الْكَاذِبين
الَّذين يحلفُونَ على الْكَذِب
وَالله تَعَالَى أعلم
(3/226)
يَوْمَ يَجْمَعُ
اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا
عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
- قَوْله تَعَالَى: يَوْم يجمع الله
الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا إِنَّك
أَنْت علام الغيوب
(3/226)
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد الرَّزَّاق
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وأبوالشيخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل
فَيَقُول مَاذَا أجبتم} فيفزعون فَيَقُول: مَاذَا أجبتم
فَيَقُولُونَ: لاعلم لنا فَيرد إِلَيْهِم أفئدتهم فيعلمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا
أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} قَالَ: ذَلِك أَنهم نزلُوا منزلا
ذهلت فِيهِ الْعُقُول فَلَمَّا سئلوا قَالُوا: لَا علم لنا
ثمَّ نزلُوا منزلا آخر فَشَهِدُوا على قَومهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله
الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم} فَيَقُولُونَ للرب تبَارك
وَتَعَالَى: لَا علم لنا إِلَّا علم أَنْت أعلم بِهِ منا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ من طَرِيق الضَّحَّاك عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول
مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} قَالَ: فرقا تذهل عُقُولهمْ
ثمَّ يرد الله عُقُولهمْ إِلَيْهِم فيكونون هم الَّذين
يسْأَلُون يَقُول الله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم
ولنسألن الْمُرْسلين} الْأَعْرَاف الْآيَة 6
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي
قَوْله {فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} قَالَ: من
هول ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج أبوالشيخ عَن زيد بن أسلم قَالَ: يَأْتِي على الْخلق
سَاعَة يذهل فِيهَا عقل كل ذِي عقل {يَوْم يجمع الله الرُّسُل}
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ:
جَاءَ نَافِع بن الْأَزْرَق إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتفسرن لي آياً من كتاب الله عز
وَجل أَو لأكفرن بِهِ
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَيحك
أَنا لَهَا الْيَوْم أَي آي قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ
وجلَّ {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم
قَالُوا لَا علم لنا} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {وَنَزَعْنَا
من كل أمة شَهِيدا فَقُلْنَا هاتوا برهانكم فَعَلمُوا أَن
الْحق لله} الْقَصَص الْآيَة 75 فَكيف علمُوا وَقد قَالُوا لَا
علم لنا وَأَخْبرنِي عَن قَول الله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم
الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} الزمر الْآيَة 31 وَقَالَ
فِي آيَة آخرى {لَا تختصموا لدي} ق الْآيَة 38 فَكيف يختصمون
وَقد
(3/227)
قَالَ: لَا تختصموا لديَّ وَأَخْبرنِي عَن
قَول الله {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم وتكلمنا أَيْديهم
وَتشهد أَرجُلهم} يس الْآيَة 65 فَكيف شهدُوا وَقد ختم على
الأفواه فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثكلتك أمك يَا ابْن الْأَزْرَق
إِن للقيامة أحوالاً وأهوالاً وفظائع وزلازل فَإِذا تشققت
السَّمَوَات وتناثرت النُّجُوم وَذهب ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر
وذهلت الْأُمَّهَات عَن الْأَوْلَاد وقذفت الْحَوَامِل مَا فِي
الْبُطُون وسجرت الْبحار ودكدكت الْجبَال وَلم يلْتَفت وَالِد
إِلَى ولد وَلَا ولد إِلَى وَالِد وَجِيء بِالْجنَّةِ تلوح
فِيهَا قباب الدّرّ والياقوت حَتَّى تنصب على يَمِين الْعَرْش
ثمَّ جِيءَ بجهنم تقاد بسبعين ألف زِمَام من حَدِيد مُمْسك
بِكُل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك لَهَا عينان زرقاوان تجر
الشّفة السُّفْلى أَرْبَعِينَ عَاما تخطر كَمَا يخْطر الْفَحْل
لَو تركت لأتت على كل مُؤمن وَكَافِر ثمَّ يُؤْتى بهَا حَتَّى
تنصب عَن يسَار الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن رَبهَا فِي السُّجُود
فَيَأْذَن لَهَا فتحمده بِمَحَامِد لم يسمع الْخَلَائق
بِمِثْلِهَا تَقول: لَك الْحَمد إلهي إِذْ جَعَلتني أنتقم من
أعدائك وَلم تجْعَل لي شَيْئا مِمَّا خلقت تنتقم بِهِ مني
إِلَى أَهلِي فلهي أعرف بِأَهْلِهَا من الطير بالحب على وَجه
الأَرْض
حَتَّى إِذا كَانَت من الْموقف على مسيرَة مائَة عَام وَهُوَ
قَول الله تَعَالَى {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} الْفرْقَان
الْآيَة 12 زفرت زفرَة فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي
مُرْسل وَلَا صديق منتخب وَلَا شَهِيد مِمَّا هُنَالك الآخر
جاثياً على رُكْبَتَيْهِ ثمَّ تزفر الثَّانِيَة زفرَة فَلَا
يبْقى قَطْرَة من الدُّمُوع إِلَّا بدرت فَلَو كَانَ لكل
آدَمِيّ يَوْمئِذٍ عمل اثْنَيْنِ وَسبعين نَبيا لظن أَنه
سيواقعها ثمَّ تزفر الثَّالِثَة زفرَة فتنقطع الْقُلُوب من
أماكنها فَتَصِير بَين اللهوات والحناجر ويعلو سَواد الْعُيُون
بياضها يُنَادي كل آدَمِيّ يَوْمئِذٍ: يَا ربّ نَفسِي نَفسِي
لَا أَسأَلك غَيرهَا ونبيكم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
يَا رب أمتِي أمتِي لَا همة لَهُ غَيْركُمْ فَعِنْدَ ذَلِك
يدعى بالأنبياء وَالرسل فَيُقَال لَهُم {مَاذَا أجبتم قَالُوا
لَا علم لنا} طاشت الأحلام وذهلت الْعُقُول فَإِذا رجعت
الْقُلُوب إِلَى أماكنها {وَنَزَعْنَا من كل أمة شَهِيدا
فَقُلْنَا هاتوا برهانكم فَعَلمُوا أَن الْحق لله} الْقَصَص
الْآيَة 75 وَأما قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم
الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} الزمر الْآيَة 31 فَيُؤْخَذ
(3/228)
للمظلوم من الظَّالِم وللمملوك من
الْمَالِك وللضعيف من الشَّديد وللجماء من القرناء حَتَّى
يُؤدى إِلَى كل ذِي حق حَقه فَإِذا أدّى إِلَى كل ذِي حق حَقه
أَمر بِأَهْل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى
النَّار اخْتَصَمُوا فَقَالُوا: رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا
{رَبنَا من قدم لنا هَذَا فزده عذَابا ضعفا فِي النَّار} ص
الْآيَة 16 فَيَقُول الله تَعَالَى {لَا تختصموا لديَّ وَقد
قدمت إِلَيْكُم بالوعيد} ق الْآيَة 38 إِنَّمَا الْخُصُومَة
بالموقف وَقد قضيت بَيْنكُم بالموقف فَلَا تختصموا لدي
وَأما قَوْله {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم وتكلمنا أَيْديهم
وَتشهد أَرجُلهم} يس الْآيَة 65 فَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة
حَيْثُ يرى الْكفَّار مَا يُعْطي الله أهل التَّوْحِيد من
الْفَضَائِل وَالْخَيْر
يَقُولُونَ: تَعَالَوْا حَتَّى نحلف بِاللَّه مَا كُنَّا
مُشْرِكين فتتكلم الْأَيْدِي بِخِلَاف مَا قَالَت الألسن:
وَتشهد الأرجل تَصْدِيقًا للأيدي ثمَّ يَأْذَن الله للأفواه
فَتَنْطِق {وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا
الله الَّذِي أنطق كل شَيْء} فصلت الْآيَة 21
(3/229)
إِذْ قَالَ اللَّهُ
يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى
وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ
النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي
فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ
الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ
الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ الله يَا
عِيسَى ابْن مَرْيَم اذكر نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك إِذْ
أيدتك بِروح الْقُدس تكلم النَّاس فِي المهد وكهلا وَإِذ علمتك
الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَإِذ تخلق من
الطين كَهَيئَةِ الطير بإذني فتنفخ فِيهَا فَتكون طيرا بإذني
وتبرأ الأكمه والأبرص بإذني وَإِذ تخرج الْمَوْتَى بإذني وَإِذ
كَفَفْت بني إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جئتهم بِالْبَيِّنَاتِ
فَقَالَ الَّذين كفرُوا مِنْهُم إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه عَن
أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي بالأنبياء
وأممها ثمَّ يدعى بِعِيسَى فيذكره الله نعْمَته عَلَيْهِ
فيقربها يَقُول {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اذكر نعمتي عَلَيْك
وعَلى والدتك} الْآيَة
ثمَّ يَقُول {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من
دون الله} الْمَائِدَة الْآيَة 116 فينكر أَن يكون قَالَ ذَلِك
فيؤتي بالنصارى فَيسْأَلُونَ فَيَقُولُونَ: نعم هُوَ
(3/229)
أمرنَا بذلك
فَيطول شعر عِيسَى حَتَّى يَأْخُذ كل ملك من الْمَلَائِكَة
بشعرة من شعر رَأسه وَجَسَده فيجاثيهم بَين يَدي الله مِقْدَار
ألف عَام حَتَّى يُوقع عَلَيْهِم الْحجَّة وَيرْفَع لَهُم
الصَّلِيب وينطلق بهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن ابْن
وهب عَن أَبِيه قَالَ: قدم رجل من أهل الْكتاب الْيمن فَقَالَ
أبي: ائته واسمع مِنْهُ
فَقلت: تحيلني على رجل نَصْرَانِيّ قَالَ: نعم
ائته واسمع مِنْهُ
فَأَتَيْته فَقَالَ: لما رفع الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
أَقَامَهُ بَين يَدي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَقَالَ لَهُ {اذكر
نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك} فعلت بك وَفعلت بك ثمَّ أخرجتك من
بطن أمك فَفعلت بك وَفعلت بك سَتَكُون أمة بعْدك ينتجلونك
وينتجلون ربوبيتك وَيشْهدُونَ أَنَّك قدمت وَكَيف يكون رب
يَمُوت فبعزتي حَلَفت لأناصبنهم الْحساب يَوْم الْقِيَامَة
ولأقيمنهم مقَام الْخصم من الْخصم حَتَّى ينفذوا مَا قَالُوا
وَلنْ ينفذوه أبدا ثمَّ أسلم وَجَاء من الْأَحَادِيث بِشَيْء
لم أسمع مثلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ
كَفَفْت بني إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جئتهم بِالْبَيِّنَاتِ}
أَي الْآيَات الَّتِي وضع على يَدَيْهِ من احياء الْمَوْتَى
وخلقه من الطين كَهَيئَةِ الطير
ثمَّ ينْفخ فِيهِ فَيكون طيراً بِإِذن الله وإبراء الأسقام
وَالْخَبَر بِكَثِير من الغيوب مِمَّا يدخرون فِي بُيُوتهم
وَمَا رد عَلَيْهِم من التَّوْرَاة مَعَ الإِنجيل الَّذِي أحدث
الله إِلَيْهِ ثمَّ ذكر كفرهم بذلك كُله
(3/230)
وَإِذْ أَوْحَيْتُ
إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا
آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أوحيت إِلَى
الحواريين أَن آمنُوا بِي وبرسولي قَالُوا آمنا واشهد بأننا
مُسلمُونَ
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ فِي قَوْله {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين} يَقُول:
قذفت فِي قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَإِذ أوحيت إِلَى
الحواريين} قَالَ: وَحي قذف فِي قُلُوبهم لَيْسَ بِوَحْي نبوّة
وَالْوَحي وحيان: وَحي تَجِيء بِهِ الْمَلَائِكَة ووحي يقذف
فِي قلب العَبْد
(3/230)
إِذْ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ
رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ
قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)
قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ
قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ
عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً
مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا
وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
(114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ
يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا
أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ الحواريون
يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا
مائدة من السَّمَاء قَالَ اتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين
قَالُوا نُرِيد أَن نَأْكُل مِنْهَا وتطمئن قُلُوبنَا ونعلم
أَن قد صدقتنا ونكون عَلَيْهَا من الشَّاهِدين قَالَ عِيسَى
ابْن مَرْيَم اللَّهُمَّ رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء
تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وَآيَة مِنْك وارزقنا وَأَنت خير
الرازقين قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم فَمن يكفر بعد
مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين
- أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وأبوالشيخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي
الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ الحواريون أعلم بِاللَّه من أَن
يَقُولُوا هَل يَسْتَطِيع رَبك إِنَّمَا قَالُوا: هَل
تَسْتَطِيع أَنْت رَبك هَل تَسْتَطِيع أَن تَدعُوهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل عَن
قَول الحواريين {هَل يَسْتَطِيع رَبك} أَو تَسْتَطِيع رَبك
فَقَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل
تَسْتَطِيع رَبك) بِالتَّاءِ
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ
عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا (هَل تَسْتَطِيع رَبك)
بِالتَّاءِ وَنصب رَبك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير أَنه
قَرَأَهَا (هَل تَسْتَطِيع رَبك) قَالَ: هَل تَسْتَطِيع أَن
تسْأَل رَبك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر الشّعبِيّ أَن عليا كَانَ
يَقْرَأها (هَل يَسْتَطِيع رَبك) قَالَ: هَل يعطيك رَبك
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن وثاب وَأبي رَجَاء أَنَّهُمَا
قرآ (هَل يَسْتَطِيع رَبك) بِالْيَاءِ وَالرَّفْع
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {هَل يَسْتَطِيع رَبك
أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} قَالَ: قَالُوا: هَل يطيعك
رَبك إِن سَأَلته فَأنْزل الله عَلَيْهِم مائدة من السَّمَاء
فِيهَا جَمِيع الطَّعَام إِلَّا اللَّحْم فَأَكَلُوا مِنْهَا
(3/231)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
فِي قَوْله {مائدة} قَالَ: الْمَائِدَة الخوان
وَفِي قَوْله {وتطمئن} قَالَ: توقن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن السّديّ فِي
قَوْله {تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} يَقُول: نتَّخذ
الْيَوْم الَّذِي نزلت فِيهِ عيداً نعظمه نَحن وَمن بَعدنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وأبوالشيخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تكون لنا عيداً
لأوّلنا وآخرنا} قَالَ: أَرَادوا أَن تكون لعقبهم من بعدهمْ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن
أبي حَاتِم وأبوالشيخ فِي العظمة وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي
فَوَائده الْمَعْرُوفَة بالغيلانيات عَن سلمَان الْفَارِسِي
قَالَ: لما سَأَلَ الحواريون عِيسَى بن مَرْيَم الْمَائِدَة
كره ذَلِك جدا وَقَالَ: اقنعوا بِمَا رزقكم الله فِي الأَرْض
وَلَا تسألوا الْمَائِدَة من السَّمَاء فَإِنَّهَا إِن نزلت
عَلَيْكُم كَانَت آيَة من ربكُم وَإِنَّمَا هَلَكت ثَمُود حِين
سَأَلُوا نَبِيّهم آيَة فابتلوا بهَا حَتَّى كَانَ بوارهم
فِيهَا فَأَبَوا إِلَّا أَن يَأْتِيهم بهَا فَلذَلِك {قَالُوا
نُرِيد أَن نَأْكُل مِنْهَا وتطمئن قُلُوبنَا ونعلم أَن قد
صدقتنا ونكون عَلَيْهَا من الشَّاهِدين}
فَلَمَّا رأى عِيسَى أَن قد أَبَوا إِلَّا أَن يدعوا لَهُم
بهَا قَامَ فَألْقى عَنهُ الصُّوف وَلبس الشّعْر الْأسود وجبة
من شعر وعباءة من شعر ثمَّ تَوَضَّأ واغتسل وَدخل مُصَلَّاهُ
فصلى مَا شَاءَ الله فَلَمَّا قضى صلَاته قَامَ قَائِما
مُسْتَقْبل الْقبْلَة وصف قَدَمَيْهِ حَتَّى اسْتَويَا فألصق
الكعب بالكعب وحاذي الْأَصَابِع بالأصابع وَوضع يَده
الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فَوق صَدره وغض بَصَره وطأطأ رَأسه
خشوعاً ثمَّ أرسل عَيْنَيْهِ بالبكاء فَمَا زَالَت دُمُوعه
تسيل على خديه وتقطر من أَطْرَاف لحيته حَتَّى ابتلت الأَرْض
حِيَال وَجهه من خشوعه فَلَمَّا رأى ذَلِك دَعَا الله فَقَالَ
{اللَّهُمَّ رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون لنا
عيداً لأوّلنا وآخرنا} تكون عظة مِنْك لنا {وَآيَة مِنْك} أَي
عَلامَة مِنْك تكون بَيْننَا وَبَيْنك وارزقنا عَلَيْهَا
طَعَاما نأكله {وَأَنت خير الرازقين}
فَأنْزل الله عَلَيْهِم سفرة حَمْرَاء بَين غمامتين غمامة
فَوْقهَا وغمامة تحتهَا وهم ينظرُونَ إِلَيْهَا فِي الْهَوَاء
منقضة من فلك السَّمَاء تهوي إِلَيْهِم وَعِيسَى يبكي خوفًا
(3/232)
للشروط الَّتِي اتخذ الله فِيهَا عَلَيْهِم
إِنَّه يعذب من يكفر بهَا مِنْهُم بعد نُزُولهَا عذَابا لم
يعذبه أحدا من الْعَالمين وَهُوَ يَدْعُو الله فِي مَكَانَهُ
وَيَقُول: إلهي اجْعَلْهَا رَحْمَة إلهي لَا تجعلها عذَابا
إلهي كم من عَجِيبَة سَأَلتك فأعطيتني إلهي اجْعَلْنَا لَك
شاكرين إلهي أعوذ بك أَن تكون أنزلتها غَضبا ورجزاً إلهي
اجْعَلْهَا سَلامَة وعافية وَلَا تجعلها فتْنَة ومثلة فَمَا
زَالَ يَدْعُو حَتَّى اسْتَقَرَّتْ السفرة بَين يَدي عِيسَى
والحواريون وَأَصْحَابه حوله يَجدونَ رَائِحَة طيبَة لم يَجدوا
فِيمَا مضى رَائِحَة مثلهَا قطّ وخر عِيسَى والحواريون لله
سجدا شكرا لَهُ بِمَا رزقهم من حَيْثُ لم يحتسبوا وأراهم فِيهِ
آيَة عَظِيمَة ذَات عجب وعبرة
وَأَقْبَلت الْيَهُود ينظرُونَ فَرَأَوْا أمرا عجبا أورثهم
كمداً وغماً ثمَّ انصرفوا بغيظ شَدِيد وَأَقْبل عِيسَى
والحواريون وَأَصْحَابه حَتَّى جَلَسُوا حول السفرة فَإِذا
عَلَيْهِ منديل مغطى قَالَ عِيسَى: من أجرؤنا على كشف المنديل
عَن هَذِه السفرة وأوثقنا بِنَفسِهِ وأحسننا بلَاء عِنْد ربه
فليكشف عَن هَذِه الْآيَة حَتَّى نرَاهَا وَنَحْمَد رَبنَا
وَنَذْكُر باسمه وَنَأْكُل من رزقه الَّذِي رزقنا فَقَالَ
الحواريون: يَا روح الله وكلمته أَنْت أولانا بذلك وأحقنا
بالكشف عَنْهَا
فَقَامَ عِيسَى: فاستأنف وضُوءًا جَدِيدا ثمَّ دخل مُصَلَّاهُ
فصلى بذلك رَكْعَات ثمَّ بَكَى طَويلا ودعا الله أَن يَأْذَن
لَهُ فِي الْكَشْف عَنْهَا وَيجْعَل لَهُ ولقومه فِيهَا بركَة
وَرِزْقًا ثمَّ انْصَرف وَجلسَ إِلَى السفرة وَتَنَاول المنديل
وَقَالَ: بِسم الله خير الرازقين وكشف عَن السفرة وَإِذا هُوَ
عَلَيْهَا سَمَكَة ضخمة مشوية لَيْسَ عَلَيْهَا بواسير
وَلَيْسَ فِي جوفها سوك يسيل مِنْهَا السّمن سيلاً قد نضد
حولهَا بقول من كل صنف غير الكراث وَعند رَأسهَا خل وَعند
ذنبها ملح وحول الْبُقُول خَمْسَة أرغفة على وَاحِد مِنْهَا
زيتون وعَلى الآخر تمرات وعَلى الآخر خمس رمانات فَقَالَ
شَمْعُون رَأس الحواريين لعيسى: يَا روح الله وكلمته أَمن
طَعَام الدُّنْيَا هَذَا أم من طَعَام الْجنَّة فَقَالَ: أما
آن لكم أَن تعتبروا بِمَا ترَوْنَ من الْآيَات وَتَنْتَهُوا
عَن تنقير الْمسَائِل مَا أخوفني عَلَيْكُم أَن تعاقبوا فِي
سَبَب هَذِه الْآيَة
فَقَالَ شَمْعُون: لَا وإله إِسْرَائِيل مَا أردْت بهَا سوءا
يَا ابْن الصديقة
فَقَالَ عِيسَى: لَيْسَ شَيْء مِمَّا ترَوْنَ عَلَيْهَا من
طَعَام الْجنَّة وَلَا من طَعَام الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ
شَيْء ابتدعه الله فِي الْهَوَاء بِالْقُدْرَةِ الْغَالِبَة
(3/233)
الْقَاهِرَة فَقَالَ لَهُ كن فَكَانَ أسْرع
من طرفَة عين فَكُلُوا مِمَّا سَأَلْتُم بِسم الله واحمدوا
عَلَيْهِ ربكُم يمدكم مِنْهُ ويزدكم فَإِنَّهُ بديع قَادر
شَاكر
فَقَالَ يَا روح الله وكلمته إِنَّا نحب أَن ترينا آيَة فِي
هَذِه الْآيَة
فَقَالَ عِيسَى: سُبْحَانَ الله
أما اكتفيتم بِمَا رَأَيْتُمْ من هَذِه الْآيَة حَتَّى تسألوا
فِيهَا آيَة أُخْرَى ثمَّ أقبل عِيسَى على السَّمَكَة فَقَالَ:
يَا سَمَكَة عودي بِإِذن الله حَيَّة كَمَا كنت فأحياها الله
بقدرته فاضطربت وعادت بِإِذن الله حَيَّة طرية تلمظ كَمَا
يتلمظ الْأسد تَدور عَيناهَا لَهَا بصيص وعادت عَلَيْهَا
بواسيرها فَفَزعَ الْقَوْم مِنْهَا وانحاسوا فَلَمَّا رأى
عِيسَى ذَلِك مِنْهُم قَالَ: مَا لكم تسْأَلُون الْآيَة فَإِذا
أراكموها ربكُم كرهتموها مَا أخوفني عَلَيْكُم أَن تعاقبوا
بِمَا تَصْنَعُونَ يَا سَمَكَة عودي بِإِذن الله كَمَا كنت
فَعَادَت بِإِذن الله مشوية كَمَا كَانَت فِي خلقهَا الأول
فَقَالُوا لعيسى: كن أَنْت يَا روح الله الَّذِي تبدأ
بِالْأَكْلِ مِنْهَا ثمَّ نَحن بعد
فَقَالَ: معَاذ الله من ذَلِك يبْدَأ بِالْأَكْلِ كل من
طلبَهَا
فَلَمَّا رأى الحواريون وأصحابهم امْتنَاع نَبِيّهم مِنْهَا
خَافُوا أَن يكون نُزُولهَا سخطَة وَفِي أكلهَا مثلَة فتحاموها
فَلَمَّا رأى ذَلِك عِيسَى دَعَا لَهَا الْفُقَرَاء والزمنى
وَقَالَ: كلوا من رزق ربكُم ودعوة نَبِيكُم واحمدوا الله
الَّذِي أنزلهَا لكم يكون مهناها لكم وعقوبتها على غَيْركُمْ
وافتتحوا أكلكم بِسم الله واختتموه بِحَمْد الله فَفَعَلُوا
فَأكل مِنْهَا ألف وثلثمائة إِنْسَان بَين رجل وَامْرَأَة
يصدرون عَنْهَا كل وَاحِد مِنْهُم شبعان يتجشأ
وَنظر عِيسَى والحواريون فَإِذا مَا عَلَيْهَا كَهَيئَةِ إِذْ
نزلت من السَّمَاء لم ينتقص مِنْهُ شَيْء ثمَّ إِنَّهَا رفعت
إِلَى السَّمَاء وهم ينظرُونَ فاستغنى كل فَقير أكل مِنْهَا
وبريء كل زمن مِنْهُم أكل مِنْهَا فَلم يزَالُوا أَغْنِيَاء
صحاحاً حَتَّى خَرجُوا من الدُّنْيَا وَنَدم الحواريون
وأصحابهم الَّذين أَبُو أَن يَأْكُلُوا مِنْهَا ندامة سَأَلت
مِنْهَا أشفارهم وَبقيت حسرتها فِي قُلُوبهم إِلَى يَوْم
الْمَمَات
قَالَ: فَكَانَت الْمَائِدَة إِذا نزلت بعد ذَلِك أَقبلت بَنو
إِسْرَائِيل إِلَيْهَا من كل مَكَان يسعون يزاحم بَعضهم
بَعْضًا الْأَغْنِيَاء والفقراء وَالنِّسَاء وَالصغَار والكبار
والأصحاء والمرضى يركب بَعضهم بَعْضًا فَلَمَّا رأى عِيسَى
ذَلِك جعلهَا نوباً بَينهم فَكَانَت تنزل يَوْمًا وَلَا تنزل
يَوْمًا فلبثوا فِي ذَلِك أَرْبَعِينَ يَوْمًا تنزل عَلَيْهِم
غبا عِنْد ارْتِفَاع الضُّحَى فَلَا تزَال مَوْضُوعَة يُؤْكَل
مِنْهَا حَتَّى إِذا قَالُوا ارْتَفَعت عَنْهُم بِإِذن الله
إِلَى جو السَّمَاء وهم ينظرُونَ إِلَى ظلها فِي الأَرْض
حَتَّى توارى عَنْهُم
(3/234)
فَأوحى الله إِلَى عِيسَى أَن اجْعَل
رِزْقِي فِي الْمَائِدَة لِلْيَتَامَى والفقراء والزمنى دون
الْأَغْنِيَاء من النَّاس فَلَمَّا فعل الله ذَلِك ارتاب بهَا
الْأَغْنِيَاء وغمصوا ذَلِك حَتَّى شكوا فِيهَا فِي أنفسهم
وشككوا فِيهَا النَّاس وأذاعوا فِي أمرهَا الْقَبِيح
وَالْمُنكر وَأدْركَ الشَّيْطَان مِنْهُم حَاجته وَقذف وساوسه
فِي قُلُوب المرتابين حَتَّى قَالُوا لعيسى: أخبرنَا عَن
الْمَائِدَة ونزولها من السَّمَاء حق فَإِنَّهُ ارتاب بهَا بشر
منا كثير
قَالَ عِيسَى: كَذبْتُمْ وإله الْمَسِيح طلبتم الْمَائِدَة
إِلَى نَبِيكُم أَن يطْلبهَا لكم إِلَى ربكُم فَلَمَّا أَن فعل
وأنزلها الله عَلَيْكُم رَحْمَة وَرِزْقًا وأراكم فِيهَا
الْآيَات والعبر كَذبْتُمْ بهَا وشككتم فِيهَا فأبشروا
بِالْعَذَابِ فَإِنَّهُ نَازل بكم إِلَّا أَن يَرْحَمكُمْ الله
وَأوحى الله إِلَى عِيسَى إِنِّي آخذ المكذبين بشرطي فَإِنِّي
معذب مِنْهُم من كفر بالمائدة بعد نُزُولهَا عذَابا لَا أعذبه
أحدا من الْعَالمين فَلَمَّا أَمْسَى المرتابون بهَا وَأخذُوا
مضاجعهم فِي أحسن صُورَة من نِسَائِهِم آمِنين فَلَمَّا كَانَ
من آخر اللَّيْل مسخهم الله خنازير وَأَصْبحُوا يتتبعون
الأقذار فِي الكناسات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن ابْن
عَبَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن ابْن
عَبَّاس
أَنه كَانَ يحدث عَن عِيسَى بن مَرْيَم أَنه قَالَ لبني
إِسْرَائِيل: هَل لكم أَن تَصُومُوا لله ثَلَاثِينَ يَوْمًا
ثمَّ تسألوه فيعطيكم مَا سَأَلْتُم فَإِن أجر الْعَامِل على من
عمل لَهُ فَفَعَلُوا ثمَّ قَالُوا: يَا معلم الْخَيْر قلت لنا
إِن أجر الْعَامِل على من عمل لَهُ وأمرتنا أَن نَصُوم
ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفَعَلْنَا وَلم نَكُنْ نعمل لأحد
ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أطعمنَا {هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن
ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} إِلَى قَوْله {أحدا من
الْعَالمين} فَأَقْبَلت الْمَلَائِكَة تطير بمائدة من
السَّمَاء عَلَيْهَا سَبْعَة أحوات وَسَبْعَة أرغفة حَتَّى
وَضَعتهَا بَين أَيْديهم فَأكل مِنْهَا آخر النَّاس كَمَا أكل
مِنْهَا أَوَّلهمْ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وأبوالشيخ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن عمار بن يَاسر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنزلت الْمَائِدَة من السَّمَاء خبْزًا وَلَحْمًا
وَأمرُوا أَن لَا يخونوا وَلَا يدخروا لغد فخانوا وَادخرُوا
وَرفعُوا لغد فمسخوا قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه
آخر عَن عمار بن يَاسر مَوْقُوفا مثله
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْوَقْف أصح
(3/235)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمار بن يَاسر قَالَ:
نزلت الْمَائِدَة عَلَيْهَا ثَمَر من ثَمَر الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمَائِدَة
سَمَكَة وأريغفة
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عِكْرِمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْلَا بَنو
إِسْرَائِيل مَا خنز الْخبز وَلَا أنتن اللَّحْم وَلَكِن
خَبَّأوه لغد فأُنتن اللَّحْم وخنز الْخبز
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن أبي عبد
الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي قَوْله {أنزل علينا مائدة من
السَّمَاء} قَالَ: خبْزًا وسمكاً
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن
سعيد بن جُبَير قَالَ: نزلت الْمَائِدَة وَهِي طَعَام يفور
فَكَانُوا يَأْكُلُون مِنْهَا قعُودا فأحدثوا فَرفعت شَيْئا
فَأَكَلُوا على الركب ثمَّ أَحْدَثُوا فَرفعت الْبَتَّةَ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَت
مائدة يجلس عَلَيْهَا أَرْبَعَة آلَاف فَقَالُوا لقوم من
وضعائهم: إِن هَؤُلَاءِ يلطخون ثيابنا علينا فَلَو بنينَا
لَهَا دكاناً يرفعها فبنوا لَهَا دكاناً فَجعلت الضُّعَفَاء
لَا تصل إِلَى شَيْء فَلَمَّا خالفوا أَمر الله عز وَجل
رَفعهَا عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَأَبُو
الشَّيْخ عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ: الْمَائِدَة سَمَكَة
فِيهَا من طعم كل طَعَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة
أَن الْخبز الَّذِي أنزل مَعَ الْمَائِدَة كَانَ من أرز
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: نزل على عِيسَى ابْن مَرْيَم والحواريين خوان عَلَيْهِ
خبز وسمك يَأْكُلُون مِنْهُ أَيْنَمَا توَلّوا إِذا شاؤوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد من
طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْمَائِدَة قَالَ:
كَانَ طَعَاما ينزل عَلَيْهِم من السَّمَاء حَيْثُمَا نزلُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: هُوَ
الطَّعَام ينزل عَلَيْهِم حَيْثُ نزلُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن إِسْحَق بن عبد الله
أَن الْمَائِدَة نزلت على عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهَا سَبْعَة
أرغفة وَسَبْعَة أحوات يَأْكُلُون مِنْهَا مَا شاؤوا فَسرق
بَعضهم مِنْهَا وَقَالَ: لَعَلَّهَا لَا تنزل غَدا فَرفعت
(3/236)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا
أَنَّهَا كَانَت مائدة ينزل عَلَيْهَا الثَّمر من ثمار
الْجنَّة وَأمرُوا أَن لَا يخبئوا وَلَا يخونوا وَلَا يدخروا
لغد بلَاء أبلاهم الله بِهِ وَكَانُوا إِذا فعلوا شَيْئا من
ذَلِك أنبأهم بِهِ عِيسَى فخان الْقَوْم فِيهِ فخبأوا
وادَّخَروا لِغدٍ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ: أنزل على الْمَائِدَة كل شَيْء إِلَّا اللَّحْم
والمائدة الخوان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
ميسرَة وزاذان قَالَا: كَانَت الْمَائِدَة إِذا وضعت لبني
إِسْرَائِيل اخْتلفت الْأَيْدِي فِيهَا بِكُل طَعَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه أَنه سُئِلَ عَن
الْمَائِدَة الَّتِي أنزلهَا الله من السَّمَاء على بني
إِسْرَائِيل قَالَ: كَانَ ينزل عَلَيْهِم فِي كل يَوْم فِي
تِلْكَ الْمَائِدَة من ثمار الْجنَّة فَأَكَلُوا مَا شاؤوا من
ضروب شَتَّى فَكَانَت يقْعد عَلَيْهَا أَرْبَعَة آلَاف فَإِذا
أكلُوا أبدل الله مَكَان ذَلِك بِمثلِهِ فلبثوا بذلك مَا شَاءَ
الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {أنزل علينا مائدة من السَّمَاء} قَالَ:
هُوَ مثل ضرب وَلم ينزل عَلَيْهِم شَيْء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
قَالَ: مائدة عَلَيْهَا طَعَام أَبوهَا حِين عرض عَلَيْهِم
الْعَذَاب إِن كفرُوا فَأَبَوا أَن ينزل عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْأَنْبَارِي عَن الْحسن قَالَ: لما قيل لَهُم {فَمن يكفر بعد
مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه عذَابا} قَالُوا: لَا حَاجَة لنا
فِيهَا فَلم تنزل عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من
الْعَالمين} قَالَ: ذكر لنا أَنهم لما صَنَعُوا فِي
الْمَائِدَة مَا صَنَعُوا حوِّلوا خنازير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{فَمن يكفر بعد مِنْكُم} بعد مَا جَاءَتْهُ الْمَائِدَة
{فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين} يَقُول:
أعذبه بِعَذَاب لَا أعذبه أحدا غير أهل الْمَائِدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله
بن عَمْرو قَالَ: إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة
من كفر من أَصْحَاب الْمَائِدَة والمنافقون وَآل فِرْعَوْن
(3/237)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ
{إِنِّي منزلهَا} مثقلة
- الْآيَة (116 - 117)
(3/238)
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ
يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ
اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ
سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي
بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا
فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ
عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا
أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ
وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا
تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن
مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: يلقى الله
عِيسَى حجَّته وَالله لقاه فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ الله يَا
عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي
إِلَهَيْنِ من دون الله} قَالَ أبوهريرة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: فلقاه الله {سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن
أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق}
الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ميسرَة قَالَ: لما {قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن
مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون
الله} أرعد كل مفصل مِنْهُ حَتَّى وَقع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن بن صَالح قَالَ: لما قَالَ
{أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله}
زَالَ كل مفصل لَهُ من مَكَانَهُ خيفة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي
إِلَهَيْنِ من دون الله} مَتى يكون ذَلِك قَالَ: يَوْم
الْقِيَامَة أَلا ترى أَنه يَقُول {هَذَا يَوْم ينفع
الصَّادِقين صدقهم} الْمَائِدَة الْآيَة 119
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت
للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} قَالَ: لما رفع
الله عِيسَى بن مَرْيَم إِلَيْهِ قَالَت النَّصَارَى مَا
قَالَت وَزَعَمُوا أَن عِيسَى أَمرهم بذلك
(3/238)
فَسَأَلَهُ عَن قَوْله {قَالَ سُبْحَانَكَ
مَا يكون لي} إِلَى قَوْله {وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
طَاوس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: احْتج عِيسَى وربه وَالله
وَفقه {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ
لي بِحَق}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق طَاوس عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عِيسَى حاجه ربه
فحاج عِيسَى ربه وَالله لقاه حجَّته بقوله {أَأَنْت قلت
للنَّاس} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن جَابر بن عبد الله سمع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمعت
الْأُمَم ودعي كل أنَاس بإمامهم قَالَ: ويدعى عِيسَى فَيَقُول
لعيسى {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني
وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} فَيَقُول {سُبْحَانَكَ مَا يكون
لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق} إِلَى قَوْله {يَوْم ينفع
الصَّادِقين صدقهم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج {وَإِذ قَالَ الله يَا
عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي
إِلَهَيْنِ من دون الله} وَالنَّاس يسمعُونَ فَرَاجعه بِمَا قد
رَأَيْت فَأقر لَهُ بالعبودية على نَفسه فَعلم من كَانَ يَقُول
فِي عِيسَى مَا كَانَ يَقُول أَنه إِنَّمَا كَانَ يَقُول
بَاطِلا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَن
اعبدوا الله رَبِّي وربكم} قَالَ: سَيِّدي وسيدكم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت
فيهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم
مَحْشُورُونَ إِلَى الله حُفَاة عُرَاة غرلًا ثمَّ قَرَأَ
{كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا
فاعلين} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 104 ثمَّ قَالَ: أَلا وَإِن أول
الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم أَلا
(3/239)
وَإنَّهُ يجاء بِرِجَال من أمتِي فَيُؤْخَذ
بهم ذَات الشمَال فَأَقُول: يَا رب أَصْحَابِي أَصْحَابِي
فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول
كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا
دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم}
فَيُقَال: أما هَؤُلَاءِ لم يزَالُوا مرتدين على أَعْقَابهم مذ
فَارَقْتهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كنت أَنْت
الرَّقِيب عَلَيْهِم} قَالَ: الحفيظ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {كنت أَنْت الرَّقِيب} قَالَ: الحفيظ
- الْآيَة (118)
(3/240)
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ
فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
- أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف
وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن أبي ذَر قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْلَة فَقَرَأَ بِآيَة حَتَّى أصبح يرْكَع بهَا
وَيسْجد بهَا {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} الْآيَة
فَلَمَّا أصبح قلت: يَا رَسُول الله مَا زلت تقْرَأ هَذِه
الْآيَة حَتَّى أَصبَحت قَالَ: إِنِّي سَأَلت رَبِّي
الشَّفَاعَة لأمتي فَأَعْطَانِيهَا وَهِي ائلة إِن شَاءَ الله
من لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي ذَر قَالَ قَامَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِآيَة حَتَّى أصبح يُرَدِّدهَا {إِن
تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت
الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حسن
الظَّن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات
عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله فِي إِبْرَاهِيم {رب إنَّهُنَّ
أضللن كثيرا من النَّاس فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني}
إِبْرَاهِيم الْآيَة 36 الْآيَة
وَقَالَ عِيسَى بن مَرْيَم {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك
وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فَرفع
يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أمتِي أمتِي وَبكى
فَقَالَ الله: جِبْرِيل اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد فَقل إِنَّا
سنرضيك فِي أمتك وَلَا نسوءك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ بَات رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة يشفع لأمته
(3/240)
فَكَانَ يُصَلِّي بِهَذِهِ الْآيَة {إِن
تعذِّبهم فَإِنَّهُم عِبَادك} إِلَى آخر الْآيَة
كَانَ بهَا يسْجد وَبهَا يرْكَع وَبهَا يقوم وَبهَا يقْعد
حَتَّى أصبح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: قلت للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله قُمْت
اللَّيْلَة بِآيَة من الْقُرْآن ومعك قُرْآن لَو فعل هَذَا
بَعْضنَا لوجدنا عَلَيْهِ قَالَ: دَعَوْت لأمتي
قَالَ: فَمَاذَا أجبْت قَالَ: أجبْت بِالَّذِي لَو اطَّلع كثير
مِنْهُم عَلَيْهِ تركُوا الصَّلَاة
قَالَ: أَفلا أبشر النَّاس قَالَ: بلَى
فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله إِنَّك إِن تبْعَث إِلَى النَّاس
بِهَذَا نكلوا عَن الْعِبَادَة فناداه أَن ارْجع فَرجع وتلا
الْآيَة الَّتِي يتلوها {إِن تعذِّبهم فَإِنَّهُم عِبَادك وان
تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {إِن تُعَذبهُمْ
فَإِنَّهُم عِبَادك} يَقُول: عبيدك قد استوجبوا الْعَذَاب
بمقالتهم {وَإِن تغْفر لَهُم} أَي من تركت مِنْهُم وَمد فِي
عمره حَتَّى أهبط من السَّمَاء إِلَى الأَرْض يقتل الدَّجَّال
فنزلوا عَن مقالتهم ووحدوك وأقروا إِنَّا عبيد {وَإِن تغْفر
لَهُم} حَيْثُ رجعُوا عَن مقالتهم {فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز
الْحَكِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
السّديّ فِي قَوْله {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك}
يَقُول: إِن تُعَذبهُمْ تميتهم بنصرانيتهم فيحق عَلَيْهِم
الْعَذَاب فَإِنَّهُم عِبَادك {وان تغْفر لَهُم} فتخرجهم من
النَّصْرَانِيَّة وتهديهم إِلَى الْإِسْلَام {فَإنَّك أَنْت
الْعَزِيز الْحَكِيم} هَذَا قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
فِي الدُّنْيَا
- الْآيَة (119 - 120)
(3/241)
قَالَ اللَّهُ هَذَا
يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(120)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين
صدقهم} قَالَ: يَقُول هَذَا يَوْم ينفع الْمُوَحِّدين توحيدهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{قَالَ الله هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} قَالَ: هَذَا
فصل بَين كَلَام عِيسَى وَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة قَالَ: متكلمان تكلما يَوْم الْقِيَامَة
نَبِي الله عِيسَى وإبليس عَدو الله فَأَما إِبْلِيس فَيَقُول
{إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} إِبْرَاهِيم الْآيَة 42 إِلَى
قَوْله {إِلَّا أَن دعوتكم فاستجبتم} لي وَصدق عَدو الله
يَوْمئِذٍ وَكَانَ فِي الدُّنْيَا كَاذِبًا وَأما عِيسَى فَمَا
قصّ الله عَلَيْكُم فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى
ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من
دون الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي} الْمَائِدَة الْآيَة
116 إِلَى آخر الْآيَة: {قَالَ الله هَذَا يَوْم ينفع
الصَّادِقين صدقهم} وَكَانَ صَادِقا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَبعد الْمَوْت
قَوْله تَعَالَى: {لله ملك السَّمَاوَات} الْآيَة
أخرج أبوعبيد فِي فضائله عَن أبي الزَّاهِرِيَّة أَن عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ كتب فِي آخر الْمَائِدَة لله ملك السَّمَوَات
وَالْأَرْض وَالله سميع بَصِير
(3/242)
(6)
سُورَة الْأَنْعَام
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَسِتُّونَ وَمِائَة أخرج ابْن الضريس
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة الْأَنْعَام
بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الضريس فِي فضائلهما وَابْن
الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام بِمَكَّة لَيْلًا
جملَة حولهَا سَبْعُونَ ألف ملك يجأرون بالتسبيح
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة
الْأَنْعَام جَمِيعًا بِمَكَّة مَعهَا موكب من الْمَلَائِكَة
يشيعونها قد طبقوا مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَهُم زجل
بالتسبيح حَتَّى كَادَت الأَرْض أَن ترتج من زجلهم بالتسبيح
ارتجاجا فَلَمَّا سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجلهم
بالتسبيح رعب من ذَاك فَخر سَاجِدا حَتَّى أنزلت عَلَيْهِ
بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نزلت سُورَة
الْأَنْعَام يشيعها سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء قَالَت: نزلت سُورَة
الْأَنْعَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي
مسير فِي زجل من الْمَلَائِكَة وَقد نظموا مَا بَين السَّمَاء
وَالْأَرْض
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت
يزِيد قَالَت: نزلت سُورَة الْأَنْعَام على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم جملَة وَاحِدَة وَأَنا آخذة بزمام نَاقَة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كَادَت من ثقلهَا لتكسر
عِظَام النَّاقة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت عَليّ سُورَة
الْأَنْعَام جملَة وَاحِدَة يشيعها سَبْعُونَ ألف ملك لَهُم
زجل بالتسبيح والتحميد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان والسلفي فِي
(3/243)
الطيوريات عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت عَليّ سُورَة الْأَنْعَام
وَمَعَهَا موكب من الْمَلَائِكَة يسد مَا بَين الْخَافِقين
لَهُم زجل بالتسبيح وَالتَّقْدِيس وَالْأَرْض ترتج وَرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سُبْحَانَ الله
الْعَظِيم سُبْحَانَ الله الْعَظِيم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
والإسماعيلي فِي مُعْجَمه عَن جَابر قَالَ: لما نزلت سُورَة
الْأَنْعَام سبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ
قَالَ لقد شيع هَذِه السُّورَة من الْمَلَائِكَة مَا سد
الْأُفق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه والخطيب فِي تَارِيخه
عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: أنزل الْقُرْآن خمْسا خمْسا
وَمن حفظ خمْسا خمْسا لم ينسه إِلَّا سُورَة الْأَنْعَام
فَإِنَّهَا نزلت جملَة فِي ألف يشيعها من كل سَمَاء سَبْعُونَ
ملكا حَتَّى أدوها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
قُرِئت على عليل إِلَّا شفَاه الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزلت عَليّ سُورَة الْأَنْعَام جملَة
وَاحِدَة يشيعها سَبْعُونَ ألف ملك لَهُم زجل بالتسبيح
والتحميد وَالتَّكْبِير والتهليل
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُورَة
الْأَنْعَام نزلت بِمَكَّة جملَة وَاحِدَة فَهِيَ مَكِّيَّة
إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْهَا نزلتا بِالْمَدِينَةِ {قل
تَعَالَوْا أتل} الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 153 إِلَى تَمام
الْآيَات الثَّلَاث
وَأخرج الديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس مَرْفُوعا يُنَادي
مناديا: قارىء سُورَة الْأَنْعَام هَلُمَّ إِلَى الْجنَّة بحبك
إِيَّاهَا وتلاوتها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت سُورَة
الْأَنْعَام كلهَا جملَة مَعهَا خَمْسمِائَة ملك يزفونها
ويحفونها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: نزلت سُورَة
الْأَنْعَام جَمِيعًا مَعهَا سَبْعُونَ ألف ملك كلهَا
مَكِّيَّة إِلَّا {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة}
الْأَنْعَام الْآيَة 111 فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: لما
نزلت سُورَة الْأَنْعَام سبح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ قَالَ لقد شيع هَذِه السُّورَة من الْمَلَائِكَة مَا سد
الْأُفق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده
وَعبد بن حميد عَن شهر بن
(3/244)
حَوْشَب قَالَ: نزلت الْأَنْعَام جملَة
وَاحِدَة مَعهَا رجز من الْمَلَائِكَة قد نظموا مَا بَين
السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى الأَرْض قَالَ: وَهِي مَكِّيَّة
غير آيَتَيْنِ {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم}
الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 152 وَالْآيَة الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: أنزلت الْأَنْعَام
جَمِيعًا وَمَعَهَا سَبْعُونَ ألف ملك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: نزلت
الْأَنْعَام كلهَا بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ نزلتا
بِالْمَدِينَةِ فِي رجل من الْيَهُود وَهُوَ الَّذِي قَالَ
{مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} الْأَنْعَام الْآيَة 91
الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان قَالَ: نزلت الْأَنْعَام
كلهَا بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ نزلتا بِالْمَدِينَةِ فِي رجل
من الْيَهُود وَهُوَ الَّذِي قَالَ {مَا أنزل الله على بشر من
شَيْء} الْأَنْعَام الْآيَة 91 وَهُوَ فنحَاص الْيَهُودِيّ أَو
مَالك بن الصَّيف
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة فِي فضائله والدارمي فِي مُسْنده
وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر
بن الْخطاب قَالَ: الْأَنْعَام من مواجب الْقُرْآن
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْأَنْعَام
من مواجب الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حبيب أبي مُحَمَّد العابد قَالَ: من
قَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول الْأَنْعَام إِلَى تكسبون بعث الله
لَهُ سبعين ألف ملك يدعونَ لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَله
مثل أَعْمَالهم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أدخلهُ الله
الْجنَّة وسقاه من سلسبيل وغسله من الْكَوْثَر وَقَالَ: أَنا
رَبك حَقًا وَأَنت عَبدِي حَقًا
وَأخرج ابْن الضريس عَن حبيب بن عِيسَى عَن أبي مُحَمَّد
الْفَارِسِي قَالَ: من قَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول سُورَة
الْأَنْعَام بعث الله سبعين ألف ملك يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَله مثل أُجُورهم فَإِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة أدخلهُ الله الْجنَّة أظلهُ فِي ظلّ عَرْشه وأطعمه
من ثمار الْجنَّة وَشرب من الْكَوْثَر واغتسل من السلسبيل
وَقَالَ الله: أَنا رَبك وَأَنت عَبدِي
وَأخرج السلَفِي بِسَنَدِهِ واه عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا
قَالَ من قَرَأَ إِذا صلى الْغَدَاة
(3/245)
ثَلَاث آيَات من أول سُورَة الْأَنْعَام
إِلَى {وَيعلم مَا تكسبون} نزل إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ ألف ملك
يكْتب لَهُ مثل أَعْمَالهم وَبعث إِلَيْهِ ملك من سبع سموات
وَمَعَهُ مرزبة من حَدِيد فَإِن أوحى الشَّيْطَان فِي قلبه
شَيْئا من الشَّرّ ضربه حَتَّى يكون بَينه وَبَينه سَبْعُونَ
حِجَابا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الله تَعَالَى:
أَنا رَبك وَأَنت عَبدِي: امش فِي ظِلِّي واشرب من الْكَوْثَر
واغتسل من السلسبيل وادخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا
عَذَاب
وَأخرج الديلمي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى الْفجْر فِي جمَاعَة وَقعد فِي
مُصَلَّاهُ وَقَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول سُورَة الانعام وكل
الله بِهِ سبعين ملكا يسبحون الله وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ
إِلَى الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن حُذَيْفَة أَنه مر بِالنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد
قَالَ: فَقُمْت أُصَلِّي وَرَاءه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة
الْبَقَرَة فَلَمَّا ختم قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد
اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وترا ثمَّ افْتتح آل عمرَان فختمها
فَلم يرْكَع وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ افْتتح سُورَة الْمَائِدَة فختمها فَرَكَعَ فَسَمعته
يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَيرجع شَفَتَيْه فَاعْلَم
انه يَقُول: غير ذَلِك ثمَّ افْتتح سُورَة الْأَنْعَام فتركته
وَذَهَبت
- الْآيَة (1)
(3/246)
|