الدر المنثور في التفسير بالمأثور

وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت السَّحَرَة سبعين رجلا أَصْبحُوا سحرة وأمسوا شُهَدَاء
وَفِي لفظ: كَانُوا سحرة فِي أول النَّهَار وشهداء آخر النَّهَار حِين قتلوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: كَانَ سحرة فِرْعَوْن اثْنَي عشر ألفا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن اسحق قَالَ: جمع لَهُ خَمْسَة عشر ألف سَاحر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ثُمَامَة قَالَ: سحرة فِرْعَوْن سَبْعَة عشر الْفَا
وَفِي لفظ: تِسْعَة عشر ألفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: كَانَ السَّحَرَة بضعَة وَثَلَاثِينَ ألفا لَيْسَ مِنْهُم رجل إِلَّا مَعَه حَبل أَو عَصا فَلَمَّا ألقوا سحروا أعين النَّاس واسترهبوهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: سحرة فِرْعَوْن كَانُوا سبعين ألف سَاحر فَألْقوا سبعين ألف حَبل وَسبعين ألف عَصا حَتَّى جعل مُوسَى يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُوسَى ألقِ عصاك
فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان فاغر فَاه فابتلع حبالهم وعصيهم فَألْقى السَّحَرَة عِنْد ذَلِك سجدا فَمَا رفعوا رؤوسهم حَتَّى رَأَوْا الْجنَّة وَالنَّار وثواب أَهلهَا

(3/513)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: كَانَت السَّحَرَة الَّذين تَوَفَّاهُم الله مُسلمين ثَمَانِينَ ألفا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: السَّحَرَة ثَلَاثمِائَة من قرم ثَلَاثمِائَة من الْعَريش ويشكون فِي ثَلَاثمِائَة من الاسكندرية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالُوا إنَّ لنا لأجرا} أَي إِن لنا لعطاء وفضيلة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَمَّا ألقوا} قَالَ: ألقوا حِبَالًا غلاظاً وخشباً طوَالًا فَأَقْبَلت تخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك} قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى أَن ألق مَا فِي يَمِينك فَألْقى عَصَاهُ فَأكلت كل حَيَّة فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك سجدوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك} فَألْقى عَصَاهُ فتحولت حَيَّة فَأكلت سحرهم كُله وعصيهم وحبالهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تلقف مَا يأفكون} قَالَ: يكذبُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {تلقف مَا يأفكون} قَالَ: تسترط حبالهم وعصيهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن السَّحَرَة قَالُوا حِين اجْتَمعُوا
إِن يَك ماجاء بِهِ سحرًا فَلَنْ يغلب وَإِن يَك من الله فسترون
فَلَمَّا ألْقى عَصَاهُ أكلت مَا افكوا من سحرهم وعادت كَمَا كَانَت علمُوا أَنه من الله فَألْقوا عِنْد ذَلِك ساجدين قَالُوا: آمنا بِرَبّ الْعَالمين
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالَ: التقى مُوسَى وأمير السَّحَرَة فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أريتك إِن غلبتك أتؤمن بِي وَتشهد أَن مَا جِئْت بِهِ حق قَالَ السَّاحر: لآتينَّ غَدا بِسحر لَا يغلبه سحر فو الله لَئِن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أَنَّك حق وَفرْعَوْن ينظر إِلَيْهِم وَهُوَ قَول فِرْعَوْن: إِن هَذَا لمكر مكرتموه فِي الْمَدِينَة إِذْ التقيتما لتظاهر أفتخرجا مِنْهَا أَهلهَا

(3/514)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَوَقع الْحق} قَالَ: ظهر {وَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَالَ: ذهب الإِفك الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَألقى السَّحَرَة ساجدين} قَالَ: رَأَوْا مَنَازِلهمْ تبنى لَهُم وهم فِي سجودهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن اأاوزاعي قَالَ: لما خرَّ السَّحَرَة سجدا رفعت لَهُم الْجنَّة حَتَّى نظرُوا إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِن هَذَا لمكر مكرتموه فِي الْمَدِينَة} إِذْ التقيتما لتظاهر افتخرجا مِنْهَا أَهلهَا {لأقطعن أَيْدِيكُم} الْآيَة
قَالَ: قَتلهمْ وقطعهم كَمَا قَالَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَ من رُؤُوس السَّحَرَة الَّذين جمع فِرْعَوْن لمُوسَى فِيمَا بَلغنِي سَابُور وعاذور وحطحط ومصفى
أَرْبَعَة هم الَّذين آمنُوا حِين رَأَوْا مَا رَأَوْا من سُلْطَان الله فآمنت مَعَهم السَّحَرَة جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أول من صلب فِرْعَوْن وَهُوَ أول من قطع الْأَيْدِي والأرجل من خلاف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما ألقوا مَا فِي أَيْديهم من السحر ألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين فتحت فَماً لَهَا مثل الرَّحَى فَوضعت مشفرها على الأَرْض وَرفعت المشفر الآخر فاستوعبت كل شَيْء ألقوه من حبالهم وعصيهم ثمَّ جَاءَ إِلَيْهَا فَأَخذهَا فَصَارَت عَصا كَمَا كَانَت فخرت بَنو إِسْرَائِيل سجدا وَقَالُوا: آمنا بِرَبّ مُوسَى وَهَارُون قَالَ {آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم} الْآيَة
قَالَ: فَكَانَ أول من قطع من خلاف وَأول من صلب فِي الأَرْض فِرْعَوْن
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف} قَالَ: يدا من هَهُنَا ورجلاً من هَهُنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا أول النَّهَار سحرة وَآخره شُهَدَاء

(3/515)


- الْآيَة (127 - 128)

(3/516)


وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)

- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ (ويذرك وإلاهتك) قَالَ: عبادتك وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْن يُعبد وَلَا يَعبد
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس (ويذرك وإلاهتك) قَالَ: يتْرك عبادتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ويذرك وآلهتك} قَالَ: وعبادتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك
أَنه قَالَ: كَيفَ تقرأون هَذِه الْآيَة {ويذرك} قَالُوا: ويذرك وآلهتك
فَقَالَ الضَّحَّاك: إِنَّمَا هِيَ الأهتك أَي عبادتك أَلا ترى أَنه يَقُول أَنا ربكُم الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ويذرك وآلهتك} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ يعنون الْأَصْنَام إِنَّمَا يعنون بآلهتك تعظيمك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ويذرك وآلهتك} قَالَ: لَيْسَ يعنون بِهِ الْأَصْنَام إِنَّمَا يعنون تَعْظِيمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: قَرَأت على بكر بن عبد الله {ويذرك وآلهتك} قَالَ بكر: أتعرف هَذَا فِي العربيه فَقلت: نعم
فجَاء الْحسن فاستقرأني بكر فقرأتها كَذَلِك فَقَالَ الْحسن {ويذرك وآلهتك} فَقلت لِلْحسنِ: أَو كَانَ يعبد شيا قَالَ: أَي وَالله ان كَانَ ليعبد
قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ: بَلغنِي أَنه كَانَ يَجْعَل فِي عُنُقه شَيْئا يعبده قَالَ: وَبَلغنِي أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يعبد الْبَقر

(3/516)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ويذرك وآلهتك} قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن لَهُ آلِهَة يَعْبُدهَا سرا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما آمَنت السَّحَرَة اتبع مُوسَى سِتّمائَة ألف من بني إِسْرَائِيل

- الْآيَة (129)

(3/517)


قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالُوا أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا وَمن بعد مَا جئتنا} قَالَ: من قبل ارسال الله إياك وَمن بعده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه فِي الْآيَة قَالَ: قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى: كَانَ فِرْعَوْن يكلفنا اللَّبن قبل أَن تَأْتِينَا فَلَمَّا جِئْت كلفنا اللَّبن مَعَ التِّبْن أَيْضا فَقَالَ مُوسَى: أَي رب أهلك فِرْعَوْن حَتَّى مَتى تبقيه
فَأوحى الله إِلَيْهِم: إِنَّهُم لم يعملوا الذَّنب الَّذِي اهلكهم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قَالُوا أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا وَمن بعد مَا جئتنا} قَالَ: أما قبل أَن يبْعَث حزرا لعدو الله فِرْعَوْن حَاز إِنَّه يُولد فِي هَذَا الْعَام غُلَام يسلبك ملكك
قَالَ: فتتبع أَوْلَادهم فِي ذَلِك الْعَام بِذبح الذُّكُور مِنْهُم ثمَّ ذبحهم أَيْضا بَعْدَمَا جَاءَهُم مُوسَى وَهَذَا قَول نَبِي إِسْرَائِيل يَشكونَ إِلَى مُوسَى
فَقَالَ لَهُم مُوسَى {عَسى ربكُم أَن يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن بِنَا أهل الْبَيْت يفتح وَيخْتم فَلَا بُد أَن تقع دولة لبني هَاشم فانظروا فِيمَن تَكُونُوا من بني هَاشم وَفِيهِمْ نزلت {عَسى ربكُم أَن يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ}

- الْآيَة (130)

(3/517)


وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} قَالَ: السنون الْجُوع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} قَالَ: الجوائح {وَنقص من الثمرات} دون ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} قَالَ: أَخذهم الله بِالسِّنِينَ بِالْجُوعِ عَاما فعاماً {وَنقص من الثمرات} فَأَما السنون فَكَانَ ذَلِك فِي باديتهم وَأهل مَوَاشِيهمْ وَأما نقص من الثمرات فَكَانَ فِي أمصارهم وقراهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن رَجَاء بن حَيْوَة فِي قَوْله {وَنقص من الثمرات} قَالَ: حَتَّى لَا تحمل النَّخْلَة إِلَّا بسرة وَاحِدَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَخذ الله آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ يبس كل شَيْء لَهُم وَذَهَبت مَوَاشِيهمْ حَتَّى يبس نيل مصر واجتمعوا إِلَى فِرْعَوْن فَقَالُوا لَهُ: إِن كنت تزْعم فأتنا فِي نيل مصر بِمَاء
قَالَ: غدْوَة يصبحكم المَاء
فَلَمَّا خَرجُوا من عِنْده قَالَ: أَي شَيْء صنعت

انا أقدر على أَن أجري فِي نيل مصر مَاء غدْوَة أصبح فيكذبونني
فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل قَامَ واغتسل وَلبس مدرعة صوف ثمَّ خرج حافياً حَتَّى أَتَى نيل مصر فَقَامَ فِي بَطْنه فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي أعلم أَنَّك تقدر على أَن تملا نيل مصر مَاء فأملاه فَمَا علم إِلَّا بخرير المَاء يقبل فَخرج وَأَقْبل النّيل يزخ بِالْمَاءِ لما أَرَادَ الله بهم من الهلكة

- الْآيَة (131)

(3/518)


فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِذا جَاءَتْهُم الْحَسَنَة} قَالَ: الْعَافِيَة والرخاء {قَالُوا لنا هَذِه} وَنحن أَحَق بهَا {وَإِن تصبهم سَيِّئَة} قَالَ: بلَاء وعقوبة {يطيروا بمُوسَى} قَالَ: يتشاءموا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا إِنَّمَا طائرهم} قَالَ مصائبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَلا إِنَّمَا طائرهم عِنْد الله} قَالَ: الْأَمر من قبل الله
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {أَلا إِنَّمَا طائرهم عِنْد الله} يَقُول: الْأَمر من قبل الله مَا أَصَابَكُم من أَمر الله فَمن الله بِمَا كسبت أَيْدِيكُم

- الْآيَة (132)

(3/519)


وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَقَالُوا مهما تأتنا بِهِ من آيَة} قَالَ: إِن مَا تأتنا بِهِ من آيَة قَالَ: وَهَذِه فِيهَا زِيَادَة مَا

- الْآيَة (133)

(3/519)


فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)

- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطوفان: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ {الطوفان} الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ {الطوفان} الْمَوْت على كل حَال
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الطوفان} الْغَرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الطوفان} أَن يمطروا دَائِما بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار ثَمَانِيَة أَيَّام وَالْقمل الْجَرَاد الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَجْنِحَة

(3/519)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {الطوفان} أَمر من آمُر رَبك ثمَّ قَرَأَ {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك} الْقَلَم الْآيَة 19 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أرسل الله على قوم فِرْعَوْن الطوفان - وَهُوَ الْمَطَر - فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يكْشف عَنَّا الْمَطَر فنؤمن لَك وَنُرْسِل مَعَك بني إِسْرَائِيل فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم فأنبت الله لَهُم فِي تِلْكَ السّنة شَيْئا لم ينبته قبل ذَلِك من الزَّرْع والكلأ فَقَالُوا: هَذَا مَا كُنَّا نتمنى فَأرْسل الله عَلَيْهِم الْجَرَاد فَسَلَّطَهُ عَلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُ عرفُوا أَنه لَا يبقي الزَّرْع قَالُوا
مثل ذَلِك فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم الْجَرَاد فداسوه وأحرزوه فِي الْبيُوت فَقَالُوا: قد أحرزنا فَأرْسل الله عَلَيْهِم الْقمل: وَهُوَ السوس الَّذِي يخرج من الْحِنْطَة فَكَانَ الرجل يخرج بِالْحِنْطَةِ عشرَة أجربة إِلَى الرحا فَلَا يرد مِنْهَا بِثَلَاثَة أَقْفِزَة فَقَالُوا مثل ذَلِك فكشف عَنْهُم فَأَبَوا أَن يرسلوا مَعَه بني إِسْرَائِيل فَبينا مُوسَى عِنْد فِرْعَوْن إِذْ سمع نقيق ضفدع من نهر فَقَالَ: يَا فِرْعَوْن مَا تلقى أَنْت وقومك من هَذَا الضفدع فَقَالَ: وَمَا عَسى أَن يكون عِنْد هَذَا الضفدع فَمَا أَمْسوا حَتَّى كَانَ الرجل يجلس إِلَى ذقنه فِي الضفادع وَمَا مِنْهُم من أحد يتَكَلَّم إِلَّا وثب ضفدع فِي فِيهِ وَمَا من شَيْء من آنيتهم إِلَّا وَهِي ممتلئة من الضفادع
فَقَالُوا مثل ذَلِك فكشف عَنْهُم فَلم يفوا فَأرْسل الله عَلَيْهِم الدَّم فَصَارَت أنهارهم دَمًا وَصَارَت آبارهم دَمًا فشكوا إِلَى فِرْعَوْن ذَلِك فَقَالَ: وَيحكم قد سحركم فَقَالُوا: لَيْسَ نجد من مائنا شَيْئا فِي اناء وَلَا بِئْر وَلَا نهر إِلَّا ونجده طعم الدَّم العبيط فَقَالَ فِرْعَوْن: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يكْشف عَنْهُم الدَّم فَلم يفوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان} وَهُوَ الْمَطَر حَتَّى خَافُوا الْهَلَاك فَأتوا مُوسَى فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك أَن يكْشف عَنَّا

(3/520)


الْمَطَر فانا نؤمن لَك وَنُرْسِل مَعَك بني إِسْرَائِيل فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم الْمَطَر فأنبت الله بِهِ حرثهم وأخصبت بِلَادهمْ فَقَالُوا: مَا نحب أَنا لم نمطر وَلنْ نَتْرُك إلهنا ونؤمن بك وَلنْ نرسل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأرْسل الله عَلَيْهِم الْجَرَاد فأسرع فِي فَسَاد زُرُوعهمْ وثمارهم قَالُوا: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك أَن يكْشف عَنَّا الْجَرَاد فانا سنؤمن لَك وَنُرْسِل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم الْجَرَاد وَكَانَ قد بَقِي من زرعهم ومعائشهم بقايا فَقَالُوا: قد بَقِي لنا مَا هُوَ كافينا فَلَنْ نؤمن لَك وَلنْ نرسل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأرْسل الله عَلَيْهِم الْقمل وَهُوَ الدبا فتتبع مَا كَانَ ترك الْجَرَاد فجزعوا وخشوا الْهَلَاك فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يكْشف عَنَّا الدبا فَإنَّا سنؤمن لَك وَنُرْسِل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم الدبا فَقَالُوا: مَا نَحن لَك بمؤمنين وَلَا مرسلين مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأرْسل الله عَلَيْهِم الضفادع فَمَلَأ بُيُوتهم مِنْهَا ولقوا مِنْهَا أَذَى شَدِيدا لم يلْقوا مثله فِيمَا كَانَ قبله كَانَت تثب فِي قدورهم فتفسد عَلَيْهِم طعامهم وتطفىء نيرانهم قَالُوا: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك أَن يكْشف عَنَّا الضفادع فقد لَقينَا مِنْهَا بلَاء وأذى فانا سنؤمن لَك وَنُرْسِل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم الضفادع فَقَالُوا: لَا نؤمن لَك وَلَا نرسل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأرْسل الله عَلَيْهِم الدَّم فَجعلُوا لَا يَأْكُلُون إِلَّا الدَّم وَلَا يشربون إِلَّا الدَّم قَالُوا: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك أَن يكْشف عَنَّا الدَّم فانا سنؤمن لَك وَنُرْسِل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم الدَّم فَقَالُوا: يَا مُوسَى لن نؤمن لَك وَلنْ نرسل مَعَك بني إِسْرَائِيل 0 فَكَانَت آيَات مفصلات بَعْضهَا أثر بعض لتَكون لله الْحجَّة عَلَيْهِم فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ فأغرقهم فِي أَلِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان} قَالَ: المَاء والطاعون وَالْجَرَاد
قَالَ: تَأْكُل مسامير رتجهم: يَعْنِي أَبْوَابهم وثيابهم وَالْقمل الدبا والضفادع تسْقط على فرشهم وَفِي أطعمتهم وَالدَّم يكون فِي ثِيَابهمْ ومائهم وطعامهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن الْجَرَاد لما سلط على بني إِسْرَائِيل أكل أَبْوَابهم حَتَّى أكل مساميرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْجَرَاد نترة من حوت فِي الْبَحْر
وَأخرج الْعقيلِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْجَرَاد فَقَالَ: إِن مَرْيَم سَأَلت الله أَن يطْعمهَا لَحْمًا لَا دم فِيهِ فاطعمها الْجَرَاد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن مَرْيَم بنت عمرَان سَأَلت رَبهَا أَن يطْعمهَا لَحْمًا لَا دم فِيهِ فاطعمها الْجَرَاد فَقَالَت:

(3/521)


اللَّهُمَّ اعشه بِغَيْر رضَاع وتابع بَينه بِغَيْر شياع - يَعْنِي الصون - قَالَ الذَّهَبِيّ: اسناده أنظف من الأول
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن زَيْنَب ربيبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء سَأَلَ الله لحم طير لَا ذَكَاة لَهُ فرزقه الله الْحيتَان وَالْجَرَاد
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجَرَاد فَقَالَ أَكثر جنود الله لَا آكله وَلَا أحرمهُ
وَأخرج أَبُو بكر البرقي فِي معرفَة الصَّحَابَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي زُهَيْر النميري قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقاتلوا الْجَرَاد فَإِنَّهُ جند من جند الله الْأَعْظَم قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِن صَحَّ أَرَادَ بِهِ إِذا لم يتَعَرَّض لإِفساد الْمزَارِع فَإِذا تعرض لَهُ جَازَ دَفعه بِمَا يَقع بِهِ الدّفع من الْقِتَال وَالْقَتْل أَو أَرَادَ بِهِ تعذر مقاومته بِالْقِتَالِ وَالْقَتْل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الفضيل بن عِيَاض عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله قَالَ: وَقعت جَرَادَة بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: الا نقتلها يَا رَسُول الله فَقَالَ من قتل جَرَادَة فَكَأَنَّمَا قتل غوريا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا ضَعِيف بِجَهَالَة بعض رُوَاته وَانْقِطَاع مَا بَين إِبْرَاهِيم وَابْن مَسْعُود
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد فِيهِ مَجْهُول عَن ابْن عمر قَالَ: وَقعت جَرَادَة بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحتملها فَإِذا مَكْتُوب فِي جناحها بالعبرانية: لَا يَعْنِي جنيني وَلَا يشْبع آكِلِي نَحن جند الله الْأَكْبَر لنا تسع وَتسْعُونَ بَيْضَة وَلَو تمت لنا الْمِائَة لأكلنا الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أهلك الْجَرَاد اقْتُل كِبَارهَا وأمت صغارها وأفسد بيضها وسدَّ أفواهها عَن مزارع الْمُسلمين وَعَن مَعَايشهمْ إِنَّك سميع الدُّعَاء فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِنَّه قد اسْتُجِيبَ لَك فِي بعض قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وإسمعيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي فِي الْأَرْبَعين وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحُسَيْن بن عَليّ قَالَ: كُنَّا على مائدة أَنا وَأخي مُحَمَّد بن الحنيفة وَبني عمي عبد الله بن عَبَّاس وَقثم وَالْفضل فَوَقَعت جَرَادَة فَأَخذهَا عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَ للحسين: تعلم مَا مَكْتُوب على جنَاح الجرادة فَقَالَ: سَأَلت أبي فَقَالَ: سَأَلت

(3/522)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي على جنَاح الجرادة مَكْتُوب: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا رب الجرادة ورازقها إِذا شِئْت بعثتها رزقا لقوم وَإِن شِئْت على قوم بلَاء
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا وَالله من مَكْنُون الْعلم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: مَكْتُوب على الجرادة بالسُّرْيَانيَّة: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا وحدي لَا شريك لي الْجَرَاد جند من جندي أسلطه على من أَشَاء من عبَادي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لما خلق الله آدم فضَّل من طينته شَيْء فخلق مِنْهُ الْجَرَاد
وَأخرج عَن سعيد بن أبي الْحسن
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ {الطوفان} الْمَطَر {وَالْجَرَاد} هَذَا الْجَرَاد
{وَالْقمل} الدَّابَّة الَّتِي تكون فِي الْحِنْطَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر قَالَ: الْقمل الْجَرَاد الَّذِي لَا يطير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: الْقمل: هُوَ الْقمل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد قَالَ: زعم بعض النَّاس فِي الْقمل أَنَّهَا البراغيث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ: الْقمل الْجعلَان 0 وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس 0 أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {وَالْقمل والضفادع} قَالَ: الْقمل الدبا 0 والضفادع: هِيَ هَذِه 0 قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ يَقُول: يبادرون النَّحْل من أَنَّهَا كَأَنَّهُمْ فِي الشّرف الْقمل وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْقمل: الجنادب بَنَات الْجَرَاد 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عفيف عَن رجل من أهل الشَّام قَالَ: الْقمل: البراغيث 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الضفادع بَريَّة فَلَمَّا أرسلها الله على آل فِرْعَوْن سَمِعت وأطاعت فَجعلت تقذف نَفسهَا فِي الْقدر وَهِي تغلي وَفِي التنانير وَهِي تَفُور فأثابها الله بِحسن طاعتها برد المَاء 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم يكن شَيْء أَشد على

(3/523)


آل فِرْعَوْن من الضفادع كَانَت تَأتي الْقُدُور وَهِي تغلي فتلقي أَنْفسهَا فِيهَا فأورثها الله برد المَاء وَالثَّرَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لَا تقتلُوا الضفادع فانها لما أرْسلت على آل فِرْعَوْن انْطلق ضفدع مِنْهَا فَوَقع فِي تنور فِيهِ نَار طلبت بذلك مرضاة الله فأبدلهن الله أبرد شَيْء نعلمهُ المَاء وَجعل نعيقهن التَّسْبِيح 0 وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان التَّيْمِيّ 0 أَن طَبِيبا ذكر ضفدعاً فِي دَوَاء عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَتله 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: سَالَتْ النّيل دَمًا فَكَانَ الاسرائيلي يَسْتَقِي مَاء طيبا ويستقي الفرعوني دَمًا ويشتركان فِي اناء وَاحِد فَيكون مَا يَلِي الإاسرائيلي مَاء طيبا وَمَا يَلِي الفرعوني دَمًا 0 وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: أرسل الله عَلَيْهِم الدَّم فَكَانُوا لَا يَغْتَرِفُونَ من مَائِهِمْ إِلَّا دَمًا أَحْمَر حَتَّى لقد ذكر لنا أَن فِرْعَوْن كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن على الاناء الْوَاحِد القبطي والإِسرائيلي فَيكون مَا يَلِي الاسرائيلي مَاء وَمَا يَلِي القبطي دَمًا 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَالدَّم} قَالَ: سلط الله عَلَيْهِم الرعاف 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الشَّامي قَالَ: مكث مُوسَى فِي آل فِرْعَوْن بعد مَا غلب السَّحَرَة عشْرين سنة يُرِيهم الْآيَات الْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم فيأبون أَن يسلمُوا 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مكث مُوسَى فِي آل فِرْعَوْن بعد مَا غلب السَّحَرَة أَرْبَعِينَ سنة يُرِيهم الْآيَات الْجَرَاد وَالْقمل والضفادع 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آيَات مفصلات} قَالَ: كَانَت آيَات مفصلات بَعْضهَا على أثر بعض ليَكُون لله الْحجَّة عَلَيْهِم 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آيَات مفصلات} قَالَ: يتبع بَعْضهَا بَعْضًا تمكث فيهم سبتاً إِلَى سبت ثمَّ ترفع عَنْهُم شهرا 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ بَين كل آيَتَيْنِ من هَذِه الْآيَات ثَلَاثُونَ يَوْمًا 0

(3/524)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَت الْآيَات التسع فِي تسع سِنِين فِي كل سنة آيَة 0
- الْآيَة (134 - 135)

(3/525)


وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)

- أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {الرجز} الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر مُوسَى نَبِي إِسْرَائِيل فَقَالَ: ليذبح كل رجل مِنْكُم كَبْشًا ثمَّ ليخضب كَفه فِي دَمه ثمَّ ليضْرب على بَابه 0 فَقَالَت القبط لبني إِسْرَائِيل: لم تَجْعَلُونَ هَذَا الدَّم على بَابَكُمْ قَالَ: إِن الله يُرْسل عَلَيْكُم عذَابا فنسلم وتهلكون 0 قَالَ القبط: فَمَا يعرفكم الله إِلَّا بِهَذِهِ العلامات قَالُوا: هَكَذَا أمرنَا نَبينَا 0 فَأَصْبحُوا وَقد طعن من قوم فِرْعَوْن سَبْعُونَ ألفا فأمسوا وهم لَا يتدافنون
فَقَالَ فِرْعَوْن عِنْد ذَلِك {ادْع لنا رَبك بِمَا عهد عنْدك لَئِن كشفت عَنَّا الرجز لنؤمنن لَك ولنرسلن مَعَك بني إِسْرَائِيل} وَالرجز: الطَّاعُون 0 فَدَعَا ربه فكشفه عَنْهُم فَكَانَ أوفاهم كلهم فِرْعَوْن قَالَ: اذْهَبْ ببني إِسْرَائِيل حَيْثُ شِئْت 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ألْقى الله الطَّاعُون على آل فِرْعَوْن فشغلهم بذلك حَتَّى خرج مُوسَى فَقَالَ مُوسَى لبني إِسْرَائِيل: اجعلوا أكفكم فِي الطين والرماد ثمَّ ضعوه على أبوابكم كَيْمَا يجتنبكم ملك الْمَوْت 0 قَالَ فِرْعَوْن: أما يَمُوت من عبيدنا أحد قَالُوا: لَا 0 قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا عجبا أَنا نؤخذ وَلَا يؤخذون 0000 وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {لَئِن كشفت عَنَّا الرجز} قَالَ: الطَّاعُون 0 وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ {الرجز} الْعَذَاب 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَى أجل هم بالغوه} قَالَ: الْغَرق 0

(3/525)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَمَّا كشفنا عَنْهُم الرجز} قَالَ: الْعَذَاب {إِلَى أجل هم بالغوه} قَالَ: عدد مُسَمّى مَعَهم من أيامهم 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِذا هم ينكثون} قَالَ: مَا أعْطوا من العهود 0
- الْآيَة (136 - 137)

(3/526)


فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: فانتقم الله مِنْهُم بعد ذَلِك فأغرقهم فِي أَلِيم 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {اليم} الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ {اليم} هُوَ الْبَحْر 0 قَوْله تَعَالَى: {وأورثنا الْقَوْم الَّذين كَانُوا يستضعفون مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي باركنا فِيهَا} 0 أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن فِي قَوْله {مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا} قَالَ: هِيَ أَرض الشَّام 0 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: هِيَ أَرض الشَّام 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن شَوْذَب فِي قَوْله {مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا} قَالَ: فلسطين 0

(3/526)


وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: قرى الشَّام 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: إِن الله تَعَالَى بَارك فِي الشَّام من الْفُرَات إِلَى الْعَريش 0 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي الأغبش وَكَانَ قد أدْرك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه سُئِلَ عَن الْبركَة الَّتِي بوركت فِي الشَّام أَيْن مبلغ حَده قَالَ: أول حُدُوده عَرِيش مصر وَالْحَد الآخر طرف التنية وَالْحَد الآخر الْفُرَات وَالْحَد الآخر جعل فِيهِ قبر هود النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ: إِن رَبك قَالَ لإِبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام: أعمر من الْعَريش إِلَى الْفُرَات الأَرْض الْمُبَارَكَة وَكَانَ أول من اختتن وقرى الضَّيْف
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: دمشق بناها غُلَام إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ حَبَشِيًّا وهبه لَهُ نمْرُود بن كنعان حِين خرج إِبْرَاهِيم من النَّار وَكَانَ اسْم الْغُلَام دمشق فسماها على اسْمه وَكَانَ إِبْرَاهِيم جعله على كل شَيْء لَهُ وسكنها الرّوم بعد ذَلِك بِزَمَان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي عبد الْملك الْجَزرِي قَالَ: إِذا كَانَت الدُّنْيَا فِي بلَاء وقحط كَانَ الشَّام فِي رخاء وعافية وَإِذا كَانَ الشَّام فِي بلَاء وقحط كَانَت فلسطين فِي رخاء وعافية وَإِذا كَانَت فلسطين فِي بلَاء وقحط كَانَ بَيت الْمُقَدّس فِي رخاء وعافية وَقَالَ: الشَّام مباركة وفلسطين مُقَدَّسَة وَبَيت الْمُقَدّس قدس ألف مرّة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ: قلت لأبي سَلام الْأسود مَا نقلك من حمص إِلَى دمشق قَالَ: بَلغنِي أَن الْبركَة تضعف بهَا ضعفين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول
أَنه سَأَلَ رجلا أَيْن تسكن قَالَ: الغوطة
قَالَ: لَهُ مَكْحُول: مايمنعك أَن تسكن دمشق فَإِن الْبركَة فِيهَا مضعفة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة إِن الشَّام كنز الله عز وَجل من أرضه بهَا كنز الله من عباده يَعْنِي بهَا قُبُور الْأَنْبِيَاء إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ثَابت بن معبد قَالَ: قَالَ الله تَعَالَى: ياشام أَنْت خيرتي من بلدي أسكنك خيرتي من عبَادي

(3/527)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي مُسْنده وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كُنَّا حول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نؤلف الْقُرْآن من الرّقاع إِذْ قَالَ طُوبَى للشام
قيل لَهُ: وَلم قَالَ: أَن مَلَائِكَة الرَّحْمَن باسطة أَجْنِحَتهَا عَلَيْهِم
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم ستجندون أجناداً جنداً بِالشَّام ومصر وَالْعراق واليمن
قُلْنَا: فَخِرْ لنا يَا رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّام فَإِن الله قد تكفل لي بِالشَّام
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم ستجندون أجناداً
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله خِرْ لي
فَقَالَ: عَلَيْك بِالشَّام فَإِنَّهَا صفوة الله من بِلَاده فِيهَا خيرة الله من عباده فَمن رغب عَن ذَلِك فليلحق بنجدة فَإِن الله تكفل لي بِالشَّام وَأَهله
وَأخرج أَحْمد وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن حِوَالَة الْأَزْدِيّ
أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله خرْ لي بَلَدا أكون فِيهِ
فَقَالَ عَلَيْك بِالشَّام ان الله يَقُول: يَا شام أَنْت صفوتي من بلادي أَدخل فِيك خيرتي من عبَادي
وَلَفظ أَحْمد: فَإِنَّهُ خيرة الله من أرضه يجتبي إِلَيْهِ خيرته من عباده فَإِن أَبَيْتُم فَعَلَيْكُم بيمنكم فَإِن الله قد تكفل لي بِالشَّام وَأَهله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: عَلَيْكُم بِالشَّام فانها صفوة بِلَاد الله يسكنهَا خيرته من عباده فَمن أَبى فليلحق بيمنه ويسق من غدره فَإِن الله تكفل لي بِالشَّام وَأَهله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن حِوَالَة الْأَزْدِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم ستجندون أجناداً جنداً بِالشَّام وجنداً بالعراق وجنداً بِالْيمن
فَقَالَ الحوالي: خر لي يَا رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّام فَمن أَبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فَإِن الله قد تكفل لي بِالشَّام وَأَهله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان لَا يبْقى فِيهِ مُؤمن إِلَّا لحق بِالشَّام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عون بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: قَرَأت فِيمَا أنزل الله على بعض الْأَنْبِيَاء: إِن الله يَقُول: الشَّام كِنَانَتِي فَإِذا غضِبت على قوم رميتهم مِنْهَا بِسَهْم

(3/528)


وَأخرج ابْن عَسَاكِر وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ستفتح على أمتِي من بعدِي الشَّام وشيكاً فَإِذا فتحهَا فاحتلها فَأهل الشَّام مرابطون إِلَى مُنْتَهى الجزيرة فَمن احتل ساحلاً من تِلْكَ السواحل فَهُوَ فِي جِهَاد وَمن احتل بَيت الْمُقَدّس وَمَا حوله فَهُوَ فِي رِبَاط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن عَسَاكِر عَن قُرَّة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا فسد أهل الشَّام فَلَا خير فِيكُم لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي منصورين على النَّاس لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ضَمرَة بن ربيعَة قَالَ: سَمِعت إِنَّه لم يبْعَث نَبِي إِلَّا من الشَّام فَإِن لم يكن مِنْهَا أسريَ بِهِ إِلَيْهَا
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو بكر النجاد فِي جُزْء التراجم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينا أَنا نَائِم رَأَيْت عَمُود الإِسلام احْتمل من تَحت رَأْسِي فَظَنَنْت أَنه مذهوب بِهِ فاتبعته بَصرِي فَعمد بِهِ إِلَى الشَّام أَلا فَإِن الإِيمان حِين تقع الْفِتَن بِالشَّام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّام أَرض الْمَحْشَر والمنشر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: ليهاجرن الرَّعْد والبرق والبركات إِلَى الشَّام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: مد الْفُرَات على عهد عبد الله فكره النَّاس ذَلِك فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس لَا تكْرهُوا مده فَإِنَّهُ يُوشك أَن يلْتَمس فِيهِ طست من مَاء فَلَا يُوجد وَذَاكَ حِين يرجع كل مَاء إِلَى عنصره فَيكون المَاء وَبَقِيَّة الْمُؤمنِينَ يومئذٍ بِالشَّام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: أحب الْبِلَاد إِلَى الله الشَّام وَأحب الشَّام إِلَيْهِ الْقُدس وَأحب الْقُدس إِلَيْهِ جبل نابلس ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يتماسحونه كالحبال بَينهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل إِبْلِيس الْعرَاق فَقضى مِنْهَا حَاجته ثمَّ دخل الشَّام فطردوه حَتَّى بلغ بيسان ثمَّ دخل مصر فباض فِيهَا وفرخ وَبسط عبقرية

(3/529)


وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: دخل الشَّيْطَان بالمشرق فَقضى قَضَاءَهُ ثمَّ خرج يُرِيد الأَرْض المقدسة الشَّام فَمنع فَخرج على سَاق حَتَّى جَاءَ الْمغرب فباض بيضه وَبسط بهَا عبقرية
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِنِّي لأجد تردد الشَّام فِي الْكتب حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ لله حَاجَة إِلَّا بِالشَّام
وَأخرج أَحْمد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي شامنا ويمننا
قَالُوا: وَفِي نجدنا
وَفِي لفظ: وَفِي مشرقنا
قَالَ: هُنَاكَ الزلازل والفتن وَبهَا يطلع قرن الشَّيْطَان
زَاد ابْن عَسَاكِر فِي رِوَايَة: وَبهَا تِسْعَة اعشار الشَّرّ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَيْر عشرَة أعشار تِسْعَة بِالشَّام وَوَاحِد فِي سَائِر الْبلدَانِ وَالشَّر عشرَة اعشار وَاحِد بِالشَّام وَتِسْعَة فِي سَائِر الْبلدَانِ وَإِذا فسد أهل الشَّام فَلَا خير فِيكُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قسم الله الْخَيْر فَجعله عشرَة أعشار فَجعل تِسْعَة اعشاره بِالشَّام وبقيته فِي سَائِر الْأَرْضين وَقسم الشَّرّ فَجعله عشرَة أعشار فَجعل تِسْعَة اعشاره بِالشَّام وبقيته فِي سَائِر الْأَرْضين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: نجد هَذِه الأَرْض فِي كتاب الله تَعَالَى على صفة النسْر فالرأس الشَّام والجناحان الْمشرق وَالْمغْرب والذنب الْيمن فَلَا يزَال النَّاس بِخَير مابقي الرَّأْس فَإِذا نزع الرَّأْس هلك النَّاس وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان لَا تبقى جَزِيرَة من جزائر الْعَرَب إِلَّا وَفِيهِمْ مقنب خيل من الشَّام يقاتلونهم على الإِسلام لولاهم لكفروا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة قَالَ: مثلت الدُّنْيَا على طَائِر فمصر وَالْبَصْرَة الجناحان والجزيرة الجؤجؤ وَالشَّام الرَّأْس واليمن الذَّنب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: رَأس الأَرْض الشَّام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: إِنِّي لأجد فِي كتاب الله الْمنزل: إِن خراب الأَرْض قبل الشَّام بِأَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن بحير بن سعد قَالَ: تقيم الشَّام بعد خراب الأَرْض أَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ستخرج نَار

(3/530)


من حَضرمَوْت قبل يَوْم الْقِيَامَة تحْشر النَّاس
قُلْنَا: يَا رَسُول الله فَمَا تَأْمُرنَا قَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: يُوشك أَن تخرج نَار من الْيمن تَسوق النَّاس إِلَى الشَّام تَغْدُو مَعَهم إِذا غدوا وتقيل مَعَهم إِذا قَالُوا وَتَروح مَعَهم إِذا راحوا فَإِذا سَمِعْتُمْ بهَا فاخرجوا إِلَى الشَّام
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي رَأَيْت عَمُود الْكتاب انتزع من تَحت وِسَادَتِي فاتبعته بَصرِي فَإِذا هُوَ نور سَاطِع فَعمد بِهِ إِلَى الشَّام أَلا وان الإِيمان إِذا وَقعت الْفِتَن بِالشَّام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن اللَّيْث بن سعد فِي قَوْله {وأورثنا الْقَوْم الَّذين كَانُوا يستضعفون مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: هِيَ مصر وَهِي مباركة فِي كتاب الله
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي تَارِيخ مصر وَمُحَمّد ابْن الرّبيع الجيزي فِي مُسْند الصَّحَابَة الَّذين دخلُوا مصر عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: مصر أطيب أَرض الله تُرَابا وأبعده خراباً وَلنْ يزَال فِيهَا بركَة مَا دَامَ فِي شَيْء من الْأَرْضين بركَة
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من أَرَادَ أَن يذكر الفردوس أَو ينظر إِلَى مثلهَا فِي الدُّنْيَا فَلْينْظر إِلَى أَرض مصر حِين تخضر زروعها وتنور ثمارها
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى شبه الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى أَرض مصر إِذا أزهرت
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ: كَانَ عَمْرو بن العَاصِي يَقُول: ولَايَة مصر جَامِعَة لعدل الْخلَافَة
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي

قَالَ: خلقت الدُّنْيَا على خمس صور على صُورَة الطير بِرَأْسِهِ وصدره وجناحيه وذنبه فالرأس مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن والصدر الشَّام ومصر والجناح الْأَيْمن الْعرَاق والجناح الْأَيْسَر السَّنَد والهند والذنب من ذَات الْحمام إِلَى مغرب الشَّمْس وَشر مافي الطير الذَّنب
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن نوف قَالَ: إِن الدُّنْيَا مثلت على طير فَإِذا انْقَطع جناحاه وَقع وَإِن جناحي الأَرْض مصر وَالْبَصْرَة فَإِذا خربا ذهبت الدُّنْيَا

(3/531)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتمت كلمة رَبك الْحسنى} قَالَ: ظُهُور قوم مُوسَى على فِرْعَوْن وتمكين الله لَهُم فِي الأَرْض وَمَا ورثهم مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن وهب عَن مُوسَى بن عَليّ عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل بِالربعِ من آل فِرْعَوْن ووليهم فِرْعَوْن أَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعين سنة فضاعف الله ذَلِك لبني اسرائيل فولاهم ثَمَانمِائَة عَام وَثَمَانِينَ عَاما
قَالَ: وَإِن كَانَ الرجل ليعمر ألف سنة فِي الْقُرُون الأولى وَمَا يَحْتَلِم حَتَّى يبلغ عشْرين وَمِائَة سنة
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: لَو أَن النَّاس إِذا ابتلوا من سلطانهم بِشَيْء صَبَرُوا ودعوا الله لم يَلْبَثُوا أَن يرفع الله ذَلِك عَنْهُم وَلَكنهُمْ يفزعون إِلَى السَّيْف فيوكلون إِلَيْهِ وَالله مَا جاؤو بِيَوْم خير قطّ ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وتمت كلمة رَبك الْحسنى على بني اسرائيل بِمَا صَبَرُوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: مَا أُوتيت بَنو اسرائيل مَا أُوتيت إِلَّا بصبرهم وَمَا فزغت هَذِه الْأمة إِلَى السَّيْف قطّ فَجَاءَت بِخَير
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إِذا جَاءَ أَمر لَا كفاء لَك بِهِ فاصبر وانتظر الْفرج من الله
وَأخرج أَحْمد عَن بَيَان بن حَكِيم قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي الدَّرْدَاء فَشَكا إِلَيْهِ جاراً لَهُ قَالَ: اصبر فَإِن الله سيجيرك مِنْهُ فَمَا لبث أَن أَتَى مُعَاوِيَة فحباه وَأَعْطَاهُ فَأتى أَبَا الدَّرْدَاء فَذكر ذَلِك لَهُ قَالَ: إِن ذَلِك لَك مِنْهُ جَزَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {ودمرنا مَا كَانَ يصنع فِرْعَوْن وَقَومه} قَالَ: إِن الله تَعَالَى لَا يملي للْكَافِرِ إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يوبقه بِعَمَلِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانُوا يعرشون} قَالَ: يبنون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا كَانُوا يعرشون} قَالَ: يبنون الْبيُوت والمساكن مَا بلغت وَكَانَ عنبهم غير معروش
وَالله اعْلَم

(3/532)


- الْآيَة (138 - 141)

(3/533)


وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَالَ: على لخم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَالَ: هم لخم وجذام 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن أبي جريج فِي قَوْله {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَالَ: تماثيل بقر من نُحَاس فَلَمَّا كَانَ عجل السامري شبه لَهُم أَنه من تِلْكَ الْبَقر فَذَلِك كَانَ أول شَأْن الْعجل لتَكون لله عَلَيْهِم حجَّة فينتقم مِنْهُم بعد ذَلِك 0 وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله 000 قوم أنجاهم الله من الْعُبُودِيَّة وأقطعهم الْبَحْر وَأهْلك عدوهم وأراهم الْآيَات الْعِظَام ثمَّ سَأَلُوا الشّرك صراحية 0 وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل حنين فمررنا بسدرة فَقلت: يَا رَسُول الله اجْعَل لنا هَذِه ذَات أنواط كَمَا للْكفَّار ذَات أنواط وَكَانَ الْكفَّار ينوطون سِلَاحهمْ بسدرة ويعكفون حولهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أكبر هَذَا كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} إِنَّكُم تَرْكَبُونَ سنَن الَّذين من قبلكُمْ 0

(3/533)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق كثير بن عبد الله بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح وَنحن ألف ونيف فَفتح الله لَهُ مَكَّة وحنينا حَتَّى إِذا كُنَّا بَين حنين والطائف مَرَرْنَا بشجرةٍ دنوا عَظِيمَة سِدْرَة كَانَ يناط بهَا السِّلَاح فسميت ذَات أنواط وَكَانَت تُعبد من دون الله فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صرف عَنْهَا فِي يَوْم صَائِف إِلَى ظلّ هُوَ أدنى مِنْهَا فَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله اجْعَل لنا ذَات أنواط كَمَا لَهُم ذَات أنواط
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا السّنَن قُلْتُمْ 0 وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {متبر} قَالَ: خسران 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {متبر} قَالَ: هَالك 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هم فِيهِ وباطل} قَالَ: المتبر المخسر وَقَالَ المتبر وَالْبَاطِل سَوَاء كُله وَاحِد كَهَيئَةِ غَفُور رَحِيم وَالْعرب تَقول: إِنَّه البائس المتبر وَإنَّهُ البائس المخسر 0
- الْآيَة (142)

(3/534)


وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر} قَالَ: ذُو القعده وَعشر من ذِي الْحجَّة 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: زعم حضرمي أَن الثَّلَاثِينَ لَيْلَة الَّتِي وعد مُوسَى ذُو الْقعدَة وَالْعشر الَّتِي تمم الله بهَا الْأَرْبَعين لَيْلَة عشر ذِي الْحجَّة 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا من عمل فِي أَيَّام من السّنة أفضل مِنْهُ فِي الْعشْر من ذِي الْحجَّة وَهِي الْعشْر الَّتِي أتمهَا الله لمُوسَى 0

(3/534)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر} يَعْنِي ذَا القعده وَعشرا من ذِي الْحجَّة خلف مُوسَى أَصْحَابه واستخلف عَلَيْهِم هرون فَمَكثَ على الطّور أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة فِي الألواح فقربه الرب نجياً وَكَلمه وَسمع صريف الْقَلَم وبلغنا أَنه لم يحدث فِي الْأَرْبَعين لَيْلَة حَتَّى هَبَط من الطّور 0 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة} قَالَ: ذُو الْقعدَة {وأتممناها بِعشر} قَالَ: عشر ذِي الْحجَّة 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر} قَالَ: إِن مُوسَى قَالَ لِقَوْمِهِ: إِن رَبِّي وَعَدَني ثَلَاثِينَ لَيْلَة أَن أَلْقَاهُ وأخلف هرون فِيكُم فَلَمَّا فصل مُوسَى إِلَى ربه زَاده الله عشرا فَكَانَت فتنتهم فِي الْعشْر الَّتِي زَاده الله فَلَمَّا مضى ثَلَاثُونَ لَيْلَة كَانَ السامري أبْصر جِبْرِيل فَأخذ من أثر الْفرس قَبْضَة من تُرَاب فَقَالَ حِين مضى ثَلَاثُونَ لَيْلَة: يَا بني إِسْرَائِيل إِن مَعكُمْ حليا من حلى آل فِرْعَوْن وَهُوَ حرَام عَلَيْكُم فهاتوا مَا عنْدكُمْ فنحرقها فَأتوهُ بِمَا عِنْدهم من حليهم فأوقدوا نَارا ثمَّ ألْقى الحلى فِي النَّار فَلَمَّا ذاب الحلى ألْقى تِلْكَ القبضة من التُّرَاب فِي النَّار فَصَارَ عجلاً جسداً لَهُ خوار فخار خورة وَاحِدَة لم يثن فَقَالَ السامري: إِن مُوسَى ذهب يطْلب ربكُم وَهَذَا إِلَه مُوسَى فَذَلِك قَوْله {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي} طه الْآيَة 88 يَقُول: انْطلق يطْلب ربه فضل عَنهُ وَهُوَ هَذَا فَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى لمُوسَى وَهُوَ يناجيه {قَالَ فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري فَرجع مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} طه الْآيَة 85 - 86 قَالَ يَعْنِي حَزينًا 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب قَالَ: قَالَ الرب تبَارك وَتَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مرْ قَوْمك أَن ينيبوا إِلَيّ ويدعوني فِي الْعشْر - يَعْنِي عشر ذِي الْحجَّة - فَإِذا كَانَ الْيَوْم الْعَاشِر فليخرجوا إليَّ أُغْفِرْ لَهُم قَالَ وهب: الْيَوْم الَّذِي طلبته الْيَهُود فأخطأوه وَلَيْسَ عدد أصوب من عدد الْعَرَب 0 وَأخرج الديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَفعه لما أَتَى مُوسَى ربه وَأَرَادَ أَن يكلمهُ بعد الثَّلَاثِينَ يوماوقد صَامَ ليلهن ونهارهن فكره أَن يكلم ربه وريح فَمه ريح فَم

(3/535)


الصَّائِم فَتَنَاول من نَبَات الأَرْض فمضغه فَقَالَ لَهُ ربه: لم أفطرت - وَهُوَ أعلم بِالَّذِي كَانَ - قَالَ: أَي رب كرهت أَن أُكَلِّمك إِلَّا وَفِي طيب الرّيح 0 قَالَ: أوما علمت يَا مُوسَى أَن ريح فَم الصَّائِم عِنْدِي أطيب من ريح الْمسك ارْجع فَصم عشرَة أَيَّام ثمَّ إيتني 0 فَفعل مُوسَى الَّذِي أمره ربه فَلَمَّا كلم الله مُوسَى قَالَ لَهُ مَا قَالَ 0 أما قَوْله تَعَالَى: {وَلما جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمه ربه} 0 أخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كلم الله مُوسَى يَوْم الطّور كَلمه بِغَيْر الْكَلَام الَّذِي كَلمه يَوْم ناداه فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا رب أَهَذا كلامك الَّذِي كَلَّمتنِي بِهِ قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّمَا كلمتك بِقُوَّة عشرَة آلَاف لِسَان ولي قُوَّة الألسن كلهَا وَأقوى من ذَلِك فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بني إِسْرَائِيل قَالُوا: يَا مُوسَى صف لنا كَلَام الرَّحْمَن 0 فَقَالَ: لَا تستطيعونه ألم تروا إِلَى أصوات الصَّوَاعِق الَّذِي يقبل فِي أحلى حلاوة سمعتموه فَذَلِك قريب مِنْهُ وَلَيْسَ بِهِ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: كَانَ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قبَّة طولهَا سِتّمائَة ذِرَاع يُنَاجِي فِيهَا ربه عز وَجل 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ قي نَوَادِر الْأُصُول عَن كَعْب قَالَ: لما كلم الله مُوسَى قَالَ: يَا رب أهكذا كلامك قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّمَا أُكَلِّمك بِقُوَّة عشرَة آلَاف لِسَان ولي قُوَّة الْأَلْسِنَة كلهَا وَلَو كلمتك بكنه كَلَامي لم تَكُ شَيْئا 0 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن كَعْب قَالَ: لما كلم الله مُوسَى كَلمه بالألسنة كلهَا قبل كَلَامه - يَعْنِي كَلَام مُوسَى - فَجعل يَقُول: يَا رب لَا أفهم حَتَّى كَلمه آخر الْأَلْسِنَة بِلِسَانِهِ بِمثل صَوته فَقَالَ: يَا رب هَكَذَا كلامك قَالَ: لَا لَو سَمِعت كَلَامي أَي على وَجهه لم تَكُ شَيْئا 0 قَالَ: يَا رب هَل فِي خلقك شَيْء شبه كلامك قَالَ: لَا وَأقرب خلقي شبها بكلامي أَشد مَا سمع النَّاس من الصَّوَاعِق 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قيل لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا شبهت كَلَام رَبك مِمَّا خلق فَقَالَ مُوسَى: الرَّعْد السَّاكِن 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الْحُوَيْرِث عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة قَالَ: إِنَّمَا كلم الله مُوسَى بِقدر مَا يُطيق من كَلَامه وَلَو تكلم

(3/536)


بِكَلَامِهِ كُله لم يطقه شَيْء فَمَكثَ مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ من نور رب الْعَالمين 0 وَأخرج الديلمي عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه لما خرج أخي مُوسَى إِلَى مُنَاجَاة ربه كَلمه ألف كلمة ومائتي كلمة فَأول مَا كَلمه بالبربرية أَن قَالَ: يَا مُوسَى وَنَفْسِي معبراً: أَي أَنا الله الْأَكْبَر 0 قَالَ مُوسَى: يَا رب أَعْطَيْت الدُّنْيَا لأعدائك ومنعتها أولياءك فَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك فَأوحى الله إِلَيْهِ: أعطيتهَا أعدائي ليتمرغوا ومنعتها أوليائي ليتضرعوا 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عجلَان قَالَ: كلم مُوسَى بالألسنة كُله وَكَانَ فِيمَا كَلمه لِسَان البربر فَقَالَ كَلمته بالبربرية: أَنا الله الْكَبِير 0 وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم كلم الله مُوسَى كَانَ عَلَيْهِ جُبَّة صوف وَكسَاء صوف وَسَرَاويل صوف وكمه صوف وَنَعْلَان من جلد حمَار غير ذكي 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة قَالَ: لما كلم مُوسَى ربه عز وَجل مكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ من نور رب الْعَالمين 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: كَانَ مُوسَى لم يَأْتِ النِّسَاء مُنْذُ كَلمه ربه وَكَانَ قد ألبس على وَجهه برقع فَكَانَ لَا ينظر إِلَيْهِ أحد إِلَّا مَاتَ فكشف لَهَا عَن وَجهه فأخذتها من غَشيته مثل شُعَاع الشَّمْس فَوضعت يَدهَا على وَجههَا وخرت لله سَاجِدَة 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كلم الله مُوسَى من ألف مقَام فَكَانَ كلما كَلمه رأى النُّور على وَجهه ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ: وَمَا قرب مُوسَى امْرَأَة مذ كَلمه ربه 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم اللَّخْمِيّ قَالَ: قَالَت امْرَأَة مُوسَى لمُوسَى: إِنِّي أيم مِنْك مذ أَرْبَعِينَ سنة فأمتعني بنظرة 0 فَرفع البرقع عَن وَجهه فغشى وَجهه نور التمع بصرها فَقَالَت: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي زَوجتك فِي الْجنَّة 0 قَالَ: على أَن لَا تزوّجي بعدِي وَأَن لَا تأكلي إِلَّا من عمل يَديك 0 قَالَ: فَكَانَت تتبع الحصادين فَإِذا رَأَوْا ذَلِك تخاطوا لَهَا فَإِذا أحست بذلك تجاوزته 0

(3/537)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو خَيْثَمَة فِي كتاب الْعلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين كلم ربه: أَي رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: أَكْثَرهم لي ذكرا 0 قَالَ: أَي عِبَادك أحكم قَالَ: الَّذِي يقْضِي على نَفسه كَمَا يقْضِي على النَّاس 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أغْنى قَالَ: الراضي بِمَا أعْطِيه 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن 0 أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه جماعاً من الْخَيْر فَقَالَ: أصحب النَّاس بِمَا تحب أَن تصْحَب بِهِ 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى ناجى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِمِائَة ألف وَأَرْبَعين ألف كلمة فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا سمع مُوسَى كَلَام الْآدَمِيّين مقتهم لما وَقع فِي مسامعه من كَلَام الرب عز وَجل فَكَانَ فِيمَا ناجاه إِن قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّه لم يتصنع المتصنعون بِمثل الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَلم يتَقرَّب إليّ المتقربون بِمثل الْوَرع عَمَّا حرمت عَلَيْهِم وَلم يتعبد المتعبدون بِمثل الْبكاء من خَشْيَتِي 0 فَقَالَ مُوسَى: يَا رب وَيَا إِلَه الْبَريَّة كلهَا وَيَا مَالك يَوْم الدّين وَيَا ذَا الْجلَال والإِكرام مَاذَا أَعدَدْت لَهُم وماذا جزيتهم قَالَ: أما الزاهدون فِي الدُّنْيَا فَإِنِّي أبيحهم جنتي حَتَّى يتبوَّأوا فِيهَا حَيْثُ شاؤوا وَأما الورعون عَمَّا حرمت عَلَيْهِم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة لم يبْق عبد إِلَّا ناقشته الْحساب وفتشت عَمَّا فِي يَدَيْهِ إِلَّا الورعون فَأَنِّي أستحيهم وأجلهم وَأكْرمهمْ وأدخلهم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَأما الباكون من خَشْيَتِي فَأُولَئِك لَهُم الرفيق الْأَعْلَى لَا يشاركهم فِيهِ أحد
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ مُوسَى: يَا رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك بِهِ وأدعوك بِهِ 0 قَالَ: قل يَا مُوسَى لَا إِلَه إِلَّا الله 0 قَالَ: يَا رب كل عِبَادك يَقُول هَذَا 000 قَالَ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله 0 قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت يَا رب إِنَّمَا أُرِيد شَيْئا تخصني بِهِ 0 قَالَ: يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي وَالْأَرضين السَّبع فِي كفة وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَوْلِيَاء عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب من أهلك الَّذين هم أهلك الَّذين تظلهم فِي

(3/538)


ظلّ عرشك قَالَ: هم البريئة أَيْديهم الطاهرة قُلُوبهم الَّذين يتحابون بجلالي الَّذين ذكرت ذكرُوا بِي وَإِذا ذكرُوا ذكرت بذكرهم الَّذين يسبغون الْوضُوء فِي المكاره وينيبون إِلَى ذكري كَمَا تنيب النسور إِلَى وكورها ويكلفون بحبي كَمَا يُكَلف الصَّبِي بحب النَّاس ويغضبون لمحارمي إِذا استحلت كَمَا يغْضب النمر إِذا حزب 0 وَأخرج أَحْمد عَن عمر أَن الْقصير قَالَ: قَالَ مُوسَى بن عمرَان: أَي رب أَيْن أبغيك قَالَ: ابغني عِنْد المنكسرة قُلُوبهم إِنِّي أدنوا مِنْهُم كل يَوْم باعاً وَلَوْلَا ذَلِك انهدموا 0 وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد عَن عمار بن يَاسر 0 أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب حَدثنِي بِأحب النَّاس إِلَيْك قَالَ: وَلم 000 قَالَ: لَأحبهُ لحبك أَيَّاهُ 0 فَقَالَ: عبد فِي أقْصَى الأَرْض سمع بِهِ عبد آخر فِي أقْصَى الأَرْض لَا يعرفهُ فَإِن أَصَابَته مُصِيبَة فَكَأَنَّمَا أَصَابَته وَإِن شاكته شَوْكَة فَكَأَنَّمَا شاكته مَا ذَاك إِلَّا لي فَذَلِك أحب خلقي إِلَيّ 0 قَالَ: يَا رب خلقت خلقا تدخلهم النَّار أَو تُعَذبهُمْ فَأوحى الله إِلَيْهِ: كلهم خلقي ثمَّ قَالَ: ازرع زرعا فزرعه 0 فَقَالَ: اسْقِهِ فَسَقَاهُ ثمَّ قَالَ: قُم عَلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِ فحصده وَرَفعه فَقَالَ: مَا فعل زرعك يَا مُوسَى قَالَ: فرغت مِنْهُ ورفعته
قَالَ: مَا تركت مِنْهُ شَيْئا قَالَ: مَا لَا خير فِيهِ 0 قَالَ: كَذَلِك أَنا لَا أعذب إِلَّا من لَا خير فِيهِ 0 وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب أَخْبرنِي بأكرم خلقك عَلَيْك 0 قَالَ: الَّذِي يسْرع إِلَى هواي إسراع النسْر إِلَى هَوَاهُ وَالَّذِي يُكَلف بعبادي الصَّالِحين كَمَا يُكَلف الصَّبِي بِالنَّاسِ وَالَّذِي يغْضب إِذا انتهكت محارمي غضب النمر لنَفسِهِ فَإِن النمر إِذا غضب لم يبال أَقَلَّ النَّاس أم كَثُرُوا 0 وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة مَوْقُوفا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ربه عزَّ وَجل فَقَالَ: أَي عِبَادك أغْنى قَالَ: الَّذِي يقنع بِمَا يُؤْتى 0 قَالَ: فَأَي عِبَادك أحكم قَالَ: الَّذِي يحكم للنَّاس بِمَا يحكم لنَفسِهِ قَالَ: فأيّ عِبَادك أعلم قَالَ: أخشاهم 0 وَأخرج أَبُو بكر بن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يمشي ذَات يَوْم فِي طَرِيق فناداه الْجَبَّار عز وَجل: يَا مُوسَى 0 فَالْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فَلم ير أحدا 000 ثمَّ ناداه الثَّانِيَة: يَا مُوسَى

(3/539)


بن عمرَان 0 فَالْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فَلم ير أحد وارتعدت فرائصه ثمَّ نُودي الثالثه يَا مُوسَى بن عمرَان إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فَقَالَ: لبيْك لبيْك فَخر لله تَعَالَى سَاجِدا فَقَالَ: ارْفَعْ رَأسك يَا مُوسَى بن عمرَان فَرفع رَأسه فَقَالَ: يَا مُوسَى إِن أَحْبَبْت أَن تسكن فِي ظلّ عَرْشِي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي كن كَالْأَبِ الرَّحِيم وَكن للأرملة كالزوج العطوف يَا مُوسَى بن عمرَان أرْحم ترحم يَا مُوسَى كَمَا تدين تدان يَا مُوسَى نبأ بني إِسْرَائِيل أَنه من لَقِيَنِي وَهُوَ جَاحد بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدخلته النَّار 0 فَقَالَ: وَمن أَحْمد فَقَالَ: يَا مُوسَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خلقت خلقا أكْرم عليَّ مِنْهُ كتبت اسْمه مَعَ اسْمِي فِي الْعَرْش قبل أَن أخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر بألفي سنة وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِن الْجنَّة مُحرمَة على جَمِيع خلقي حَتَّى يدخلهَا مُحَمَّد وَأمته 0 قَالَ مُوسَى: وَمن أمة أَحْمد قَالَ: أمته الْحَمَّادون يحْمَدُونَ صعُودًا وهبوطاً وعَلى كل حَال يشدون أوساطهم ويطهرون أَطْرَافهم صائمون بِالنَّهَارِ رُهْبَان بِاللَّيْلِ أقبل مِنْهُم الْيَسِير وأدخلهم الْجنَّة بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله 0 قَالَ: إجعلني نَبِي تِلْكَ الْأمة 0 قَالَ: نبيها مِنْهَا 0 قَالَ: إجعلني من أمة ذَلِك النَّبِي
قَالَ: استقدمت واستأخر يَا مُوسَى وَلَكِن سأجمع بَيْنك وَبَينه فِي دَار الْجلَال
وَأخرج أَبُو نعيم عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي مَا جَزَاء من ذكرك بِلِسَانِهِ وَقَلبه قَالَ: يَا مُوسَى أظلهُ يَوْم الْقِيَامَة بِظِل عَرْشِي وأجعله فِي كنفي 0 قَالَ: يَا رب أَي عِبَادك أَشْقَى قَالَ: من لَا تَنْفَعهُ موعظة وَلَا يذكرنِي إِذا خلا 0 وَأخرج أَبُو نعيم عَن كَعْب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب مَا جَزَاء من آوى يَتِيما حَتَّى يَسْتَغْنِي أَو كفل أرملة قَالَ: أسْكنهُ جنتي وأظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي 0 وَأخرج ابْن شاهين فِي التَّرْغِيب عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب مَا لمن عزى الثكلى قَالَ: أظلهُ بظلي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي 0 وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس فِي كتاب الْعلم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لما قرب مُوسَى نجياً أبْصر فِي ظلّ الْعَرْش رجلا فغبطه بمكانه فَسَأَلَ عَنهُ فَلم يخبر باسمه وَأخْبر بِعَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا رجل كَانَ لَا يحْسد النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله بر بالوالدين لَا يمشي بالنميمة 0 فَقَالَ الله: يَا مُوسَى مَا جِئْت تطلب قَالَ: جِئْت

(3/540)


أطلب الْهدى يَا رب 0 قَالَ: قد وجدت يَا مُوسَى 0 قَالَ: رب أَغفر لي مَا مضى من ذُنُوبِي وَمَا غبر وَمَا بَين ذَلِك وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني وَأَعُوذ بك من وَسْوَسَة نَفسِي وَسُوء عَمَلي 0 فَقيل لَهُ: قد كفيت يَا مُوسَى 0 قَالَ: رب أَي الْعَمَل أحب إِلَيْك أَن أعمله قَالَ: اذْكُرْنِي يَا مُوسَى 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أتقى قَالَ: الَّذِي يذكرنِي وَلَا ينساني 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أغْنى قَالَ الَّذِي يقنع بِمَا يُؤْتى قَالَ: رب أَي عِبَادك أفضل قَالَ: الَّذِي يقْض بِالْحَقِّ وَلَا يتبع الْهوى قَالَ: رب أَي عِبَادك أعلم قَالَ: الَّذِي يطْلب علم النَّاس إِلَى علمه لَعَلَّه يسمع كلمة تدله على هدى أَو ترده عَن ردى 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك عملا قَالَ: الَّذِي لَا يكذب لِسَانه وَلَا يَزْنِي فرجه وَلَا يفجر قلبه 0 قَالَ: رب ثمَّ أَي على أثر هَذَا قَالَ: قلب مُؤمن فِي خلق حسن قَالَ: رب أَي عِبَادك أبْغض إِلَيْك قَالَ: قلب كَافِر فِي خلق سيِّىء 0 قَالَ: رب ثمَّ أَي على أثر هَذَا قَالَ: جيفة بِاللَّيْلِ بطال بِالنَّهَارِ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجلد 0 أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا ذَكرتني فاذكرني وَأَنت تنتفض أعضاؤك وَكن عِنْد ذكري خَاشِعًا مطمئناً وَإِذا ذَكرتني فَاجْعَلْ لسَانك وَرَاء قَلْبك وَإِذا قُمْت بَين يَدي فَقُمْ مقَام العَبْد الحقير الذَّلِيل وذمَّ نَفسك فَهِيَ أولى بالذم وناجني حِين تناجيني بقلب وَجل ولسان صَادِق 0 وَأخرج أَحْمد عَن قسي رجل من أهل الْكتاب قَالَ: إِن الله أوحى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا مُوسَى إِن جَاءَك الْمَوْت وَأَنت على غير وضوء فَلَا تلومن إِلَّا نَفسك 0 قَالَ: وَأوحى إِلَيْهِ أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يدْفع بِالصَّدَقَةِ سبعين بَابا من السوء مثل الْغَرق والحرق والسرق وَذَات الْجنب 0 قَالَ: وَقَالَ لَهُ: وَالنَّار قَالَ: وَالنَّار 0 وَأخرج أَحْمد عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن عَلِّم الْخَيْر وتعلمه فَأَنِّي منوّر لمعلم الْخَيْر ومتعلمه فِي قُبُورهم حَتَّى لَا يستوحشوا لِمَكَانِهِمْ 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما ارْتقى مُوسَى طور سينا رأى الْجَبَّار فِي أُصْبُعه خَاتمًا قَالَ: يَا مُوسَى مَا هَذَا - وَهُوَ أعلم بِهِ - قَالَ: شَيْء من حلي الرِّجَال يَا رب 0 قَالَ: فَهَل عَلَيْهِ شَيْء من أسمائي مَكْتُوب أَو كَلَامي قَالَ: لَا 0 قَالَ: فَاكْتُبْ عَلَيْهِ {لكل أجل كتاب} الرَّعْد 38 0

(3/541)


وَأخرج االحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عَطاء قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أيتمت الصَّبِي من أَبَوَيْهِ وتدعه هَكَذَا قَالَ: يَا مُوسَى أما ترْضى بِي كافلاً

وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن عَطاء قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: أعلمهم بِي 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب إِنَّهُم سيسألنني كَيفَ كَانَ بدؤك قَالَ: فَأخْبرهُم إِنِّي أَنا الْكَائِن قبل كل شَيْء والمكوّن لكل شَيْء والكائن بعد كل شَيْء
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجلد
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه قَالَ: أَي رب أنزل عليَّ آيَة محكمَة أَسِير بهَا فِي عِبَادك
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُوسَى أَن أذهب فَمَا أَحْبَبْت أَن يَأْتِيهِ عبَادي إِلَيْك فأته إِلَيْهِم
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أَي رب أَي شَيْء وضعت فِي الأَرْض أقل قَالَ: الْعدْل أقل مَا وضعت فِي الأَرْض
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أَي النَّاس أتقى قَالَ: الَّذِي يذكر وَلَا ينسى
قَالَ: فَأَي النَّاس أعلم قَالَ: الَّذِي يَأْخُذ من علم النَّاس إِلَى علمه
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: من أذكر بِرُؤْيَتِهِ
قَالَ: أَي رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك الَّذين يعودون المرضى ويعزون الثكلى ويشيعون الهلكى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: لما قيل للجبال أَنه يُرِيد أَن يتجلى تطاولت الْجبَال كلهَا وتواضع الْجَبَل الَّذِي تجلى لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق أَحْمد بن أبي الْحوَاري عَن أبي سُلَيْمَان قَالَ: إِن الله اطلع فِي قُلُوب الْآدَمِيّين فَلم يجد قلباً أَشد تواضعاً من قلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فخصه بالْكلَام لتواضعه
قَالَ
وَقَالَ غير أبي سُلَيْمَان: أوحى الله إِلَى الْجبَال: إِنِّي مُكَلم عَلَيْك عبدا من عَبِيدِي
فتطاولت الْجبَال ليكلمه عَلَيْهَا وتواضع الطّور
قَالَ: إِن قدر شَيْء كَانَ قَالَ: فَكَلمهُ عَلَيْهِ لتواضعه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْعَلَاء بن كثيِّر قَالَ: إِن الله تَعَالَى قَالَ: يَا مُوسَى أَتَدْرِي لم كلمتك قَالَ: لَا يَا رب
قَالَ: لِأَنِّي لم أخلق خلقا تواضع لي تواضعك

(3/542)


وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن نوف الْبكالِي قَالَ: أوحى الله إِلَى الْجبَال إِنِّي نَازل على جبل مِنْكُم قَالَ: فشمخت الْجبَال كلهَا إِلَّا جبل الطّور فَإِنَّهُ تواضع
قَالَ: أرْضى بِمَا قسم لي فَكَانَ الْأَمر عَلَيْهِ
وَفِي لفظ قَالَ: إِن قدر لي شَيْء فسيأتيني فَأوحى الله: إِنِّي سَأُنْزِلُ عَلَيْك بتواضعك لي ورضاك بِقُدْرَتِي
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي خَالِد الأحمق قَالَ: لما كلم الله تَعَالَى مُوسَى عرض إِبْلِيس على الْجَبَل فَإِذا جِبْرِيل قد وافاه فَقَالَ: أخّر يَا لعين ايش تعْمل هَهُنَا قَالَ: جِئْت أتوقع من مُوسَى مَا توقعت من أَبِيه
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: أخر يَا لعين
ثمَّ قعد جِبْرِيل يبكي حِيَال مُوسَى فأنطق الله الْجُبَّة فَقَالَت: يَا جِبْرِيل ايش هَذَا الْبكاء قَالَ: إِنِّي فِي الْقرب من الله وَإِنِّي لأشتهي أَن اسْمَع كَلَام الله كَمَا يسمعهُ مُوسَى
قَالَت الْجُبَّة: يَا جِبْرِيل أَنا جُبَّة مُوسَى وَأَنا على جلد مُوسَى أَنا أقرب إِلَى مُوسَى أَو أَنْت يَا جِبْرِيل أَنا لَا أسمع ماتسمعه أَنْت

- الْآيَة (143)

(3/543)


وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ رب أَرِنِي} يَقُول: أَعْطِنِي أنظر إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {قَالَ رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} قَالَ: لما سمع الْكَلَام طمع فِي الرُّؤْيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حِين قَالَ مُوسَى لرَبه تبَارك وَتَعَالَى {رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} قَالَ الله لَهُ: يَا مُوسَى إِنَّك لن تراني
قَالَ: يَقُول: لَيْسَ تراني
قَالَ: لَا يكون ذَلِك أبدا يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني أحدا فيحيا
فَقَالَ مُوسَى: رب أَن أَرَاك ثمَّ أَمُوت أحبُ إليَّ من أَن لَا أَرَاك ثمَّ أَحْيَا
فَقَالَ الله لمُوسَى: يَا مُوسَى أنظر إِلَى الْجَبَل الْعَظِيم الطَّوِيل الشَّديد {فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ} يَقُول: فَإِن ثَبت مَكَانَهُ

(3/543)


لم يتضعضع وَلم ينهد لبَعض مَا يرى من عظمى {فَسَوف تراني} أَنْت لضعفك وذلتك وَإِن الْجَبَل تضعضع وأنهد بقوّته وشدته وعظمه فَأَنت أَضْعَف وأذل
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} قَالَ قَالَ الله عر وَجل: يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني حَيّ إِلَّا مَاتَ وَلَا يَابِس إِلَّا تدهده وَلَا رطب إِلَّا تفرق وَإِنَّمَا يراني أهل الْجنَّة الَّذين لَا تَمُوت أَعينهم وَلَا تبلى أَجْسَادهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لن تراني وَلَكِن انْظُر إِلَى الْجَبَل فَإِنَّهُ أكبر مِنْك وَأَشد خلقا
قَالَ {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} فَنظر إِلَى الْجَبَل لَا يَتَمَالَك وَأَقْبل الْجَبَل يندك على أوّله فَلَمَّا رأى مُوسَى مَا يصنع الْجَبَل خرَّ مُوسَى صعقاً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أوحى الله إِلَى مُوسَى بن عمرَان: إِنِّي مكلمك على جبل طور سيناء صَار من مقَام مُوسَى إِلَى جبل طور سيناء أَرْبَعَة فراسخ فِي أَرْبَعَة فراسخ رعد وبرق وصواعق فَكَانَت لَيْلَة قر فجَاء مُوسَى حَتَّى وقف بَين يَدي صَخْرَة جبل طور سيناء فَإِذا هُوَ بشجرة خضراء المَاء يقطر مِنْهَا وتكاد النَّار تلفح من جوفها فَوقف مُوسَى مُتَعَجِّبا فَنُوديَ من جَوف الشَّجَرَة: يَا مِيشَا
فَوقف مُوسَى مستمعاً للصوت

فَقَالَ مُوسَى: من هَذَا الصَّوْت العبراني يكلمني فَقَالَ الله لَهُ: يَا مُوسَى إِنِّي لست بعبراني إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين
فَكلم الله مُوسَى فِي ذَلِك الْمقَام بسبعين لُغَة لَيْسَ مِنْهَا لُغَة إِلَّا وَهِي مُخَالفَة للغة الْأُخْرَى وَكتب لَهُ التَّوْرَاة فِي ذَلِك الْمقَام فَقَالَ مُوسَى: إلهي أَرِنِي أنظر إِلَيْك
قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني أحد إِلَّا مَاتَ
فَقَالَ مُوسَى: إلهي أَرِنِي أنظر إِلَيْك وأموت فَأجَاب مُوسَى جبل طور سيناء: يَا مُوسَى بن عمرَان لقد سَأَلت أمرا عَظِيما لقد ارتعدت السَّمَوَات السَّبع وَمن فِيهِنَّ والأرضون السَّبع وَمن فِيهِنَّ وزالت الْجبَال واضطربت الْبحار لعظم مَا سَأَلت يَا ابْن عمرَان
فَقَالَ مُوسَى وَأعَاد الْكَلَام: رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك
فَقَالَ: يَا مُوسَى أنظر إِلَى الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَإنَّك تراني {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ مُوسَى صعقاً} مِقْدَار جُمُعَة فَلَمَّا أَفَاق مُوسَى مسح التُّرَاب عَن وَجهه وَهُوَ يَقُول {سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} فَكَانَ مُوسَى بعد مقَامه لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ وَاتخذ مُوسَى على وَجهه البرقع فَجعل يكلم النَّاس بقفاه فَبينا مُوسَى ذَات يَوْم فِي الصَّحرَاء فَإِذا هُوَ

(3/544)


بِثَلَاثَة نفر يحفرون قبراً حَتَّى انْتَهوا إِلَى الضريح فجَاء مُوسَى حَتَّى أشرفع عَلَيْهِم فَقَالَ لَهُم: لمن تَحْفِرُونَ هَذَا الْقَبْر قَالُوا لَهُ: الرجل كَأَنَّهُ أَنْت أَو مثلك أَو فِي طولك أَو نَحْوك
فَلَو نزلت فقدرنا عَلَيْك هَذَا الضريح
فَنزل مُوسَى فتمدد فِي الضريح فَأمر الله الأَرْض فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الرُّؤْيَة من طرق عَن أنس بن مَالك
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ وَوضع طرف إبهامه على أُنْمُلَة الْخِنْصر
وَفِي لفظ: على الْمفصل الْأَعْلَى من الْخِنْصر فساخ الْجَبَل {وخرّ مُوسَى صعقاً} وَفِي لفظ: فساخ الْجَبَل فِي الأَرْض فَهُوَ يهوي فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ أظهر مِقْدَار هَذَا وَوضع الإِبهام على خنصر الْأصْبع الصُّغْرَى فَقَالَ حميد: يَا أَبَا مُحَمَّد مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا فَضرب فِي صَدره وَقَالَ: من أَنْت يَا حميد وَمَا أَنْت يَا حميد يحدثني أنس بن مَالك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقول أَنْت: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْجَبَل الَّذِي أَمر الله أَن ينظر إِلَيْهِ: الطّور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ: مَا تجلى مِنْهُ إِلَّا قدر الْخِنْصر {جعله دكاً} قَالَ: تُرَابا {وخرّ مُوسَى صعقاً} قَالَ: مغشياً عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما تجلى الله لمُوسَى كَانَ يبصر دَبِيب النملة على الصَّفَا فِي اللَّيْلَة الظلماء من مسيرَة عشرَة فراسخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته سِتَّة أجبل فَوَقَعت ثَلَاثَة بِالْمَدِينَةِ أحد وورقان ورضوى
وبمكة حراء وثبير وثور
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما تجلى الله لمُوسَى تطايرت سَبْعَة جبال
فَفِي الْحجاز مِنْهَا خَمْسَة وَفِي الْيمن إثنان فِي الْحجاز أحد وثبير وثور وورقان وَفِي الْيمن حصور وصير

(3/545)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: اسْمَع مُوسَى قَالَ لَهُ: إِنِّي أَنا الله قَالَ: وَذَاكَ عَشِيَّة عَرَفَة وَكَانَ الْجَبَل بالموقف فَانْقَطع على سبع قطع
قِطْعَة سَقَطت بَين يَدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يقوم الإِمام عِنْده فِي الْموقف يَوْم عَرَفَة وبالمدينة ثَلَاثَة طيبَة وَأحد ورضوى وطور سيناء بِالشَّام
وَإِنَّمَا سمي الطّور: لِأَنَّهُ طَار فِي الْهَوَاء إِلَى الشَّام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ أخرج خِنْصره
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} مثقلة ممدودة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {دكاً} منوّنة وَلم يمده
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا تجلى ربه للجبل طارت لعظمته سِتَّة أجبل فوقعن بِالْمَدِينَةِ أحد وورقان ورضوى وَوَقع بِمَكَّة ثَوْر وثبير وحراء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
أَن مُوسَى لما كَلمه ربه أحب أَن ينظر إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ {لن تراني وَلَكِن انْظُر إِلَى الْجَبَل} قَالَ: فحف حول الْجَبَل بِالْمَلَائِكَةِ وحف حول الْمَلَائِكَة بِنَار وحف حول النَّار بِالْمَلَائِكَةِ وحف حَولهمْ بِنَار ثمَّ تجلى رَبك للجبل تجلى مِنْهُ مثل الْخِنْصر فَجعل الْجَبَل دكاً وخر مُوسَى صعقاً فَلم يزل صعقاً مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه أَفَاق فَقَالَ {سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي أوّل الْمُؤمنِينَ من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ: كشف بعض الْحجب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: كَانَ حجرا أَصمّ فَلَمَّا تجلى لَهُ صَار تَلا تُرَابا دكاً من الدكوات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: ساخ الْجَبَل إِلَى الأَرْض حَتَّى وَقع فِي الْبَحْر فَهُوَ يذهب بعد

(3/546)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي معشر قَالَ: مكث مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا ينظر إِلَيْهِ أحد إِلَّا مَاتَ من نور رب الْعَالمين ومصداق ذَلِك فِي كتاب الله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: تُرَابا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: كَانَت الْجبَال قبل أَن يتجلى الله لمُوسَى على الطّور صمًّا ملساً لَيْسَ فِيهَا كهوف وَلَا شقوق فَلَمَّا تجلى الله لمُوسَى على الطّور صَار الطّور دكاً وتفطرت الْجبَال فَصَارَت فِيهَا هَذِه الكهوف والشقوق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {دكاً} قَالَ: الأَرْض المستوية
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {جعله دكاً} قَالَ: دك بعضه بَعْضًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وخر مُوسَى صعقاً} قَالَ: غشي عَلَيْهِ إِلَّا أَن روحه فِي جسده {فَلَمَّا أَفَاق قَالَ} لعظم مَا رأى {سُبْحَانَكَ} تَنْزِيها الله من أَن يرَاهُ {تبت إِلَيْك} رجعت عَن الْأَمر الَّذِي كنت عَلَيْهِ {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} يَقُول: أول المصدقين الْآن أَنه لَا يراك أحد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَأَنا أوّل الْمُؤمنِينَ} يَقُول: أَنا أول من يُؤمن أَنه لَا يراك شَيْء من خلقك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وخر مُوسَى صعقاً} أَي مَيتا {فَلَمَّا أَفَاق} قَالَ: فَلَمَّا رد عَلَيْهِ روحه وَنَفسه {قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} أَنه لن تراك نفس فتحيا وإليها يفزع كل عَالم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تبت إِلَيْك} قَالَ: من سُؤَالِي إياك الرُّؤْيَة {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أول قومِي إِيمَانًا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَأَنا أوّل الْمُؤمنِينَ} قَالَ: قد كَانَ إِذن قبله مُؤمنُونَ وَلَكِن يَقُول: أَنا أول من آمن بِأَنَّهُ لَا يراك أحد من خلقك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تخيروني من بَين الْأَنْبِيَاء فَإِن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول

(3/547)


من يفِيق فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَفَاق قبلي أم جوِزيَ بصعقة الطّور

- الْآيَة (144 - 145)

(3/548)


قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن شودب قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى أَتَدْرِي لم اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي قَالَ: لَا يَا رب
قَالَ: إِنَّه لم يتواضع لي تواضعك أحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب دلَّنِي على عمل إِذا عملته كَانَ شكرا لَك فِيمَا اصطنعت إِلَى
قَالَ: يَا مُوسَى قل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير
قَالَ: فَكَانَ مُوسَى أَرَادَ من الْعَمَل مَا هُوَ أَنْهَك لجسمه مِمَّا أَمر بِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع وضعت فِي كفة وَوضعت لَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة لرجحت بِهن
قَوْله تَعَالَى: {وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء موعظة وتفصيلاً لكل شَيْء}
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: كتبت التَّوْرَاة بأقلام من ذهب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كتب الله الألواح لمُوسَى وَهُوَ يسمع صريف الأقلام فِي الألواح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الألواح الَّتِي أنزلت على مُوسَى كَانَت من سدر الْجنَّة كَانَ طول اللَّوْح إثني عشر ذِرَاعا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: أخْبرت أَن الألواح من زبرجد وَمن زمرد الْجنَّة أَمر الرب تَعَالَى جِبْرِيل فجَاء بهَا من عدن وكتبها بِيَدِهِ بالقلم الَّذِي كتب بِهِ الذّكر واستمد الرب من نهر النُّور وَكتب بِهِ الألواح

(3/548)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: كَانَت الألواح من ياقوتة وانا أَقُول: إِنَّمَا كَانَت من زبرجد وكتابها الذَّهَب كتبهَا الله بِيَدِهِ فَسمع أهل السَّمَوَات صريف الْقَلَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَت أَلْوَاح مُوسَى من برد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَت الألواح من زمرد أَخْضَر أَمر الرب تَعَالَى جِبْرِيل فجَاء بهَا من عدن فَكتب الرب بِيَدِهِ بالقلم الَّذِي كتب بِهِ الذّكر واستمد الرب من نهر النُّور وَكتب بِهِ الألواح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: كتب الله التَّوْرَاة لمُوسَى بِيَدِهِ وَهُوَ مُسْند ظَهره إِلَى الصَّخْرَة يسمع صريف الْقَلَم فِي أَلْوَاح من زمرد لَيْسَ بَينه وَبَينه إِلَّا الْحجاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن الله لم يمش شَيْئا إِلَّا ثَلَاثَة
خلق آدم بِيَدِهِ وغرس الْجنَّة بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن حَكِيم بن جَابر قَالَ: أخْبرت أَن الله تبَارك وَتَعَالَى لم يمس من خلقه بِيَدِهِ شَيْئا إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء
غرس الْجنَّة بِيَدِهِ وَجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها الْمسك وَخلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة لمُوسَى بِيَدِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن وردان بن خَالِد قَالَ خلق الله آدم بِيَدِهِ وَخلق جِبْرِيل بِيَدِهِ وَخلق الْقَلَم بِيَدِهِ وَخلق عَرْشه بِيَدِهِ وَكتب الْكتاب الَّذِي عِنْده لَا يطلع عَلَيْهِ غَيره بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أعطيَ مُوسَى التَّوْرَاة فِي سَبْعَة أَلْوَاح من زبرجد فِيهَا تبيان لكل شَيْء وموعظة فَلَمَّا جَاءَ بهَا فَرَأى بني إِسْرَائِيل عكوفاً على عبَادَة الْعجل رمى بِالتَّوْرَاةِ من يَده فتحطمت فَرفع الله مِنْهَا سِتَّة أَسْبَاع وَبَقِي سبع
وَأخرج عبد بن حميد عَن مغيث الشَّامي قَالَ: بَلغنِي أَن الله تَعَالَى لم يخلق بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء الْجنَّة غرسها بِيَدِهِ وآدَم خلقه بِيَدِهِ والتوراة كتبهَا بِيَدِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ابْن عمر قَالَ: خلق الله آدم بِيَدِهِ وَخلق جنَّة عدن بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ لسَائِر الْأَشْيَاء: كن فَكَانَ

(3/549)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء} أمروا بِهِ ونهوا عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء موعظة وتفصيلاً لكل شَيْء} قَالَ: مِمَّا أمروا بِهِ ونهوا عَنهُ
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله يَقُول فِي كِتَابه لمُوسَى {إِنِّي اصطفيتك على النَّاس} الْأَعْرَاف الْآيَة 144
{وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء} قَالَ: فَكَانَ يرى أَن جَمِيع الْأَشْيَاء قد أَثْبَتَت لَهُ كَمَا ترَوْنَ أَنْتُم علماءكم فَلَمَّا انْتهى إِلَى سَاحل الْبَحْر لَقِي الْعَالم فاستنطقه فَأقر لَهُ بِفضل علمه وَلم يحسده الحَدِيث
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
أَن مُوسَى لما كربه الْمَوْت قَالَ: هَذَا من أجل آدم قد كَانَ الله جعلنَا فِي دَار مثوى لَا نموت فخطا آدم انزلنا هُنَا
فَقَالَ الله لمُوسَى: أبْعث لَك آدم فتخاصمه قَالَ: نعم
فَلَمَّا بعث الله آدم سَأَلَهُ مُوسَى فَقَالَ: لَوْلَا أَنْت لم نَكُنْ هَهُنَا
فَقَالَ لَهُ آدم: قد أَتَاك الله من كل شَيْء موعظة وتفصيلاً أفلست تعلم أَنه {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} الْحَدِيد الْآيَة 22 قَالَ مُوسَى: بلَى فخصمه آدم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الله عز وَجل كتب فِي الألواح ذكر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر أمته وَمَا ذخر لَهُم من عِنْده وَمَا يسر عَلَيْهِم فِي دينهم وَمَا وسع عَلَيْهِم فِيمَا أحل لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: فِيمَا كتب الله لمُوسَى فِي الألواح: يَا مُوسَى لَا تحلف بِي كَاذِبًا فَإِنِّي لَا أزكي عمل من حلف بِي كذبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه فِي قَوْله {وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء} قَالَ: كتب لَهُ اعبدني وَلَا تشرك بِي شَيْئا من أهل السَّمَاء وَلَا من أهل الأَرْض فَإِن كل ذَلِك خلقي فَإِذا أشرك بِي غضِبت وَإِذا غضِبت لعنت وَإِن لَعْنَتِي تدْرك الرَّابِع من الْوَلَد وَإِنِّي إِذا أَطَعْت رضيت وَإِذا رضيت باركت وَالْبركَة مني تدْرك الْأمة بعد الْأمة وَلَا تحلف باسمي كَاذِبًا فَإِنِّي

(3/550)


لَا أزكي من حلف باسمي كَاذِبًا وَوقر والديك فَإِنَّهُ من وقر وَالِديهِ مددت لَهُ فِي عمره ووهبت لَهُ ولدا يبره وَمن عق وَالِديهِ قصرت لَهُ فِي عمره ووهبت لَهُ ولدا يعقه واحفظ السبت فَإِنَّهُ آخر يَوْم فرغت فِيهِ من خلقي وَلَا تزن وَلَا تسرق وَلَا تولّ وَجهك عَن عدوي وَلَا تزن بِامْرَأَة جَارك الَّذِي يأمنك وَلَا تغلب جَارك على مَاله وَلَا تخلفه على امْرَأَته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي حزرة الْقَاص ان الْعشْر الْآيَات الَّتِي كتب الله تَعَالَى لمُوسَى فِي الألواح: أَن اعبدني وَلَا تشرك بِي شَيْئا وَلَا تحلف باسمي كَاذِبًا فَإِنِّي لَا أزكي وَلَا أطهر من حلف باسمي كَاذِبًا واشكر لي ولوالديك أنسأ لَك فِي أَجلك وأقيك المتالف وَلَا تسرق وَلَا تزن فأحجب عَنْك نور وَجْهي وَلَا تغلق عَن دعائك أَبْوَاب سماواتي وَلَا تغدر بحليل جَارك واحب للنَّاس مَا تحب لنَفسك وَلَا تشهد بِمَا لم يعِ سَمعك ويفقه قَلْبك فَإِنِّي وَاقِف أهل الشَّهَادَات على شَهَادَتهم يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ سائلهم عَنْهَا وَلَا تذبح لغيري وَلَا يَصعد إِلَى من قرْبَان أهل الأَرْض إِلَّا مَا ذكر عَلَيْهِ اسْمِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن فِيمَا أنزل الله على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تجالسوا أهل الاهواء فيحدثوا فِي قَلْبك مَا لم يكن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن لال فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كَانَ فِيمَا أعْطى الله مُوسَى فِي الألواح الأول فِي أول مَا كتب عشرَة أَبْوَاب: يَا مُوسَى لَا تشرك بِي شَيْئا فقد حق القَوْل مني لتلفحن وُجُوه الْمُشْركين النَّار واشكر لي ولوالديك أقك المتالف وانسأ فِي عمرك وأحييك حَيَاة طيبَة وأقلبك إِلَى خير مِنْهَا وَلَا تقتل النَّفس الَّتِي حرمت إِلَّا بِالْحَقِّ فتضيق عَلَيْك الأَرْض برحبها وَالسَّمَاء باقطارها وتبوء بسخطي وَالنَّار وَلَا تحلف باسمي كَاذِبًا وَلَا آثِما فَإِنِّي لَا أطهر وَلَا أزكي من لم ينزهني ويعظم أسمائي وَلَا تحسد النَّاس على مَا أَعطيتهم من فضلي وَلَا تنفس عَلَيْهِم نعمتي ورزقي فَإِن الْحَاسِد عَدو نعمتي راد لقضائي ساخط لقسمتي الَّتِي أقسم بَين عبَادي وَمن لم يكن كَذَلِك فلست مِنْهُ وَلَيْسَ مني وَلَا تشهد بِمَا لم يع سَمعك ويحفظ عقلك وتعقد عَلَيْهِ قَلْبك فَإِنِّي وَاقِف أهل الشَّهَادَات على شَهَادَتهم يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ سائلهم عَنْهَا سؤالا حثيثاً وَلَا تزن وَلَا تسرق وَلَا تزن بحليلة جَارك فأحجب عَنْك وَجْهي وَلَا تغلق عَنْك أَبْوَاب السَّمَاء

(3/551)


وأحبب للنَّاس مَا تحب لنَفسك وَلَا تذبحن لغيري فَإِنِّي لَا أقبل من القربان إِلَّا مَا ذكر عَلَيْهِ اسْمِي وَكَانَ خَالِصا لوجهي وتفرغ لي يَوْم السبت وَفرغ لي نَفسك وَجَمِيع أهل بَيْتك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله جعل السبت لمُوسَى عيداً وَاخْتَارَ لنا الْجُمُعَة فَجَعلهَا لنا عيداً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: مِمَّا كتب الله لمُوسَى فِي الألواح لَا تتمن مَال أَخِيك وَلَا أمراة أَخِيك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة: شوقناكم فَلم تشتاقوا ونُحْنَا لكم فَلم تبكوا أَلا وان لله ملكا يُنَادي فِي السَّمَاء كل لَيْلَة: بشر القتَّالين بِأَن لَهُم عِنْد الله سَيْفا لَا ينَام وَهُوَ نَار جَهَنَّم أَبنَاء الْأَرْبَعين زرع قددنا حَصَاده أَبنَاء الْخمسين هلموا إِلَى الْحساب لَا عذر لكم أَبنَاء السِّتين مَاذَا قدمتم وماذا أخرتم أَبنَاء السّبْعين مَا تنْظرُون أَلا لَيْت الْخلق لم يخلقوا فَإِذا خلقُوا علمُوا لما خلقُوا أَلا أتتكم السَّاعَة فَخُذُوا حذركُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ مُوسَى: رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة هم الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة الْآخرُونَ فِي الْخلق وَالسَّابِقُونَ فِي دُخُول الْجنَّة فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة خير أمة أخرجت للنَّاس يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويؤمنون بِاللَّه فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أَنِّي أجد فِي الألواح أمة يُؤمنُونَ بِالْكتاب الأول وَالْكتاب الآخر ويقاتلون فضول الضَّلَالَة حَتَّى يقاتلوا الْأَعْوَر الْكذَّاب فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أَنِّي أجد فِي الألواح أمة أَنَاجِيلهمْ فِي قُلُوبهم يقرأونها - قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ من قبلكُمْ إِنَّمَا يقرأون كِتَابهمْ نظرا فَإِذا رفعوها لم يحفظوا مِنْهُ شَيْئا وَلم يعوه وَإِن الله اعطاكم ايتها الْأمة من الْحِفْظ شَيْئا لم يُعْطه أحدا من الْأُمَم قبلكُمْ فَالله خصكم بهَا وكرامة أكْرمكُم بهَا - قَالَ: فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أَنِّي أجد فِي الألواح أمة صَدَقَاتهمْ يأكلونها فِي بطونهم ويؤجرون عَلَيْهَا - قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ من قبلكُمْ إِذا تصدق بِصَدقَة فَقبلت مِنْهُ بعث الله عَلَيْهَا نَارا فَأَكَلتهَا وَإِن ردَّتْ تركت فَأَكَلتهَا السبَاع وَالطير وَإِن الله أَخذ صَدقَاتكُمْ من غنيكم لفقيركم رَحْمَة رحمكم بهَا وتخفيفاً خفف بِهِ عَنْكُم - فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب

(3/552)


إِنِّي أجد فِي الألواح أمة إِذا هم أحدهم بحسنة ثمَّ لم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة فَإِن عَملهَا كتبت لَهُ عشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أَنِّي أجد فِي الألواح أمة إِذا همَّ أحدهم بسيئة لم تكْتب عَلَيْهِ حَتَّى يعملها فَإِن عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لَهُم فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ قَتَادَة: فَذكر لنا أَن نَبِي الله مُوسَى نبذ الألواح وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذا فَاجْعَلْنِي من أمة أَحْمد
قَالَ: فاعطى اثْنَتَيْنِ لم يعطهما {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي} الْأَعْرَاف الْآيَة 144 قَالَ: فَرضِي نَبِي الله ثمَّ أعْطى الثَّانِيَة {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} قَالَ: فَرضِي نَبِي الله مُوسَى كل الرِّضَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ مُوسَى: يَا رب أجد فِي الألواح أمة خير أمة أخرجت للنَّاس يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أجد فِي الألواح أمة إِذا هم أحدهم بِالْحَسَنَة كتبت لَهُ حَسَنَة وَإِذا عَملهَا كتبت لَهُ عشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أجد فِي الألواح أمة إِذا هم أحدهم بِالسَّيِّئَةِ فَلم يعملها لم تكْتب عَلَيْهِ وَإِذا عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أجد فِي الألواح أمة أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أجد فِي الألواح أمة هم المشفعون والمشفع لَهُم فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أجد فِي الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لَهُم يَوْم الْقِيَامَة فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أجد فِي الألواح أمة ينْصرُونَ على من ناوأهم حَتَّى يقاتلوا الْأَعْوَر الدَّجَّال فاجعلهم أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: فانتبذ الألواح من يَده وَقَالَ: رب فَاجْعَلْنِي من أمة أَحْمد
فَأنْزل الله {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 159 فَرضِي نَبِي الله مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِيمَا ناجى مُوسَى ربه فِيمَا وهب الله لمُحَمد وَأمته حَيْثُ قَرَأَ التَّوْرَاة وَأصَاب فِيهَا نعت النَّبِي وَأمته قَالَ: يَا رب من هَذَا النَّبِي

(3/553)


الَّذِي جعلته وَأمته أَولا وآخراً قَالَ: هَذَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي الْعَرَبِيّ الحرمي التهامي من ولد قاذر بن اسمعيل جعلته أوّلاً فِي الْمَحْشَر وَجَعَلته آخرا ختمت بِهِ الرُّسُل يَا مُوسَى ختمت بِشَرِيعَتِهِ الشَّرَائِع وبكتابه الْكتب وبسننه السّنَن وبدينه الْأَدْيَان
قَالَ: يَا رب إِنَّك اصطفيتني وكلمتني قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّك صفيّ وَهُوَ حَبِيبِي أبعثه يَوْم الْقِيَامَة على كوم أجعَل حَوْضه أعرض الْحِيَاض وَأَكْثَرهم وارداً وَأَكْثَرهم تبعا قَالَ: رب لقد كرمته وشرفته
قَالَ: يَا مُوسَى حق لي أَن أكْرمه وأفضله وَأفضل أمته لأَنهم يُؤمنُونَ بِي وبرسلي كلهم وبكلمتي كلهَا وبغيبي كُله مَا كَانَ فيهم شَاهدا - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعد مَوته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ: يَا رب هَذَا نعتهم قَالَ: نعم
قَالَ: يَا رب وهبت لَهُم الْجُمُعَة أَو لأمتي قَالَ: بل لَهُم الْجُمُعَة دون أمتك
قَالَ: رب إِنِّي نظرت فِي التَّوْرَاة إِلَى نعت قوم غر محجلين فَمن هم أَمن بني إِسْرَائِيل هم أم من غَيرهم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد الغر المحجلون من آثَار الْوضُوء
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة قوما يَمرونَ على الصِّرَاط كالبرق وَالرِّيح فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة قوما يصلونَ الصَّلَوَات الْخمس فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة قوما يتزرون إِلَى أَنْصَافهمْ فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت قوما يراعون الشَّمْس مناديهم فِي جوّ السَّمَاء فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: رب أَنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة قوما الْحَسَنَة مِنْهُم بِعشْرَة والسيئة بِوَاحِدَة فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم شاهرين سيوفهم لَا ترد لَهُم حَاجَة قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة قوما إِذا أَرَادوا أمرا استخاروك ثمَّ ركبوه فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة نعت قوم يشفع محسنهم فِي مسيئهم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يحجون الْبَيْت الْحَرَام لَا ينأون عَنهُ أبدا لَا يقضون مِنْهُ وطراً ابداً فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم قُرْبَانهمْ دِمَاؤُهُمْ فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يُقَاتلُون فِي سَبِيلك صُفُوفا زحوفاً يفرغ عَلَيْهِم الصَّبْر افراغاً فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي

(3/554)


وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يُذنب أحدهم الذَّنب فيتوضأ فَيغْفر لَهُ وَيُصلي فتجعل الصَّلَاة لَهُ نَافِلَة بِلَا ذَنْب فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يشْهدُونَ لرسلك بِمَا بلغُوا فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يجْعَلُونَ الصَّدَقَة فِي بطونهم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم الْغَنَائِم لَهُم حَلَال وَهِي مُحرمَة على الْأُمَم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم جعلت الأَرْض لَهُم طهُورا ومسجداً فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت نعت قوم الرجل مِنْهُم خير من ثَلَاثِينَ مِمَّن كَانَ قبلهم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد يَا مُوسَى الرجل من الْأُمَم السالفة أعبد من الرجل من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاثِينَ ضعفا وهم خير بِثَلَاثِينَ ضعفا بايمانه بالكتب كلهَا
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت نعت قوم يأوون إِلَى ذكرك ويتحابون عَلَيْهِ كَمَا تأوي النسور إِلَى وكورها فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم إِذا غضبوا هللوك وَإِذا تنازعوا سبحوك فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يغضبون لَك كَمَا يغْضب النمر الْحَرْب لنَفسِهِ فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لأعمالهم وأرواحهم وتباشر بهم الْمَلَائِكَة فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم تتباشر بهم الْأَشْجَار وَالْجِبَال بممرهم عَلَيْهَا لتسبيحهم لَك وتقديسهم لَك فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم وهبت لَهُم الاسترجاع عِنْد الْمُصِيبَة ووهبت لَهُم عِنْد الْمُصِيبَة الصَّلَاة وَالرَّحْمَة وَالْهدى فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم تصلي عَلَيْهِم أَنْت وملائكتك فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يدْخل محسنهم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ومقتصدهم يُحَاسب حسابا يَسِيرا وظالمهم يغْفر لَهُ فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب فَاجْعَلْنِي مِنْهُم
قَالَ: يَا مُوسَى أَنْت مِنْهُم وهم مِنْك لِأَنَّك على ديني وهم على ديني وَلَكِن قد فضلتك برسالاتي وبكلامي فَكُن من الشَّاكِرِينَ

(3/555)


قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يبعثون يَوْم الْقِيَامَة قد مَلَأت صفوفهم مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب صُفُوفا يهوّن عَلَيْهِم الْموقف لَا يدْرك فَضلهمْ أحد من الْأُمَم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم تقبضهم على فرشهم وهم شُهَدَاء عنْدك فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم لَا يخَافُونَ فِيك لومة لائم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم صديقهم أفضل الصديقين فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب لقد كرمته وفضلتهُ
قَالَ: يَا مُوسَى هُوَ كَذَلِك نَبِي وصفي وحبيبي وَأمته خير أمة
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم مُحرمَة على الْأُمَم الْجنَّة إِن يدخلوها حَتَّى يدخلهَا نَبِيّهم وَأمته فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب لبني إِسْرَائِيل مَا بالهم قَالَ: يَا مُوسَى إِن قَوْمك من بني إِسْرَائِيل يبدلون دينك من بعْدك ويغيرون كتابك الَّذِي أنزلت عَلَيْك وَأَن أمة مُحَمَّد لَا يغيرون سنته وَلَا يبطلون الْكتاب الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة فَلذَلِك بلغتهم سَنَام كَرَامَتِي وفضلتهم على الْأُمَم وَجعلت نَبِيّهم أفضل الْأَنْبِيَاء
أَوَّلهمْ فِي الْحَشْر وأوّلهم فِي انْشِقَاق الأَرْض وأولهم شافعاً وأوّلهم مشفعاً
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم حلماء عُلَمَاء كَادُوا أَن يبلغُوا بفقههم حَتَّى يَكُونُوا أَنْبيَاء فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد يَا مُوسَى أعْطوا الْعلم الأول الآخر
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة قوما تُوضَع الْمَائِدَة بَين أَيْديهم فَمَا يرفعونها حَتَّى يغْفر لَهُم فَمن هم قَالَ: أُولَئِكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي التَّوْرَاة نعت قوم يلبس أحدهم الثَّوْب فَمَا ينفضه حَتَّى يغْفر لَهُم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة نعت قوم إِذا اسْتَووا على ظُهُور دوابهم حمدوك فَيغْفر لَهُم فَمن هم قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد أوليائي يَا مُوسَى الَّذين انتقم بهم من عَبدة النيرَان والأوثان
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مُوسَى لما نزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَقرأَهَا فَوجدَ فِيهَا ذكر هَذِه الْأمة قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي

(3/556)


الألواح أمة هم الْآخرُونَ السَّابِقُونَ فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لَهُم فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ يقرأونه ظَاهرا فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة يَأْكُلُون الْفَيْء فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة يجْعَلُونَ الصَّدَقَة فِي بطونهم يؤجرون عَلَيْهَا فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي الألواح أمة إِذا هم أحدهم بحسنة فَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة وَإِن عَملهَا كتبت لَهُ عشر حَسَنَات فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب إِنِّي وجدت فِي الألواح أمة يُؤْتونَ الْعلم الأول وَالْعلم الآخر فيقتلون قُرُون الضَّلَالَة والمسيح الدَّجَّال فاجعلها أمتِي
قَالَ: تِلْكَ أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب فَاجْعَلْنِي من أمة أَحْمد فاعطي عِنْد ذَلِك خَصْلَتَيْنِ {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي فَخذ مَا آتيتك وَكن من الشَّاكِرِينَ} قَالَ: قد رضيت يارب
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عبد الرَّحْمَن المغافري أَن كَعْب الْأَحْبَار رأى حبر الْيَهُود يبكي فَقَالَ لَهُ: مَا يبكيك قَالَ: ذكرت بعض الْأَمر فَقَالَ لَهُ كَعْب: أنْشدك بِاللَّه لَئِن أَخْبَرتك مَا أبكاك لتصدقني قَالَ: نعم
قَالَ: أنْشدك بِاللَّه هَل تَجِد فِي كتاب الله الْمنزل أَن مُوسَى نظر فِي التَّوْرَاة فَقَالَ: رب إِنِّي أجد أمة فِي التَّوْرَاة خير أمة أخرجت للنَّاس يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويؤمنون بِالْكتاب الأول وَالْكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضَّلَالَة حَتَّى يقاتلوا الْأَعْوَر الدَّجَّال فَقَالَ مُوسَى: رب أجعلهم أمتِي
قَالَ: هم أمة أَحْمد قَالَ الحبر: نعم
قَالَ كَعْب: فأنشدك بِاللَّه هَل تَجِد فِي كتاب الله الْمنزل أَن مُوسَى نظر فِي التَّوْرَاة فَقَالَ: رب إِنِّي أجد أمة هم الْحَمَّادُونَ رُعَاة الشَّمْس المحكمون إِذا أَرَادوا أمرا قَالَ افعله إِن شَاءَ الله فاجعلهم أمتِي
قَالَ: هم أمة أَحْمد قَالَ الحبر: نعم
قَالَ كَعْب: أنْشدك بِاللَّه هَل تَجِد فِي كتاب الله الْمنزل أَن مُوسَى نظر فِي التَّوْرَاة فَقَالَ: يَا رب إِنِّي أجد أمة إِذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله وَإِذا هَبَط وَاديا حمد الله الصَّعِيد لَهُم طهُور وَالْأَرْض لَهُم مَسْجِد حَيْثُمَا كَانُوا يتطهرون من الْجَنَابَة طهورهم بالصعيد كطهورهم بِالْمَاءِ حَيْثُ لَا يَجدونَ المَاء غر محجلون من

(3/557)


آثَار الْوضُوء فاجعلهم أمتِي
قَالَ: هم أمة أَحْمد قَالَ الحبر: نعم
قَالَ كَعْب: انشدك بِاللَّه هَل تَجِد فِي كتاب الله الْمنزل أَن مُوسَى نظر فِي التَّوْرَاة فَقَالَ: رب إِنِّي أجد أمة مَرْحُومَة ضعفاء يَرِثُونَ الْكتاب واصطفيتهم {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} فاطر الْآيَة 32 وَلَا أجد أحدا مِنْهُم إِلَّا مرحوماً فاجعلهم أمتِي
قَالَ: هم أمة أَحْمد قَالَ الحبر: نعم
قَالَ كَعْب: انشدك بِاللَّه هَل تَجِد فِي كتاب الله الْمنزل أَن مُوسَى نظر فِي التَّوْرَاة فَقَالَ: يَا رب إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة أمة مصاحفهم فِي صُدُورهمْ يلبسُونَ الوان ثِيَاب أهل الْجنَّة يصفّون فِي صلَاتهم كَصُفُوف الْمَلَائِكَة أَصْوَاتهم فِي مَسَاجِدهمْ كَدَوِيِّ النَّحْل لَا يدْخل النَّار مِنْهُم أحدا إِلَّا من بري من الْحَسَنَات مثل مَا بري الْحجر من ورق الشّجر فاجعلهم أمتِي
قَالَ: هم أمة أَحْمد قَالَ الحبر: نعم
فَلَمَّا عجب مُوسَى من الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ الله مُحَمَّدًا وَأمته قَالَ: يَا لَيْتَني من أمة أَحْمد فَأوحى الله إِلَيْهِ ثَلَاث آيَات يرضيه بِهن {يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي} الْأَعْرَاف الْآيَة 144 الْآيَة فَرضِي مُوسَى كل الرِّضَا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن سعيد بن أبي هِلَال أَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ لكعب: أَخْبرنِي عَن صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته قَالَ: أجدهم فِي كتاب الله: أَن أَحْمد وَأمته حمَّادون يحْمَدُونَ الله على كل خير وَشر يكبرُونَ الله على كل شرف يسبحون الله فِي كل منزل نداؤهم فِي جو السَّمَاء لَهُم دوِي فِي صلَاتهم كَدَوِيِّ النَّحْل على الصخر يصفونَ فِي صلَاتهم كَصُفُوف الْمَلَائِكَة ويصفون فِي الْقِتَال كصفوفهم فِي الصَّلَاة إِذا غزوا فِي سَبِيل الله كَانَت الْمَلَائِكَة بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم برماح شَدَّاد إِذا حَضَرُوا الصفّ فِي سَبِيل الله كَانَ الله عَلَيْهِم مظلاً كَمَا تظل النسور على وكورها لَا يتأخرون زحفاً أبدا حَتَّى يحضرهم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن يزِيد الثَّقَفِيّ قَالَ: اصطحب قيس بن خَرشَة وَكَعب الْأَحْبَار حَتَّى إِذا بلغا صفّين وقف كَعْب ثمَّ نظر سَاعَة ثمَّ قَالَ: ليهراقن بِهَذِهِ الْبقْعَة من دِمَاء الْمُسلمين شَيْء لَا يهراق ببقعة من الأَرْض مثله فَقَالَ قيس: مَا يدْريك فَإِن هَذَا من الْغَيْب الَّذِي اسْتَأْثر الله بِهِ فَقَالَ كَعْب: مَا

(3/558)


من الأَرْض شبر إِلَّا مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة الَّذِي أنزل الله على مُوسَى مَا يكون عَلَيْهِ وَمَا يخرج مِنْهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن خَالِد الربعِي قَالَ: قَرَأت فِي كتاب الله الْمنزل أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَافع يَدَيْهِ إِلَى الله يَقُول: يَا رب قتلني عِبَادك الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن خَالِد الربعِي قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة إتق الله يَا ابْن آدم وَإِذا شبعت فاذكر الجائع
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة قَالَ: بلغنَا أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة ابْن آدم ارْحَمْ ترحم إِنَّه من لَا يَرحم لَا يُرحم كَيفَ ترجو أَن ارحمك وَأَنت لَا ترحم عبَادي وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة يَا ابْن آدم لَا تعجز أَن تقوم بَين يَدي فِي صَلَاتك باكياً فَإِنِّي أَنا الله الَّذِي إقتربت لقلبك وبالغيب رَأَيْت نوري
قَالَ مَالك: يَعْنِي الْحَلَاوَة وَالسُّرُور الَّذِي يجد الْمُؤمن
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أَرْبَعَة أحرف فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب من لم يشاور ينْدَم وَمن اسْتغنى اسْتَأْثر والفقر الْمَوْت الْأَحْمَر وكما تدين تدان
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم عَن خَيْثَمَة قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة ابْن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قَلْبك غنى وأسدّ فقرك وَإِن لَا تفعل املأ قَلْبك شغلاً وَلَا أَسد فقرك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن بَيَان قَالَ: بَلغنِي أَن فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب ابْن آدم كسيرة تكفيك وخرقة تواريك وَحجر يأويك
وَأخرج أَحْمد عَن وهيب الْمَكِّيّ قَالَ: بَلغنِي أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة يَا ابْن آدم اذْكُرْنِي إِذا غضِبت أذكرك إِذا غضِبت فَلَا أمحقك مَعَ من أمحق وَإِذا ظلمت فارض بنصرتي لَك فَإِن نصرتي لَك خير من نصرتك لنَفسك
وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن بن أبي الْحسن قَالَ: انْتَهَت بَنو اسرائيل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالُوا: إِن التَّوْرَاة تكبر علينا فأنبئنا بجماع من الْأَمر فِيهِ تَخْفيف
فاوحى الله إِلَيْهِ: مَا سَأَلَك قَوْمك قَالَ: يَا رب أَنْت أعلم
قَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُك لتبلغني عَنْهُم وتبلغهم عني
قَالَ: فَإِنَّهُم سَأَلُونِي جماعاً من الْأَمر فِيهِ تَخْفيف ويزعمون أَن التَّوْرَاة تكبر عَلَيْهِم فَقَالَ الله عز وَجل: قل لَهُم لَا تظالموا فِي الْمَوَارِيث وَلَا يدخلن عَلَيْكُم عبد بَيْتا حَتَّى يسْتَأْذن وليتوضأ من الطَّعَام مَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة فاستخفوها يَسِيرا ثمَّ إِنَّهُم لم يقومُوا بهَا
قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك تقبلُوا إِلَيّ بستٍ أتقبل لكم

(3/559)


بِالْجنَّةِ من حدث فَلَا يكذب وَمن وعد فَلَا يخلف وَمن ائْتمن فَلَا يخون اخفظوا أَيْدِيكُم وأبصاركم وفروجكم
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة من يَزْدَدْ علما يَزْدَدْ وجفاً
وَقَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة من كَانَ لَهُ جَار يعْمل بِالْمَعَاصِي فَلم يَنْهَهُ فَهُوَ شَرِيكه
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة قَالَ: أَن فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا يَا ابْن آدم تذكرني وتنساني وَتَدْعُو إِلَيّ وتفر مني وأرزقك وَتعبد غَيْرِي
وَأخرج عبد الله وَابْنه عَن الْوَلِيد بن عمر قَالَ: بَلغنِي أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة ابْن آدم حرك يَديك افْتَحْ لَك بَابا من الرزق وأطعني فِيمَا آمُرك فَمَا أعلمني بِمَا يصلحك
وَأخرج عبد الله عَن عقبَة بن زَيْنَب قَالَ: فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب لَا تتوكل على ابْن آدم فَإِن ابْن آدم لليس وَلَكِن توكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَفِي التَّوْرَاة مَكْتُوب مَاتَ مُوسَى كليم الله فَمن ذَا الَّذِي لَا يَمُوت
وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: وجدت فِيمَا أنزل الله على مُوسَى أَن من أحب الدُّنْيَا أبغضه الله وَمن أبْغض الدُّنْيَا أحبه الله وَمن أكْرم الدُّنْيَا أهانه الله وَمن أهان الدُّنْيَا أكْرمه الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة ليكن وَجهك بسطاً وكلمتك طيبَة تكن أحب إِلَى النَّاس من الَّذين يعطونهم الْعَطاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: بَلغنِي أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة كَمَا تَرحمون تُرحمون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: وَالَّذِي فلق الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب: يَا ابْن آدم اتَّقِ رَبك وابرر والديك وصل رَحِمك أمدَّ لَك فِي عمرك وأيسر لَك يَسُرك واصرف عَنْك عسرك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كرْدُوس الثَّعْلَبِيّ قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة اتَّقِ توقه إِنَّمَا التوقي فِي التَّقْوَى ارحموا ترحموا تُوبُوا يُتَاب عَلَيْكُم
وَأخرج الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي الجوزاء قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة أَن سرَّك أَن تحيا وتبلغ علم الْيَقِين فَاحْتمل فِي كل حِين أَن تغلب شهوات الدُّنْيَا فَإِن من يغلب شهوات الدُّنْيَا يفرق الشَّيْطَان من ظله

(3/560)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: لما أَرَادَ الله أَن يكْتب لمُوسَى التَّوْرَاة قَالَ: يَا جِبْرِيل ادخل الْجنَّة فائتني بلوحين من شَجَرَة الْجنَّة فَدخل جِبْرِيل الْجنَّة فاستقبلته شَجَرَة من شجر الْجنَّة من ياقوت الْجنَّة فَقطع مِنْهَا لوحين فتابعته على مَا أمره الرَّحْمَن تبَارك وَتَعَالَى فَأتى بهما الرَّحْمَن فَأَخذهُمَا بِيَدِهِ فَعَاد اللوحان نورا لما مسّهما الرَّحْمَن تبَارك وَتَعَالَى وَتَحْت الْعَرْش نهر يجْرِي من نور لَا يدْرِي حَملَة الْعَرْش أَيْن يَجِيء وَلَا أَيْن يذهب مُنْذُ خلق الله الْخلق فَلَمَّا استمد مِنْهُ الرَّحْمَن جف فَلم يجر فَلَمَّا كتب لمُوسَى التَّوْرَاة بِيَدِهِ ناول اللَّوْحَيْنِ مُوسَى فَلَمَّا أخذهما مُوسَى عاداً حِجَارَة فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بني إِسْرَائِيل والى هرون وَهُوَ مغضب أَخذ بلحيته وَرَأسه يجره إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ هرون: يَا ابْن آدم {إِن الْقَوْم استضعفوني وكادوا يقتلونني} الْأَعْرَاف الْآيَة 150 وَمَعَ ذَلِك إِنِّي خفت أَن آتِيك فَتَقول: فرقت بَين بني إِسْرَائِيل وَلم تنْتَظر قولي فَاسْتَغْفر مُوسَى ربه تبَارك وَتَعَالَى واستغفر لِأَخِيهِ وَقد تَكَسَّرَتْ الألواح لما أَلْقَاهَا من يَده
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن كَعْب الْأَحْبَار
إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللهمَّ ليّن قلبِي بِالتَّوْرَاةِ وَلَا تجْعَل قلبِي قاسياً كالحجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: سَأَلَ مُوسَى جماعاً من الْعَمَل فَقيل لَهُ: انْظُر مَا تُرِيدُ أَن يصاحبك بِهِ النَّاس فَصَاحب النَّاس بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {فَخذهَا بقوّة} قَالَ: بجد وحزم {سأريكم دَار الْفَاسِقين} قَالَ: دَار الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَخذهَا بقوّة} قَالَ: بجد {وَأمر قَوْمك يَأْخُذُوا بأحسنها} قَالَ: أَمر مُوسَى أَن يَأْخُذهَا بأشد مِمَّا أَمر بِهِ قومه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَخذهَا بِقُوَّة} قَالَ: إِن الله تَعَالَى يحب أَن يُؤْخَذ أمره بِقُوَّة وجد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {فَخذهَا بِقُوَّة} قَالَ: بِطَاعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فَخذهَا بِقُوَّة} يَعْنِي بجد واجتهاد {وَأمر قَوْمك يَأْخُذُوا بأحسنها} قَالَ: بِأَحْسَن مَا يَجدونَ مِنْهَا

(3/561)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {سأريكم دَار الْفَاسِقين} قَالَ: مصيرهم فِي الْآخِرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {دَار الْفَاسِقين} قَالَ: مَنَازِلهمْ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {سأريكم دَار الْفَاسِقين} قَالَ: جَهَنَّم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {سأريكم دَار الْفَاسِقين} قَالَ: رفعت لمُوسَى حَتَّى نظر إِلَيْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {سأريكم دَار الْفَاسِقين} قَالَ: مصر

- الْآيَة (146 - 147)

(3/562)


سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون} يَقُول: سأصرفهم عَن أَن يتفكروا فِي آياتي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {سأصرف عَن آياتي} قَالَ: عَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض والآيات الَّتِي فِيهَا سأصرفهم عَن أَن يتفكروا فِيهَا أَو يعتبروا فِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي قَوْله {سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق} يَقُول: أنزع عَنْهُم فهم الْقُرْآن

- الْآيَة (148)

(3/562)


وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)

- أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن المنذرعن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَاتخذ قوم مُوسَى من بعده من حليهم عجلاً جسداً} قَالَ: حِين دفنوها ألقِي عَلَيْهَا السامري قَبْضَة من تُرَاب من أثر فرس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من حليهم عجلاً جسداً لَهُ خوار} قَالَ: استعاروا حليا من آل فِرْعَوْن فَجَمعه السامري فصاغ مِنْهُ عجلاً فَجعله الله جسداً لَحْمًا ودماً لَهُ خوار
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {عجلاً جسداً لَهُ خوار} قَالَ: يَعْنِي لَهُ صياح
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: كَانَ بني مُعَاوِيَة بن بكر إِلَى الإِسلام ضاحية تخور وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: خار الْعجل خورة لم يثن ألم تَرَ أَن الله قَالَ {ألم يرَوا أَنه لَا يكلمهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {لَهُ خوار} قَالَ: الصَّوْت

- الْآيَة (149)

(3/563)


وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)

- أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلما سقط فِي أَيْديهم} قَالَ: ندموا

- الْآيَة (150 - 151)

(3/563)


وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أسفا} قَالَ: حَزينًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} قَالَ: حَزينًا على مَا صنع قومه من بعده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {غَضْبَان اسفاً} قَالَ: حَزينًا وَفِي الزخرف {فَلَمَّا آسفونا} الزخرف الْآيَة 55 يَقُول: اغضبونا
والأسف على وَجْهَيْن: الْغَضَب والحزن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أسفا} قَالَ: جزعاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: الأسف: منزلَة وَرَاء الْغَضَب أَشد من ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: الأسف: الْغَضَب الشَّديد
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ايزحم الله مُوسَى لَيْسَ المعاين كالمخبر أخبرهُ ربه تبَارك وَتَعَالَى أَن قومه فتنُوا بعده فَلم يلق الألواح فَلَمَّا رَآهُمْ وعاينهم ألْقى الألواح فتكسر مَا تكسر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذا غضب اشتعلت قلنسوته نَارا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما ألْقى مُوسَى الألواح تَكَسَّرَتْ فَرفعت إِلَّا سدسها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب الله لمُوسَى فِي الألواح فِيهَا {موعظة وتفصيلاً لكل شَيْء} الْأَعْرَاف الْآيَة 145 فَلَمَّا أَلْقَاهَا رفع الله مِنْهَا سِتَّة أسباعها وَبَقِي سبع يَقُول الله {وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة} الْأَعْرَاف الْآيَة 154 يَقُول: فِيمَا بَقِي مِنْهَا
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أُوتِيَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّبع المثاني وَهِي الطوَال وأوتي مُوسَى سِتا فَلَمَّا ألْقى الألواح رفعت أثنتان وَبقيت أَربع

(3/564)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَألقى الألواح} قَالَ: ذكر أَنه رفع من الألواح خَمْسَة أَشْيَاء وَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَن يُعلمهُ النَّاس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} لُقْمَان الْآيَة 34 إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت الألوح من زمرد فَلَمَّا أَلْقَاهَا مُوسَى ذهب التَّفْصِيل وَبَقِي الْهدى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: اخبرت أَن الواح مُوسَى كَانَت تِسْعَة فَرفع مِنْهَا لوحان وَبَقِي سَبْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تجعلني مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: مَعَ أَصْحَاب الْعجل

- الْآيَة (152)

(3/565)


إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أَيُّوب قَالَ: تَلا أَبُو قلَابَة هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم غضب من رَبهم وذلة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نجزي المفترين} قَالَ: هُوَ جَزَاء لكل مفتر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَن يذله الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نجزي المفترين} قَالَ: كل صَاحب بِدعَة ذليل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لَا تَجِد مبتدعاً إِلَّا وجدته ذليلاً ألم تسمع إِلَى قَول الله {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم غضب من رَبهم وذلة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لَيْسَ فِي الأَرْض صَاحب بِدعَة إِلَّا وَهُوَ يجد ذلة تغشاه وَهُوَ فِي كتاب الله
قَالُوا: أَيْن هِيَ قَالَ: أما سَمِعْتُمْ إِلَى قَوْله {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل} الْآيَة قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد هَذِه لأَصْحَاب الْعجل

(3/565)


خَاصَّة

قَالَ: كلا اقْرَأ مَا بعْدهَا {وَكَذَلِكَ نجزي المفترين} فَهِيَ لكل مفتر ومبتدع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

- الْآيَة (153)

(3/566)


وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ عَن الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يَتَزَوَّجهَا فَتلا {وَالَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات ثمَّ تَابُوا من بعْدهَا وآمنوا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم}

- الْآيَة (154)

(3/566)


وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اعطى الله مُوسَى التَّوْرَاة فِي سَبْعَة أَلْوَاح من زبرجد فِيهَا تبيان لكل شَيْء وموعظة التَّوْرَاة مَكْتُوبَة فَلَمَّا جَاءَ بهَا فَرَأى بني إِسْرَائِيل عكوفاً على الْعجل فَرمى التَّوْرَاة من يَده فتحطمت وَأَقْبل على هرون فَأخذ بِرَأْسِهِ فَرفع الله مِنْهَا سِتَّة أَسْبَاع وَبَقِي سبع {وَلما سكت عَن مُوسَى الْغَضَب أَخذ الألواح وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة للَّذين هم لرَبهم يرهبون} قَالَ: فَمَا بَقِي مِنْهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
إِن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت الألواح من زمرد فَلَمَّا أَلْقَاهَا مُوسَى ذهب التَّفْصِيل وَبَقِي الْهدى وَالرَّحْمَة وَقَرَأَ {وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء موعظة وتفصيلا لكل شَيْء} الْأَعْرَاف آيَة 145 وقرا / وَلما ذهب عَن مُوسَى الْغَضَب أَخذ الألواح وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة / قَالَ: وَلم يذكر التَّفْصِيل هَهُنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} قَالَ: اخْتَارَهُمْ ليقوموا مَعَ هرون على قومه بِأَمْر الله {فَلَمَّا أخذتهم الرجفة} تناولتهم الصاعقة حِين أخذت قَومهمْ

(3/566)


وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي سعد عَن مُجَاهِد {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أخذتهم الرجفة} بعد أَن خرج مُوسَى بالسبعين من قومه يدعونَ الله ويسألونه أَن يكْشف عَنْهُم الْبلَاء فَلم يستجب لَهُم علم مُوسَى أَنهم قد أَصَابُوا من الْمعْصِيَة مَا أصَاب قَومهمْ قَالَ أَبُو سعد: فَحَدثني مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: فَلم يستجب لَهُم من أجل أَنهم لم ينهوهم عَن الْمُنكر وَلم يأمروهم بِالْمَعْرُوفِ فَأَخَذتهم الرجفة فماتوا ثمَّ أحياهم الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْفضل بن عِيسَى بن أخي الرقاشِي
إِن بني إِسْرَائِيل قَالُوا ذَات يَوْم لمُوسَى: أَلَسْت ابْن عمنَا وَمنا وتزعم أَنَّك كلمت رب الْعِزَّة فانا لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة فَلَمَّا أَن أَبَوا إِلَّا ذَلِك أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اختر من قَوْمك سبعين رجلا
فَاخْتَارَ مُوسَى من قومه سبعين رجلا خيرة ثمَّ قَالَ لَهُم: اخْرُجُوا
فَلَمَّا برزوا جَاءَهُم مَا لَا قبل لَهُم بِهِ فَأَخَذتهم الرجفة قَالُوا: يَا مُوسَى ردنا
فَقَالَ لَهُم مُوسَى: لَيْسَ لي من الْأَمر شَيْء سَأَلْتُم شَيْئا فجاءكم فماتوا جَمِيعًا قيل: يَا مُوسَى ارْجع
قَالَ: رب إِلَى أَيْن الرّجْعَة {قَالَ رب لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا} الْأَعْرَاف آيَة 155 إِلَى قَوْله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} الْآيَة
قَالَ عِكْرِمَة
كتبت الرَّحْمَة يَوْمئِذٍ لهَذِهِ الْأمة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حضر أجل هرون أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن انْطلق أَنْت وهرون وَابْن هرون إِلَى غَار فِي الْجَبَل فَأَنا قَابض روحه فَانْطَلق مُوسَى وهرون وَابْن هرون فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْغَار دخلُوا فَإِذا سَرِير فاضطجع عَلَيْهِ مُوسَى ثمَّ قَامَ عَنهُ فَقَالَ: مَا أحسن هَذَا الْمَكَان يَا هرون فاضطجع هرون فَقبض روحه فَرجع مُوسَى وَابْن هرون إِلَى بني إِسْرَائِيل حزينين
فَقَالُوا لَهُ: ايْنَ هرون قَالَ: مَاتَ
قَالُوا: بل قتلته كنت تعلم أَنا نحبه
فَقَالَ لَهُم مُوسَى: وَيْلكُمْ أقتل أخي وَقد سَأَلته الله وزيراً وَلَو أَنِّي أردْت قَتله أَكَانَ ابْنه يدعني قَالُوا لَهُ: بلَى قتلته حسدتناه
قَالَ: فَاخْتَارُوا سبعين رجلا فَانْطَلق بهم فَمَرض رجلَانِ فِي الطَّرِيق فَخط عَلَيْهِمَا خطا فَانْطَلق مُوسَى وَابْن هرون وَبَنُو إِسْرَائِيل حَتَّى انْتَهوا إِلَى هرون فَقَالَ: يَا هرون من قَتلك قَالَ: لم يقتلني أحد وَلَكِنِّي مت قَالُوا: مَا

(3/567)


تقضي يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يجعلنا أَنْبيَاء
قَالَ: فَأَخَذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرّجلَانِ اللَّذَان خلفوا وَقَامَ مُوسَى يدعوا ربه {لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا} فأحياهم الله فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ أَنْبيَاء

- الْآيَة (155)

(3/568)


وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} الْآيَة
قَالَ: كَانَ الله أمره أَن يخْتَار من قومه سبعين رجلا فَاخْتَارَ سبعين رجلا فبرز بهم فَكَانَ ليدعوا ربكُم فِيمَا دعوا الله أَن قَالُوا: اللهمَّ اعطنا مَا لم تعطه أحدا بَعدنَا فكره الله ذَلِك من دُعَائِهِمْ فَأَخَذتهم الرجفة قَالَ مُوسَى {لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا إِن هِيَ إِلَّا فتنتك} يَقُول: إِن هُوَ إِلَّا عذابك تصيب بِهِ من تشَاء وتصرفه عَمَّن تشَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الْحِمْيَرِي قَالَ: لما اخْتَار مُوسَى قومه سبعين رجلا لميقات ربه قَالَ الله لمُوسَى: أجعَل لكم الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَأَجْعَل لكم السكينَة مَعكُمْ فِي بُيُوتكُمْ واجعلكم تقرأون التَّوْرَاة من ظُهُور قُلُوبكُمْ فيقرأها الرجل مِنْكُم وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وَالصَّغِير وَالْكَبِير
فَقَالَ مُوسَى: أَن الله قد جعل لكم الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا
قَالُوا: لَا نُرِيد أَن نصلي إِلَّا فِي الْكَنَائِس
قَالَ: وَيجْعَل السكينَة مَعكُمْ فِي بُيُوتكُمْ
قَالُوا: لَا نُرِيد إِلَّا كَمَا كَانَت فِي التابوت
قَالَ: ويجعلكم تقرأون التَّوْرَاة عَن ظُهُور قُلُوبكُمْ فيقرأها الرجل مِنْكُم وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وَالصَّغِير وَالْكَبِير
قَالُوا: لَا نُرِيد أَن نقرأها إِلَّا نظرا
قَالَ الله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} إِلَى قَوْله {المفلحون} قَالَ مُوسَى: أَتَيْتُك بوفد قومِي فَجعلت وفادتهم لغَيرهم اجْعَلنِي نَبِي هَذِه الْأمة
قَالَ: إِن نَبِيّهم مِنْهُم
قَالَ: اجْعَلنِي من هَذِه الْأمة
قَالَ: إِنَّك لن تُدْرِكهُمْ
قَالَ: رب أَتَيْتُك بوفد قومِي فَجعلت وفادتهم لغَيرهم
قَالَ: فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ}

(3/568)


الْأَعْرَاف الْآيَة 159 قَالَ: فَرضِي مُوسَى
قَالَ نوف: أَلا تحمدون رَبًّا شهد غيبتكم وَأخذ لكم بسمعكم وَجعل وفادة غَيْركُمْ لكم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الْبكالِي
أَن مُوسَى لما اخْتَار من قومه سبعين رجلا قَالَ لَهُم: فِدوا الى الله وَسَلُوهُ فَكَانَت لمُوسَى مَسْأَلَة وَلَهُم مَسْأَلَة فَلَمَّا انْتهى إِلَى الطّور - الْمَكَان الَّذِي وعده الله بِهِ - قَالَ لَهُم مُوسَى: سلوا الله
قَالُوا {أرنا الله جهرة} النِّسَاء الْآيَة 153 قَالَ: وَيحكم

تسْأَلُون الله هَذَا مرَّتَيْنِ قَالَ: هِيَ مَسْأَلَتنَا أرنا الله جهرة فَأَخَذتهم الرجفة فصعقوا فَقَالَ مُوسَى: أَي رب جئْتُك بسبعين من خِيَار بني إِسْرَائِيل فأرجع إِلَيْهِم وَلَيْسَ معي مِنْهُم أحد فَكيف أصنع ببني إِسْرَائِيل أَلَيْسَ يقتلونني فَقيل لَهُ: سل مسألتك
قَالَ: أَي رب إِنِّي أَسأَلك أَن تبعثهم
فبعثهم الله فَذَهَبت مسألتهم ومسألته وَجعلت تِلْكَ الدعْوَة لهَذِهِ الْأمة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي سعيد الرقاشِي فِي قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} قَالَ: كَانُوا قد جاوزوا الثَّلَاثِينَ وَلم يبلغُوا الْأَرْبَعين وَذَلِكَ أَن من جَاوز الثَّلَاثِينَ فقد ذهب جَهله وصباه وَمن بلغ الْأَرْبَعين لم يفقد من عقله شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} قَالَ: لتَمام الْموعد
وَفِي قَوْله {فَلَمَّا أخذتهم الرجفة} قَالَ: مَاتُوا ثمَّ أحياهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك} قَالَ: بليتك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك} قَالَ: مشيئتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب إِن هَذَا السامري أَمرهم أَن يتخذوا الْعجل أَرَأَيْت الرّوح من نفخها فِيهِ قَالَ الرب: أَنا
قَالَ: رب فَأَنت إِذا أضللتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَاشد بن سعد
أَن مُوسَى لما أَتَى ربه لموعده قَالَ:

(3/569)


يَا مُوسَى إِن قَوْمك افتتنوا من بعْدك
قَالَ: يَا رب وَكَيف يفتنون وَقد أنجيتهم من فِرْعَوْن ونجيتهم من الْبَحْر وأنعمت عَلَيْهِم قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّهُم اتَّخذُوا من بعْدك عجلاً جسداً لَهُ خوار
قَالَ: يَا رب فَمن جعل فِيهِ الرّوح قَالَ: أَنا
قَالَ: فَأَنت أضللتهم يَا رب
قَالَ: يَا مُوسَى يَا رَأس النَّبِيين يَا أَبَا الْحُكَمَاء إِنِّي رَأَيْت ذَلِك فِي قُلُوبهم فيسرته لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن السّبْعين الَّذين اخْتَارَهُمْ مُوسَى من قومه إِنَّمَا أخذتهم الرجفة لأَنهم لم يرْضوا بالعجل وَلم ينهوا عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن أُولَئِكَ السّبْعين كَانُوا يلبسُونَ ثِيَاب الطهرة ثِيَاب يغزله وينسجه العذارى ثمَّ يتبرزون صَبِيحَة لَيْلَة الْمَطَر إِلَى الْبَريَّة فَيدعونَ الله فِيهَا فو الله مَا سَأَلَ الْقَوْم يَوْمئِذٍ شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ الله هَذِه الْأمة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
أَن السّبْعين الَّذين اخْتَار مُوسَى من قومه كَانُوا يعْرفُونَ بخضاب السوَاد

- الْآيَة (156 - 157)

(3/570)


وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واكتب لنا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: فَلم يُعْطهَا مُوسَى {قَالَ عَذَابي أُصِيب بِهِ من أَشَاء} إِلَى قَوْله {المفلحون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {واكتب لنا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: فَكتب الرَّحْمَة يَوْمئِذٍ لهَذِهِ الْأمة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج {واكتب لنا فِي هَذِه الدُّنْيَا حسنه} قَالَ: مغْفرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّا هدنا إِلَيْك} قَالَ: تبنا إِلَيْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد ين جُبَير فِي قَوْله {إِنَّا هدنا إِلَيْك} قَالَ: تبنا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي وجرة السَّعْدِيّ - وَكَانَ من أعلم النَّاس بِالْعَرَبِيَّةِ - قَالَ: لَا وَالله لَا أعلمها فِي كَلَام أحد من الْعَرَب (هدنا) قيل: فَكيف قَالَ: هدنا بِكَسْر الْهَاء يَقُول: ملنا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله {ورحمتي وسعت كل شَيْء} قَالَا: وسعت فِي الدُّنْيَا الْبر والفاجر وَهِي يَوْم الْقِيَامَة للَّذين اتَّقوا خَاصَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء فِي قَوْله {ورحمتي وسعت كل شَيْء} قَالَ: رَحمته فِي الدُّنْيَا على خلقه كلهم يَتَقَلَّبُونَ فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سماك بن الْفضل
أَنه ذكر عِنْده أَي شَيْء أعظم فَذكرُوا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ سَاكِت فَقَالُوا: مَا تَقول يَا أَبَا الْفضل فَقَالَ: مَا من شَيْء أعظم من رَحمته قَالَ الله تَعَالَى {ورحمتي وسعت كل شَيْء}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي فَأَنَاخَ رَاحِلَته ثمَّ عقلهَا ثمَّ صلى خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نَادَى: اللهمَّ ارْحَمْنِي ومحمداً وَلَا تشرك فِي رَحْمَتنَا أحدا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد حظرت رَحْمَة وَاسِعَة أَن الله خلق مائَة رَحْمَة فَأنْزل رَحْمَة يتعاطف بهَا الْخلق جنّها وإنسها وبهائمها وَعِنْده تِسْعَة وَتسْعُونَ

(3/571)


وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لله مائَة رَحْمَة فَمِنْهَا رَحْمَة يتراحم بهَا الْخلق وَبهَا تعطف الوحوش على أَوْلَادهَا وَأخر تسع وَتسْعُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان مَوْقُوفا وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله خلق مائَة رَحْمَة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض كل رَحْمَة مِنْهَا طباق مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأهبط مِنْهَا رَحْمَة إِلَى الأَرْض فِيهَا تراحم الْخَلَائق وَبهَا تعطف الوالدة على وَلَدهَا وَبهَا يشرب الطير والوحوش من المَاء وَبهَا تعيش الْخَلَائق فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة انتزعها من خلقه ثمَّ أفاضها على الْمُتَّقِينَ وَزَاد تسعا وَتِسْعين رَحْمَة ثمَّ قَرَأَ {ورحمتي وسعت كل شَيْء فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} 0 وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليدخلن الْجنَّة الْفَاجِر فِي دينه الأحمق فِي معيشته وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليدخلن الْجنَّة الَّذِي قد محشته النَّار بِذَنبِهِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليغفرن الله يَوْم الْقِيَامَة مغْفرَة يَتَطَاوَل لَهَا إِبْلِيس رَجَاء أَن تصيبه
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ افتخرت الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت النَّار: يَا رب يدخلني الْجَبَابِرَة والملوك والأشراف
وَقَالَت الْجنَّة: يَا رب
يدخلني الْفُقَرَاء والضعفاء وَالْمَسَاكِين
فَقَالَ الله للنار: أَنْت عَذَابي أُصِيب بك من أَشَاء وَقَالَ للجنة: أَنْت رَحْمَتي وسعت كل شَيْء وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي بكر الْهُذلِيّ قَالَ: لما نزلت {ورحمتي وسعت كل شَيْء} قَالَ إِبْلِيس: يَا رب وَأَنا من الشَّيْء
فَنزلت {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} الْآيَة
فنزعها الله من إِبْلِيس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: لما نزلت {ورحمتي وسعت كل شَيْء} قَالَ إِبْلِيس: وَأَنا من الشَّيْء
فنسخها الله فَأنْزل {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: لما نزلت {ورحمتي وسعت كل شَيْء} قَالَ إِبْلِيس: أَنا من كل شَيْء
قَالَ الله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَت يهود: فَنحْن نتقي ونؤتي الزَّكَاة
قَالَ الله {الَّذين يتبعُون الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي}

(3/572)


فعزلها الله عَن إِبْلِيس وَعَن الْيَهُود وَجعلهَا لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة نَحوه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {ورحمتي وسعت كل شَيْء} مد إِبْلِيس عُنُقه فَقَالَ: أَنا من الشَّيْء
فَنزلت {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وَالَّذين هم بِآيَاتِنَا يُؤمنُونَ} فمدت الْيَهُود وَالنَّصَارَى أعناقها فَقَالُوا: نَحن نؤمن بِالتَّوْرَاةِ والإِنجيل ونؤدي الزَّكَاة
فاختلسها الله من إِبْلِيس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فَجَعلهَا لهَذِهِ الْأمة خَاصَّة فَقَالَ {الَّذين يتبعُون} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَزَّار فِي مُسْنده وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلَ مُوسَى ربه مَسْأَلَة فَأَعْطَاهَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} إِلَى قَوْله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} فَأعْطى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل شَيْء
سَأَلَ مُوسَى ربه فِي هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} قَالَ: كتبهَا الله لهَذِهِ الْأمة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دَعَا مُوسَى فَبعث الله سبعين فَجعل دعاءه حِين دَعَاهُ لمن آمن بِمُحَمد وَاتبعهُ قَوْله {فَاغْفِر لنا وارحمنا وَأَنت خير الغافرين} {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} وَالَّذين يتبعُون مُحَمَّدًا وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} قَالَ: يَتَّقُونَ الشّرك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مُوسَى: يَا لَيْتَني أخرت فِي أمة مُحَمَّد
فَقَالَت الْيَهُود لمُوسَى: أيخلق رَبك خلقا ثمَّ يعذبهم فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُوسَى ازرع
قَالَ: قد زرعت
قَالَ: أحصد
قَالَ: قد حصدت
قَالَ: دس
قَالَ: قد دست
قَالَ: ذَر
قَالَ: قد ذريت
قَالَ: فَمَا بَقِي قَالَ: مَا بَقِي شَيْء فِيهِ خير
قَالَ: كَذَلِك لَا أعذب من خلقي إِلَّا من لَا خير فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ عَن أبي بكر وَعمر فَقَالَ: إنَّهُمَا من السّبْعين الَّذين سَأَلَهُمْ مُوسَى بن

(3/573)


عمرَان فاخراً حَتَّى أعطيهما مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: وتلا هَذِه الْآيَة {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فَرَكزَ لِوَاءُهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَغدا بِسَائِر الْمَلَائِكَة إِلَى الْمَسَاجِد الَّتِي يجمع فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة فركزوا أَلْوِيَتهم وراياتهم بِأَبْوَاب الْمَسَاجِد ثمَّ نشرُوا قَرَاطِيس من فضَّة وأقلاماً من ذهب ثمَّ كتبُوا الأول فَالْأول من بكَّر إِلَى الْجُمُعَة فَإِذا بلغ من فِي الْمَسْجِد سبعين رجلا قد بَكرُوا طَوَوْا الْقَرَاطِيس فَكَانَ أُولَئِكَ السبعون كَالَّذِين اخْتَارَهُمْ مُوسَى من قومه وَالَّذين اخْتَارَهُمْ مُوسَى من قومه كَانُوا أَنْبيَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَاح منا إِلَى الْجُمُعَة سَبْعُونَ رجلا كَانُوا كسبعين مُوسَى الَّذين وفدوا إِلَى رَبهم أَو أفضل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {النَّبِي الْأُمِّي} قَالَ: كَانَ لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي} قَالَ: هُوَ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أُمِّيا لَا يكْتب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا كَالْمُودعِ فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي أَنا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي أَنا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَلَا نَبِي بعدِي أُوتيت فواتح الْكَلم وخواتمه وجوامعه وَعلمت خَزَنَة النَّار وَحَملَة الْعَرْش فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا مَا دمت فِيكُم فَإِذا ذهب بِي فَعَلَيْكُم كتاب الله أحلُّوا حَلَاله وحرِّموا حرَامه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا أمة أُميَّة لَا تكْتب وَلَا تحسب وان الشَّهْر كَذَا وَكَذَا وَضرب بِيَدِهِ سِتّ مَرَّات وَقبض وَاحِدَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق مجَالد
قَالَ: حَدثنِي عون بن عبد الله بن عتبَة عَن أَبِيه قَالَ: مَا مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَرَأَ وَكتب فَذكرت هَذَا الحَدِيث لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: صدق سَمِعت أَصْحَابنَا يَقُولُونَ ذَلِك
قَوْله تَعَالَى {الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل}

(3/574)


أخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل} قَالَ: يَجدونَ نَعته وَأمره ونبوّته مَكْتُوبًا عِنْدهم
وَأخرج ابْن سعد عَن قَتَادَة قَالَ: بلغنَا أَن نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض الْكتب مُحَمَّد رَسُول الله لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخوب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مثلهَا وَلَكِن يعْفُو ويصفح أمته الْحَمَّادُونَ على كل حَال
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن رجل من الْأَعْرَاب قَالَ: جلبت حلوية إِلَى الْمَدِينَة فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا فرغت من بيعتي قلت: لألقين هَذَا الرجل ولأسمعن مِنْهُ
فتلقاني بَين أبي بكر وَعمر يمشيان فتبعتهما حَتَّى أَتَيَا على رجل من الْيَهُود ناشر التَّوْرَاة يقْرؤهَا يعزي بهَا نَفسه عَن ابْن لَهُ فِي الْمَوْت كأحسن الفتيان وأجمله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْشدك بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة هَل تجدني فِي كتابك ذَا صِفَتي ومخرجي فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا أَي لَا
فَقَالَ ابْنه: أَي وَالَّذِي أنزل التَّوْرَاة إِنَّا لنجد فِي كتَابنَا صِفَتك ومخرجك وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله
فَقَالَ: أقِيمُوا الْيَهُودِيّ عَن أخيكم ثمَّ ولي كَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: لقِيت عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قلت: أَخْبرنِي عَن صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: أجل - وَالله - انه لموصوف فِي التَّوْرَاة بِبَعْض صفته فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} الْأَحْزَاب الْآيَة 45 وحرزاً للأميين أَنْت عَبدِي ورسولي سميتك المتَوَكل لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو ويصفح وَلنْ يقبضهُ الله حَتَّى يُقيم بِهِ الْملَّة العوجاء بِأَن يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَيفتح بِهِ أعينا عميا وآذانا صمًّا وَقُلُوبًا غلفًا
وَأخرج ابْن سعد والدارمي فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} الْأَحْزَاب الْآيَة 45 وحرزاً للأميين أَنْت عَبدِي ورسولي سميتك المتَوَكل لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مثلهَا وَلَكِن يعْفُو

(3/575)


ويصفح وَلنْ يقبضهُ الله حَتَّى يُقيم بِهِ الْملَّة العوجاء حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَيفتح أعينا عميا وآذاناً صمًّا وَقُلُوبًا غلفًا
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن كَعْب قَالَ: فِي السطر الأول: مُحَمَّد رَسُول الله عَبدِي الْمُخْتَار لَا فظ وَلَا غليظ وَلَا سخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو وَيغْفر مولده بِمَكَّة وهجرته بِطيبَة وَملكه بِالشَّام
وَفِي السطر الثَّانِي: مُحَمَّد رَسُول الله أمته الْحَمَّادُونَ يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء يحْمَدُونَ الله فِي كل منزلَة ويكبرونه على كل شرف رُعَاة الشَّمْس يصلونَ الصَّلَاة إِذا جَاءَ وَقتهَا وَلَو كَانُوا على رَأس كناسَة ويأتزرون على أوساطهم ويوضئون أَطْرَافهم وأصواتهم بِاللَّيْلِ فِي جوّ السَّمَاء كأصوات النَّحْل
وَأخرج ابْن سعد والدارمي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي فَرْوَة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سَأَلَ كَعْب الْأَحْبَار كَيفَ قد نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة فَقَالَ كَعْب: نجده مُحَمَّد بن عبد الله يُولد بِمَكَّة ويهاجر إِلَى طابة وَيكون ملكه بِالشَّام وَلَيْسَ بفاحش وَلَا سخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يكافىء بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو وَيغْفر أمته الْحَمَّادُونَ يحْمَدُونَ الله فِي كل سراء وَيُكَبِّرُونَ الله على كل نجد ويوضئون أَطْرَافهم ويأتزرون فِي أوساطهم يصفونَ فِي صلَاتهم كَمَا يصفونَ فِي قِتَالهمْ دويهم فِي مَسَاجِدهمْ كَدَوِيِّ النَّحْل يسمع مناديهم فِي جوّ السَّمَاء
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن أم الدراداء قَالَت: قلت لكعب: كَيفَ تَجِدُونَ صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة قَالَ: نجده مَوْصُوفا فِيهَا مُحَمَّد رَسُول الله اسْمه المتَوَكل لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَأعْطى المفاتيح ليبصر الله بِهِ أعيناً عورا وَيسمع بِهِ الله آذَانا صمًّا وَيُقِيم بِهِ السّنة المعوجة حَتَّى يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ يعين الْمَظْلُوم ويمنعه من أَن يستضعف
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صِفَتي أَحْمد المتَوَكل مولده بِمَكَّة وَمُهَاجره إِلَى طيبَة لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ يَجْزِي بِالْحَسَنَة الْحَسَنَة وَلَا يكافىء بِالسَّيِّئَةِ أمته الْحَمَّادُونَ يَأْتَزِرُونَ على أَنْصَافهمْ ويوضئون أَطْرَافهم أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ يصفونَ للصَّلَاة كَمَا يصفونَ لِلْقِتَالِ قُرْبَانهمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُون بِهِ إِلَيّ دِمَاؤُهُمْ رُهْبَان بِاللَّيْلِ لُيُوث بِالنَّهَارِ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن كَعْب قَالَ: إِن أبي كَانَ من أعلم النَّاس بِمَا أنزل الله على

(3/576)


مُوسَى وَكَانَ لم يدّخر عني شَيْئا مِمَّا كَانَ يعلم فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت دَعَاني فَقَالَ لي: يَا بني إِنَّك قد علمت أَنِّي لم أدخر عَنْك شَيْئا مِمَّا كنت أعلمهُ إِلَّا أَنِّي قد حبست عَنْك ورقتين فيهمَا: نَبِي يبْعَث قد أظل زَمَانه فَكرِهت أَن أخْبرك بذلك فَلَا آمن عَلَيْك أَن يخرج بعض هَؤُلَاءِ الْكَذَّابين فتطيعه وَقد جعلتهما فِي هَذِه الكوة الَّتِي ترى وطينت عَلَيْهِمَا فَلَا تعرضن لَهما وَلَا تنظرن فيهمَا حينك هَذَا فَإِن الله أَن يرد ذَلِك خيرا وَيخرج ذَلِك النَّبِي تتبعه ثمَّ أَنه مَاتَ فدفناه فَلم يكن شَيْء أحب إليّ من أَن أنظر فِي الورقتين ففتحت الكوة ثمَّ استخرجت الورقتين فَإِذا فيهمَا: مُحَمَّد رَسُول الله خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعده مولده بِمَكَّة وَمُهَاجره بِطيبَة لَا فظ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَيجْزِي بِالسَّيِّئَةِ الْحَسَنَة وَيَعْفُو ويصفح أمته الْحَمَّادُونَ الَّذين يحْمَدُونَ الله على كل حَال تذلل ألسنتهم بِالتَّكْبِيرِ وينصر نَبِيّهم على كل من ناوأه يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ وتراحمهم بَينهم تراحم بني الْأُم وهم أول من يدْخل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة من الْأُمَم
فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة فأخرت حَتَّى استثبت ثمَّ بَلغنِي أَنه توفّي وَأَن خَلِيفَته قد قَامَ مقَامه وجاءتنا جُنُوده فَقلت: لَا أَدخل فِي هَذَا الدّين حَتَّى أنظر سيرتهم وأعمالهم فَلم أزل أدافع ذَلِك وأؤخره لأستثبت حَتَّى قدمت علينا عُمَّال عمر بن الْخطاب فَلَمَّا رَأَيْت وفاءهم بالعهد وَمَا صنع الله لَهُم على الْأَعْدَاء علمت أَنهم هم الَّذين كنت أنْتَظر فو الله إِنِّي لذات لَيْلَة فَوق سطحي فَإِذا رجل من الْمُسلمين يَتْلُو قَول الله {يَا أَيهَا الَّذين أُوتُوا الْكتاب آمنُوا بِمَا نزلنَا مُصدقا لما مَعكُمْ من قبل أَن نطمس وُجُوهًا} النِّسَاء الْآيَة 47 الْآيَة
فَلَمَّا سَمِعت هَذِه الْآيَة خشيت أَن لَا أصبح حَتَّى يحول وَجْهي فِي قفاي فَمَا كَانَ شَيْء أحب إليّ من الصَّباح فَغَدَوْت على مُسلمين
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن يَهُودِيّا كَانَ لَهُ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَنَانِير فتقاضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: ماعندي مَا أُعْطِيك
قَالَ: فَإِنِّي لَا أُفَارِقك يَا مُحَمَّد حَتَّى تُعْطِينِي
قَالَ: إِذن أَجْلِس مَعَك يَا مُحَمَّد
فَجَلَسَ مَعَه فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء والغداة وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتهددون الْيَهُودِيّ ويتوعدونه فَقَالُوا: يَا رَسُول الله يَهُودِيّ

(3/577)


يحبسك قَالَ: مَنَعَنِي رَبِّي أَن أظلم معاهداً وَلَا غَيره فَلَمَّا ترحل النَّهَار أسلم الْيَهُودِيّ وَقَالَ: شطر مَالِي فِي سَبِيل الله أما وَالله مَا فعلت الَّذِي فعلت بك إِلَّا لأنظر إِلَى نعتك فِي التَّوْرَاة: مُحَمَّد بن عبد الله مولده بِمَكَّة وَمُهَاجره بِطيبَة وَملكه بِالشَّام لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا متزين بالفحشاء وَلَا قوّال للخنا
وَأخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ
أَن يَهُودِيّا قَالَ: مَا كَانَ بَقِي شَيْء من نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة إِلَّا رَأَيْته إِلَّا الْحلم وَإِنِّي أسلفته ثَلَاثِينَ دِينَارا فِي ثَمَر إِلَى أجل مَعْلُوم فتركته حَتَّى إِذا بَقِي من الْأَجَل يَوْم أَتَيْته فَقلت: يَا مُحَمَّد اقضني حَقي فَإِنَّكُم معاشر بني عبد الْمطلب مطل
فَقَالَ عمر: يَا يَهُودِيّ الْخَبيث أما وَالله لَوْلَا مَكَانَهُ لضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غفر الله لَك يَا أَبَا حَفْص نَحن كُنَّا إِلَى غير هَذَا مِنْك أحْوج إِلَى أَن تكون أَمرتنِي بِقَضَاء مَا عليّ وَهُوَ إِلَى أَن تكون أعنته على قَضَاء حَقه أحْوج فَلم يزده جهلي عَلَيْهِ إِلَّا حلماً
قَالَ: يَا يَهُودِيّ إِنَّمَا يحل حَقك غَدا ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَفْص أذهب بِهِ إِلَى الْحَائِط الَّذِي كَانَ سَأَلَ أوّل يَوْم فَإِن رضيه فاعطه كَذَا وَكَذَا صَاعا وزده لما قلت لَهُ كَذَا وَكَذَا صَاعا وزده فَإِن لم يرض فاعط ذَلِك من حَائِط كَذَا وَكَذَا فَأتى بِي الْحَائِط فَرضِي تمره فَأعْطَاهُ مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أمره من الزِّيَادَة فَلَمَّا قبض الْيَهُودِيّ تمره قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنه رَسُول الله وَأَنه وَالله مَا حَملَنِي على مَا رَأَيْتنِي صنعت يَا عمر إِلَّا أَنِّي قد كنت رَأَيْت فِي رَسُول الله صفته فِي التَّوْرَاة كلهَا إِلَّا الْحلم فاختبرت حلمه الْيَوْم فَوَجَدته على مَا وصف فِي التَّوْرَاة وَإِنِّي أشهدك أَن هَذَا التَّمْر وَشطر مَالِي فِي فُقَرَاء الْمُسلمين
فَقَالَ عمر: فَقلت: أَو بَعضهم فَقَالَ: أَو بَعضهم
قَالَ: وَأسلم أهل بَيت الْيَهُودِيّ كلهم إِلَّا شيخ كَانَ ابْن مائَة سنة فعسا على الْكفْر
وَأخرج ابْن سعد عَن كثيِّر بن مرّة قَالَ: إِن الله يَقُول: لقد جَاءَكُم رَسُول لَيْسَ بوهن وَلَا كسل يفتح أعيناً كَانَت عميا وَيسمع آذَانا صمًّا ويختن قلوباً كَانَت غلفًا وَيُقِيم سنة كَانَت عوجاء حَتَّى يُقَال: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت الْمدَارِس فَقَالَ أخرجُوا إليَّ أعلمكُم فَقَالُوا: عبد الله ابْن صوريا
فَخَلا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَاشَدَهُ بِدِينِهِ وَبِمَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِم وأطعمهم من الْمَنّ والسلوى وظللهم بِهِ من الْغَمَام أتعلم أَنِّي رَسُول الله قَالَ: اللهمَّ نعم وَإِن الْقَوْم ليعرفون مَا أعرف وَإِن

(3/578)


صِفَتك ونعتك الْمُبين فِي التَّوْرَاة وَلَكنهُمْ حسدوك
قَالَ: فَمَا يمنعك أَنْت قَالَ: أكره خلاف قومِي وَعَسَى أَن يتبعوك ويسلموا فَأسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الفلتان بن عَاصِم قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء رجل فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَقْرَأُ التَّوْرَاة قَالَ: نعم
قَالَ: والإِنجيل قَالَ: نعم
فَنَاشَدَهُ هَل تجدني فِي التَّوْرَاة والإِنجيل قَالَ: نجد نعتاً مثل نعتك وَمثل هيئتك ومخرجك وَكُنَّا نرجو أَن تكون منا فَلَمَّا خرجت تخوَّفنا أَن تكون هُوَ أَنْت فَنَظَرْنَا فَإِذا لَيْسَ أَنْت هُوَ
قَالَ: وَلم ذَاك قَالَ: إِن مَعَه من أمته سبعين ألفا لَيْسَ عَلَيْهِم حِسَاب وَلَا عَذَاب وَإِنَّمَا مَعَك نفر يسير
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأَنا هُوَ إِنَّهُم لأمتي وَأَنَّهُمْ لأكْثر من سبعين ألفا وَسبعين ألفا
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعثت قُرَيْش النَّضر بن الْحَارِث وَعقبَة بن أبي معيط وَغَيرهمَا إِلَى يهود يثرب وَقَالُوا لَهُم: سلوهم عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقدموا الْمَدِينَة فَقَالُوا: أَتَيْنَاكُم لأمر حدث فِينَا منا غُلَام يَتِيم يَقُول قولا عَظِيما يزْعم أَنه رَسُول الرَّحْمَن قَالُوا: صفوا لنا نَعته
فوصفوا لَهُم قَالُوا: فَمن تبعه مِنْكُم قَالُوا: سفلتنا
فَضَحِك حبر مِنْهُم فَقَالَ: هَذَا النَّبِي الَّذِي نجد نَعته ونجد قومه أَشد النَّاس لَهُ عَدَاوَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل عصى الله تَعَالَى مِائَتي سنة ثمَّ مَاتَ فَأَخَذُوهُ فألقوه على مزبلة فَأوحى الله إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَن أخرج فصلِّ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رب بَنو إِسْرَائِيل شهدُوا أَنه عصاك مِائَتي سنة فَأوحى الله إِلَيْهِ: هَكَذَا كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ كلما نشر التَّوْرَاة وَنظر إِلَى اسْم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبله وَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَصلى عَلَيْهِ فَشَكَرت لَهُ ذَلِك وغفرت ذنُوبه وزوّجته سبعين حوراء
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوب فِي الإِنجيل لَا فظ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مثلهَا وَلَكِن يعْفُو ويصفح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم الْجَارُود بن عبد الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم وَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد وجدت وصفك فِي الإِنجيل وَلَقَد بشَّر بك ابْن البتول

(3/579)


وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُوسَى بن يَعْقُوب الربعِي عَن سهل مولى خَيْثَمَة قَالَ: قَرَأت فِي الإِنجيل نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه لَا قصير وَلَا طَوِيل أَبيض ذُو طمرين بَين كَتفيهِ خَاتم يكثر الاحتباء وَلَا يقبل الصَّدَقَة ويركب الْحمار وَالْبَعِير ويحتلب الشَّاة ويلبس قَمِيصًا مرقوعاً وَمن فعل ذَلِك فقد برىء من الْكبر وَهُوَ يفعل ذَلِك وَهُوَ من ذُرِّيَّة اسمعيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله يعالى إِلَى شُعَيْب إِنِّي باعث نَبيا أُمِّيا أفتح بِهِ آذَانا صمًّا وَقُلُوبًا غلفًا وَأَعْيُنًا عميا مولده بِمَكَّة وَمُهَاجره بِطيبَة وَملكه الشَّام عَبدِي المتَوَكل الْمُصْطَفى الْمَرْفُوع الحبيب المتحبب الْمُخْتَار لَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو ويصفح رحِيما بِالْمُؤْمِنِينَ يبكي للبهيمة المثقلة ويبكي للْيَتِيم فِي حجر الأرملة لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا متزين بالفحش وَلَا قوّال للخنا يمر إِلَى جنب السراج لم يطفئه من سكينته وَلَو يمشي على الْقصب الرعراع - يَعْنِي الْيَابِس - لم يسمع من تَحت قَدَمَيْهِ أبعثه مبشراً وَنَذِيرا أسدده لكل جميل وَأهب لَهُ كل خلق كريم أجعَل السكينَة لِبَاسه والبرَّ شعاره وَالْمَغْفِرَة وَالْمَعْرُوف حليته وَالْحق شَرِيعَته وَالْهدى إِمَامه والإِسلام مِلَّته وَأحمد اسْمه أهدي بِهِ من بعد الضَّلَالَة وَأعلم بِهِ بعد الْجَهَالَة وَأَرْفَع بِهِ بعد الْخَمَالَة وَأُسَمِّي بِهِ بعد النكرَة وَأكْثر بِهِ بعد الْقلَّة وأغنى بِهِ بعد الْعيلَة وَأجْمع بِهِ بعد الْفرْقَة وَأُؤَلِّف بِهِ بَين قُلُوب وَأَهْوَاء مُتَشَتِّتَة وأمم مُخْتَلفَة وَأَجْعَل أمته خير أمة أخرجت للنَّاس آمراً بِالْمَعْرُوفِ ونهياً عَن الْمُنكر وتوحيداً لي وإيماناً بِي وإخلاصاً لي وَتَصْدِيقًا لما جَاءَت بِهِ رُسُلِي وهم رُعَاة الشَّمْس
طُوبَى لتِلْك الْقُلُوب وَالْوُجُوه والأرواح الَّتِي أخلصت لي أُلهمهم التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير والتمجيد والتوحيد فِي مَسَاجِدهمْ ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ويصفُّون فِي مَسَاجِدهمْ كَمَا تصف الْمَلَائِكَة حول عَرْشِي هم أوليائي وأنصاري أنتقم بهم من أعدائي عَبدة الْأَوْثَان يصلونَ لي قيَاما وقعوداً وسجوداً وَيخرجُونَ من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مرضاتي ألوفاً ويقاتلون فِي سبيلي صُفُوفا وزحوفاً اختم بكتبهم الْكتب وشريعتهم الشَّرَائِع وبدينهم الْأَدْيَان من أدركهم فَلم يُؤمن بِكِتَابِهِمْ وَيدخل فِي دينهم وشريعتهم فَلَيْسَ مني وَهُوَ مني بَرِيء واجعلهم أفضل

(3/580)


الْأُمَم واجعلهم أمة وسطاء شُهَدَاء على النَّاس إِذا غضبوا هللوني وَإِذا قبضوا كبَّروني وَإِذا تنازعوا سبَّحوني يطهرون الْوُجُوه والأطراف ويشدون الثِّيَاب إِلَى الأنصاف ويهللون على التلال والأشراف قُرْبَانهمْ دِمَاؤُهُمْ وَأَنَاجِيلهمْ صُدُورهمْ رُهْبَان بِاللَّيْلِ لُيُوث بِالنَّهَارِ مناديهم فِي جو السَّمَاء لَهُم دوِي كَدَوِيِّ النَّحْل طُوبَى لمن كَانَ مَعَهم وعَلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم ذَلِك فضلي أوتيه من أَشَاء وَأَنا ذُو الْفضل الْعَظِيم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن الله أوحى فِي الزبُور ياداود إِنَّه سَيَأْتِي من بعْدك نَبِي اسْمه أَحْمد وَمُحَمّد صَادِقا نَبيا لَا أغضب عَلَيْهِ أبدا وَلَا يعصيني أبدا وَقد غفرت لَهُ أَن يعصيني مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأمته مَرْحُومَة أَعطيتهم من النَّوَافِل مثل مَا أَعْطَيْت الْأَنْبِيَاء وافترضت عَلَيْهِم الْفَرَائِض الَّتِي افترضت على الْأَنْبِيَاء وَالرسل حَتَّى يأتوني يَوْم الْقِيَامَة ونورهم مثل نور الْأَنْبِيَاء وَذَلِكَ أَنِّي افترضت عَلَيْهِم أَن يَتَطَهَّرُوا لي لكل صَلَاة كَمَا افترضت على الْأَنْبِيَاء قبلهم وأمرتهم بِالْغسْلِ من الْجَنَابَة كَمَا أمرت الْأَنْبِيَاء قبلهم وأمرتهم بِالْحَجِّ كَمَا أمرت الْأَنْبِيَاء قبلهم وأمرتهم بِالْجِهَادِ كَمَا أمرت الرُّسُل قبلهم
يَا دَاوُد إِنِّي فضَّلت مُحَمَّدًا وَأمته على الْأُمَم أَعطيتهم سِتّ خِصَال لم أعطيها غَيرهم من الْأُمَم
لَا أؤاخذهم بالْخَطَأ وَالنِّسْيَان وكل ذَنْب ركبوه على غير عمد إِذا استغفروني مِنْهُ غفرته وَمَا قدمُوا لآخرتهم من شَيْء طيبَة بِهِ أنفسهم عجلته لَهُم أضعافاً مضاعفة وَلَهُم عِنْدِي أَضْعَاف مضاعفة وَأفضل من ذَلِك وأعطيتهم على المصائب فِي البلايا إِذا صَبَرُوا وَقَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون الصَّلَاة وَالرَّحْمَة وَالْهدى إِلَى جنَّات النَّعيم فَإِن دَعونِي استجبت لَهُم فإمَّا أَن يروه عَاجلا وَإِمَّا أَن أصرف عَنْهُم سوءا وَإِمَّا أَن أؤخره لَهُم فِي الْآخِرَة يَا دَاوُد من لَقِيَنِي من أمة مُحَمَّد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنا وحدي لَا شريك لي صَادِقا بهَا فَهُوَ معي فِي جنتي وكرامتي وَمن لَقِيَنِي وَقد كذب مُحَمَّدًا وَكذب بِمَا جَاءَ بِهِ واستهزأ بكتابي صببت عَلَيْهِ فِي قَبره الْعَذَاب صبا وَضربت الْمَلَائِكَة وَجهه وَدبره عِنْد منشره من قَبره ثمَّ أدخلهُ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أجد فِي الْكتب أَن هَذِه الْأمة تحب ذكر الله كَمَا تحب الْحَمَامَة وَكرها وَلَهُم أسْرع إِلَى ذكر الله من الإِبل إِلَى وردهَا يَوْم ظمئها

(3/581)


قَوْله تَعَالَى: {وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} الْآيَة
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن حبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ رجل من الْأَعْرَاب يستفتيه عَن الرجل مَا الَّذِي يحل لَهُ وَالَّذِي يحرم عَلَيْهِ فِي مَاله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبِله وغنمه فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحلَّ لَك الطَّيِّبَات وَحرم عَلَيْك الْخَبَائِث إِلَّا أَن تفْتَقر إِلَى طَعَام فتأكل مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنهُ
قَالَ: مَا فقري الَّذِي آكل ذَلِك إِذا بلغته أمْ مَا غناي الَّذِي يغنيني عَنهُ قَالَ: إِذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ بلحوم ماشيتك إِلَى نتاجك أَو كنت ترجو عشَاء تصيبه مدْركا فتبلغ إِلَيْهِ بلحوم ماشيتك وَإِذا كنت لَا ترجو من ذَلِك شَيْئا فاطعم أهلك مَا بدا لَك حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنهُ
قَالَ الْأَعرَابِي: وَمَا عشائي الَّذِي أَدَعهُ إِذا وجدته قَالَ: إِذا رويت أهلك غبوقاً من اللَّبن فاجتنب مَا حرم عَلَيْك من الطَّعَام وَأما مَالك فَإِنَّهُ ميسور كُله لَيْسَ مِنْهُ حرَام غير أَن نتاجك من إبلك فرعا وَفِي نتاجك من غنمك فرعا تغذوه ماشيتك حَتَّى تَسْتَغْنِي ثمَّ إِن شِئْت فاطعمه أهلك وَإِن شِئْت تصدَّق بِلَحْمِهِ وَأمره أَن يعقر من الْغنم فِي كل مائَة عشرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات} قَالَ: الْحَلَال {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قَالَ: الثقيل الَّذِي كَانَ فِي دينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} قَالَ: كلحم الْخِنْزِير والربا وَمَا كَانُوا يسْتَحلُّونَ من الْمُحرمَات من المآكل الَّتِي حرَّمها الله
وَفِي قَوْله {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قَالَ: هُوَ مَا كَانَ أَخذ الله عَلَيْهِم من الْمِيثَاق فِيمَا حرم عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} قَالَ: عَهدهم ومواثيقهم فِي تَحْرِيم مَا أحلَّ الله لَهُم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} يَقُول: يضع عَنْهُم عهودهم ومواثيقهم الَّتِي أخذت عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم}

(3/582)


قَالَ: التَّشْدِيد فِي الْعِبَادَة كَانَ أحدهم يُذنب الذَّنب فَيكْتب على بَاب دَاره: إِن توبتك أَن تخرج أَنْت وَأهْلك وَمَالك إِلَى الْعَدو فَلَا ترجع حَتَّى يَأْتِي الْمَوْت على آخركم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} قَالَ: مَا غلظ على بني إِسْرَائِيل من قرض الْبَوْل من جُلُودهمْ إِذا أَصَابَهُم وَنَحْوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شودب فِي قَوْله {والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قَالَ: الشدائد الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قَالَ: تَشْدِيد شدد على الْقَوْم فجَاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتجاوز عَنْهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} قَالَ: مَا غلظوا على أنفسهم من قطع أثر الْبَوْل وتتبع الْعُرُوق فِي اللَّحْم وَشبهه
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} قَالَ: عَهدهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وعزروه} يَعْنِي عَظَّموه وَوَقَّروه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وعزَّروه ونصروه} قَالَ: بِالسَّيْفِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وعزَّروه} يَقُول: نصروه
قَالَ: فَأَما نَصره وتعزيره قد سبقتم بِهِ وَلَكِن خَيركُمْ من آمن وَاتبع النُّور الَّذِي أنزل مَعَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وعزروه} قَالَ: شدوا أمره وأعانوا رَسُوله ونصروه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (وعزروه) مثقلة

- الْآيَة (158)

(3/583)


قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود فَقَالَ {يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا}
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَت بَين أبي بكر وَعمر محاورة فاغضب أَبُو بكر عمر فَانْصَرف عمر عَنهُ مغضباً فَأتبعهُ أَبُو بكر فَسَأَلَهُ أَن يسْتَغْفر لَهُ فَلم يفعل حَتَّى أغلق بَابه فِي وَجهه فَأقبل أَبُو بكر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَدم عمر على مَا كَانَ مِنْهُ فَأقبل حَتَّى سلَّم وَجلسَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقصَّ الْخَبَر فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي إِنِّي قلت {يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} فقلتم: كذبت
وَقَالَ أَبُو بكر: صدقت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يُؤمن بِاللَّه وكلماته} قَالَ: عِيسَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (يُؤمن بِاللَّه وكلماته) على الْجِمَاع

- الْآيَة (159 - 162)

(3/584)


وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)

وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب أجد أمة انجيلهم فِي قُلُوبهم قَالَ: تِلْكَ أمة تكون بعْدك أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب أجد أمة يصلونَ الْخمس تكون كَفَّارَة لما بَينهُنَّ قَالَ: تِلْكَ أمة تكون بعْدك أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب أجد أمة يُعْطون صدقَات أَمْوَالهم ثمَّ ترجع فيهم فَيَأْكُلُونَ قَالَ: تِلْكَ أمة تكون بعْدك أمة أَحْمد
قَالَ: يَا رب اجْعَلنِي من أمة أَحْمد
فَأنْزل الله كَهَيئَةِ المرضية لمُوسَى {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي ليلى الْكِنْدِيّ قَالَ: قَرَأَ عبد الله بن مَسْعُود {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} فَقَالَ رجل: مَا أحب إِنِّي مِنْهُم
فَقَالَ عبد الله: لم مَا يزِيد صالحوكم على أَن يَكُونُوا مثلهم وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمن قوم مُوسَى أمة} الْآيَة
قَالَ: بَلغنِي أَن بني إِسْرَائِيل لما قتلوا أنبياءهم وَكَفرُوا وَكَانُوا اثْنَي عشر سبطاً تَبرأ سبط مِنْهُم مِمَّا صَنَعُوا وَاعْتَذَرُوا وسألوا الله أَن يفرق بَينهم وَبينهمْ فَفتح الله لَهُم نفقاً فِي الأَرْض فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرجُوا من وَرَاء الصين فهم هُنَالك حنفَاء مستقلين يستقبلون قبلتنا
قَالَ ابْن جريج: قَالَ ابْن عَبَّاس: فَذَلِك قَوْله {وَقُلْنَا من بعده لبني إِسْرَائِيل اسكنوا الأَرْض فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة جِئْنَا بكم لفيفاً} الإِسراء الْآيَة 104 ووعد الْآخِرَة عِيسَى بن مَرْيَم
قَالَ ابْن عَبَّاس: سَارُوا فِي السرب سنة وَنصفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: افْتَرَقت بَنو إِسْرَائِيل بعد مُوسَى إِحْدَى وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة وافترقت النَّصَارَى بعد عِيسَى على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة وتفترق هَذِه الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة فَأَما الْيَهُود فَإِن الله يَقُول {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} وَأما النَّصَارَى فَإِن الله يَقُول {مِنْهُم أمة مقتصدة} الْمَائِدَة الْآيَة 66 فَهَذِهِ الَّتِي تنجو وَأما نَحن فَيَقُول {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 181 فَهَذِهِ الَّتِي تنجو من هَذِه الْأمة

(3/585)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل قَالَ: إِن مِمَّا فضل الله بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عاين لَيْلَة الْمِعْرَاج قوم مُوسَى الَّذين من وَرَاء الصين وَذَلِكَ أَن بني إِسْرَائِيل حِين عمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَقتلُوا الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس دعوا رَبهم وهم بِالْأَرْضِ المقدسة فَقَالُوا: اللهمَّ أخرجنَا من بَين أظهرهم فَاسْتَجَاب لَهُم فَجعل لَهُم سرباً فِي الأَرْض فَدَخَلُوا فِيهِ وَجعل مَعَهم نَهرا يجْرِي وَجعل لَهُم مصباحاً من نور بَين أَيْديهم فَسَارُوا فِيهِ سنة وَنصفا وَذَلِكَ من بَيت الْمُقَدّس إِلَى مجلسهم الَّذِي هم فِيهِ فَأخْرجهُمْ الله إِلَى أَرض تَجْتَمِع فِيهَا الْهَوَام والبهائم وَالسِّبَاع مختلطين بهَا لَيْسَ فِيهَا ذنُوب وَلَا معاص فَأَتَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة وَمَعَهُ جِبْرِيل فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ وعلَّمهم الصَّلَاة وَقَالُوا: إِن مُوسَى قد بشَّرهم بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} قَالَ: بَيْنكُم وَبينهمْ نهر من سهل يَعْنِي من رمل يجْرِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَفْوَان بن عَمْرو قَالَ: هم الَّذين قَالَ الله {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} يَعْنِي سبطان من أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل يَوْم الملحمة الْعُظْمَى ينْصرُونَ الإِسلام وَأَهله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِن لله عباداً من وَرَاء الأندلس كَمَا بَيْننَا وَبَين الأندلس لَا يرَوْنَ أَن الله عَصَاهُ مَخْلُوق رضراضهم الدّرّ والياقوت وجبالهم الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يزرعون وَلَا يحصدون وَلَا يعْملُونَ عملا لَهُم شجر على أَبْوَابهم لَهَا أوراق عراض هِيَ لبوسهم وَلَهُم شجر على أَبْوَابهم لَهَا ثَمَر فَمِنْهَا يَأْكُلُون
قَوْله تَعَالَى: {فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا}
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فانبجست} قَالَ: فانفجرت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} قَالَ: أجْرى الله من الصَّخْرَة اثْنَتَيْ عشرَة عينا لكل عين يشربون مِنْهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت بشر بن أبي حَازِم يَقُول: فاسلبت العينان مني بواكف كَمَا انهل من واهي الكلى المتبجس

(3/586)


- الْآيَة (163 - 166)

(3/587)


وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)

- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس وَهُوَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة {واسألهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر} قَالَ: يَا عِكْرِمَة هَل تَدْرِي أَي قَرْيَة هَذِه قلت: لَا
قَالَ: هِيَ أَيْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب {واسألهم عَن الْقرْيَة} هِيَ طبرية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {واسألهم عَن الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ قَرْيَة يُقَال لَهَا مقنا بَين مَدين وعينونا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {واسألهم عَن الْقرْيَة} هِيَ مَدين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِذْ يعدون فِي السبت} قَالَ: يظْلمُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {شرعا} يَقُول: من كل مَكَان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {شرعا} قَالَ: ظَاهِرَة على المَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {شرعا} قَالَ: وَارِدَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واسألهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر} قَالَ: هِيَ قَرْيَة على شاطىء الْبَحْر بَين مصر

(3/587)


وَالْمَدينَة يُقَال لَهَا أَيْلَة فحرَّم الله عَلَيْهِم الْحيتَان يَوْم سبتهم فَكَانَت تأتيهم يَوْم سبتهم شرعا فِي سَاحل الْبَحْر فَإِذا مضى يَوْم السبت لم يقدروا عَلَيْهَا فَمَكَثُوا كَذَلِك مَا شَاءَ الله ثمَّ إِن طَائِفَة مِنْهُم أخذُوا الْحيتَان يَوْم سبتهم فنهتهم طَائِفَة فَلم يزدادوا إِلَّا غيّاً
فَقَالَت طَائِفَة من النهاة: تعلمُونَ أَن هَؤُلَاءِ قوم قد حق عَلَيْهِم الْعَذَاب {لم تعظون قوما الله مهلكهم} وَكَانُوا أَشد غَضبا من الطَّائِفَة الْأُخْرَى وكل قد كَانُوا ينهون فَلَمَّا وَقع عَلَيْهِم غضب الله نجت الطائفتان اللَّتَان قَالَتَا: لم تعظون وَالَّذين {قَالُوا معذرة إِلَى ربكُم} وَأهْلك الله أهل مَعْصِيَته الَّذين أخذُوا الْحيتَان فجعلهم قردة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واسألهم عَن الْقرْيَة} الْآيَة
قَالَ: إِن الله إِنَّمَا افْترض على بني إِسْرَائِيل الْيَوْم الَّذِي افْترض عَلَيْكُم يَوْم الْجُمُعَة فخالفوا إِلَى يَوْم السبت فعظَّموه وَتركُوا مَا أمروا بِهِ فَلَمَّا ابتدعوا السبت ابتلوا فِيهِ فَحرمت عَلَيْهِم الْحيتَان وَهِي قَرْيَة يُقَال لَهَا مَدين أَيْلَة وَالطور فَكَانُوا إِذا كَانَ يَوْم السبت شرعت لَهُم الْحيتَان ينظرُونَ إِلَيْهَا فِي الْبَحْر فَإِذا انْقَضى السبت ذهبت فَلم تَرَ حَتَّى مثله من السبت الْمقبل فَإِذا جَاءَ السبت عَادَتْ شرعا ثمَّ إِن رجلا مِنْهُم أَخذ حوتاً فحزمه بخيط ثمَّ ضرب لَهُ وتداً فِي السَّاحِل وربطه وَتَركه فِي المَاء فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَ فَأَخذه فَأَكله سرا فَفَعَلُوا ذَلِك وهم ينظرُونَ وَلَا يتناهون إِلَّا بَقِيَّة مِنْهُم فنهوهم حَتَّى إِذا ظهر ذَلِك فِي الْأَسْوَاق عَلَانيَة قَالَت طَائِفَة للَّذين ينهونهم {لم تعظون قوما الله مهلكهم أَو معذبهم عذَابا شَدِيدا} قَالُوا {معذرة إِلَى ربكُم} فِي سخطنا أَعْمَالهم {ولعلهم يَتَّقُونَ} فَكَانُوا أَثلَاثًا
ثلثا نهى وَثلثا قَالُوا {لم تعظون} وَثلثا أَصْحَاب الْخَطِيئَة فَمَا نجا إِلَّا الَّذين نهوا وَهلك سَائِرهمْ فَأصْبح الَّذين نهوا ذَات غَدَاة فِي مجَالِسهمْ يتفقدون النَّاس لَا يرونهم وَقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عَلَيْهِم دُورهمْ فَجعلُوا يَقُولُونَ: إِن للنَّاس شَأْنًا فانظروا مَا شَأْنهمْ فَاطَّلَعُوا فِي دُورهمْ فَإِذا الْقَوْم قد مسخوا يعْرفُونَ الرجل بِعَيْنِه وَأَنه لقرد وَالْمَرْأَة بِعَينهَا وانها لقردة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عِكْرِمَة قَالَ: جِئْت ابْن عَبَّاس يَوْمًا وَهُوَ يبكي وَإِذا الْمُصحف فِي حجره فَقلت: مَا يبكيك يَا ابْن عَبَّاس فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الورقات
وَإِذا فِي سُورَة الْأَعْرَاف قَالَ: تعرف أَيْلَة قلت: نعم
قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ بهَا حَيّ من يهود سيقت الْحيتَان إِلَيْهِم يَوْم السبت

(3/588)


ثمَّ غاصت لَا يقدرُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يغوصوا عَلَيْهَا بعد كد وَمؤنَة شَدِيدَة وَكَانَت تأتيهم يَوْم السبت شرعا بيضًا سمانا كَأَنَّهَا الماخض فَكَانُوا كَذَلِك بُرْهَة من الدَّهْر ثمَّ إِن الشَّيْطَان أوحى إِلَيْهِم فَقَالَ: إِنَّمَا نهيتم عَن أكلهَا يَوْم السبت فخذوها فِيهِ وكلوها فِي غَيره من الْأَيَّام
فَقَالَت: ذَلِك طَائِفَة مِنْهُم وَقَالَت طَائِفَة: بل نهيتم عَن أكلهَا وَأَخذهَا وصيدها فِي يَوْم السبت فعدت طَائِفَة بأنفسها وأبنائها ونسائها واعتزلت طَائِفَة ذَات الْيَمين وتنحَّت واعتزلت طَائِفَة ذَات الْيَسَار وسكتت وَقَالَ الأيمنون: وَيْلكُمْ

لَا تتعرضوا لعقوبة الله وَقَالَ الأيسرون {لم تعظون قوما الله مهلكهم أَو معذبهم عذَابا شَدِيدا} قَالَ الأيمنون: {معذرة إِلَى ربكُم ولعلهم يَتَّقُونَ} ان ينْتَهوا فَهُوَ أحب إِلَيْنَا أَن لَا يصابوا وَلَا يهْلكُوا وَأَن لم ينْتَهوا فمعذرة إِلَى ربكُم
فَمَضَوْا على الْخَطِيئَة وَقَالَ الأيمنون: قد فَعلْتُمْ يَا أَعدَاء الله وَالله لنبايننَّكم اللَّيْلَة فِي مدينتكم وَالله مَا أَرَاكُم تُصبحُونَ حَتَّى يصبحكم الله بخسف أَو قذف أَو بعض مَا عِنْده من الْعَذَاب فَلَمَّا أَصْبحُوا ضربوا عَلَيْهِم الْبَاب وَنَادَوْا فَلم يجابوا فوضعوا سلما وعلوا سور الْمَدِينَة رجلا فَالْتَفت إِلَيْهِم فَقَالَ: أَي عباد الله قردة - وَالله - تعاوى لَهَا أَذْنَاب

ففتحوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِم فَعرفت القردة أنسابها من الانس وَلَا تعرف الانس أنسابها من القردة فَجعلت القرود تَأتي نسيبها من الانس فتشم ثِيَابه وتبكي فَيَقُول: ألم ننهكم فَتَقول برأسها: أَي نعم
ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ أنجينا الَّذين ينهون عَن السوء وأخذنا الَّذين ظلمُوا بِعَذَاب بئيس} قَالَ: أَلِيم وجيع
قَالَ: فارى الَّذين نهوا قد نَجوا وَلَا أرى الآخرين ذكرُوا وَنحن نرى أَشْيَاء ننكرها وَلَا نقُول فِيهَا
قلت: أَي جعلني الله فدَاك أَلا ترى أَنهم كَرهُوا مَا هم عَلَيْهِ وخالفوهم وَقَالُوا {لم تعظون قوما الله مهلكهم} قَالَ: فَأمر بِي فكسيت ثَوْبَيْنِ غليظين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت قَرْيَة على سَاحل الْبَحْر يُقَال لَهَا ايلة وَكَانَ على سَاحل الْبَحْر صنمان من حِجَارَة مستقبلان المَاء يُقَال لأَحَدهمَا لقيم وَالْآخر لقمانة فَأوحى الله إِلَى السّمك: أَن حج يَوْم السبت إِلَى الصنمين وَأوحى إِلَى أهل الْقرْيَة: أَنِّي قد أمرت السّمك أَن يحجوا إِلَى الصنمين يَوْم السبت فَلَا تعرضوا للسمك يَوْم لَا يمْتَنع مِنْكُم فَإِذا ذهب السبت فشأنكم بِهِ فصيدوه فَكَانَ إِذا طلع الْفجْر يَوْم السبت أقبل السّمك شرعا إِلَى الصنمين لَا يمْتَنع من آخذ يَأْخُذهُ فَظهر

(3/589)


يَوْم السبت شَيْء من السّمك فِي الْقرْيَة فَقَالُوا: نَأْخُذهُ يَوْم السبت فنأكله يَوْم الْأَحَد فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت الآخر ظهر أَكثر من ذَلِك فَلَمَّا كَانَ السبت الآخر ظهر السّمك فِي الْقرْيَة فَقَامَ إِلَيْهِم قوم مِنْهُم فوعظوهم فَقَالُوا: اتَّقوا الله
فَقَامَ آخَرُونَ فَقَالُوا {لم تعظون قوما الله مهلكهم أَو معذبهم عذَابا شَدِيدا قَالُوا معذرة إِلَى ربكُم ولعلهم يَتَّقُونَ} فَلَمَّا كَانَ سبت من تِلْكَ الأسبات فشى السّمك فِي الْقرْيَة فَقَامَ الَّذين نهوا عَن السوء فَقَالُوا: لَا نبيت مَعكُمْ اللَّيْلَة فِي هَذِه الْقرْيَة
فَقيل لَهُم: لَو أَصْبَحْتُم فانقلبتم بذراريكم ونسائكم
قَالُوا: لَا نبيت مَعكُمْ اللَّيْلَة فِي هَذِه الْقرْيَة فَإِن أَصْبَحْنَا غدونا فاخرجنا ذرارينا وأمتعتنا من بَين ظهرانيكم وَكَانَ الْقَوْم شَاتين فَلَمَّا أَمْسوا أغلقوا أَبْوَابهم فَلَمَّا أَصْبحُوا لم يسمع الْقَوْم لَهُم صَوتا وَلم يرَوا سرجاً خرج من الْقرْيَة

قَالُوا: قد أصَاب أهل الْقرْيَة شَرّ

فبعثوا رجلا مِنْهُم ينظر إِلَيْهِم فَلَمَّا أَتَى الْقرْيَة إِذا الْأَبْوَاب مغلقة عَلَيْهِم فَاطلع فِي دَار فَإِذا هم قرود كلهم الْمَرْأَة أُنْثَى وَالرجل ذكر ثمَّ اطلع فِي دَار أُخْرَى فَإِذا هم كَذَلِك الصَّغِير صَغِير وَالْكَبِير كَبِير وَرجع إِلَى الْقَوْم فَقَالَ: يَا قوم نزل بِأَهْل الْقرْيَة مَا كُنْتُم تحذرون أَصْبحُوا قردة كلهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يفتحوا الْأَبْوَاب فَدَخَلُوا عَلَيْهِم فَإِذا هم قردة كلهم فَجعل الرجل يومىء إِلَى القرد مِنْهُم أَنْت فلَان فيومىء بِرَأْسِهِ: نعم
وهم يَبْكُونَ فَقَالُوا: أبعدكم الله قد حذرناكم هَذَا ففتحوا لَهُم الْأَبْوَاب فَخَرجُوا فَلَحقُوا بالبرية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نجا الناهون وَهلك الفاعلون وَلَا أَدْرِي مَا صنع بالساكتين
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَالله لَئِن أكون علمت أَن الْقَوْم الَّذين قَالُوا {لم تعظون قوما} نَجوا مَعَ الَّذين نهوا عَن السوء أحب إِلَى مَا عدل بِهِ
وَفِي لفظ: من حمر النعم
وَلَكِنِّي أَخَاف أَن تكون الْعقُوبَة نزلت بهم جَمِيعًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا أَدْرِي انجا الَّذين قَالُوا لم تعظون قوما أم لَا قَالَ: فَمَا زلت أبصره حَتَّى عرف أَنهم قد نَجوا فكساني حلَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ: مسخوا حِجَارَة الَّذين قَالُوا {لم تعظون قوما الله مهلكهم}

(3/590)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {واسألهم عَن الْقرْيَة} الْآيَة
قَالَ: كَانَ حوتاً حرمه الله عَلَيْهِم فِي يَوْم وأحله لَهُم فِيمَا سوى ذَلِك فَكَانَ يَأْتِيهم فِي الْيَوْم الَّذِي حرَّمه الله عَلَيْهِم كَأَنَّهُ الْمَخَاض مَا يمْتَنع من أحد فَجعلُوا يهمون ويمسكون وقلما رَأَيْت أحدا أَكثر الأهتمام بالذنب إِلَّا واقعه فَجعلُوا يهمون ويمسكون حَتَّى أَخَذُوهُ فأكلو بهَا - وَالله - أوخم أَكلَة أكلهَا قوم قطّ أبقاه خزياً فِي الدُّنْيَا وأشده عُقُوبَة فِي الْآخِرَة وأيم الله لِلْمُؤمنِ أعظم حُرْمَة عِنْد الله من حوت وَلَكِن الله عز وَجل جعل موعد قوم السَّاعَة والساعة أدهى وَأمر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَخذ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رجلا يحمل حطباً يَوْم السبت وَكَانَ مُوسَى يسبت فصلبه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احتطب رجل فِي السبت وَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يسبت فصلبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ: كَانَ حفظي عَن عَاصِم (بِعَذَاب بئيس) على معنى فعيل ثمَّ دخلني مِنْهَا شكّ فَتركت رِوَايَتهَا عَن عَاصِم وأخذتها عَن الْأَعْمَش (بِعَذَاب بئيس) على معنى فعيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بِعَذَاب بئيس} قَالَ: لَا رَحْمَة فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {بِعَذَاب بئيس} قَالَ: وجيع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بِعَذَاب بئيس} قَالَ: أَلِيم بِشدَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: نُودي الَّذين اعتدوا فِي السبت ثَلَاثَة أصوات نُودُوا يَا أهل الْقرْيَة فانتبهت طَائِفَة ثمَّ نُودُوا يَا أهل الْقرْيَة فانتبهت طَائِفَة أَكثر من الأولى ثمَّ نُودُوا يَا أهل الْقرْيَة فانتبه الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان فَقَالَ الله لَهُم {كونُوا قردة خَاسِئِينَ} الْبَقَرَة آيَة 65 فَجعل الَّذين نهوهم يدْخلُونَ عَلَيْهِم فَيَقُولُونَ: يَا فلَان ألم ننهكم فَيَقُولُونَ برؤوسهم: أَي بلَى

(3/591)


وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وماهان الْحَنَفِيّ قَالَ: لما مسخوا جعل الرجل يشبه الرجل وَهُوَ قرد فَيُقَال: أَنْت فلَان

فيومىء إِلَى يَدَيْهِ بِمَا كسبت يداي
وَأخرج ابْن بطة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا ترتكبوا مَا ارتكبت الْيَهُود فتستحلوا محارم الله بِأَدْنَى الْحِيَل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان قَالَ: قَالُوا لعبد الله بن عبد الْعَزِيز الْعمريّ فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر: تَأمر من لَا يقبل مِنْك قَالَ: يكون معذرة وَقَرَأَ {قَالُوا معذرة إِلَى ربكُم}

- الْآيَة (167 - 168)

(3/592)


وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ تَأذن رَبك} الْآيَة
قَالَ: الَّذين يسومونهم سوء الْعَذَاب مُحَمَّد وَأمته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَسُوء الْعَذَاب الْجِزْيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ تَأذن رَبك} الْآيَة
قَالَ: هم الْيَهُود بعث عَلَيْهِم الْعَرَب يجبونهم الْخراج فَهُوَ سوء الْعَذَاب وَلم يكن من نَبِي جبا الْخراج إِلَّا مُوسَى جباه ثَلَاث عشرَة سنة ثمَّ كفَّ عَنهُ وَلَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي قَوْله {وقطعناهم} الْآيَة
قَالَ: هم الْيَهُود بسطهم الله فِي الأَرْض فَلَيْسَ فِي الأَرْض بقْعَة إِلَّا وفيهَا عِصَابَة مِنْهُم وَطَائِفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ تَأذن رَبك} يَقُول: قَالَ رَبك: ليبْعَثن عَلَيْهِم قَالَ: على الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {من يسومهم سوء الْعَذَاب} فَبعث الله عَلَيْهِم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْخُذُونَ مِنْهُم الْجِزْيَة وهم صاغرون {وقطعناهم فِي الأَرْض أمماً} قَالَ:

(3/592)


يهود {مِنْهُم الصالحون} وهم مسلمة أهل الْكتاب {وَمِنْهُم دون ذَلِك} قَالَ: الْيَهُود {وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ} قَالَ: الرخَاء والعافية {والسيئات} قَالَ: الْبلَاء والعقوبة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {وقطعناهم فِي الأَرْض أمماً} مَا الْأُمَم قَالَ: الْفرق وَقَالَ فِيهِ بشر بن أبي حَازِم: من قيس غيلَان فِي ذوائبها مِنْهُم وهم بعد قادة الْأُمَم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات} قَالَ: بِالْخصْبِ والجدب

- الْآيَة (169 - 170)

(3/593)


فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {فخلف من بعدهمْ خلف ورثوا الْكتاب يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى} قَالَ: أَقوام يقبلُونَ على الدُّنْيَا فيأكلونها ويتبعون رخص الْقُرْآن وَيَقُولُونَ: سيغفر لنا وَلَا يعرض لَهُم شَيْء من الدُّنْيَا إِلَّا أَخَذُوهُ وَيَقُولُونَ: سيغفرلنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فخلف من بعدهمْ خلف} قَالَ: النَّصَارَى {يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى} قَالَ: مَا أشرف لَهُم شَيْء من الدُّنْيَا حَلَالا أَو حَرَامًا يشتهونه أَخَذُوهُ ويتمنون الْمَغْفِرَة وَإِن يَجدوا آخر مثله يأخذونه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فخلف من بعدهمْ خلف} الْآيَة
يَقُول: يَأْخُذُونَ مَا أَصَابُوا ويتركون مَا شاؤوا من حَلَال أَو حرَام وَيَقُولُونَ سيغفر لنا

(3/593)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فخلف من بعدهمْ خلف} قَالَ: خلف سوء {ورثوا الْكتاب} بعد أَنْبِيَائهمْ ورسلهم أورثهم الله الْكتاب وعهد الله إِلَيْهِم {يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا} قَالَ: آمانيٌّ تمنوها على الله وغرة يغترون بهَا {وَإِن يَأْتهمْ عرض مثله يأخذوه} وَلَا يشغلهم شَيْء عَن شَيْء وَلَا ينهاهم شَيْء عَن ذَلِك كلما أشرف لَهُم شَيْء من الدُّنْيَا أَخَذُوهُ وَلَا يبالون حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا} قَالَ: كَانُوا يعْملُونَ بِالذنُوبِ وَيَقُولُونَ: سيغفرلنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء فِي قَوْله {يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا} قَالَ: يَأْخُذُونَ مَا عرض لَهُم من الدُّنْيَا وَيَقُولُونَ: نَسْتَغْفِر الله ونتوب إِلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل لَا يستقضون قَاضِيا إِلَّا ارتشى فِي الحكم فَإِذا قيل لَهُ يَقُول: سيغفر لي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْجلد قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان تخرب صُدُورهمْ من الْقُرْآن وتتهافت وتبلى كَمَا تبلى ثِيَابهمْ لَا يَجدونَ لَهُم حلاوة وَلَا لذاذة إِن قصروا عَمَّا أُمروا بِهِ قَالُوا: إِن الله غَفُور رَحِيم وَإِن عمِلُوا بِمَا نهوا عَنهُ قَالُوا: سيغفر لنا إِنَّا لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا أَمرهم كُله طمع لَيْسَ فِيهِ خوف لبسوا جُلُود الضان على قُلُوب الذئاب أفضلهم فِي نَفسه المدهن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: الْمُؤمن يعلم أَن مَا قَالَ الله كَمَا قَالَ الله وَالْمُؤمن أحسن عملا وأشدَّ النَّاس خوفًا لَو أنْفق جبلا من مَال مَا أَمن دون أَن يعاين لَا يزْدَاد صلاحاً وبرّاً وَعبادَة إِلَّا ازْدَادَ فرقا يَقُول: أَلا أنجوه

وَالْمُنَافِق يَقُول: سَواد النَّاس كثير وسيغفر لي وَلَا بَأْس عليَّ فيسيء الْعَمَل ويتمنى على الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {ألم يُؤْخَذ عَلَيْهِم مِيثَاق الْكتاب أَن لَا يَقُولُوا على الله إِلَّا الْحق} فِيمَا يوجهون على الله من غفران ذنوبهم الَّتِي لَا يزالون يعودون إِلَيْهَا وَلَا يتوبون مِنْهَا

(3/594)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ودرسوا مَا فِيهِ} قَالَ: علمُوا مَا فِي الْكتاب لم يأتوه بِجَهَالَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} قَالَ: هِيَ لأهل الْأَيْمَان مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} قَالَ: من الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} قَالَ: الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام

- الْآيَة (171)

(3/595)


وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} يَقُول: رفعناه وَهُوَ قَوْله {ورفعنا فَوْقهم الطّور بميثاقهم} النِّسَاء الْآيَة 154 فَقَالَ {خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة} وَإِلَّا أَرْسلتهُ عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ نتقنا الْجَبَل} قَالَ: رفعته الْمَلَائِكَة فَوق رؤوسهم فَقيل لَهُم {خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة} فَكَانُوا إِذا نظرُوا إِلَى الْجَبَل قَالُوا: سمعنَا وأطعنا وَإِذا نظرُوا إِلَى الْكتاب قَالُوا: سمعنَا وعصينا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنِّي لأعْلم لم تسْجد الْيَهُود على حرف قَالَ الله {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة وظنوا أَنه وَاقع بهم} قَالَ: لتأخذن أَمْرِي أَو لأرمينكم بِهِ فسجدوا وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ مَخَافَة أَن يسْقط عَلَيْهِم فَكَانَت سَجْدَة رضيها الله تَعَالَى فاتخذوها سنة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: أَتَى ابْن عَبَّاس يَهُودِيّ وَنَصْرَانِي فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: مَا دعَاكُمْ أَن تسجدوا بجباهكم فَلم يدر مَا يجِيبه فَقَالَ: سجدتم بجباهكم لقَوْل

(3/595)


الله {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} فخررتم لجباهكم تنْظرُون إِلَيْهِ وَقَالَ لِلنَّصْرَانِيِّ: سجدتم إِلَى الشرق لقَوْل الله {إِذْ انتبذت من أَهلهَا مَكَانا شرقياً} مَرْيَم الْآيَة 16
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: إِن هَذَا الْجَبَل جبل الطّور هُوَ الَّذِي رفع على بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ نتقنا الْجَبَل} قَالَ: كَمَا تنتق الزبدة أخرجنَا الْجَبَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ثَابت بن الْحجَّاج قَالَ: جَاءَتْهُم التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة فَكبر عَلَيْهِم فَأَبَوا أَن يأخذوه حَتَّى ظلَّل الله عَلَيْهِم الْجَبَل فَأَخَذُوهُ عِنْد ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَإِذ نتقنا الْجَبَل} قَالَ: انتزعه الله من أَصله ثمَّ جعله فَوق رؤوسهم ثمَّ قَالَ: لتأخذن أَمْرِي أَو لأرمينكم بِهِ
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: كتب هِرقل ملك الرّوم إِلَى مُعَاوِيَة يسْأَله عَن الشَّيْء وَلَا شَيْء وَعَن دين لَا يقبل الله غَيره وَعَن مِفْتَاح الصَّلَاة وَعَن غرس الْجنَّة وَعَن صلا ة كل شَيْء وَعَن أَرْبَعَة فيهم الرّوح وَلم يركضوا فِي اصلاب الرِّجَال وَلَا ارحام النِّسَاء وَعَن رجل لَا أَب لَهُ وَعَن رجل لَا قوم لَهُ وَعَن قبر جرى بِصَاحِبِهِ وَعَن قَوس قزَح وَعَن بقْعَة طلعت عَلَيْهَا الشَّمْس مرّة لم تطلع عَلَيْهَا قبلهَا وَلَا بعْدهَا وَعَن ظاعن ظعن مرّة لم يظعن قبلهَا وَلَا بعْدهَا وَعَن شَجَرَة نَبتَت بِغَيْر مَاء وَعَن شَيْء يتنفس لَا روح لَهُ وَعَن الْيَوْم وأمس وغد وَبعد غَد مَا أجزاؤها فِي الْكَلَام وَعَن الرَّعْد والبرق وصوته وَعَن المجرة وَعَن المحو الَّذِي فِي الْقَمَر فَقيل لَهُ: لست هُنَاكَ وَإنَّك مَتى تخطىء شَيْئا فِي كتابك إِلَيْهِ يغتمزه فِيك فَاكْتُبْ إِلَى ابْن عَبَّاس
فَكتب إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ ابْن عَبَّاس: أما الشَّيْء: فالماء قَالَ الله {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} واما لَا شَيْء: فالدنيا تبيد وتفنى وَأما الدّين الَّذِي لَا يقبل الله غَيره: فَلَا إِلَه إِلَّا الله وَأما مِفْتَاح الصَّلَاة: فَالله أكبر وَأما غرس الْجنَّة
فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما صَلَاة كل شَيْء: فسبحان الله وَبِحَمْدِهِ وَأما الْأَرْبَعَة الَّتِي فِيهَا الرّوح وَلم يرتكضوا فِي أصلاب الرِّجَال وَلَا أَرْحَام

(3/596)


النِّسَاء: فآدم وحواء وعصا مُوسَى والكبش الَّذِي فدى الله بِهِ إِسْحَق واما الرجل الَّذِي لَا أَب لَهُ: فعيسى بن مَرْيَم وَأما الرجل الَّذِي لَا قوم لَهُ: فآدم وَأما الْقَبْر الَّذِي جرى بِصَاحِبِهِ: فَالْحُوت حَيْثُ سَار بِيُونُس فِي الْبَحْر وَأما قَوس قزَح: فأمان الله لِعِبَادِهِ من الْغَرق وَأما الْبقْعَة الَّتِي طلعت عَلَيْهَا الشَّمْس وَلم تطلع عَلَيْهَا قبلهَا وَلَا بعْدهَا: فالبحر حَيْثُ انْفَلق لبني إِسْرَائِيل وَأما الظاعن الَّذِي ظعن مرّة لم يظعن قبلهَا وَلَا بعْدهَا: فجبل طور سيناء كَانَ بَينه وَبَين الأَرْض المقدسة أَربع لَيَال فَلَمَّا عَصَتْ بَنو إِسْرَائِيل أطاره الله بجناحين من نور فِيهِ ألوان الْعَذَاب فأظله الله عَلَيْهِم وناداهم مُنَاد إِن قبلتم التَّوْرَاة كشفته عَنْكُم وَإِلَّا أَلقيته عَلَيْكُم فَأخذُوا التَّوْرَاة معذورين فَرده الله إِلَى مَوْضِعه فَذَلِك قَوْله {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} الْآيَة وَأما الشَّجَرَة الَّتِي نَبتَت من غير مَاء: فاليقطينة الَّتِي أنبتت على يُونُس وَأما الَّذِي تنفس بِلَا روح فالصبح
قَالَ الله {وَالصُّبْح إِذا تنفس} التكوير الْآيَة 18 وَأما الْيَوْم: فَعمل وَأما أمس: فَمثل وَأما غَد: فأجل وَبعد غَد فأمل وَأما الْبَرْق: فمخاريق بأيدي الْمَلَائِكَة تضرب بهَا السَّحَاب وَأما الرَّعْد: فاسم الْملك الَّذِي يَسُوق السَّحَاب وصوته زَجره وَأما المجرة: فأبواب السَّمَاء وَمِنْهَا تفتح الْأَبْوَاب وَأما المحو الَّذِي فِي الْقَمَر فَقَوْل الله {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل} الاسراء الْآيَة 12 وَلَوْلَا ذَلِك المحو لم يعرف اللَّيْل من النَّهَار وَلَا النَّهَار من اللَّيْل
فَبعث بهَا مُعَاوِيَة إِلَى قَيْصر وَكتب إِلَيْهِ جَوَاب مسَائِله
فَقَالَ قَيْصر: مَا يعلم هَذَا إِلَّا نَبِي أَو رجل من أهل بَيت نَبِي
وَالله تَعَالَى أعلم

- الْآيَة (172 - 174)

(3/597)


وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)

- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} الْآيَة
قَالَ: خلق الله آدم وَأخذ ميثاقه أَنه ربه وَكتب أَجله ورزقه ومصيبته ثمَّ أخرج وَلَده من ظَهره كَهَيئَةِ الذَّر فَأخذ مواثيقهم أَنه رَبهم وَكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} الْآيَة
قَالَ: لما خلق الله آدم أَخذ ذُريَّته من ظَهره كَهَيئَةِ الذَّر ثمَّ سماهم بِأَسْمَائِهِمْ فَقَالَ: هَذَا فلَان بن فلَان يعْمل كَذَا وَكَذَا وَهَذَا فلَان بن فلَان يعْمل كَذَا وَكَذَا ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ قبضتين فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَهَؤُلَاء فِي النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك} الْآيَة
قَالَ: إِن الله خلق آدم ثمَّ أخرج ذُريَّته من صلبه مثل الذَّر فَقَالَ لَهُم: من ربكُم فَقَالُوا: الله رَبنَا
ثمَّ أعادهم فِي صلبه حَتَّى يُولد كل من أَخذ ميثاقه لَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أهبط آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين أهبط بدحناء فَمسح الله ظَهره فَأخْرج كل نسمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَالَ: أَلَسْت بربكم قَالُوا: بلَى
فَيَوْمئِذٍ جف الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: مسح الله على صلب آدم فَأخْرج من صلبه مَا يكون من ذُريَّته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأخذ ميثاقهم أَنه رَبهم وَأَعْطوهُ ذَلِك فَلَا يسْأَل أحد كَافِر وَلَا غَيره من رَبك إِلَّا قَالَ: الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ واللالكائي فِي السّنة عَن عبد الله بن عَمْرو فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالَ: أَخذهم من ظهْرهمْ كَمَا يُؤْخَذ بالمشط من الرَّأْس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مَنْدَه فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: أخرج ذُريَّته من صلبه كَأَنَّهُمْ الذَّر فِي آذىء من المَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله ضرب بِيَمِينِهِ على منْكب آدم فَخرج مِنْهُ مثل اللُّؤْلُؤ فِي كَفه فَقَالَ: هَذَا للجنة
وَضرب بِيَدِهِ

(3/598)


الْأُخْرَى على مَنْكِبه الشمَال فَخرج مِنْهُ سَواد مثل الحمم فَقَالَ: هَذَا ذَرْء النَّار
قَالَ: وَهِي هَذِه الْآيَة {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ والإِنس} الْأَعْرَاف الْآيَة 179
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: مسح الله ظهر آدم وَهُوَ بِبَطن نعْمَان - وَاد إِلَى جنب عَرَفَة - فَأخْرج مِنْهُ كل نسمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ أَخذ عَلَيْهِم الْمِيثَاق وتلا (أَن يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة) هَكَذَا قَرَأَهَا يَقُولُوا بِالْيَاءِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْكَرِيم بن أبي أُميَّة قَالَ: أخرجُوا من ظَهره مثل طَرِيق النَّمْل
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: أقرُّوا لَهُ بالإِيمان والمعرفة الْأَرْوَاح قبل أَن يخلق أجسادها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: خلق الله الْأَرْوَاح قبل أَن يخلق الأجساد فَأخذ ميثاقهم
وَأخرج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالُوا: لما أخرج الله آدم من الْجنَّة قبل تهبيطه من السَّمَاء مسح صفحة ظَهره الْيُمْنَى فَأخْرج مِنْهُ ذُريَّته بَيْضَاء مثل اللُّؤْلُؤ كَهَيئَةِ الذَّر فَقَالَ لَهُم: ادخُلُوا الْجنَّة برحمتي
وَمسح صفحة ظَهره الْيُسْرَى فَأخْرج مِنْهُ ذُرِّيَّة سَوْدَاء كَهَيئَةِ الذَّر فَقَالَ: ادخُلُوا النَّار وَلَا أُبَالِي
فَذَلِك قَوْله: أَصْحَاب الْيَمين وَأَصْحَاب الشمَال ثمَّ أَخذ مِنْهُم الْمِيثَاق فَقَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} فَأعْطَاهُ طَائِفَة طائعين وَطَائِفَة كارهين على وَجه التقية فَقَالَ: هُوَ وَالْمَلَائِكَة {شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة انَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل} قَالُوا: فَلَيْسَ أحد من ولد آدم إِلَّا وَهُوَ يعرف الله أَنه ربه وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وَله أسلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} آل عمرَان الْآيَة 83 وَذَلِكَ قَوْله {فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} الْأَنْعَام الْآيَة 149 يَعْنِي يَوْم أَخذ الْمِيثَاق

(3/599)


وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مُحَمَّد رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ: سَأَلت عمر بن الْخطاب عَن قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا سَأَلتنِي فَقَالَ خلق الله آدم بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه ثمَّ أجلسه فَمسح ظَهره بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأخْرج ذراً فَقَالَ: ذَرْء ذرأتهم للجنة ثمَّ مسح ظَهره بِيَدِهِ الْأُخْرَى - وكلتا يَدَيْهِ يَمِين - فَقَالَ: ذَرْء ذرأتهم للنار يعْملُونَ فِيمَا شِئْت من عمل ثمَّ اختم بِأَسْوَأ أَعْمَالهم فأدخلهم النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية والالكائي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالَ: إِلَى قَوْله {بِمَا فعل المبطلون} جَمِيعًا فجعلهم أرواحاً فِي صورهم ثمَّ استنطقهم فتكلموا ثمَّ أَخذ عَلَيْهِم الْعَهْد والميثاق {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} قَالَ: فَإِنِّي أشهد عَلَيْكُم السَّمَوَات السَّبع وَأشْهد عَلَيْكُم أَبَاكُم آدم {أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة} انَّا لم نعلم بِهَذَا اعلموا أَنه لَا إِلَه غَيْرِي وَلَا رب غَيْرِي وَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئا إِنِّي سأرسل إِلَيْكُم رُسُلِي يذكرونكم عهدي وميثاقي وَأنزل عَلَيْكُم كتبي قَالُوا: شَهِدنَا بأنك رَبنَا وإلهنا لَا رب لنا غَيْرك وَلَا إِلَه لنا غَيْرك فأقروا وَرفع عَلَيْهِم آدم ينظر إِلَيْهِم فَرَأى الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَحسن الصُّورَة وَدون ذَلِك فَقَالَ: يَا رب لَوْلَا سوّيت بَين عِبَادك قَالَ: إِنِّي أَحْبَبْت أَن أشكر
وَرَأى الْأَنْبِيَاء فيهم مثل السرج عَلَيْهِم النُّور وخصوا بميثاق آخر فِي الرسَالَة والنبوة أَن يبلغُوا وَهُوَ قَوْله {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم} الْأَحْزَاب الْآيَة 7 الْآيَة وَهُوَ قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} الرّوم الْآيَة 30 وَفِي ذَلِك قَالَ {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين} الْأَعْرَاف الْآيَة 102 وَفِي ذَلِك قَالَ {فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا بِهِ من قبل} الْأَعْرَاف الْآيَة 101 قَالَ: فَكَانَ فِي علم الله يَوْمئِذٍ من يكذب بِهِ وَمن يصدق بِهِ فَكَانَ روح عِيسَى من تِلْكَ الْأَرْوَاح الَّتِي أَخذ عهدها وميثاقها فِي زمن آدم فَأرْسلهُ الله إِلَى مَرْيَم فِي صُورَة بشر فتمثل لَهَا بشرا سوياً
قَالَ: أبي فَدخل من فِيهَا

(3/600)


وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان والآجري فِي الشَّرِيعَة وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُسلم بن يسَار الْجُهَنِيّ أَن عمر بن الْخطاب سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة
فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ أَن الله خلق آدم ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ ثمَّ مسح ظَهره فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ
فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله فَفِيمَ الْعَمَل فَقَالَ: إِن الله إِذا خلق العَبْد للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل الْجنَّة فيدخله الله الْجنَّة وَإِذا خلق العَبْد للنار اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل النَّار فيدخله الله النَّار
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله أَخذ الْمِيثَاق من ظهر آدم بنعمان يَوْم عَرَفَة فَأخْرج من صلبه كل ذُرِّيَّة ذرأها فنثرها بَين يَدَيْهِ كالذر ثمَّ كَلمهمْ قبلا قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا} إِلَى قَوْله {المبطلون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مَنْدَه فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالَ أَخذ من ظَهره كَمَا يُؤْخَذ بالمشط من الرَّأْس
فَقَالَ لَهُم {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} قَالَت الْمَلَائِكَة {شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة انَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مَنْدَه وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله لما خلق آدم مسح ظَهره فخرت مِنْهُ كل نسمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَنزع ضلعاً من أضلاعه فخلق مِنْهُ حَوَّاء ثمَّ أَخذ عَلَيْهِم الْعَهْد {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} ثمَّ اختلس كل نسمَة من بني آدم بنوره فِي وَجهه وَجعل فِيهِ الْبلوى الَّذِي كتب أَنه يَبْتَلِيه بهَا فِي الدُّنْيَا من الأسقام ثمَّ عرضهمْ على آدم فَقَالَ: يَا آدم هَؤُلَاءِ ذريتك
وَإِذا فيهم الأجذم والأبرص وَالْأَعْمَى وأنواع الأسقام فَقَالَ آدم: يَا رب لم فعلت هَذَا بذريتي قَالَ: كي

(3/601)


تشكر نعمتي
وَقَالَ آدم: يَا رب من هَؤُلَاءِ الَّذين أَرَاهُم أظهر النَّاس نورا قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء من ذريتك
قَالَ: من هَذَا الَّذِي أرَاهُ أظهرهم نورا قَالَ: هَذَا دَاوُد يكون فِي آخر الْأُمَم
قَالَ: يَا رب كم جعلت عمره قَالَ: سِتِّينَ سنة
قَالَ: يَا رب كم جعلت عمري قَالَ: كَذَا وَكَذَا
قَالَ: يَا رب فزده من عمري أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى يكون عمره مائَة سنة
قَالَ: أتفعل يَا آدم قَالَ: نعم يَا رب
قَالَ: فَيكْتب وَيخْتم إنَّا كتبنَا وختمنا وَلم نغير
قَالَ: فافعل أَي رب
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَمَّا جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى آدم ليقْبض روحه قَالَ: مَاذَا تُرِيدُ يَا ملك الْمَوْت قَالَ: أُرِيد قبض روحك
قَالَ: ألم يبْق من أَجلي أَرْبَعُونَ سنة قَالَ: أَو لم تعطها ابْنك دَاوُد قَالَ: لَا
قَالَ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: نسي آدم ونسيت ذُريَّته وَجحد آدم فَجحدت ذُريَّته
وَأخرج ابْن جرير عَن جُوَيْبِر قَالَ: مَاتَ ابْن الضَّحَّاك بن مُزَاحم ابْن سِتَّة أَيَّام فَقَالَ: إِذا وضعت ابْني فِي لحده فأبرز وَجهه وَحل عقده فَإِن ابْني مجْلِس ومسؤول
فَقلت: عمَّ يسْأَل قَالَ: عَن مِيثَاق الَّذِي أقرَّ بِهِ فِي صلب آدم حَدثنِي ابْن عَبَّاس: أَن الله مسح صلب آدم فاستخرج مِنْهُ كل نسمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَأخذ مِنْهُم الْمِيثَاق أَن يعبدوه وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا وتكفل لَهُم بالأرزاق ثمَّ أعادهم فِي صلبه فَلَنْ تقوم السَّاعَة حَتَّى يُولد من أعطي الْمِيثَاق يَوْمئِذٍ فَمن أدْرك مِنْهُم الْمِيثَاق الآخر فوفى بِهِ نَفعه الْمِيثَاق الأوّل وَمن أدْرك الْمِيثَاق الآخر فَلم يقر بِهِ لم يَنْفَعهُ الْمِيثَاق الأول وَمن مَاتَ صَغِيرا قبل أَن يدْرك الْمِيثَاق الآخر مَاتَ على الْمِيثَاق الأول على الْفطْرَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سلمَان قَالَ: إِن الله لما خلق آدم مسح ظَهره فَأخْرج مِنْهُ مَا هُوَ ذارىء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَكتب الْآجَال والأرزاق والأعمال والشقوة والسعادة فَمن علم السَّعَادَة فعل الْخَيْر ومجالس الْخَيْر وَمن علم الشقاوة فعل الشَّرّ ومجالس الشَّرّ
وَأخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خلق الله الْخلق وَقضى الْقَضِيَّة وَأخذ مِيثَاق النَّبِيين وعرشه على المَاء فَأخذ أهل الْيَمين بِيَمِينِهِ وَأخذ أهل الشمَال بِيَدِهِ الْأُخْرَى - وكلتا يَدي الرَّحْمَن يَمِين - فَقَالَ: يَا أَصْحَاب الْيَمين

(3/602)


فاستجابوا لَهُ فَقَالُوا: لبيْك رَبنَا وَسَعْديك
قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} قَالَ: يَا أَصْحَاب الشمَال
فاستجابوا لَهُ فَقَالُوا: لبيْك رَبنَا وَسَعْديك
قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} فخلط بَعضهم بِبَعْض فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: رب لم خلطت بَيْننَا قَالَ {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 63
{أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة انَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} ثمَّ ردهم فِي صلب آدم فَأهل الْجنَّة أَهلهَا وَأهل النَّار أَهلهَا فَقَالَ قَائِل: يَا رَسُول الله فَمَا الْأَعْمَال قَالَ: يعْمل كل قوم لمنازلهم
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: إِذا نجتهد
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خلق الله آدم مسح ظَهره فَسقط من ظَهره نسمَة هُوَ خَالِقهَا من ذُريَّته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَجعل بَين عَيْني كل إِنْسَان مِنْهُم وبيصاً من نور ثمَّ عرضهمْ على آدم فَقَالَ: أَي رب من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذريتك
فَرَأى رجلا مِنْهُم فأعجبه وبيص مَا بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ: أَي رب من هَذَا فَقَالَ: رجل من آخر الْأُمَم من ذريتك يُقَال لَهُ دَاوُد
قَالَ: أَي رب وَكم جعلت عمره قَالَ: سِتِّينَ سنة قَالَ: أَي رب زده من عمري أَرْبَعِينَ سنة
فَلَمَّا انْقَضى عمر آدم جَاءَ ملك الْمَوْت فَقَالَ: أولم يبْق من عمري أَرْبَعُونَ سنة قَالَ: أولم تعطها ابْنك دَاوُد قَالَ: فَجحد فَجحدت ذُريَّته وَنسي فنسيت ذُريَّته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الشُّكْر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن قَالَ: لما خلق الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَأخرج أهل الْجنَّة من صفحته الْيُمْنَى وَأخرج أهل النَّار من صفحته الْيُسْرَى فدبوا على وَجه الأَرْض مِنْهُم الْأَعْمَى والأصم والأبرص والمقعد والمبتلى بأنواع الْبلَاء فَقَالَ آدم: يَا رب أَلا سويت بَين وَلَدي قَالَ: يَا آدم إِنِّي أردْت أَن أشكر ثمَّ ردهم فِي صلبه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن قَتَادَة وَالْحسن قَالَا: لما عرضت على آدم ذُريَّته فَرَأى فضل بَعضهم على بعض قَالَ: أَي رب أفهلا سوّيت بَينهم قَالَ: إِنِّي أحب أَن أشكر يرى ذُو الْفضل فَضله فيحمدني ويشكرني
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن بكر
مثله

(3/603)


وَأخرج ابْن جرير وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ والآجري فِي الشَّرِيعَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن هِشَام بن حَكِيم أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَتُبتدأ الْأَعْمَال أم قد قضي الْقَضَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَخذ ذُرِّيَّة آدم من ظُهُورهمْ ثمَّ أشهدهم على أنفسهم ثمَّ أَفَاضَ بهم فِي كفيه فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَهَؤُلَاء فِي النَّار
فَأهل الْجنَّة ميسرون لعمل أهل الْجنَّة وَأهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أخرج ذُرِّيَّة آدم من صلبه حَتَّى ملؤوا الأَرْض وَكَانُوا هَكَذَا فضم إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلت رَبِّي فَأَعْطَانِي أَوْلَاد الْمُشْركين خدماً لأهل الْجنَّة وَذَلِكَ أَنهم لم يدركوا مَا أدْرك آباؤهم من الشّرك وهم فِي الْمِيثَاق الأوّل
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُقَال للرجل من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك مَا على الأَرْض من شَيْء أَكنت مفتدياً بِهِ فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: قد أردْت مِنْك أَهْون من ذَلِك قد أخذت عَلَيْك فِي ظهر أَبِيك آدم أَن لَا تشرك بِي فأبيت إِلَّا أَن تشرك بِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَليّ بن حُسَيْن
أَنه كَانَ يعْزل ويتأوّل هَذِه الْآيَة {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ لَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا إِن تكن مِمَّا أَخذ الله مِنْهَا الْمِيثَاق فَكَانَت على صَخْرَة نفخ فِيهَا الرّوح
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ لَو أَن المَاء الَّذِي يكون مِنْهُ الْوَلَد صب على صَخْرَة لأخرج الله مِنْهَا مَا قدر ليخلق الله نفسا هُوَ خَالِقهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ عَن الْعَزْل فَقَالَ: لَو أَخذ الله مِيثَاق نسمَة من صلب رجل ثمَّ أفرغه على صفا لأخرجه من ذَلِك الصَّفَا فَإِن شِئْت فأعزل وَإِن شِئْت فَلَا تعزل

(3/604)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: إِن النُّطْفَة الَّتِي قضى الله فِيهَا الْوَلَد لَو وَقعت على صَخْرَة لأخرج الله مِنْهَا الْوَلَد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأَبُو الشَّيْخ عَن فَاطِمَة بنت حُسَيْن قَالَت: لما أَخذ الله الْمِيثَاق من بني آدم جعله فِي الرُّكْن فَمن الْوَفَاء بِعَهْد الله استلام الْحجر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: كنت مَعَ أبي مُحَمَّد بن عَليّ فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا جَعْفَر مَا بَدْء خلق هَذَا الرُّكْن فَقَالَ: إِن الله لما خلق الْخلق قَالَ لبني آدم {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} فأقروا وأجرى نَهرا أحلى من الْعَسَل وألين من الزّبد ثمَّ أَمر الْقَلَم فاستمد من ذَلِك النَّهر فَكتب إقرارهم وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى الْيَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ألقم ذَلِك الْكتاب هَذَا الْحجر فَهَذَا الإِستلام الَّذِي ترى إِنَّمَا هُوَ بَيْعه على إقرارهم الَّذِي كَانُوا أقرُّوا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ضرب الله متن آدم فَخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بَيْضَاء نقية فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة وَخرجت كل نفس مخلوقة للنار سَوْدَاء فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل النَّار أَمْثَال الْخَرْدَل فِي صور الذَّر فَقَالَ: يَا عباد الله أجِيبُوا الله: يَا عباد الله أطِيعُوا الله
قَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ أطعناك اللَّهُمَّ أطعناك اللَّهُمَّ أطعناك
وَهِي الَّتِي أعْطى الله إِبْرَاهِيم فِي الْمَنَاسِك: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَأخذ عَلَيْهِم الْعَهْد بالإِيمان بِهِ والإِقرار والمعرفة بِاللَّه وَأمره
وَأخرج الجندي فِي فَضَائِل مَكَّة وَأَبُو الْحسن الْقطَّان فِي الطوالات وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: حجَجنَا مَعَ عمر بن الْخطاب فَلَمَّا دخل الطّواف اسْتقْبل الْحجر فَقَالَ: إِنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبلك مَا قبلتك ثمَّ قبله فَقَالَ لَهُ عَليّ بن أبي طَالب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه يضر وينفع قَالَ: بِمَ

قَالَ: بِكِتَاب الله عز وَجل قَالَ: وَأَيْنَ ذَلِك من كتاب الله قَالَ الله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} إِلَى قَوْله {بلَى} خلق الله آدم وَمسح على ظَهره فقررهم بِأَنَّهُ الرب وَإِنَّهُم العبيد وَأخذ عهودهم ومواثيقهم وَكتب ذَلِك فِي رق وَكَانَ لهَذَا الْحجر عينان ولسان فَقَالَ لَهُ افْتَحْ فَاك
فَفتح فَاه فألقمه ذَلِك الرّقّ فَقَالَ: أشهد لمن وافاك بالموافاة يَوْم الْقِيَامَة وَإِنِّي أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بِالْحجرِ الْأسود وَله لِسَان ذلق يشْهد لمن يستلمه بِالتَّوْحِيدِ فَهُوَ يَا أَمِير

(3/605)


الْمُؤمنِينَ يضر وينفع
فَقَالَ عمر: أعوذ بِاللَّه أَن أعيش فِي قوم لست فيهم يَا أَبَا حسن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ رَبك} الْآيَة
قَالَ: أَخذهم فِي كَفه كَأَنَّهُمْ الْخَرْدَل الْأَوَّلين والآخرين فقلبهم فِي يَده مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا يرفع ويطأطئها مَا شَاءَ الله من ذَلِك ثمَّ ردههم فِي أصلاب آبَائِهِم حَتَّى أخرجهم قرنا بعد قرن ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك {وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد} الْأَعْرَاف الْآيَة 102 الْآيَة
ثمَّ نزل بعد ذَلِك {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ} الْمَائِدَة الْآيَة 7
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لما خلق الله آدم نفضه نفض المزود فَخر مِنْهُ مثل النغف فَقبض مِنْهُ قبضتين فَقَالَ لما فِي الْيَمين: فِي الْجنَّة وَقَالَ لما فِي الْأُخْرَى: فِي النَّار
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن عبد الرَّحْمَن بن قَتَادَة السّلمِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله تبَارك وَتَعَالَى خلق آدم ثمَّ أَخذ الْخلق من ظَهره فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاء فِي النَّار وَلَا أُبَالِي
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله فعلى مَاذَا نعمل قَالَ: على مواقع الْقدر
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خلق الله آدم حِين خلقه فَضرب كتفه الْيُمْنَى فَأخْرج ذُرِّيَّة بَيْضَاء كَأَنَّهُمْ الذَّر وَضرب كتفه الْيُسْرَى فَأخْرج ذُرِّيَّة سَوْدَاء كَأَنَّهُمْ الحممة فَقَالَ للَّذي فِي يَمِينه: إِلَى الْجنَّة وَلَا أُبَالِي وَقَالَ للَّذي فِي كتفه الْيُسْرَى: إِلَى النَّار وَلَا أُبَالِي
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ والآجري وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جلّ ذكره يَوْم خلق آدم قبض من صلبه قبضتين فَوَقع كل طيب فِي يَمِينه وكل خَبِيث بِيَدِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الْجنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاء أَصْحَاب النَّار وَلَا أُبَالِي ثمَّ أعادهم فِي صلب آدم فهم يَنْسلونَ على ذَلِك إِلَى الْآن
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي القبضتين هَذِه فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي

(3/606)


وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي القبضتين هَؤُلَاءِ لهَذِهِ وَهَؤُلَاء لهَذِهِ
قَالَ: فَتفرق النَّاس وهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقدر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نوادرالأصول والآجري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خلق الله آدم ضرب بِيَدِهِ على شقّ آدم الْأَيْمن فَأخْرج ذَرأ كالذر فَقَالَ: يَا آدم هَؤُلَاءِ ذريتك من أهل الْجنَّة ثمَّ ضرب بِيَدِهِ على شقّ آدم الْأَيْسَر فَأخْرج ذَرأ كالحمم ثمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذريتك من أهل النَّار
وَأخرج أَحْمد عَن أبي نضر
فَإِن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ أَبُو عبد الله دخل عَلَيْهِ أَصْحَابه يعودونه وَهُوَ يبكي فَقَالُوا لَهُ: مَا يبكيك قَالَ: سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِن الله قبض بِيَمِينِهِ قَبْضَة وَأُخْرَى بِالْيَدِ الْأُخْرَى فَقَالَ: هَذِه لهَذِهِ وَهَذِه لهَذِهِ وَلَا أُبَالِي فَلَا أَدْرِي فِي أَي القبضتين أَنا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله قبض قَبْضَة فَقَالَ: للجنة برحمتي وَقبض قَبْضَة فَقَالَ: إِلَى النَّار وَلَا أُبَالِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِن الله أخرج من ظهر آدم يَوْم خلقه مَا يكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَأخْرجهُمْ مثل الذَّر ثمَّ قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} قَالَت الْمَلَائِكَة: شَهِدنَا
ثمَّ قبض قَبْضَة بِيَمِينِهِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة
ثمَّ قبض قَبْضَة أُخْرَى فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة انَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} قَالَ: عَن الْمِيثَاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم {أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل} فَلَا يَسْتَطِيع أحد من خلق الله من الذُّرِّيَّة {أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا} وَنَقَضُوا الْمِيثَاق {وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ أفتهلكنا} بذنوب آبَاؤُنَا وَبِمَا فعل المبطلون
وَالله تَعَالَى أعلم

- الْآيَة (175 - 177)

(3/607)


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)

- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ رجل من بني إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ بلعم بن أبر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هُوَ بلعم بن باعوراء
وَفِي لفظ: بلعام بن عَامر الَّذِي أُوتِيَ الِاسْم كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا} الْآيَة
قَالَ: هُوَ رجل من مَدِينَة الجبارين يُقَال لَهُ بلعم تعلم اسْم الله الْأَكْبَر فَلَمَّا نزل بهم مُوسَى أَتَاهُ بَنو عَمه وَقَومه فَقَالُوا: إِن مُوسَى رجل جَدِيد وَمَعَهُ جنود كَثِيرَة وَإنَّهُ إِن يظْهر علينا يُهْلِكنَا فَادع الله أَن يرد عَنَّا مُوسَى وَمن مَعَه
قَالَ: إِنِّي إِن دَعَوْت الله أَن يرد مُوسَى وَمن مَعَه مَضَت دنياي وآخرتي فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِم فسلخ مِمَّا كَانَ فِيهِ
وَفِي قَوْله {إِن تحمل عَلَيْهِ يَلْهَث أَو تتركه يَلْهَث} قَالَ: إِن حمل الْحِكْمَة لم يحملهَا وَإِن ترك لم يهتد لخير كَالْكَلْبِ إِن كَانَ رابضاً لهث وَإِن طرد لهث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه} الْآيَة
قَالَ: هُوَ رجل أعْطى ثَلَاث دعوات يُسْتَجَاب لَهُ فِيهِنَّ وَكَانَت لَهُ امْرَأَة لَهُ مِنْهَا ولد فَقَالَت: اجْعَل لي مِنْهَا وَاحِدَة
قَالَ: فلك وَاحِدَة فَمَا الَّذِي ترتدين قَالَت: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي أجمل امْرَأَة فِي بني إِسْرَائِيل
فَدَعَا الله فَجَعلهَا أجمل امْرَأَة فِي بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا علمت أَن لَيْسَ فيهم مثلهَا رغبت عَنهُ وأرادت شَيْئا آخر فَدَعَا الله أَن يَجْعَلهَا كلبة فَصَارَت كلبة فَذَهَبت دعوتان فجَاء بنوها فَقَالُوا: لَيْسَ بِنَا على هَذَا قَرَار قد صَارَت أمنا كلبة يعيرنا النَّاس بهَا

(3/608)


فَادع الله أَن يردهَا إِلَى الْحَال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فَدَعَا الله فَعَادَت كَمَا كَانَت فَذَهَبت الدَّعْوَات الثَّلَاث وَسميت البسوس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هُوَ رجل يدعى بلعم من أهل الْيمن آتَاهُ الله آيَاته فَتَركهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت الثَّقَفِيّ
وَفِي لفظ: نزلت فِي صَاحبكُم أُميَّة بن أبي الصَّلْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قدمت الفارعة أُخْت أُميَّة بن أبي الصَّلْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد فتح مَكَّة فَقَالَ لَهَا هَل تحفظين من شعر أَخِيك شَيْئا قَالَت: نعم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا فارعة إِن مثل أَخِيك كَمثل الَّذِي آتَاهُ الله آيَاته فانسلخ مِنْهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب قَالَ: قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: أَلا رَسُول لنا منا يخبرنا مَا بعد غايتنا من رَأس نجرانا قَالَ: ثمَّ خرج أُميَّة إِلَى الْبَحْرين وتنبأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقَامَ أُميَّة بِالْبَحْرَيْنِ ثَمَانِي سِنِين ثمَّ قدم فلقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جمَاعَة من أَصْحَابه فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الإِسلام وَقَرَأَ عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} يس الْآيَتَانِ 1 - 2 حَتَّى فرغ مِنْهَا وثب أُميَّة يجر رجلَيْهِ فتبعته قُرَيْش تَقول: مَا تَقول يَا أُميَّة قَالَ: أشهد أَنه على الْحق
قَالُوا: فَهَل تتبعه قَالَ: حَتَّى أنظر فِي أمره
ثمَّ خرج أُميَّة إِلَى الشَّام وَقدم بعد وقْعَة بدر يُرِيد أَن يسلم فَلَمَّا أخبر بقتلى بدر ترك الإِسلام وَرجع إِلَى الطَّائِف
فَمَاتَ بهَا قَالَ: فَفِيهِ أنزل الله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن نَافِع بن عَاصِم بن عُرْوَة ابْن مَسْعُود قَالَ: إِنِّي لفي حَلقَة فِيهَا عبد الله بن عمر فَقَرَأَ رجل من الْقَوْم الْآيَة الَّتِي فِي الْأَعْرَاف {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} فَقَالَ: أَتَدْرُونَ من هُوَ فَقَالَ بَعضهم: هُوَ صَيْفِي بن الراهب
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ

(3/609)


بلعم رجل من بني إِسْرَائِيل
فَقَالَ: لَا
فَقَالُوا: من هُوَ قَالَ: أُميَّة بن أبي الصَّلْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الشّعبِيّ فِي هَذِه الْآيَة {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ رجل من بني إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ بلعم بن باعورا وَكَانَت الْأَنْصَار تَقول: هُوَ ابْن الراهب الَّذِي بنى لَهُ مَسْجِد الشقاق وَكَانَت ثَقِيف تَقول: هُوَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هُوَ صَيْفِي بن الراهب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ نَبِي فِي بني إِسْرَائِيل يَعْنِي بلعم أُوتِيَ النبوّة فرشاه قومه على أَن يسكت فَفعل وتركهم على مَا هم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فانسلخ مِنْهَا} قَالَ: نزع مِنْهُ الْعلم
وَفِي قَوْله {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} قَالَ: رَفعه الله بِعِلْمِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: بعث نَبِي الله مُوسَى بلعام بن باعورا إِلَى ملك مَدين يَدعُوهُم إِلَى الله وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَكَانَ من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل فَكَانَ مُوسَى يقدمهُ فِي الشدائد فاقطعه وأرضاه فَترك دين مُوسَى وَتبع دينه فَأنْزل الله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا} قَالَ: كَانَ يعلم اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لمن عرض عَلَيْهِ الْهدى فَأبى أَن يقبله وَتَركه {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} قَالَ: لَو شِئْنَا لرفعناه بإيتائه الْهدى فَلم يكن للشَّيْطَان عَلَيْهِ سَبِيل وَلَكِن الله يَبْتَلِي من يَشَاء من عباده {وَلكنه أخلد إِلَى الأَرْض وَاتبع هَوَاهُ} قَالَ: أَبى أَن يصحب الْهدى {فَمثله كَمثل الْكَلْب} الْآيَة
قَالَ: هَذَا مثل الْكَافِر ميت الْفُؤَاد كَمَا أميت فؤاد الْكَلْب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} قَالَ: أنَاس من الْيَهُود وَالنَّصَارَى والحنفاء مِمَّن أَعْطَاهُم الله من آيَاته وَكتابه {فانسلخ مِنْهَا} فَجعله مثل الْكَلْب

(3/610)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} قَالَ: لدفعناه عَنهُ بهَا {وَلكنه أخلد إِلَى الأَرْض} قَالَ: سكن {إِن تحمل عَلَيْهِ يَلْهَث أَو تتركه يَلْهَث} إِن تطرده بدابتك ورجليك وَهُوَ مثل الَّذِي يقْرَأ الْكتاب وَلَا يعْمل بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلكنه أخلد إِلَى الأَرْض} قَالَ: ركن نزع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِن تحمل عَلَيْهِ} قَالَ: أَن تسع عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِن تحمل عَلَيْهِ يَلْهَث} قَالَ: الْكَلْب مُنْقَطع الْفُؤَاد لَا فؤاد لَهُ مثل الَّذِي يتْرك الْهدى لَا فؤاد لَهُ إِنَّمَا فُؤَاده مُنْقَطع كَانَ ضَالًّا قبل وَبعد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْمُعْتَمِر قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْمُعْتَمِر عَن هَذِه الْآيَة {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} فَحدث عَن سيار أَنه كَانَ رجلا يُقَال لَهُ بلعام وَكَانَ قد أُوتِيَ النبوّة وَكَانَ مجاب الدعْوَة ثمَّ أَن مُوسَى أقبل فِي بني إسرئيل يُرِيد الأَرْض الَّتِي فِيهَا بلعام فرعب النَّاس مِنْهُ رعْبًا شَدِيدا فَأتوا بلعام فَقَالُوا: ادْع الله على هَذَا الرجل قَالَ: حَتَّى أؤامر رَبِّي فوامر فِي الدُّعَاء عَلَيْهِم فَقيل لَهُ: لَا تدع عَلَيْهِم فَإِن فيهم عبَادي وَفِيهِمْ نَبِيّهم فَقَالَ لِقَوْمِهِ: قد وَأمرت فِي الدُّعَاء عَلَيْهِم وَإِنِّي قد نهيت
قَالَ: فاهدوا إِلَيْهِ هَدِيَّة فقبلها ثمَّ راجعوه فَقَالُوا: ادْع الله عَلَيْهِم
فَقَالَ: حَتَّى أوَامِر فوامر فَلم يحار إِلَيْهِ شَيْء
فَقَالَ: قد وَأمرت فَلم يحار إِلَى شَيْء
فَقَالُوا: لَو كره رَبك أَن تَدْعُو عَلَيْهِم لنهاك كَمَا نهاك الأولى فَأخذ يَدْعُو عَلَيْهِم فَإِذا دَعَا جرى على لِسَانه الدُّعَاء على قومه فَإِذا أرسل أَن يفتح على قومه جرى على لِسَانه أَن يفتح على مُوسَى وجيشه فَقَالُوا: مَا نرَاك إِلَّا تَدْعُو علينا

قَالَ: مَا يجْرِي على لساني إِلَّا هَكَذَا وَلَو دَعَوْت عَلَيْهِم مَا اسْتُجِيبَ لي وَلَكِن سأدلكم على أَمر عَسى أَن يكون فِيهِ هلاكهم إِن الله يبغض الزِّنَا وَإِن هم وَقَعُوا بِالزِّنَا هَلَكُوا فاخرِجُوا النِّسَاء فَإِنَّهُم قوم مسافرون فَعَسَى أَن يزنوا فيهلكوا فأخْرَجُوا النِّسَاء تستقبلهم فوقعوا بِالزِّنَا فَسلط الله عَلَيْهِم الطَّاعُون فَمَاتَ مِنْهُم سَبْعُونَ ألفا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا}

(3/611)


قَالَ: كَانَ اسْمه بلعم وَكَانَ يحسن اسْما من أَسمَاء الله فغزاهم مُوسَى فِي سبعين ألفا فَجَاءَهُ قومه فَقَالُوا: ادْع الله عَلَيْهِم - وَكَانُوا إِذا غزاهم أحد أَتَوْهُ فَدَعَا عَلَيْهِم فهلكوا - وَكَانَ لَا يَدْعُو حَتَّى ينَام فَينْظر مَا يُؤمر بِهِ فِي مَنَامه فَنَامَ فَقيل لَهُ: ادْع الله لَهُم وَلَا تدع عَلَيْهِم فَاسْتَيْقَظَ فَأبى أَن يَدْعُو عَلَيْهِم فَقَالَ لَهُم: زَينُوا لَهُم النِّسَاء فَإِنَّهُم إِذا رأوهن لم يصبروا حَتَّى يُصِيبُوا من الذُّنُوب فتدالوا عَلَيْهِم

- الْآيَة (178)

(3/612)


مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)

- أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْخطْبَة الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي خطبَته نحمد الله ونثني عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ يَقُول: من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ أصدق الحَدِيث كتاب الله وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار ثمَّ يَقُول: بعثت أَنا والساعة كهاتين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله خلق خلقه فِي ظلمَة ثمَّ ألْقى عَلَيْهِم من نوره فَمن أَصَابَهُ من ذَلِك النُّور يَوْمئِذٍ شَيْء اهْتَدَى وَمن اخطأه ضل فَلذَلِك أَقُول: جف الْقَلَم على علم الله

- الْآيَة (179)

(3/612)


وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد ذرأنا} قَالَ: خلقنَا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم} قَالَ: خلقنَا لِجَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لما ذَرأ لِجَهَنَّم من ذَرأ كَانَ ولد الزِّنَا مِمَّن ذَرأ لِجَهَنَّم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله الْجِنّ ثَلَاثَة أَصْنَاف
صنف حيات وعقارب وخشاش الأَرْض وصنف كَالرِّيحِ فِي الْهَوَاء وصنف عَلَيْهِم الْحساب وَالْعِقَاب
وَخلق الله الإِنس ثَلَاثَة أَصْنَاف
صنف كَالْبَهَائِمِ قَالَ الله {لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ} وجنس أَجْسَادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أَرْوَاح الشَّيَاطِين وصنف فِي ضل الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم} قَالَ: لقد خلقنَا لِجَهَنَّم {لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا} قَالَ: لَا يفقهُونَ شَيْئا من أَمر الْآخِرَة {وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا} الْهدى {وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا} الْحق ثمَّ جعلهم كالأنعام ثمَّ جعلهم شرا من الْأَنْعَام فَقَالَ {بل هم أضلّ} ثمَّ أخبر أَنهم الغافلون
وَالله أعلم

- الْآيَة (180)

(3/613)


وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)

- أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عوَانَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي التَّوْحِيد وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة إِنَّه وتر يحب الْوتر

(3/613)


وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله مائَة اسْم غير اسْم من دَعَا بهَا اسْتَجَابَ الله لَهُ دعاءه
وَأخرج الدَّارقطني فِي الغرائب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله عز وَجل: لي تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَابْن مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة إِنَّه وتر يحب الْوتر هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر الْخَالِق البارىء المصور الغفّار القهّار الوهّاب الرزّاق الفتّاح الْعَلِيم الْقَابِض الباسط الْخَافِض الرافع الْمعز المذل السَّمِيع الْبَصِير الحكم الْعدْل اللَّطِيف الْخَبِير الْحَلِيم الْعَظِيم الغفور الشكُور الْعلي الْكَبِير الحفيظ المقيت الحسيب الْجَلِيل الْكَرِيم الرَّقِيب الْمُجيب الْوَاسِع الْحَكِيم الْوَدُود الْمجِيد الْبَاعِث الشَّهِيد الْحق الْوَكِيل الْقوي المتين الْوَلِيّ الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الْحَيّ القيوم الْوَاجِد الْمَاجِد الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمد الْقَادِر المقتدر الْمُقدم الْمُؤخر الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الْبر التواب المنتقم الْعَفو الرؤوف الْمَالِك الْملك ذُو الْجلَال والإِكرام الْوَالِي المتعال المقسط الْجَامِع الْغَنِيّ الْمُغنِي الْمَانِع الضار النافع النُّور الْهَادِي البديع الْبَاقِي الْوَارِث الرشيد الصبور
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء وَالطَّبَرَانِيّ كِلَاهُمَا وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة اسْأَل الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الإِله الرب الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر الْخَالِق البارىء المصوّر الْحَلِيم الْعَلِيم السَّمِيع الْبَصِير الْحَيّ القيوم الْوَاسِع اللَّطِيف الْخَبِير الحنان المنان البديع الغفور الْوَدُود

(3/614)


الشكُور الْمجِيد المبدىء المعيد النُّور البادىء وَفِي لفظ: الْقَائِم الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن العفوّ الغفّار الوهّاب الْفَرد وَفِي لفظ: الْقَادِر الْأَحَد الصَّمد الْوَكِيل الْكَافِي الْبَاقِي المغيث الدَّائِم المتعالي ذَا الْجلَال والإِكرام الْمولى النصير الْحق الْمُبين الْوَارِث الْمُنِير الْبَاعِث الْقَدِير وَفِي لفظ: الْمُجيب المحيي المميت الحميد وَفِي لفظ: الْجَمِيل الصَّادِق الحفيظ الْمُحِيط الْكَبِير الْقَرِيب الرَّقِيب الفتّاح التوّاب الْقَدِيم الْوتر الفاطر الرَّزَّاق العلاَّم الْعلي الْعَظِيم الْغَنِيّ المليك المقتدر الأكرم الرؤوف الْمُدبر الْمَالِك القاهر الْهَادِي الشاكر الْكَرِيم الرفيع الشَّهِيد الْوَاحِد ذَا الطول ذَا المعارج ذَا الْفضل الْكَفِيل الْجَلِيل
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة وَهِي فِي الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: سَأَلت أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق عَن الْأَسْمَاء التِّسْعَة وَالتسْعين الَّتِي من أحصاها دخل الْجنَّة فَقَالَ: هِيَ فِي الْقُرْآن فَفِي الْفَاتِحَة خَمْسَة أَسمَاء
يَا ألله يَا رب يَا رَحْمَن يَا رَحِيم يَا مَالك
وَفِي الْبَقَرَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ اسْما: يَا مُحِيط يَا قدير يَا عليم يَا حَكِيم يَا عَليّ يَا عَظِيم يَا تواب يَا بَصِير يَا ولي يَا وَاسع يَا كَافِي يَا رؤوف يَا بديع يَا شَاكر يَا وَاحِد يَا سميع يَا قَابض يَا باسط يَا حَيّ يَا قيوم يَا غَنِي يَا حميد يَا غَفُور يَا حَلِيم يَا إِلَه يَا قريب يَا مُجيب يَا عَزِيز يَا نصير يَا قوي يَا شَدِيد يَا سريع يَا خَبِير
وَفِي آل عمرَان: يَا وهَّاب يَا قَائِم يَا صَادِق يَا باعث يَا منعم يَا متفضل
وَفِي النِّسَاء: يَا رَقِيب يَا حسيب يَا شَهِيد يَا مقيت يَا وَكيل يَا عَليّ يَا كَبِير
وَفِي الْأَنْعَام: يَا فاطر يَا قاهر يَا لطيف يَا برهَان
وَفِي الْأَعْرَاف: يَا محيي يَا مميت
وَفِي الْأَنْفَال: يَا نعم الْمولى يَا نعم النصير
وَفِي هود: يَا حفيظ يَا مجيد يَا ودود يَا فعال لما يُرِيد
وَفِي الرَّعْد: يَا كَبِير يَا متعال
وَفِي إِبْرَاهِيم: يَا منَّان يَا وَارِث
وَفِي الْحجر: يَا خلاق
وَفِي مَرْيَم: يَا فَرد
وَفِي طه: يَا غفّار
وَفِي قد أَفْلح: يَا كريم
وَفِي النُّور: يَا حق يَا مُبين
وَفِي الْفرْقَان: يَا هادي
وَفِي سبأ: يَا فتَّاح
وَفِي الزمر:

(3/615)


يَا عَالم
وَفِي غَافِر: يَا غَافِر يَا قَابل التَّوْبَة يَا ذَا الطول يَا رفيع
وَفِي الذاريات: يَا رزاق يَا ذَا الْقُوَّة يَا متين
وَفِي الطّور: يَا بر
وَفِي اقْتَرَبت: يَا مليك يَا مقتدر
وَفِي الرَّحْمَن: يَاذَا الْجلَال والإِكرام يَا رب المشرقين يَا رب المغربين يَا بَاقِي يَا مهيمن
وَفِي الْحَدِيد: يَا أول يَا آخر يَا ظَاهر يَا بَاطِن
وَفِي الْحَشْر: يَا ملك يَا قدوس يَا سَلام يَا مُؤمن يَا مهيمن يَا عَزِيز يَا جَبَّار يَا متكبر يَا خَالق يَا بارىء يَا مُصَور
وَفِي البروج: يَا مبدئ يَا معيد
وَفِي الْفجْر: يَا وتر
وَفِي الإِخلاص: يَا أحد يَا صَمد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَصَابَهُ هم أَو حزن فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك ناصيتي فِي يدك مَاض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتابك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك أَن تجْعَل الْقُرْآن الْعَظِيم ربيع قلبِي وَنور بَصرِي وَذَهَاب همي وجلاء حزني قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا قالهن مهموم قطّ إِلَّا أذهب الله همه وأبدله بهمه فرجا
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَفلا نتعلم هَذِه الْكَلِمَات قَالَ: بلَى فتعلموهن وعلموهن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة
أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله عَلمنِي اسْم الله الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب
قَالَ لَهَا قومِي فتوضئي وادخلي الْمَسْجِد فَصلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ادعِي حَتَّى أسمع
فَفعلت فَلَمَّا جَلَست للدُّعَاء قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ وفقها
فَقَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِجَمِيعِ أسمائك الْحسنى كلهَا مَا علمنَا مِنْهَا وَمَا لم نعلم وَأَسْأَلك بِاسْمِك الْعَظِيم الْأَعْظَم الْكَبِير الْأَكْبَر الَّذِي من دعَاك بِهِ أَجَبْته وَمن سَأَلَك بِهِ أَعْطيته
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصبته أصبته
قَوْله تَعَالَى: {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الإِلحاد التَّكْذِيب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَالَ: اشتقوا الْعُزَّى من الْعَزِيز واشتقوا اللات من الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: الْإِلْحَاد الضاهاة

(3/616)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ (يلحدون) بِنصب الْيَاء والحاء من اللَّحْد وَقَالَ تَفْسِيرهَا يدْخلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَالَ: يشركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَالَ: يكذبُون فِي أَسْمَائِهِ

- الْآيَة (181)

(3/617)


وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: ذكر لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذِه أمتِي بِالْحَقِّ يحكمون ويقضون وَيَأْخُذُونَ ويعطون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: بلغنَا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا قَرَأَهَا هَذِه لكم وَقد أعْطى الْقَوْم بَين أَيْدِيكُم مثلهَا {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 159
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من أمتِي قوما على الْحق حَتَّى ينزل عِيسَى بن مَرْيَم مَتى مَا نزل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لتفترقن هَذِه الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة يَقُول الله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تنجو من هَذِه الْأمة

- الْآيَة (182 - 183)

(3/617)


وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {سنستدرجهم} يَقُول: سنأخذهم {من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} قَالَ: عَذَاب بدر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن الْمثنى {سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} قَالَ: كلما أَحْدَثُوا ذَنبا جددنا لَهُم نعْمَة تنسيهم الاسْتِغْفَار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سُفْيَان فِي قَوْله {سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} قَالَ: نسبغ عَلَيْهِم النعم ونمنعهم شكرها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وأملي لَهُم إِن كيدي متين} يَقُول: كف عَنْهُم وأخرجهم على رسلهم ان مكري شَدِيد ثمَّ نسخهَا الله فَأنْزل الله {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كيد الله الْعَذَاب والنقمة

- الْآيَة (184)

(3/618)


أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ على الصَّفَا فَدَعَا قُريْشًا فخذا فخذا: يَا بني فلَان يَا بني فلَان يُحَذرهُمْ بَأْس الله ووقائع الله إِلَى الصَّباح حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ: إِن صَاحبكُم هَذَا لمَجْنُون بَات يهوت حَتَّى أصبح فَأنْزل الله {أولم يتفكروا مَا بِصَاحِبِهِمْ من جنَّة إِن هُوَ إِلَّا نَذِير مُبين}

- الْآيَة (185)

(3/618)


أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسريَ بِي فَلَمَّا انتهينا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة نظرت فَوقِي فَإِذا أَنا برعد وبرق وصواعق
قَالَ: وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فِيهَا الْحَيَّات ترى من خَارج بطونهم قلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَؤُلَاءِ أَكلَة الرِّبَا فَلَمَّا نزلت إِلَى السَّمَاء

(3/618)


الدُّنْيَا فَنَظَرت إِلَى أَسْفَل مني فَإِذا أَنا برهج ودخان وأصوات فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذِه الشَّيَاطِين يحرجون على أعين بني آدم أَن لَا يتفكروا فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَوْلَا ذَلِك لرأوا الْعَجَائِب

- الْآيَة (186)

(3/619)


مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب
أَنه خطب بالجابية فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ
فَقَالَ لَهُ فَتى بَين يَدَيْهِ كلمة بِالْفَارِسِيَّةِ فَقَالَ عمر لمترجم يترجم لَهُ: مَا يَقُول قَالَ: يزْعم أَن الله لَا يضل أحدا
فَقَالَ عمر: كذبت يَا عَدو الله بل الله خلقك وَهُوَ أضلك وَهُوَ يدْخلك النَّار إِن شَاءَ الله وَلَوْلَا ولث عقد لضَرَبْت عُنُقك فَتفرق النَّاس وَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقدر
وَالله أعلم

- الْآيَة (187)

(3/619)


يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ حمل بن أبي قُشَيْر وسمول بن زيد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبرنَا مَتى السَّاعَة إِن كنت نَبيا كَمَا تَقول فَإنَّا نعلم مَا هِيَ فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي} إِلَى قَوْله {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها} أَي مَتى قيامتها {قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} قَالَ: قَالَت قُرَيْش: يَا مُحَمَّد أسر إِلَيْنَا السَّاعَة لما بَيْننَا وَبَيْنك من الْقَرَابَة
قَالَ: {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله} قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول تهج السَّاعَة بِالنَّاسِ: وَالرجل يسْقِي على مَاشِيَته وَالرجل يصلح حَوْضه وَالرجل يخْفض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ وَالرجل يُقيم سلْعَته فِي السُّوق قَضَاء الله لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة

(3/619)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَيَّانَ مرْسَاها} قَالَ: مُنْتَهَاهَا
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة قَالَ {علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} وَلَكِن أخْبركُم بمشاريطها وَمَا يكون بَين يَديهَا إِن بَين يَديهَا فتْنَة وهرجا
قَالُوا: يَا رَسُول الله الْفِتْنَة قد عرفناها الْهَرج مَا هُوَ قَالَ: بِلِسَان الْحَبَشَة الْقَتْل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الاشعري قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة وَأَنا شَاهد فَقَالَ لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَلَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ وَلَكِن سأخبركم بمشاريطها مَا بَين يَديهَا من الْفِتَن والهرج
فَقَالَ رجل: وَمَا الْهَرج يَا رَسُول الله قَالَ: بِلِسَان الْحَبَشَة الْقَتْل وَأَن تَجف قُلُوب النَّاس ويلقي بَينهم التناكر فَلَا يكَاد أحد يعرف أحدا وَيرْفَع ذُو الحجا وَيبقى رجراجة من النَّاس لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا
وَأخرج مُسلم وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قبل أَن يَمُوت بِشَهْر تَسْأَلُونِي عَن السَّاعَة وَإِنَّمَا علمهَا عِنْد الله وَأقسم بِاللَّه مَا على ظهر الأَرْض يَوْم من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَقِي عِيسَى جِبْرِيل فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا روح الله
قَالَ: وَعَلَيْك يَا روح الله
قَالَ: يَا جِبْرِيل مَتى السَّاعَة فانتفض جِبْرِيل فِي أجنحته ثمَّ قَالَ: مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل ثقلت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة أَو قَالَ {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} يَقُول: لَا يَأْتِي بهَا إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ يجليها لوَقْتهَا لَا يعلم ذَلِك إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: لَيْسَ شَيْء من الْخلق إِلَّا يُصِيبهُ من ضَرَر يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله

(3/620)


{ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: ثقل علمهَا على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَقَالَ الْحسن إِذا جَاءَت ثقلت على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض يَقُول: كَبرت عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: إِذا جَاءَت انشقت السَّمَاء وانتثرت النُّجُوم وكوّرت الشَّمْس وسيرت الْجبَال وَمَا يُصِيب الأَرْض وَكَانَ مَا قَالَ الله فَذَلِك ثقلهَا بهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة} قَالَ: فَجْأَة آمِنين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقوم السَّاعَة على رجل أَكلته فِي فِيهِ فَلَا يلوكها وَلَا يسيغها وَلَا يلفظها وعَلى رجلَيْنِ قد نشرا بَينهمَا ثوبا يتبايعانه فَلَا يطويانه وَلَا يتبايعانه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يُنَادي مُنَاد: يَا أَيهَا النَّاس أتتكم السَّاعَة ثَلَاثًا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} يَقُول: لَا يرسلها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول: خفيت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فَلم يعلم قِيَامهَا مَتى تقوم ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل {لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة} قَالَ: تبغتهم تأتيهم على غَفلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: استحفيت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى علمتها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ أَحدهمَا: عَالم بهَا وَقَالَ الآخر: يجب أَن يسْأَل عَنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: استحفيت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى علمتها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ أَحدهمَا: عَالم بهَا وَقَالَ الآخر: يجب أَن يسْأَل عَنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} يَقُول: كَأَنَّك عَالم بهَا أَي لست تعلمهَا

(3/621)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: لطيف بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} يَقُول: كَانَ بَيْنك وَبينهمْ مَوَدَّة كَأَنَّك صديق لَهُم قَالَ ابْن عَبَّاس: لما سَأَلَ النَّاس مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة سَأَلُوهُ سُؤال قوم كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ أَن مُحَمَّدًا حفي بهم فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنَّمَا علمهَا عِنْده اسْتَأْثر بعلمها فَلم يطلع عَلَيْهَا ملكا وَلَا رَسُولا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: كَأَنَّك حفي بهم حِين يأتونك يَسْأَلُونَك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي} بسؤالهم قَالَ: كَأَنَّك تحب أَن يسألوك عَنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ (كَأَنَّك حفيء بهَا)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: كَأَنَّك يُعْجِبك أَن يسألوك عَنْهَا لنخبرك بهَا فأخفاها مِنْهُ فَلم يُخبرهُ فَقَالَ {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} النازعات الْآيَة 43 وَقَالَ {أكاد أخفيها} طه الْآيَة 15 وَقِرَاءَة أُبي (أكاد أخفيها من نَفسِي)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَت قُرَيْش لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن بَيْننَا وَبَيْنك قرَابَة فَأسر إِلَيْنَا مَتى السَّاعَة فَقَالَ الله {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا}

- الْآيَة (188)

(3/622)


قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَو كنت أعلم الْغَيْب لاستكثرت من الْخَيْر} قَالَ: لعَلِمت إِذا اشْتريت شَيْئا مَا أربح فِيهِ فَلَا أبيع شَيْئا إِلَّا ربحت فِيهِ {وَمَا مسني السوء} قَالَ: وَلَا يُصِيبنِي الْفقر

(3/622)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {قل لَا أملك لنَفْسي نفعا وَلَا ضراً} قَالَ: الْهدى والضلالة {وَلَو كنت أعلم الْغَيْب} مَتى أَمُوت {لاستكثرت من الْخَيْر} قَالَ: الْعَمَل الصَّالح
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمَا مسني السوء} قَالَ: لاجتنبت مَا يكون من الشَّرّ قبل أَن يكون

- الْآيَة (189 - 193)

(3/623)


هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)

- أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما ولدت حَوَّاء طَاف بهَا إِبْلِيس وَكَانَ لَا يعِيش لَهَا ولد فَقَالَ: سميه عبد الْحَارِث فَإِنَّهُ يعِيش فَسَمتْهُ عبد الْحَارِث فَعَاشَ فَكَانَ ذَلِك من وَحي الشَّيْطَان وَأمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب فِي قَوْله {فَلَمَّا آتاهما صَالحا جعلا لَهُ شُرَكَاء} قَالَ: سمياه عبد الْحَارِث
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما حملت حَوَّاء وَكَانَ لَا يعِيش لَهَا ولد آتاها الشَّيْطَان فَقَالَ: سمياه عبد الْحَارِث يعِيش لَكمَا فسمياه عبد الْحَارِث فَكَانَ ذَلِك من وَحي الشَّيْطَان وَأمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما حملت حَوَّاء أَتَاهَا الشَّيْطَان فَقَالَ: أتطيعيني وَيسلم لَك ولدك سميه عبد الْحَارِث فَلم تفعل فَولدت فَمَاتَ ثمَّ حملت فَقَالَ لَهَا مثل ذَلِك: فَلم تفعل ثمَّ حملت

(3/623)


الثَّالِث فَجَاءَهَا فَقَالَ لَهَا: إِن تطيعيني سلم لَك وَإِلَّا فَإِنَّهُ يكون بَهِيمَة فهيبها فأطاعته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: ولد لآدَم ولد فَسَماهُ عبد الله فأتاهما إِبْلِيس فَقَالَ: مَا سميتا ابنكما هَذَا قَالَ: عبد الله وَكَانَ ولد لَهما قبل ذَلِك ولد فسمياه عبد الله
فَقَالَ إِبْلِيس: أتظنان أَن الله تَارِك عَبده عندكما وَوَاللَّه ليذهبن بِهِ كَمَا ذهب بِالْآخرِ وَلَكِن أدلكما على اسْم يبْقى لَكمَا مَا بقيتما فسمياه عبد شمس فسمياه فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {أيشركون مَا لَا يخلق شَيْئا} الشَّمْس لَا تخلق شَيْئا إِنَّمَا هِيَ مخلوقة
قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خدعهما مرَّتَيْنِ
قَالَ زيد: خدعهما فِي الْجنَّة وخدعهما فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما أهبط الله آدم وحواء ألْقى فِي نَفسه الشَّهْوَة لامْرَأَته فَتحَرك ذَلِك مِنْهُ فأصابها فَلَيْسَ إِلَّا أَن أَصَابَهَا حملت فَلَيْسَ إِلَّا أَن حملت تحرّك وَلَدهَا فِي بَطنهَا فَقَالَت: مَا هَذَا فَجَاءَهَا إِبْلِيس فَقَالَ لَهَا: إِنَّك حملت فتلدين
قَالَت: مَا أَلد قَالَ: مَا هَل تَرين إِلَّا نَاقَة أَو بقرة أَو ماعزة أَو ضانية هُوَ بعض ذَلِك وَيخرج من أَنْفك أوعينك أَو من اذنك
قَالَت: وَالله مَا مني من شَيْء إِلَّا وَهُوَ يضيق عَن ذَلِك قَالَ: فاطيعيني وسميه عبد الْحَارِث - وَكَانَ اسْمه فِي الْمَلَائِكَة الْحَارِث - تلدي مثلك فَذكرت ذَلِك لآدَم فَقَالَ: هُوَ صاحبنا الَّذِي قد علمت
فَمَاتَ ثمَّ حملت بآخر فَجَاءَهَا فَقَالَ: أطيعيني أَو قتلته فَإِنِّي أَنا قتلت الأول فَذكرت ذَلِك لآدَم فَقَالَ مثل قَوْله الأوّل ثمَّ حملت بالثالث فَجَاءَهَا فَقَالَ لَهَا مثل مَا قَالَ فَذكرت ذَلِك لآدَم فَكَأَنَّهُ لم يكره ذَلِك فَسَمتْهُ عبد الْحَارِث فَذَلِك قَوْله {جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حملت حَوَّاء فَأَتَاهَا إِبْلِيس فَقَالَ: إِنِّي صاحبكما الَّذِي أخرجتكم من الْجنَّة لتطيعيني أَو لأجعلن لَهُ قربى أيل فَيخرج من بَطْنك فيشقه وَلَأَفْعَلَن وَلَأَفْعَلَن - فخوّفهما - سمياه عبد الْحَارِث فأبيا أَن يطيعاه فَخرج مَيتا ثمَّ حملت فأتاهما أَيْضا فَقَالَ مثل ذَلِك فأبيا أَن يطيعاه فَخرج مَيتا ثمَّ حملت فأتاهما فَذكر لَهما فادركهما حب الْوَلَد فسمياه عبد الْحَارِث فَذَلِك قَوْله {جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما}

(3/624)


وَأخرج عبد بن حميد عَن السّديّ قَالَ: إِن أول اسْم سمياه عبد الرَّحْمَن فَمَاتَ ثمَّ سمياه صَالحا فَمَاتَ يَعْنِي آدم وحواء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت حَوَّاء تَلد لآدَم أَوْلَاد
فتعبدهم لله وتسميه عبد الله وَعبيد الله وَنَحْو ذَلِك فيصيبهم الْمَوْت فَأَتَاهَا إِبْلِيس وآدَم فَقَالَ: إنَّكُمَا لَو تسميانه بِغَيْر الَّذِي تسميانه لعاش فَولدت لَهُ رجلا فَسَماهُ عبد الْحَارِث فَفِيهِ أنزل الله {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بعض أهل الْملَل وَلَيْسَ بِآدَم
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا (حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة فِي قَوْله {حملت حملا خَفِيفا}
قَالَ: خَفِيفا لم يستبن فمرت بِهِ لما استبان حملهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فمرت بِهِ} قَالَ: فشكت أحملت أم لَا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أَيُّوب قَالَ: سُئِلَ الْحسن عَن قَوْله {حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ} قَالَ: فشكت أحملت أم لَا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أَيُّوب قَالَ: سُئِلَ الْحسن عَن قَوْله {حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ} قَالَ: لَو كنت عَرَبيا لعرفتها إِنَّمَا هِيَ استمرت بِالْحملِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {حملت حملا خَفِيفا} قَالَ: هِيَ من النُّطْفَة {فمرت بِهِ} يَقُول: استمرت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فمرت بِهِ} قَالَ: فاستمرت بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فمرت بِهِ} قَالَ: فاستمرت بِحمْلِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فمرت بِهِ} قَالَ: فاستمرت بِحمْلِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله {فمرت بِهِ} قَالَ: استخفته

(3/625)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {فَلَمَّا أثقلت} قَالَ: كبر الْوَلَد فِي بَطنهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح فِي قَوْله {لَئِن آتيتنا} قَالَ: أشفقا أَن يكون بَهِيمَة فَقَالَا: لَئِن آتيتنا بشرا سوياً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: أشفقا أَن لَا يكون إنْسَانا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {لَئِن آتيتنا صَالحا} قَالَ: غُلَاما سوياً
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جعلا لَهُ شُرَكَاء} قَالَ: كَانَ شركا فِي طَاعَة وَلم يكن شركا فِي عباده
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (فَجعلَا لَهُ شركا) بِكَسْر الشين
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان {جعلا لَهُ شُرَكَاء} قَالَ: أشركاه فِي الِاسْم قَالَ: وكنية إِبْلِيس أَبُو كدوس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: هَذَا من الْمَوْصُول والمفصول قَوْله {جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما} فِي شَأْن آدم وحوّاء يَعْنِي فِي الْأَسْمَاء {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} يَقُول: عَمَّا يُشْرك الْمُشْركُونَ وَلم يعيِّنهما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أشرك آدم أَن أَولهمَا شكر وآخرهما مثل ضربه لمن بعده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} هَذِه فصل بَين آيَة آدم خَاصَّة فِي آلِهَة الْعَرَب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي الْآيَة قَالَ: هَذِه مفصولة اطاعاه فِي الْوَلَد {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} هَذِه لقوم مُحَمَّد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {جعلا لَهُ شُرَكَاء} قَالَ: كَانَ شركا فِي طَاعَته وَلم يكن شركا فِي عِبَادَته وَقَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى رزقهم الله أَوْلَاد فهوّدوا ونصروا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} قَالَ: يَعْنِي بهَا ذُرِّيَّة آدم وَمن أشرك مِنْهُم بعده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} قَالَ: هُوَ

(3/626)


الانكاف أنكف نَفسه يَقُول: عظم نَفسه وانكفته الْمَلَائِكَة وَمَا سبح لَهُ
وَأخرج ابْن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا فِي الْكفَّار يدعونَ الله فَإِذا آتاهما صَالحا وهودا ونصرا ثمَّ قَالَ {أيشركون مَا لَا يخلق شَيْئا وهم يخلقون} يَقُول: يطيعون مَا لَا يخلق شَيْئا وَهِي الشَّيَاطِين لَا تخلق شَيْئا وَهِي تخلق {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُم نصرا} يَقُول: لمن يَدعُوهُم

- الْآيَة (194 - 197)

(3/627)


إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)

- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: يجاء بالشمس وَالْقَمَر حَتَّى يلقيان بَين يَدي الله ويجاء بِمن كَانَ يعبدهما فَيُقَال {فادعوهم فليستجيبوا لكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- الْآيَة (198)

(3/627)


وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وتراهم ينظرُونَ إِلَيْك} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتراهم ينظرُونَ إِلَيْك وهم لَا يبصرون} مَا تدعوهم إِلَيْهِ من الْهدى

- الْآيَة (199)

(3/627)


خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)

- أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والنحاس فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: مَا نزلت هَذِه الْآيَة إِلَّا فِي أَخْلَاق النَّاس {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} وَفِي لفظ: أَمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَأْخُذ الْعَفو من أَخْلَاق النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر فِي قَوْله تَعَالَى {خُذ الْعَفو} قَالَ: أَمر الله نبيه أَن يَأْخُذ الْعَفو من أَخْلَاق النَّاس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم قَالَ: لما أنزل الله {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن آخذ الْعَفو من أَخْلَاق النَّاس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما أنزل الله {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل الْعَالم

فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إِن الله أَمرك أَن تَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتُعْطِي من حَرمك وَتصل من قَطعك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جِبْرِيل مَا تَأْوِيل هَذِه الْآيَة قَالَ: حَتَّى أسأَل
فَصَعدَ ثمَّ نزل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله يَأْمُرك أَن تصفح عَمَّن ظلمك وَتُعْطِي من حَرمك وَتصل من قَطعك
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا ادلكم على أشرف أَخْلَاق الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالُوا: وَمَا ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: تَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتُعْطِي من حَرمك وَتصل من قَطعك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن قيس بن سعد بن عبَادَة قَالَ: لما نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ وَالله لَأُمَثِّلَن بسبعين مِنْهُم
فَجَاءَهُ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} فَقَالَ: يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ: لَا أَدْرِي

ثمَّ عَاد فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَن تَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك

(3/628)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة فِي قَول الله {خُذ الْعَفو} قَالَ: مَا عفى لَك من مَكَارِم الْأَخْلَاق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {خُذ الْعَفو} من أَخْلَاق النَّاس وأعمالهم بِغَيْر تجسيس {وَأمر بِالْعرْفِ} قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم عُيينة بن حصن بن بدر فَنزل على ابْن أَخِيه الْحر بن قيس - وَكَانَ من النَّفر الَّذين يدنيهم عمر وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب مجَالِس عمر ومشاورته كهولا كَانُوا أَو شبَابًا - فَقَالَ عُيَيْنَة لِابْنِ أَخِيه: يَا ابْن أخي هَل لَك وَجه عِنْد هَذَا الْأَمِير فَاسْتَأْذن لي عَلَيْهِ قَالَ: سأستأذن لَك عَلَيْهِ
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَاسْتَأْذن الْحر لعُيينة فَأذن لَهُ عمر فَلَمَّا دخل قَالَ: هِيَ يَا ابْن الْخطاب فو الله مَا تُعْطِينَا الجزل وَلَا تحكم بَيْننَا بِالْعَدْلِ فَغَضب عمر حَتَّى همَّ أَن يُوقع بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله عز وَجل قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} وَإِن هَذَا من الْجَاهِلين وَالله مَا جاوزنا عمر حِين تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وقافا عِنْد كتاب الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن وهب عَن مَالك بن أنس عَن عبد الله بن نَافِع
أَن سَالم بن عبد الله مر على عير لأهل الشَّام وفيهَا جرس فَقَالَ: إِن هَذَا ينْهَى عَنهُ فَقَالُوا: نَحن أعلم بِهَذَا مِنْك إِنَّمَا يكره الجلجل الْكَبِير وَأما مثل هَذَا فَلَا بَأْس بِهِ فَبكى سَالم وَقَالَ {وَأعْرض عَن الْجَاهِلين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} قَالَ: خلق أَمر الله بِهِ نبيه ودله عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أدلك على خير أَخْلَاق الأوّلين والآخرين قَالَ: قلت يَا رَسُول الله نعم
قَالَ: تُعْطِي من حَرمك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتصل من قَطعك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبرك بِأَفْضَل أَخْلَاق أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة تصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك

(3/629)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صل من قَطعك واعف عَمَّن ظلمك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صل من قَطعك واعف عَمَّن ظلمك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أدلكم على كرائم الْأَخْلَاق للدنيا وَالْآخِرَة أَن تصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك وَتجَاوز عَمَّن ظلمك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أدلكم على مَكَارِم الْأَخْلَاق فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: صل من قَطعك واعط من حَرمك واعف عَمَّن ظلمك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن معمر عَن أبي إِسْحَق الْهَمدَانِي عَن ابْن أبي حُسَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أدلكم على خير أَخْلَاق أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن تصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل حسن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لن ينَال عبد صَرِيح الإِيمان حَتَّى يصل من قطعه وَيَعْفُو عَمَّن ظلمه وَيغْفر لمن شَتمه وَيحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مَكَارِم الْأَخْلَاق عِنْد الله أَن تَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك ثمَّ تَلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَضِي الله بِالْعَفو وَأمر بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أفضل الْفَضَائِل أَن تصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك وتصفح عَمَّن شتمك
وَأخرج السلَفِي فِي الطيوريات عَن نَافِع أَن ابْن عمر
كَانَ إِذا سَافر أخرج مَعَه سَفِيها يرد عَنهُ سفاهة السُّفَهَاء
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: كُنَّا عِنْد مَكْحُول ومعنا سُلَيْمَان بن مُوسَى فجَاء رجل واستطال على سُلَيْمَان وَسليمَان سَاكِت فجَاء أَخ لِسُلَيْمَان فَرد عَلَيْهِ فَقَالَ مَكْحُول: لقد ذل من لَا سَفِيه لَهُ

(3/630)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خُذ الْعَفو} قَالَ: خُذ مَا عُفيَ لَك من أَمْوَالهم مَا أتوك بِهِ من شَيْء فَخذه وَكَانَ هَذَا قبل أَن تنزل بَرَاءَة بفرائض الصَّدقَات وتفصيلها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خُذ الْعَفو} قَالَ: خُذ الْفضل أنْفق الْفضل {وَأمر بِالْعرْفِ} يَقُول بِالْمَعْرُوفِ
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الأرزق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي {خُذ الْعَفو} قَالَ: خُذ الْفضل من أَمْوَالهم أَمر الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْخُذ لَك
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عبيد بن الأبرص وَهُوَ يَقُول: يعْفُو عَن الْجَهْل والسوآت كَمَا يدْرك غيث الرّبيع ذُو الطَّرْد وَأخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن السّديّ فِي قَوْله {خُذ الْعَفو} قَالَ: الْفضل من المَال نسخته الزَّكَاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {خُذ الْعَفو} فَكَانَ الرجل يمسك من مَاله مَا يَكْفِيهِ وَيتَصَدَّق بِالْفَضْلِ فنسخها الله بِالزَّكَاةِ {وَأمر بِالْعرْفِ} قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ {وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة قبل أَن تفرض الصَّلَاة وَالزَّكَاة والقتال أمره الله بالكف ثمَّ نسخهَا الْقِتَال وَأنزل {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْحَج الْآيَة 39 الْآيَة

- الْآيَة (200)

(3/631)


وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)

- أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: لما نزلت {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} الْأَعْرَاف الْآيَة 199 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يَا رب وَالْغَضَب فَنزل {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ} قَالَ: علم الله أَن هَذَا الْعَدو مبتغ ومريد

(3/631)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان من همزه ونفثه ونفخه
قَالَ: همزه الموتة ونفثه الشّعْر: ونفخه الْكِبْرِيَاء

- الْآيَة (201 - 203)

(3/632)


إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إنَّ الَّذين اتَّقوا} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان} قَالَ: الْغَضَب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الطيف: الْغَضَب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك أَنه قَرَأَ (إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان) بِالْألف {تَذكرُوا} قَالَ: هَم بِفَاحِشَة فَلم يعملها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا} يَقُول: إِذا زلوا تَابُوا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق وهب بن جرير عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد الْحسن إِذْ جَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد مَا تَقول فِي العَبْد يُذنب الذَّنب ثمَّ يَتُوب قَالَ: لم يَزْدَدْ بتوبته من الله إِلَّا دنواً
قَالَ: ثمَّ عَاد فِي ذَنبه ثمَّ تَابَ قَالَ: لم يَزْدَدْ بتوبته إِلَّا شرفاً عِنْد الله
قَالَ: ثمَّ قَالَ لي: ألم تسمع مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: وَمَا قَالَ قَالَ مثل الْمُؤمن مثل السنبلة تميل أَحْيَانًا وتستقيم

(3/632)


أَحْيَانًا - وَفِي ذَلِك تكبر - فَإِذا حصدها صَاحبهَا حمد أمره كَمَا حمد صَاحب السنبلة بره ثمَّ قَرَأَ {إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: إِن الله لم يسم عَبده الْمُؤمن كَافِرًا ثمَّ قَرَأَ {إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا} فَقَالَ: لم يسمه كَافِرًا وَلَكِن سَمَّاهُ متقياً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {إِذا مسهم طائف} بِالْألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن وثاب قَرَأَ أَحدهمَا طائف وَالْآخر طيف
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَ (إِذا مسهم طائف) بِالْألف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الطَّائِف اللمة من الشَّيْطَان {تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون} يَقُول: إِذا هم مُنْتَهُونَ عَن الْمعْصِيَة آخذون بِأَمْر الله عاصون للشَّيْطَان وإخوانهم
قَالَ: إخْوَان الشَّيَاطِين {يمدونهم فِي الغي ثمَّ لَا يقصرون} قَالَ: لَا الإِنس عَمَّا يعْملُونَ السَّيِّئَات وَلَا الشَّيَاطِين تمسك عَنْهُم {وَإِذا لم تأتهم بِآيَة قَالُوا لَوْلَا اجتبيتها} يَقُول: لَوْلَا أحدثتها لَوْلَا تلقيتها فأنشأتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وإخوانهم يمدونهم فِي الغي} قَالَ: هم الْجِنّ يوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الإِنس {ثمَّ لَا يقصرون} يَقُول: لَا يسامون {وَإِذا لم تأتهم بِآيَة قَالُوا لَوْلَا اجتبيتها} يَقُول: هلا افتعلتها من تِلْقَاء نَفسك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وإخوانهم من الشَّيَاطِين يمدونهم فِي الغي} قَالَ: استجهالاً وَفِي قَوْله {لَوْلَا اجتبيتها} قَالَ: ابتدعتها
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: أَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أعرف الْحزن فِي وَجهه فَأخذ بلحيتي فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أَتَانِي جِبْرِيل

(3/633)


آنِفا فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
قلت: أجل فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فَمَا ذَاك يَا جِبْرِيل فَقَالَ: إِن أمتك مفتتنة بعْدك بِقَلِيل من الدَّهْر غير كثير قلت: فتْنَة كفر أَو فتْنَة ضَلَالَة قَالَ: كل ذَلِك سَيكون
قلت: وَمن أَيْن ذَاك وَأَنا تَارِك فيهم كتاب الله

قَالَ: بِكِتَاب الله يضلون وَأول ذَلِك من قبل قرائهم وأمرائهم يمْنَع الْأُمَرَاء النَّاس حُقُوقهم فَلَا يعطونها فيقتتلون وتتبع الْقُرَّاء أهواء الْأُمَرَاء فيمدونهم فِي الغي ثمَّ لَا يقصرون قلت: يَا جِبْرِيل فَبِمَ يسلم من سلم مِنْهُم قَالَ: بالكف وَالصَّبْر إِن أعْطوا الَّذِي لَهُم أَخَذُوهُ وَإِن منعُوهُ تَرَكُوهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {قل إِنَّمَا أتبع مَا يُوحى إليَّ من رَبِّي} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن {هَذَا بصائر من ربكُم} أَي بَيِّنَات فاعقلوه {وَهدى وَرَحْمَة} لمن آمن بِهِ وَعمل بِهِ ثمَّ مَاتَ عَلَيْهِ

- الْآيَة (204)

(3/634)


وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)

- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ: نزلت فِي رفع الْأَصْوَات وهم خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} يَعْنِي فِي الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ خَلفه قوم فَنزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ فِي الصَّلَاة أَجَابَهُ من وَرَاءه إِذا قَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن [] قَالُوا مثل مَا يَقُول حَتَّى تَنْقَضِي فَاتِحَة الْكتاب وَالسورَة فَلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ نزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} الْآيَة
فَقَرَأَ وأنصتوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: قرأرجل من الْأَنْصَار خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة فأنزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} الْآيَة

(3/634)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مُغفل أَنه سُئِلَ أَكُلُّ من سمع الْقُرْآن يُقْرَأْ وَجب عَلَيْهِ الِاسْتِمَاع والإِنصات قَالَ: لَا
قَالَ: إِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} فِي قِرَاءَة الإِمام إِذا قَرَأَ الإِمام فاستمع لَهُ وأنصت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود
أَنه صلى بِأَصْحَابِهِ فَسمع نَاسا يقرؤون خَلفه فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: أما آن لكم أَن تفهموا أما آن لكم أَن تعقلوا {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} كَمَا أَمركُم الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ فِي الْقِرَاءَة خلف الإِمام: انصت لِلْقُرْآنِ كَمَا أُمرت فَإِن فِي الصَّلَاة شغلاً وسيكفيك ذَاك الإِمام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: من قَرَأَ خلف الإِمام فقد أَخطَأ الْفطْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن ثَابت قَالَ: لَا قِرَاءَة خلف الإِمام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل الإِمام ليؤتم بِهِ فَإِذا كبر فكبروا وَإِذا قَرَأَ فانصتوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءته لَهُ قِرَاءَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: أول مَا أَحْدَثُوا الْقِرَاءَة خلف الإِمام وَكَانُوا لَا يقرأون
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي فَتى من الْأَنْصَار كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما قَرَأَ شَيْئا قَرَأَهُ فَنزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا صلى بِأَصْحَابِهِ فَقَرَأَ قَرَأَ أَصْحَابه خَلفه فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} فَسكت الْقَوْم وَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا قَرَأت أئمتهم جاوبوهم فكره الله ذَلِك لهَذِهِ الْأمة قَالَ {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}

(3/635)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَرجل يقْرَأ فَنزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن طَلْحَة بن مصرف فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ: لَيْسَ هَؤُلَاءِ بالأئمة الَّذين أمرنَا بالإِنصات لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة فَنزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه سلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَلم يرد عَلَيْهِ - وَكَانَ الرجل قبل ذَلِك يتَكَلَّم فِي صلَاته وَيَأْمُر بحاجته - فَلَمَّا فرغ رد عَلَيْهِ وَقَالَ: غن الله يفعل مَا يَشَاء وَإِنَّهَا نزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة فجَاء الْقُرْآن {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: كَانَ النَّاس يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون} فنهانا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن الْمُسلمين كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة كَمَا يتَكَلَّم الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَتَّى نزلت {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة أول مَا أمروا بهَا كَانَ الرجل يَجِيء وهم فِي الصَّلَاة فَيَقُول لصَاحبه: كم صليتم فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} فَأمروا بالاستماع والإِنصات علم أَن الإِنصات هُوَ أَحْرَى أَن يستمع العَبْد ويعيه ويحفظه علم أَن لن يفقهوا حَتَّى ينصتوا والإِنصات بِاللِّسَانِ وَالِاسْتِمَاع بالأذنين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة فَأنْزل الله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن} الْآيَة

(3/636)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ} قَالَ: نزلت فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَفِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَفِيمَا جهر بِهِ من الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمُؤمن فِي سَعَة من الِاسْتِمَاع إِلَيْهِ إِلَّا فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَفِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَفِيمَا جهر بِهِ من الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ: نزلت فِي رفع الْأَصْوَات خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة وَفِي الْخطْبَة لِأَنَّهَا صَلَاة وَقَالَ: من تكلم يَوْم الْجُمُعَة والإِمام يخْطب فَلَا صَلَاة لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي هَذِه الْآيَة {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ: هَذَا فِي الصَّلَاة وَالْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: وَجب الإِنصات فِي اثْنَتَيْنِ فِي الصَّلَاة والإِمام يقْرَأ وَيَوْم الْجُمُعَة والإِمام يخْطب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا أوجب الإِنصات يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ: ذَاك زَعَمُوا فِي الصَّلَاة وَفِي الْجُمُعَة قلت: والإِنصات يَوْم الْجُمُعَة كالإِنصات فِي الْقِرَاءَة سَوَاء
قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ: عِنْد الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَعند الذّكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: كَانُوا يرفعون أَصْوَاتهم فِي الصَّلَاة حِين يسمعُونَ ذكر الْجنَّة وَالنَّار فَأنْزل الله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ} الْآيَة
قَالَ: فِي الصَّلَاة وَحين ينزل الْوَحْي عَن الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
أَنه كره إِذا مر الإِمام بِآيَة خوف أَو آيَة رَحْمَة أَن يَقُول أحد من خَلفه شَيْئا قَالَ: السُّكُوت

(3/637)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عُثْمَان بن زَائِدَة
أَنه كَانَ إِذا قرىء عَلَيْهِ الْقُرْآن غطى وَجهه بِثَوْبِهِ ويتأوّل من ذَلِك قَول الله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} فَيكْرَه أَن يشغل بَصَره وشيئاً من جواره بِغَيْر اسْتِمَاع
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اسْتمع إِلَى آيَة من كتاب الله كتبت لَهُ حَسَنَة مضاعفة وَمن تَلَاهَا كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة

- الْآيَة (205)

(3/638)


وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أمره الله أَن يذكرهُ وَنَهَاهُ عَن الْغَفْلَة أما بالغدوّ: فَصَلَاة الصُّبْح وَالْآصَال: بالْعَشي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر قَالَ: الآصال: مَا بَين الظّهْر وَالْعصر
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} الْأَعْرَاف الْآيَة 204 قَالَ: هَذَا إِذا أَقَامَ الإِمام الصَّلَاة {فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَاذْكُر رَبك أَيهَا المنصت {فِي نَفسك تضرعاً وخيفة وَدون الْجَهْر من القَوْل} قَالَ: لَا تجْهر بِذَاكَ {بالغدوّ وَالْآصَال} بالبكر والعشي {وَلَا تكن من الغافلين}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله {وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك} قَالَ: يَقُول الله إِذا ذَكرنِي عَبدِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي وَإِذا ذَكرنِي عَبدِي وحْده ذكرته وحدي وَإِذا ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ أحسن مِنْهُم وَأكْرم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {بالغدوّ} قَالَ: آخر الْفجْر صَلَاة الصُّبْح {وَالْآصَال} آخر الْعشي صَلَاة الْعَصْر وكل ذَلِك لَهَا وَقت أول الْفجْر وَآخره وَذَلِكَ مثل قَوْله فِي سُورَة آل عمرَان {بالْعَشي والإِبكار} آل عمرَان الْآيَة 41 ميل الشَّمْس إِلَى أَن تغيب والإِبكار أول الْفجْر

(3/638)


وَأخرج عبد بن حميد عَن معرف بن وَاصل قَالَ: سَمِعت أَبَا وَائِل يَقُول لغلامه عِنْد مغيب الشَّمْس: آصلنا
أخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَلَا تكن من الغافلين} قَالَ: ذَاكر الله فِي الغافلين كالمقاتل عَن الفارقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بكير بن الْأَخْنَس قَالَ: مَا أَتَى يَوْم الْجُمُعَة على أحد وَهُوَ لَا يعلم أَنه يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا كتب من الغافلين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْغَفْلَة فِي ثَلَاث
عَن ذكر الله وَمن حِين يُصَلِّي الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس وَأَن يغْفل الرجل عَن نَفسه فِي الدّين حَتَّى يركبه

- الْآيَة (206)

(3/639)


إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)

- أخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي الْعُرْيَان الْمُجَاشِعِي عَن ابْن عَبَّاس
أَنه ذكر سُجُود الْقُرْآن فَقَالَ: الْأَعْرَاف والرعد والنحل وَبَنُو إِسْرَائِيل وَمَرْيَم وَالْحج سَجْدَة وَاحِدَة والنمل وَالْفرْقَان والم تَنْزِيل وحم تَنْزِيل وص وَلَيْسَ فِي الْمفصل سُجُود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: عد عَليّ بن الْعَبَّاس عشر سَجدَات فِي الْقُرْآن
الْأَعْرَاف والرعد والنحل وَبني إِسْرَائِيل وَمَرْيَم وَالْحج الأولى مِنْهَا وَالْفرْقَان والنمل وتنزيل السَّجْدَة وحم السَّجْدَة
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ سجدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى عشرَة سَجْدَة لَيْسَ فِيهَا من الْمفصل شَيْء
الْأَعْرَاف والرعد والنحل وَبني إِسْرَائِيل وَمَرْيَم وَالْحج سَجْدَة وَالْفرْقَان وَسليمَان سُورَة النَّمْل والسجدة وص وَسجْدَة الحواميم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقْرَأَهُ خَمْسَ عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن مِنْهَا ثَلَاث من الْمفصل وَفِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ علينا الْقُرْآن فَيقْرَأ السُّورَة فِيهَا السَّجْدَة فَيسْجد ونسجد مَعَه حَتَّى لَا يجد أَحَدنَا مَكَانا لوضع جَبهته

(3/639)


وَأخرج مُسلم وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ ابْن آدم السَّجْدَة فَسجدَ اعتزل الشَّيْطَان يبكي يَقُول: يَا ويله أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَلهُ الْجنَّة وأُمِرْتُ بِالسُّجُود فأبيتُ فليَ النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: سُئِلت عَائِشَة عَن سُجُود الْقُرْآن فَقَالَت: حق الله يُؤَدِّيه أَو تطوّع تطوّعه وَمَا من مُسلم سجد لله سَجْدَة إِلَّا رَفعه الله بهَا دَرَجَة أَو حط عَنهُ بهَا خَطِيئَة أَو جمعهَا لَهُ كلتيهما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُسلم بن يسَار قَالَ: إِذا قَرَأَ الرجل السَّجْدَة فَلَا يسْجد حَتَّى يَأْتِي على الْآيَة كلهَا فَإِذا أَتَى عَلَيْهِ رفع يَدَيْهِ وَكبر وَسجد
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ علينا الْقُرْآن فَإِذا مر بِالسَّجْدَةِ كبَّر وَسجد وسجدنا مَعَه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي سُجُود الْقُرْآن بِاللَّيْلِ يَقُول فِي السَّجْدَة مرَارًا سَجَدَ وَجْهي للَّذي خلقه وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قيس بن السكن قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سجد وَجْهي للَّذي خلقه وشق سَمعه وبصره قَالَ: وَبَلغنِي أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: سجد وَجْهي متعفراً فِي التُّرَاب لخالقي وَحقّ لَهُ ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الله مَا أشبه كَلَام الْأَنْبِيَاء بَعضهم بِبَعْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول فِي سُجُوده: اللَّهُمَّ لَك سجد سوَادِي وَبِك آمن فُؤَادِي اللَّهُمَّ ارزفني علما يَنْفَعنِي وعلماً يرفعني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قَتَادَة أَنه كَانَ يَقُول إِذا قَرَأَ السَّجْدَة: سُبْحَانَ رَبنَا إِن كَانَ وعد رَبنَا لمفعولاً سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: لَا يسْجد الرجل إِلَّا وَهُوَ طَاهِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ إِذا أَتَوا على السَّجْدَة أَن يجاوزوها حَتَّى يسجدوا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يدع قِرَاءَة آخر سُورَة الْأَعْرَاف فِي كل جُمُعَة على الْمِنْبَر
4

(3/640)