الدر المنثور في التفسير بالمأثور

المص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي أَيُّوب وَزيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب بالأعراف فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي صَلَاة الْمغرب فقرأها فِي رَكْعَتَيْنِ
(7)
سُورَة الْأَعْرَاف
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ ومائتان

- الْآيَة (1)

(3/412)


المص (1)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: أَنا الله أفصل
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: أَنا الله أفصل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي

(3/412)


قَوْله {آلمص} وطه وطسم وَيس وص وحم وحمعسق وق ون وَأَشْبَاه هَذَا فَإِنَّهُ قسم أقسم الله بِهِ وَهِي من أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: هُوَ المصوّر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: الالف من الله وَالْمِيم من الرَّحْمَن وَالصَّاد من الصَّمد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {آلمص} قَالَ: أَنا الله الصَّادِق

- الْآيَة (2 - 4)

(3/413)


كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} قَالَ: الشَّك
وَقَالَ لأعرابي: مَا الْحَرج فِيكُم قَالَ: الشَّك اللنهس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} قَالَ: شكّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} قَالَ: ضيق
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} أَي هَذَا الْقُرْآن

- الْآيَة (5)

(3/413)


فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا هلك قوم حَتَّى يعذروا من أنفسهم ثمَّ قَرَأَ {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا
مثله

(3/413)


- الْآيَة (6 - 7)

(3/414)


فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: نسْأَل النَّاس عَمَّا أجابوا الْمُرْسلين ونسأل الْمُرْسلين عَمَّا بلغُوا {فَلْنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعلم} قَالَ: يوضع الْكتاب يَوْم الْقِيَامَة فيتكلم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: أَحدهمَا الْأَنْبِيَاء وَأَحَدهمَا الْمَلَائِكَة {فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم وَمَا كُنَّا غائبين} قَالَ: ذَلِك قَول الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم} يَقُول: النَّاس تَسْأَلهُمْ عَن لَا إِلَه إِلَّا الله {ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم} قَالَ: هَل بَلغَكُمْ الرُّسُل {ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: مَاذَا ردوا عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم أبي الرَّحْمَن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: يسْأَل العَبْد يَوْم الْقِيَامَة عَن أَربع خِصَال
يَقُول رَبك: ألم اجْعَل لَك جسداً فَفِيمَ أبليته الم اجْعَل لَك علما فَفِيمَ عملت بِمَا علمت ألم أجعَل لَك مَالا فَفِيمَ أنفقته فِي طَاعَتي أم فِي معصيتي ألم اجْعَل لَك عمرا فَفِيمَ أفنيته وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهيب بن الْورْد قَالَ: بَلغنِي أَن أقرب الْخلق إِلَى الله اسرافيل وَالْعرش على كَاهِله فَإِذا نزل الْوَحْي دلى اللَّوْح من نَحْو الْعَرْش فيقرع جبهة اسرافيل فَينْظر فِيهِ فَيُرْسل إِلَى جِبْرِيل فيدعوه فيرسله فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي اسرافيل فَيُؤْتَى بِهِ ترتعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: مَا صنعت فِيمَا أدّى إِلَيْك اللَّوْح فَيَقُول: أَي رب أديته إِلَى جِبْرِيل
فَيُدْعَى جِبْرِيل فَيُؤتى بِهِ ترتعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: مَا صنعت فِيمَا أدّى إِلَيْك إسْرَافيل فَيَقُول: أَي رب بلغت الرُّسُل
فيدعى بالرسل ترتعد فرائصهم فَيُقَال لَهُم: مَا صَنَعْتُم فِيمَا أدّى إِلَيْكُم

(3/414)


جِبْرِيل فَيَقُولُونَ: أَي رب بلغنَا النَّاس
قَالَ: فَهُوَ قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي سِنَان قَالَ: أقرب الْخلق إِلَى الله اللَّوْح وَهُوَ مُعَلّق بالعرش فَإِذا أَرَادَ الله أَن يوحي بِشَيْء كتب فِي اللَّوْح فَيَجِيء اللَّوْح حَتَّى يقرع جبهة إسْرَافيل وإسرافيل قد غطى وَجهه بجناحيه لَا يرفع بَصَره اعظاماً لله فَينْظر فِيهِ فَإِن كَانَ إِلَى أهل السَّمَاء دَفعه إِلَى مِيكَائِيل وَإِن كَانَ إِلَى أهل الأَرْض دَفعه إِلَى جِبْرِيل فَأول من يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة اللَّوْح يدعى بِهِ ترْعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: هَل بلغت فَيَقُول: نعم
فَيَقُول رَبنَا: من يشْهد لَك فَيَقُول: اسرافيل
فيدعى إسْرَافيل ترْعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: هَل بلعك اللَّوْح فَإِذا قَالَ نعم قَالَ اللَّوْح: الْحَمد لله الَّذِي نجاني من سوء الْحساب ثمَّ كَذَلِك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله عز وَجل: يَا إسْرَافيل هَات مَا وَكلتك بِهِ
فَيَقُول: نعم يَا رب فِي الصُّور كَذَا وَكَذَا ثقبة وَكَذَا روح للإنس مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللجن مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللشياطين مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللوحوش مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللطير مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللبهائم مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللهوام مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللحيتان مِنْهَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُول الله عز وَجل: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا هُوَ مثلا بِمثل لَا يزِيد وَلَا ينقص ثمَّ يَقُول عز وَجل: هَات مَا وَكلتك يَا مِيكَائِيل
فَيَقُول: نعم يَا رب أنزلت من السَّمَاء كَذَا وَكَذَا كيلة وزنة كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا وزنة كَذَا وَكَذَا قيراطاً وزنة كَذَا وَكَذَا خردلة وزنة كَذَا وَكَذَا درة أنزلت فِي سنة كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي شهر كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي جُمُعَة كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي سَاعَة كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا أنزلت للزَّرْع مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وأنزلت للشياطين مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وأنزلت للانس مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وأنزلت للبهائم كَذَا وَكَذَا وأنزلت للوحوش كَذَا وَكَذَا وللطير كَذَا وَكَذَا وللحيتان كَذَا وَكَذَا وللهوام كَذَا وَكَذَا
فَذَلِك كُله كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا هُوَ مثلا بِمثل لَا يزِيد وَلَا ينقص ثمَّ يَقُول: يَا جِبْرِيل هَات مَا وَكلتك بِهِ
فَيَقُول: نعم يَا رب أنزلت على نبيك فلَان كَذَا وَكَذَا آيَة فِي شهر كَذَا وَكَذَا فِي جُمُعَة كَذَا وَكَذَا فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا وأنزلت على نبيك فلَان كَذَا وَكَذَا آيَة وَكَذَا وَكَذَا سُورَة فِيهَا كَذَا وَكَذَا آيَة
فَذَلِك كَذَا وَكَذَا آيَة فَذَلِك كَذَا وَكَذَا حرفا

(3/415)


وأهلكت كَذَا وَكَذَا مَدِينَة وخسفت بِكَذَا وَكَذَا
فَيَقُول: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا هُوَ مثلا بِمثل لَا يزِيد وَلَا ينقص
ثمَّ يَقُول: هَات مَا وَكلتك بِهِ يَا عزرائيل
فَيَقُول: نعم يَا رب فبضت روح كَذَا وَكَذَا إنسي وَكَذَا وَكَذَا جني وَكَذَا وَكَذَا شَيْطَان وَكَذَا وَكَذَا غريق وَكَذَا وَكَذَا حريق وَكَذَا وَكَذَا كَافِر وَكَذَا وَكَذَا شَهِيد وَكَذَا وَكَذَا هديم وَكَذَا وَكَذَا لديغ وَكَذَا وَكَذَا فِي سهل وَكَذَا وَكَذَا فِي جبل وَكَذَا وَكَذَا طير وَكَذَا وَكَذَا هوَام وَكَذَا وَكَذَا وَحش
فَذَلِك كَذَا وَكَذَا جملَته كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا مثلا بِمثل لايزيد وَلَا ينقص
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة بن حيدة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن رَبِّي دَاعِيَّ وَأَنه سائلي هَل بلغت عبَادي وَإِنِّي قَائِل رب إِنِّي قد بلغتهم فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب ثمَّ إِنَّكُم تدعون مفدمة أَفْوَاهكُم بالفدام إِن أول مَا يبين عَن أحدكُم لفخذه وكفه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس
أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة فَقَالَ الإِمام يسْأَل عَن النَّاس وَالرجل يسْأَل عَن أَهله وَالْمَرْأَة تسْأَل عَن بَيت زَوجهَا وَالْعَبْد يسْأَل عَن مَال سَيّده
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلكُمْ رَاع وكلكم مسؤول عَن رَعيته فالإِمام يسْأَل عَن النَّاس وَالرجل يسْأَل عَن أَهله وَالْمَرْأَة تسْأَل عَن بَيت زَوجهَا وَالْعَبْد يسْأَل عَن مَال سَيّده
وَأخرج ابْن حبَان وَأَبُو نعيم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله سَائل كل رَاع عَمَّا استرعاه أحفظ ذَلِك أم ضيعه حَتَّى يسْأَل الرجل عَن أهل بَيته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلكُمْ رَاع وكلكم مسؤول عَن رَعيته فأعدوا للمسائل جَوَابا
قَالُوا: وَمَا جوابها قَالَ: أَعمال الْبر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن الْمِقْدَام سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يكون رجل على قوم إِلَّا جَاءَ يقدمهم يَوْم الْقِيَامَة بَين يَدَيْهِ راية يحملهَا وهم يتبعونه فَيسْأَل عَنْهُم ويسألون عَنهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أَمِير يُؤمر على عشرَة إِلَّا سُئِلَ عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة

(3/416)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الله سَائل كل ذِي رعية عَمَّا استرعاه أَقَامَ أَمر الله فيهم أم أضاعه حَتَّى أَن الرجل ليسأل عَن أهل بَيته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا يسْأَل عَنهُ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة ينظر فِي صلَاته فَإِن صلحت فقد أَفْلح وَإِن فَسدتْ فقد خَابَ وخسر

- الْآيَة (8 - 10)

(3/417)


وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)

- أخرج اللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عمر بن الْخطاب قَالَ بَينا نَحن جُلُوس عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس إِذْ جَاءَ رجل لَيْسَ عَلَيْهِ سحناء سفر وَلَيْسَ من أهل الْبَلَد يتخطى حَتَّى ورك بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يجلس أَحَدنَا فِي الصَّلَاة ثمَّ وضع يَده على ركبتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَا الإِسلام قَالَ: الإِسلام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله وَأَن تقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الْجَنَابَة وتتم الْوضُوء وتصوم رَمَضَان
قَالَ: فَإِن فعلت هَذَا فَأَنا مُسلم قَالَ: نعم
قَالَ: صدقت يَا مُحَمَّد قَالَ: مَا الإِيمان قَالَ: الإِيمان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وتؤمن بِالْجنَّةِ وَالنَّار وَالْمِيزَان وتؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره
قَالَ: فَإِذا فعلت هَذَا فَأَنا مُؤمن قَالَ: نعم
قَالَ: صدقت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} قَالَ: الْعدْل {فَمن ثقلت مَوَازِينه} قَالَ: حَسَنَاته {وَمن خفت مَوَازِينه} قَالَ: حَسَنَاته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْعيزَار قَالَ: إِن الإِقدام يَوْم الْقِيَامَة لمثل النبل فِي الْقرن والسعيد من وجد لقدميه موضعا وَعند الْمِيزَان ملك

(3/417)


يُنَادي: أَلا إِن فلَان بن فلَان ثقلت مَوَازِينه وَسعد سَعَادَة لن يشقي بعْدهَا أبدا أَلا إِن فلَان بن فلَان خفت مَوَازِينه وشقى شقاء لن يسْعد بعده أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} قَالَ: توزن الْأَعْمَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِنَّمَا يُوزن من الْأَعْمَال خواتيمها فَمن أَرَادَ الله بِهِ خيرا ختم لَهُ بِخَير عمله وَمن أَرَادَ بِهِ شرا ختم لَهُ بشر عمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحَارِث الْأَعْوَر قَالَ: إِن الْحق ليثقل على أهل الْحق كثقله فِي الْمِيزَان وَأَن الْحق ليخف على أهل الْبَاطِل كخفته فِي الْمِيزَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر واللالكائي عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: ذكر الْمِيزَان عِنْد الْحسن فَقَالَ: لَهُ لِسَان وكفتان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: يوضع الْمِيزَان بَين شجرتين عِنْد بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير واللالكائي عَن حُذَيْفَة قَالَ: صَاحب الموازين يَوْم الْقِيَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يرد بَعضهم على بعض فَيُؤْخَذ من حَسَنَات الظَّالِم فَترد على الْمَظْلُوم فَإِن لم تكن لَهُ حَسَنَات أَخذ من سيئات الْمَظْلُوم فَردَّتْ على الظَّالِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَهُ لِسَان وكفتان يُوزن فَمن ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه فَأُولَئِك الَّذين خسروا أنفسهم ومنازلهم فِي الْجنَّة بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا تظْلمُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون} قَالَ: قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض أَهله: يَا رَسُول الله هَل يذكر النَّاس أَهْليهمْ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أما فِي ثَلَاث مَوَاطِن فَلَا
عِنْد الْمِيزَان وَعند تطاير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي وَعند الصِّرَاط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يُحَاسب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَمن كَانَت حَسَنَاته أَكثر من سيئاته بِوَاحِدَة دخل الْجنَّة وَمن كَانَت سيئاته أَكثر من حَسَنَاته بواحده دخل النَّار ثمَّ قَرَأَ {فَمن ثقلت مَوَازِينه} الْآيَتَيْنِ
ثمَّ قَالَ
إِن

(3/418)


الْمِيزَان يخف بمثقال حَبَّة ويرجح وَمن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته كَانَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف فوقفوا على الْأَعْرَاف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الإِخلاص عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: من كَانَ ظَاهره أرجح من بَاطِنه خف مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة وَمن كَانَ بَاطِنه أرجح من ظَاهره ثقل مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يوضع الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فيوزن الْحَسَنَات والسيئات فَمن رجحت حَسَنَاته على سيئاته دخل الْجنَّة وَمن رجحت سيئاته على حَسَنَاته دخل النَّار
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَفعه قَالَ: إِن ملكا مُوكل بالميزان فَيُؤتى بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقف بَين كفتي الْمِيزَان فَإِن ثقل مِيزَانه نَادَى الْملك بِصَوْت يسمع الْخَلَائق: سعد فلَان بن فلَان سَعَادَة لَا يشقى بعْدهَا أبدا وَإِن خفت مِيزَانه نَادَى الْملك: شقى فلَان شقاوة لَا يسْعد بعْدهَا أبدا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَائِشَة
أَنَّهَا ذكرت النَّار فَبَكَتْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك

قَالَت: ذكرت النَّار فَبَكَيْت فَهَل تذكرُونَ أهليكم يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: أما فِي ثَلَاث مَوَاطِن فَلَا يذكر أحدا أحدا حَيْثُ تُوضَع الْمِيزَان حَتَّى يعلم اتخف مِيزَانه أم تثقل وَعند تطاير الْكتب حِين يُقَال {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه} الحاقة الْآيَة 19 حَتَّى يعلم أَيْن يَقع كِتَابه أَفِي يَمِينه أم فِي شِمَاله أَو من وَرَاء ظَهره وَعند الصِّرَاط إِذا وضع بَين ظَهْري جَهَنَّم حافتاه كلاليب كَثِيرَة وحسك كثير يحبس الله بهَا من شَاءَ من خلقه حَتَّى يعلم أينجو أم لَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يوضع الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فَلَو وزن فِيهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض لوسعت فَتَقول الْمَلَائِكَة: يَا رب لمن يزن هَذَا فَيَقُول الله: لمن شِئْت من خلقي
فَتَقول الْمَلَائِكَة: سُبْحَانَكَ

مَا عبدناك حق عبادتك وَيُوضَع الصِّرَاط مثل حد الموس فَتَقول الْمَلَائِكَة: من تنحى على هَذَا فَيَقُول: من شِئْت من خلقي
فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ

مَا عبدناك حق عبادتك

(3/419)


وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد والآجري فِي الشَّرِيعَة واللالكائي عَن سلمَان قَالَ: يوضع الْمِيزَان وَله كفتان لَو وضع فِي إِحْدَاهمَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ لوسعه فَتَقول الْمَلَائِكَة: من يزن هَذَا فَيَقُول: من شِئْت من خلقي
فَتَقول الْمَلَائِكَة: سُبْحَانَكَ

مَا عبدناك حق عبادتك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: خلق الله كفتي الْمِيزَان مثل السَّمَوَات وَالْأَرْض
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا من تزن بِهَذَا قَالَ: أزن بِهِ من شِئْت
وَخلق الله الصِّرَاط كَحَد السَّيْف فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا من تجيز على هَذَا قَالَ: أُجِيز عَلَيْهِ من شِئْت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمِيزَان لَهُ لِسَان وكفتان يُوزن فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات فَيُؤتى بِالْحَسَنَاتِ فِي أحسن صُورَة فتوضع فِي كفة الْمِيزَان فتثقل على السَّيِّئَات فتؤحذ فتوضع فِي الْجنَّة عِنْد مَنَازِله ثمَّ يُقَال لِلْمُؤمنِ: الْحق بعملك
فَينْطَلق إِلَى الْجنَّة فَيعرف مَنَازِله بِعَمَلِهِ وَيُؤْتى بالسيئات فِي أقبح صُورَة فتوضع فِي كفة الْمِيزَان فتخف - وَالْبَاطِل خَفِيف - فتطرح فِي جَهَنَّم إِلَى مَنَازِله فِيهَا وَيُقَال لَهُ: الْحق بعملك إِلَى النَّار
فَيَأْتِي النَّار فَيعرف مَنَازِله بِعَمَلِهِ وَمَا أعد الله لَهُ فِيهَا من ألوان الْعَذَاب
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَلهم أعرف بمنازلهم فِي الْجنَّة وَالنَّار بعملهم من الْقَوْم يَنْصَرِفُونَ يَوْم الْجُمُعَة رَاجِعين إِلَى مَنَازِلهمْ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشفع لي يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أَنا فَاعل
قلت: يَا رَسُول الله أَيْن أطلبك قَالَ: أطلبني أول مَا تطلبني على الصِّرَاط
قلت: فَإِن لم ألقك على الصِّرَاط قَالَ: فاطلبني عِنْد الْمِيزَان
قلت: فَإِن لم ألقك عِنْد الْمِيزَان قَالَ: فاطلبني عِنْد الْحَوْض فَإِنِّي لَا أخطىء هَذِه الثَّلَاثَة مَوَاطِن
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجلاً كل سجل مِنْهَا مد الْبَصَر فَيَقُول: أتنكر من هَذَا شَيْئا أظلمك كتبتي الحافظون فَيَقُول: لَا يَا رب
فَيَقُول: أَفَلَك عذرا وحسنة فيهاب الرجل فَيَقُول: لَا يَا رب
فَيَقُول: بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَة وَأَنه لَا ظلم عَلَيْك الْيَوْم
فَيخرج لَهُ

(3/420)


بطاقة فِيهَا: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله
فَيَقُول: يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيُقَال: إِنَّك لَا تظلم
فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وَلَا يثقل مَعَ اسْم الله شَيْء
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُوضَع الموازين يَوْم الْقِيَامَة فيؤتي بِالرجلِ فَيُوضَع فِي كَفه وَيُوضَع مَا أحصى عَلَيْهِ فتمايل بِهِ الْمِيزَان فيبعث بِهِ إِلَى النَّار فَإِذا أدبر بِهِ صائح يَصِيح من عِنْد الرَّحْمَن: لَا تعجلوا لَا تعلجوا فَإِنَّهُ قد بَقِي لَهُ
فَيُؤتى ببطاقة فِيهَا: لَا إِلَه إِلَّا الله
فتوضع مَعَ الرجل فِي كفة حَتَّى تميل بِهِ الْمِيزَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والنميري فِي كتاب الْأَعْلَام عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ إِن لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام من الله عز وَجل موقفا فِي فسح من الْعَرْش عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران كَأَنَّهُ سحوق ينظر إِلَى من ينْطَلق بِهِ من وَلَده إِلَى الْجنَّة وَينظر إِلَى من ينْطَلق بِهِ من وَلَده إِلَى النَّار فَبينا آدم على ذَلِك إِذا نظر إِلَى رجل من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْطَلق بِهِ إِلَى النَّار فينادي آدم: يَا أَحْمد يَا أَحْمد
فَيَقُول: لبيْك يَا أَبَا الْبشر
فَيَقُول: هَذَا رجل من أمتك ينْطَلق بِهِ إِلَى النَّار فأشد المئزر وأسرع فِي أثر الْمَلَائِكَة وَأَقُول: يَا رسل رَبِّي قفوا
فَيَقُولُونَ: نَحن الْغِلَاظ الشداد الَّذين لَا نعصي الله مَا أمرنَا ونفعل مَا نؤمر
فَإِذا أيس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبض على لحيته بِيَدِهِ الْيُسْرَى واستقبل الْعَرْش بِوَجْهِهِ فَيَقُول: يَا رب قد وَعَدتنِي أَن لَا تخزيني فِي أمتِي قيأتي النداء من عِنْد الْعَرْش: أطِيعُوا مُحَمَّدًا وردوا هَذَا العَبْد إِلَى الْمقَام
فَأخْرج من حجزتي بطاقة بَيْضَاء كالأنملة فألقيها فِي كفة الْمِيزَان الْيُمْنَى وَأَنا أَقُول: بِسم الله
فترجح الْحَسَنَات على السَّيِّئَات فينادي سعد وَسعد جده وثقلت مَوَازِينه: انْطَلقُوا بِهِ إِلَى الْجنَّة فَيَقُول: يَا رسل رَبِّي قفوا حَتَّى أسأَل هَذَا العَبْد الْكَرِيم على ربه
فَيَقُول: بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحسن وَجهك وَأحسن خلقك من أَنْت فقد: أقلتني عثرتي
فَيَقُول: أَنا نبيك مُحَمَّد وَهَذِه صَلَاتك الَّتِي كنت تصلي عَليّ وافتك أحْوج مَا تكون إِلَيْهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول مَا يوضع فِي ميزَان العَبْد نَفَقَته على أَهله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة واللالكائي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى

(3/421)


الرَّحْمَن: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو جِيءَ بالسموات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَمَا بَينهُنَّ وَمَا تحتهن فوضعن فِي كفة الْمِيزَان وَوضعت شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الكفة الْأُخْرَى لرجحت بِهن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد جيد عَن أنس قَالَ: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا ذَر فَقَالَ أَلا أدلُّك على خَصْلَتَيْنِ هما خفيفتان على الظّهْر وأثقل فِي الْمِيزَان من غَيرهمَا قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْك بِحسن الْخلق وَطول الصمت فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا عمل الْخَلَائق بمثلهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: قلت لأم الدَّرْدَاء: أما سَمِعت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا قَالَت: نعم دخلت عَلَيْهِ فَسَمعته يَقُول أول مَا يوضع فِي الْمِيزَان الخُلق الْحسن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصحح وَابْن حبَان واللالكائي عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من شَيْء يوضع فِي الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة أثقل من خُلق حسن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: أَعْطَيْت نَاقَة فِي سَبِيل الله فَأَرَدْت أَن أَشْتَرِي من نسلها فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ دعها تَأتي يَوْم الْقِيَامَة هِيَ وَأَوْلَادهَا جَمِيعًا فِي ميزانك
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قضى لِأَخِيهِ حَاجَة كنت وَاقِفًا عِنْد مِيزَانه فَإِن رجح وَإِلَّا شفعت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن مغيث بن سميّ وَعَن مَسْرُوق قَالَا: تعبَّد رَاهِب فِي صومعة سِتِّينَ سنة فَنظر يَوْمًا فِي غب السَّمَاء فَقَالَ: لَو نزلت فَإِنِّي لَا أرى أحدا فَشَرِبت من المَاء وتوضأت ثمَّ رجعت إِلَى مَكَاني فتعرضت لَهُ امْرَأَة فتكشفت لَهُ فَلم يملك نَفسه إِن وَقع عَلَيْهَا فَدخل بعض تِلْكَ الغدران يغْتَسل فِيهِ وأدركه الْمَوْت وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال وَمر بِهِ سَائل فأوما إِلَيْهِ أَن خُذ الرَّغِيف رغيفاً كَانَ فِي كسائه فَأخذ الْمِسْكِين الرَّغِيف وَمَات فجيء بِعَمَل سِتِّينَ سنة فَوضع فِي كفة وَجِيء بخطيئته فَوضعت فِي كفة فرجحت بِعَمَلِهِ حَتَّى جِيءَ بالرغيف فَوضع مَعَ عمله فرجح بخطيئته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن سفينة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخ بخ

(3/422)


خمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان
سُبْحَانَ الله وَلَا إلَه إِلَّا الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر وفرط صَالح يفرطه الْمُسلم
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن عَمْرو بن حُرَيْث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أنفقت عَن خادمك من عمله كَانَ لَك أجره فِي موازينك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضغيف عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تَوَضَّأ فَمسح بِثَوْب نظيف فَلَا بَأْس بِهِ وَمن لم يفعل فَهُوَ أفضل لِأَن الْوضُوء يُوزن يَوْم الْقِيَامَة مَعَ سَائِر الْأَعْمَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كره المنديل بعد الْوضُوء وَقَالَ: هُوَ يُوزن
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِنَّمَا كره المنديل بعد الْوضُوء لِأَن كل قطره توزن
وَأخرج المرهبي فِي فضل الْعلم عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوزن يَوْم الْقِيَامَة مداد الْعلمَاء وَدِمَاء الشُّهَدَاء فيرجح مداد الْعلمَاء على دِمَاء الشُّهَدَاء
وَأخرج الديلمي من حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَمْرو
مثله
وَأخرج عبد الْبر فِي فضل الْعلم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: يجاء بِعَمَل الرجل فَيُوضَع فِي كفة مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة فيخف فيجاء بِشَيْء أَمْثَال الْغَمَام فَيُوضَع فِي كفة مِيزَانه فترجح فَيُقَال لَهُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا فَيَقُول: لَا
فَيُقَال لَهُ: هَذَا فضل الْعلم الَّذِي كنت تعلمه النَّاس
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: يَجِيء رجل يَوْم الْقِيَامَة فَيرى عمله محتقراً فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ جَاءَهُ مثل السَّحَاب حَتَّى يَقع فِي مِيرَاثه فَيُقَال: هَذَا مَا كنت تعلم النَّاس من الْخَيْر فورث بعْدك فأجرت فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من كَانَ الأجوفان همه خسر مِيزَانه يَوْم القيامه
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن لَيْث قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام: أمة مُحَمَّد أثقل النَّاس فِي الْمِيزَان ذلت ألسنتهم بِكَلِمَة ثقلت على من كَانَ قبلهم: لَا إِلَه إِلَّا الله

(3/423)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أَيُّوب قَالَ: سَمِعت من غير وَاحِد من أَصْحَابنَا: أَن العَبْد يُوقف على الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فَينْظر فِي الْمِيزَان وَينظر إِلَى صَاحب الْمِيزَان فَيَقُول صَاحب الْمِيزَان: يَا عبد الله أتفقد من عَمَلك ذَلِك شَيْئا فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: مَاذَا فَيَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
فَيَقُول صَاحب الْمِيزَان: هِيَ أعظم من أَن تُوضَع فِي الْمِيزَان
قَالَ مُوسَى بن عُبَيْدَة: سَمِعت أَنَّهَا تَأتي يَوْم الْقِيَامَة تجَادل عَمَّن كَانَ يَقُولهَا فِي الدُّنْيَا جِدَال الْخصم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي الْأَزْهَر زُهَيْر الْأَنمَارِي قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَخذ مضجعه قَالَ اللهمَّ أَغفر لي وأخسَّ شيطاني وفكَّ رهاني وَثقل ميزاني واجعلني فِي الندي الْأَعْلَى

- الْآيَة (11)

(3/424)


وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} قَالَ: خلقُوا فِي أصلاب الرِّجَال وصوروا فِي أَرْحَام النِّسَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: خلقُوا فِي ظهر آدم ثمَّ صوروا فِي الْأَرْحَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم فِي الْآيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أما قَوْله {خَلَقْنَاكُمْ} فآدم {ثمَّ صورناكم} فذريته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ} قَالَ: آدم {ثمَّ صورناكم} قَالَ: فِي ظهر آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} قَالَ: خلق الله آدم من طين ثمَّ صوركُمْ فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلق علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً ثمَّ كسى الْعِظَام لَحْمًا

(3/424)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} قَالَ: خلق الإِنسان فِي الرَّحِم ثمَّ صوره فشق سَمعه وبصره وأصابعه

- الْآيَة (12)

(3/425)


قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالَ أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} قَالَ: حسد عَدو الله إِبْلِيس آدم على مَا أعطَاهُ الله من الْكَرَامَة وَقَالَ: أَنا ناريٌّ وَهَذَا طينيٌّ فَكَانَ بَدْء الذُّنُوب الْكبر استكبر عَدو الله أَن يسْجد لآدَم فَأَهْلَكَهُ الله بكبره وحسده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح قَالَ: خلق إِبْلِيس من نَار الْعِزَّة وخلقت الْمَلَائِكَة من نور الْعِزَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {خلقتني من نَار وخلقته من طين} قَالَ: قَاس إِبْلِيس وَهُوَ أول من قَاس
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية والديلمي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أول من قَاس أَمر الدّين بِرَأْيهِ إِبْلِيس
قَالَ الله لَهُ: اسجد لآدَم
فَقَالَ {أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} قَالَ جَعْفَر: فَمن قَاس أَمر الدّين بِرَأْيهِ قرنه الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة بإبليس لِأَنَّهُ اتبعهُ بِالْقِيَاسِ

- الْآيَة (13 - 15)

(3/425)


قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا} يَعْنِي فَمَا يَنْبَغِي لَك أَن تتكبر فِيهَا

- الْآيَة (16)

(3/425)


قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس {فبمَا أغويتني} قَالَ: أضللتني

(3/425)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق بَقِيَّة عَن أَرْطَاة عَن رجل من أهل الطَّائِف فِي قَوْله {فبمَا أغويتني} قَالَ: عرف إِبْلِيس أَن الغواية جَاءَتْهُ من قبل الله فَآمن بِالْقدرِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} قَالَ: الْحق
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} قَالَ: طَرِيق مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عون بن عبد الله {لأقعدنَّ لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} قَالَ: طَرِيق مَكَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عون ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا من رفْقَة تخرج إِلَى مَكَّة إِلَّا جهز إِبْلِيس مَعَهم بِمثل عدتهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة يَقُول: أقعد لَهُم فأصدهم عَن سَبِيلك
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سُبْرَة بن الْفَاكِه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الشَّيْطَان قعد لِابْنِ آدم فِي طرقه فَقعدَ لَهُ بطرِيق الإِسلام فَقَالَ: تسلم وَتَذَر دينك وَدين آبَائِك فَعَصَاهُ فَأسلم ثمَّ قعد لَهُ بطرِيق الْهِجْرَة فَقَالَ لَهُ: أتهاجر وَتَذَر أَرْضك وسماءك وَإِنَّمَا مثل المُهَاجر كالفرس فِي طوله فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثمَّ قعد لَهُ بطرِيق الْجِهَاد فَقَالَ: هُوَ جهد النَّفس وَالْمَال فتقاتل فَتقْتل فَتنْكح الْمَرْأَة وَيقسم المَال فَعَصَاهُ فَجَاهد
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمن فعل ذَلِك مِنْهُم فَمَاتَ أَو وقصته دَابَّته فَمَاتَ كَانَ حَقًا على الله أَن يدْخلهُ الْجنَّة

- الْآيَة (17)

(3/426)


ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} قَالَ: أشككهم فِي آخرتهم {وَمن خَلفهم} فأرغبهم فِي

(3/426)


دنياهم {وَعَن أَيْمَانهم} أشبه عَلَيْهِم أَمر دينهم {وَعَن شمائلهم} اسْتنَّ لَهُم الْمعاصِي وأخف عَلَيْهِم الْبَاطِل {وَلَا تَجِد أَكْثَرهم شاكرين} قَالَ: مُوَحِّدين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} من قبل الدُّنْيَا {وَمن خَلفهم} من قبل الْآخِرَه {وَعَن أَيْمَانهم} من قبل حسناتهم {وَعَن شمائلهم} من قبل سيئاتهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} قَالَ لَهُم: أَن لَا بعث وَلَا جنَّة وَلَا نَار وَمن خَلفهم من أَمر الدُّنْيَا فزينها لَهُم ودعاهم إِلَيْهَا {وَعَن أَيْمَانهم} من قبل حسناتهم ابطأهم عَنْهَا {وَعَن شمائلهم} زين لَهُم السَّيِّئَات والمعاصي ودعاهم إِلَيْهَا وَأمرهمْ بهَا أَتَاك يَا ابْن آدم من قبل وَجهك غير أَنه لم يأتك من فَوْقك لَا يَسْتَطِيع أَن يكون بَيْنك وَبَين رَحْمَة الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: لم يسْتَطع أَن يَقُول: من فَوْقهم
علم أَن الله فَوْقهم
وَفِي لفظ: لِأَن الرَّحْمَة تنزل من فَوْقهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: يَأْتِيك يَا ابْن آدم من كل جِهَة غير أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يحول بَيْنك وَبَين رَحْمَة الله إِنَّمَا تَأْتِيك الرَّحْمَة من فَوْقك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ إِبْلِيس: لآتينَّهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم وَعَن إِيمَانهم وَعَن شمائلهم
قَالَ الله: أنزل عَلَيْهِم الرَّحْمَة من فَوْقهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح فِي قَوْله {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} من سبل الْحق {وَمن خَلفهم} من سبل الْبَاطِل {وَعَن أَيْمَانهم} من أَمر الْآخِرَه {وَعَن شمائلهم} من الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو هَذِه الدَّعْوَات حِين يصبح وَحين يُمْسِي اللَّهُمَّ احفظني من بَين يَدي وَمن خَلْفي وَعَن يَمِيني وَعَن شمَالي وَمن فَوقِي وَأَعُوذ بعظمتك أَن أغتال من تحتي

(3/427)


- الْآيَة (18 - 19)

(3/428)


قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ أخرج مِنْهَا مذؤوما} قَالَ: ملوماً {مَدْحُورًا} قَالَ: مقيتاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مذؤوما} قَالَ: مذموماً {مَدْحُورًا} قَالَ: منفياً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مذؤوما} قَالَ: منفياً {مَدْحُورًا} قَالَ: مطروداً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مذؤوما} قَالَ: معيبا {مَدْحُورًا} قَالَ: منفياً

- الْآيَة (20 - 25)

(3/428)


فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)

- أخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن قيس قَالَ: نهى الله آدم وحوّاء أَن يأكلا من شَجَرَة وَاحِدَة فِي الْجنَّة فجَاء الشَّيْطَان فَدخل فِي جَوف الْحَيَّة فَكلم حوّاء ووسوس

(3/428)


إِلَى آدم فَقَالَ: مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين فَقطعت حوّاء الشَّجَرَة فدميت الشَّجَرَة وَسقط عَنْهُمَا رياشهما الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا {وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة وناداهما ربهما ألم أنهكما عَن تلكما الشَّجَرَة وَأَقل لَكمَا إِن الشَّيْطَان لَكمَا عدوّ مُبين} لم أكلتها وَقد نهيتك عَنْهَا قَالَ: يَا رب أطعمتني حَوَّاء
قَالَ لحوّاء: لم أطعمتيه قَالَت: أَمرتنِي الْحَيَّة
قَالَ للحية: لم أَمَرتهَا قَالَت: أَمرنِي إِبْلِيس
قَالَ: مَلْعُون مدحور أما أَنْت يَا حَوَّاء كَمَا أدميت الشَّجَرَة تدمين فِي كل هِلَال وَأما أَنْت يَا حَيَّة فأقطع قوائمك فتمشين جراً على وَجهك وسيشدخ رَأسك من لقيك بِالْحجرِ اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عدوّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي غنيم سعيد بن حَدَّيْنِ الْحَضْرَمِيّ قَالَ: لما أسكن الله آدم وحوّاء الْجنَّة خرج آدم يطوف فِي الْجنَّة فاغتنم إِبْلِيس غيبته فَأقبل حَتَّى بلغ الْمَكَان الَّذِي فِيهِ حوّاء فصفر بقصبة مَعَه صفيراً سمعته حَوَّاء وَبَينهَا وَبَينه سَبْعُونَ قبَّة بَعْضهَا فِي جَوف بعض فَأَشْرَفت حَوَّاء عَلَيْهِ فَجعل يصفر صفيراً لم يسمع السامعون بِمثلِهِ من اللَّذَّة والشهوة وَالسَّمَاع حَتَّى مَا بَقِي من حَوَّاء عُضْو مَعَ آخر إِلَّا تخلج فَقَالَت: أنْشدك بِاللَّه الْعَظِيم لما أقصرت عني فَإنَّك قد أهلكتني فَنزع القصبة ثمَّ قَلبهَا فصفر صفيراً آخر فَجَاشَ الْبكاء وَالنوح والحزن بِشَيْء لم يسمع السامعون بِمثلِهِ حَتَّى قطع فؤادها بالحزن والبكاء فَقَالَت: أنْشدك بِاللَّه الْعَظِيم لما أقصرت عني فَفعل فَقَالَت لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي جِئْت بِهِ أخذتني بِأَمْر الْفَرح وأخذتني بِأَمْر الْحزن
قَالَ: ذكرت منزلتكما من الْجنَّة وكرامة الله إياكما فَفَرِحت لَكمَا بمكانكما وَذكرت إنَّكُمَا تخرجان مِنْهَا فَبَكَيْت لَكمَا وحزنت عَلَيْكُمَا ألم يقل لَكمَا رَبكُمَا مَتى تأكلان من هَذِه الشَّجَرَة تموتان وتخرجان مِنْهَا أنظري إليّ يَا حَوَّاء فَإِذا أَنا أكلتها فَإِن أَنا مت أَو تغير من خلقي شَيْء فَلَا تأكلا مِنْهَا أقسم لَكمَا بِاللَّه إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين
فَانْطَلق إِبْلِيس حَتَّى تنَاول من تِلْكَ الشَّجَرَة فَأكل مِنْهَا وَجعل يَقُول: يَا حَوَّاء انظري هَل تغير من خلقي شَيْء هَل مت قد أَخْبَرتك مَا أَخْبَرتك
ثمَّ أدبر مُنْطَلقًا
وَأَقْبل آدم من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ يطوف بِهِ من الْجنَّة فَوَجَدَهَا منكبة على وَجههَا حزينة فَقَالَ لَهَا آدم: مَا شَأْنك

قَالَت: أَتَانِي الناصح المشفق قَالَ:

(3/429)


وَيحك

لَعَلَّه إِبْلِيس الَّذِي حذرناه الله قَالَت: يَا آدم وَالله لقد مضى إِلَى الشَّجَرَة فَأكل مِنْهَا وَأَنا أنظر فَمَا مَاتَ وَلَا تغير من جسده شَيْء فَلم تزل بِهِ تدليه بالغرور حَتَّى مضى آدم وحواء إِلَى الشَّجَرَة فَأَهوى آدم بِيَدِهِ إِلَى الثَّمَرَة ليأخذها فناداه جَمِيع شجرالجنة: يَا آدم لَا تأكلها فَإنَّك إِن أكلتها تخرج مِنْهَا فعزم آدم على الْمعْصِيَة فَأخذ ليتناول الشَّجَرَة فَجعلت الشَّجَرَة تتطاول ثمَّ جعل يمدّ يَده ليأخذها فَلَمَّا وضع يَده على الثَّمَرَة اشتدت فَلَمَّا رأى الله مِنْهُ الْعَزْم على الْمعْصِيَة أَخذهَا وَأكل مِنْهَا وناول حَوَّاء فَأكلت فَسقط مِنْهَا لِبَاس الْجمال الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْجنَّة وبدت لَهما سوأتهما وابتدرا يستكنان بورق الْجنَّة يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة وَيعلم الله يُنظر أَيهمَا
فَأقبل الرب فِي الْجنَّة فَقَالَ: يَا آدم أَيْن أَنْت أخرج قَالَ: يَا رب أَنا ذَا أستحي أخرج إِلَيْك
قَالَ: فلعلك أكلت من الشَّجَرَة الَّتِي نهيتك عَنْهَا قَالَ: يَا رب هَذِه الَّتِي جَعلتهَا معي أغوتني
قَالَ: فَمَتَى تختبىء يَا آدم أولم تعلم أَن كل شَيْء لي يَا آدم وَأَنه لَا يخفى عليّ شَيْء فِي ظلمَة وَلَا فِي نَهَار قَالَ: فَبعث إِلَيْهِمَا مَلَائِكَة يدفعان فِي رقابهما حَتَّى أخرجوهما من الْجنَّة فأوقفا عريانين وإبليس مَعَهُمَا بَين يَدي الله فَعِنْدَ ذَلِك قضى عَلَيْهِمَا وعَلى إِبْلِيس مَا قضى وَعند ذَلِك أهبط إِبْلِيس مَعَهُمَا وتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ وأهبطوا جَمِيعًا
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه فِي قَوْله {ليبدي لَهما مَا وُوريَ عَنْهُمَا من سوآتهما} قَالَ: كَانَ على كل وَاحِد مِنْهُمَا نور لَا يبصر كل وَاحِد مِنْهُمَا عَورَة صَاحبه فَلَمَّا أصابا الْخَطِيئَة نزع مِنْهُمَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: ليهتك لباسهما وَكَانَ قد علم أَن لَهما سوءة لما كَانَ يقْرَأ من كتب الْمَلَائِكَة وَلم يكن آدم يعلم ذَلِك وَكَانَ لباسهما الظفر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أتاهما إِبْلِيس قَالَ: مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ تَكُونَا مثله - يَعْنِي مثل الله عز وَجل - فَلم يصدقاه حَتَّى دخل فِي جَوف الْحَيَّة فكلمهما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ (إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ) بِكَسْر اللَّام

(3/430)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ (الا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ) بِنصب اللَّام من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ} قَالَ: ذكر تَفْضِيل الْمَلَائِكَة فضلوا بالصور وفضلوا بالأجنحة وفضلوا بالكرامة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة لَهَا غصنان أَحدهمَا تَطوف بِهِ الْمَلَائِكَة وَالْآخر قَوْله {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ} يَعْنِي من الْمَلَائِكَة الَّذين يطوفون بذلك الْغُصْن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ} فَإِن أخطأكما أَن تَكُونَا ملكَيْنِ لم يخطئكما أَن تَكُونَا خَالِدين فَلَا تموتان فِيهَا أبدا {وقاسمهما} قَالَ: حلف لَهما {إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {أَو تَكُونَا من الخالدين} يَقُول: لَا تموتون أبدا
وَفِي قَوْله {وقاسمهما} قَالَ: حلف لَهما بِاللَّه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} قَالَ: حلف لَهما بِاللَّه حَتَّى خدعهما وَقد يخدع الْمُؤمن بِاللَّه
قَالَ لَهما: إِنِّي خلقت قبلكما وَأعلم مِنْكُمَا فاتبعاني أرشدكما قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ بعض أهل الْعلم يَقُول: من خادعنا بِاللَّه خدعنَا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة (وقاسمهما بِاللَّه إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {فدلاهما بغرور} قَالَ: مناهما بغرور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَلَمَّا ذاقا الشَّجَرَة بَدَت لَهما سوآتهما} وَكَانَا قبل ذَلِك لَا يريانها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لِبَاس كل دَابَّة مِنْهَا ولباس الإِنسان الظفر فأدركت آدم التَّوْبَة عِنْد ظفره
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي

(3/431)


حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لِبَاس آدم وحواء كالظفر فَلَمَّا أكلا من الشَّجَرَة لم يبْق عَلَيْهِمَا إِلَّا مثل الظفر {وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} قَالَ: ينزعان ورق التِّين فيجعلانه على سوءاتهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أسكن الله آدم الْجنَّة كَسَاه سربالاً من الظفر فَلَمَّا أصَاب الْخَطِيئَة سلبه السربال فَبَقيَ فِي أَطْرَاف أَصَابِعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لِبَاس آدم الظفر بِمَنْزِلَة الريش على الطير فَلَمَّا عصى سقط عَنهُ لِبَاسه وَتركت الْأَظْفَار زِينَة وَمَنَافع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ لِبَاس آدم فِي الْجنَّة الْيَاقُوت فَلَمَّا عصى تقلص فَصَارَ الظفر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا فَكَسَاهُ الله هَذَا الْجلد وأعانه بالظفر يحتك بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وطفقا يخصفان} قَالَ: يرقعان كَهَيئَةِ الثَّوْب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا} قَالَ: أَقبلَا يغطيان عَلَيْهِمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} قَالَ: يوصلان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} قَالَ: يأخذان مَا يواريان بِهِ عورتهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وناداهما ربهما ألم أنهكما عَن تلكما الشَّجَرَة} قَالَ آدم: رب انه خلف لي بك وَلم أكن أَظن أَن أحدا من خلقك يحلف بك إِلَّا صَادِقا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَا} قَالَ: آدم وحواء {رَبنا ظلمنَا أَنْفُسنَا} يَعْنِي ذَنبا أذنبناه فغفره لَهما
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {قَالَا رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا} الْآيَة
قَالَ:

(3/432)


هِيَ الْكَلِمَات الَّتِي تلقى آدم من ربه وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الْمُؤمن ليستحي ربه من الذَّنب إِذا وَقع بِهِ ثمَّ يعلم بِحَمْد الله أَيْن الْمخْرج يعلم أَن الْمخْرج فِي الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل فَلَا يحتشمن رجل من التَّوْبَة فَإِنَّهُ لَوْلَا التَّوْبَة لم يخلص أحدا من عباد الله وبالتوبة أدْرك الله أَبَاكُم الرئيس فِي الْخَيْر من الذَّنب حِين وَقع بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كريب قَالَ: دَعَاني ابْن عَبَّاس فَقَالَ: اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله إِلَى فلَان حبر تيما حَدثنِي عَن قَوْله {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين} فَقَالَ: هُوَ مستقره فَوق الأَرْض ومستقره فِي الرَّحِم ومستقره تَحت الأَرْض ومستقره حَيْثُ يصير إِلَى الْجنَّة أَو إِلَى النَّار

- الْآيَة (26 - 27)

(3/433)


يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباساً يواري سوآتكم} قَالَ: كَانَ أنَاس من الْعَرَب يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة فَلَا يلبس أحدهم ثوبا طَاف فِيهِ {وريشا} قَالَ: المَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوآتكم} قَالَ: نزلت فِي الحمس من قُرَيْش وَمن كَانَ يَأْخُذ مأخذها من قبائل الْعَرَب الْأَنْصَار
الْأَوْس والخزرج وخزاعة وَثَقِيف وَبني عَامر بن صعصعة وبطون كنَانَة بن بكر كَانُوا لَا يَأْكُلُون اللَّحْم وَلَا يأْتونَ الْبيُوت إِلَّا من أدبارها وَلَا يضطربون وَبرا وَلَا شعرًا إِنَّمَا يضطربون الادم وَيلبسُونَ صبيانهم الرهاط وَكَانُوا يطوفون عُرَاة إِلَّا قُريْشًا فَإِذا قدمُوا طرحوا ثِيَابهمْ الَّتِي قدمُوا فِيهَا وَقَالُوا: هَذِه

(3/433)


ثيابنا الَّتِي تطهرنا إِلَى رَبنَا فِيهَا من الذُّنُوب والخطايا ثمَّ قَالُوا لقريش: من يعيرنا مئزراً فَإِن لم يَجدوا طافوا عُرَاة فَإِذا فرغوا من طوافهم أخذُوا ثِيَابهمْ الَّتِي كَانُوا وضعُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن عُرْوَة بن الزبير فِي قَوْله {لباساً يواري سوآتكم} قَالَ: الثِّيَاب {وريشا} قَالَ: المَال {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: خشيَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن عَليّ فِي قَوْله {لباسا يواري سوآتكم} قَالَ: لِبَاس الْعَامَّة {وريشاً} قَالَ: لِبَاس الزِّينَة {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وريشاً} قَالَ: المَال واللباس والعيش وَالنَّعِيم
وَفِي قَوْله {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: الإِيمان وَالْعَمَل الصَّالح {ذَلِك خير} قَالَ: الإِيمان وَالْعَمَل خير من الريش واللباس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وريشا} يَقُول: مَالا
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لبس ثوبا جَدِيدا قَالَ الْحَمد لله الَّذِي كساني من الرياش مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: الرياش: الْجمال
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {وريشاً} قَالَ: الرياش: المَال قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: فرشني بِخَير طَال مَا قد بريتني وَخير الموَالِي من يريش وَلَا يبري وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لباسا يواري سوآتكم وريشاً} قَالَ: هُوَ اللبَاس {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: هُوَ الإِيمان وَقد أنزل الله اللبَاس ثمَّ قَالَ: خير اللبَاس التَّقْوَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
أَنه قَرَأَهَا (وريشاً ولباس التَّقْوَى) بِالرَّفْع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (وريشاً) بِغَيْر ألف (ولباس التَّقْوَى) بِالرَّفْع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {وريشا} وَلم يقل: وريشاً

(3/434)


وَأخرج ابْن جرير عَن زر بن حُبَيْش
أَنه قَرَأَهَا (ورياشاً)
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن معبد الْجُهَنِيّ فِي قَوْله {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: هُوَ الْحيَاء ألم تَرَ أَن الله قَالَ {يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التَّقْوَى} فاللباس الَّذِي يواري سوءاتكم: هُوَ لبوسكم والرياش المعاش ولباس التَّقْوَى: الْحيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: يَتَّقِي الله فيواري عَوْرَته ذَاك لِبَاس التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: مَا يلبس المتقون يَوْم الْقِيَامَة {ذَلِك خير} من لِبَاس أهل الدُّنْيَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء فِي قَوْله {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} قَالَ: مَا يلبس المتقون يَوْم الْقِيَامَة خير مِمَّا يلبس أهل الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: السمت الْحسن فِي الْوَجْه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد عمل خيرا أَو شرا إِلَّا كسى رِدَاء عمله حَتَّى يعرفوه وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: رَأَيْت عُثْمَان على الْمِنْبَر قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا الله فِي هَذِه السرائر فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا عمل أحد عملا قطّ سرا إِلَّا ألبسهُ الله رِدَاءَهُ عَلَانيَة إِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وريشا} وَلم يقل وريشاً {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} قَالَ: السمت الْحسن
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {لباسا يواري سوآتكم} قَالَ: هِيَ الثِّيَاب {وريشا} قَالَ: المَال {ولباس التَّقْوَى} قَالَ: الإِيمان {ذَلِك خير} يَقُول: ذَلِك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم

(3/435)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ينْزع عَنْهُمَا لباسهما} قَالَ: التَّقْوَى
وَفِي قَوْله {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله} قَالَ: الْجِنّ وَالشَّيَاطِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مُنَبّه {ينْزع عَنْهُمَا لباسهما} قَالَ: النُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وقبيله} قَالَ: نَسْله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} قَالَ: وَالله ان عدوا يراك من حَيْثُ لَا ترَاهُ لشديد الْمُؤْنَة إِلَّا من عصم الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلَ أَن يرى وَلَا يرى وَأَن يخرج من تَحت الثرى وَإنَّهُ مَتى شَاب عَاد فَتى فَأُجِيب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مطرف
أَنه كَانَ يَقُول: لَو أَن رجلا رأى صيدا وَالصَّيْد لَا يرَاهُ فختله ألم يُوشك أَن يَأْخُذهُ قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَإِن الشَّيْطَان يَرَانَا وَنحن لَا نرَاهُ وَهُوَ يُصِيب منا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أيّما رجل مِنْكُم تخيل لَهُ الشَّيْطَان حَتَّى يرَاهُ فَلَا يَصُدَّنَّ عَنهُ وليمضِ قدماً فَإِنَّهُم مِنْكُم أَشد فرقا مِنْكُم مِنْهُم فَإِنَّهُ إِن صد عَنهُ رَكبه وَإِن مضى هرب مِنْهُ
قَالَ مُجَاهِد: فانا ابْتليت بِهِ حَتَّى رَأَيْته فَذكرت قَول ابْن عَبَّاس فمضيت قدماً فهرب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن نعيم بن عمر قَالَ: الْجِنّ لَا يرَوْنَ الشَّيَاطِين بِمَنْزِلَة الْإِنْس

- الْآيَة (28)

(3/436)


وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} قَالَ: كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة} قَالَ: فاحشتهم أَنهم كَانُوا يطوفون حول الْبَيْت عُرَاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة}

(3/436)


الْآيَة
قَالَ: كَانَ قَبيلَة من الْعَرَب من أهل الْيمن يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة فَإِذا قيل لَهُم لم تَفْعَلُونَ ذَلِك قَالُوا: وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وأمرنا الله بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ الرِّجَال يطوفون بِالْبَيْتِ بِالنَّهَارِ عُرَاة وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ عُرَاة وَيَقُولُونَ: إِنَّا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام وأخلاقه الْكَرِيمَة نهوا عَن ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: وَالله مَا أكْرم الله عبدا قطّ على مَعْصِيَته وَلَا رضيها لَهُ وَلَا أَمر بهَا وَلَكِن رَضِي لكم بِطَاعَتِهِ ونهاكم عَن مَعْصِيَته

- الْآيَة (29 - 30)

(3/437)


قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)

- أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ} قَالَ: بِالْعَدْلِ {وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ: إِلَى الْكَعْبَة حَيْثُ صليتم فِي كَنِيسَة أَو غَيرهَا {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: شقي أَو سعيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وادعوه مُخلصين لَهُ الدّين كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} يَقُول: اخلصوا لَهُ الدّين كَمَا بَدَأَكُمْ فِي زمَان آدم حَيْثُ فطرهم على الإِسلام يَقُول: فَادعوهُ كَذَلِك لَا تَدْعُو لَهَا غَيره وَأمرهمْ أَن يخلصوا لَهُ الدّين والدعوة وَالْعَمَل ثمَّ يوجهوا وُجُوههم إِلَى الْبَيْت الْحَرَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} الْآيَة قَالَ: إِن الله بَدَأَ خلق بني آدم مُؤمنا وكافراً كَمَا قَالَ {هُوَ الَّذِي خَلقكُم فمنكم كَافِر ومنكم مُؤمن} التغابن الْآيَة 2 ثمَّ يعيدهم يَوْم الْقِيَامَة كَمَا بَدَأَ خلقهمْ مُؤمنا وكافراً
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر فِي الْآيَة قَالَ: يبعثون على مَا كَانُوا عَلَيْهِ الْمُؤمن على ايمانه وَالْمُنَافِق على نفَاقه

(3/437)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} {فريقاً هدى وفريقاً حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: من ابْتَدَأَ الله خلقه على الْهدى والسعاده صيره إِلَى مَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ خلقه كَمَا فعل بالسحرة ابْتَدَأَ خلقهمْ على الْهدى والسعادة حَتَّى تَوَفَّاهُم مُسلمين وكما فعل إِبْلِيس ابْتَدَأَ خلقه على الْكفْر والضلالة وَعمل بِعَمَل الْمَلَائِكَة فصيره الله إِلَى مَا ابْتَدَأَ خلقه عَلَيْهِ من الْكفْر
قَالَ الله تَعَالَى {وَكَانَ من الْكَافرين} الْبَقَرَة الْآيَة 34
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} يَقُول: كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة كَذَلِك تعودُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: كَمَا بَدَأَكُمْ وَلم تَكُونُوا شَيْئا فأحياكم كَذَلِك يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: خلقهمْ من التُّرَاب وَإِلَى التُّرَاب يعودون
قَالَ: وَقيل فِي الْحِكْمَة: مَا فَخر من خلق من التُّرَاب وَإِلَى التُّرَاب يعود وَمَا تكبر من هُوَ الْيَوْم حَيّ وَغدا يَمُوت وَأَن الله وعد المتكبرين أَن يضعهم وَيرْفَع الْمُسْتَضْعَفِينَ
فَقَالَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} طه الْآيَة 55 ثمَّ قَالَ {فريقاً هدى وفريقاً حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة إِنَّهُم اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: إِن تَمُوتُوا يحْسب الْمُهْتَدي أَنه على هدى ويحسب الْغَنِيّ أَنه على هدى حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ عِنْد الْمَوْت وَكَذَلِكَ تبعثون يَوْم الْقِيَامَة
وَذَلِكَ قَوْله {وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: كَمَا كتب عَلَيْكُم تَكُونُونَ {فريقاً هدى وفريقاً حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة}

(3/438)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن أبي مَعْرُوف قَالَ: حَدثنِي رجل ثِقَة فِي قَوْله {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} قَالَ: قلفاً بظرا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن وهب الْعَبْدي
أَن تَأْوِيل هَذِه الْآيَة {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} تكون فِي آخر هَذِه الْأمة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء عَن عبد الغفور بن عبد الْعَزِيز بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى يمسخ خلقا كثيرا وَإِن الإِنسان يَخْلُو بمعصيته فَيَقُول الله تَعَالَى استهانة بِي فيمسخه ثمَّ يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة إنْسَانا يَقُول {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} ثمَّ يدْخلهُ النَّار

- الْآيَة (31)

(3/439)


يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)

- أخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
أَن النِّسَاء كن يطفن عُرَاة إِلَّا أَن تجْعَل الْمَرْأَة على فرجهَا خرقَة وَتقول: الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله وَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أحله وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ النَّاس يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة يَقُولُونَ: لَا نطوف فِي ثِيَاب اذنبنا فِيهَا فَجَاءَت امْرَأَة فَأَلْقَت ثِيَابهَا وطافت وَوضعت يَدهَا على قَلبهَا وَقَالَت: الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله فَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أحله فَنزلت هَذِه الْآيَة {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} إِلَى قَوْله {والطيبات من الرزق}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ: كَانَ رجال يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة فَأَمرهمْ الله بالزينة والزينة اللبَاس وَهُوَ مَا يواري السوءة وَمَا سوى ذَلِك من جيّد الْبَز وَالْمَتَاع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ: مَا وارى الْعَوْرَة وَلَو عباءة

(3/439)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ: الثِّيَاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن طَاوس قَالَ: الشملة من الزِّينَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة يأْتونَ الْبيُوت من ظُهُورهَا فيدخلونها من ظُهُورهَا وهم حَيّ من قُرَيْش يُقَال لَهُم الحمس فَأنْزل الله {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ نَاس من الْعَرَب يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة حَتَّى ان كَانَت الْمَرْأَة لتطوف بِالْبَيْتِ وَهِي عُرْيَانَة فَأنْزل الله {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ: كَانُوا يطوفون عُرَاة بِالْبَيْتِ فَأَمرهمْ الله تَعَالَى أَن يلبسوا ثِيَابهمْ وَلَا يتعروا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْعَرَب إِذا حجُّوا فنزلوا أدنى الْحرم نزعوا ثِيَابهمْ وَوَضَعُوا رداءهم ودخلوا مَكَّة بِغَيْر رِدَاء إِلَّا أَن يكون للرجل مِنْهُم صديق من الحمس فيعيره ثَوْبه ويطعمه من طَعَامه فَأنْزل الله {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة فَأنْزل الله {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ حَيّ من أهل الْيمن يطوفون بِالْبَيْتِ وهم عُرَاة إِلَّا أَن يستعير أحدهم مئزراً من ميازر أهل مَكَّة فيطوف فِيهِ فَأنْزل الله {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن طَاوس فِي الْآيَة قَالَ: لم يَأْمُرهُم بِلبْس الْحَرِير والديباج وَلَكنهُمْ كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة وَكَانُوا إِذا قدمُوا يضعون ثِيَابهمْ خَارِجا من الْمَسْجِد ثمَّ يدْخلُونَ وَكَانَ إِذا دخل رجل وَعَلِيهِ ثِيَابه يضْرب وتنزع مِنْهُ ثِيَابه فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}

(3/440)


وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا زِينَة الصَّلَاة قَالُوا: وَمَا زِينَة الصَّلَاة قَالَ: البسوا نعالكم فصلوا فِيهَا
وَأخرج الْعقيلِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ صلوا فِي نعالكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا أكْرم الله بِهِ هَذِه الْأمة لبس نعَالهمْ فِي صلَاتهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خالفوا الْيَهُود فَإِنَّهُم لَا يصلونَ فِي خفافهم وَلَا نعَالهمْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا صلى أحدكُم فَخلع نَعْلَيْه فَلَا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بَين رجلَيْهِ أَو لِيُصَلِّ فيهمَا
وَأخرج أَبُو يعلى بِسَنَد ضَعِيف عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ زين الصَّلَاة الْحذاء
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خالفوا الْيَهُود وصلوا فِي نعالكم فَإِنَّهُم لَا يصلونَ فِي خفافهم وَلَا فِي نعَالهمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تَمام الصَّلَاة الصَّلَاة فِي النَّعْلَيْنِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مشيخة من الْأَنْصَار بيض لحاهم فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار حمِّرُوا وصفِّروا وخالفوا أهل الْكتاب
قيل يَا رَسُول الله إِن أهل الْكتاب يتسرولون وَلَا يَأْتَزِرُونَ فَقَالَ رَسُول الله: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الْكتاب
قُلْنَا: يَا رَسُول الله إِن أهل الْكتاب يتخففون وَلَا ينتعلون فَقَالَ: تخففوا وَانْتَعِلُوا وخالفوا أهل الْكتاب قُلْنَا يَا رَسُول الله إِن أهل الْكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم فَقَالَ: قصوا سبالكم ووفِرُوا عثانينكم وخالفوا أهل الْكتاب
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس أَنه سُئِلَ أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْه قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وجهني على بن أبي طَالب إِلَى ابْن الْكواء وَأَصْحَابه وَعلي قَمِيص رَقِيق وحلة فَقَالُوا لي: أَنْت ابْن عَبَّاس وتلبس مثل

(3/441)


هَذِه الثِّيَاب فَقلت: أول مَا أخاصمكم بِهِ قَالَ الله {قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ} الْأَعْرَاف الْآيَة 32 و {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبس فِي الْعِيدَيْنِ بردي حبرَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما خرجت الحرورية أتيت عليا فَقَالَ: ائْتِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم
فَلبِست أحسن مَا يكون من حلل الْيمن فأتيتهم فَقَالُوا: مرْحَبًا بك يَا ابْن عَبَّاس مَا هَذِه الْحلَّة قلت: مَا تعيبون عليّ لقد رَأَيْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن مَا يكون من الْحلَل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا صلى أحدكُم فليلبس ثوبيه فَإِن الله عز وَجل أَحَق من تزين لَهُ فَإِن لم يكن لَهُ ثَوْبَان فليتزر إِذا صلى وَلَا يشْتَمل أحدكُم فِي صلَاته اشْتِمَال الْيَهُود
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يصلين أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي الرجل فِي لِحَاف لَا يتوشح بِهِ وَنهى أَن يُصَلِّي الرجل فِي سَرَاوِيل وَلَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاء
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أحسن مَا زرتم الله بِهِ فِي قبوركم ومساجدكم الْبيَاض
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا من خير ثيابكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألبسوا ثِيَاب الْبيَاض فَإِنَّهَا أطهر وَأطيب وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي الْأَحْوَص عَن أَبِيه قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثوب دون فَقَالَ: أَلَك مَال قَالَ: نعم
قَالَ: من أَي المَال قَالَ: قد آتَانِي الله من الإِبل وَالْغنم وَالْخَيْل وَالرَّقِيق
قَالَ: فَإِذا آتاك الله فلير أثر نعْمَة الله عَلَيْك وكرامته
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يحب أَن يرى أثر نعْمَته على عَبده

(3/442)


وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من إِيمَان وَلَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من كبر
قَالَ رجل: يَا رَسُول الله انه يُعجبنِي أَن يكون ثوبي غسيلاً ورأسي دهيناً وشراك نَعْلي جَدِيدا وَذكر أَشْيَاء حَتَّى ذكرعلاقة سَوْطه فَمن الْكبر ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: لَا ذَاك الْجمال إِن الله عز وَجل جميل يحب الْجمال وَلَكِن الْكبر من سفه الْحق وازدرى النَّاس
وَأخرج ابْن سعد عَن جُنْدُب بن مكيث قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قدم الْوَفْد لبس أحسن ثِيَابه وَأمر عَلَيْهِ أَصْحَابه بذلك
وَأخرج أَحْمد عَن سهل بن الحنظلية قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنَّكُم قادمون على إخْوَانكُمْ فأصلحوا رحالكُمْ واصلحوا لباسكم حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاس كأنكم شامة فَإِن الله لَا يحب الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش
أما قَوْله تَعَالَى: {وكلوا وَاشْرَبُوا} الْآيَة
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احل الله الْأكل وَالشرب مَا لم يكن سَرفًا ومخيلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احل الله الْأكل وَالشرب مَا لم يكن سَرفًا أَو مخيلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّه لَا يحب المسرفين} قَالَ: فِي الطَّعَام وَالشرَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَا تسرفوا} قَالَ: فِي الثِّيَاب وَالطَّعَام وَالشرَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا تسرفوا} قَالَ: لَا تَأْكُلُوا حَرَامًا ذَلِك إِسْرَاف
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلوا وَاشْرَبُوا وتصدقوا وَالْبَسُوا فِي غير مخيلة وَلَا سرف فَإِن الله سُبْحَانَهُ يحب أَن يرى أثر نعْمَته على عَبده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة قَالَت رَآنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أكلت فِي الْيَوْم

(3/443)


مرَّتَيْنِ فَقَالَ: يَا عَائِشَة أما تحبين أَن يكون لَك شغل إِلَّا فِي جوفك الْأكل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ من الإِسراف وَالله لَا يحب المسرفين
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الإِسراف أَن تَأْكُل كل مَا اشْتهيت
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: دخل عمر على ابْنه عبد الله بن عمر إِذا عِنْدهم لحم فَقَالَ: مَا هَذَا اللَّحْم قَالَ: اشتهيته
قَالَ: وَكلما اشْتهيت شَيْئا أَكلته كفى بِالْمَرْءِ: إسرافاً أَن يَأْكُل كلما اشْتهى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل مَا شِئْت واشرب مَا شِئْت والبس مَا شِئْت إِذا أَخْطَأتك اثْنَتَانِ سرف أَو مخيلة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: من السَّرف أَن يكتسي الإِنسان وَيَأْكُل وَيشْرب مَا لَيْسَ عِنْده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
أَنه سُئِلَ مَا الإِسراف فِي المَال قَالَ: أَن يرزقك الله مَالا حَلَالا فتنفقه فِي حرَام حرمه عَلَيْك
وَأخرج ابْن ماجة عَن سلمَان
أَنه أكره على طَعَام يَأْكُلهُ فَقَالَ: حسبي أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن أَكثر النَّاس شبعاً فِي الدُّنْيَا أطولهم جوعا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة عَن ابْن عمر قَالَ: تجشى رجل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كف جشاك عَنَّا فَإِن أطولكم جوعا يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرَكُم شبعاً فِي دَار الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَابْن السّني فِي الطِّبّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الطِّبّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا مَلأ ابْن آدم وعَاء شرا من بطن حسب ابْن آدم لقيمات يقمن صلبه فَإِن كَانَ لَا محَالة فثلث لطعامه وَثلث لشرابه وَثلث لنَفسِهِ
وَأخرج ابْن السّني وَأَبُو نعيم فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن المرقع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لم يخلق وعَاء إِذا ملىء شرا من بطن فَإِن كَانَ لَا بُد فاجعلوا ثلثا للطعام وَثلثا للشراب وَثلثا للريح

(3/444)


وَأخرج ابْن السّني وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصل كل دَاء الْبردَة
وَأخرج ابْن السّني وَأَبُو نعيم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ
مثله
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إيَّاكُمْ والبطنة فِي الطَّعَام وَالشرَاب فَإِنَّهَا مفْسدَة للجسد مورثة للسقم ومكسلة عَن الصَّلَاة وَعَلَيْكُم بِالْقَصْدِ فيهمَا فَإِنَّهُ أصلح للجسد وَأبْعد من السَّرف وَأَن الله تَعَالَى ليبغض الحبر السمين وَإِن الرجل لن يهْلك حَتَّى يُؤثر شَهْوَته على دينه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أَرْطَاة قَالَ: اجْتمع رجال من أهل الطِّبّ عِنْد ملك من الْمُلُوك فَسَأَلَهُمْ مَا رَأس دَوَاء الْمعدة فَقَالَ كل رجل مِنْهُم قولا وَفِيهِمْ رجل سَاكِت فَلَمَّا فرغوا قَالَ: مَا تَقول أَنْت قَالَ: ذكرُوا أَشْيَاء وَكلهَا تَنْفَع بعض النَّفْع وَلَكِن ملاك ذَلِك ثَلَاثَة أَشْيَاء
لَا تَأْكُل طَعَاما أبدا إِلَّا وَأَنت تشتهيه وَلَا تَأْكُل لَحْمًا يُطْبَخُ لَك حَتَّى تنعم إنضاجه وَلَا تبتلع لقْمَة أبدا حَتَّى تمضغها مضغاً شَدِيدا لَا يكون على الْمعدة فِيهَا مؤونة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْموصِلِي قَالَ: أخرج من جَمِيع الْكَلَام أَرْبَعَة الآف كلمة وَأخرج مِنْهَا أَرْبَعمِائَة كلمة وَأخرج مِنْهَا أَرْبَعُونَ كلمة وَأخرج مِنْهَا أَربع كَلِمَات
أَولهَا لَا تثقفن بِالنسَاء وَالثَّانيَِة لَا تحمل معدتك مَا لَا تطِيق وَالثَّالِثَة لَا يغرنك المَال وَالرَّابِعَة يَكْفِيك من الْعلم مَا تنْتَفع بِهِ
وَأخرج أَبُو مُحَمَّد الْخلال عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا وَهِي تَشْتَكِي فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَة الازم دَوَاء والمعدة بَيت الادواء وعودوا بدنا مَا اعْتَادَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن محب عَن أَبِيه قَالَ: الْمعدة حَوْض الْجَسَد وَالْعُرُوق تشرع فِيهِ فَمَا ورد فِيهَا بِصِحَّة صدر بِصِحَّة وَمَا ورد فِيهَا بسقم صدر بسقم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن السّني وَأَبُو نعيم معافى الطِّبّ النَّبَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمعدة حَوْض الْبدن وَالْعُرُوق إِلَيْهَا وَارِدَة فَإِذا صحت الْمعدة صدرت الْعُرُوق بِالصِّحَّةِ وَإِذا فَسدتْ الْمعدة صدرت الْعُرُوق بِالسقمِ

(3/445)


- الْآيَة (32)

(3/446)


قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت قُرَيْش يطوفون بِالْبَيْتِ وهم عُرَاة يصفرون ويصفقون فَأنْزل الله {قل من حرم زِينَة الله} فَأمروا بالثياب أَن يلبسوها {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يَنْتَفِعُونَ بهَا فِي الدُّنْيَا لَا يتبعهُم فِيهَا إِثْم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن عَائِشَة
أَنَّهَا سُئِلت عَن مقانع القز فَقَالَت: مَا حرم الله شَيْئا من الزِّينَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: الْمُشْركُونَ يشاركون الْمُؤمنِينَ فِي زهرَة الدُّنْيَا وَهِي خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة للْمُؤْمِنين دون الْمُشْركين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس والطيبات من الرزق قَالَ: الودك وَاللَّحم وَالسمن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ قوم يحرمُونَ من الشَّاة لَبنهَا ولحمها وسمنها فَأنْزل الله {قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ والطيبات من الرزق} قَالَ: والزينة الثِّيَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والطيبات من الرزق} قَالَ: هُوَ مَا حرم أهل الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِم فِي أَمْوَالهم الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحامي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْجَاهِلِيَّة يحرمُونَ أَشْيَاء أحلهَا الله من الثِّيَاب وَغَيرهَا وَهُوَ قَول الله {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالا} يُونُس الْآيَة 59 وَهُوَ هَذَا فَأنْزل الله {قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ والطيبات من الرزق قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}

(3/446)


يَعْنِي شَارك الْمُسلمُونَ الْكفَّار فِي الطَّيِّبَات فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَأَكَلُوا من طَيّبَات طعامها ولبسوا من جِيَاد ثِيَابهَا ونكحوا من صَالح نسائها ثمَّ يخلص الله الطَّيِّبَات فِي الْآخِرَة للَّذين آمنُوا وَلَيْسَ للْمُشْرِكين فِيهَا شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الزِّينَة تخلص يَوْم الْقِيَامَة لمن آمن فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم قَالَ: سَمِعت الْحجَّاج بن يُوسُف يقْرَأ (قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة) بِالرَّفْع
قَالَ عَاصِم: وَلم يبصر الْحجَّاج اعرابها وَقرأَهَا عَاصِم بِالنّصب (خَالِصَة)

- الْآيَة (33)

(3/447)


قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن} قَالَ: مَا ظهر الْعرية وَمَا بطن الزِّنَا كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحد أغير من الله فَلذَلِك حرم الْفَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: قَالَ سعد بن عبَادَة: لَو رَأَيْت رجلا مَعَ امْرَأَتي لضربته بِالسَّيْفِ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أتعجبون من غيرَة سعد فو الله لأَنا أَغْيَرُ مِنْ سعد وَالله أغْيَرُ مني وَمن أَجله حرم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَلَا شخص أغير من الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله أما تغار قَالَ وَالله إِنِّي لأغار وَالله أغْيَرُ مني وَمن غيرته نهى عَن الْفَوَاحِش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن} قَالَ: مَا ظهر مِنْهَا الِاغْتِسَال بِغَيْر ستْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن يحيى بن أبي كثير أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي

(3/447)


أصبت حدا فأقمه عليَّ
فجلده ثمَّ صعد الْمِنْبَر وَالْغَضَب يعرف فِي وَجهه فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله حرم عَلَيْكُم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن فَمن أصَاب مِنْهَا شَيْئا فليستتر بسترالله فَإِنَّهُ من يرفع إِلَيْنَا من ذَلِك شَيْئا نقمة عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جَعْفَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي غيور وَإِن إِبْرَاهِيم كَانَ غيوراً وَمَا من امرىء لَا يغار إِلَّا منكوس الْقلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {والإِثم} قَالَ: الْمعْصِيَة وَالْبَغي
قَالَ: إِن تبغى على النَّاس بِغَيْر حق

- الْآيَة (34)

(3/448)


وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص وَابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: تَذَاكرنَا زِيَادَة الْعُمر عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: من وصل رَحمَه أنسء فِي أَجله
فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بزائدة فِي عمره قَالَ الله {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَلَكِن الرجل يكون لَهُ الذُّرِّيَّة الصَّالِحَة فَيدعونَ الله لَهُ من بعده فيبلغه ذَلِك فَذَلِك الَّذِي ينسأ فِي أبده وَفِي لفظ: فيلحقه دعاؤهم فِي قَبره فَذَلِك زِيَادَة الْعُمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن أبي عرُوبَة قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: مَا أَحمَق هَؤُلَاءِ الْقَوْم

يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أطل عمره وَالله يَقُول {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب قَالَ: لما طعن عمر قَالَ كَعْب: لَو دَعَا الله عمر لأَخَّر فِي أَجله
فَقيل لَهُ: أَلَيْسَ قد قَالَ الله {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} فَقَالَ كَعْب: وَقد قَالَ الله {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره إِلَّا فِي كتاب} فاطر الْآيَة 11 قَالَ الزُّهْرِيّ: وَلَيْسَ أحد إِلَّا لَهُ عمر مَكْتُوب فَرَأى أَنه مَا لم يحضر أَجله فَإِن الله يُؤَخر مَا شَاءَ وَينْقص {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}

(3/448)


وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن كَعْب قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل ملك إِذا ذَكرْنَاهُ ذكرنَا عمر وَإِذا ذكرنَا عمر ذَكرْنَاهُ وَكَانَ إِلَى جنبه نَبِي يُوحى إِلَيْهِ فَأوحى الله إِلَى النَّبِي أَن يَقُول لَهُ: أَعهد عَهْدك واكتب إِلَى وصيتك فَإنَّك ميت إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَأخْبرهُ النَّبِي بذلك فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث وَقع بَين الْجدر وَبَين السرير ثمَّ جَار إِلَى ربه فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي كنت أعدل فِي الحكم وَإِذا اخْتلفت الْأُمُور اتبعت هداك وَكنت فزدني فِي عمري حَتَّى يكبر طفلي وتربو أمتِي
فَأوحى الله إِلَى النَّبِي: أَنه قد قَالَ كَذَا وَكَذَا وَقد صدق: وَقد زِدْته فِي عمره خمس عشرَة سنة فَفِي ذَلِك مَا يكبر طِفْله وتربو أمته فَلَمَّا طعن عمر قَالَ كَعْب: لَئِن سَأَلَ عمر ليبقينه فَأخْبر بذلك عمر فَقَالَ: اللَّهُمَّ اقبضني إِلَيْك غير عَاجز وَلَا ملوم
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: لما طعن عمر جَاءَ كَعْب فَجعل يبكي بِالْبَابِ وَيَقُول: وَالله لَو أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقسم على الله أَن يُؤَخِّرهُ لأخَّرَهُ فَدخل ابْن عَبَّاس عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا كَعْب يَقُول كَذَا وَكَذَا قَالَ: إِذا - وَالله - لَا أسأله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن لَبِيبَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: جَاءَ سعد بن أبي وَقاص فَقَالَ: يَا رب إِن لي بَنِينَ صغَارًا فأخِّر عني الْمَوْت حَتَّى يبلغُوا فَأخر عَنهُ الْمَوْت عشْرين سنة
وَأخرج أَحْمد عَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره النسأ فِي الْأَجَل والزياده فِي الرزق فَليصل رَحمَه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولي من أَمر أمتِي شَيْئا فحسنت سَرِيرَته رزق الهيبة من قُلُوبهم وَإِذا بسط يَده لَهُم بِالْمَعْرُوفِ رزق الْمحبَّة مِنْهُم وَإِذا وفر عَلَيْهِم أَمْوَالهم وفر الله عَلَيْهِ مَاله وَإِذا أنصف الضَّعِيف من الْقوي قوّى الله سُلْطَانه وَإِذا عدل مدَّ فِي عمره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: من اتَّقى ربه وَوصل رَحمَه نسىء لَهُ فِي عمره وَربا مَاله وأحبه أَهله

(3/449)


- الْآيَة (35 - 36)

(3/450)


يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)

- أخرج ابْن جرير عَن أبي سيار السّلمِيّ فَقَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى جعل آدم وَذريته فِي كَفه فَقَالَ {يَا بني آدم إِمَّا يَأْتينكُمْ رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي فَمن اتَّقى وَأصْلح فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} ثمَّ نظر إِلَى الرُّسُل فَقَالَ {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 51 {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 53 ثمَّ بثهم

- الْآيَة (37)

(3/450)


فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)

- أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: مَا قدر لَهُم من خير وَشر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: من الْأَعْمَال من عمل خيرا جزى بِهِ وَمن عمل شرا جزى بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ونصيبهم من الْكتاب قَالَ: مَا كتب عَلَيْهِم من الشَّقَاء والسعادة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: قوم يعْملُونَ أعمالاً لَا بُد لَهُم أَن يعملوها

(3/450)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: مَا سبق من الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: مَا وعدوا فِيهِ من خير أَو شَرّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: رزقه وأجله وَعَمله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح فِي قَوْله {نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} قَالَ: مِمَّا كتب لَهُم من الرزق

- الْآيَة (38 - 39)

(3/451)


قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)

- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {قد خلت} قَالَ: قد مَضَت {كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا} قَالَ: كلما دخلت أهل مِلَّة لعنُوا أَصْحَابهم على ذَلِك الدّين يلعن الْمُشْركُونَ الْمُشْركين وَالْيَهُود الْيَهُود وَالنَّصَارَى النَّصَارَى والصابئون الصابئين وَالْمَجُوس الْمَجُوس تلعن الْآخِرَة الأولى {حَتَّى إِذا ادَّاركوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أخراهم} الَّذين كَانُوا فِي آخر الزَّمَان {لأولاهم} الَّذين شرعوا لَهُم ذَلِك الدّين {رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا} للأولى وَالْآخِرَة {وَقَالَت أولاهم لأخراهم فَمَا كَانَ لكم علينا من فضل} وَقد ضللتم كَمَا ضللنا

(3/451)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عذَابا ضعفا} قَالَ: مضاعفاً {قَالَ لكل ضعف} قَالَ: مضاعف وَفِي قَوْله {فَمَا كَانَ لكم علينا من فضل} قَالَ: تَخْفيف من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز فِي قَوْله {وَقَالَت أولاهم لأخراهم فَمَا كَانَ لكم علينا من فضل} يَقُول: قد بيَّن لكم مَا صنع بِنَا من الْعَذَاب حِين عصينا وحذرتم فَمَا فَضلكُمْ علينا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ الْحسن: الْجِنّ لَا يموتون
فَقلت لَهُ: ألم يقل الله {فِي أُمَم قد خلت من قبلكُمْ من الْجِنّ والإِنس} وَإِنَّمَا يكون مَا خلا مَا قد ذهب
وَالله تَعَالَى أعلم

- الْآيَة (40)

(3/452)


إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)

- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} يَعْنِي لَا يصعد إِلَى الله من عَمَلهم شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَالَ: لَا تفتح لَهُم لعمل وَلَا دُعَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَالَ: عَيَّرَتها الْكفَّار إِن السَّمَاء لَا تفتح لأرواحهم وَهِي تفتح لأرواح الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفتح لَهُم بِالْيَاءِ
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة فَإِذا كَانَ الرجل صَالحا قَالَ: أَخْرِجِي أيتها النَّفس الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب

(3/452)


أَخْرِجِي حميدة وابشري بِروح وَرَيْحَان وَرب رَاض غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا كَانَ الرجل السوء قَالَ: أَخْرِجِي أيتها النَّفس الخبيثة كَانَت فِي الْجَسَد الْخَبيث أَخْرِجِي ذميمة وابشري بحميم وغساق وَآخر من شكله أَزوَاج فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ثمَّ يعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فيستفتح لَهَا فَيُقَال: من هَذَا فَيُقَال: فلَان

فَيُقَال: لَا مرْحَبًا بِالنَّفسِ الخبيثة كَانَت فِي الْجَسَد الْخَبيث ارجعي ذميمة فَإِنَّهَا لَا تفتح لَك أَبْوَاب السَّمَاء
فترسل من السَّمَاء ثمَّ تصير إِلَى الْقَبْر
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: تخرج نفس الْمُؤمن وَهِي أطيب ريحًا من الْمسك فيصعد بهَا الْمَلَائِكَة الَّذين يتوفونها فَتَلقاهُمْ مَلَائِكَة دون السَّمَاء فَيَقُولُونَ: من هَذَا مَعكُمْ فَيَقُولُونَ: فلَان ويذكرونه بِأَحْسَن عمله
فَيَقُولُونَ: حياكم الله وَحيا من مَعكُمْ فَيفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء فيصعد بِهِ من الْبَاب الَّذِي كَانَ يصعد عمله مِنْهُ فيشرق وَجهه فَيَأْتِي الرب ولوجهه برهَان مثل الشَّمْس
قَالَ: وَأما الْكَافِر فَتخرج نَفسه وَهِي أنتن من الجيفة فيصعد بهَا الْمَلَائِكَة الَّذين يتوفونها فَتَلقاهُمْ مَلَائِكَة دون السَّمَاء فَيَقُولُونَ: من هَذَا فَيَقُولُونَ فلَان ويذكرونه باسوأ [هجاء الْهمزَة] عمله فَيَقُولُونَ: ردُّوهُ فَمَا ظلمه الله شَيْئا
فَيرد إِلَى أَسْفَل الْأَرْضين إِلَى الثرى وَقَرَأَ أَبُو مُوسَى {وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط}
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَلَسْنَا حوله وَكَأن على رؤوسنا الطير وَفِي يَده عود ينْكث بِهِ فِي الأَرْض فَرفع رَأسه فَقَالَ: استعيذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: إنَّ العَبْد الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة نزل إِلَيْهِ مَلَائِكَة من السَّمَاء بيض الْوُجُوه كَأَن وجوهم الشَّمْس مَعَهم أكفان من كفن الْجنَّة وحنوط من حنوط الْجنَّة حَتَّى يجلسوا مِنْهُ مد الْبَصَر ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت حَتَّى يجلس عِنْد رَأسه قيقول: أيتها النَّفس الطّيبَة اخْرُجِي إِلَى مغْفرَة من الله ورضوان
فَتخرج تسيل كَمَا تسيل القطرة من

(3/453)


فِي السقاء وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ غير ذَلِك فيأخذها فَإِذا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يأخذوها فيجعلوها فِي ذَلِك الْكَفَن وَفِي ذَلِك الحنوط فَيخرج مِنْهَا كأطيب نفحة مسك وجدت على وَجه الأَرْض فيصعدون بهَا فَلَا يَمرونَ على ملإٍ من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الطّيب فَيَقُولُونَ: فلَان بن فلَان بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يسمونه بهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى ينْتَهوا بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتحون لَهُ فَيفتح لَهُم فيشيعه من كل سَمَاء مقربوها إِلَى السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يَنْتَهِي بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَقُول الله: اكتبوا كتاب عَبدِي فِي عليين وأعيدوه إِلَى الأَرْض فَإِنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى فتعاد روحه فِي جسده
فيأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: رَبِّي الله
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: ديني الإِسلام
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول: هُوَ رَسُول الله
فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عَمَلك فَيَقُول: قَرَأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدّقت
فينادي مُنَاد من السَّمَاء: أَن صدق عَبدِي فافرشوه من الْجنَّة وألبسوه من الْجنَّة وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره ويأتيه رجل حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب طيب الرّيح فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يَسُرك هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد
فَيَقُول لَهُ: من أَنْت فوجهك الْوَجْه يَجِيء بِالْخَيرِ فَيَقُول: أَنا عَمَلك الصَّالح فَيَقُول: رب أقِم السَّاعَة رب أقِم السَّاعَة حَتَّى أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي
قَالَ: وَإِن العَبْد الْكَافِر إِذا كَانَ فِي إقبال من الْآخِرَة وَانْقِطَاع من الدُّنْيَا نزل إِلَيْهِ من السَّمَاء مَلَائِكَة سود الْوُجُوه مَعَهم المسوح فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت حَتَّى يجلس عِنْد رَأسه فَيَقُول: أيتها النَّفس الخبيثة اخْرُجِي إِلَى سخط من الله وَغَضب فَتفرق فِي جسده فينتزعها كَمَا ينتزع السفود من الصُّوف المبلول فيأخذها فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يجعلوها فِي تِلْكَ المسوح وَيخرج مِنْهَا كأنتن ريح جيفة وجدت على وَجه الأَرْض فيصعدون بهَا فَلَا يَمرونَ بهَا على ملإٍ من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الْخَبيث فَيَقُولُونَ: فلَان بن فلَان بأقبح أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسمى بهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتح فَلَا يفتح لَهُ ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} فَيَقُول الله عز وَجل: اكتبوا كِتَابه فِي سِجِّين فِي الأَرْض السُّفْلى فتطرح روحه طرحاً ثمَّ قَرَأَ

(3/454)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} الْحَج الْآيَة 31
فتعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: هاه هاه

فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: هاه هاه لَا أَدْرِي

فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول: هاه هاه لَا أَدْرِي

فينادي مُنَاد من السَّمَاء: أَن كذب عَبدِي فافرشوه من النَّار وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فيأتيه من حرهَا وسمومها ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه ويأتيه رجل قَبِيح الْوَجْه قَبِيح الثِّيَاب منتن الرّيح فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يسوءك هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد فَيَقُول: من أَنْت فوجهك الْوَجْه يَجِيء بِالشَّرِّ فَيَقُول: أَنا عَمَلك الْخَبيث
فَيَقُول: رب لَا تقم السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَالَ: لَا يصعد لَهُم كَلَام وَلَا عمل
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَالَ: لَا يرفع لَهُم عمل وَلَا دُعَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَالَ: لأرواحهم وَلَا لأعمالهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَالَ: الْكَافِر إِذا أَخذ روحه ضَربته مَلَائِكَة الأَرْض حَتَّى يرْتَفع إِلَى السَّمَاء فَإِذا بلغ السَّمَاء الدُّنْيَا ضَربته مَلَائِكَة السَّمَاء فهبط فضربته مَلَائِكَة الأَرْض فارتفع فضربته مَلَائِكَة السَّمَاء الدُّنْيَا فهبط إِلَى أَسْفَل الْأَرْضين وَإِذا كَانَ مُؤمنا روّح روحه وَفتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء فَلَا يمر بِملك إِلَّا حَيَّاهُ وَسلم عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الله فيعطيه حَاجته ثمَّ يَقُول الله: ردوا روح عَبدِي فِيهِ إِلَى الأَرْض فَإِنِّي قضيت من التُّرَاب خلقه وَإِلَى التُّرَاب يعود وَمِنْه يخرج
قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى يلج الْجمل} قَالَ: ذُو القوائم {فِي سم الْخياط} قَالَ: فِي خرق الإِبرة

(3/455)


وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {حَتَّى يلج الْجمل} قَالَ: زوج النَّاقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {حَتَّى يلج الْجمل} قَالَ: ابْن النَّاقة الَّذِي يقوم فِي المربد على أَربع قَوَائِم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ (الْجمل) يَعْنِي بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم وَقَالَ: الْجمل الْحَبل الغليظ وَهُوَ من حبال السفن
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود حَتَّى يلج الْجمل الْأَصْفَر فِي سم الْخياط
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُصعب قَالَ: إِن قُرِئت الْجمل فَإنَّا طيراً يُقَال لَهُ الْجمل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} قَالَ: الْجمل حَبل السَّفِينَة وسم الْخياط ثقبة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: الْجمل الْحَبل الَّذِي يصعد بِهِ إِلَى النّخل الْمِيم مَرْفُوعَة مُشَدّدَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: حَتَّى يدْخل الْبَعِير فِي خرق الإِبرة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر
أَنه سُئِلَ عَن سم الْخياط قَالَ: الْجمل فِي ثقب الإبرة

- الْآيَة (41 - 42)

(3/456)


لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)

- أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَهُم من جَهَنَّم مهاد} قَالَ: الْفرش {وَمن فَوْقهم غواش} قَالَ: اللحف
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ
مثله
وَأخرج أَبُو الْحسن الْقطَّان فِي الطوالات وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكسى الْكَافِر لوحين من نَار فِي قَبره فَذَلِك قَوْله {لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة {لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش} قَالَ: هِيَ طَبَقَات من فَوْقه وطبقات من تَحْتَهُ لَا يدْرِي مَا فَوْقه أَكثر أَو ماتحته غير أَنه ترفعه الطَّبَقَات السُّفْلى وتضعه الطَّبَقَات الْعليا ويضيق فِيمَا بَينهمَا حَتَّى يكون بِمَنْزِلَة الزج فِي الْقدح

- الْآيَة (43)

(3/457)


وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: فِينَا وَالله أهل بدر نزلت هَذِه الْآيَة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: هِيَ الْعَدَاوَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يحبس أهل الْجنَّة بعد مَا يجوزون الصِّرَاط حَتَّى يُؤْخَذ لبَعْضهِم من بعض ظلاماتهم فِي الدُّنْيَا فَيدْخلُونَ الْجنَّة وَلَيْسَ فِي قُلُوب بَعضهم على بعض غل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: إِن أهل الْجنَّة إِذا سيقوا إِلَى الْجنَّة فبلغوا وجدوا عِنْد بَابهَا شَجَرَة فِي أصل سَاقهَا عينان فيشربون من إِحْدَاهمَا فينزع مَا فِي صُدُورهمْ من غل فَهُوَ الشَّرَاب الطّهُور وَاغْتَسلُوا من الْأُخْرَى فجرت عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم فَلَنْ يشعثوا وَلنْ يشحبوا بعْدهَا أبدا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي نَضرة قَالَ: يحبس أهل الْجنَّة دون الْجنَّة حَتَّى يقْتَصّ

(3/457)


لبَعْضهِم من بعض حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة حِين يدْخلُونَهَا وَلَا يطْلب أحد أحدا بقلامة ظفر ظلمها إِيَّاه وَيحبس أهل النَّار دون النَّار حَتَّى يقْتَصّ لبَعْضهِم من بعض فَيدْخلُونَ النَّار حِين يدْخلُونَهَا وَلَا يطْلب أحد مِنْهُم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إِيَّاه
أما قَوْله تعلى: {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} أخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير فِي ذكر الْمَوْت وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل أهل النَّار يرى منزله من الْجنَّة يَقُول: لَو هدَانَا الله فَيكون حسرة عَلَيْهِم وكل أهل الْجنَّة يرى منزله من النَّار فَيَقُول: لَوْلَا أَن هدَانَا الله
فَهَذَا شكرهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هَاشم قَالَ: كتب عدي بن أَرْطَاة إليّ عمر بن عبد الْعَزِيز أَن من قبلنَا من أهل الْبَصْرَة قد أَصَابَهُم من الْخَيْر خير حَتَّى خفت عَلَيْهِم
فَكتب إِلَيْهِ عمر: قد فهمت كتابك وَأَن الله لما أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة رَضِي مِنْهُم بِأَن قَالُوا {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} فَمر من قبلك أَن يحْمَدُوا الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد والدارمي وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ نُودُوا: أَن صحوا فَلَا تسقموا وأنعموا فَلَا تبأسوا وشبوا فَلَا تهرموا واخلدوا فَلَا تَمُوتُوا
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَعبد بن حميد عَن أبي سعيد قَالَ: إِذا أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد: يَا أهل الْجنَّة إِن لكم أَن تحيوا فَلَا تَمُوتُوا أبدا وَإِن لكم أَن تنعموا فَلَا تيأسوا أبدا وَإِن لكم أَن تشبوا فَلَا تهرموا أبدا وَإِن لكم أَن تصحوا فَلَا تسقموا أبدا فَذَلِك قَوْله {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: لَيْسَ من مُؤمن وَلَا كَافِر إِلَّا وَله فِي الْجنَّة وَالنَّار منزل مُبين فَإِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار ودخلوا مَنَازِلهمْ رفعت الْجنَّة لأهل النَّار فنظروا إِلَى مَنَازِلهمْ فِيهَا فَقيل: هَذِه مَنَازِلكُمْ لَو عملتم بِطَاعَة الله ثمَّ يُقَال: يَا أهل الْجنَّة رثوهم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ
فيقتسم أهل الْجنَّة مَنَازِلهمْ

(3/458)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي معَاذ الْبَصْرِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم إِذا خَرجُوا من قُبُورهم يستقبلون بِنُوق بيض لَهَا أَجْنِحَة عَلَيْهَا رحال الذَّهَب شرك نعَالهمْ نور يتلألأ كل خطْوَة مِنْهَا مد الْبَصَر فينتهون إِلَى شَجَرَة يَنْبع من أَصْلهَا عينان فيشربون من إِحْدَاهمَا فتغسل مَا فِي بطونهم من دنس ويغتسلون من الْأُخْرَى فَلَا تشعث أَبْصَارهم وَلَا أشعارهم بعْدهَا أبدا وتجري عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم فينتهون إِلَى بَاب الْجنَّة فَإِذا حَلقَة من ياقوتة حَمْرَاء على صَفَائِح الذَّهَب فيضربون بالحلقة على الصفحة فَيسمع لَهَا طنين فَيبلغ كل حوراء أَن زَوجهَا قد أقبل فتبعث قَيِّمَهَا فَيفتح لَهُ فَإِذا رَآهُ خر لَهُ سَاجِدا فَيَقُول: ارْفَعْ رَأسك إِنَّمَا أَنا قيمك وكلت بِأَمْرك فيتبعه ويقفوا أَثَره فيستخف الْحَوْرَاء العجلة فَتخرج من خيام الدّرّ والياقوت حَتَّى تعتنقه ثمَّ ثقول: أَنْت حبي وَأَنا حبك وَأَنا الخالدة الَّتِي لَا أَمُوت وَأَنا الناعمة الَّتِي لَا أبأس وَأَنا الراضية الَّتِي لَا أَسخط وَأَنا المقيمة الَّتِي لَا أظعن
فَيدْخل بَيْتا من رَأسه إِلَى سقفه مائَة ألف ذِرَاع بِنَاؤُه على جندل اللُّؤْلُؤ طرائق أصفر وأحمر وأخضر لَيْسَ مِنْهَا طَريقَة تشاكل صاحبتها فِي الْبَيْت سَبْعُونَ سريراً على كل سَرِير سَبْعُونَ حشية على كل حشية سَبْعُونَ زَوْجَة على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلةٍ يُرَى مخ سَاقهَا من بَاطِن الْحلَل يقْضِي جِمَاعهَا فِي مِقْدَار لَيْلَة من لياليكم هَذِه الْأَنْهَار من تَحْتهم تطرد أَنهَارًا من مَاء غير آسن فَإِن شَاءَ أكل قَائِما وَإِن شَاءَ أكل قَاعِدا وَإِن شَاءَ أكل مُتكئا
ثمَّ تَلا {ودانية عَلَيْهِم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} الْأَعْرَاف الْآيَتَانِ 8 - 9 فيشتهي الطَّعَام فيأتيه طير أَبيض فَترفع أَجْنِحَتهَا فيأكل من جنوبها أَي الألوان شَاءَ ثمَّ تطير فتذهب فَيذْهب الْملك فَيَقُول: سَلام عَلَيْكُم {تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}

- الْآيَة (44 - 46)

(3/459)


وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)

- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا} قَالَ: من النَّعيم والكرامة {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا} قَالَ: من الخزي والهوان وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: وجد أهل الْجنَّة مَا وُعِدُوا من ثَوَاب وَوجد أهل النَّار مَا وُعِدوا من عَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على قليب بدر من الْمُشْركين فَقَالَ: قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَقَالَ لَهُ النَّاس: أَلَيْسُوا أَمْوَاتًا فَيَقُول: إِنَّهُم يسمعُونَ كَمَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَبَينهمَا حجاب} قَالَ: هُوَ السُّور وَهُوَ الْأَعْرَاف وَإِنَّمَا سمي الْأَعْرَاف لِأَن أَصْحَابه يعْرفُونَ النَّاس
أما قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الْأَعْرَاف رجال}
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن حُذَيْفَة قَالَ: الْأَعْرَاف سور بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَعْرَاف هُوَ الشَّيْء المشرف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَعْرَاف سور لَهُ عرف كعرف الديك
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الْأَعْرَاف حجاب بَين الْجنَّة وَالنَّار سور لَهُ بَاب

(3/460)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الْأَعْرَاف جبال بَين الْجنَّة وَالنَّار فهم على أعرافها يَقُول: على ذراها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: الْأَعْرَاف فِي كتاب الله عُمقاناً سقطاناً
قَالَ ابْن لَهِيعَة: وَاد عميق خلف جبل مُرْتَفع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: زَعَمُوا أَنه الصِّرَاط
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الْأَعْرَاف تل بَين الْجنَّة وَالنَّار جلس عَلَيْهِ نَاس من أهل الذُّنُوب بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَعْرَاف سور بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يَعْنِي بالأعراف السُّور الَّذِي ذكر الله فِي الْقُرْآن وَهُوَ بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يُحَاسب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَمن كَانَت حَسَنَاته أَكثر من سيئاته بِوَاحِدَة دخل الْجنَّة وَمن كَانَت سيئاته أَكثر من حَسَنَاته بواحده دخل النَّار ثمَّ قَرَأَ {فَمن ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه فَأُولَئِك الَّذين خسروا أنفسهم} ) (الْأَعْرَاف الْآيَة 49) ثمَّ قَالَ: إِن الْمِيزَان يخف بمثقال حَبَّة ويرجح
قَالَ: وَمن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته كَانَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف فوقفوا على الصِّرَاط ثمَّ عرض أهل الْجنَّة وَأهل النَّار فَإِذا نظرُوا إِلَى أهل الْجنَّة نادوا: سَلام عَلَيْكُم وَإِذا صرفُوا أَبْصَارهم إِلَى يسارهم رَأَوْا أَصْحَاب النَّار {قَالُوا رَبنَا لَا تجعلنا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} فتعوّذوا بِاللَّه من مَنَازِلهمْ فَأَما أَصْحَاب الْحَسَنَات فَإِنَّهُم يُعْطون نورا يَمْشُونَ بِهِ بَين أَيْديهم وبأيمانهم وَيُعْطى كل عبد مُؤمن نورا وكل أمة نورا فَإِذا أَتَوا على الصِّرَاط سلب الله نورا كل مُنَافِق وَمُنَافِقَة فَلَمَّا رأى أهل الْجنَّة مَا لَقِي المُنَافِقُونَ قَالُوا: رَبنَا أتمم لنا نورنا
وَأما أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَإِن النُّور كَانَ فِي أَيْديهم فَلم ينْزع من أَيْديهم فهنالك يَقُول الله {لم يدخلوها وهم يطمعون} فَكَانَ الطمع دُخُولا
قَالَ ابْن مَسْعُود: إِن العَبْد إِذا عمل حَسَنَة كتب لَهُ بهَا عشر وَإِذا عمل سَيِّئَة لم تكْتب إِلَّا وَاحِدَة ثمَّ يَقُول: هلك من غلب وحدانه أعشاره
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف قوم كَانَت لَهُم أَعمال أنجاهم الله من النَّار وهم آخر من يدْخل الْجنَّة قد عرفُوا أهل الْجنَّة وَأهل النَّار

(3/461)


وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة قَالَ: إِن أَصْحَاب الْأَعْرَاف: تكافأت أَعْمَالهم فقصرت بهم حسناتهم عَن الْجنَّة وَقصرت بهم سيئاتهم عَن النَّار فَجعلُوا على الْأَعْرَاف يعْرفُونَ النَّاس بِسِيمَاهُمْ
فَلَمَّا قضى بَين الْعباد أذن لَهُم فِي طلب الشَّفَاعَة فَأتوا آدم فَقَالُوا: يَا آدم أَنْت أَبونَا اشفع لنا عِنْد رَبك فَقَالَ: هَل تعلمُونَ أحدا خلقه الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه وسبقت رَحْمَة الله إِلَيْهِ غَضَبه وسجدت لَهُ الْمَلَائِكَة غَيْرِي فَيَقُولُونَ: لَا
فَيَقُول: مَا علمت كنه مَا أَسْتَطِيع أَن أشفع لكم وَلَكِن ائْتُوا ابْني إِبْرَاهِيم
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فيسألونه أَن يشفع لَهُم عِنْد ربه فَيَقُول: هَل تعلمُونَ أحدا اتَّخذهُ الله خَلِيلًا هَل تعلمُونَ أحدا أحرقه قومه فِي الله غَيْرِي فَيَقُولُونَ: لَا
فَيَقُول: مَا علمت كنه مَا أَسْتَطِيع أَن أشفع لكم وَلَكِن ائْتُوا ابْني مُوسَى
فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُول: هَل تعلمُونَ من أحد كَلمه الله تكليماً وقرَّبه نجيا غَيْرِي فَيَقُولُونَ: لَا
فَيَقُول: مَا علمت كنه مَا أَسْتَطِيع أَن أشفع لكم وَلَكِن ائْتُوا عِيسَى
فيأتونه فَيَقُولُونَ: اشفع لنا عِنْد رَبك
فَيَقُول: هَل تعلمُونَ أحدا خلقه الله من غير آب غَيْرِي فَيَقُول: هَل تعلمُونَ من أحد كَانَ يبرىء الأكمه والأبرص ويحي الْمَوْتَى بِإِذن الله غَيْرِي فَيَقُولُونَ: لَا
فَيَقُول: أَنا حجيج نَفسِي ماعلمت كنه مَا أَسْتَطِيع أَن أشفع لكم وَلَكِن ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فيأتونني فَاضْرب بيَدي على صَدْرِي ثمَّ أَقُول أَنا لَهَا ثمَّ أَمْشِي حَتَّى أَقف بَين يَدي الْعَرْش فأثني على رَبِّي فَيفتح لي من الثَّنَاء مَا لم يسمع السامعون بِمثلِهِ قطّ ثمَّ اسجد فَيُقَال لي: يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأسك سل تعطه وَاشْفَعْ تشفع فارفع رَأْسِي فَأَقُول: رب أمتِي
فَيَقُول: هم لَك فَلَا يبْقى نَبِي مُرْسل وَلَا ملك مقرب إِلَّا غبطني يَوْمئِذٍ بذلك الْمقَام الْمَحْمُود فَآتي بهم بَاب الْجنَّة فَاسْتَفْتَحَ فَيفتح لي وَلَهُم فَيذْهب بهم إِلَى نهر يُقَال لَهُ نهر الْحَيَاة حافتاه قُضب من ذهب مكلل بِاللُّؤْلُؤِ ترابه الْمسك وحصباؤه الْيَاقُوت فيغتسلون مِنْهُ فتعود إِلَيْهِم ألوان أهل الْجنَّة وريح أهل الْجنَّة ويصيرون كَأَنَّهُمْ الْكَوَاكِب الدرية وَتبقى فِي صُدُورهمْ شامات بيض يعْرفُونَ بهَا يُقَال لَهُم: مَسَاكِين أهل الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن حُذَيْفَة قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف قوم اسْتَوَت حسناتهم وسيئاتهم غادرت بهم سيئاتهم عَن النَّار

(3/462)


وَقصرت بهم سيئاتهم عَن الْجنَّة جعلُوا على سور بَين الْجنَّة وَالنَّار حَتَّى يقْضِي بَين النَّاس فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا طلع عَلَيْهِم رَبهم فَقَالَ لَهُم: قومُوا فادخوا الْجنَّة فَإِنِّي غفرت لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وعَلى الْأَعْرَاف} قَالَ: هُوَ السُّور الَّذِي بَين الْجنَّة وَالنَّار وَأَصْحَابه رجال كَانَت لَهُم ذنُوب عِظَام وَكَانَ جسيم أَمرهم لله يقومُونَ على الْأَعْرَاف يعْرفُونَ أهل النَّار بسواد الْوُجُوه وَأهل الْجنَّة ببياض الْوُجُوه فَإِذا نظرُوا إِلَى أهل الْجنَّة طمعوا أَن يدخلوها وَإِذا نظرُوا إِلَى أهل النَّار تعوَّذوا بِاللَّه مِنْهَا فأدخلهم الله الْجنَّة فَذَلِك قَوْله {أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة} الْأَعْرَاف آيَة 49 يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف {ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُوضَع الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فتوزن الْحَسَنَات والسيئات فَمن رجحت حَسَنَاته على سيئاته مِثْقَال صؤابة دخل الْجنَّة وَمن رجحت سيئاته على حَسَنَاته مِثْقَال صؤابة دخل النَّار
قيل: يَا رَسُول الله فَمن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَاب الْأَعْرَاف {لم يدخلوها وهم يطمعون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَقَالَ هم آخر من يفصل بَينهم من الْعباد فَإِذا فرغ رب الْعَالمين من الْفَصْل بَين الْعباد قَالَ: أَنْتُم قوم أخرجتكم حسناتكم من النَّار وَلم تدْخلُوا الْجنَّة فَأنْتم عتقائي فارعوا من الْجنَّة حَيْثُ شِئْتُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن حُذَيْفَة أرَاهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَيُؤْمَر بِأَهْل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَيُؤمر بِأَهْل النَّار إِلَى النَّار ثمَّ يُقَال لأَصْحَاب الْأَعْرَاف: مَا تنتظرون قَالُوا: نَنْتَظِر أَمرك
فَيُقَال لَهُم: إِن حسناتكم تجاوزت بكم النَّار أَن تدخلوها وحالت بَيْنكُم وَبَين الْجنَّة خطياكم فادخلوا الْجنَّة بمغفرتي ورحمتي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وعَلى الْأَعْرَاف رجال} قَالَ: الْأَعْرَاف حَائِط بَين الْجنَّة وَالنَّار وَذكر لنا أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول: هم قوم

(3/463)


اسْتَوَت حسناتهم وسيئاتهم فَلم تفضّل حسناتهم على سيئاتهم وَلَا سيئاتهم على حسناتهم فحبسوا هُنَالك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أَصْحَاب الْأَعْرَاف قوم اسْتَوَت حسناتهم وسيئاتهم فوقفوا هُنَالك على السُّور فَإِذا رَأَوْا أَصْحَاب الْجنَّة عرفوهم ببياض وجوهم وَإِذا رَأَوْا أَصْحَاب النَّار عرفوهم بسواد وجوهم ثمَّ قَالَ {لم يدخلوها وهم يطمعون} فِي دُخُولهَا ثمَّ قَالَ: إِن الله أَدخل أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْجنَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن الْحَرْث بن نَوْفَل قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف أنَاس تستوي حسناتهم وسيئاتهم فَيذْهب بهم إِلَى نهر يُقَال لَهُ الْحَيَاة تربته ورس وزعفران وحافتاه قصب من ذهب مكلل بِاللُّؤْلُؤِ فيغتسلون مِنْهُ فتبدوا فِي نحورهم شامة بَيْضَاء ثمَّ يغتسلون ويزدادون بَيَاضًا ثمَّ يُقَال لَهُم: تمنوا مَا شِئْتُم
فيتمنون مَا شاؤوا فَيُقَال: لكم مثل مَا تمنيتم سبعين مرّة
فَأُولَئِك مَسَاكِين الْجنَّة
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَعْرَاف السُّور الَّذِي بَين الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ الْحجاب وَأَصْحَاب الْأَعْرَاف بذلك الْمَكَان فَإِذا أَرَادَ الله أَن يعفوا عَنْهُم انْطلق بهم إِلَى نهر يُقَال لَهُ نهر الْحَيَاة حافتاه قصب الذَّهَب مكلل بِاللُّؤْلُؤِ تربته الْمسك فيكونون فِيهِ مَا شَاءَ الله حَتَّى تصفوا ألوانهم ثمَّ يخرجُون فِي نحورهم شامة بَيْضَاء يعْرفُونَ بهَا فَيَقُول الله لَهُم: سلوا فَيسْأَلُونَ حَتَّى تبلغ أمنيتهم ثمَّ يُقَال لَهُم: لكم مَا سَأَلْتُم وَمثله سَبْعُونَ ضعفا فَيدْخلُونَ الْجنَّة وَفِي نحورهم شامة بَيْضَاء يعْرفُونَ بهَا ويسمون مَسَاكِين أهل الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن منيع والْحَارث بن أبي أُسَامَة فِي مسنديهما وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الرَّحْمَن الْمُزنِيّ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَقَالَ: هم قوم قتلوا فِي سَبِيل الله فِي مَعْصِيّة آبَائِهِم فَمَنعهُمْ من النَّار قَتلهمْ فِي سَبِيل الله ومنعهم من الْجنَّة مَعْصِيّة آبَائِهِم

(3/464)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَقَالَ هم رجال قتلوا فِي سَبِيل الله وهم عصاة لِآبَائِهِمْ فمنعتهم الشَّهَادَة أَن يدخلُوا النَّار ومنعتهم الْمعْصِيَة أَن يدخلُوا الْجنَّة وهم على سور بَين الْجنَّة وَالنَّار حَتَّى تذبل لحومهم وشحومهم حَتَّى يفرغ الله من حِسَاب الْخَلَائق فَإِذا فرغ من حِسَاب خلقه فَلم يبْق غَيرهم تغمَّدهم مِنْهُ برحمة فأدخلهم الْجنَّة برحمته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَقَالَ هم قوم قتلوا فِي سَبِيل الله وهم لِآبَائِهِمْ عاصون فمنعوا الْجنَّة بمعصيتهم آبَائِهِم وَمنعُوا النَّار بِقَتْلِهِم فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَالك الْهِلَالِي عَن أَبِيه قَالَ قَائِل: يَا رَسُول الله مَا أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَالَ هم قوم خَرجُوا فِي سَبِيل الله بِغَيْر إِذن آبَائِهِم فاستشهدوا فمنعتهم الشَّهَادَة أَن يدخلُوا النَّار ومنعتهم مَعْصِيّة آبَائِهِم أَن يدخلُوا الْجنَّة فهم آخر من يدْخل الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف قوم خَرجُوا غزَاة فِي سَبِيل الله وآباؤهم وأمهاتهم ساخطون عَلَيْهِم وَخَرجُوا من عِنْدهم بِغَيْر إذْنهمْ فأوقفوا عَن النَّار بِشَهَادَتِهِم وَعَن الْجنَّة بمعصيتهم آبَاءَهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن رجل من مزينة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَقَالَ: إِنَّهُم قوم خَرجُوا عصاة بِغَيْر إِذن آبَائِهِم فَقتلُوا فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن مؤمني الْجِنّ لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب فَسَأَلْنَاهُ عَن ثوابهم فَقَالَ: على الْأَعْرَاف وَلَيْسوا فِي الْجنَّة مَعَ أمة مُحَمَّد فَسَأَلْنَاهُ وَمَا الْأَعْرَاف قَالَ: حَائِط الْجنَّة تجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار وتنبت فِيهِ الْأَشْجَار وَالثِّمَار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الأضداد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مجلز قَالَ: الْأَعْرَاف مَكَان مُرْتَفع عَلَيْهِ رجال من الْمَلَائِكَة يعْرفُونَ أهل الْجنَّة بِسِيمَاهُمْ وَأهل النَّار بِسِيمَاهُمْ وَهَذَا قبل أَن يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار {وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجنَّة}

(3/465)


قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف ينادون أَصْحَاب الْجنَّة {أَن سَلام عَلَيْكُم لم يدخلوها وهم يطمعون} فِي دخلوها
قيل: يَا أَبَا مجلز الله يَقُول {رجال} وَأَنت تَقول: الْمَلَائِكَة قَالَ: إِنَّهُم ذُكُور لَيْسُوا بإناث
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف قوم صَالِحُونَ فُقَهَاء عُلَمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة عَن الْحسن قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف قوم كَانَ فيهم عجب قَالَ قَتَادَة: وَقَالَ مُسلم بن يسَار: هم قوم كَانَ عَلَيْهِم دين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وعَلى الْأَعْرَاف رجال يعْرفُونَ كلا بِسِيمَاهُمْ} الْكفَّار بسواد الْوُجُوه وزرقة الْعُيُون وسيما أهل الْجنَّة مبيضة وُجُوههم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ أَنه سُئِلَ عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف فَقَالَ: أخْبرت أَن رَبك أَتَاهُم بَعْدَمَا أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار قَالَ: مَا حبسكم محبسكم هَذَا قَالُوا: أَنْت رَبنَا وَأَنت خلقتنا وَأَنت أعلم بِنَا فَيَقُول: علام فارقتم الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
قَالَ لَهُم رَبهم: لَا أوليكم غَيْرِي إِن حسناتكم جوزت بكم النَّار وَقصرت بكم خطاياكم عَن الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته كَانَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته كَانَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد فِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَالَ: هم قوم قد اسْتَوَت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بَين الْجنَّة وَالنَّار وهم على طمع من دُخُول الْجنَّة وهم داخلون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {لم يدخلوها وهم يطمعون} قَالَ: وَالله مَا جعل ذَلِك الطمع فِي قُلُوبهم إِلَّا لكرامة يريدها بهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {لم يدخلوها وهم يطمعون}

(3/466)


قَالَ: سلمت عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أَن يدخلوها حِين سلمت
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: أَصْحَاب الْأَعْرَاف يعْرفُونَ النَّاس بِسِيمَاهُمْ وَأهل النَّار بسواد وُجُوههم وَأهل الْجنَّة ببياض وجوهم فَإِذا مروا بزمرة يذهب بهم إِلَى الْجنَّة قَالُوا: سَلام عَلَيْكُم وَإِذا مروا بزمرة يذهب بهَا إِلَى النَّار قَالُوا: رَبنَا لَا تجعلنا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قَتَادَة قَالَ سَالم مولى أبي حُذَيْفَة: وددت أَنِّي بِمَنْزِلَة أَصْحَاب الْأَعْرَاف

- الْآيَة (47)

(3/467)


وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)

- أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَإِذا صرفت أَبْصَارهم تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار} قَالَ: تجرد وُجُوههم للنار فَإِذا رَأَوْا أهل الْجنَّة ذهب ذَلِك عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِذا صرفت أَبْصَارهم تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار} فَرَأَوْا وُجُوههم مسودة وأعينهم مزرقة {قَالُوا رَبنَا لَا تجعلنا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز {وَإِذا صرفت أَبْصَارهم} قَالَ: إِذا صرفت أبصار أهل الْجنَّة {تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار قَالُوا رَبنَا لَا تجعلنا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين}

- الْآيَة (48 - 49)

(3/467)


وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ونادى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رجَالًا}

(3/467)


قَالَ: فِي النَّار {يعرفونهم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنى عَنْكُم جمعكم} وتكبركم {وَمَا كُنْتُم تستكبرون} قَالَ الله لأهل التكبر {أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة} يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف {ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يعرفونهم بِسِيمَاهُمْ} قَالَ: سَواد الْوُجُوه وزرقة الْعُيُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز فِي قَوْله {ونادى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رجَالًا} قَالَ: هَذَا حِين دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {ونادى أَصْحَاب الْأَعْرَاف} قَالَ: مرَّ بهم نَاس من الجبارين عرفوهم بِسِيمَاهُمْ فناداهم أَصْحَاب الْأَعْرَاف {قَالُوا مَا أغْنى عَنْكُم جمعكم وَمَا كُنْتُم تستكبرون أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة} قَالَ: هم الضُّعَفَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة أدخلُوا الْجنَّة} قَالَ: دخلُوا الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ} قَالَ: كَانَ رجال فِي النَّار قد أَقْسمُوا بِاللَّه لَا ينَال أَصْحَاب الْأَعْرَاف من الله رَحْمَة فاكذبهم الله فَكَانُوا آخر أهل الْجنَّة دُخُولا فِيمَا سمعناه عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

- الْآيَة (50)

(3/468)


وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)

- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ أَي الصَّدَقَة أفضل فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الصَّدَقَة سقِِي المَاء ألم تسمع إِلَى أهل النَّار لما اسْتَغَاثُوا بِأَهْل الْجنَّة قَالُوا: أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله
وَأخرج أَحْمد عَن سعد بن عبَادَة أَن أمَةً مَاتَت فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَتصدق عَلَيْهَا قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ: سقِِي المَاء

(3/468)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة} الْآيَة
قَالَ: يُنَادي الرجل أَخَاهُ فَيَقُول: يَا أخي أَغِثْنِي فَإِنِّي قد احترقت فأفض عليّ من المَاء
فَيُقَال: أجبه
فَيَقُول {إِن الله حرَّمهما على الْكَافرين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله} قَالَ: من الطَّعَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح قَالَ: لما مرض أَبُو طَالب قَالُوا لَهُ: لَو أرْسلت إِلَى ابْن أَخِيك فَيُرْسل إِلَيْك بعنقود من جنَّة لعلَّه يشفيك فَجَاءَهُ الرَّسُول وَأَبُو بكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: إِن الله حرَّمهما على الْكَافرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله} قَالَ: يستسقونهم ويستطعمونهم
وَفِي قَوْله {إِن الله حرَّمهما على الْكَافرين} قَالَ: طَعَام الْجنَّة وشرابها
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عقيل بن شهر الريَاحي قَالَ: شرب عبد الله بن عمر مَاء بَارِدًا فَبكى فَاشْتَدَّ بكاؤه فَقيل لَهُ: مَا يبكيك قَالَ: ذكرت آيَة فِي كتاب الله {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} سبأ الْآيَة 54 فَعرفت أَن أهل النَّار لَا يشتهون إِلَّا المَاء الْبَارِد وَقد قَالَ الله عز وَجل {أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله}
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجهه قترة وغبرة فَيَقُول: يَا رب إِنَّك وَعَدتنِي أَن لَا تخزيني فَأَي خزي أخزى من أبي إِلَّا بعد فِي النَّار فَيَقُول الله: إِنِّي حرمت الْجنَّة على الْكَافرين

- الْآيَة (51 - 52)

(3/469)


الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاليوم ننساهم كَمَا نسوا لِقَاء يومهم هَذَا} يَقُول: نتركهم فِي النَّار كَمَا تركُوا لِقَاء يومهم هَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: نسيهم الله من الْخَيْر وَلم ينسهم من الشَّرّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فاليوم ننساهم} قَالَ: نؤخِّرهم فِي النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فاليوم ننساهم} قَالَ: نتركهم من الرَّحْمَة {كَمَا نسوا لِقَاء يومهم هَذَا} قَالَ: كَمَا تركُوا أَن يعملوا للقاء يومهم هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي مَالك قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم لآباراً من ألقيَ فِيهَا نسي يتردى فِيهَا سبعين عَاما قبل أَن يبلغ الْقَرار

- الْآيَة (53)

(3/470)


هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله} قَالَ: عاقبته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} قَالَ: جَزَاؤُهُ {يَقُول الَّذين نسوه من قبل} قَالَ: أَعرضُوا عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} قَالَ: عواقبه مثل وقْعَة بدر وَالْقِيَامَة وَمَا وعد فِيهِ من موعد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ:

(3/470)


لَا يزَال يَقع من تَأْوِيله أَمر حَتَّى يتم تَأْوِيله يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار فَيتم تَأْوِيله يَوْمئِذٍ فَفِي ذَلِك أنزل {يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} حَيْثُ أثاب الله أولياءه وأعداءه ثَوَاب أَعْمَالهم
يَقُول يَوْمئِذٍ {الَّذين نسوه من قبل قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} قَالَ: تَحْقِيقه
وَقَرَأَ {هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ من قبل} يُوسُف الْآيَة 100 قَالَ: هَذَا تحقيقها وَقَرَأَ {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} آل عمرَان الْآيَة 7 قَالَ: مَا يعلم تَحْقِيقه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون} قَالَ: مَا كَانُوا يكذبُون فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مَا كَانُوا يفترون} أَي يشركُونَ

- الْآيَة (54 - 55)

(3/471)


إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سميط قَالَ: دلنا رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى على نَفسه فِي هَذِه الْآيَة {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الدُّعَاء والخطيب فِي تَارِيخه عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ: أَنا ضَامِن لمن قَرَأَ هَذِه الْعشْرين آيَة أَن يعصمه الله من كل سُلْطَان ظَالِم وَمن كل شَيْطَان مُرِيد وَمن كل سبع ضار وَمن كل لص عَاد
آيَة الْكُرْسِيّ وَثَلَاث آيَات من الْأَعْرَاف {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَعشرا من أول الصافات وَثَلَاث آيَات من الرَّحْمَن {يَا معشر الْجِنّ} الرَّحْمَن الْآيَة 33 وخاتمة سُورَة الْحَشْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعد بن اسحق بن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} 7 لَقِي ركب

(3/471)


عَظِيم لَا يرَوْنَ إِلَّا أَنهم من الْعَرَب فَقَالُوا لَهُم: من أَنْتُم قَالُوا: من الْجنَّة خرجنَا من الْمَدِينَة أخرجتنا هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبيد بن أبي مَرْزُوق قَالَ: من قَرَأَ عِنْد نَومه {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة
بسط عَلَيْهِ ملك جنَاحه حَتَّى يصبح وعوفي من السرق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن قيس صَاحب عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: مرض رجل من أهل الْمَدِينَة فَجَاءَهُ زمرة من أَصْحَابه يعوذونه فَقَرَأَ رجل مِنْهُم {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة كلهَا
وَقد أصمت الرجل فَتحَرك ثمَّ اسْتَوَى جَالِسا ثمَّ سجد يَوْمه وَلَيْلَته حَتَّى كَانَ من الْغَد من السَّاعَة الَّتِي سجد فِيهَا قَالَ لَهُ أَهله: الْحَمد لله الَّذِي عافاك
قَالَ: بعث إِلَى نَفسِي ملك يتوفاها فَلَمَّا قَرَأَ صَاحبكُم الْآيَة الَّتِي قَرَأَ سجد الْملك وسجدت بسجوده فَهَذَا حِين رفع رَأسه ثمَّ مَال فَقضى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} قَالَ: لكل يَوْم مِنْهَا اسْم
أبي جاد هواز حطى كلمون صعفص قرشات
وَأخرج سمويه فِي فَوَائده عَن زيد بن أَرقم قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام قَالَ: كل يَوْم مِقْدَاره ألف سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد قَالَ: بَدْء الْخلق الْعَرْش وَالْمَاء والهواء وخلقت الأَرْض من المَاء وَكَانَ بَدْء الْخلق يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الإِثنين وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس وَجَمِيع الْخلق فِي يَوْم الْجُمُعَة وتهودت الْيَهُود يَوْم السبت وَيَوْم من السِّتَّة أَيَّام كألف سنة مِمَّا تَعدونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن الله بَدَأَ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا يَوْم الْأَحَد ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يَوْم الْجُمُعَة فِي ثَلَاث سَاعَات فخلق فِي سَاعَة مِنْهَا الشموس كي يرغب النَّاس إِلَى رَبهم فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة وَخلق فِي سَاعَة النتن الَّذِي يَقع على ابْن آدم إِذا مَاتَ لكَي يقبر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن حَيَّان الْأَعْرَج قَالَ: كتب يزِيد بن أبي

(3/472)


سلم إِلَى جَابر بن زيد يسْأَله عَن بَدْء الْخلق قَالَ: الْعَرْش وَالْمَاء والقلم وَالله أعلم أَي ذَلِك بَدَأَ قبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: بَدَأَ الله بِخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض يَوْم الْأَحَد والاثنين وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة وَجعل كل يَوْم ألف سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش فخلق التربة يَوْم السبت وَالْجِبَال يَوْم الْأَحَد وَالشَّجر يَوْم الِاثْنَيْنِ وآدَم يَوْم الثُّلَاثَاء والنور يَوْم الْأَرْبَعَاء وَالدَّوَاب يَوْم الْخَمِيس وآدَم يَوْم الْجُمُعَة فِي اخر سَاعَة من النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} قَالَ: يَوْم السَّابِع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: إِن الله حِين خلق الْخلق اسْتَوَى على الْعَرْش فسبَّحه الْعَرْش
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه واللالكائي فِي السّنة عَن أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} قَالَت: الكيف غير مَعْقُول والاستواء غير مَجْهُول والاقرار بِهِ ايمان والجحود بِهِ كفر
وَأخرج اللالكائي عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ: سُئِلَ ربيعَة عَن قَوْله {اسْتَوَى على الْعَرْش} كَيفَ اسْتَوَى قَالَ: الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَمن الله الرسَالَة وعَلى الرَّسُول الْبَلَاغ وعلينا التَّصْدِيق
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عبد الله بن صَالح بن مُسلم قَالَ: سُئِلَ ربيعَة

فَذكره
وَأخرج اللالكائي عَن جَعْفَر بن عبد الله قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى مَالك بن أنس فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الله اسْتَوَى على الْعَرْش كَيفَ اسْتَوَى قَالَ: فَمَا رَأَيْت مَالِكًا وجد من شَيْء كموجدته من مقَالَته وعلاه الرُّحَضاء - يَعْنِي الْعرق - وأطرق الْقَوْم قَالَ: فسرى عَن مَالك فَقَالَ: الكيف غير مَعْقُول والاستواء مِنْهُ غير مَجْهُول والايمان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَإِنِّي أَخَاف أَن تكون ضَالًّا وَأمر بِهِ فَأخْرج
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن وهب قَالَ: كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس فَدخل

(3/473)


رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ استواؤه فاطرق مَالك وأخذته الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَمَا وصف نَفسه وَلَا يُقَال لَهُ كَيفَ وَكَيف عَنهُ مَرْفُوع وَأَنت رجل سوء صَاحب بِدعَة أَخْرجُوهُ
قَالَ: فَأخْرج الرجل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أَحْمد بن أبي الْحوَاري قَالَ: سَمِعت سُفْيَان بن عيينه يَقُول: كلما وصف الله من نَفسه فِي كِتَابه فتفسيره تِلَاوَته وَالسُّكُوت عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن إِسْحَق بن مُوسَى قَالَ: سَمِعت ابْن عيينه يَقُول: مَا وصف الله بِهِ نَفسه فتفسيره قِرَاءَته لَيْسَ لأحد أَن يفسره إِلَّا الله تَعَالَى وَرُسُله صلوَات الله عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عِيسَى قَالَ: لما اسْتَوَى على الْعَرْش خر ملك سَاجِدا فَهُوَ ساجد إِلَى أَن تقوم السَّاعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رفع رَأسه فَقَالَ: سُبْحَانَكَ مَا عبدتك حق عبادتك إِلَّا اني لم أشرك بك شَيْئا وَلم اتخذ من دُونك وليا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {يغشي اللَّيْل النَّهَار} قَالَ: يغشي اللَّيْل النَّهَار فَيذْهب بضوئه ويطلبه سَرِيعا حَتَّى يُدْرِكهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حثيثاً} قَالَ: سَرِيعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يغشي اللَّيْل النَّهَار} قَالَ: يلبس اللَّيْل النَّهَار
أما قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم}
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم خُلِقْنَ من نورالعرش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي قَوْله {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} قَالَ: الْخلق: مَا دون الْعَرْش وَالْأَمر: مَا فَوق ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سُفْيَان بن عيينه قَالَ: الْخلق: هُوَ الْخلق وَالْأَمر هُوَ الْكَلَام

(3/474)


وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الْعَزِيز الشَّامي عَن أَبِيه وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يحمد الله على مَا عمل من عمل صَالح وَحمد نَفسه فقد كفر وحبط مَا عمل: وَمن زعم أَن الله جعل للعباد من الْأَمر شَيْئا فقد كفر بِمَا أنزل الله على أنبيائه لقَوْله {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {ادعوا ربكُم تضرعاً وخفية} قَالَ: السِّرّ
{إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} فِي الدُّعَاء وَلَا فِي غَيره
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: التضرع: عَلَانيَة والخفية: سر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {ادعوا ربكُم تضرعاً} يَعْنِي مستكيناً {وخفية} يَعْنِي فِي خفض وَسُكُون فِي حاجاتكم من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} يَقُول: لَا تدعوا على الْمُؤمن والمؤمنه بِالشَّرِّ: اللهمَّ اخزه والعنه وَنَحْو ذَلِك فَإِن ذَلِك عدوان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز فِي قَوْله {إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} قَالَ: لَا تسألوا منَازِل الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم: كَانَ يرى أَن الْجَهْر بِالدُّعَاءِ الاعتداء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَى قَوْله {تبَارك الله رب الْعَالمين} قَالَ: لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله بيَّن لكم كَيفَ تَدعُونَهُ على تفئه ذَلِك فَقَالَ {ادعوا ربكُم تضرعاً وخفية إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} قَالَ: تعلمُوا إِن فِي بعض الدُّعَاء اعتداء فَاجْتَنبُوا الْعدوان والاعتداء إِن اسطعتم وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ: وَذكر لنا أَن مجَالد بن مَسْعُود أَخا بني سليم سمع قوما يعجون فِي دُعَائِهِمْ فَمشى إِلَيْهِم فَقَالَ: أَيهَا الْقَوْم لقد أصبْتُم فضلا على من كَانَ قبلكُمْ أَو لقد هلكتم فَجعلُوا يَتَسَلَّلُونَ رجلا رجلا حَتَّى تركُوا بقعتهم الَّتِي كَانُوا فِيهَا
قَالَ: وَذكر لنا أَن ابْن عمر أَتَى على قوم يرفعون أَيْديهم فَقَالَ: مَا يتَنَاوَل هَؤُلَاءِ الْقَوْم فو الله لَو كَانُوا على أطول جبل فِي الأَرْض مَا ازدادوا من الله قرباً
قَالَ قَتَادَة: وَإِن الله إِنَّمَا يتَقرَّب إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ فَمَا كَانَ من دعائكم الله فَلْيَكُن فِي سكينَة ووقار وَحسن سمت وزي وهدي وَحسن دعة

(3/475)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مُغفل
أَنه سمع ابْنه يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْقصر الْأَبْيَض عَن يَمِين الْجنَّة إِذا دَخَلتهَا
فَقَالَ: أَي بني سل الله الْجنَّة وتعوّذ بِهِ من النَّار فَإِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم يعتدون فِي الدُّعَاء وَالطهُور
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وقَّاص
أَنه سمع ابْنا لَهُ يَدْعُو وَيَقُول: اللهمَّ إِنِّي أَسأَلك الْجنَّة وَنَعِيمهَا واستبرقها وَنَحْو هَذَا وَأَعُوذ بك من النَّار وسلاسلها وأغلالها فَقَالَ: لقد سَأَلت الله خيرا وتعوّذت بِهِ من شَرّ كل كثير وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِنَّه سَيكون قوم يعتدون فِي الدُّعَاء وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {ادعوا ربكُم تضرعاً وخفية إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} وَأَن بحسبك أَن تَقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْجنَّة وَمَا قرب إِلَيْهَا من قَول أَو عمل وَأَعُوذ بك من النَّار وَمَا قرب إِلَيْهَا من قَول أَو عمل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: إياك أَن تسْأَل رَبك أمرا قد نهيت عَنهُ أَو مَا يَنْبَغِي لَك
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: لقد كَانَ الْمُسلمُونَ يجتهدون فِي الدُّعَاء وَمَا يسمع لَهُم صَوت إِن كَانَ إِلَّا همساً بَينهم وَبَين رَبهم وَذَلِكَ أَن الله يَقُول {ادعوا ربكُم تضرعاً وخفية} وَذَلِكَ أَن الله ذكر عبدا صَالحا فَرضِي لَهُ قَوْله فَقَالَ {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} مَرْيَم الْآيَة 2
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: إِن من الدُّعَاء اعتداء يكره رفع الصَّوْت والنداء والصياح بِالدُّعَاءِ وَيُؤمر بالتضرع والاستكانة

- الْآيَة (56)

(3/476)


وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها} قَالَ: بَعْدَمَا أصلحها الْأَنْبِيَاء وأصحابهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي بكر بن عَيَّاش
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها}

(3/476)


فَقَالَ: إِن الله بعث مُحَمَّدًا إِلَى أهل الأَرْض وهم فِي فَسَاد فأصلحهم الله بمحمدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن دَعَا إِلَى خلاف مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ من المفسدين فِي الأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي سِنَان فِي قَوْله {وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها} قَالَ: قد أحللت حلالي وَحرمت حرامي وحددت حدودي فَلَا تعتدوها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وادعوه خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ: خوفًا مِنْهُ وَطَمَعًا لما عِنْده {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} يَعْنِي من الْمُؤمنِينَ وَمن لم يُؤمن بِاللَّه فَهُوَ من المفسدين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مطر الْوراق قَالَ: تنجزوا مَوْعُود الله بِطَاعَة الله فَإِنَّهُ قضى إِن رَحمته قريب من الْمُحْسِنِينَ

- الْآيَة (57)

(3/477)


وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)

- أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح} على الْجِمَاع (بشرا) خَفِيفَة بِالْبَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله يُرْسل الرّيح فتأتي بالسحاب من بَين الْخَافِقين - طرف السَّمَاء وَالْأَرْض من حَيْثُ يَلْتَقِيَانِ - فيخرجه من ثَمَّ ثمَّ ينشره فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء ثمَّ يفتح أَبْوَاب السَّمَاء فيسيل المَاء على السَّحَاب ثمَّ يمطر السَّحَاب بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بشرا بَين يَدي رَحمته} قَالَ: يستبشر بهَا النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْيَمَانِيّ أَنه كَانَ يَقْرَأها {بشرا} من قبل مُبَشِّرَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {بَين يَدي رَحمته}

(3/477)


قَالَ: هُوَ الْمَطَر
وَفِي قَوْله {كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى} قَالَ: وَكَذَلِكَ تخرجُونَ كَذَلِك النشور كَمَا يخرج الزَّرْع بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى} قَالَ: إِذا أَرَادَ الله أَن يخرج الْمَوْتَى تمطر المَاء حَتَّى تشقق الأَرْض ثمَّ يُرْسل الْأَرْوَاح فَيهْوِي كل روح إِلَى جسده فَكَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى بالمطر كاحيائه الأَرْض

- الْآيَة (58)

(3/478)


وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {والبلد الطّيب} الْآيَة
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لِلْمُؤمنِ يَقُول: هُوَ طيب وَعَمله طيب كَمَا أَن الْبَلَد الطّيب ثَمَرهَا طيب وَالَّذِي خبث ضرب مثلا للْكَافِرِ كالبلد السبخة المالحة الَّتِي لَا يخرج مِنْهَا الْبركَة وَالْكَافِر هُوَ الْخَبيث وَعَمله خَبِيث
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه وَالَّذِي خبث} قَالَ: كل ذَلِك فِي الأَرْض السباخ وَغَيرهَا مثل آدم وَذريته فيهم طيب وخبيث
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والبلد الطّيب} قَالَ: هَذَا مثل الْمُؤمن سمع كتاب الله فوعاه وَأخذ بِهِ وَعمل بِهِ وانتفع بِهِ كَمثل هَذِه الأَرْض أَصَابَهَا الْغَيْث فأنبتت وأمرعت {وَالَّذِي خبث} قَالَ: هَذَا مثل الْكَافِر لم يعقل الْقُرْآن وَلم يعْمل بِهِ وَلم يَأْخُذ بِهِ وَلم ينْتَفع فَهُوَ كَمثل الأَرْض الخبيثة أَصَابَهَا الْغَيْث فَلم تنْبت شَيْئا وَلم تمرع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه للقلوب يَقُول: ينزل المَاء فَيخرج الْبَلَد الطّيب نَبَاته بِإِذن الله {وَالَّذِي خبث} هِيَ السبخة لَا يخرج نباتها إِلَّا نكداً فَكَذَلِك الْقُلُوب لما نزل الْقُرْآن بقلب الْمُؤمن آمن بِهِ وَثَبت الإِيمان فِي قلبه وقلب الْكَافِر لما دخله الْقُرْآن لم يتَعَلَّق مِنْهُ بِشَيْء

(3/478)


يَنْفَعهُ وَلم يثبت فِيهِ من الإِيمان شَيْء إِلَّا مَا لَا يَنْفَعهُ كَمَا لم يخرج هَذَا الْبَلَد إِلَّا مَا لم ينفع من النَّبَات والنكد: الشَّيْء الْقَلِيل الَّذِي لَا ينفع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (والبلد الطّيب يخرج نَبَاته) بِنصب الْيَاء وَرفع الرَّاء
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {والبلد الطّيب} الْآيَة
قَالَ: الطّيب يَنْفَعهُ الْمَطَر فينبت {وَالَّذِي خبث} السباخ لَا يَنْفَعهُ الْمَطَر {لَا يخرج إِلَّا نكداً} هَذَا مثل ضربه الله لآدَم وَذريته كلهم إِنَّمَا خلقُوا من نفس وَاحِدَة فَمنهمْ من آمن بِاللَّه وَكتابه فطاب وَمِنْهُم من كفر بِاللَّه وَكتابه فخبث
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {والبلد الطّيب} الْآيَة
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للْكَافِرِ وَالْمُؤمن
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل الْغَيْث الْكثير أصَاب أَرضًا فَكَانَت مِنْهَا بَقِيَّة قبلت المَاء فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير وَكَانَت مِنْهَا أجادب أَمْسَكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس فَشَرِبُوا وَسقوا وزرعوا وَأصَاب مِنْهَا طَائِفَة أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قيعان لَا تمسك مَاء وَلَا تنْبت كلأً فَذَلِك مثل من فقه فِي دين الله ونفعه مَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعلم وعلّم وَمثل من لم ينفع بذلك رَأْسا وَلم يقبل هدى الله الَّذِي أرْسلت بِهِ

- الْآيَة (59)

(3/479)


لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أول نَبِي أرسل نوح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ: إِنَّمَا سمي نوح عَلَيْهِ السَّلَام نوحًا لطول مَا ناح على نَفسه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّمَا سمي نوحًا لِأَنَّهُ كَانَ ينوح على نَفسه
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن مقَاتل وجويبر
أَن آدم حِين كبر ورقَّ

(3/479)


عظمه قَالَ: يَا رب إِلَى مَتى أكد وأسعى قَالَ: يَا آدم حَتَّى يُولد لَك ولد مختون
فولد لَهُ نوح بعد عشرَة أبطن وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن ألف سنة إِلَّا سِتِّينَ عَاما فَكَانَ نوح بن لامك بن متوشلخ بن إِدْرِيس وَهُوَ اخنوخ بن يرد بن مهلايبل بن قينان بن أنوش بن شِيث بن آدم وَكَانَ اسْم نوح السكن وَإِنَّمَا سمي نوح السكن لِأَن النَّاس بعد آدم سكنوا إِلَيْهِ فَهُوَ أبوهم وَإِنَّمَا سمي نوحًا لِأَنَّهُ ناح على قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما يَدعُوهُم إِلَى الله فَإِذا كفرُوا بَكَى وناح عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: كَانَ بَين نوح وآدَم عشرَة آبَاء وَكَانَ بَين إِبْرَاهِيم ونوح عشرَة آبَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ بَين آدم ونوح عشرَة قُرُون كلهم على شَرِيعَة من الْحق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن نوف الشَّامي قَالَ: خَمْسَة من الْأَنْبِيَاء من الْعَرَب
مُحَمَّد ونوح وَهود وَصَالح وَشُعَيْب عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
أَن نوحًا بعث فِي الْألف الثَّانِي وَأَن آدم لم يمت حَتَّى ولد لَهُ نوح فِي آخر الْألف الأول وَكَانَ قد فَشَتْ فيهم الْمعاصِي وَكَثُرت الْجَبَابِرَة وعتوا عتوّاً كَبِيرا وَكَانَ نوح يَدعُوهُم لَيْلًا وَنَهَارًا سرا وَعَلَانِيَة صبوراً حَلِيمًا وَلم يلق أحد من الْأَنْبِيَاء أَشد مِمَّا لَقِي نوح فَكَانُوا يدْخلُونَ عَلَيْهِ فيخنقونه وَيضْرب فِي الْمجَالِس ويطرد وَكَانَ لَا يدع على مَا يصنع بِهِ أَن يَدعُوهُم وَيَقُول: يَا رب اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ فَكَانَ لَا يزيدهم ذَلِك إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ حَتَّى إِنَّه ليكلم الرجل مِنْهُم فيلف رَأسه بِثَوْبِهِ وَيجْعَل أَصَابِعه فِي أُذُنَيْهِ لكيلا يسمع شَيْئا من كَلَامه فَذَلِك قَول الله {جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم واستغشوا ثِيَابهمْ} نوح الْآيَة 7 ثمَّ قَامُوا من الْمجْلس فاسرعوا الْمَشْي وَقَالُوا: امضوا فَإِنَّهُ كَذَّاب
وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْبلَاء وَكَانَ ينْتَظر الْقرن بعد الْقرن والجيل بعد الجيل فَلَا يَأْتِي قرن إِلَّا وَهُوَ أَخبث من الأول وأعتى من الأول وَيَقُول الرجل مِنْهُم: قد كَانَ هَذَا مَعَ آبَائِنَا وأجدادنا فَلم يزل هَكَذَا مَجْنُونا وَكَانَ الرجل مِنْهُم إِذا أوصى عِنْد الْوَفَاة يَقُول لأولاده: احْذَرُوا هَذَا الْمَجْنُون فَإِنَّهُ قد حَدثنِي آبَائِي: إِن هَلَاك النَّاس على يَدي هَذَا
فَكَانُوا كَذَلِك يتوارثون الْوَصِيَّة بَينهم حَتَّى إِن كَانَ الرجل ليحمل وَلَده على

(3/480)


عَاتِقه ثمَّ يقف بِهِ وَعَلِيهِ فَيَقُول: يَا بني ان عِشْت ومت أَنا فاحذر هَذَا الشَّيْخ فَلَمَّا طَال ذَلِك بِهِ وبهم {قَالُوا يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين} هود الْآيَة 32 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة 0 أَن نوحًا بعث من الجزيرة وهوداً من أَرض الشحر أَرض مهرَة وصالحاً من الْحجر ولوطاً من سدوم وشعيباً من مَدين وَمَات إِبْرَاهِيم وآدَم وَإِسْحَق ويوسف بِأَرْض فلسطين وَقتل يحيى بن زَكَرِيَّا بِدِمَشْق 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يضْربُونَ نوحًا حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَإِذا أَفَاق قَالَ: رب اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُجَاهِد عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: إِن كَانَ نوحًا ليضربه قومه حَتَّى يغمى عَلَيْهِ ثمَّ يفِيق فَيَقُول: اهد قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَقَالَ شَقِيق: قَالَ عبد الله: لقد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه وَهُوَ يَحْكِي نَبيا من الْأَنْبِيَاء وَهُوَ يَقُول: اللهمَّ اهد قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ
نَحوه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ قوم نوح يخنقونه حَتَّى تترقى عَيناهُ فَإِذا تَرَكُوهُ قَالَ: اللهمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم جهلة 0 وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْكِي نَبيا من الْأَنْبِيَاء قد ضربه قومه وَهُوَ يمسح الدَّم عَن جَبينه وَيَقُول: اللهمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي مهَاجر الرقي قَالَ: لبث نوح فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فِي بَيت من شعر فَيُقَال لَهُ: يَا نَبِي الله ابْن بَيْتا
فَيَقُول: أَمُوت الْيَوْم وأموت غَدا 0 وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن وهيب بن الْورْد قَالَ: بنى نوحًا بَيْتا من قصب فَقيل لَهُ: لَو بنيت غير هَذَا فَقَالَ: هَذَا كثير لمن يَمُوت 0 وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والعقيلي وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن عَائِشَة مَرْفُوعا نوح

(3/481)


كبيرالأنبياء لم يخرج من خلاء قطّ إِلَّا قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذاقني طعمه وَأبقى فِي منفعَته وَأخرج من أَذَاهُ 0 وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بعث الله نوحًا فَمَا أهلك أمته إِلَّا الزَّنَادِقَة ثمَّ نَبِي فنبي وَالله لَا يهْلك هَذِه الْأمة إِلَّا الزَّنَادِقَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعد بن حسن قَالَ: كَانَ قوم نوح عَلَيْهِ السَّلَام يزرعون فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ وَكَانَت الْمَرْأَة تَلد أول النَّهَار فيتبعها وَلَدهَا فِي آخِره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: مَا عذب قوم نوح حَتَّى مَا كَانَ فِي الأَرْض سهل وَلَا جبل إِلَّا لَهُ عَامر يعمره وحائز يحوزه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم 0 أَن أهل السهل كَانَ قد ضَاقَ بهم وَأهل الْجَبَل حَتَّى مَا يقدر أهل السهل أَن يرتقوا إِلَى الْجَبَل وَلَا أهل الْجَبَل أَن ينزلُوا إِلَى أهل السهل فِي زمَان نوح 0 قَالَ: حسوا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَ نوح أجمل أهل زَمَانه وَكَانَ يلبس البرقع فاصابتهم مجاعَة فِي السَّفِينَة فَكَانَ نوح إِذا تجلى بِوَجْهِهِ لَهُم شَبِعُوا 0 وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بوادي عسفان فَقَالَ: لقد مر بِهَذَا الْوَادي هود وَصَالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون الْبَيْت الْعَتِيق 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَمْرو سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: صَامَ نوح الدَّهْر إِلَّا يَوْم الْفطر والأضحى وَصَامَ دَاوُد نصف الدَّهْر وَصَامَ إِبْرَاهِيم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صَامَ الدَّهْر وَأفْطر الدَّهْر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَالصِّفَات عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نوحًا لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصِر عَلَيْك الْوَصِيَّة آمُرك بِاثْنَتَيْنِ وأنهاك عَن اثْنَتَيْنِ آمُرك بِلَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع لَو وضعن فِي كفة وَوضعت لَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة لرجحت بِهن وَلَو أَن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع كن حَلقَة مُبْهمَة لقصمتهن لَا إِلَه إِلَّا الله وَسُبْحَان الله وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاة كل شَيْء وَبهَا يرْزق كل شَيْء وأنهاك عَن الشّرك وَالْكبر

(3/482)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أعلمكُم مَا علم نوح ابْنه قَالُوا: بلَى قَالَ: قَالَ آمُرك أَن تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير فَإِن السَّمَوَات لَو كَانَت فِي كفة لرجحت بهَا وَلَو كَانَت حَلقَة قصمتها وآمرك بسبحان الله وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاة الْخلق وتسبيح الْخلق وَبهَا يرْزق الْخلق 0
- الْآيَة (60 - 64)

(3/483)


قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {قَالَ الْمَلأ} يَعْنِي الاشراف من قومه 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {أوعجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم} قَالَ: بَيَان من ربكُم 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّهُم كَانُوا قوما عمين} قَالَ: كفَّارًا 0 وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {إِنَّهُم كَانُوا قوما عمين} قَالَ: عَن الْحق 0
- الْآيَة (65 - 71)

(3/483)


وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)

- أخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً} قَالَ: لَيْسَ بأخيهم فِي الدّين وَلكنه أخوهم فِي النّسَب فَلذَلِك جعله أَخَاهُ لِأَنَّهُ مِنْهُم
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الشرفي بن قطامى قَالَ: هود اسْمه عَابِر بن شالخ بن ارفشخد بن سَام بن نوح 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: يَزْعمُونَ أَن هوداً من بني عبد الضخم من حَضرمَوْت 0 وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ هود أول من تكلم بالعربيه وَولد لهود أَرْبَعَة: قحطان ومقحط وقاحط وفالغ فَهُوَ أَبُو مُضر وقحطان أَبُو الْيمن وَالْبَاقُونَ لَيْسَ لَهُم نسل 0 وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مقَاتل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق إِبْنِ اسحق عَن رجال سماهم وَمن طَرِيق الْكَلْبِيّ قَالُوا جَمِيعًا: إِن عاداً كَانُوا أَصْحَاب أوثان يعبدونها اتَّخذُوا أصناماً على مِثَال ودَّ وسواع ويغوث ونسر فاتخذوا صنماً يُقَال لَهُ: صمود وصنما يُقَال لَهُ: الهتار فَبعث الله إِلَيْهِم هوداً وَكَانَ هود من قَبيلَة يُقَال لَهَا الخلود وَكَانَ من أوسطهم نسبا وأصبحهم وَجها وَكَانَ فِي مثل أَجْسَادهم أَبيض بعد أبادي العنفقة طَوِيل اللِّحْيَة فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَأمرهمْ أَن يوحدوه وَأَن يكفوا عَن ظلم النَّاس وَلم

(3/484)


يَأْمُرهُم بِغَيْر ذَلِك وَلم يدعهم إِلَى شَرِيعَة وَلَا إِلَى صَلَاة فَأَبَوا ذَلِك وكذبوه وَقَالُوا: من أَشد منا قوّة فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هوداً} كَانَ من قَومهمْ وَلم يكن أَخَاهُم فِي الدّين {قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} يَعْنِي وحدوا الله {وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} مَا لكم يَقُول: لَيْسَ لكم {من إِلَه غَيره أَفلا تَتَّقُون} يَعْنِي فَكيف لَا تَتَّقُون {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء} يَعْنِي سكاناً فِي الأَرْض {من بعد قوم نوح} فَكيف لَا تعتبرون فتؤمنوا وَقد علمْتُم مَا نزل بِقوم نوح من النقمَة حِين عصوه {فاذكروا آلَاء الله} يَعْنِي هَذِه النعم {لَعَلَّكُمْ تفلحون} أَي كي تُفْلِحُوا وَكَانَت مَنَازِلهمْ بالأحقاف والأحقاف: الرمل 0 فِيمَا بَين عمان إِلَى حَضرمَوْت بِالْيمن وَكَانُوا مَعَ ذَلِك قد أفسدوا فِي الأَرْض كلهَا وقهروا أَهلهَا بِفضل قوّتهم الَّتِي آتَاهُم الله 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن خثيم قَالَ: كَانَت عَاد مَا بَين الْيمن إِلَى الشَّام مثل الذَّر 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ 0 إِن عَاد كَانُوا بِالْيمن بالأحقاف والأحقاف: هِيَ الرمال 0 وَفِي قَوْله {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد قوم نوح} قَالَ: ذهب بِقوم نوح واستخلفكم بعدهمْ {وزادكم فِي الْخلق بسطة} قَالَ: فِي الطول 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: كَانَ الرجل من عَاد سِتِّينَ ذِرَاعا بذراعهم وَكَانَ هَامة الرجل مثل الْقبَّة الْعَظِيمَة وَكَانَ عين الرجل ليفرخ فِيهَا السبَاع وَكَذَلِكَ مناخرهم 0 وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وزادكم فِي الْخلق بسطة} قَالَ: ذكرلنا أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر ذِرَاعا طوَالًا 0 وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: كَانَ الرجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ بَين مَنْكِبَيْه ميل 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل فِي خلقه ثَمَانُون باعاً وَكَانَت الْبرة فيهم ككلية الْبَقر والرمانة الْوَاحِدَة يقْعد فِي قشرها عشرَة نفر 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وزادكم فِي الْخلق بسطة} قَالَ: شدَّة 0

(3/485)


وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن كَانَ الرجل من قوم عَاد ليتَّخذ المصراع من الْحِجَارَة لَو اجْتمع عَلَيْهِ خَمْسمِائَة من هَذِه الْأمة لم يستطيعوا أَن ينقلوه وَإِن كَانَ أحدهم ليدْخل قدمه فِي الأَرْض فَتدخل فِيهَا 0 وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن ثَوْر بن زيد الديلمي قَالَ: قَرَأت كتابا: انا شَدَّاد بن عَاد انا الَّذِي رفعت الْعِمَاد وانا الَّذِي سددت بَدْرًا عَن بطن وَاد وانا الَّذِي كنزت كنزاً فِي الْبَحْر على تسع أَذْرع لَا يُخرجهُ إِلَّا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 0 وَأخرج ابْن بكار عَن ثَوْر بن زيد قَالَ: جِئْت الْيمن فَإِذا أَنا بِرَجُل لم أر أطول مِنْهُ قطّ فعجبت 0 قَالُوا: تعجب من هَذَا قلت: وَالله مَا رَأَيْت أطول من ذَا قطّ

قَالُوا: فو الله لقد ساقاً أَو ذِرَاعا فذرعناها بِذِرَاع هَذَا فَوَجَدْنَاهَا سِتّ عشرَة ذِرَاعا 0 وَأخرج الزبير بن بكار عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ فِي الزَّمن الأول تمْضِي أَرْبَعمِائَة سنة وَلم يسمع فِيهَا بِجنَازَة 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آلَاء الله} قَالَ: نعم الله 0 وَفِي قَوْله {رِجْس} قَالَ: سخط 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {قد وَقع عَلَيْكُم من ربكُم رِجْس} قَالَ: جَاءَهُم مِنْهُ عَذَاب والرجس: كُله عَذَاب فِي الْقُرْآن 0 وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله رِجْس وَغَضب قَالَ: الرجس: اللعنه وَالْغَضَب: الْعَذَاب 0 قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: إِذا سنة كَانَت بِنَجْد مُحِيطَة وَكَانَ عَلَيْهِم رجسها وعذابها
- الْآيَة (72)

(3/486)


فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)

- أخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: لما أوحى الله إِلَى الْعَقِيم أَن تخرج على قوم عَاد فتنتقم لَهُ مِنْهُم فَخرجت بِغَيْر كيل على قدر منخر ثَوْر حَتَّى رجفت الأَرْض مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب فَقَالَ

(3/486)


الْخزَّان: رب لن نطيقها وَلَو خرجت على حَالهَا لأهلكت مَا بَين مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا فَأوحى الله إِلَيْهَا: أَن ارجعي 0 فَرَجَعت فَخرجت على قدر خرق الْخَاتم وَهِي الْحلقَة فَأوحى الله إِلَى هود: أَن يعتزل بِمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ فِي حَظِيرَة فاعتزلوا وخطَّ عَلَيْهِم خطا وَأَقْبَلت الرّيح فَكَانَت لَا تدخل حَظِيرَة هود وَلَا تجَاوز الْخط إِنَّمَا يدْخل عَلَيْهِم مِنْهَا بِقدر مَا تلذ بِهِ أنفسهم وتلين عَلَيْهِ الْجُلُود وَإِنَّهَا لَتَمَرُّ من عَاد بالظعن بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وتدمغهم بِالْحِجَارَةِ وَأوحى الله إِلَى الْحَيَّات والعقارب: أَن تَأْخُذ عَلَيْهِم الطّرق فَلم تدع عادياً يجاوزهم 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: لما أرسل الله الرّيح على عَاد اعتزل هود وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ فِي حَظِيرَة مَا يصيبهم من الرّيح إِلَّا مَا تلين عَلَيْهِ الْجُلُود وتلتذه الْأَنْفس وَإِنَّهَا لتمر بالعادي فتحمله بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وتدمغه بِالْحِجَارَةِ 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وقطعنا دابر الَّذين كذبُوا} قَالَ: استأصلناهم 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن هزين بن حَمْزَة قَالَ: سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه أَن يرِيه رجلا من قوم عَاد فكشف الله لَهُ عَن الغطاء فَإِذا رَأسه بِالْمَدِينَةِ وَرجلَاهُ بِذِي الحليفة أَرْبَعَة أَمْيَال طوله 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق سَالم بن أبي الْجَعْد عَن عبد الله قَالَ: ذكر الْأَنْبِيَاء عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ذكر هود قَالَ ذَاك خَلِيل الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما حجَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بوادي عسفان فَقَالَ لقد مر بِهِ هود وَصَالح على بكرات حمر خطمهن الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون ويحجون الْبَيْت الْعَتِيق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن سابط قَالَ: بَين الْمقَام والركن وزمزم قُبِرَ تِسْعَة وَسَبْعُونَ نَبيا وان قبر نوح وَهود وَشُعَيْب وَصَالح وإسمعيل فِي تِلْكَ الْبقْعَة 0 وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة قَالَ: مَا يعلم قبر نَبِي من الْأَنْبِيَاء إِلَّا ثَلَاثَة 0 قبر اسمعيل فَإِنَّهُ تَحت الْمِيزَاب بَين الرُّكْن وَالْبَيْت وقبر هود فَإِنَّهُ فِي حقف تَحت جبل من جبال الْيمن عَلَيْهِ شَجَرَة وموضعه أَشد الأَرْض حرا وقبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذِه قُبُورهم حق 0

(3/487)


وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قبر هود بحضرموت فِي كثيب أَحْمَر عِنْد رَأسه سِدْرَة 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة قَالَ: قبْلَة مَسْجِد دمشق قبر هود عَلَيْهِ السَّلَام 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ عمر هود أَرْبَعمِائَة واثنتين وَسبعين سنة 0 وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: عجائب الدُّنْيَا أَرْبَعَة 0 مرْآة كَانَت معلقَة بمنارة الاسكندرية فَكَانَ يجلس الْجَالِس تحتهَا فيبصر من بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَبَينهمَا عرض الْبَحْر وَفرس كَانَ من نُحَاس بِأَرْض الأندلس قَائِلا بكفه كَذَا باسطاً يَده أَي لَيْسَ خَلْفي مَسْلَك فَلَا يطَأ تِلْكَ الْبِلَاد أحد إِلَّا أَكلته النَّمْل ومنارة من نُحَاس عَلَيْهَا رَاكب من نُحَاس بِأَرْض عَاد فَإِذا كَانَت الْأَشْهر الْحرم هطل مِنْهُ المَاء فَشرب النَّاس وَسقوا وَصبُّوا فِي الْحِيَاض فَإِذا انْقَطَعت الْأَشْهر الْحرم انْقَطع ذَلِك المَاء وشجرة من نُحَاس عَلَيْهَا سودانية من نُحَاس بِأَرْض رُومِية إِذا كَانَ أَوَان الزَّيْتُون صفرت السودانية الَّتِي من نُحَاس فتجيء كل سودانية من الطيارات بِثَلَاث زيتونات زيتونتين برجليها وزيتونة بمنقارها حَتَّى تلقيه على تِلْكَ السودانية النّحاس فيعصر أهل رُومِية مَا يكفيهم لأدامهم وسرجهم شتويتهم إِلَى قَابل 0
- الْآيَة (73 - 79)

(3/488)


وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مطلب بن زِيَادَة قَالَ: سَأَلت عبد الله بن أبي ليلى عَن الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ يُقَال لَهُ أَخ قَالَ: الْأَخ فِي الدَّار الا ترى إِلَى قَول الله {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} 0 وَأخرج سنيد وَابْن جرير وَالْحَاكِم من طَرِيق حجاج عَن أبي بكر بن عبد الله عَن شهر بن حَوْشَب عَن عَمْرو بن خَارِجَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَت ثَمُود قوم صَالح اعمرهم الله فِي الدُّنْيَا فَأطَال أعمارهم حَتَّى جعل أحدهم يَبْنِي الْمسكن من الْمدر فينهدم وَالرجل مِنْهُم حَيّ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك اتَّخذُوا من الْجبَال بُيُوتًا فنحتوها وجابوها وخرقوها وَكَانُوا فِي سَعَة من مَعَايشهمْ فَقَالُوا: يَا صَالح ادْع لنا رَبك يخرج لنا آيَة نعلم أَنَّك رَسُول الله 0 فَدَعَا صَالح ربه فَأخْرج لَهُم النَّاقة فَكَانَ شربهَا يَوْمًا وشربهم يَوْمًا مَعْلُوما فَإِذا كَانَ يَوْم شربهَا خلوا عَنْهَا وَعَن المَاء وحلبوها لَبَنًا ملأوا كل اناء ووعاء وسقاء حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم شربهم صرفوها عَن المَاء فَلم تشرب مِنْهُ شَيْئا فملأوا كلَّ اناء ووعاء وسقاء 0 فَأوحى الله إِلَى صَالح: إِن قَوْمك سيعقرون نَاقَتك 0 فَقَالَ لَهُم 0 فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل

فَقَالَ لَهُم: أَن لَا تعقروها أَنْتُم يُوشك أَن يُولد فِيكُم مَوْلُود يعقرها 0 قَالُوا: فَمَا عَلامَة ذَلِك الْمَوْلُود فوَاللَّه لَا نجده إِلَّا قَتَلْنَاهُ قَالَ: فَإِنَّهُ غُلَام أشقر أَزْرَق أصهب أَحْمَر 0 وَكَانَ فِي الْمَدِينَة شَيْخَانِ عزيزان منيعان لاحدهما ابْن يرغب بِهِ عَن المناكح وَللْآخر ابْنة لَا يجد لَهَا كُفؤًا فَجمع بَينهمَا مجْلِس فَقَالَ أَحدهمَا

(3/489)


لصَاحبه مَا يمنعك أَن تزوج ابْنك قَالَ: لَا أجد لَهُ كُفؤًا قَالَ: فَإِن ابْنَتي كُفْء لَهُ فانا أزَوجك
فَزَوجهُ فولد بَينهمَا مَوْلُود
وَكَانَ فِي الْمَدِينَة ثَمَانِيَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون فَلَمَّا قَالَ لَهُم صَالح: إِنَّمَا يعقرها مَوْلُود فِيكُم
اخْتَارُوا ثَمَانِي نسْوَة قوابل من الْقرْيَة وَجعلُوا مَعَهُنَّ شرطا كَانُوا يطوفون فِي الْقرْيَة فَإِذا نظرُوا الْمَرْأَة تمخض نظرُوا مَا وَلَدهَا إِن كَانَ غُلَاما قلبنه فنظرن مَا هُوَ وَإِن كَانَت جَارِيَة أعرضن عَنْهَا
فَلَمَّا وجدوا ذَلِك الْمَوْلُود صرخت النسْوَة: هَذَا الَّذِي يُرِيد صَالح رَسُول الله فَأَرَادَ الشَّرْط أَن يأخذوه فحال جداه بَينهم وَقَالُوا: لَو أَن صَالحا أَرَادَ هَذَا قَتَلْنَاهُ فَكَانَ شَرّ مَوْلُود وَكَانَ يشب فِي الْيَوْم شباب غَيره فِي الْجُمُعَة ويشب فِي الْجُمُعَة شباب غَيره فِي الشَّهْر ويشب فِي الشَّهْر شباب غَيره فِي السّنة فَاجْتمع الثَّمَانِية الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون وَفِيهِمْ الشَّيْخَانِ فَقَالُوا: اسْتعْمل علينا هَذَا الْغُلَام لمنزلته وَشرف جديه فَكَانُوا تِسْعَة وَكَانَ صَالحا لَا ينَام مَعَهم فِي الْقرْيَة كَانَ يبيت فِي مَسْجده فَإِذا أصبح أَتَاهُم فوعظهم وَذكرهمْ وَإِذا أَمْسَى خرج إِلَى مَسْجده فَبَاتَ فِيهِ
قَالَ حجاج وَقَالَ ابْن جريج: لما قَالَ لَهُم صَالح: إِنَّه سيولد غُلَام يكون هلاككم على يَدَيْهِ قَالُوا: فَكيف تَأْمُرنَا قَالَ: آمركُم بِقَتْلِهِم: فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا وَاحِدًا قَالَ: فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْمَوْلُود قَالُوا: لَو كُنَّا لم نقْتل أَوْلَادنَا لَكَانَ لكل رجل منا مثل هَذَا هَذَا عمل صَالح فأتمروا بَينهم بقتْله وَقَالُوا: نخرج مسافرين وَالنَّاس يروننا عَلَانيَة ثمَّ نرْجِع من لَيْلَة كَذَا من شهر كَذَا وَكَذَا فنرصده عِنْد مُصَلَّاهُ فنقتله فَلَا يحْسب النَّاس إِلَّا أَنا مسافرون كَمَا نَحن فاقبلوا حَتَّى دخلُوا تَحت صَخْرَة يَرْصُدُونَهُ فَأرْسل الله عَلَيْهِم الصَّخْرَة فرضختهم فاصبحوا رضخاً فَانْطَلق رجال مِمَّن قد اطلع على ذَلِك مِنْهُم فَإِذا هم رضخ فَرَجَعُوا يصيحون فِي الْقرْيَة: أَي عباد الله أما رَضِي صَالح إِن أَمرهم أَن يقتلُوا أَوْلَادهم حَتَّى قَتلهمْ فَاجْتمع أهل الْقرْيَة على قتل النَّاقة أَجْمَعِينَ وأحجموا عَنْهَا إِلَّا ذَلِك ابْن الْعَاشِر
ثمَّ رَجَعَ الحَدِيث إِلَى حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَأَرَادُوا أَن يَمْكُرُوا بِصَالح فَمَشَوْا حَتَّى أَتَوا على شرب طَرِيق صَالح فَاخْتَبَأَ فِيهِ ثَمَانِيَة وَقَالُوا: إِذا خرج علينا قَتَلْنَاهُ وأتينا أَهله فبيتناهم فَأمر الله الأَرْض فاستوت عَلَيْهِم فَاجْتمعُوا وَمَشوا إِلَى

(3/490)


النَّاقة وَهِي على حَوْضهَا قَائِمَة فَقَالَ الشقي لأَحَدهم ائتها فاعقرها
فاتاها فتعاظمه ذَلِك فَاضْرب عَن ذَلِك فَبعث آخر فأعظمه ذَلِك فَجعل لَا يبْعَث رجلا إِلَّا تعاظمه أمرهَا حَتَّى مَشى إِلَيْهَا وتطاول فَضرب عرقوبيها فَوَقَعت تركض فَرَأى رجل مِنْهُم صَالحا فَقَالَ: اِدَّرَكَ النَّاقة فقد عقرت
فَأقبل وَخَرجُوا يتلقونه ويعتذرون إِلَيْهِ يَا نَبِي الله إِنَّمَا عقرهَا فلَان إِنَّه لَا ذَنْب لنا
قَالَ: فانظروا هَل تدركون فصيلها فَإِن أدركتموه فَعَسَى الله أَن يرفع عَنْكُم الْعَذَاب
فَخَرجُوا يطلبونه فَلَمَّا رأى الفصيل أمه تضطرب أَتَى جبلا يُقَال لَهُ القارة قصير فَصَعدَ وذهبوا ليأخذوه فَأوحى الله إِلَى الْجَبَل فطال فِي السَّمَاء حَتَّى مَا تناله الطير وَدخل صَالح الْقرْيَة فَلَمَّا رَآهُ الفصيل بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعه ثمَّ اسْتقْبل صَالحا فرغا رغوة ثمَّ رغا أُخْرَى ثمَّ رغا أُخْرَى فَقَالَ صَالح لِقَوْمِهِ: لكل رغوة أجل فتمتعوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك وعد غير مَكْذُوب الا أَن آيَة الْعَذَاب أَن الْيَوْم الأول تصبح وُجُوهكُم مصفرة وَالْيَوْم الثَّانِي محمرة وَالْيَوْم الثَّالِث مسودة فَلَمَّا أَصْبحُوا إِذا وُجُوههم كَأَنَّهَا قد طليت بالخلوق صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ ذكرهم وأنثاهم فَلَمَّا أَمْسوا صاحوا بأجمعهم أَلا قد مضى يَوْم من الْأَجَل وحضركم الْعَذَاب فَلَمَّا أَصْبحُوا الْيَوْم الثَّانِي إِذا وُجُوههم محمرة كَأَنَّهَا خضبت بالدماء فصاحوا وضجوا وَبكوا وَعرفُوا أَنه الْعَذَاب فَلَمَّا أَمْسوا صاحوا بأجمعهم أَلا قد مضى يَوْمَانِ من الْأَجَل وحضركم الْعَذَاب فَلَمَّا أَصْبحُوا الْيَوْم الثَّالِث فَإِذا وُجُوههم مسودة كَأَنَّهَا طليت بالقار فصاحوا جَمِيعًا أَلا قد حضركم الْعَذَاب فتكفنوا وتحنطوا
وَكَانَ حنوطهم الصَّبْر والمغر وَكَانَت أكفانهم الانطاع ثمَّ ألقوا أنفسهم بِالْأَرْضِ فَجعلُوا يقلبون أَبْصَارهم فَيَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاء مرّة وَإِلَى الأَرْض مرّة فَلَا يَدْرُونَ من أَيْن يَأْتِيهم الْعَذَاب من فَوْقهم من السَّمَاء أم من تَحت أَرجُلهم من الأَرْض خسفاً أَو قذفا فَلَمَّا أَصْبحُوا الْيَوْم الرَّابِع أَتَتْهُم صَيْحَة من السَّمَاء فِيهَا صَوت كل صَاعِقَة وَصَوت كل شَيْء لَهُ صَوت فِي الأَرْض فتقطعت قُلُوبهم فِي صُدُورهمْ فاصبحوا فِي دِيَارهمْ جاثمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي طفيل قَالَ: قَالَ ثَمُود لصالح: ائتنا بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين
قَالَ: اخْرُجُوا فَخَرجُوا إِلَى هضبة من الأَرْض فَإِذا هِيَ تمخض كَمَا

(3/491)


تمخض الْحَامِل ثمَّ إِنَّهَا انفرجت فَخرجت النَّاقة من وَسطهَا فَقَالَ لَهُم صَالح {هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة فذروها تَأْكُل فِي أَرض الله وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب أَلِيم} فَلَمَّا ملوها عقروها {فَقَالَ تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك وعد غير مَكْذُوب} هود الْآيَة 65
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة
أَن صَالحا قَالَ لَهُم حِين عقروا النَّاقة: تمَتَّعُوا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ قَالَ لَهُم: آيَة عذابكم أَن تصبح وُجُوهكُم غَدا مصفرة وتصبح الْيَوْم الثَّانِي محمرة ثمَّ تصبح الثَّالِث مسودة
فَأَصْبَحت كَذَلِك

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث أيقنوا بِالْهَلَاكِ فتكفنوا وتحنطوا ثمَّ أخذتهم الصَّيْحَة فاهمدتهم
وَقَالَ عَاقِر النَّاقة: لَا أقتلها حَتَّى ترضوا أَجْمَعِينَ
فَجعلُوا يدْخلُونَ على الْمَرْأَة فِي خدرها فَيَقُولُونَ: ترْضينَ فَتَقول: نعم وَالصَّبِيّ حَتَّى رَضوا أَجْمَعِينَ فَعَقَرُوهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل الْحجر قَامَ فَخَطب النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس لَا تسألوا نَبِيكُم عَن الْآيَات فَإِن قوم صَالح سَأَلُوا نَبِيّهم أَن يبْعَث إِلَيْهِم آيَة فَبعث الله إِلَيْهِم النَّاقة فَكَانَت ترد من هَذَا الْفَج فَتَشرب مَاءَهُمْ يَوْم وردهَا ويحتلبون من لَبنهَا مثل الَّذِي كَانُوا يَأْخُذُونَ من مَائِهَا يَوْم غبها وتصدر من هَذَا الْفَج فَعَتَوْا عَن أَمر رَبهم فَعَقَرُوهَا فَوَعَدَهُمْ الله الْعَذَاب بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ وَعدا من الله غير مَكْذُوب ثمَّ جَاءَتْهُم الصَّيْحَة فَأهْلك الله من كَانَ مِنْهُم تَحت مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا إِلَّا رجلا كَانَ فِي حرم الله فَمَنعه حرم الله من عَذَاب الله
فَقيل: يَا رَسُول الله من هُوَ قَالَ: أَبُو رِغَال
فَلَمَّا خرج من الْحرم أَصَابَهُ مَا أصَاب قومه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي الطُّفَيْل مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي كَبْشَة الْأَنمَارِي قَالَ: لما كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك تسارع قوم إِلَى أهل الْحجر يدْخلُونَ عَلَيْهِم فَنُوديَ فِي النَّاس أَن الصَّلَاة جَامِعَة

(3/492)


فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول علام يدْخلُونَ على قوم غضب الله عَلَيْهِم فَقَالَ رجل: نعجب مِنْهُم يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا انبئكم بِأَعْجَب من ذَلِك رجل من أَنفسكُم ينبئكم بِمَا كَانَ قبلكُمْ وَبِمَا هُوَ كَائِن بعدكم اسْتَقِيمُوا وسددوا فَإِن الله لَا يعبأ بعذابكم شَيْئا وَسَيَأْتِي الله بِقوم لَا يدْفَعُونَ عَن أنفسهم شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة
أَن ثَمُود لما عقروا النَّاقة تغامزوا وَقَالُوا: عَلَيْكُم الفصيل
فَصَعدَ الفصيل القارة جبلا حَتَّى إِذا كَانَ يَوْمًا اسْتقْبل الْقبْلَة وَقَالَ: يَا رب أُمِّي يَا رب أُمِّي يَا رب أُمِّي فَأرْسلت عَلَيْهِم الصَّيْحَة عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل قَالَ: لما عقرت النَّاقة صعد بكرها فَوق جبل فرغا فَمَا سَمعه شَيْء إِلَّا همد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: لما قتل قوم صَالح النَّاقة قَالَ لَهُم صَالح: ان الْعَذَاب آتيكم
قَالُوا لَهُ: وَمَا عَلامَة ذَلِك قَالَ: إِن تصبح وُجُوهكُم أول يَوْم محمرة وَفِي الْيَوْم الثَّانِي مصفرة وَفِي الْيَوْم الثَّالِث مسودة 0 فَلَمَّا أَصْبحُوا أول يَوْم احْمَرَّتْ وُجُوههم فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي اصْفَرَّتْ وُجُوههم فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث أَصبَحت وُجُوههم مسودة فَأَيْقنُوا بِالْعَذَابِ فتحنطوا وتكفنوا وَأَقَامُوا فِي بُيُوتهم فصاح بهم جِبْرِيل صَيْحَة فَذَهَبت أَرْوَاحهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: إِن الله بعث صَالحا إِلَى ثَمُود فَدَعَاهُمْ فَكَذبُوهُ فسألوا أَن يَأْتِيهم بِآيَة فَجَاءَهُمْ بالناقة لَهَا شرب وَلَهُم شرب يَوْم مَعْلُوم فاقروا بهَا جَمِيعًا فَكَانَت النَّاقة لَهَا شرب فَيوم تشرب فِيهِ المَاء نهر بَين جبلين فيزحمانه فَفِيهَا أَثَرهَا حَتَّى السَّاعَة ثمَّ تَأتي فتقف لَهُم حَتَّى يحتلبوا اللَّبن قترويهم وَيَوْم يشربون المَاء لَا تأتيهم وَكَانَ مَعهَا فصيل لَهَا فَقَالَ لَهُم صَالح: إِنَّه يُولد فِي شهركم هَذَا مَوْلُود يكون هلا ككم على يَدَيْهِ فولد لتسعة مِنْهُم فِي ذَلِك الشَّهْر فذبحوا أَبْنَاءَهُم ثمَّ ولد للعاشر ابْن فَأبى أَن يذبح ابْنه وَكَانَ لم يُولد لَهُ قبله شَيْء وَكَانَ أَبُو الْعَاشِر أَحْمَر أَزْرَق فنبت نباتاً سَرِيعا
فَإِذا مر بالتسعة فرأوه قَالُوا: لَو كَانَ ابناؤنا احياء كَانُوا مثل هَذَا: فَغَضب التِّسْعَة على صَالح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَلَا تمسوها بِسوء} قَالَ: لَا تعقروها

(3/493)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا} قَالَ: كَانُوا ينقبونفي الْجبَال الْبيُوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وعتوا عَن أَمر رَبهم} قَالَ: غلوا فِي الْبَاطِل
وَفِي قَوْله {فَأَخَذتهم الرجفة} قَالَ: الصَّيْحَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {فَأَصْبحُوا فِي دَارهم} يَعْنِي الْعَسْكَر كُله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين} قَالَ: ميتين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين} قَالَ: ميتين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: لما عقرت ثَمُود النَّاقة ذهب فصيلها حَتَّى صعد تَلا فَقَالَ: يَا رب أَيْن أُمِّي رغا رغوة فَنزلت الصَّيْحَة فأهدتهم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمار قَالَ: إِن قوم صَالح سَأَلُوا النَّاقة فأتوها فَعَقَرُوهَا وان بني إِسْرَائِيل سَأَلُوا الْمَائِدَة فَنزلت فَكَفرُوا بهَا وَإِن فتنتكم فِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: إِن صَالحا لما نجا هُوَ وَالَّذين مَعَه قَالَ: يَا قوم إِن هَذِه دَار قد سخط الله عَلَيْهَا وعَلى أَهلهَا فأظعنوا وألحقوا بحرم الله وأمنه فاهلوا من ساعتهم بِالْحَجِّ وَانْطَلَقُوا حَتَّى وردوا مَكَّة فَلم يزَالُوا حَتَّى مَاتُوا فَتلك قُبُورهم فِي غربي الْكَعْبَة

- الْآيَة (80 - 84)

(3/494)


وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)

- أخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُلَيْمَان بن صرد قَالَ: أَبُو لوط هُوَ عَم إِبْرَاهِيم
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أرسل لوط إِلَى الْمُؤْتَفِكَات وَكَانَت قرى لوط أَربع مَدَائِن 0 سدوم وأمورا وعامورا وصبوير
وَكَانَ فِي كل قَرْيَة مائَة ألف مقَاتل وَكَانَت أعظم مدائنهم سدوم وَكَانَ لوط يسكنهَا وَهِي من بِلَاد الشَّام وَمن فلسطين مسيرَة وَلَيْلَة وَكَانَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَم لوط بن هاران بن تارح وَكَانَ إِبْرَاهِيم ينصح قوم لوط وَكَانَ الله قد أمْهل قوم لوط فخرقوا حجاب الإِسلام وانتهكوا الْمَحَارِم وَأتوا الْفَاحِشَة الْكُبْرَى فَكَانَ إِبْرَاهِيم يركب على حِمَاره حَتَّى يَأْتِي مَدَائِن قوم لوط فينصحهم فيأبون أَن يقبلُوا فَكَانَ بعد ذَلِك يَجِيء على حِمَاره فَينْظر إِلَى سدوم فَيَقُول: يَا سدوم أَي يَوْم لَك من الله سدوم إِنَّمَا أنهاكم أَن لَا تتعرضوا لعقوبة الله حَتَّى بلغ الْكتاب أَجله فَبعث الله جِبْرِيل فِي نفر من الْمَلَائِكَة فهبطوا فِي صُورَة الرِّجَال حَتَّى انْتَهوا إِلَى إِبْرَاهِيم وَهُوَ فِي زرع لَهُ يثير الأَرْض فَلَمَّا بلغ المَاء إِلَى سكته من الأَرْض ركز مسحاته فِي الأَرْض فصلى خلفهَا رَكْعَتَيْنِ فَنَظَرت الْمَلَائِكَة إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالُوا: لَو كَانَ الله يَبْتَغِي أَن يتَّخذ خَلِيلًا لاتخذ هَذَا العَبْد خَلِيلًا وَلَا يعلمُونَ أَن الله قد اتَّخذهُ خَلِيلًا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي ذمّ الملاهي والشعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَتأتون الْفَاحِشَة} قَالَ: أدبار الرِّجَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عَمْرو بن دِينَار فِي قَوْله {مَا سبقكم بهَا من أحد من الْعَالمين} قَالَ: مَا نزا ذكر على ذكر حَتَّى كَانَ قوم لوط
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي صَخْرَة جَامع بن شَدَّاد رَفعه قَالَ كَانَ اللواط فِي قوم لوط فِي النِّسَاء قبل أَن يكون فِي الرِّجَال بِأَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن طَاوس
أَنه سُئِلَ عَن الرجل يَأْتِي الْمَرْأَة فِي عجيزتها قَالَ: إِنَّمَا بَدْء قوم لوط ذَاك صَنعته الرِّجَال بِالنسَاء ثمَّ صَنعته الرِّجَال بِالرِّجَالِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ أَنه قَالَ على الْمِنْبَر: سلوني
فَقَالَ ابْن الْكواء: تؤتي النِّسَاء فِي أعجازهن فَقَالَ عَليّ:

(3/495)


سفلت سفل الله بك ألم تسمع إِلَى قَوْله {أتأتون الْفَاحِشَة مَا سبقكم بهَا من أحد من الْعَالمين}
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الَّذِي حملهمْ على إتْيَان الرِّجَال دون النِّسَاء أَنهم كَانَت لَهُم ثمار فِي مَنَازِلهمْ وحوائطهم وثمار خَارِجَة على ظهر الطَّرِيق وَإِنَّهُم أَصَابَهُم قحط وَقلة من الثِّمَار فَقَالَ بَعضهم لبَعض: إِنَّكُم إِن منعتم ثماركم هَذِه الظَّاهِرَة من أَبنَاء السَّبِيل كَانَ لكم فِيهَا عَيْش
قَالُوا: بِأَيّ شَيْء نمنعها قَالُوا: اجعلوا سنتكم من أَخَذْتُم فِي بِلَادكُمْ غَرِيبا سننتم فِيهِ أَن تنكحوه واغرموه أَرْبَعَة دَرَاهِم فَإِن النَّاس لَا يظهرون ببلادكم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فَذَلِك الَّذِي حملهمْ على مَا ارتكبوا من الْأَمر الْعَظِيم الَّذِي لم يسبقهم إِلَيْهِ أحد من الْعَالمين
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن بعض رُوَاة ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا كَانَ بَدْء عمل قوم لوط أَن إِبْلِيس جَاءَهُم عِنْد ذكرهم مَا ذكرُوا فِي هَيْئَة صبي أجمل صبي رَآهُ النَّاس فَدَعَاهُمْ إِلَى نَفسه فنكحوه ثمَّ جروا على ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن حُذَيْفَة قَالَ: إِنَّمَا حق القَوْل على القَوْل على قوم لوط حِين اسْتغنى النِّسَاء بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي حَمْزَة قَالَ: قلت لمُحَمد بن عَليّ: عذب الله نسَاء قوم لوط بِعَمَل رِجَالهمْ قَالَ: الله أعدل من ذَلِك اسْتغنى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} قَالَ: من أدبار الرِّجَال وَمن أدبار النِّسَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} قَالَ: من أدبار الرِّجَال وأدبار النِّسَاء استهزاء بهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} قَالَ: عابوهم بِغَيْر عيب وذموهم بِغَيْر ذمّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين} قَالَ: من البَاقِينَ فِي عَذَاب الله {وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا}

(3/496)


قَالَ: أمطر الله على بقايا قوم لوط حِجَارَة من السَّمَاء فأهلكتهم
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ إِن لوطا عذب الله قومه لحق بإبراهيم فَلم يزل مَعَه حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب فِي قَوْله {وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا} قَالَ: على أهل بواديهم وعَلى رعاتهم وعَلى مسافريهم فَلم ينفلت مِنْهُم أحد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب فِي قَوْله {وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا} قَالَ: الكبريت وَالنَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن أبي عرُوبَة قَالَ: كَانَ قوم لوط أَرْبَعَة آلَاف ألف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لعن الله من تولى غير موَالِيه وَلعن الله من غير تخوم الأَرْض وَلعن الله من كمه أعمى عَن السَّبِيل وَلعن الله من لعن وَالِديهِ وَلعن الله من ذبح لغير الله وَلعن الله من وَقع على بَهِيمَة وَلعن الله من عمل عمل قوم لوط ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من أخوف مَا أَخَاف على أمتِي عمل قوم لوط
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَرْبَعَة يُصْبِحُونَ فِي غضب الله وَيُمْسُونَ فِي سخط الله
قيل من هم يَا رَسُول الله قَالَ: المتشبهون من الرِّجَال بِالنسَاء والمتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَالَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة وَالَّذِي يَأْتِي الرجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من وجدتموه يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوهُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نَضرة
أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ مَا حدُّ اللوطي قَالَ: ينظر أَعلَى بِنَاء فِي الْقرْيَة فيلقي مِنْهُ مُنَكسًا ثمَّ يتبع بِالْحِجَارَةِ

(3/497)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن قبس: إِن عليا رجم لوطياً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ: اللوطي يرْجم أحصن أم لم يحصن سنة مَاضِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَو كَانَ أحد يَنْبَغِي لَهُ أَن يرْجم مرَّتَيْنِ لرجم اللوطي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد الله بن عبد الله بن معمر قَالَ: عِلّة الرَّجْم قتلة قوم لوط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم قَالَا: حدُّ اللوطي حد الزَّانِي إِن كَانَ قد أحصن فَالرَّجْم وَإِلَّا فالحد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أول من اتهمَ بِالْأَمر الْقَبِيح - يَعْنِي عمل قوم لوط - اتهمَ بِهِ رجل على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فَأمر عمر بعض شباب قُرَيْش أَن لَا يجالسوه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْوَضِين بن عَطاء عَن بعض التَّابِعين قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يحد الرجل النّظر إِلَى وَجه الْغُلَام الْجَمِيل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن بَقِيَّة قَالَ بعض التَّابِعين: مَا أَنا بأخوف على الشَّاب الناسك من سبع ضار من الْغُلَام الْأَمْرَد يقْعد إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن بن ذكْوَان قَالَ: لَا تجالسوا أَوْلَاد الْأَغْنِيَاء فَإِن لَهُم صور كصور النِّسَاء وهم أَشد فتْنَة من العذارى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن النجيب ابْن السّديّ قَالَ: كَانَ يُقَال لَا يبيت الرجل فِي بَيت مَعَ المرد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ: دخل سُفْيَان الثَّوْريّ الْحمام فَدخل عَلَيْهِ غُلَام صبيح فَقَالَ: أَخْرجُوهُ فَإِنِّي أرى مَعَ كل امْرَأَة شَيْطَانا وَمَعَ كل غُلَام بضعَة عشر شَيْطَانا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: لَيْسَ شَيْء من الدَّوَابّ يعْمل عمل قوم لوط إِلَّا الْخِنْزِير وَالْحمار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن سهل قَالَ: سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم

(3/498)


يُقَال لَهُم اللوطيون على ثَلَاثَة أَصْنَاف
صنف ينظرُونَ وصنف يصافحون وصنف يعْملُونَ ذَلِك الْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: لَو أَن الَّذِي يعْمل ذَلِك الْعَمَل - يَعْنِي عمل قوم لوط - اغْتسل بِكُل قَطْرَة فِي السَّمَاء وكل قَطْرَة فِي الأَرْض لم يزل نجسا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن جَابر بن زيد قَالَ: حُرْمَة الدبر أَشد من حُرْمَة الْفرج
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعن الله سَبْعَة من خلقه فَوق سبع سموات فردد لعنته على وَاحِدَة مِنْهَا ثَلَاثًا وَلعن بعد كل وَاحِدَة لعنة لعنة
قَالَ: مَلْعُون مَلْعُون مَلْعُون من عمل عمل قوم لوط مَلْعُون من أَتَى شَيْئا من الْبَهَائِم مَلْعُون من جمع بَين امْرَأَة وابنتها مَلْعُون من عقَّ وَالِديهِ مَلْعُون من ذبح لغير الله مَلْعُون من غير حُدُود الأَرْض مَلْعُون من تولى غير موَالِيه
وَأخرج ابْن ماجة والْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عمل قوم لوط فارجموا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس
فِي الْبكر يُوجد على اللوطية قَالَ: يرْجم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَائِشَة أَنَّهَا رَأَتْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَزينًا فَقَالَت: يَا رَسُول الله وَمَا الَّذِي يحزنك قَالَ: شَيْء تخوّفته على أمتِي أَن يعملوا بعدِي بِعَمَل قوم لوط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي حُصَيْن
أَن عُثْمَان أشرف على النَّاس يَوْم الدَّار فَقَالَ: أما علمْتُم أَنه لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا أَرْبَعَة
رجل قتل فَقتل أَو رجل زنى بَعْدَمَا أحصن أَو رجل ارْتَدَّ بعد إِسْلَامه أَو رجل عمل عمل قوم لوط

- الْآيَة (85 - 93)

(3/499)


وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)

- أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق إِسْحَق بن بشر قَالَ: أَخْبرنِي عبيد الله بن زِيَاد بن سمْعَان عَن بعض من قَرَأَ الْكتب قَالَ: إِن أهل التَّوْرَاة يَزْعمُونَ أَن شعيباً اسْمه فِي التَّوْرَاة مِيكَائِيل واسْمه بالسُّرْيَانيَّة جزى بن بشخر وبالعبرانية شُعَيْب بن بشخر بن لاوي بن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام

(3/500)


وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق إِسْحَق بن بشر عَن الشَّرْقِي بن الْقطَامِي وَكَانَ نسابة عَالما بالأنساب قَالَ: هُوَ ثيروب بالعبرانية وَشُعَيْب بِالْعَرَبِيَّةِ ابْن عيفا بن يوبب بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
يوبب بِوَزْن جَعْفَر أَوله مثناة تحيتة وَبعد الْوَاو موحدتان
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ شُعَيْب نَبيا رَسُولا من بعد يُوسُف وَكَانَ من خَبره وَخبر قومه مَا ذكر الله فِي الْقُرْآن {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيباً قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} فَكَانُوا مَعَ مَا كَانَ فيهم من الشّرك أهل بخس فِي مكايلهم وموازينهم مَعَ كفرهم برَبهمْ وتكذيبهم نَبِيّهم وَكَانُوا قوما طغاة بغاة يَجْلِسُونَ على الطَّرِيق فيبخسون النَّاس أَمْوَالهم حَتَّى يشترونه وَكَانَ أوّل من سنّ ذَلِك هم وَكَانُوا إِذا دخل عَلَيْهِم الْغَرِيب يَأْخُذُونَ دَرَاهِمه وَيَقُولُونَ دراهمك هَذِه زيوف فيقطعونها ثمَّ يشترونها مِنْهُ بالبخس يَعْنِي بِالنُّقْصَانِ فَذَلِك قَوْله {وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها} وَكَانَت بِلَادهمْ بِلَاد ميرة يمتار النَّاس مِنْهُم فَكَانُوا يَقْعُدُونَ على الطَّرِيق فيصدون النَّاس عَن شُعَيْب يَقُولُونَ: لَا تسمعوا مِنْهُ فَإِنَّهُ كَذَّاب يَفْتِنكُم فَذَلِك قَوْله {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون} النَّاس أَن اتبعتم شعيباً فتنكم ثمَّ إِنَّهُم تواعدوه فَقَالُوا: يَا شُعَيْب لنخرجنك من قريتنا أَو لتعودن فِي ملتنا أَي إِلَى دين آبَائِنَا فَقَالَ عِنْد ذَلِك {وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ إِن أُرِيد إِلَّا الإِصلاح مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت} هود الْآيَة 88 وَهُوَ الَّذِي يعصمني {وَإِلَيْهِ أنيب} يَقُول: إِلَيْهِ ارْجع
ثمَّ قَالَ {أولو كُنَّا كارهين} يَقُول: إِلَى الرّجْعَة إِلَى دينكُمْ إِن رَجعْنَا إِلَى دينكُمْ {قد افترينا على الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا وَمَا يكون لنا} يَقُول: وَمَا يَنْبَغِي لنا أَن نعود فِيهَا بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا {إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا} فخاف الْعَاقِبَة فَرد الْمَشِيئَة إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ {إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا وسع رَبنَا كل شَيْء علما} مَا نَدْرِي مَا سبق لنا {على الله توكلنا رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين} يَعْنِي الفاصلين قَالَ: ابْن عَبَّاس كَانَ حَلِيمًا صَادِقا وقوراً وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر شعيباً يَقُول ذَاك خطيب الْأَنْبِيَاء لحسن مُرَاجعَته قومه فِيمَا دعاهم إِلَيْهِ وَفِيمَا ردوا عَلَيْهِ وكذبوه وتواعدوه بِالرَّجمِ وَالنَّفْي من بِلَادهمْ وتواعد كبراؤهم ضعفاءهم قَالُوا {لَئِن اتبعتم شعيباً إِنَّكُم إِذا لخاسرون} فَلم ينْتَه شُعَيْب أَن

(3/501)


دعاهم فَلَمَّا عتوا على الله {أخذتهم الرجفة} وَذَلِكَ أَن جِبْرِيل نزل فَوقف عَلَيْهِم فصاح صَيْحَة رجفت مِنْهَا الْجبَال وَالْأَرْض فَخرجت أَرْوَاحهم من أبدانهم فَذَلِك قَوْله {فَأَخَذتهم الرجفة} وَذَلِكَ أَنهم حِين سمعُوا الصَّيْحَة قَامُوا قيَاما فزعوا لَهَا فرجفت بهم الأَرْض فرمتهم ميتين
وَأخرج إِسْحَق وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة وَالسُّديّ قَالَا: مَا بعث الله نَبيا مرَّتَيْنِ إِلَّا شعيباً
مرّة إِلَى مَدين فَأَخذهُم الله بالصيحة وَمرَّة أُخْرَى إِلَى أَصْحَاب الأيكة فَأَخذهُم الله بِعَذَاب يَوْم الظلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم} قَالَ: لَا تظلموا النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم} قَالَ: لَا تظلموهم {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون} قَالَ: كَانُوا يوعدون من أَتَى شعيباً وغشيه وَأَرَادَ الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون} قَالَ: كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الطَّرِيق فيخبرون من أَتَى عَلَيْهِم أَن شعيباً كَذَّاب فَلَا يفتننَّكم عَن دينكُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط} قَالَ: طَرِيق {توعدون} قَالَ: تخوّفون النَّاس أَن يَأْتُوا شعيباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون} قَالَ: بِكُل سَبِيل حق {وتصدون عَن سَبِيل الله} قَالَ: تصدُّونَ أَهلهَا {وتبغونها عوجا} قَالَ: تلتمسون لَهَا الزيغ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون} قَالَ: الْعَاشِر {وتصدون عَن سَبِيل الله} قَالَ: تصدُّونَ عَن الإِسلام {وتبغونها عوجا} قَالَ: هَلَاكًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وتبغونها} قَالَ: تبغون السَّبِيل عوجا قَالَ: عَن الْحق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون} قَالَ: هم العشار

(3/502)


وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة عَن أبي هُرَيْرَة أَو غَيره شكّ أَبُو الْعَالِيَة قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرى على خَشَبَة على الطَّرِيق لَا يمر بهَا ثوب إِلَّا شقته وَلَا شَيْء إِلَّا خرقته
قَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيل هَذَا مثل أَقوام من أمتك يَقْعُدُونَ على الطَّرِيق فيقطعونه ثمَّ تَلا {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا} قَالَ: مَا يَنْبَغِي لنا أَن نعود فِي شرككم {بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا} وَالله لَا يَشَاء الشّرك وَلَكِن يَقُول: إِلَّا أَن يكون الله قد علم شَيْئا فَإِنَّهُ قد وسع كل شَيْء علما
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن زيد بن أسلم: أَنه قَالَ فِي الْقَدَرِيَّة وَالله مَا قَالُوا كَمَا قَالَ الله وَلَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّونَ وَلَا كَمَا قَالَ أَصْحَاب الْجنَّة وَلَا كَمَا قَالَ أَصْحَاب النَّار وَلَا كَمَا قَالَ أخوهم إِبْلِيس
قَالَ الله {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} الْإِنْسَان الْآيَة 30 وَقَالَ شُعَيْب {وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَ أَصْحَاب الْجنَّة {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله} الْأَعْرَاف الْآيَة 43 وَقَالَ أَصْحَاب النَّار {وَلَكِن حقت كلمة الْعَذَاب على الْكَافرين} الزمر الْآيَة 71 وَقَالَ إِبْلِيس {رب بِمَا أغويتني} الْحجر الْآيَة 39
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا كنت أَدْرِي مَا قَوْله {رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ} حَتَّى سَمِعت ابْنة ذِي يزن تَقول: تعال أفاتحك: يَعْنِي أقاضيك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رَبنَا افْتَحْ} يَقُول: اقْضِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: الْفَتْح: الْقَضَاء
لُغَة يَمَانِية إِذا قَالَ أحدهم: تعال أقاضيك الْقَضَاء قَالَ: تعال أفاتحك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} قَالَ: كَأَن لم يعمروا فِيهَا

(3/503)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} قَالَ: كَأَن لم يعيشوا فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} يَقُول: كَأَن لم يعيشوا فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {فَتَوَلّى عَنْهُم وَقَالَ يَا قوم لقد أبلغتكم رسالات رَبِّي وَنَصَحْت لكم} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله شعيباً أسمع قومه وَأَن نَبِي الله صَالحا أسمع قومه كَمَا أسمع - وَالله - نَبِيكُم مُحَمَّد قومه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَكيف آسى} قَالَ: أَحْزَن
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مبلة بن عبد الله قَالَ: بعث الله جِبْرِيل إِلَى أهل مَدين شطر اللَّيْل ليأفكهم بمغانيهم فألفى رجلاَ قَائِما يَتْلُو كتاب الله فهاله أَن يهلكه فِيمَن يهْلك فَرجع إِلَى الْمِعْرَاج فَقَالَ: اللهمَّ أَنْت سبوح قدوس بعثتني إِلَى مَدين لإِفك مدائنهم فَأَصَبْت رجلا قَائِما يَتْلُوا كتاب الله فَأوحى الله: مَا أعرفني بِهِ هُوَ فلَان بن فلَان فابدأ بِهِ فَإِنَّهُ لم يدْفع عَن محارمي إِلَّا موادعاً
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
أَن شعيباً كَانَ يقْرَأ من الْكتب الَّتِي كَانَ الله أنزلهَا على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قبران لَيْسَ فِيهِ غَيرهمَا قبر إِسْمَعِيل وَشُعَيْب
فقبر إِسْمَعِيل فِي الْحجر وقبر شُعَيْب مُقَابل الْحجر الْأسود
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه
أَن شعيباً مَاتَ بِمَكَّة وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ فقبورهم فِي غربي الْكَعْبَة بَين دارالندوة وَبَين بَاب بني سهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن وهب عَن مَالك بن أنس قَالَ: كَانَ شُعَيْب خطيب الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: ذكر لي يَعْقُوب بن أبي سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ذكر شعيباً قَالَ: ذَاك خطيب الْأَنْبِيَاء لحسن مُرَاجعَته قومه فِيمَا يرادهم بِهِ فَلَمَّا كذبوه وتوعدوه بِالرَّجمِ وَالنَّفْي من بِلَاده وعتوا على الله أَخذهم عَذَاب يَوْم الظلة فبلغني أَن رجلا من أهل مَدين يُقَال لَهُ عَمْرو بن حلهَا ألما رَآهَا قَالَ:

(3/504)


يَا قوم إِن شعيباً مُرْسل فذروا عَنْكُم سميراً وَعمْرَان بن شَدَّاد إِنِّي أرى عينة يَا قوم قد طلعت تَدْعُو بِصَوْت على صمانة الواد وَإنَّهُ لَا يروي فِيهِ ضحى غَد إِلَّا الرَّحِيم يحشى بَين أنجاد وسمير وَعمْرَان كاهناهم والرقيم كلبهم

- الْآيَة (94 - 95)

(3/505)


وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)

- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة} قَالَ: مَكَان الشدَّة الرخَاء {حَتَّى عفوا} قَالَ: كَثُرُوا وَكَثُرت أَمْوَالهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة} قَالَ: الشَّرّ {الْحَسَنَة} قَالَ: الرخَاء وَالْعدْل وَالْولد {حَتَّى عفوا} يَقُول: حَتَّى كثرت أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى عفوا} قَالَ: جموا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالُوا قد مس آبَاءَنَا الضراء والسراء} قَالَ: قَالُوا قد آتى على آبَائِنَا مثل هَذَا فَلم يكن شَيْئا {فأخذناهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: بَغت الْقَوْم أَمر الله وَمَا أَخذ الله قوما قطّ إِلَّا عِنْد سكوتهم وغرتهم ونعمتهم فَلَا تغتروا بِاللَّه إِنَّه لَا يغتر بِاللَّه إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ

- الْآيَة (96)

(3/505)


وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا} قَالَ: بِمَا أنزل {وَاتَّقوا} قَالَ: مَا حرم الله {لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض} يَقُول: لأعطتهم السَّمَاء بركتها وَالْأَرْض نباتها

(3/505)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق معَاذ بن رِفَاعَة عَن مُوسَى الطَّائِفِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكرموا الْخبز فَإِن الله أنزلهُ من بَرَكَات السَّمَاء وَأخرجه من بَرَكَات الأَرْض
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن أم حرَام قَالَ: صليت الْقبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أكْرمُوا الْخبز فان الله أنزلهُ من بَرَكَات السَّمَاء وسخر لَهُ بَرَكَات الأَرْض وَمن يتبع مَا يسْقط من السفرة غفر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أهل قَرْيَة أوسع الله عَلَيْهِم حَتَّى كَانُوا يستنجون بالخبز فَبعث عَلَيْهِم الْجُوع حَتَّى أَنهم كَانُوا يَأْكُلُون مَا يتغدون بِهِ

- الْآيَة (97 - 98)

(3/506)


أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي نَضرة قَالَ: يسْتَحبّ إِذا قَرَأَ الرجل هَذِه الْآيَة {أفأمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون} يرفع بهَا صَوته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا الدَّجَاج وَالْكلاب فتكونوا من أهل الْقرى وتلا {أفأمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا بياتا}

- الْآيَة (99)

(3/506)


أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: كتب رجل إِلَى صَاحب لَهُ: إِذا أصبت من الله شَيْئا يَسُرك فَلَا تأمن أَن يكون فِيهِ من الله مكر {أفأمنوا مكر الله فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ للْمَلَائكَة مَا هَذَا الْخَوْف الَّذِي قد بَلغَكُمْ وَقد أنزلتكم الْمنزلَة الَّتِي لم أنزلهَا غَيْركُمْ قَالُوا: رَبنَا لَا نَأْمَن مكرك لَا يَأْمَن مكرك إِلَّا الْقَوْم الخاسرون
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عَليّ بن أبي حليمة قَالَ: كَانَ ذَر

(3/506)


بن عبد الله الْخَولَانِيّ إِذا صلى الْعشَاء يخْتَلف فِي الْمَسْجِد فَإِذا أَرَادَ أَن ينْصَرف رفع صَوته بِهَذِهِ الْآيَة {فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِسْمَعِيل بن رَافع قَالَ: من الْأَمْن لمكر الله إِقَامَة العَبْد على الذَّنب يتَمَنَّى على الله الْمَغْفِرَة

- الْآيَة (100)

(3/507)


أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)

- أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أولم يهد} قَالَ: أَو لم يبين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أولم يهد} قَالَ: يبين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {للَّذين يَرِثُونَ الأَرْض من بعد أَهلهَا} قَالَ: الْمُشْركُونَ

- الْآيَة (101)

(3/507)


تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله {فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل} قَالَ: كَانَ فِي علم الله يَوْم أقرُّوا لَهُ بالميثاق من يكذب بِهِ وَمن يصدق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل} قَالَ: مثل قَوْله {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} الْأَنْعَام الْآيَة 28

(3/507)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل} قَالَ: ذَلِك يَوْم أَخذ مِنْهُم الْمِيثَاق فآمنوا كرها
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَلَقَد جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين} قَالَ: لقد علمه فيهم أَيهمْ الْمُطِيع من العَاصِي حَيْثُ خلقهمْ فِي زمَان آدم
قَالَ: وتصديق ذَلِك حِين قَالَ لنوح {يَا نوح اهبط بِسَلام منا وبركات عَلَيْك وعَلى أُمَم مِمَّن مَعَك وأمم سنمتعهم ثمَّ يمسهم منا عَذَاب أَلِيم} هودالآية 48 فَفِي ذَلِك قَالَ {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} ) (الْأَنْعَام الْآيَة 28) وَفِي ذَلِك {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} الْإِسْرَاء الْآيَة 15
وَأخرج الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} الْأَعْرَاف الْآيَة 172 قَالَ: أخرجهم مثل الذَّر فَركب فيهم الْعُقُول ثمَّ استنطقهم فَقَالَ لَهُم {أَلَسْت بربكم} قَالُوا جَمِيعًا: بلَى
فأقروا بألسنتهم وَأسر بَعضهم الْكفْر فِي قُلُوبهم يَوْم الْمِيثَاق فَهُوَ قَوْله {وَلَقَد جَاءَتْهُم رسلهم} بعد الْبَلَاغ {بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا ليؤمنوا} بعد الْبلُوغ {بِمَا كذبُوا} يَعْنِي يَوْم الْمِيثَاق {كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين}

- الْآيَة (102)

(3/508)


وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} قَالَ: الْوَفَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} يَقُول: فِيمَا ابْتَلَاهُم بِهِ ثمَّ عافاهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} قَالَ: هُوَ ذَلِك الْعَهْد يَوْم أَخذ الْمِيثَاق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} قَالَ: لما

(3/508)


ابْتَلَاهُم بالشدة والجهد وَالْبَلَاء ثمَّ أَتَاهُم بالرخاء والعافية ذمّ الله أَكْثَرهم عِنْد ذَلِك فَقَالَ {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بن كَعْب {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} قَالَ: الْمِيثَاق الَّذِي أَخذه فِي ظهر آدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي بن كَعْب فِي قَوْله {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} قَالَ: علم الله يَوْمئِذٍ من يَفِي مِمَّن لَا يَفِي فَقَالَ {وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} قَالَ: الَّذِي أَخذ من بني آدم فِي ظهر آدم لم يفوا بِهِ {وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين} قَالَ: الْقُرُون الْمَاضِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين} قَالَ: وَذَلِكَ أَن الله إِنَّمَا أهلك الْقرى لأَنهم لم يَكُونُوا حفظوا مَا أوصاهم بِهِ

- الْآيَة (103)

(3/509)


ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي مُوسَى لِأَنَّهُ ألقِي بَين مَاء وَشَجر فالماء بالقبطية: مو وَالشَّجر: سى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن فارسياً من أهل اصطخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة
إِن فِرْعَوْن كَانَ من أَبنَاء مصر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: عَاشَ فِرْعَوْن ثَلَاثمِائَة سنة مِنْهَا مِائَتَان وَعِشْرُونَ سنة لم ير فِيهَا مَا يقذي عَيْنَيْهِ وَدعَاهُ مُوسَى ثَمَانِينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة
أَن فِرْعَوْن كَانَ قبطياً ولد زنا طوله سَبْعَة أشبار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن علجاً من هَمدَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أمهلت فِرْعَوْن أَرْبَعمِائَة سنة وَهُوَ يَقُول: أَنا ربكُم الْأَعْلَى ويكذب بآلائك ويجحد رسلك
فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَنه كَانَ حسن الْخلق سهل الْحجاب فَأَحْبَبْت أَن أكافئه

(3/509)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: أول من خضب بِالسَّوَادِ فِرْعَوْن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم بن مقسم الْهُذلِيّ قَالَ: مكث فِرْعَوْن أَرْبَعمِائَة سنة لم يصدع لَهُ رَأس
وَأخرج عَن أبي اأاشرس قَالَ: مكث فِرْعَوْن أَرْبَعمِائَة سنة الشَّبَاب يَغْدُو فِيهِ وَيروح
وَأخرج الْخَطِيب عَن الحكم بن عتيبة قَالَ: أول من خضب بِالسَّوَادِ فِرْعَوْن حَيْثُ قَالَ لَهُ مُوسَى: إِن أَنْت آمَنت بِاللَّه سَأَلته أَن يرد عَلَيْك شبابك فَذكر ذَلِك لهامان فخضبه هامان بِالسَّوَادِ
فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ميعادك ثَلَاثَة أَيَّام
فَلَمَّا كَانَت ثَلَاثَة أَيَّام فصل خضابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ يغلق دون فِرْعَوْن ثَمَانُون بَابا فَمَا يَأْتِي مُوسَى بَابا مِنْهَا إِلَّا انْفَتح لَهُ وَلَا يكلم أحدا حَتَّى يقوم بَين يَدَيْهِ

- الْآيَة (104 - 112)

(3/510)


وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
أَنه كَانَ يقْرَأ (حقيق عليّ أَن لَا أَقُول)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَألْقى عَصَاهُ} قَالَ: ذكر لنا أَن تِلْكَ الْعَصَا عَصا آدم اعطاه اياها ملك حِين توجه إِلَى مَدين فَكَانَت

(3/510)


تضيء لَهُ بِاللَّيْلِ وَيضْرب بهَا الأَرْض بِالنَّهَارِ فَيخرج لَهُ رزقه ويهش بهَا على غنمه
قَالَ الله عز وَجل {فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} قَالَ: حَيَّة تكَاد تساوره
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْمنْهَال قَالَ: ارْتَفَعت الْحَيَّة فِي السَّمَاء ميلًا فَأَقْبَلت إِلَى فِرْعَوْن فَجعلت تَقول: يَا مُوسَى مرني بِمَا شِئْت
وَجعل فِرْعَوْن يَقُول: يَا مُوسَى أَسأَلك بِالَّذِي أرسلك قَالَ: وَأَخذه بَطْنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لقد دخل مُوسَى على فِرْعَوْن وَعَلِيهِ زرمانقة من صوف مَا تجَاوز مرفقه فاستؤذن على فِرْعَوْن فَقَالَ: ادخلوه
فَدخل فَقَالَ: إِن ألهي أَرْسلنِي إِلَيْك
فَقَالَ للْقَوْم حوله: مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي خذوه
قَالَ إِنِّي قد جئْتُك بِآيَة {قَالَ إِن كنت جِئْت بِآيَة فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين فَألْقى عَصَاهُ} فَصَارَت ثعباناً مَا بَين لحييْهِ مَا بَين السّقف إِلَى الأَرْض وَأدْخل يَده فِي جيبه فأخرجها مثل الْبَرْق تلتمع الْأَبْصَار فَخَروا على وُجُوههم وَأخذ مُوسَى عَصَاهُ ثمَّ خرج لَيْسَ أحد من النَّاس إِلَّا يفر مِنْهُ فَلَمَّا أَفَاق وَذهب عَن فِرْعَوْن الروع قَالَ: للملأ حوله مَاذَا تأمرون قَالُوا: أرجئه وأخاه لَا تأتنا بِهِ وَلَا يقربنا وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين وَكَانَت السَّحَرَة يَخْشونَ من فِرْعَوْن فَلَمَّا أرسل إِلَيْهِم قَالُوا: قد احْتَاجَ إِلَيْكُم إِلَهكُم قَالَ: إِن هَذَا فعل كَذَا وَكَذَا
قَالُوا: إِن هَذَا سَاحر يسحر أئن لنا لأجراً إِن كُنَّا نَحن الغالبين قَالَ: سَاحر يسحر النَّاس وَلَا يسحر السَّاحر السَّاحر قَالَ: نعم وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: كَانَت عَصا مُوسَى من عوسج وَلم يسخر العوسج لأحد بعده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: عَصا مُوسَى اسْمهَا ماشا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُسلم قَالَ: عَصا مُوسَى هِيَ الدَّابَّة يَعْنِي دَابَّة الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} قَالَ: الْحَيَّة الذّكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} قَالَ: تحوّلت حَيَّة عَظِيمَة
قَالَ معمر قَالَ غَيره: مثل الْمَدِينَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: حَيَّة صفراء ذكر

(3/511)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَ بَين لحيي الثعبان الَّذِي من عَصا مُوسَى إثنا عشر ذِرَاعا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن فرقد السبخي قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن إِذا كَانَت لَهُ حَاجَة ذهبت بِهِ السَّحَرَة مسيرَة خمسين فرسخاً فَإِذا قضى حَاجته جاؤوا بِهِ حَتَّى كَانَ يَوْم عَصا مُوسَى فَإِنَّهَا فتحت فاها فَكَانَ مَا بَين لحييها أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فأحدث يَوْمئِذٍ أَرْبَعِينَ مرّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} قَالَ: الذّكر من الْحَيَّات فَاتِحَة فمها وَاضِعَة لحيها الْأَسْفَل فِي الأَرْض والأعلى على سور الْقصر ثمَّ تَوَجَّهت نَحْو فِرْعَوْن لتأخذه فَلَمَّا رَآهَا ذعر مِنْهَا ووثب فأحدث وَلم يكن يحدث قبل ذَلِك وَصَاح: يَا مُوسَى خُذْهَا وَأَنا أومن بك وَأرْسل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأَخذهَا مُوسَى فَصَارَت عَصا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَنزع يَده} قَالَ: الْكَفّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يُرِيد أَن يخرجكم} قَالَ: يستخرجكم من أَرْضكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أرجه} قَالَ: أخِّره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالُوا {أرجه وأخاه} قَالَ: احبسه وأخاه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين} قَالَ: الشَّرْط

- الْآيَة (113 - 126)

(3/512)