الدر المنثور في التفسير بالمأثور

 (9)
سُورَة التَّوْبَة
(مَدَنِيَّة وآياتها تسع وَعِشْرُونَ وَمِائَة) مُقَدّمَة سُورَة التَّوْبَة أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بَرَاءَة بعد فتح مَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة التَّوْبَة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزل بِالْمَدِينَةِ سُورَة بَرَاءَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مِمَّا نزل فِي الْمَدِينَة بَرَاءَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لعُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ: مَا حملكم أَن عمدتم إِلَى الْأَنْفَال وَهِي من المثاني وَإِلَى بَرَاءَة وَهِي من المئين فقرنتم بَينهمَا وَلم تكْتبُوا سطر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبع الطوَال مَا حملكم على ذَلِك فَقَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَان وَهُوَ ينزل عَلَيْهِ السُّور ذَوَات الْعدَد فَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الشَّيْء دَعَا بعض من كَانَ يكْتب فَيَقُول ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَت الْأَنْفَال من أَوَائِل مَا نزل بِالْمَدِينَةِ وَكَانَت بَرَاءَة من آخر الْقُرْآن نزولا وَكَانَت قصَّتهَا شَبيهَة بِقِصَّتِهَا فظنت أَنَّهَا مِنْهَا فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يبين لنا أَنَّهَا مِنْهَا فَمن أجل ذَلِك قرنت بيهما وَلم أكتب بَينهمَا سطر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ووضعتهما فِي السَّبع الطوَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: آخر آيَة نزلت (يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة) (النِّسَاء الْآيَة 176) وَآخر سُورَة نزلت تَامَّة بَرَاءَة

(4/119)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي رَجَاء قَالَ: سَأَلت الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن الْأَنْفَال وَبَرَاءَة أسورتان أَو سُورَة قَالَ: سورتان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي روق قَالَ: الْأَنْفَال وَبَرَاءَة سُورَة وَاحِدَة
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت الْأَنْفَال وَبَرَاءَة يدعيان فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القرينتين فَلذَلِك جعلتهما فِي السَّبع الطوَال
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن عسعس بن سَلامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا بَال الْأَنْفَال وَبَرَاءَة لَيْسَ بَينهمَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ: كَانَت تنزل السُّورَة فَلَا تزَال تكْتب حَتَّى تنزل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَإِذا جَاءَت بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتبت سُورَة أُخْرَى فَنزلت الْأَنْفَال وَلم تكْتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنَافِق لَا يحفظ سُورَة هود وَبَرَاءَة وَيس وَالدُّخَان وَعم يتسألون
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي عَطِيَّة الْهَمدَانِي قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تعلمُوا سُورَة بَرَاءَة وَعَلمُوا نساءكم سُورَة النُّور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الَّتِي تسمون سُورَة التَّوْبَة هِيَ سُورَة الْعَذَاب وَالله مَا تركت أحدا إِلَّا نَالَتْ مِنْهُ وَلَا تقرأون مِنْهَا مِمَّا كُنَّا نَقْرَأ إِلَّا ربعهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فِي بَرَاءَة يسمونها سُورَة التَّوْبَة وَهِي سُورَة الْعَذَاب
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فِي بَرَاءَة يسمونها سُورَة التَّوْبَة وَهِي سُورَة الْعَذَاب
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: سُورَة التَّوْبَة قَالَ: التَّوْبَة بل هِيَ الفاضحة مَا زَالَت تنزل وَمِنْهُم حَتَّى ظننا أَن لن يبْقى منا أحد إِلَّا ذكر فِيهَا

(4/120)


وَأخرج أَبُو عوَانَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قيل لَهُ: سُورَة التَّوْبَة قَالَ: هِيَ إِلَى الْعَذَاب أقرب مَا أقلعت عَن النَّاس حَتَّى مَا كَادَت تدع مِنْهُم أحدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَا فرغ من تَنْزِيل بَرَاءَة حَتَّى ظننا أَنه لم يبْق منا أحد إِلَّا سينزل فِيهِ وَكَانَت تسمى الفاضحة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا قَالَ لعبد الله: سُورَة التَّوْبَة فَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ: وأيتهن سُورَة التَّوْبَة فَقَالَ: بَرَاءَة
فَقَالَ ابْن عمر: وَهل فعل بِالنَّاسِ الأفاعيل إِلَّا هِيَ مَا كُنَّا ندعوها إِلَّا المقشقشة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت بَرَاءَة تسمى المنقرة نقرت عَمَّا فِي قُلُوب الْمُشْركين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا تقرأون ثلثهَا يَعْنِي سُورَة التَّوْبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يسمونها سُورَة التَّوْبَة وَإِنَّهَا لسورة عَذَاب يَعْنِي بَرَاءَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت بَرَاءَة تسمى فِي زمَان النَّبِي المعبرة لما كشفت من سرائر النَّاس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ دخلت الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فَجَلَست قَرِيبا من أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة بَرَاءَة فَقلت لأبي: مَتى نزلت هَذِه السُّورَة فَلم يكلمني قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته قلت لأبي رَضِي الله عَنهُ: سَأَلتك فتجهمتني وَلم تكلمني فَقَالَ أبي: مَالك من صَلَاتك إِلَّا مَا لغوت
فَذَهَبت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: صدق أبي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن أَبَا ذَر وَالزُّبَيْر بن الْعَوام رَضِي الله عَنْهُمَا سمع أَحدهمَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة يَقْرَأها وَهُوَ على الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ لصَاحبه: مَتى أنزلت هَذِه الْآيَة فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب:

(4/121)


لَا جُمُعَة لَك
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: صدق عمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت سُورَة بَرَاءَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت بمداراة النَّاس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلت عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ لم لم تكْتب فِي بَرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ: لِأَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمَان وَبَرَاءَة نزلت بِالسَّيْفِ

الْآيَات 1 - 2

(4/122)


بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بَرَاءَة من الله وَرَسُوله إِلَى الَّذين عاهدتم من الْمُشْركين} إِلَى أهل الْعَهْد خُزَاعَة ومدلج وَمن كَانَ لَهُ عهد وَغَيرهم أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَبُوك حِين فرغ مِنْهَا فَأَرَادَ الْحَج ثمَّ قَالَ إِنَّه يحضر الْبَيْت مشركون يطوفون عُرَاة فَلَا أحب أَن أحج حَتَّى لَا يكون ذَلِك فَأرْسل أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وعليا رَضِي الله عَنهُ فَطَافَا فِي النَّاس بِذِي الْمجَاز وبأمكنتهم الَّتِي كَانُوا يبيعون بهَا وبالموسم كُله فآذانوا أَصْحَاب الْعَهْد أَن يأمنوا أَرْبَعَة أشهر وَهِي الْأَشْهر الْحرم المنسلخات المتواليات عشرُون من آخر ذِي الْحجَّة إِلَى عشر تَخْلُو من ربيع الأوّل ثمَّ عهد لَهُم وآذن النَّاس كلهم بِالْقِتَالِ إِلَى أَن يموتوا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الْمسند وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما نزلت عشر آيَات من بَرَاءَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لِيَقْرَأهَا على أهل مَكَّة ثمَّ دَعَاني فَقَالَ لي: أدْرك أَبَا بكر فَحَيْثُمَا لَقيته فَخذ الْكتاب مِنْهُ وَرجع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله نزل فيّ شَيْء قَالَ: لَا وَلَكِن جِبْرِيل جَاءَنِي فَقَالَ: لن يُؤَدِّي عَنْك إِلَّا أَنْت أَو رجل مِنْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس

(4/122)


رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَرَاءَة مَعَ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يبلغ هَذَا إِلَّا رجل من أَهلِي فَدَعَا عليا فَأعْطَاهُ إِيَّاه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة إِلَى أهل مَكَّة ثمَّ بعث عليا رَضِي الله عَنهُ على أَثَره فَأَخذهَا مِنْهُ فَكَأَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وجد فِي نَفسه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر أَنه لَا يُؤَدِّي عني إِلَّا أَنا أَو رجل مني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليا رَضِي الله عَنهُ بِأَرْبَع لَا يَطُوفَن بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يجْتَمع الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بعد عَامهمْ وَمن كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فَهُوَ إِلَى عَهده وَإِن الله وَرَسُوله بَرِيء من الْمُشْركين
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليا رَضِي الله عَنهُ بِأَرْبَع
لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يجْتَمع الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بعد عَامهمْ وَمن كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فَهُوَ إِلَى عَهده وَإِن الله وَرَسُوله بَرِيء من الْمُشْركين
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل مَكَّة بِبَرَاءَة فَكُنَّا ننادي أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمن كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فَإِن أمره أَو أَجله إِلَى أَرْبَعَة أشهر فَإِذا مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر فَإِن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله وَلَا يحجّ هَذَا الْبَيْت بعد الْعَام مُشْرك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ أمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة فِي حجَّة أبي بكر فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: ثمَّ اتَّبعنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا رَضِي الله عَنهُ أمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ على الْمَوْسِم كَمَا هُوَ أَو قَالَ: على هَيئته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ على الْحَج ثمَّ أرسل عليا رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة على أَثَره ثمَّ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمقبل ثمَّ خرج فَتوفي فولي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَاسْتعْمل عمر رَضِي الله عَنهُ على الْحَج ثمَّ حج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ من قَابل ثمَّ مَاتَ ثمَّ ولي عمر

(4/123)


رَضِي الله عَنهُ فَاسْتعْمل عبد الرَّحْمَن بن عَوْف على الْحَج ثمَّ كَانَ يحجّ بعد ذَلِك هُوَ حَتَّى مَاتَ ثمَّ ولي عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَاسْتعْمل عبد الرَّحْمَن بن عَوْف على الْحَج ثمَّ كَانَ يحجّ حَتَّى قتل
وَأخرج ابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ يُؤَدِّي عَنهُ بَرَاءَة فَلَمَّا أرْسلهُ بعث إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا عَليّ إِنَّه لَا يُؤَدِّي عني إِلَّا أَنا أَو أَنْت فَحَمله على نَاقَته العضباء فَسَار حَتَّى لحق بِأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَأخذ مِنْهُ بَرَاءَة فَأتى أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد دخله من ذَلِك مَخَافَة أَن يكون قد أنزل فِيهِ شَيْء فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: مَا لي يَا رَسُول الله قَالَ خير أَنْت أخي وصاحبي فِي الْغَار وَأَنت معي على الْحَوْض غير أَنه لَا يبلغ عني غَيْرِي أَو رجل مني
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة إِلَى الْمَوْسِم فَأتى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِنَّه لن يُؤَدِّيهَا عَنْك إِلَّا أَنْت أَو رجل مِنْك فَبعث عليا رَضِي الله عَنهُ على أَثَره حَتَّى لحقه بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَأَخذهَا فقرأها على النَّاس فِي الْمَوْسِم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي مؤذنين بَعثهمْ يَوْم النَّحْر يُؤذنُونَ بمنى: أَن لَا يحجّ بعد هَذَا الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ثمَّ أرْدف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة فَأذن مَعنا عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي أهل منى يَوْم النَّحْر بِبَرَاءَة: أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وَأمره أَن يُنَادي بهؤلاء الْكَلِمَات ثمَّ أتبعه عليا رَضِي الله عَنهُ وَأمره أَن يُنَادي بهَا فَانْطَلقَا فحجا فَقَامَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَنَادَى {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر} وَلَا يَحُجَّنَّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يَطُوفَن بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن
فَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يُنَادي بهَا

(4/124)


وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر والنحاس وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن زيد بن تبيع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلنَا عليا رَضِي الله عَنهُ بِأَيّ شَيْء بعثت مَعَ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي الْحَج قَالَ: بعثت بِأَرْبَع
لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يجْتَمع مُؤمن وَكَافِر بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بعد عَامه هَذَا وَمن كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فعهده إِلَى مدَّته وَمن لم يكن لَهُ عهد فَأَجله أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه والدارمي وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي بعث أَبَا بكر على الْحَج ثمَّ أرسل عليا رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة
فقرأها على النَّاس فِي موقف الْحَج حَتَّى خَتمهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر أَمِيرا على النَّاس سنة تسع وَكتب لَهُ سنَن الْحَج وَبعث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بآيَات من بَرَاءَة فَأمره أَن يُؤذن بِمَكَّة وبمنى وعرفة والمشاعر كلهَا: بِأَنَّهُ بَرِئت ذمَّة رَسُول من كل مُشْرك حج هَذَا الْعَام أَو طَاف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَأجل من كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد أَرْبَعَة أشهر وَسَار عَليّ رَضِي الله عَنهُ على رَاحِلَته فِي النَّاس كلهم يقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن {بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} وَقَرَأَ عَلَيْهِم (يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد) (الْأَعْرَاف الْآيَة 31) الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن بِبَرَاءَة فَقلت: يَا رَسُول الله تبعثني وَأَنا غُلَام حَدِيث السن واسأل عَن الْقَضَاء وَلَا أَدْرِي مَا أُجِيب قَالَ: مَا بُد من أَن تذْهب بهَا أَو أذهب بهَا
قلت: إِن كَانَ لَا بُد فَأَنا أذهب
قَالَ: انْطلق فَأن الله يثبت لسَانك وَيهْدِي قَلْبك ثمَّ قَالَ: انْطلق فاقرأها على النَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: حدَّ الله للَّذين عَاهَدُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أشهر يسيحون فِيهَا حَيْثُ شاؤوا وحد أجل من لَيْسَ لَهُ عهد انسلاخ الْأَرْبَعَة الْأَشْهر

(4/125)


الْحرم من يَوْم النَّحْر إِلَى انسلاخ الْحرم خمسين لَيْلَة فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم أمره أَن يضع السَّيْف فِيمَن عَاهَدَ إِن لم يدخلُوا فِي الإِسلام وَنقض مَا سمى لَهُم من الْعَهْد والميثاق وَإِن ذهب الشَّرْط الأوّل (إِلَّا الَّذين عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام) (التَّوْبَة الْآيَة 4) يَعْنِي أهل مَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ لقوم عهود فَأمر الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤجلهم أَرْبَعَة أشهر يسيحون فِيهَا وَلَا عهد لَهُم بعْدهَا وأبطل مَا بعْدهَا وَكَانَ قوم لَا عهود لَهُم فأجلهم خمسين يَوْمًا عشْرين من ذِي الْحجَّة وَالْمحرم كُله فَذَلِك قَوْله (فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التَّوْبَة الْآيَة 5) قَالَ: وَلم يعاهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْآيَة أحدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} قَالَ: برِئ إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عهودهم كَمَا ذكر الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والنحاس عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر} قَالَ: نزلت فِي شوّال فَهِيَ الْأَرْبَعَة أشهر شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم

الْآيَة 3

(4/126)


وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأذان من الله وَرَسُوله} قَالَ: هُوَ إِعْلَام من الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَكِيم بن حميد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي عَليّ بن الْحُسَيْن: أَن لعَلي فِي كتاب الله اسْما وَلَكِن لَا يعرفونه
قلت: مَا هُوَ قَالَ: ألم تسمع قَول الله {وأذان من الله وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَج الْأَكْبَر} هُوَ وَالله الْأَذَان

(4/126)


وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر فَقَالَ يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَربع حفظتهن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن الصَّلَاة الْوُسْطَى الْعَصْر وَإِن الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَإِن أدبار السُّجُود الركعتان بعد الْمغرب وَإِن أدبار النُّجُوم الركعتان قبل صَلَاة الْفجْر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ
أَنه شهد حجَّة الْوَدَاع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر وَوعظ قَالَ أَي يَوْم أحرم أَي يَوْم حرم أَي يَوْم حرم فَقَالَ النَّاس: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَا رَسُول الله
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن قرط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم الْأَيَّام عِنْد الله أَيَّام النَّحْر يَوْم القر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ يَوْم الْأَضْحَى هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر
وَأخرج البُخَارِيّ تَعْلِيقا وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف يَوْم النَّحْر بَين الجمرات فِي الْحجَّة الَّتِي حَجهَا فَقَالَ: أَي يَوْم هَذَا قَالُوا: يَوْم النَّحْر
قَالَ: هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِيمَن يُؤذن يَوْم النَّحْر بمنى أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَيَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَالْحج الْأَكْبَر الْحَج وَإِنَّمَا قيل الْأَكْبَر من أجل قَول النَّاس الْحَج الْأَصْغَر فنبذ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى النَّاس فِي ذَلِك الْعَام فَلم يحجّ عَام حجَّة الْوَدَاع الَّذِي حج فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُشْرك وَأنزل الله تَعَالَى (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس) (التَّوْبَة الْآيَة 28) الْآيَة

(4/127)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة
أَنه خطب يَوْم الْأَضْحَى فَقَالَ: الْيَوْم النَّحْر وَالْيَوْم الْحَج الْأَكْبَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جُحَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْحَج الْأَكْبَر: يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْحجر الْأَكْبَر: يَوْم النَّحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْحَج الْأَكْبَر: يَوْم النَّحْر يوضع فِيهِ الشّعْر ويراق فِيهِ الدَّم وَتحل فِيهِ الْحرم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم حج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِالنَّاسِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْم الْحَج الْأَكْبَر} قَالَ: كَانَ عَام حج فِيهِ الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي ثَلَاثَة أَيَّام فاتفق حج الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي سِتَّة أَيَّام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّد عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر قَالَ: كَانَ يَوْم وَافق فِيهِ حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحج أهل الْملَل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ زمن الْفَتْح: إِنَّه عَام الْحَج الْأَكْبَر
قَالَ: اجْتمع حج الْمُسلمين وَحج الْمُشْركين فِي ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات فَاجْتمع حج الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَالنَّصَارَى وَالْيَهُود فِي ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات وَلم يجْتَمع مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض كَذَلِك قبل الْعَام وَلَا يجْتَمع بعد الْعَام حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ عَن الْحَج الْأَكْبَر فَقَالَ: مَا لكم وللحج الْأَكْبَر ذَاك عَام حج فِيهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ اسْتَخْلَفَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحج بِالنَّاسِ فَاجْتمع فِيهِ الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَلذَلِك سمي الْحَج الْأَكْبَر وَوَافَقَ عيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْحَج الْأَكْبَر الْيَوْم الثَّانِي من يَوْم النَّحْر ألم تَرَ أَن الإِمام يخْطب فِيهِ

(4/128)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مردوية عَن الْمسور بن مخرمَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم عَرَفَة: هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْحَج الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الصَّهْبَاء الْبكْرِيّ قَالَ: سَأَلت عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر فَقَالَ: يَوْم عَرَفَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن يَوْم عَرَفَة يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم المباهاة يباهي الله مَلَائكَته فِي السَّمَاء بِأَهْل الأَرْض يَقُول جاؤوني شعثاً غبرا آمنُوا بِي وَلم يروني وَعِزَّتِي لأغفرن لَهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن معقل بن دَاوُد قَالَ سَمِعت ابْن الزبير يَقُول يَوْم عَرَفَة هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ
أَنه سُئِلَ هَذَا الْحَج الْأَكْبَر فَمَا الْحَج الْأَصْغَر قَالَ: عمْرَة فِي رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ عَن الْحَج الْأَكْبَر فَقَالَ: الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَالْحج الْأَصْغَر الْعمرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: الْعمرَة هِيَ الْحجَّة الصُّغْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَبُو خيوة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} قَالَ: برىء رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم اعرابي فِي زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: من يُقرئني مَا أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاقرأه رجل فَقَالَ {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} بِالْجَرِّ فَقَالَ الْأَعرَابِي: أقد برِئ الله من رَسُوله إِن يكن الله برِئ من رَسُوله فَأَنا أَبْرَأ مِنْهُ
فَبلغ عمر مقَالَة الْأَعرَابِي فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي أَتَبرأ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي قدمت الْمَدِينَة

(4/129)


وَلَا علم لي بِالْقُرْآنِ فَسَأَلت من يُقْرِئُنِي فأقرأني هَذَا سُورَة بَرَاءَة
فَقَالَ {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} فَقلت: إِن يكن الله برِئ من رَسُوله فَأَنا أَبْرَأ مِنْهُ
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ هَكَذَا يَا أَعْرَابِي
قَالَ: فَكيف هِيَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين ورسولُهُ} فَقَالَ الْأَعرَابِي: وَأَنا وَالله أَبْرَأ مِمَّا مَا برِئ الله وَرَسُوله مِنْهُ
فَأمر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يقرئ النَّاس إِلَّا عَالم باللغة وَأمر أَبَا الْأسود رَضِي الله عَنهُ فَوضع النَّحْو
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن عباد المهلبي قَالَ: سمع أَبُو الْأسود الدؤَلِي رجلا يقْرَأ {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} بِالْجَرِّ فَقَالَ: لَا أظنني يسعني إِلَّا أَن أَن أَضَع شَيْئا يصلح بِهِ لحن هَذَا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ
أما قَوْله تَعَالَى: {وَبشر الَّذين كفرُوا بِعَذَاب أَلِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مسْهر قَالَ: سُئِلَ سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن الْبشَارَة أتكون فِي الْمَكْرُوه قَالَ: ألم تسمع قَوْله تَعَالَى {وَبشر الَّذين كفرُوا بِعَذَاب أَلِيم}

الْآيَة 4

(4/130)


إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم من الْمُشْركين} قَالَ: هم مشركو قُرَيْش الَّذين عاهدهم نَبِي الله زمن الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ بَقِي من مدتهم أَرْبَعَة أشهر بعد يَوْم النَّحْر فَأمر الله نبيه أَن يُوفي لَهُم بعهدهم هَذَا إِلَى مدتهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم من الْمُشْركين} قَالَ: هم بَنو خُزَيْمَة بن عَامر من بني بكر بن كنَانَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ لم ينقصوكم شَيْئا} الْآيَة
قَالَ: فَإِن نقض الْمُشْركُونَ عَهدهم وظاهروا عدوّاً فَلَا عهد لَهُم وَإِن أَوْفوا بعهدهم الَّذِي بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يظاهروا عَلَيْهِ فقد أَمر أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِم عَهدهم ويفي بِهِ

(4/130)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم} قَالَ: كَانَ لبني مُدْلِج وخزاعة عهد فَهُوَ الَّذِي قَالَ الله {فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن اسدي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم من الْمُشْركين} قَالَ: هَؤُلَاءِ بَنو ضَمرَة وَبَنُو مُدْلِج حَيَّان من بني كنَانَة كَانُوا حلفاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الْعسرَة من بني تبيع {ثمَّ لم ينقصوكم شَيْئا} ثمَّ لم ينقضوا عهدكم بغدر {وَلم يظاهروا} عدوّكم عَلَيْكُم {فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم} يَقُول: أَجلهم الَّذِي شرطتم لَهُم {إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ} يَقُول: الَّذين يَتَّقُونَ الله تَعَالَى فِيمَا حرم عَلَيْهِم فيفون بالعهد: قَالَ: فَلم يعاهد النَّبِي بعد هَؤُلَاءِ الْآيَات أحد

الْآيَة 5

(4/131)


فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} قَالَ: هِيَ الْأَرْبَعَة عشرُون من ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وَشهر ربيع الأول وَعِشْرُونَ من شهر ربيع الآخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} قَالَ: عشر من ذِي الْقعدَة وَذي الْحجَّة وَالْمحرم سَبْعُونَ لَيْلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} قَالَ: هِيَ الْأَرْبَعَة الَّتِي قَالَ (فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر) (بَرَاءَة الْآيَة 2)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} الْآيَة
قَالَ: كَانَ عهد بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين قُرَيْش أَرْبَعَة أشهر بعد يَوْم النَّحْر كَانَت تِلْكَ بَقِيَّة مدتهم وَمن لَا عهد لَهُ إِلَى انسلاخ الْمحرم فَأمر الله نبيه

(4/131)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مضى هَذِه الْأَجَل أَن يقاتلهم فِي الْحل وَالْحرم وَعند الْبَيْت حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل آيَة فِي كتاب الله تَعَالَى فِيهَا مِيثَاق بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أحد من الْمُشْركين وكل عهد وَمُدَّة نسخهَا سُورَة بَرَاءَة {وخذوهم واحصروهم واقعدوا لَهُم كل مرصد}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واحصروهم} قَالَ: ضيِّقوا عَلَيْهِم {واقعدوا لَهُم كل مرصد} قَالَ: لَا تتركوهم يضْربُونَ فِي الْبِلَاد وَلَا يخرجُون التِّجَارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الرِّبَاط فِي كتاب الله تَعَالَى {واقعدوا لَهُم كل مرصد}
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ثمَّ نسخ وَاسْتثنى فَقَالَ {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فَخلوا سبيلهم} وَقَالَ (وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله) (التَّوْبَة الْآيَة 6)
أما قَوْله تَعَالَى: {فَإِن تَابُوا} الْآيَة أخرج ابْن ماجة وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الرّبيع بن أنس عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فَارق الدُّنْيَا على الإِخلاص لله وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ وَأقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة فَارقهَا وَالله عَنهُ رَاض قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: وَهُوَ دين الله الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُل وبلغوه عَن رَبهم من قبل هوج الْأَحَادِيث وَاخْتِلَاف الْأَهْوَاء
قَالَ أنس: وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى فِي آخر مَا أنزل {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فَخلوا سبيلهم} قَالَ: تَوْبَتهمْ خلع الْأَوْثَان وَعبادَة رَبهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} قَالَ: حرمت هَذِه دِمَاء أهل الْقبْلَة

(4/132)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فَخلوا سبيلهم إِن الله غَفُور رَحِيم} قَالَ: فَإِنَّمَا النَّاس ثَلَاثَة نفر
مُسلم عَلَيْهِ الزَّكَاة ومشرك عَلَيْهِ الْجِزْيَة وَصَاحب حَرْب يأتمن بتجارته إِذا أعْطى عشر مَاله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: افْتتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة ثمَّ انْصَرف إِلَى الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة أَو سَبْعَة ثمَّ ارتحل غدْوَة وروحة ثمَّ نزل ثمَّ هجر ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي لكم فرط وَإِنِّي أوصيكم بعترتي خيرا مَوْعدكُمْ الْحَوْض وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتقيمن الصَّلَاة ولتؤتن الزَّكَاة أَو لَأَبْعَثَن عَلَيْكُم رجلا مني أَو كنفسي فليضربن أَعْنَاق مقاتلهم وليسبين ذَرَارِيهمْ فَرَأى النَّاس أَنه يَعْنِي أَبَا بكر أَو عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَأخذ بيد عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: هَذَا
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن الرّبيع الظفري رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رجل من أَشْجَع تُؤْخَذ صدقته فَجَاءَهُ الرَّسُول فَرده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذْهَبْ فَإِن لم يُعْط صدقته فَاضْرب عُنُقه

الْآيَات 6 - 7

(4/133)


وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ أبلغه مأمنه} قَالَ: إِن لم يُوَافقهُ مَا يقْضِي عَلَيْهِ 7 ويجتريه فأبلغه مأمنه وَلَيْسَ هَذَا بمنسوخ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} قَالَ: أَمر من أَرَادَ ذَلِك أَن يأمنه فَإِن قبل فَذَاك وَإِلَّا خلى عَنهُ حَتَّى يَأْتِي مأمنه وَأمر أَن ينْفق عَلَيْهِم على حَالهم ذَلِك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى يسمع كَلَام الله} أَي كتاب الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثمَّ اسْتثْنى فنسخ مِنْهَا فَقَالَ

(4/133)


{وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَهُوَ كلامك بِالْقُرْآنِ فَأَمنهُ {ثمَّ أبلغه مأمنه} يَقُول: حَتَّى يبلغ مأمنه من بِلَاده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن أبي عرُوبَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الرجل يَجِيء إِذا سمع كَلَام الله وأقرَّ بِهِ وَأسلم
فَذَاك الَّذِي دعِي إِلَيْهِ وَإِن أنكر وَلم يقر بِهِ فَرد إِلَى مأمنه ثمَّ نسخ ذَلِك فَقَالَ (وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة كَمَا يقاتلونكم كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 5)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: هَؤُلَاءِ قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عاهده النَّاس من الْمُشْركين وَعَاهد أَيْضا أُنَاسًا من بني ضَمرَة بن بكر وكنانة خَاصَّة عاهدهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام وَجعل مدتهم أَرْبَعَة أشهر وهم الَّذين ذكر الله {إِلَّا الَّذين عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام فَمَا استقاموا لكم فاستقيموا لَهُم} يَقُول: مَا وفوا لكم بالعهد فوفوا لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: هم بَنو خُزَيْمَة بن فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: هُوَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة {فَمَا استقاموا لكم فاستقيموا لَهُم} قَالَ: فَلم يستقيموا وَنَقَضُوا عهدكم أعانوا بني بكر حلفاء قُرَيْش على خُزَاعَة حلفاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الْآيَة 8

(4/134)


كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ الأل الله عز وَجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: الإِل: الله

(4/134)


وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {إلاًّ وَلَا ذمَّة} قَالَ: الإِل الْقَرَابَة والذمة الْعَهْد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: جزى الله أَلا كَانَ بيني وَبينهمْ جَزَاء ظلوم لَا يُؤَخر عَاجلا وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَخْبرنِي عَن قَول الله تَعَالَى {لَا يرقبون فِي مُؤمن إلاًّ وَلَا ذمَّة} قَالَ: الرَّحِم وَقَالَ فِيهِ حسان بن ثَابت: لعمرك إِن غلك من قُرَيْش كال السقب من رال النعام وَأخرج الن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأَكْثَرهم فَاسِقُونَ} قَالَ: ذمّ الله تَعَالَى أَكثر النَّاس

الْآيَات 9 - 10

(4/135)


اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اشْتَروا بآيَات الله ثمنا قَلِيلا} قَالَ: أَبُو سُفْيَان بن حَرْب اطعم حلفاءه وَترك حلفاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الْآيَة 11

(4/135)


فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي الدّين} يَقُول: إِن تركُوا اللات والعزى وشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله فاخوانكم فِي الدّين

(4/135)


الْآيَة 12

(4/136)


وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن نكثوا أَيْمَانهم} قَالَ: عَهدهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن نكثوا أَيْمَانهم من بعد عَهدهم} يَقُول الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَإِن نكثوا الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبينهمْ فقاتلوهم انهم أَئِمَّة الْكفْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَئِمَّة الْكفْر} قَالَ: أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَأُميَّة بن خلف وَعتبَة بن ربيعَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وَسُهيْل بن عَمْرو وهم الَّذين نكثوا عهد الله تَعَالَى وهمّوا باخراج الرَّسُول من مَكَّة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} قَالَ: أَبُو سُفْيَان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} قَالَ: رُؤُوس قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} قَالَ: أَبُو سُفْيَان بن حَرْب مِنْهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} قَالَ: الديلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ أَنهم ذكرُوا عِنْده هَذِه الْآيَة فَقَالَ: مَا قوتل أهل هَذِه الْآيَة بعد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن وهب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} قَالَ: كُنَّا عِنْد حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: مَا بَقِي من أَصْحَاب هَذِه الْآيَة إِلَّا ثَلَاثَة وَلَا من الْمُنَافِقين إِلَّا أَرْبَعَة
فَقَالَ أَعْرَابِي: إِنَّكُم

(4/136)


أَصْحَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد تخبروننا بِأُمُور لَا نَدْرِي مَا هِيَ فَمَا بَال هَؤُلَاءِ الَّذين يبقرون بُيُوتنَا وَيَسْرِقُونَ اعلاقنا قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاق أجل لم يبْق مِنْهُم إِلَّا أَرْبَعَة أحدهم شيخ كَبِير لَو شرب المَاء الْبَارِد لما وجد برده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ فِي عهد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي النَّاس حِين وجههم إِلَى الشَّام فَقَالَ: إِنَّكُم سَتَجِدُونَ قوما محلوقة رؤوسهم فاضربوا مقاعد الشَّيْطَان مِنْهُم بِالسُّيُوفِ فوَاللَّه لَئِن أقتل رجلا مِنْهُم أحب إِلَيّ من أَن أقتل سبعين من غَيرهم وَذَلِكَ بِأَن الله تَعَالَى يَقُول {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ {لَا أَيْمَان لَهُم} قَالَ: لَا عهود لَهُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمار رَضِي الله عَنهُ {لَا أَيْمَان لَهُم} لَا عهود لَهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالله مَا قوتل أهل هَذِه الْآيَة مُنْذُ أنزلت {وَإِن نكثوا أَيْمَانهم من بعد عَهدهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن مُصعب بن سعد قَالَ: مرَّ سعد رَضِي الله عَنهُ بِرَجُل من الْخَوَارِج فَقَالَ الْخَارِجِي لسعد: هَذَا من أَئِمَّة الْكفْر
فَقَالَ سعد رَضِي الله عَنهُ: كذبت أَنا قَاتَلت أئمته

الْآيَات 13 - 15

(4/137)


أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا تقاتلون قوما نكثوا أَيْمَانهم} قَالَ: قتال قُرَيْش حلفاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهمهم باخراج الرَّسُول

(4/137)


زَعَمُوا أَن ذَلِك عَام عمْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَام السَّابِع للحديبية وَجعلُوا فِي أنفسهم إِذا دخلُوا مَكَّة أَن يخرجوه مِنْهَا فَذَلِك هَمهمْ باخراجه فَلم تتابعهم خُزَاعَة على ذَلِك فَلَمَّا خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة قَالَت قُرَيْش لخزاعة: عميتمونا عَن اخراجه فقاتلوهم فَقتلُوا مِنْهُم رجَالًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت فِي خُزَاعَة {قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ ويخزهم وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} من خُزَاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} قَالَ: خُزَاعَة حلفاء رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} قَالَ: هم خُزَاعَة يشفي صُدُورهمْ من بني بكر {وَيذْهب غيظ قُلُوبهم} قَالَ: هَذَا حِين قَتلهمْ بَنو بكر وَأَعَانَهُمْ قُرَيْش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيذْهب غيظ قُلُوبهم} قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي خُزَاعَة حِين جعلُوا يقتلُون بني بكر بِمَكَّة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مَرْوَان بن الحكم والمسور بن خرمة قَالَا كَانَ فِي صلح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة بَينه وَبَين قُرَيْش: إِن من شَاءَ أَن يدْخل فِي عقد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَهده دخل فِيهِ وَمن شَاءَ أَن يدْخل فِي عهد قُرَيْش وعقدهم دخل فِيهِ فتواثبت خُزَاعَة فَقَالُوا: ندخل فِي عقد مُحَمَّد وَعَهده وتواثبت بَنو بكر فَقَالُوا: ندخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَة نَحْو السَّبْعَة عشر أَو الثَّمَانِية عشر شهرا ثمَّ إِن بني بكر الَّذِي كَانُوا دخلُوا فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ وَثبُوا على خُزَاعَة الَّذين دخلُوا فِي عقد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَهده لَيْلًا بِمَاء لَهُم يُقَال لَهُ الْوَتِير قريب من مَكَّة فَقَالَت قُرَيْش: مَا يعلم بِنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا اللَّيْل وَمَا يَرَانَا أحد فاعانوهم عَلَيْهِم بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاح فقاتلوهم مَعَهم لِلضِّغْنِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَركب عَمْرو بن سَالم عِنْدَمَا كَانَ من أَمر خُزَاعَة وَبني بكر بالْوَتِير حَتَّى قدم الْمَدِينَة على رَسُول الله بِأَبْيَات أنْشدهُ اياها: اللهمَّ إِنِّي نَاشد مُحَمَّدًا خلف أَبينَا وَأَبِيهِ إِلَّا تلدا كُنَّا والداً وَكنت ولدا ثَمَّتَ أسلمنَا وَلم ننزع يدا

(4/138)


فانصر رَسُول الله نصرا عندا وادعُ عباد الله يَأْتُوا مدَدا فيهم رَسُول الله قد تجردا إِن شِئْتُم حسنا فوجهه بدر بدا فِي فيلق كالبحر يجْرِي مزبدا ان قُريْشًا اخلفوك موعدا وَنَقَضُوا مِيثَاقك الْمُؤَكَّدَا وَزَعَمُوا أَن لَيْسَ تَدْعُو احدا فهم أذلّ وَأَقل عددا قد جعلُوا لي بِكدَاء رصدا هم بُيُوتنَا بالهجير هُجَّدا وَقَتَلُونَا ركَّعا وسجَّدا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نصرت يَا عَمْرو بن سَالم فَمَا برح حَتَّى مرت غمامة فِي السَّمَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن هَذِه السحابة لتشهد بنصر بني كَعْب وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس بِالْجِهَادِ وكتمهم مخرجه وَسَأَلَ الله أَن يعمي على قُرَيْش خَبره حَتَّى يبغتهم فِي بِلَادهمْ

الْآيَة 16

(4/139)


أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم حسبتم أَن تتركوا ولمَّا يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم} قَالَ: أَبى أَن يدعهم دون التمحيص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الوليجة: البطانة من غير دينهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليجة} أَي حنانة

الْآيَات 17 - 18

(4/139)


مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله} وَقَالَ {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه} فنفي الْمُشْركين من الْمَسْجِد يَقُول: من وحَّد الله وآمن بِمَا أنزل الله {وَأقَام الصَّلَاة} يَعْنِي الصَّلَوَات الْخمس {وَلم يخْش إِلَّا الله} يَقُول: لم يعبد إِلَّا الله {فَعَسَى أُولَئِكَ} يَقُول: أُولَئِكَ هم المهتدون كَقَوْلِه لنَبيه (عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 79) يَقُول: إِن رَبك سيبعثك مقَاما مَحْمُودًا وَهِي الشَّفَاعَة وكل عَسى فِي الْقُرْآن فَهِيَ وَاجِبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسْجِد الله قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَسْجِد وَاحِد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حَمَّاد قَالَ: سَمِعت عبد الله بن كثيِّر يقْرَأ هَذَا الْحُرُوف مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسْجِد الله

إِنَّمَا يعمر مَسْجِد الله
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَيْتُمْ الرجل يعْتَاد الْمَسْجِد فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيمان قَالَ الله {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: من سمع النداء بِالصَّلَاةِ ثمَّ لم يجب وَيَأْتِي الْمَسْجِد وَيُصلي فَلَا صَلَاة لَهُ وَقد عصى الله وَرَسُوله
قَالَ الله {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله} الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله سُبْحَانَهُ يَقُول: إِنِّي لأهمُّ بِأَهْل الأَرْض عذَابا فَإِذا نظرت إِلَى عُمّار بيوتي والمتحابين فيّ والمستغفرين بالأسحار صرفت عَنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن معمر عَن رجل من قُرَيْش يرفع الحَدِيث قَالَ: يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى إِن أحب عبَادي إليّ الَّذين يتحابون فيّ وَالَّذين يعمرون مساجدي وَالَّذين يَسْتَغْفِرُونَ بالأسحار أُولَئِكَ الَّذين إِذا أردْت بخلقي عذَابا ذكرتهم فصرفت عَذَابي عَن خلقي

(4/140)


وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه كتب إِلَى سلمَان: يَا أخي ليكن الْمَسْجِد بَيْتك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْمَسْجِد بَيت كل تَقِيّ وَقد ضمن الله لمن كَانَت الْمَسَاجِد بُيُوتهم بِالروحِ والراحة وَالْجَوَاز إِلَى الصِّرَاط إِلَى رضوَان الرب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: مَا زِيّ الْمُسلم إِلَّا فِي ثَلَاث: فِي مَسْجِد يعمره أَو بَيت يكنه أَو ابْتِغَاء رزق من فضل ربه
وَأخرج أَبُو بكر عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن الْفرج الْهَاشِمِي فِي جزئه الْمَشْهُور بنسخة أبي مسْهر عَن أبي ادريس الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمَسَاجِد مجَالِس الْكِرَام
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن للمساجد أوتاد الْمَلَائِكَة جلساؤهم إِن غَابُوا يفتقدونهم وَإِن مرضوا عادوهم وَإِن كَانُوا فِي حَاجَة أَعَانُوهُم ثمَّ قَالَ: جليس الْمَسْجِد على ثَلَاث خِصَال أَخ مُسْتَفَاد أَو كلمة محكمَة أَو رَحْمَة منتظرة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بيُوت الله فِي الأَرْض الْمَسَاجِد وَإِن حَقًا على الله أَن يكرم الزائر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أخبرنَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الْمَسَاجِد بيُوت الله فِي الأَرْض وَأَنه لحق على الله أَن يكرم من زَارَهُ فِيهَا
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عاهة من السَّمَاء أنزلت صرفت عَن عُمار الْمَسَاجِد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن للمساجد أوتاداً هم عُمارها وَإِن لَهُم جلساء من الْمَلَائِكَة تفتقدهم الْمَلَائِكَة إِذا غَابُوا فَإِن كَانُوا مرضى عادوهم وَإِن كَانُوا فِي حَاجَة أَعَانُوهُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ألف الْمَسْجِد أَلفه الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عَليّ رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت جدي رَسُول

(4/141)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أدمن الِاخْتِلَاف إِلَى الْمَسْجِد أصَاب أَخا مستفاداً فِي الله وعلماً مستظرفاً وَكلمَة تَدعُوهُ إِلَى الْهدى وَكلمَة تصرفه عَن الردى وَيتْرك الذُّنُوب حَيَاء وخشية أَو نعْمَة أَو رَحْمَة منتظرة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تَوَضَّأ فِي بَيته ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فَهُوَ زائر الله وَحقّ على المزور أَن يكرم الزائر
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سلمَان مَوْقُوفا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي قَالَ بشر الْمَشَّائِينَ فِي ظلم اللَّيَالِي بِالنورِ التَّام يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَشى فِي ظلمَة اللَّيْل إِلَى الْمَسَاجِد آتَاهُ الله نورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بشر المدلجين إِلَى الْمَسَاجِد فِي الظُّلم بمنابر من نور يَوْم الْقِيَامَة يفزع النَّاس وَلَا يفزعون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغدوّ والرواح إِلَى الْمَسْجِد من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن مُغفل رضى الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نتحدث أَن الْمَسْجِد حصن حُصَيْن من الشَّيْطَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْمَسَاجِد بيُوت الله فِي الأَرْض تضيء لأهل السَّمَاء كَمَا تضيء نُجُوم السَّمَاء لأهل الأَرْض
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عُمَيْر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا أوسع مِنْهُ فِي الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن بشر بن حَيَّان قَالَ: جَاءَ وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ وَنحن نَبْنِي مَسْجِدنَا فَوقف علينا فَسلم ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من بنى مَسْجِدا يُصَلِّي فِيهِ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أفضل مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من بنى لله مَسْجِدا وَلَو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة

(4/142)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من بنى مَسْجِدا لَا يُرِيد بِهِ رِيَاء وَلَا سمعة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بنى بَيْتا يعبد الله فِيهِ من مَال حَلَال بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة من در وَيَاقُوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من بنى مَسْجِدا وَلَو كمفحص قطاة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من بنى مَسْجِدا يذكر اسْم الله فِيهِ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنُوا الْمَسَاجِد واتخذوها حمى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أمرنَا أَن نَبْنِي الْمَسَاجِد جماً والمدائن شرفاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نهينَا أَن نصلي فِي مَسْجِد مشرف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن شَقِيق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا كَانَت الْمَسَاجِد جماً وَإِنَّمَا شرف النَّاس حَدِيثا من الدَّهْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: ليلأتين على النَّاس زمَان يبنون الْمَسَاجِد يتباهون بهَا وَلَا يعرفونها إِلَّا قَلِيلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن الْأَصَم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أمرت بتشييد الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لتزخرفن مَسَاجِدكُمْ كَمَا زخرفت الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَسَاجِدهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا زخرفتم مَسَاجِدكُمْ وحليتم مصاحفكم فالدمار عَلَيْكُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي مُسْند الشاميين عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من علق قِنْدِيلًا فِي مَسْجِد صلى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك واستغفر لَهُ مَا دَامَ ذَلِك الْقنْدِيل يقد
وَأخرج سليم الرَّازِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/143)


من أَسْرج فِي مَسْجِد سِرَاجًا لم تزل الْمَلَائِكَة وَحَملَة الْعَرْش يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ فِي ذَلِك الْمَسْجِد ضوؤه
وَأخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي رباعياته وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي قرصاصة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ابْنُوا الْمَسَاجِد وأخرجوا القمامة مِنْهَا
وسمعته يَقُول: اخراج القمامة من الْمَسْجِد مُهُور الْحور الْعين وسمعته يَقُول: من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله وَهَذِه الْمَسَاجِد الَّتِي تبنى فِي الطّرق فَقَالَ: وَهَذِه الْمَسَاجِد الَّتِي تبى فِي الطّرق
وَأخرج أَحْمد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَرَرْت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة فَرَأى فِيهِ قبَّة من لبن فَقَالَ: لمن هَذِه قلت: لفُلَان
فَقَالَ: إِن كلَّ بِنَاء كلَّ على صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا مَا كَانَ من مَسْجِد ثمَّ مر فَلم يرهَا قَالَ: مَا فعلت الْقبَّة قلت: بلغ صَاحبهَا مَا قلت فَهَدمهَا فَقَالَ: رَحْمَة الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَقُول الله إِنِّي لأهمّ بِعَذَاب أهل الأَرْض فَإِذا نظرت إِلَى جلساء الْقُرْآن وعمار الْمَسَاجِد وولدان الْإِسْلَام سكن غَضَبي

الْآيَة 20

(4/144)


أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)

وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من أَصْحَابه فَقَالَ رجل مِنْهُم مَا أُبَالِي ان لَا أعمل لله عملا بعد الإِسلام إِلَّا أَن أَسْقِي الْحَاج
وَقَالَ آخر: بل عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام
وَقَالَ آخر: بل الْجِهَاد فِي سَبِيل الله خير مِمَّا قُلْتُمْ
فزجرهم عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ: لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة - وَلَكِن إِذا صليتم الْجُمُعَة

(4/144)


دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأستفتيه فِيمَا اختلفتم فِيهِ فَانْزِل الله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} إِلَى قَوْله {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة
وَذَلِكَ أَن الْمُشْركين قَالُوا: عمَارَة بَيت الله وَقيام على السِّقَايَة خير مِمَّن آمن وجاهد
فَكَانُوا يفخرون بِالْحرم ويستكبرون بِهِ من أجل أَنهم أَهله وعماره فَذكر الله استكبارهم واعراضهم فَقَالَ لأهل الْحرم من الْمُشْركين (قد كَانَت آياتي تتلى عَلَيْكُم فكنتم على أعقابكم تنكصون
مستكبرين بِهِ سامرا تهجرون) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 67)
يَعْنِي أَنهم كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالْحرم
وَقَالَ (بِهِ سامراً) كَانُوا بِهِ يسمرون ويهجون بِالْقُرْآنِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخير الإِيمان بِاللَّه وَالْجهَاد مَعَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عمرَان الْمُشْركين الْبَيْت وقيامهم على السِّقَايَة وَلم يكن يَنْفَعهُمْ عِنْد الله تَعَالَى مَعَ الشّرك بِهِ وَإِن كَانُوا يعمرون بَيته ويخدمونه قَالَ الله {لَا يستوون عِنْد الله وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} يَعْنِي الَّذين زَعَمُوا أَنهم أهل الْعِمَارَة فسماهم الله ظالمين بشركهم فَلم تغن عَنْهُم الْعِمَارَة شَيْئا
وأخرح ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حِين أسر يَوْم بدر: إِن كُنْتُم سبقتمونا بالإِسلام وَالْهجْرَة وَالْجهَاد لقد كنت نعمر الْمَسْجِد الْحَرَام ونسقي الْحَاج ونفك العاني فَأنْزل الله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة
يَعْنِي أَن ذَلِك كَانَ فِي الشّرك فَلَا أقبل مَا كَانَ فِي الشّرك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب وَالْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} فِي الْعَبَّاس وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا تكلما فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت بَين عَليّ وَالْعَبَّاس

(4/145)


رَضِي الله عَنْهُمَا مُنَازعَة فَقَالَ الْعَبَّاس لعَلي رَضِي الله عَنهُ: أَنا عَم النَّبِي وَأَنت ابْن عَمه وإلي سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام فَأنْزل الله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: نزلت فِي عَليّ وَالْعَبَّاس وَعُثْمَان وَشَيْبَة تكلمُوا فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ للْعَبَّاس: لَو هَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة
قَالَ: أوَلست فِي أفضل من الْهِجْرَة أَلَسْت أَسْقِي الْحَاج وَأَعْمر الْمَسْجِد الْحَرَام فَنزلت هَذِه الْآيَة يَعْنِي قَوْله {أعظم دَرَجَة عِنْد الله} قَالَ: فَجعل الله للمدينة فضل دَرَجَة على مَكَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قدم على بن أبي طالبي رَضِي الله عَنهُ مَكَّة فَقَالَ للْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: أَي عَم الا تهَاجر أَلا تلْحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أعمر الْمَسْجِد الْحَرَام وأحجب الْبَيْت
فَأنْزل الله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام} الْآيَة
وَقَالَ لقوم قد سماهم: أَلا تُهَاجِرُونَ أَلا تَلْحَقُونَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: نُقِيم مَعَ اخواننا وَعَشَائِرنَا ومساكننا فَأنْزل الله تَعَالَى (قل إِن كَانَ آباؤكم) (التَّوْبَة الْآيَة 24) الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: افتخر طَلْحَة بن شيبَة وَالْعَبَّاس وَعلي بن أبي طَالب فَقَالَ طَلْحَة: أَنا صَاحب الْبَيْت معي مفتاحه
وَقَالَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: أَنا صَاحب السِّقَايَة والقائم عَلَيْهَا: فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: مَا أَدْرِي مَا تَقولُونَ: لقد صليت إِلَى الْقبْلَة قبل النَّاس وَأَنا صَاحب الْجِهَاد فَأنْزل الله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أقبل الْمُسلمُونَ على الْعَبَّاس وَأَصْحَابه الَّذين أَسرُّوا يَوْم بدر يعيرونهم بالشرك فَقَالَ الْعَبَّاس: أما - وَالله - لقد كُنَّا نعمر الْمَسْجِد الْحَرَام ونفك العاني ونحجب الْبَيْت ونسقي الْحَاج فَانْزِل الله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ:

(4/146)


قعد الْعَبَّاس وَشَيْبَة صَاحب الْبَيْت يفتخران فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: أَنا أشرف مِنْك أَنا عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووصي أَبِيه وساقي الحجيج
فَقَالَ شيبَة: أَنا أشرف مِنْك أَنا أَمِين الله على بَيته وخازنه أَفلا ائتمنك كَمَا ائتمنني فَاطلع عَلَيْهِمَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا قَالَا
فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَنا أشرف مِنْكُمَا أَنا أوّل من آمن وَهَاجَر: فَانْطَلقُوا ثَلَاثَتهمْ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه
فَمَا أجابهم بِشَيْء فانصرفوا فَنزل عَلَيْهِ الْوَحْي بعد أَيَّام فَأرْسل إِلَيْهِم فَقَرَأَ عَلَيْهِم {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} إِلَى آخر الْعشْر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي حَمْزَة السَّعْدِيّ أَنه قَرَأَ {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} قَالَ: أَرَادوا أَن يدعوا السِّقَايَة والحجابة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تدعوها فَإِن لكم فِيهَا خيرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن السَّائِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اشرب من سِقَايَة الْعَبَّاس فَإِنَّهَا من السّنة
وَفِي لفظ ابْن أبي شيبَة: فَإِنَّهُ من تَمام الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى السِّقَايَة فَاسْتَسْقَى فَقَالَ للْعَبَّاس: يَا فضل اذْهَبْ إِلَى أمك فَائت رَسُول الله بشراب من عِنْدهَا فَقَالَ: اسْقِنِي
فَقَالَ: يَا رَسُول الله انهم يجْعَلُونَ أَيْديهم فِيهِ
فَقَالَ: اسْقِنِي
فَشرب مِنْهُ ثمَّ أَتَى زَمْزَم وهم يسقون ويعملون فِيهَا فَقَالَ: اعْمَلُوا فَإِنَّكُم على عمل صَالح لَوْلَا أَن تغلبُوا لنزلت حَتَّى أَضَع الْحَبل على هَذِه وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقه
وَأخرج أَحْمد عَن أبي مَحْذُورَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَذَان لنا ولموالينا والسقاية لنَبِيّ هَاشم والحجابة لبني عبد الدَّار
وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت للْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: سل لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا نَأْتِيك بِمَاء لم تمسه الْأَيْدِي قَالَ: بلَى فاسقوني فسقوه ثمَّ أَتَى زَمْزَم فَقَالَ: استقوا لي مِنْهَا دلواً فأخرجوا مِنْهَا دلواً فَمَضْمض مِنْهُ ثمَّ مجه فِيهِ ثمَّ قَالَ: أعيدوه ثمَّ قَالَ: إِنَّكُم على عمل صَالح ثمَّ قَالَ: لَوْلَا أَن تغلبُوا عَلَيْهِ لنزلت فنزعت مَعكُمْ

(4/147)


وَأخرج ابْن سعد عَن جَعْفَر بن تَمام قَالَ: جَاءَ جلّ إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: أَرَأَيْت مَا تسقون النَّاس من نَبِيذ هَذَا الزَّبِيب أسنة تَبْغُونَهَا أم تَجِدُونَ هَذَا أَهْون عَلَيْكُم من البن وَالْعَسَل قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْعَبَّاس وَهُوَ يسْقِي النَّاس فَقَالَ اسْقِنِي
فَدَعَا الْعَبَّاس بعساس من نَبِيذ فَتَنَاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عساً مِنْهَا فَشرب ثمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُم هَكَذَا فَاصْنَعُوا
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَمَا يسرني أَن سقايتها جرت عليَّ لَبَنًا وَعَسَلًا مَكَان قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَحْسَنْتُم هَكَذَا فافعلوا
وَأخرج ابْن سعد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اشرب من سِقَايَة آل الْعَبَّاس فَإِنَّهَا من السّنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} قَالَ: زَمْزَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف والأزرقي فِي تَارِيخ مَكَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول مَا ذكر من عبد الْمطلب جد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن قُريْشًا خرجت من الْحرم فارّة من أَصْحَاب الْفِيل وَهُوَ غُلَام شَاب فَقَالَ: وَالله لَا أخرج من حرم الله أَبْتَغِي الْعِزّ فِي غَيره
فَجَلَسَ عِنْد الْبَيْت وأجلت عَنهُ قُرَيْش فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن الْمَرْء يمْنَع رَحْله فامنع رحالك لَا يغلبن صليبهم وضلالهم عَدو محالك فَلم يزل ثَابتا فِي الْحرم حَتَّى أهلك الله الْفِيل وَأَصْحَابه فَرَجَعت قُرَيْش وَقد عظم فِيهَا لِصَبْرِهِ وتعظيمه محارم الله فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك وَقد ولد لَهُ أكبر بنيه فَأدْرك - وَهُوَ الْحَارِث بن عبد الْمطلب - فَأتي عبد الْمطلب فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ: احْفِرْ زَمْزَم خبيئة الشَّيْخ الْأَعْظَم فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: اللهمَّ بيِّن لي
فَأتي فِي النام مرّة أُخْرَى فَقيل: احفرتكم بَين الفرث وَالدَّم فِي مَبْحَث الْغُرَاب فِي قَرْيَة النَّمْل مُسْتَقْبل الأنصاب الْحمر
فَقَامَ عبد الْمطلب فَمشى حَتَّى جلس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ينْتَظر مَا سمي لَهُ من الْآيَات فنحرت بقرة بالجزورة فانفلتت من جازرها تَحْمِي نَفسهَا حَتَّى غلب عَلَيْهَا الْمَوْت فِي الْمَسْجِد فِي مَوضِع زَمْزَم فجزرت تِلْكَ الْبَقَرَة من مَكَانهَا حَتَّى احْتمل لَحمهَا فَأقبل غراب يهوي حَتَّى وَقع فِي الفرث فبحث عَن قَرْيَة النَّمْل فَقَامَ عبد الْمطلب فحفر هُنَاكَ فَجَاءَتْهُ قُرَيْش فَقَالَت لعبد الْمطلب: مَا هَذَا الصَّنِيع إِنَّمَا لم

(4/148)


نَكُنْ نرميك بِالْجَهْلِ لم تحفر فِي مَسْجِدنَا فَقَالَ عبد الْمطلب: إِنِّي لحافر هَذَا الْبِئْر وَمُجاهد من صدني عَنْهَا
فَطَفِقَ هُوَ وَولده الْحَارِث وَلَيْسَ لَهُ ولد يَوْمئِذٍ غَيره فسفه عَلَيْهِمَا يَوْمئِذٍ نَاس من قُرَيْش فنازعوهما وقاتلوهما وتناهى عَنهُ نَاس من قُرَيْش لما يعلمُونَ من عتق نسبه وَصدقه واجتهاده فِي دينهم
حَتَّى إِذا أمكن الْحفر وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى نذر أَن وَفِي لَهُ عشرَة من الْولدَان ينْحَر أحدهم ثمَّ حفر حَتَّى أدْرك سيوفاً دفنت فِي زَمْزَم حِين دفنت فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش أَنه قد أدْرك السيوف قَالُوا: يَا عبد الْمطلب أجدنا مِمَّا وجدت
فَقَالَ عبد الْمطلب: هَذِه السيوف لبيت الله
فحفر حَتَّى انبط المَاء فِي التُّرَاب وفجرها حَتَّى لَا تنزف وَبنى عَلَيْهَا حوضاً فَطَفِقَ هُوَ وَابْنه ينزعان فيملآن ذَلِك الْحَوْض فيشربه الْحَاج فيكسره أنَاس حسدة من قُرَيْش فَيُصْلِحهُ عبد الْمطلب حِين يصبح
فَلَمَّا أَكْثرُوا فَسَاده دَعَا عبد الْمطلب ربه فأريَ فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ: قل اللهمَّ لَا أحلهَا المغتسل وَلَكِن هِيَ للشاربين حل وبل ثمَّ كفيتهم
فَقَامَ عبد الْمطلب حِين اخْتلفت قُرَيْش فِي الْمَسْجِد فَنَادَى بِالَّذِي أرى ثمَّ انْصَرف فَلم يكن يفْسد حَوْضه ذَلِك عَلَيْهِ أحد من قُرَيْش إِلَّا رمى فِي جسده بداء حَتَّى تركُوا حَوْضه وسقايته ثمَّ تزوّج عبد الْمطلب النِّسَاء فولد لَهُ عشرَة رَهْط
فَقَالَ: اللهمَّ إِنِّي كنت نذرت لَك نحر أحدهم وَإِنِّي أَقرع بَينهم فأصيب بذلك من شِئْت
فأقرع بَينهم فطارت الْقرعَة على عبد الله وَكَانَ أحب وَلَده إِلَيْهِ فَقَالَ عبد الْمطلب: اللَّهُمَّ هُوَ أحب إِلَيْك أم مائَة من الابل ثمَّ أَقرع بَينه وَبَين الْمِائَة من الإِبل فطارت الْقرعَة على الْمِائَة من الإِبل فنحرها عبد الْمطلب
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عبد الْمطلب: إِنِّي لنائم فِي الْحجر إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: أحفر طيبَة
قلت: وَمَا طيبَة فَذهب عني فَلَمَّا كَانَ من الْغَد رجعت إِلَى مضجعي فَنمت بِهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَم
فَقلت: وَمَا زَمْزَم قَالَ: لَا تنزف وَلَا تذم تَسْقِي الحجيج الْأَعْظَم عِنْد قَرْيَة النَّمْل
قَالَ: فَلَمَّا أبان لَهُ شَأْنهَا وَدلّ على موضعهَا وَعرف أَن قد صدق غَدا بمعول وَمَعَهُ ابْنه الْحَارِث لَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ غَيره فحفر فَلَمَّا بدا لعبد الْمطلب الطي كبر فَعرفت قُرَيْش أَنه قد أدْرك حَاجته فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عبد الْمطلب إِنَّهَا بِئْر إِسْمَعِيل وَإِن لنا فِيهَا حَقًا فأشركنا مَعَك فِيهَا فَقَالَ: مَا أَنا بفاعل إِن هَذَا

(4/149)


الْأَمر خصصت بِهِ دونكم وأعطيته من بَيْنكُم
قَالُوا: فأنصفنا فإنَّا غير تاركيك حَتَّى نحاكمك
قَالَ: فاجعلوا بيني وَبَيْنكُم من شِئْتُم أحاكمكم
قَالُوا: كاهنة من سعد هُذَيْل
قَالَ: نعم - وَكَانَت باشراف الشَّام - فَركب عبد الْمطلب وَمَعَهُ نفر من بني عبد منَاف وَركب من كل ركب من قُرَيْش نفر - وَالْأَرْض إِذْ ذَاك مفاوز - فَخَرجُوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض المفاوز بَين الْحجاز وَالشَّام فنى مَاء عبد الْمطلب وَأَصْحَابه فظمئوا حَتَّى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا مِمَّن مَعَهم من قبائل قُرَيْش فَأَبَوا عَلَيْهِم وَقَالُوا: إِنَّا فِي مفازة نخشى فِيهَا على أَنْفُسنَا مثل مَا أَصَابَكُم
فَلَمَّا رأى عبد الْمطلب مَا صنع الْقَوْم وَمَا يتخوف على نَفسه وَأَصْحَابه قَالَ: مَاذَا ترَوْنَ قَالُوا: مَا رَأينَا الا تبع لرأيك فمرنا مَا شِئْت
قَالَ: فَإِنِّي أرى أَن يحْفر كل رجل مِنْكُم لنَفسِهِ لما بكم الْآن من الْقُوَّة كلما مَاتَ رجل دَفنه أَصْحَابه فِي حفرته ثمَّ واروه حَتَّى يكون آخركم رجلا فضيعة رجل وَاحِد أيسر من ضَيْعَة ركب جَمِيعًا
قَالُوا: سمعنَا مَا أردْت
فَقَامَ كل رجل مِنْهُم يحْفر حفرته ثمَّ قعدوا ينتظرون الْمَوْت عطشاً ثمَّ إِن عبد الْمطلب قَالَ لأَصْحَابه: وَالله إِن إلقاءنا بِأَيْدِينَا لعجز مَا نبتغي لأنفسنا حِيلَة عَسى الله أَن يرزقنا مَاء بِبَعْض الْبِلَاد ارحلوا فارتحلوا حَتَّى فرغوا وَمن مَعَهم من قُرَيْش ينظرُونَ إِلَيْهِم وَمَا هم فاعلون فَقَامَ عبد الْمطلب إِلَى رَاحِلَته فركبها فَلَمَّا انبعثت انفجرت من تَحت خفها عين من مَاء عذب فَكبر عبد الْمطلب وَكبر أَصْحَابه ثمَّ نزل فَشرب وَشَرِبُوا واستقوا حَتَّى ملأوا سقيتهم ثمَّ دَعَا الْقَبَائِل الَّتِي مَعَه من قُرَيْش فَقَالَ: هَلُمَّ المَاء قد سقانا الله تَعَالَى فَاشْرَبُوا واستقوا
فَقَالَت الْقَبَائِل الَّتِي نازعته: قد - وَالله - قضى الله لَك يَا عبد الْمطلب علينا وَالله لَا نخاصمك فِي زَمْزَم
فَارْجِع إِلَى سقايتك راشداً
فَرجع وَرَجَعُوا مَعَه وَلم يمضوا إِلَى الكاهنة وخلوا بَينه وَبَين زَمْزَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَعمر بن شبة والفاكهاني فِي تَارِيخ مَكَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ
وَأخرج المستغفري فِي الطِّبّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ من شربه لمَرض شفَاه الله أَو جوع أشبعه الله أَو لحَاجَة قَضَاهَا الله

(4/150)


وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن الْحميدِي - وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كُنَّا عِنْد ابْن عَيْنِيَّة فحدثنا بِحَدِيث مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ فَقَامَ رجل من الْمجْلس ثمَّ عَاد فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد لَيْسَ الحَدِيث الَّذِي قد حَدَّثتنَا فِي زَمْزَم صَحِيحا
فَقَالَ: بلَى
فَقَالَ الرجل: فَإِنِّي شربت الْآن دلواً من زَمْزَم على أَن تُحَدِّثنِي بِمِائَة حَدِيث
فَقَالَ سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ: اقعد فَقعدَ
فحدثه بِمِائَة حَدِيث
وَأخرج الْفَاكِهَانِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة عَن عباد بن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حج مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وحججنا مَعَه فَلَمَّا طَاف بِالْبَيْتِ صلى عِنْد الْمقَام رَكْعَتَيْنِ ثمَّ مر بزمزم وَهُوَ خَارج إِلَى الصَّفَا فَقَالَ: يَا غُلَام انْزعْ لي مِنْهَا دلواً
فَنزع لَهُ دلواً يشرب وصب على وَجهه وَخرج وَهُوَ يَقُول: مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد بن الدّباغ رَضِي الله عَنهُ فِي فَوَائده وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب فِي تَارِيخه عَن سُوَيْد بن سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت ابْن الْمُبَارك رَضِي الله عَنهُ أَتَى زَمْزَم فَمَلَأ إِنَاء ثمَّ اسْتقْبل الْكَعْبَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن ابْن أبي الموَالِي حَدثنَا عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ
وَهُوَ ذَا أشْرب هَذَا لعطش يَوْم الْقِيَامَة
ثمَّ شربه
واخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ قَالَ الْحَكِيم: وحَدثني أبي قَالَ: دخلت الطّواف فِي لَيْلَة ظلماء فأخذني من الْبَوْل مَا شغلني فَجعلت أعتصر حَتَّى آذَانِي وَخفت إِن خرجت من الْمَسْجِد أم أَطَأ بعض تِلْكَ الأقذار وَذَلِكَ أَيَّام الْحَج فَذكرت هَذَا الحَدِيث فَدخلت زَمْزَم فتضلعت مِنْهُ فَذهب عني إِلَى الصَّباح
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير مَاء على وَجه الأَرْض زَمْزَم فِيهِ طَعَام من الطّعْم وشفاء من السقم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والفاكهاني وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَمْزَم خير مَاء يعلم وَطَعَام يطعم وشفاء سقم

(4/151)


وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه كَانَت تحمل مَاء زَمْزَم فِي الْقَوَارِير وتذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك وَكَانَ يصب على المرضى ويسقيهم
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَاء زَمْزَم شِفَاء من كل دَاء
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ فَإِن شربته تشتفي بِهِ شفاك الله وان شربته مستعيذاً أَعَاذَك الله وَإِن شربته ليقطع ظمؤك قطعه الله وَإِن شربته لشبعك أشبعك الله وَهِي عَزِيمَة جِبْرِيل وسقيا إِسْمَعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام
قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا شرب مَاء زَمْزَم قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أَسأَلك علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وشفاء من كل دَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عُثْمَان بن الْأسود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: من أَيْن جِئْت قَالَ: شربت من زَمْزَم فَقَالَ: اشرب مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي
قَالَ: وَكَيف ذَاك يَا أَبَا عَبَّاس قَالَ: إِذا شربت مِنْهَا فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَاذْكُر اسْم الله واشرب وتنفس ثَلَاثًا وتضلع مِنْهَا فَإِذا فرغت فاحمد الله فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آيَة مَا بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين أَنهم لَا يتضلعون من زَمْزَم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفة زمز فَأمر بِدَلْو انتزع لَهُ من الْبِئْر فوضعها على شفة الْبِئْر ثمَّ وضع يَده من تَحت عراقي الدَّلْو ثمَّ قَالَ: بِسم الله
ثمَّ كرع فِيهَا فَأطَال فَرفع رَأسه فَقَالَ: الْحَمد لله
ثمَّ دَعَا فَقَالَ: بِسم الله
ثمَّ كرع فِيهَا فَأطَال وَهُوَ دون الأول ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: الْحَمد لله
ثمَّ دَعَا فَقَالَ: بِسم الله
ثمَّ كرع فِيهَا وَهُوَ دون الثَّانِي ثمَّ رفع فَقَالَ: الْحَمد لله
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلامَة مَا بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين لم يشْربُوا مِنْهَا قطّ حَتَّى يتضلعوا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التضلع من مَاء زَمْزَم بَرَاءَة من النِّفَاق
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن رجل من الْأَنْصَار عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/152)


قَالَ: عَلامَة مَا بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين أَن يدلوا دلواً من مَاء زَمْزَم فيتضلعوا مِنْهَا مَا اسْتَطَاعَ مُنَافِق قطّ أَن يتضلع مِنْهَا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن التضلع من مَاء زَمْزَم بَرَاءَة من النِّفَاق وَأَن ماءها مَذْهَب بالصداع وَأَن الِاطِّلَاع فِيهَا يجلو الْبَصَر وَأَنه سَيَأْتِي عَلَيْهَا زمَان تكون أعذب من النّيل والفرات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والأزرقي والفاكهاني عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنِّي لأجد فِي كتاب الله الْمنزل أَن زَمْزَم طَعَام طعم وشفاء سقم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور والأزرقي عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم علينا وهب بن مُنَبّه مَكَّة فاشتكى فَجِئْنَا نعوده فَإِذا عِنْده من مَاء زَمْزَم فَقُلْنَا: لَو استعذبت فَإِن هَذَا مَاء فِيهِ غلظ
قَالَ: مَا أُرِيد أَن أشْرب حَتَّى أخرج مِنْهَا غَيره وَالَّذِي نفس وهب بِيَدِهِ إِنَّهَا لفي كتاب الله مضنونة وَإِنَّهَا لفي كتاب الله طَعَام طعم وشفاء سقم وَالَّذِي نفس وهب بِيَدِهِ لَا يعمد إِلَيْهَا أحد فيشرب مِنْهَا حَتَّى يتضلع إِلَّا نزعت دَاء وأحدثت لَهُ شِفَاء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَالَ: لزمزم إِنَّا نجده مضنونة ضن بهَا لكم وَأول من سقِِي ماءها اسمعيل عَلَيْهِ السَّلَام طَعَام طهم وشفاء سقم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور والأزرقي والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ إِن شربته تُرِيدُ الشِّفَاء شفاك الله وَإِن شربته لظمأ رواك الله وَإِن شربته لجوع أشبعك الله وَهِي هزمة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بعقبه وسقيا الله لإسمعيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج بَقِيَّة عَن عَليّ بن أبي طالبي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خير وَاد فِي النَّاس وَادي مَكَّة ووادي الْهِنْد الَّذِي هَبَط بِهِ آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَمِنْه يُؤْتى بِهَذَا الطّيب الَّذِي تطيبون بِهِ
وَشر وَاد النَّاس وَاد بالأحقاف ووادي حضر موت يُقَال لَهُ برهوت وَخير بِئْر فِي النَّاس بِئْر زَمْزَم وَشر بِئْر فِي النَّاس بِئْر برهوت وإليها تَجْتَمِع أَرْوَاح الْكفَّار
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عنمها قَالَ: صلوا فِي مصلى الأخيار وَاشْرَبُوا من شراب الْأَبْرَار
قيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا مصلى الأخيار قَالَ: تَحت الْمِيزَاب
قيل: وَمَا شراب الْأَبْرَار قَالَ: مَاء زَمْزَم

(4/153)


وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت أَنه يُقَال: خير مَاء فِي الأَرْض مَاء زَمْزَم وَشر مَاء فِي الأَرْض مَاء برهوت شعب من شعب حضر موت
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن إيليا وزمزم ليتعارفان
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنا لَيْلَة فِي جَوف اللَّيْل عِنْد زَمْزَم جَالس إِذا نفر يطوفون عَلَيْهِم ثِيَاب بيض لم أر بَيَاض ثِيَابهمْ بِشَيْء قطّ فَلَمَّا فرغوا صلوا قَرِيبا منا فَالْتَفت بَعضهم فَقَالَ لأَصْحَابه اذْهَبُوا بِنَا نشرب من شراب الْأَبْرَار
فَقَامُوا فَدَخَلُوا زَمْزَم فَقلت: وَالله لَو دخلت على الْقَوْم فسألتهم
فَقُمْت فَدخلت فَإِذا لَيْسَ فِيهَا أحد من الْبشر
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تنافس النَّاس فِي زَمْزَم فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى إِن كَانَ أهل الْعِيَال يَغْدُونَ بعيالهم فيشربون فَيكون صَبُوحًا لَهُم وَقد كُنَّا نعدها عوناً على الْعِيَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والأزرقي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت زَمْزَم تسمى فِي الْجَاهِلِيَّة شباعه وتزعم أَنَّهَا نعم العون على الْعِيَال
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم والأزرقي وَالْبَزَّار وَأَبُو عوَانَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدمت مَكَّة فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى كنت هَهُنَا قلت: أَربع عشرَة
وَفِي لفظ: قلت ثَلَاثِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة
قَالَ: من كَانَ يطعمك قلت: مَا كَانَ لي طَعَام وَلَا شراب إِلَّا مَاء زَمْزَم فَمَا أجد على كيدي سحقة جوع وَلَقَد تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني
قَالَ: إِنَّهَا مباركة إِنَّهَا طَعَام طعم زَاد الطَّيَالِسِيّ وشفاء سقم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن رَبَاح بن الْأسود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ أَهلِي بالبادية فابتعت بِمَكَّة فاعتقت فَمَكثت ثَلَاثَة أَيَّام لَا أجد شَيْئا آكله فَكنت أشْرب من مَاء زَمْزَم فَشَرِبت يَوْمًا فَإِذا أَنا بصريف اللَّبن من بَين ثناياي فَقلت: لعَلي ناعس

فَانْطَلَقت وَأَنا أجد قُوَّة اللَّبن وشبعه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد رَضِي الله عَنهُ
أَن رَاعيا كَانَ يرْعَى وَكَانَ من الْعباد فَكَانَ إِذا ظمئ وجد فِيهَا لَبَنًا وَإِذا أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ وجد فِيهَا مَاء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله يرفع الْمِيَاه

(4/154)


قبل يَوْم الْقِيَامَة غير زَمْزَم فتغور الْمِيَاه غير زَمْزَم وتلقي الأَرْض مَا فِي بَطنهَا من ذهب وَفِضة وَيَجِيء الرجل بالجراب فِيهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَيَقُول: من يقبل هَذَا مني فَيَقُول: لَو أتيتني بِهِ أمس قبلته
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: رَأَيْت عَبَّاس بن عبد الْمطلب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ يطوف حول زَمْزَم يَقُول: لَا أحلهَا لمغتسل وَهِي لمتوضئ وشارب حلُّ وبلٌّ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن أبي حُسَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى سُهَيْل بن عَمْرو يستهديه من مَاء زَمْزَم فَبعث لَهُ براويتين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والأزرقي عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي حُسَيْن واسْمه عبد الله بن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ: كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سُهَيْل بن عَمْرو إِن جَاءَك كتابي لَيْلًا فَلَا تُصبِحَنَّ وَإِن جَاءَك نَهَار فَلَا تُمْسِيَنَّ حَتَّى تبْعَث إليَّ بِمَاء من زَمْزَم فَمَلَأ لَهُ مزادتين وَبعث بهما على بعير
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استهدى سُهَيْل بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ من مَاء زَمْزَم
وَأخرج ابْن سعد عَن أم أَيمن رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شكا صَغِيرا وَلَا كَبِيرا جوعا وَلَا عطشاً كَانَ يَغْدُو فيشرب من مَاء زَمْزَم فاعرض عَلَيْهِ الْغَدَاء فَيَقُول: لَا أريده أَنا شبعان
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خمس من الْعِبَادَة: النّظر إِلَى الْمُصحف وَالنَّظَر إِلَى الْكَعْبَة وَالنَّظَر إِلَى الْوَالِدين وَالنَّظَر فِي زَمْزَم وَهِي تحط الْخَطَايَا وَالنَّظَر فِي وَجه الْعَالم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ إِذا شرب من زَمْزَم قَالَ: هِيَ لما شربت لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا من رجل يشرب من مَاء زَمْزَم حَتَّى يتضلع إِلَّا حطَّ الله بِهِ دَاء من جَوْفه وَمن شربه لعطش رُوِيَ وَمن شربه لجوع شبع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَاء زَمْزَم طَعَام طعم وشفاء سقم

(4/155)


وَأخرج الْفَاكِهَانِيّ عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عينا لَهُ إِلَى مَكَّة فاقام بهَا ليَالِي يشرب من مَاء زَمْزَم فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ عيشك فَأخْبرهُ أَنه كَانَ يَأْتِي زَمْزَم فيشرب من مَائِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا شِفَاء من سقم وَطَعَام من طعم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يتحف الرجل بتحفة سقَاهُ من مَاء زَمْزَم
وَأخرج الْفَاكِهَانِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا نزل بِهِ ضيف أتحفه من مَاء زَمْزَم وَلَا أطْعم قوما طَعَاما إِلَّا سقاهم من مَاء زَمْزَم
وَأخرج أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت أهل مَكَّة لَا يسابقهم أحد إِلَّا سَبَقُوهُ وَلَا يصارعهم أحد إِلَّا صرعوه حَتَّى رَغِبُوا عَن مَاء زَمْزَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يستحبون إِذا ودعوا الْبَيْت أَن يَأْتُوا زَمْزَم فيشربوا مِنْهَا
وَأخرج السلَفِي فِي الطيوريات عَن ابْن حبيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: زَمْزَم شراب الْأَبْرَار وَالْحجر مصلى الأخيار

الْآيَة 21 - 22

(4/156)


يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)

أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن طَلْحَة بن مصرف رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {يبشرهم رَبهم}

الْآيَات 23 - 24

(4/156)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أمروا بِالْهِجْرَةِ فَقَالَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: أَنا أَسْقِي الْحَاج
وَقَالَ طَلْحَة أَخُو بني عبد الدَّار أَنا أحجب الْكَعْبَة فَلَا نهاجر فانزلت {لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُم وَإِخْوَانكُمْ أَوْلِيَاء إِن استحبوا الْكفْر على الإِيمان}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هِيَ فِي الْهِجْرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأموال اقترفتموها} قَالَ: أصبتموها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتجارة تخشون كسادها} يَقُول: تخشون أَن تكسد فتبيعونها {ومساكن ترضونها} قَالَ: هِيَ الْقُصُور والمنازل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره} قَالَ: بِالْفَتْح فِي أمره بِالْهِجْرَةِ هَذَا كُله قبل فتح مَكَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن عبد الله بن هِشَام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ آخذ بيد عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: وَالله لأَنْت يَا رَسُول الله أحب إليَّ من كل شَيْء إِلَّا من نَفسِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَالله أعلم

الْآيَات 25 - 27

(4/157)


لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)

وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} قَالَ: هِيَ أول مَا أنزل الله تَعَالَى من سُورَة بَرَاءَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وسنيد وَابْن حَرْب وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول مَا نزل من بَرَاءَة {لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} يعرفهُمْ نَصره ويوطنهم لغزوة تَبُوك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} قَالَ: هَذَا مِمَّا يمن الله بِهِ عَلَيْهِم من نَصره إيَّاهُم فِي مَوَاطِن كَثِيرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {حنين} مَاء بَين مَكَّة والطائف قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن وَثَقِيف وعَلى هوَازن مَالك بن عَوْف وعَلى ثَقِيف عبد يَا ليل بن عَمْرو الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ عَام الْفَتْح نصف شهر وَلم يزدْ على ذَلِك حَتَّى جَاءَتْهُ هوَازن وَثَقِيف فنزلوا بحنين وحنين وَاد إِلَى جنب ذِي الْمجَاز
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما اجْتمع أهل مَكَّة وَأهل الْمَدِينَة قَالُوا: الْآن وَالله نُقَاتِل حِين اجْتَمَعنَا فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالُوا وَمَا أعجبهم من كثرتهم فَالْتَقوا فَهَزَمَهُمْ الله حَتَّى مَا يقوم مِنْهُم أحد على أحد حَتَّى جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَادي أَحيَاء الْعَرَب إليَّ فوَاللَّه مَا يعرج إِلَيْهِ أحد حَتَّى أعرى مَوْضِعه فَالْتَفت إِلَى الْأَنْصَار وهم نَاحيَة نَاحيَة فناداهم: يَا أنصار الله وأنصار رَسُوله إِلَى عباد الله أَنا رَسُول الله فَعَطَفُوا وَقَالُوا: يَا رَسُول الله وَرب الْكَعْبَة إِلَيْك وَالله فنكسوا رؤوسهم يَبْكُونَ وَقدمُوا أسيافهم يضْربُونَ بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ يَوْم حنين: لن نغلب من قلَّة
فشق ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله عز وَجل {وَيَوْم حنين إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم}

(4/158)


قَالَ الرّبيع: وَكَانُوا اثْنَي عشر ألفا مِنْهُم أَلفَانِ من أهل مَكَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حنين فسرنا فِي يَوْم قائظ شَدِيد الْحر فنزلنا تَحت ظلال الشّجر فَلَمَّا زَالَت الشَّمْس لبست لامتي وَركبت فرسي فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قد حَان الرواح يَا رَسُول الله
قَالَ أجل ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بِلَال

فثار من تَحت سَمُرَة كَانَ ظله ظلّ طَائِر فَقَالَ: لبيْك وَسَعْديك وَأَنا فداؤك
ثمَّ قَالَ: أَسْرج لي فرسي
فَأَتَاهُ بدفتين من لِيف لَيْسَ فيهمَا أشر وَلَا بطر قَالَ: فَركب فرسه ثمَّ سرنا يَوْمنَا فلقينا العدوّ وتشامت الخيلان فقاتلناهم فولى الْمُسلمُونَ مُدبرين كَمَا قَالَ الله عز وَجل فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا عباد الله أَنا عبد الله وَرَسُوله فاقتحم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فرسه وحَدثني من كَانَ أقرب إِلَيْهِ مني: أَنه أَخذ حفْنَة من تُرَاب فحثاها فِي وُجُوه الْقَوْم وَقَالَ: شَاهَت الْوُجُوه

قَالَ يعلى بن عَطاء رَضِي الله عَنهُ: فَأخْبرنَا أبناؤهم عَن آبَائِهِم أَنهم قَالُوا: مَا بَقِي منا أحد إِلَّا امْتَلَأت عَيناهُ وفمه من التُّرَاب وَسَمعنَا صلصلة من السَّمَاء كمر الْحَدِيد على الطست الْحَدِيد فَهَزَمَهُمْ الله عز وَجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين فولى النَّاس عَنهُ وَبقيت مَعَه فِي ثَمَانِينَ رجلا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَكُنَّا على أقدامنا نَحْو من ثَمَانِينَ قدماً وَلم نولهم الدبر وهم الَّذين أنزل الله عَلَيْهِم السكينَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بغلته فَمضى قدماً فَقَالَ ناولني كفا من تُرَاب
فناولته فَضرب وُجُوههم فامتلأت أَعينهم تُرَابا وَولى الْمُشْركُونَ أدبارهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن هوَازن جَاءَت يَوْم حنين بِالنسَاء وَالصبيان والإِبل وَالْغنم فجعلوهم صُفُوفا ليكثروا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالتقى الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فولى الْمُسلمُونَ مُدبرين كَمَا قَالَ الله عز وَجل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عباد الله أَنا عبد الله وَرَسُوله ثمَّ قَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار أَنا عبد الله وَرَسُوله فَهزمَ الله الْمُشْركين وَلم يضْرب بِسيف وَلم يطعن بِرُمْح

(4/159)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَأحمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين فَلَقَد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا مَعَه إِلَّا أَنا وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب فلزمنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم نفارقه وَهُوَ على بلغته الشَّهْبَاء الَّتِي أهداها لَهُ فَرْوَة بن مُعَاوِيَة الجذامي فَلَمَّا التقى الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ ولي الْمُسلمُونَ مُدبرين وطفق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرْكض بغلته قبل الْكفَّار وَأَنا آخذ بِلِجَامِهَا أكفها إِرَادَة أَن لَا تسرع وَهُوَ لَا يألو مَا أسْرع نَحْو الْمُشْركين وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَرْث آخذ بغرز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَبَّاس نَادِي أَصْحَاب السمرَة يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة فوَاللَّه لكَأَنِّي عطفتهم حِين سمعُوا صوتي عطفة الْبَقر على أَوْلَادهَا ينادون يَا لبيْك يَا لبيْك فَأقبل الْمُسلمُونَ فَاقْتَتلُوا هم وَالْكفَّار وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وهم يَقُولُونَ: يَا معشر الْأَنْصَار يَا معشر الْأَنْصَار
ثمَّ قصرت الدعْوَة على بني الْحَرْث بن الْخَزْرَج فتطاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على بغلته فَقَالَ: هَذَا حِين حمي الْوَطِيس ثمَّ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَصَيَات فَرمى بِهن وُجُوه الْكفَّار ثمَّ قَالَ: انْهَزمُوا وَرب الْكَعْبَة
فَذَهَبت أنظر فَإِذا الْقِتَال على هَيئته فِيمَا أرى فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رماهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحصيات فَمَا زلت أرى حَدهمْ كليلاً وَأمرهمْ مُدبرا حَتَّى هَزَمَهُمْ الله عز وَجل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار
فَأَجَابُوهُ لبيْك - بأبينا أَنْت وَأمنا - يَا رَسُول الله
قَالَ أَقبلُوا بوجوهكم إِلَى الله وَرَسُوله يدخلكم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار
فَأَقْبَلُوا وَلَهُم حنين حَتَّى أَحدقُوا بِهِ كبكبة تحاك مَنَاكِبهمْ يُقَاتلُون حَتَّى هزم الله الْمُشْركين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما اجْتمع يَوْم حنين أهل مَكَّة وَأهل الْمَدِينَة أعجبتهم كثرتهم فَقَالَ الْقَوْم: الْيَوْم وَالله نُقَاتِل فَلَمَّا الْتَقَوْا وَاشْتَدَّ الْقِتَال ولوا مُدبرين فندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين إِلَى عباد الله أَنا رَسُول الله
فَقَالُوا: إِلَيْك - وَالله - جِئْنَا فنكسوا رؤوسهم ثمَّ قَاتلُوا حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم
وَأخرج الْحَاكِم عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين وبرة من بعير ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّه لَا يحل لي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم قدر

(4/160)


هَذِه إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم فأدوا الْخَيط والمخيط وَإِيَّاكُم والغلول فَإِنَّهُ عَار على أَهله يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْكُم بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة يذهب الله بِهِ الْهم وَالْغَم وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الْأَنْفَال وَيَقُول: ليرد قويُّ الْمُؤمنِينَ على ضعيفهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتنَا يَوْم حنين وَإِن الفئتين لموليتان وَعَن عِكْرِمَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم حنين ولى الْمُسلمُونَ وَولى الْمُشْركُونَ وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَنا مُحَمَّد رَسُول الله ثَلَاث مَرَّات - وَإِلَى جنبه عَمه الْعَبَّاس - فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعَمِّهِ: يَا عَبَّاس أذن يَا أهل الشَّجَرَة فَأَجَابُوهُ من كل مَكَان لبيْك لبيْك حَتَّى أظلوه برماحهم ثمَّ مضى فوهب الله لَهُ الظفر فَأنْزل الله {وَيَوْم حنين إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن عبيد الله بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة آلَاف من الْأَنْصَار وَألف من جُهَيْنَة وَألف من مزينة وَألف من أسلم وَألف من غفار وَألف من أَشْجَع وَألف من الْمُهَاجِرين وَغَيرهم فَكَانَ مَعَه عشرَة آلَاف
وَخرج بإثني عشر ألفا وفيهَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وَيَوْم حنين إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ
أَنه قيل لَهُ: هَل كُنْتُم وليتم يَوْم حنين قَالَ: وَالله مَا ولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن خرج شُبَّان أَصْحَابه وأخفاؤهم حسراً لَيْسَ عَلَيْهِم سلَاح فَلَقوا جمعا رُمَاة هوَازن وَبني النَّضر مَا يكَاد يسْقط لَهُم سهم فرشقوهم رشقاً مَا كَادُوا يخطئون فَأَقْبَلُوا هُنَالك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على بغلته الْبَيْضَاء وَابْن عَمه أَبُو سُفْيَان بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب يَقُود بِهِ فَنزل ودعا واستنصر ثمَّ قَالَ: أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب ثمَّ صف أَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأنزل جُنُودا لم تَرَوْهَا وعذب الَّذين كفرُوا} قَالَ: قَتلهمْ بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي يَوْم حنين أمد

(4/161)


الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسوّمين ويومئذ سمى الله تَعَالَى الْأَنْصَار مُؤمنين قَالَ {ثمَّ أنزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت قبل هزيمَة الْقَوْم - وَالنَّاس يقتتلون - مثل البجاد الْأسود أقبل من السَّمَاء حَتَّى سقط بَين الْقَوْم فَنَظَرت فَإِذا نمل أسود مبثوث قد مَلأ الْوَادي لم أَشك أَنَّهَا الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام وَلم يكن إِلَّا هزيمَة الْقَوْم

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وعذب الَّذين كفرُوا} قَالَ: بالهزيمة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أَبْزَى رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وعذب الَّذين كفرُوا} قَالَ: بالهزيمة وَالْقَتْل
وَفِي قَوْله {ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء} قَالَ: على الَّذين انْهَزمُوا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن عِيَاض بن الْحَرْث عَن أَبِيه
قَالَ: إِن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى هوَازن فِي إثني عشر ألفا فَقتل من الطَّائِف يَوْم حنين مثل قَتْلَى يَوْم بدر وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفا من حَصْبَاء فَرمى بهَا وُجُوهنَا فَانْهَزَمْنَا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنيناً فَلَمَّا وَاجَهنَا الْعَدو وَتَقَدَّمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من الْعَدو فأرميته بِسَهْم فتوارى عني فَمَا دَريت مَا صنع فَنَظَرت إِلَى الْقَوْم فَإِذا هم قد طلعوا من ثنية أُخْرَى فَالْتَقوا هم وَأَصْحَاب وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا متزر وأرجع مُنْهَزِمًا وعليَّ بردتان متزراً بِأَحَدِهِمَا مرتدياً بِالْأُخْرَى فاستطلق إزَارِي فجمعتهما جَمِيعًا ومررت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْهَزِمًا وَهُوَ على بغلته الشَّهْبَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد رأى ابْن الْأَكْوَع فَزعًا فَلَمَّا غشوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل عَن البغلة ثمَّ قبض قَبْضَة من تُرَاب من الأَرْض ثمَّ اسْتقْبل بِهِ وُجُوههم فَقَالَ: شَاهَت الْوُجُوه
فَمَا خلق الله مِنْهُم إنْسَانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ تُرَابا بِتِلْكَ القبضة فَوَلوا مُدبرين فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى وَقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنائمهم بَين الْمُسلمين
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَمْرو بن سُفْيَان الثَّقَفِيّ رَضِي

(4/162)


الله عَنهُ قَالَ قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين قَبْضَة من الْحَصَى فَرمى بهَا فِي وُجُوهنَا فَانْهَزَمْنَا فَمَا خيل إِلَيْنَا إِلَّا أَن كل حجر أَو شجر فَارس يطلبنا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن عَامر السوَائِي - وَكَانَ شهد حنيناً مَعَ الْمُشْركين ثمَّ أسلم - قَالَ: أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين قَبْضَة من الأَرْض فَرمى بهَا فِي وُجُوه الْمُشْركين وَقَالَ: ارْجعُوا شَاهَت الْوُجُوه فَمَا أحد يلقاه أَخُوهُ إِلَّا وَهُوَ يشكو قذى فِي عَيْنَيْهِ وَيمْسَح عَيْنَيْهِ
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن مولى أم برثن قَالَ: حَدثنِي رجل كَانَ من الْمُشْركين يَوْم حنين قَالَ: لما الْتَقَيْنَا نَحن وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقومُوا لنا حلب شَاة إِلَّا كفيناهم فَبينا نَحن نسوقهم فِي أدبارهم إِذْ الْتَقَيْنَا إِلَى صَاحب البغلة الْبَيْضَاء فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتلقتنا عِنْده رجال بيض حسان الْوُجُوه قَالُوا لنا: شَاهَت الْوُجُوه ارْجعُوا
فرجعنا وركبوا أكتافنا وَكَانَت إِيَّاهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن إِسْحَق حَدثنَا أُميَّة بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه حدث أَن مَالك بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ بعث عيُونا فَأتوهُ وَقد تقطعت أوصالهم فَقَالَ: وَيْلكُمْ مَا شَأْنكُمْ فَقَالُوا: أَتَانَا رجال بيض على خيل بلق فوَاللَّه مَا تماسكنا أَن أَصَابَنَا مَا ترى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن مُصعب بن شيبَة بن عُثْمَان الحَجبي عَن أَبِيه قَالَ خرجت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين وَالله مَا خرجت إسلاماً وَلَكِن خرجت إتقاء أَن تظهر هوَازن على قُرَيْش فوَاللَّه إِنِّي لواقف مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قلت: يَا نَبِي الله إِنِّي لأرى خيلا بلقاً

قَالَ: يَا شيبَة إِنَّه لَا يَرَاهَا إِلَّا كَافِر
فَضرب بِيَدِهِ عِنْد صَدْرِي حَتَّى مَا أجد من خلق الله تَعَالَى أحب إِلَيّ مِنْهُ فَقَالَ: فَالتقى الْمُسلمُونَ فَقتل من قتل ثمَّ أقبل النَّبِي وَعمر رَضِي الله عَنهُ آخذ باللجام وَالْعَبَّاس آخذ بالغرز فَنَادَى الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: أَيْن الْمُهَاجِرُونَ أَيْن أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة - بِصَوْت عَال - هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأقبل النَّاس وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَنا النَّبِي غير كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب فَأقبل الْمُسلمُونَ فاصطكّوا بِالسُّيُوفِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْآن حمي الْوَطِيس

(4/163)


الْآيَة 28

(4/164)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)

وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام مُشْرك بعد عَامي هَذَا أبدا إِلَّا أهل الْعَهْد وخدمكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} إِلَّا أَن يكون عبدا أَو أحدا من أهل الذِّمَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} أَي أخباث {فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} وَهُوَ الْعَام الَّذِي حج فِيهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
نَادَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِالْأَذَانِ وَذَلِكَ لتسْع سِنِين من الْهِجْرَة وَحج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَام الْمقبل حجَّة الْوَدَاع لم يحجّ قبلهَا وَلَا بعْدهَا مُنْذُ هَاجر فَلَمَّا نفى الله تَعَالَى الْمُشْركين عَن الْمَسْجِد الْحَرَام شقّ ذَلِك على الْمُسلمين فَأنْزل الله {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} فأغناهم الله تَعَالَى بِهَذَا الْخراج: الْجِزْيَة الْجَارِيَة عَلَيْهِم يأخذونها شهرا شهرا وعاماً عَاما فَلَيْسَ لأحد من الْمُشْركين أَن يقرب الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ ذَلِك إِلَّا صَاحب الْجِزْيَة أَو عبد رجل من الْمُسلمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يجيئون إِلَى الْبَيْت ويجيئون مَعَهم بِالطَّعَامِ يَتَّجِرون فِيهِ فَلَمَّا نهوا عَن أَن يَأْتُوا الْبَيْت قَالَ الْمُسلمُونَ: فَمن أَيْن لنا الطَّعَام فَأنْزل الله {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ} قَالَ: فَأنْزل الله عَلَيْهِم الْمَطَر وَكثر خَيرهمْ حِين ذهب الْمُشْركُونَ عَنْهُم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} شقّ على أَصْحَاب

(4/164)


النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: من يأتينا بِطَعَامِنَا وبالمتاع فَنزلت {وَإِن خِفْتُمْ عيلة} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نفى الله تَعَالَى إِلَى الْمُشْركين عَن الْمَسْجِد الْحَرَام ألْقى الشَّيْطَان فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: من أَيْن تَأْكُلُونَ وَقد نفى الْمُشْركُونَ وانقطعت عَنْكُم العير قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ} فَأَمرهمْ بِقِتَال أهل الْكفْر وأغناهم من فَضله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: قد كُنَّا نصيب من متاجر الْمُشْركين
فَوَعَدَهُمْ الله تَعَالَى أَن يغنيهم من فَضله عوضا لَهُم بِأَن لَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام فَهَذِهِ الْآيَة من أول بَرَاءَة فِي الْقِرَاءَة وَفِي آخرهَا التَّأْوِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يدْخل الْحرم كُله مُشْرك وتلا هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والنحاس فِي ناسخه عَن عَطاء عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: يُرِيد الْحرم كُله
وَفِي لفظ: لَا يدْخل الْحرم كُله مُشْرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن خِفْتُمْ عيلة} قَالَ: الْفَاقَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} قَالَ: أغناهم الله تَعَالَى بالجزية الْجَارِيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ أَن يمْنَع أَن يدْخل الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْمَسَاجِد وأتبع نَهْيه {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَمن صافحهم فَليَتَوَضَّأ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَافح مُشْركًا فَليَتَوَضَّأ أَو ليغسل كفيه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ اسْتقْبل رَسُول

(4/165)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَنَاوَلَهُ يَده فَأبى أَن يَتَنَاوَلهَا فَقَالَ: يَا جِبْرِيل مَا مَنعك أَن تَأْخُذ بيَدي فَقَالَ: إِنَّك أخذت بيد يَهُودِيّ فَكرِهت أَن تمس يَدي يدا قد مستها يَد كَافِر فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَاء فَتَوَضَّأ فَنَاوَلَهُ يَده فَتَنَاولهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وسمويه فِي فَوَائده عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مسلمة وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يقرب الْمَسْجِد الْحَرَام مُشْرك بعد عَامهمْ هَذَا وَمن كَانَ بَينه وَبَين رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أجل فَأَجله مدَّته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَام الْفَتْح: لَا يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام مُشْرك وَلَا يُؤَدِّي مُسلم جِزْيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عمر بن الْعَزِيز قَالَ: آخر مَا تكلم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن قَالَ قَاتل الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد لَا يبْقى بِأَرْض الْعَرَب دينان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى عِنْد مَوته بِأَن لَا يتْرك يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ بِأَرْض الْحجاز وَأَن يمْضِي جَيش أُسَامَة إِلَى الشَّام وَأوصى بالقبط خيرا فَإِن لَهُم قرَابَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا رَفعه قَالَ: اخْرُجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن آخر كَلَام تكلم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ اخْرُجُوا الْيَهُود من أَرض الْحجاز وَأهل نَجْرَان من جَزِيرَة الْعَرَب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن بقيت لأخْرجَن الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب فَلَمَّا ولي عمر رَضِي الله عَنهُ أخرجهم

(4/166)


الْآيَة 29

(4/167)


قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل الله تَعَالَى فِي الْعَام الَّذِي نبذ فِيهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْمُشْركين {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَكَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بِالتِّجَارَة فينتفع بهَا الْمُسلمُونَ فَلَمَّا حرم الله تَعَالَى على الْمُشْركين أَن يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام وجد الْمُسلمُونَ فِي أنفسهم مِمَّا قطع عَنْهُم من التِّجَارَة الَّتِي كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بهَا فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ} فأجل فِي الْآيَة الْأُخْرَى الَّتِي تتبعها الْجِزْيَة وَلم تكن تُؤْخَذ قبل ذَلِك فَجَعلهَا عوضا مِمَّا مَنعهم من موافاة الْمُشْركين بتجاراتهم فَقَالَ {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} إِلَى قَوْله {صاغرون} فَلَمَّا أَحَق ذَلِك للْمُسلمين عرفُوا أَنه قد عوضهم أفضل مَا كَانُوا وجدوا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ الْمُشْركين يوافون بِهِ من التِّجَارَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقِتَال قتالان: قتال الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا أَو يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يدٍ وهم صاغرون وقتال الفئة الباغية حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله فَإِذا فاءت أَعْطَيْت الْعدْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَة
قَالَ: نزلت هَذِه حِين أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بغزوة تَبُوك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت فِي كفار قُرَيْش وَالْعرب (وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة وَيكون الدّين لله) (الْبَقَرَة الْآيَة 193) وأنزلت فِي أهل الْكتاب {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} إِلَى قَوْله {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة} فَكَانَ أول من أعْطى الْجِزْيَة أهل نَجْرَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجِزْيَة عَن يَد قَالَ جِزْيَة الأَرْض والرقبة جِزْيَة الأَرْض والرقبة
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} قَالَ: نسخ بِهَذَا الْعَفو عَن الْمُشْركين

(4/167)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي اله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتال من يَلِيهِ من الْعَرَب أمره بجهاد أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} يَعْنِي الَّذين لَا يصدقون بتوحيد الله {وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله} يَعْنِي الْخمر وَالْخِنْزِير {وَلَا يدينون دين الْحق} يَعْنِي دين الإِسلام {من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} يَعْنِي من الْيَهُود وَالنَّصَارَى أُوتُوا الْكتاب من قبل الْمُسلمين أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يدٍ وهم صاغرون} يَعْنِي يذلون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَن يَد} قَالَ: عَن قهر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَن يَد} قَالَ: من يَده وَلَا يبْعَث بهَا مَعَ غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي سِنَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَن يَد} قَالَ: عَن قدرَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عَن يَد وهم صاغرون} قَالَ: وَلَا يلكزون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم صاغرون} قَالَ: غير محمودين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْمُغيرَة رَضِي الله عَنهُ
أَنه بعث إِلَى رستم فَقَالَ لَهُ رستم: إلام تَدْعُو فَقَالَ لَهُ: أَدْعُوك إِلَى الإِسلام فَأن أسلمت فلك مَا لنا وَعَلَيْك مَا علينا
قَالَ: فَإِن أَبيت قَالَ: فتعطي الْجِزْيَة عَن يَد وَأَنت صاغر
فَقَالَ: لِترْجُمَانِهِ: قل لَهُ أما إِعْطَاء الْجِزْيَة فقد عرفتها فَمَا قَوْلك وَأَنت صاغر قَالَ: تعطيها وَأَنت قَائِم وَأَنا جَالس وَالسَّوْط على رَأسك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لأهل حصن حَاصَرَهُمْ الإِسلام: أَو الْجِزْيَة وَأَنْتُم صاغرون قَالُوا: وَمَا الْجِزْيَة قَالَ: نَأْخُذ مِنْكُم الدَّرَاهِم وَالتُّرَاب على رؤوسكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ
أَنه انْتهى إِلَى حصن

(4/168)


فَقَالَ: إِن أسلمتم فلكم مَا لنا وَعَلَيْكُم مَا علينا وَإِن أَنْتُم أَبَيْتُم فأدوا الْجِزْيَة وَأَنْتُم صاغرون فَإِن أَبَيْتُم فأنبذناكم على سَوَاء إِن الله لَا يحب الخائنين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أحب لأهل الذِّمَّة أَن يتعبوا فِي أَدَاء الْجِزْيَة لقَوْل الله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يدٍ وهم صاغرون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِزْيَة من مجوس أهل هجر وَمن يهود الْيمن ونصاراهم من كل حالم دِينَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن بجالة قَالَ: لم يَأْخُذ عمر رَضِي الله عَنهُ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذهَا من مجوس هجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مجوس هجر يعرض عَلَيْهِم الإِسلام فَمن أسلم قبل مِنْهُ وَمن أَبى ضربت عَلَيْهِم الْجِزْيَة حَتَّى أَن لَا تُؤْكَل لَهُم ذَبِيحَة وَلَا ينْكح مِنْهُم امْرَأَة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عبيد فِي كتاب الْأَمْوَال وَابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر عَن أَبِيه
أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ اسْتَشَارَ النَّاس فِي الْمَجُوس فِي الْجِزْيَة فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سنوا بهم سنة أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت أَصْحَابِي أخذُوا من الْمَجُوس مَا أخذت مِنْهُم وتلا {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ عَن أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس فَقَالَ: وَالله مَا على الأَرْض أحد أعلم بذلك مني إِن الْمَجُوس كَانُوا أهل كتاب يعرفونه وَعلم يدرسونه فَشرب أَمِيرهمْ الْخمر فَسَكِرَ فَوَقع على أُخْته فَرَآهُ نفر من الْمُسلمين فَلَمَّا أصبح قَالَت أُخْته: إِنَّك قد صنعت بِي كَذَا وَكَذَا وَقد رآك نفر لَا يسترون عَلَيْك
فَدَعَا أهل الطمع فَأَعْطَاهُمْ ثمَّ قَالَ لَهُم: قد

(4/169)


علمْتُم أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام قد أنكح بنيه بَنَاته فجَاء أُولَئِكَ الَّذين رَأَوْهُ فَقَالُوا: ويل للأبعد إِن فِي ظهرك حد الله فَقَتلهُمْ أُولَئِكَ الَّذين كَانُوا عِنْده ثمَّ جاءة امْرَأَة فَقَالَت لَهُ: بلَى قد رَأَيْتُك
فَقَالَ لَهَا: ويحاً لبغي بني فلَان

قَالَت: أجل وَالله لقد كَانَت بغية ثمَّ تابت فَقَتلهَا ثمَّ أسرى على مَا فِي قُلُوبهم وعَلى كتبهمْ فَلم يصبح عِنْدهم شَيْء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَاتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل هَذِه الجزيرة من الْعَرَب على الإِسلام لم يقبل مِنْهُم غَيره وَكَانَ أفضل الْجِهَاد وَكَانَ بعد جِهَاد آخر على هَذِه الْأمة فِي شَأْن أهل الْكتاب {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد رَضِي الله قَالَ: يُقَاتل أهل الْأَوْثَان على الإِسلام وَيُقَاتل أهل الْكتاب على الْجِزْيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: من نسَاء أهل الْكتاب من يحل لنا وَمِنْهُم من لَا يحل لنا وتلا {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} فَمن أعْطى الْجِزْيَة حل لنا نساؤه وَمن لم يُعْط الْجِزْيَة لم يحل لنا نساؤوه وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه: لَا يحل نِكَاح أهل الْكتاب إِذا كَانُوا حَربًا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا قَالَ لَهُ: آخذ الأَرْض فأتقبلها أَرضًا خربة فأعمرها وأؤدي خراجها فَنَهَاهُ ثمَّ قَالَ: لَا تعمدوا إِلَى مَا ولاه الله هَذَا الْكَافِر فتخلعه من عُنُقه وتجعله فِي عُنُقك ثمَّ تَلا {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ} إِلَى {صاغرون}

الْآيَة 30

(4/170)


وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)

وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن

(4/170)


عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلام بن مشْكم ونعمان بن أوفى وَأَبُو أنس وشاس بن قيس وَمَالك بن الصَّيف فَقَالُوا: كَيفَ نتبعك وَقد تركت قبلتنا وَأَنت لَا تزْعم أَن عُزَيْرًا ابْن الله وَإِنَّمَا قَالُوا: هُوَ ابْن الله من أجل أَن عُزَيْرًا كَانَ فِي أهل الْكتاب وَكَانَت التَّوْرَاة عِنْدهم يعْملُونَ بهَا مَا شَاءَ الله تَعَالَى أَن يعملوا ثمَّ أضاعوها وَعمِلُوا بِغَيْر الْحق وَكَانَ التابوت فيهم فَلَمَّا رأى الله تَعَالَى أَنهم قد أضاعوا التَّوْرَاة وَعمِلُوا بالأهواء رفع الله عَنْهُم التابوت وأنساهم التَّوْرَاة ونسخها من صُدُورهمْ وَأرْسل عَلَيْهِم مَرضا فاستطلقت بطونهم مِنْهُم حَتَّى جعل الرجل يمشي كبده حَتَّى نسوا التَّوْرَاة وَنسخت من صُدُورهمْ وَفِيهِمْ عُزَيْر كَانَ من عُلَمَائهمْ فَدَعَا عُزَيْر الله عز وَجل وابتهل إِلَيْهِ أَن يرد إِلَيْهِ الَّذِي نسخ من صَدره فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي مبتهلاً إِلَى الله تَعَالَى نزل نور من الله فَدخل جَوْفه فَعَاد إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ ذهب من جَوْفه من التَّوْرَاة فَأذن فِي قومه فَقَالَ: يَا قوم قد آتَانِي الله التَّوْرَاة ردهَا إليّ فعلق يعلمهُمْ فَمَكَثُوا مَا شَاءَ الله أَن يمكثوا وَهُوَ يعلمهُمْ ثمَّ إِن التابوت نزل عَلَيْهِم بعد ذَلِك وَبعد ذَهَابه مِنْهُم فَلَمَّا رَأَوْا التابوت عرضوا مَا كَانُوا فِيهِ على الَّذِي كَانَ عُزَيْر يعلمهُمْ فَوَجَدَهُ مثله فَقَالُوا: وَالله مَا أُوتِيَ عُزَيْر هَذَا إِلَّا أَنه ابْن الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي اله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} قَالَ: قَالَهَا رجل وَاحِد اسْمه فنحَاص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كن نسَاء بني إِسْرَائِيل يجتمعن بِاللَّيْلِ فيصلين ويعتزلن ويذكرن مَا فضل الله تَعَالَى بِهِ على بني إِسْرَائِيل وَمَا أَعْطَاهُم ثمَّ سلط عَلَيْهِم شَرّ خلقه بخْتنصر فَحرق التَّوْرَاة وَخرب بَيت الْمُقَدّس وعزير يَوْمئِذٍ غُلَام فَقَالَ عُزَيْر: أَو كَانَ هَذَا فلحق الْجبَال والوحش فَجعل يتعبد فِيهَا وَجعل لَا يخالط النَّاس فَإِذا هُوَ ذَات يَوْم بِامْرَأَة عِنْد قبر وَهِي تبْكي فَقَالَ: يَا أمة الله اتقِي الله واحتسبي واصبري أما تعلمين أَن سَبِيل النَّاس إِلَى الْمَوْت فَقَالَت: يَا عُزَيْر اتنهاني أَن أبْكِي وَأَنت خلفت بني إِسْرَائِيل وَلَحِقت بالجبال والوحش قَالَت: إِنِّي لست بِامْرَأَة وَلَكِنِّي الدُّنْيَا وَأَنه سينبع فِي مصلاك عين وتنبت شَجَرَة فَاشْرَبْ من الْعين وكل من ثَمَرَة الشَّجَرَة فَإِنَّهُ سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان مَا أَرَادَا
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد نبعت الْعين ونبتت الشَّجَرَة فَشرب من مَاء الْعين وَأكل من ثَمَرَة الشَّجَرَة وَجَاء ملكان ومعهما قَارُورَة فِيهَا نور فأوجراه مَا فِيهَا

(4/171)


فألهمه الله التَّوْرَاة فجَاء فأملاه على النَّاس فَقَالُوا عِنْد ذَلِك: عُزَيْر بن الله تعإلى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دَعَا عُزَيْر ربه عز وَجل أَن يلقِي التَّوْرَاة كَمَا أنزل على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قلبه فأنزلها الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَبعد ذَلِك قَالُوا: عُزَيْر بن الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حميد الْخَرَّاط رَضِي الله عَنهُ
أَن عُزَيْرًا كَانَ يَكْتُبهَا بِعشْرَة أَقْلَام فِي كل أصْبع قلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عُزَيْر يقْرَأ التَّوْرَاة ظَاهرا وَكَانَ قد أعطي من الْقُوَّة مَا ان كَانَ ينظر فِي شرف السَّحَاب فَعِنْدَ ذَلِك قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر بن الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا قَالَت الْيَهُود عُزَيْر بن الله لأَنهم ظَهرت عَلَيْهِم العمالقة فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا التَّوْرَاة وهرب عُلَمَائهمْ الَّذين بقوا فدفنوا كتب التَّوْرَاة فِي الْجبَال وَكَانَ عُزَيْر يتعبد فِي رُؤُوس الْجبَال لَا ينزل إِلَّا فِي يَوْم عيد فَجعل الْغُلَام يبكي يَقُول: رب تركت بني إِسْرَائِيل بِغَيْر عَالم فَلم يزل يبكيهم حَتَّى سقط أشفار عَيْنَيْهِ فَنزل مرّة إِلَى الْعِيد فَلَمَّا رَجَعَ إِذا هُوَ بِامْرَأَة قد مثلت لَهُ عِنْد قبر من تِلْكَ الْقُبُور تبْكي تَقول: يَا مطعماه يَا كاسياه

فَقَالَ لَهَا: وَيحك من كَانَ يطعمك أَو يكسوك أَو يسقيك قبل هَذَا الرجل قَالَت: الله
قَالَ: فَإِن الله حَيّ لم يمت
قَالَت: يَا عُزَيْر فَمن كَانَ يعلم الْعلمَاء قبل بني إِسْرَائِيل قَالَ: الله
قَالَت: فَلم تبْكي عَلَيْهِم فَلَمَّا عرف أَنه قد خصم ولى مُدبرا
فدعته فَقَالَت: يَا عُزَيْر إِذا أَصبَحت غَدا فَائت نهر كَذَا وَكَذَا فاغتسل فِيهِ ثمَّ أخرج فصل رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِيك شيخ فَمَا أَعْطَاك فَخذه
فَلَمَّا أصبح انْطلق عُزَيْر إِلَى ذَلِك النَّهر فاغتسل فِيهِ ثمَّ خرج فصلى رَكْعَتَيْنِ فَأَتَاهُ شيخ فَقَالَ: افْتَحْ فمك
فَفتح فَمه فألقمه فِيهِ شَيْئا كَهَيئَةِ الْجَمْرَة الْعَظِيمَة مُجْتَمع كَهَيئَةِ الْقَوَارِير ثَلَاث مَرَّات فَرجع عُزَيْر وَهُوَ من أعلم النَّاس بِالتَّوْرَاةِ فَقَالَ: يَا بني إِسْرَائِيل إِنِّي قد جِئتُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ
فَقَالُوا لَهُ: مَا كنت كذابا فَعمد فَربط على كل أصْبع لَهُ قَلما ثمَّ كتب بأصابعه كلهَا فَكتب التَّوْرَاة فَلَمَّا رَجَعَ الْعلمَاء أخبروا بشأن عُزَيْر واستخرج أُولَئِكَ الْعلمَاء كتبهمْ الَّتِي كَانُوا رفعوها من التَّوْرَاة

(4/172)


فِي الْجبَال وَكَانَت فِي خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عَزِيز فوجدوها مثلهَا فَقَالُوا: مَا أَعْطَاك الله إِلَّا وَأَنت ابْنه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث أَشك فِيهِنَّ
فَلَا أَدْرِي أَعُزَيْر كَانَ نَبيا أم لَا وَلَا أَدْرِي أَلعن تبعا أم لَا قَالَ: ونسيت الثَّالِثَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم أحد شج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه وَكسرت رباعيته فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ رَافعا يَدَيْهِ يَقُول إِن الله عز وَجل اشْتَدَّ غَضَبه على الْيَهُود أَن قَالُوا عُزَيْر ابْن الله وَاشْتَدَّ غَضَبه على النَّصَارَى إِن قَالُوا أَن الْمَسِيح ابْن الله وَإِن الله اشْتَدَّ غَضَبه على من أراق دمي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عُزَيْر: يَا رب مَا عَلامَة من صافيته من خلقك فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن أقنعه باليسير وأدَّخر لَهُ فِي الْآخِرَة الْكثير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا من قبل} قَالَ: قَالُوا مثل مَا قَالَ أهل الْأَدْيَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا من قبل} يَقُول: ضاهت النَّصَارَى قَول الْيَهُود قبلهم فَقَالَت النَّصَارَى: الْمَسِيح بن الله
كَمَا قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر بن الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَاتلهم الله} قَالَ: لعنهم الله وكل شَيْء فِي الْقُرْآن قتل فَهُوَ لعن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَاتلهم الله} قَالَ: كلمة من كَلَام الْعَرَب

الْآيَة 31

(4/173)


اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)

أخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} فَقَالَ: أما أَنهم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرمُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي البخْترِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} أكانوا يَعْبُدُونَهُمْ قَالَ: لَا وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرمُوهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ} قَالَ: أما أَنهم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكنهُمْ أطاعوهم فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم} الْيَهُود {وَرُهْبَانهمْ} النَّصَارَى {وَمَا أمروا} فِي الْكتاب الَّذِي أَتَاهُم وعهد إِلَيْهِم {إِلَّا ليعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يشركُونَ} سبح نَفسه أَن يُقَال عَلَيْهِ الْبُهْتَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ {أَحْبَارهم} قراؤهم {وَرُهْبَانهمْ} علماؤهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَحْبَار من الْيَهُود والرهبان من النَّصَارَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل بن عِيَاض رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَحْبَار الْعلمَاء والرهبان الْعباد

الْآيَة 32

(4/174)


يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم} قَالَ: الإِسلام بكلامهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله} يَقُول: يُرِيدُونَ أَن يهْلك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَن لَا يعبدوا الله بالإِسلام فِي الأَرْض يَعْنِي بهَا كفار الْعَرَب وَأهل الْكتاب من حَارب مِنْهُم النب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ي وَكفر بآياته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى

الْآيَة 33

(4/175)


هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)

أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يذهب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تعبد اللات والعزى
فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُول الله إِنِّي كنت أَظن حِين أنزل الله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} أَن ذَلِك سَيكون تَاما فَقَالَ: إِنَّه سَيكون من ذَلِك إِن شَاءَ الله ثمَّ يبْعَث الله ريحًا طيبَة فيتوفى من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من خير فَيبقى من لَا خير فِيهِ يرجعُونَ إِلَى دين آبَائِهِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى} يَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ وَالْقُرْآن والإِسلام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} قَالَ: يظْهر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَمر الدّين كُله فيعطيه إِيَّاه كُله وَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ وَكَانَ الْمُشْركُونَ وَالْيَهُود يكْرهُونَ ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيظْهرهُ على الدّين كُله فديننا فَوق الْملَل ورجالنا فَوق نِسَائِهِم وَلَا يكونُونَ رِجَالهمْ فَوق نسائنا

(4/175)


وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} قَالَ: لَا يكون ذَلِك حَتَّى لَا يبْقى يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ صَاحب مِلَّة إِلَّا الإِسلام حَتَّى تأمن الشَّاة الذِّئْب وَالْبَقَرَة الْأسد والإِنسان الْحَيَّة وَحَتَّى لَا تقْرض فَأْرَة جراباً وَحَتَّى تُوضَع الْجِزْيَة وَيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَذَلِكَ إِذا نزل عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} قَالَ: الْأَدْيَان سِتَّة
الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين أشركوا فالأديان كلهَا تدخل فِي دين الإِسلام والإِسلام لَا يدْخل فِي شَيْء مِنْهَا فَإِن الله قضى فِيمَا حكم وَأنزل أَن يظْهر دينه على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} قَالَ: خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

الْآيَة 34

(4/176)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)

أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن كثيرا من الْأَحْبَار} يَعْنِي عُلَمَاء الْيَهُود {والرهبان} عُلَمَاء النَّصَارَى {ليأكلون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ} وَالْبَاطِل كتب كتبوها لم ينزلها الله تَعَالَى فَأَكَلُوا بهَا النَّاس وَذَلِكَ قَول الله تَعَالَى (الَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هُوَ من عِنْد الله وَمَا هُوَ من عِنْد الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 79)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أما الْأَحْبَار فَمن الْيَهُود وَأما الرهبان فَمن النَّصَارَى وَأما سَبِيل الله فمحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/176)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الفضيل بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اتبعُوا عَالم الْآخِرَة واحذروا عَالم الدُّنْيَا لَا يضركم بشكره ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {إِن كثيرا من الْأَحْبَار والرهبان ليأكلون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ ويصدون عَن سَبِيل الله}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} الْآيَة
قَالَ: هم الَّذين لَا يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم وكل مَال لَا تُؤَدّى زَكَاته كَانَ على ظهر الأَرْض أَو فِي بَطنهَا فَهُوَ كنز وكل مَال أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز كَانَ على ظهر الأَرْض أَو فِي بَطنهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز وَإِن كَانَ تَحت سبع أَرضين وَمَا لم تُؤَد زَكَاته فَهُوَ كنز وَإِن كَانَ ظَاهرا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن عدي والخطيب عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي مَال أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ كنز وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوفا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل الزَّكَاة فَلَمَّا أنزلت جعلهَا الله طهرة للأموال ثمَّ قَالَ: مَا أُبَالِي لَو كَانَ عِنْدِي مثل أحد ذَهَبا اعْلَم عدده أزكيه وأعمل فِيهِ بِطَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعد بن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا بَاعَ دَارا على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ عمر: احرز ثمنهَا احْفِرْ تَحت فرَاش امْرَأَتك
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو لَيْسَ كنز قَالَ: لَيْسَ بكنز مَا أُدي زَكَاته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِن لي أَوْضَاحًا من ذهب أَو فضَّة أفكنز هُوَ قَالَ: كل شَيْء تُؤَدّى زَكَاته فَلَيْسَ بكنز

(4/177)


وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن شاهين فِي التَّرْغِيب فِي الذّكر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: لَو علمنَا أَي المَال خير فَنَتَّخِذهُ
فَقَالَ أفضله لِسَان ذَاكر وقلب شَاكر وَزَوْجَة مُؤمنَة تعينه على إيمَانه
وَفِي لفظ: تعينه على أَمر الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} كبر ذَلِك على الْمُسلمين وَقَالُوا: مَا يَسْتَطِيع أحد منا لوَلَده مَالا يبْقى بعده
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أَنا أفرج عَنْكُم
فَانْطَلق عمر رَضِي الله عَنهُ وَاتبعهُ ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِنَّه قد كبر على أَصْحَابك هَذِه الْآيَة
فَقَالَ إِن الله لم يفْرض الزَّكَاة إِلَّا ليطيب بهَا مَا بَقِي من أَمْوَالكُم وَإِنَّمَا فرض الْمَوَارِيث من أَمْوَال تبقى بعدكم
فَكبر عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبرك بِخَير مَا يكنز الْمَرْء الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهَا سرته وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهَا سرته وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} الْآيَة
قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نزل الْيَوْم فِي الْكَنْز مَا نزل

فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَاذَا نكنز الْيَوْم قَالَ لِسَانا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شاكراً وَزَوْجَة صَالِحَة تعين أحدكُم على إيمَانه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا أخرجت صَدَقَة كَنْزك فقد أذهبت شَره وَلَيْسَ بكنز
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ: هم أهل الْكتاب وَقَالَ: هِيَ خَاصَّة وَعَامة
وَأخرج ابْن الضريس عَن علْبَاء بن أَحْمَر
أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ

(4/178)


قَالَ: لما أَرَادَ أَن يكْتب الْمَصَاحِف أَرَادوا أَن يلغوا الْوَاو الَّتِي فِي بَرَاءَة {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ لَهُم أبي رَضِي الله عَنهُ: لتلحقنها أَو لأضعن سَيفي على عَاتِقي
فالحقوها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْبَعَة آلَاف فَمَا دونهَا نَفَقَة وَمَا فَوْقهَا كنز
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْقبْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عرَاك بن مَالك وَعمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنَّهُمَا قَالَا: فِي قَول الله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَا: نسختها الْآيَة الْأُخْرَى (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا) (الْآيَة)

الْآيَة 35

(4/179)


يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)

أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي حَقّهَا إِلَّا جعلت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة صَفَائِح ثمَّ أحمي عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم ثمَّ يكوى بهَا جَبينه وجبهته وظهره فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضِي بَين النَّاس فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة أَو إِلَى النَّار
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يوضع الدِّينَار على الدِّينَار وَلَا الدِّرْهَم على الدِّرْهَم وَلَكِن يُوسع الله جلده {فتكوى بهَا جباههم وجنوبهم وظهورهم هَذَا مَا كنزتم لأنفسكم فَذُوقُوا مَا كُنْتُم تكنزون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْم يحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: لَا يعذب رجل بكنز يكنزه فيمس دِرْهَم

(4/179)


درهما وَلَا دِينَار دِينَارا وَلَكِن يُوسع جلده حَتَّى يوضع كل دِينَار وَدِرْهَم على حِدته وَلَا يمس دِرْهَم درهما وَلَا دِينَار دِينَارا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فتكوى بهَا} الْآيَة
قَالَ: يُوسع بهَا جلده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَوْم يحمى عَلَيْهَا} الْآيَة
قَالَ: حَيَّة تنطوي على جَنْبَيْهِ وجبهته فَتَقول: أَنا مَالك الَّذِي بخلت بِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ثَوْبَان رَضِي الله قَالَ: مَا من رجل يَمُوت وَعِنْده أَحْمَر وأبيض إِلَّا جعل الله لَهُ بِكُل قِيرَاط صفحة من نَار تكوى بهَا قدمه إِلَى ذقنه مغفوراً لَهُ بعد أَو معذباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
نَحوه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بشر أَصْحَاب الْكُنُوز بكي فِي الجباه وَفِي الْجنُوب وَفِي الظُّهُور
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَرَرْت على أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ بالربذة فَقلت: مَا أنزلك بِهَذِهِ الأَرْض قَالَ: كتابا لشام فَقَرَأت {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا هَذَا فِينَا هَذِه فِي أهل الْكتاب

قلت أَنا: إِنَّهَا لفينا وَفِيهِمْ
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْأَحْنَف بن قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: بَشِّر الكانزين بكيٍّ من قبل ظُهُورهمْ يخرج من جنُوبهم وكَي من جباهم يخرج من أقفائهم
فَقلت: مَاذَا

قَالَ: مَا قلت إِلَّا مَا سَمِعت من نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن خليلي عهد إليَّ أَن أَي مَال ذهب أَو فضَّة أوكئ عَلَيْهِ فَهُوَ جمر على صَاحبه حَتَّى يفرغه فِي سَبِيل الله وَكَانَ إِذا أَخذ عطاءه دَعَا خادمه فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيهِ لسنة فَاشْتَرَاهُ ثمَّ اشْترى فُلُوسًا بِمَا بَقِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول

(4/180)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الإِبل صدقتها وَفِي الْبَقر صدقتها وَفِي الْغنم صدقتها وَفِي الْبَز صدقته فَمن رفع دِينَار أَو درهما أَو تبراً أَو فضَّة لَا يعده لغريمه وَلَا يُنْفِقهُ فِي سَبِيل الله فَهُوَ كنز يكوى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِنَّه قَالَ الدِّينَار كنز وَالدِّرْهَم كنز والقيراط كنز
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ نصل سيف أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ من فضَّة فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ: أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من رجل ترك صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا كوي بهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من أحد يَمُوت فَيتْرك صفراء أَو بَيْضَاء إِلَّا كوي بهَا يَوْم الْقِيَامَة مغفوراً لَهُ بعد أَو معذباً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من ذِي كنز لَا يُؤَدِّي حَقه إِلَّا جِيءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يكوى بِهِ جَبينه وجبهته وَقيل لَهُ: هَذَا كَنْزك الَّذِي بخلت بِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله فرض على أَغْنِيَاء الْمُسلمين فِي أَمْوَالهم الْقدر الَّذِي يسع فقراءهم وَلنْ يجْهد الْفُقَرَاء إِذا جَاعُوا أَو عروا إِلَّا بِمَا يمْنَع أغنياؤهم أَلا وَإِن الله يحاسبهم حسابا شَدِيدا أَو يعذبهم عذَابا أَلِيمًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَانع الزَّكَاة يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَانع الزَّكَاة لَيْسَ بِمُسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا صَلَاة إِلَّا بِزَكَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ لاوي الصَّدَقَة - يَعْنِي مانعها - مَلْعُون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة

(4/181)


وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن بِلَال قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا بِلَال الق الله فَقِيرا وَلَا تلقه غَنِيا
قلت: وَكَيف لي بذلك قَالَ: إِذا رزقت فَلَا تخبا وَإِذا سُئِلت فَلَا تمنع
قلت: وَكَيف لي بذلك قَالَ: هُوَ ذَاك وَإِلَّا فَالنَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن الْمُنْكَدر قَالَ: بعث حبيب بن سَلمَة إِلَى أبي ذَر وَهُوَ أَمِير الشَّام بثلاثمة دِينَار وَقَالَ: اسْتَعِنْ بهَا على حَاجَتك
فَقَالَ أَبُو ذَر: ارْجع بهَا إِلَيْهِ أما وجد أحدا أغر بِاللَّه منا مَا لنا إِلَّا الظل نتوارى بِهِ وَثَلَاثَة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدق علينا بخدمتها ثمَّ إِنِّي لأَنا أَتَخَوَّف الْفضل
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذُو الدرهمين أَشد حبسا من ذِي الدِّرْهَم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: جَلَست إِلَى مَلأ من قُرَيْش فجَاء رجل خشن الشّعْر وَالثيَاب والهيئة حَتَّى قَامَ عَلَيْهِم فَسلم ثمَّ قَالَ: بشر الكانزين برضف يحمي عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم ثمَّ يوضع على حلمة ثدي أحدهم حَتَّى يخرج من نغض كتفه وَيُوضَع على نغض كتفه حَتَّى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل
ثمَّ ولي وَجلسَ إِلَى سَارِيَة وتبعته وَجَلَست إِلَيْهِ وَأَنا لَا أَدْرِي من هُوَ

فَقلت: لَا أرى الْقَوْم إِلَّا قد كَرهُوا مَا قلت
قَالَ: إِنَّهُم لَا يعْقلُونَ شَيْئا
قَالَ لي خليلي
قلت: من خَلِيلك قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتبصر أحدا قلت: نعم
قَالَ: مَا أحب أَن يكون لي مثل أحد ذَهَبا انفقه كُله إِلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير وَإِن هَؤُلَاءِ لَا يعْقلُونَ انما يجمعُونَ للدنيا وَالله لَا أسألهم دنيا وَلَا استفتيهم عَن دين حَتَّى ألْقى الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ يسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَمر فِيهِ الشدَّة ثمَّ يخرج إِلَى باديته ثمَّ يرخص فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك فيحفظ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْأَمر الرُّخْصَة فَلَا يسْمعهَا أَبُو ذَر فَيَأْخُذ أَبُو ذَر بِالْأَمر الأول الَّذِي سمع قبل ذَلِك

الْآيَة 36

(4/182)


إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)

وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فِي حجَّته فَقَالَ: أَلا إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض السّنة اثْنَا عشر شهرا: مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْعقْدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات وَرَجَب مُضر بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع بمنى فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا مِنْهَا أَرْبَعَة حرم أولهنَّ رَجَب مُضر بَين جُمَادَى وَشَعْبَان وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاث مُتَوَالِيَات رَجَب مُضر حرَام إِلَّا وَإِن النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا
وَأخرج أَحْمد والبارودي وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حَمْزَة الرقاشِي عَن عَمه - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: كنت آخِذا بزمام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق أذود النَّاس عَنهُ فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ فِي أَي شهر أَنْتُم وَفِي أَي يَوْم أَنْتُم وَفِي أَي بلد أَنْتُم قَالُوا: فِي يَوْم حرَام وَشهر حرَام وبلد حرَام قَالَ: فَإِن دمائكم وَأَمْوَالكُمْ واعراضكم عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا إِلَى يَوْم تلقونه ثمَّ قَالَ: اسمعوا مني تعيشوا أَلا لَا

(4/183)


تتظالموا أَلا لَا تتظالموا إِنَّه لَا يحل مَال امرىء إِلَّا بِطيب نفس مِنْهُ أَلا أَن كل دم وَمَال ومأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي هَذِه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِن أول دم يوضع دم ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب كَانَ مسترضعاً فِي بني لَيْث فَقتله هُذَيْل أَلا وَإِن كل رَبًّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع وَإِن الله قضى أَن أول رَبًّا يوضع رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب لكم رُؤُوس أَمْوَالكُم لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ أَلا إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض أَلا وَإِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم أَلا لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض إِلَّا إِن الشَّيْطَان قد آيس أَن يعبده المصلون فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَلكنه فِي التحريش بَينهم وَاتَّقوا الله فِي النِّسَاء فانهن عوان عنْدكُمْ لَا يملكن لأنفسهن شَيْئا وَإِن لَهُنَّ عَلَيْكُم حَقًا وَلكم عَلَيْهِنَّ حَقًا أَن لَا يطئن فرشكم أحدا غَيْركُمْ وَلَا يَأْذَن فِي بُيُوتكُمْ لأحد تكرهونه فَإِن خِفْتُمْ نشوزهن فعظوهن واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن ضربا غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله أَلا وَمن كَانَت عِنْده أَمَانَة فليؤدها إِلَى من ائتمنه عَلَيْهَا وَبسط يَدَيْهِ
وَقَالَ: اللهمَّ قد بلغت أَلا هَل بلغت ثمَّ قَالَ: ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَإِنَّهُ رُبَّ مبلغ أسعد من سامع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {مِنْهَا أَرْبَعَة حرم} قَالَ: المحرَّم وَرَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّينَ حُرُماً لِئَلَّا يكون فِيهِنَّ حَرْب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ذَلِك الدّين الْقيم} قَالَ: الْقَضَاء الْقيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن محببة الْبَاهِلِيّ عَن أَبِيه أَو عَمه
أَنه آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْلَمْ ثمَّ انْطلق فَأَتَاهُ بعد سنة وَقد تَغَيَّرت حَاله وهيئته فَقَالَ: يَا رَسُول الله وَمَا تعرفنِي قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا الْبَاهِلِيّ الَّذِي جئْتُك عَام الأول
قَالَ: فَمَا غيَّرك وَقد كنت حسن الْهَيْئَة قَالَ: مَا أكلت طَعَاما مُنْذُ فارقتك إِلَّا قَلِيل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم عذبت نَفسك ثمَّ قَالَ: صم شهر

(4/184)


الصَّبْر وَيَوْما من كل شهر
قَالَ: زِدْنِي فَإِن لي قُوَّة
قَالَ: صم يَوْمَيْنِ
قَالَ: زِدْنِي
قَالَ: صم ثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ: زِدْنِي
قَالَ: صم من الْحرم واترك صم من الْحرم واترك وَقَالَ بأصابعه الثَّلَاثَة فَضمهَا ثمَّ أرسلها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ من شهر حرَام الْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت كتب الله لَهُ عبَادَة سنتَيْن
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن عُثْمَان بن حَكِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن صِيَام رَجَب فَقَالَ: اخبرني ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم حَتَّى نقُول لَا يفْطر وَيفْطر حَتَّى نقُول لَا يَصُوم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ يَوْمًا من رَجَب كَانَ كصيام سنة وَمن صَامَ سَبْعَة أَيَّام غلقت عَنهُ سَبْعَة أَبْوَاب جَهَنَّم وَمن صَامَ ثَمَانِيَة أَيَّام فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة وَمن صَامَ عشرَة أَيَّام لم يسْأَل الله عز وَجل شَيْئا الا أعطَاهُ وَمن صَامَ خَمْسَة عشر يَوْمًا نَادَى مُنَاد من السَّمَاء قد غفرت لَك مَا سلف فاستأنف الْعَمَل قد بدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات من زَاد زَاده الله
وَفِي رَجَب حمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة فصَام نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأمر من مَعَه أَن يَصُومُوا وَجَرت بهم السَّفِينَة سِتَّة أشهر إِلَى آخر ذَلِك لعشر خلون من الْمحرم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي الْجنَّة قصر لصوام رَجَب قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مَوْقُوف على أبي قلَابَة وَهُوَ من التَّابِعين فَمثله لَا يَقُول ذَلِك إِلَّا عَن بَلَاغ عَمَّن فَوْقه مِمَّن يَأْتِيهِ الْوَحْي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصم بعد رَمَضَان إِلَّا رَجَب وَشَعْبَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَجَب شهر الله ويدعى الْأَصَم وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا دخل رَجَب يعطلون أسلحتهم ويضعونها فَكَانَ النَّاس ينامون ويأمن السَّبِيل وَلَا يخَافُونَ بَعضهم بَعْضًا حَتَّى يَنْقَضِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كن نسمي رَجَب الْأَصَم فِي الْجَاهِلِيَّة من شدَّة حرمته فِي أَنْفُسنَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي رَجَاء العطاردي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا فِي

(4/185)


الْجَاهِلِيَّة إِذا دخل رَجَب نقُول: جَاءَ منصل الأسِنَّة لَا نَدع حَدِيدَة فِي سهم وَلَا حَدِيدَة فِي رمح إِلَّا انتزعناها فألقيناها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نسمي رَجَب الْأَصَم فِي الْجَاهِلِيَّة من شدَّة حرمته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَجَب يَوْم وَلَيْلَة من صَامَ ذَلِك الْيَوْم وَقَامَ تِلْكَ اليلة كَانَ كمن صَامَ من الدَّهْر مائَة سنة وَقَامَ مائَة سنة وَهُوَ لثلاث بَقينَ من رَجَب وَفِيه بعث الله مُحَمَّدًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا فِي رَجَب لَيْلَة يكْتب لِلْعَامِلِ فِيهَا حَسَنَة مائَة سنة وَذَلِكَ لثلاث بَقينَ من رَجَب فَمن صلى فِيهَا اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة من الْقُرْآن يتَشَهَّد فِي كل رَكْعَتَيْنِ وَيسلم فِي آخِرهنَّ ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر مائَة مرّة ويستغفر الله مائَة مرّة وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة مرّة وَيَدْعُو لنَفسِهِ مَا شَاءَ من أَمر دُنْيَاهُ وآخرته وَيُصْبِح صَائِما فَإِن الله يستجيب دعاءه كُله إِلَّا أَن يَدْعُو فِي الْمعْصِيَة
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أَضْعَف من الَّذِي قبله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِنَّه مِنْكُن بِمرَّة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا خيرة الله من الشُّهُور شهر رَجَب وَهُوَ شهر الله من عظم شهر رَجَب فقد عظم أَمر الله وَمن عظم أَمر الله أدخلهُ جنَّات النَّعيم وَأوجب لَهُ رضوانه الْأَكْبَر وَشَعْبَان شَهْري فَمن عظم شهر شعْبَان فقد عظم أَمْرِي وَمن عظم أَمْرِي كنت لَهُ فرطا وذخراً يَوْم الْقِيَامَة وَشهر رَمَضَان شهر أمتِي فَمن عظم شهر رَمَضَان وَعظم حرمته وَلم ينتهكه وَصَامَ نَهَاره وَقَامَ ليله وَحفظ جوارحه خرج من رَمَضَان وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْب يَطْلُبهُ الله بِهِ
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صَوْم رَجَب كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله} قَالَ: يقرب بهَا شَرّ النسىء مَا نقص من السّنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله} ثمَّ

(4/186)


اخْتصَّ من ذَلِك أَرْبَعَة أشهر فجعلهن حرم وَعظم حرماتهن وَجعل الذَّنب فِيهِنَّ أعظم وَالْعَمَل الصَّالح وَالْأَجْر أعظم {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: فِي كُلهنَّ {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} يَقُول: جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: إِن الظُّلم فِي الشَّهْر الْحَرَام أعظم خَطِيئَة ووزراً من الظُّلم فِيمَا سواهُ وَإِن كَانَ الظُّلم على كل حَال عَظِيما وَلَكِن الله يعظم من أمره مَا شَاءَ وَقَالَ: إِن الله اصْطفى صفايا من خلقه اصْطفى من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس رسلًا وَاصْطفى من الْكَلَام ذكره وَاصْطفى من الأَرْض الْمَسَاجِد وَاصْطفى من الشُّهُور رَمَضَان وَاصْطفى من الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَاصْطفى من اللَّيَالِي لية الْقدر فَعَظمُوا مَا عظم الله فَإِنَّمَا تعظم الْأُمُور لما عظمها الله تَعَالَى بِهِ عِنْد أهل الْفَهم وَالْعقل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: فِي الشُّهُور كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: الظُّلم الْعَمَل لمعاصي الله وَالتّرْك لطاعته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل فِي قَوْله {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} قَالَ: نسخت هَذِه الْآيَة كل آيَة فِيهَا رخصَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن كَعْب قَالَ: اخْتَار الله الْبلدَانِ فَأحب الْبلدَانِ إِلَى الله الْبَلَد الْحَرَام وَاخْتَارَ الله الزَّمَان فاحب الزَّمَان إِلَى الله الْأَشْهر الْحرم واحب الْأَشْهر إِلَى الله ذُو الْحجَّة وَأحب ذُو الْحجَّة إِلَى الله الْعشْر الأول مِنْهُ وَاخْتَارَ الله الْأَيَّام فَأحب الْأَيَّام إِلَى الله يَوْم الْجُمُعَة وَأحب اللَّيَالِي إِلَى الله لَيْلَة الْقدر وَاخْتَارَ الله سَاعَات وَاللَّيْل وَالنَّهَار فَأحب السَّاعَات إِلَى الله سَاعَات الصَّلَوَات المكتوبات وَاخْتَارَ الله الْكَلَام فَأحب الْكَلَام إِلَى الله لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله

الْآيَة 37

(4/187)


إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)

أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَت الْعَرَب يحلونَ عَاما شهرا وعاماً شَهْرَيْن وَلَا يصيبون الْحَج إِلَّا فِي كل سِتَّة وَعشْرين سنة مرّة وَهُوَ النسىء الَّذِي ذكر الله تَعَالَى فِي كِتَابه فَلَمَّا كَانَ عَام الْحَج الْأَكْبَر ثمَّ حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعَام الْمقبل فَاسْتقْبل النَّاس الْأَهِلّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعقبَةِ فَقَالَ: إِن النسىء من الشَّيْطَان {زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} فَكَانُوا يحرمُونَ الْمحرم عَاما ويحرمون صفراً عَاما ويستحلون الْمحرم وَهُوَ النسىء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ جُنَادَة بن عَوْف الْكِنَانِي يُوفي الْمَوْسِم كل عَام وَكَانَ يكنى أَبَا ثمادة فينادي: أَلا أَن أَبَا ثمادة لَا يخَاف وَلَا يعاب أَلا إِن صفر الأول حَلَال وَكَانَ طوائف من الْعَرَب إِذا أَرَادوا أَن يُغيرُوا على بعض عدوهم أَتَوْهُ فَقَالُوا: أحل لنا هَذَا الشَّهْر - يعنون صفر - وَكَانَت الْعَرَب لَا تقَاتل فِي الْأَشْهر الْحرم فيحله لَهُم عَاما ويحرمه عَلَيْهِم فِي الْعَام الآخر وَيحرم الْمحرم فِي قَابل {ليواطئوا عدَّة مَا حرم الله} يَقُول: ليجعلوا الْحرم أَرْبَعَة غير أَنهم جعلُوا صفراً عَاما حَلَالا وعاماً حَرَامًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت النساة حَيا من بني مَالك من كنَانَة من بني تَمِيم فَكَانَ أخراهم رجلا يُقَال لَهُ القلمس وَهُوَ الَّذِي أنسأ الْمحرم وَكَانَ ملكا كَانَ يحل الْمحرم عَاما ويحرمه عَاما فَإِذا حرمه كَانَت ثَلَاثَة أشهر مُتَوَالِيَة ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَهِي الْعدة الَّتِي حرم الله فِي عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا أحله دخل مَكَانَهُ صفر فِي الْمحرم ليواطئ الْعدة يَقُول: قد أكملت الْأَرْبَعَة كَمَا كَانَت لِأَنِّي لم أحل شهرا إِلَّا وَقد حرمت مَكَانَهُ شهرا فَكَانَت على ذَلِك الْعَرَب من يدين للقلمس بِملكه حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكمل الْحرم ثَلَاثَة أشهر مُتَوَالِيَة وَرَجَب شهر مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} قَالَ: نزلت فِي رجل من بني كنَانَة يُقَال لَهُ نسيّ كَانَ يَجْعَل الْمحرم صفراً ليستحل فِيهِ الْمَغَانِم

(4/188)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاسِي رجلا من كنَانَة ذَا رَأْي يَأْخُذُونَ من رَأْيه رَأْسا فيهم فَكَانَ عَاما يَجْعَل الْمحرم صفراً فيغيرون فِيهِ ويستحلونه فيصيبون فيغنمون وَكَانَ عَاما يحرمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} الْآيَة
قَالَ: عمد أنَاس من أهل الضَّلَالَة فزادوا صفر فِي أشهر الْحرم وَكَانَ يقوم قَائِلهمْ فِي الْمَوْسِم فَيَقُول: إِن آلِهَتكُم قد حرمت صفر فيحرمونه ذَلِك الْعَام وَكَانَ يُقَال لَهما الصفران وَكَانَ أول من نسأ النسىء بَنو مَالك من كنَانَة وَكَانُوا ثَلَاثَة أَبُو ثُمَامَة صَفْوَان بن أُميَّة أحد بني تَمِيم بن الْحَرْث ثمَّ أحد بني كنَانَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} قَالَ: فرض الله الْحَج فِي ذِي الْحجَّة وَكَانَ الْمُشْركُونَ يسمون الْأَشْهر ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وربيع وربيع وجمادى وجمادى وَرَجَب وَشَعْبَان ورمضان وشوال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة ثمَّ يحجون فِيهِ ثمَّ يسكتون عَن الْمحرم فَلَا يذكرُونَهُ ثمَّ يعودون فيسمون صفر صفر ثمَّ يسمون رَجَب جُمَادَى الآخر ثمَّ يسمون شعْبَان رَمَضَان ورمضان شَوَّال ويسمون ذَا الْقعدَة شَوَّال ثمَّ يسمون ذَا الْحجَّة ذَا الْقعدَة ثمَّ يسمون الْمحرم ذَا الْحجَّة ثمَّ يحجون فِيهِ واسْمه عِنْدهم ذُو الْحجَّة ثمَّ عَادوا مثل هَذِه الْقِصَّة فَكَانُوا يحجون فِي كل شهر عَاما حَتَّى وَافق حجَّة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ الْآخِرَة من الْعَام فِي ذِي الْقعدَة ثمَّ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّته الَّتِي حج فِيهَا فَوَافَقَ ذُو الْحجَّة فَذَلِك حِين يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رجل من بني كنَانَة يُقَال لَهُ جُنَادَة بن عَوْف يكنى أَبَا أُمَامَة ينسئ الشُّهُور وَكَانَت الْعَرَب يشْتَد عَلَيْهِم أَن يمكثوا ثَلَاثَة أشهر لَا يُغيرُوا بَعضهم على بعض فَإِذا أَرَادَ أَن يُغير على أحد قَامَ يَوْمًا بمنى فَخَطب فَقَالَ: إِنِّي قد أحللت الْمحرم وَحرمت صفر مَكَانَهُ فَيُقَاتل النَّاس فِي الْمحرم فَإِذا كَانَ صفر عَمدُوا وَوَضَعُوا الأسنَّة ثمَّ يقوم فِي قَابل فَيَقُول: إِنِّي قد أحللت صفر وَحرمت الْمحرم فيواطئوا أَرْبَعَة أشهر فيحلوا الْمحرم

(4/189)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} قَالَ: هُوَ صفر كَانَت هوَازن وغَطَفَان يحلونه سنة ويحرمونه سنة

الْآيَة 38

(4/190)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)

أخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا مَا لكم إِذا قيل لكم انفروا} الْآيَة
قَالَ: هَذَا حِين أمروا بغزوة تَبُوك بعد الْفَتْح وحنين أَمرهم بالنفير فِي الصَّيف حِين خرقت الأَرْض فطابت الثِّمَار واشتهوا الظلال وشق عَلَيْهِم الْمخْرج فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (انفروا خفافا وثقالا) (التَّوْبَة الْآيَة 41)
قَوْله تَعَالَى: {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن المستور رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتذاكروا الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغ للآخرة فِيهَا الْعَمَل وفيهَا الصَّلَاة وفيهَا الزَّكَاة وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم: الْآخِرَة فِيهَا الْجنَّة
وَقَالُوا مَا شَاءَ الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يمشي أحدكُم إِلَى اليم فَأدْخل أُصْبُعه فِيهِ فَمَا خرج مِنْهُ فَهِيَ الدُّنْيَا
وَأخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة عَن المستور بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت فِي ركب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ مر بسخلة ميتَة فَقَالَ أَتَرَوْنَ هَذِه هَانَتْ على أَهلهَا حِين ألقوها قَالُوا: من هوانها ألقوها يَا رَسُول الله قَالَ: فالدنيا أَهْون على الله من هَذِه على أَهلهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جعل الدُّنْيَا قَلِيلا وَمَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل كالثعلب فِي الغدير شرب صَفوه وَبَقِي كدره

(4/190)


وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دخل عمر رَضِي الله عَنهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على حَصِير قد أثر فِي جنبه فَقَالَ: يَا رَسُول الله لَو اتَّخذت فرشاً أوثر من هَذَا فَقَالَ مَا لي وللدنيا وَمَا للدنيا وَمَا لي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا مثلي وَمثل الدُّنْيَا إِلَّا كراكب سَار فِي يَوْم صَائِف فاستظل تَحت شَجَرَة سَاعَة ثمَّ رَاح وَتركهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام على حَصِير فَقَامَ وَقد أثر فِي جنبه فَقُلْنَا يَا رَسُول الله: لَو اتخذنا لَك فَقَالَ: مَا لي وللدنيا مَا أَنا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كراكب استظل تَحت ظلّ شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سهل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة فَرَأى شَاة شَائِلَة برجلها فَقَالَ أَتَرَوْنَ هَذِه الشَّاة هينة على صَاحبهَا قَالُوا: نعم يَا رَسُول الله
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ للدنيا أَهْون على الله من هَذِه على صَاحبهَا وَلَو كَانَت تعدل عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقِِي الْكَافِر مِنْهَا شربة مَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب دُنْيَاهُ أضرّ بآخرته وَمن أحب آخرته أضرَّ بدنياه فآثروا مَا يبْقى على مَا يفنى
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا مثل الذُّبَاب تمور فِي جوها فَالله الله فِي اخوانكم من أهل الْقُبُور فَإِن أَعمالكُم تعرض عَلَيْهِم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أحب الله عبدا حماه من الدُّنْيَا كَمَا يحمي أحدكُم مريضه المَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: حلوة الدُّنْيَا مرّة الْآخِرَة وَمرَّة الدُّنْيَا حلوة الْآخِرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: أكلت لَحْمًا كثيرا وثريداً ثمَّ جِئْت فَقَعَدت قبال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلت أتجشأ فَقَالَ اقصر من جشائك فَإِن أَكثر النَّاس شبعاً فِي الدُّنْيَا أَكْثَرهم جوعا فِي الْآخِرَة

(4/191)


وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة إِن أردْت اللحوق بِي فليكفك من الدُّنْيَا كزاد الرَّاكِب وَلَا تستخلفي ثوبا حَتَّى ترقعيه وَإِيَّاك ومجالسة الْأَغْنِيَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن سعد بن طَارق رَضِي الله عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعمت الدَّار الدُّنْيَا لمن تزوّد مِنْهَا لآخرته حَتَّى يُرْضِي ربه وبئست الدَّار لمن صدته عَن آخرته وَقصرت بِهِ عَن رضَا ربه وَإِذا قَالَ العَبْد: قبَّح الله الدُّنْيَا
قَالَت الدُّنْيَا: قبح الله أعصانا لرَبه
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعظ فَقَالَ: ازهد الدُّنْيَا يحبك الله وازهد فِيمَا فِي أَيدي النَّاس يحبك النَّاس
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وسننه فَإِذا خرج من الدُّنْيَا فَارق السجْن وَالسّنة
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أصبح وَالدُّنْيَا أكبر همه فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء وَمن لم يهتم للْمُسلمين فَلَيْسَ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ عَن أشياخه قَالَ: دخل سعد رَضِي الله عَنهُ على سلمَان يعودهُ فَبكى فَقَالَ سعد: مَا يبكيك يَا أَبَا عبد الله قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْك رَاض وَترد عَلَيْهِ الْحَوْض وتلقى أَصْحَابك
قَالَ: مَا أبْكِي جزعاً من الْمَوْت وَلَا حرصاً على الدُّنْيَا وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد إِلَيْنَا عهدا
قَالَ ليكن بلغَة أحدكُم من الدُّنْيَا كزاد الرَّاكِب
وحولي هَذِه الأساودة وَإِنَّمَا حوله اجانة وجفنة ومطهرة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي على النَّاس زمَان يَتَحَلَّقُونَ فِي مَسَاجِدهمْ وَلَيْسَ هَمهمْ إِلَّا الدُّنْيَا لَيْسَ لله فيهم حَاجَة فَلَا تُجَالِسُوهُمْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتَرَبت السَّاعَة وَلَا يزْدَاد النَّاس على الدُّنْيَا إِلَّا حرصاً وَلَا يزدادون من الله إِلَّا بعدا

(4/192)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سُفْيَان قَالَ: كتب عمر إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: لَو كَانَت الدُّنْيَا تزن عِنْد الله جنَاح ذُبَابَة مَا سقى مِنْهَا كَافِرًا شربة مَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن المستور قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَجْعَل أحدكُم أُصْبُعه فِي اليم ثمَّ يرفعها فَلْينْظر ثمَّ يرجع
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: قلت يَا أَبَا هُرَيْرَة: سَمِعت اخواني بِالْبَصْرَةِ يَزْعمُونَ أَنَّك تَقول: سَمِعت نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله يَجْزِي بِالْحَسَنَة ألف ألف حَسَنَة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يَجْزِي بِالْحَسَنَة ألفي ألف حَسَنَة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} فالدنيا مَا مضى مِنْهَا إِلَى مَا بَقِي مِنْهَا عِنْد الله قَلِيل وَقَالَ (من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة) (الْبَقَرَة الْآيَة 245) فَكيف الْكثير عِنْد الله تَعَالَى إِذا كَانَت الدُّنْيَا مَا مضى مِنْهَا وَمَا بَقِي عِنْد الله قَلِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} كزاد الرَّاعِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَازِم قَالَ: لما حضرت عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان الْوَفَاة قَالَ: ائْتُونِي بكفني الَّذِي أكفن فِيهِ أنظر إِلَيْهِ فَلَمَّا وضع بَين يَدَيْهِ نظر إِلَيْهِ فَقَالَ: أمالي كثير مَا أخلف من الدُّنْيَا إِلَّا هَذَا ثمَّ ولى ظَهره وَبكى وَقَالَ: أُفٍّ لَك من دَار إِن كَانَ كثيرك الْقَلِيل وَإِن كَانَ قليلك الْكثير وَإِن كُنَّا مِنْك لفي غرور

الْآيَة 39

(4/193)


إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)

وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} قَالَ: أَن رَسُول الله

(4/193)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتنْفرَ حَيا من أَحيَاء الْعَرَب فتثاقلوا عَنهُ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فَأمْسك عَنْهُم الْمَطَر فَكَانَ ذَلِك عَذَابهمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} وَقد كَانَ تخلف عَنهُ نَاس فِي البدو يفقهُونَ قَومهمْ فَقَالَ المُنَافِقُونَ: قد بَقِي نَاس فِي الْبَوَادِي
وَقَالُوا: هلك أَصْحَاب الْبَوَادِي فَنزلت (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 122)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} قَالَ: نسختها (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة)

الْآيَة 40

(4/194)


إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} قَالَ: ذكر مَا كَانَ من أول شَأْنه حَتَّى بعث يَقُول الله: فَأَنا فَاعل ذَلِك بِهِ وناصره كَمَا نصرته إِذْ ذَاك وَهُوَ ثَانِي اثْنَيْنِ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اشْترى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ من عَازِب رجلا بِثَلَاثَة عشر درهما فَقَالَ لعازب: مر الْبَراء فليحمله إِلَى منزلي
فَقَالَ: لَا حَتَّى تحدثنا كَيفَ صنعت حَيْثُ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت مَعَه فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله

(4/194)


عَنهُ: خرجنَا فأدلجنا فأحثثنا يَوْمًا وَلَيْلَة حَتَّى أظهرنَا وَقَامَ قَائِم الظهيرة فَضربت ببصري هَل أرى ظلاً فآوي إِلَيْهِ فَإِذا أَنا بصخرة فَأَهْوَيْت إِلَيْهَا فَإِذا بَقِيَّة ظلها فسويته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفرشت لَهُ فَرْوَة وَقلت اضْطجع يَا رَسُول الله فاضطجع ثمَّ خرجت أنظر هَل أرى أحدا من الطّلب فَإِذا أَنا براعي غنم فَقلت: لمن أَنْت يَا غُلَام فَقَالَ: لرجل من قُرَيْش فَسَماهُ فعرفته فَقلت: هَل فِي غنمك من لبن قَالَ: نعم
فَقلت: وَهل أَنْت حالب لي قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَمَرته فاعتقل لي شَاة مِنْهَا ثمَّ أَمرته فنفض ضرْعهَا من الْغُبَار ثمَّ أَمرته فنفض كفيه وَمَعِي اداوة على فمها خرقَة فَحلبَ لي كثبة من اللَّبن فَصَبَبْت على الْقدح من المَاء حَتَّى برد أَسْفَله ثمَّ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافقته قد اسْتَيْقَظَ فَقلت: اشرب يَا رَسُول الله فَشرب حَتَّى رضيت ثمَّ قلت: هَل آن الرحيل قَالَ: فارتحلنا وَالْقَوْم يطلبونا فَلم يدركنا مِنْهُم إِلَّا سراقَة على فرس لَهُ فَقلت: يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا فَقَالَ: لَا تحزن إِن الله مَعنا حَتَّى إِذا دنا فَكَانَ بَيْننَا وَبَينه قدر رمح أَو رُمْحَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَقلت: يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا وبكيت

قَالَ: لم تبك
فَقلت: أما وَالله لَا أبْكِي على نَفسِي وَلَكِنِّي أبْكِي عَلَيْك
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اللهمَّ اكفناه بِمَا شِئْت فساخت فرسه إِلَى بَطنهَا فِي أَرض صلد ووثب عَنْهَا وَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن هَذَا عَمَلك فَادع الله أَن ينجيني مِمَّا أَنا فِيهِ فوَاللَّه لأعمين على من ورائي من الطّلب وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ مِنْهَا سَهْما فَإنَّك ستمر بإبلي وغنمي فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهَا حَاجَتك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حَاجَة لي فِيهَا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأطلق وَرجع إِلَى أَصْحَابه وَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى قدمنَا الْمَدِينَة فَتَلقاهُ النَّاس فَخَرجُوا على الطّرق وعَلى الأجاجير وَاشْتَدَّ الخدم وَالصبيان فِي الطّرق الله أكبر جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد تنَازع الْقَوْم أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل اللَّيْلَة على بني النجار أخوال عبد الْمطلب لأكرمهم بذلك
فَلَمَّا أصبح غَدا حَيْثُ أَمر
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سراقَة بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجت أطلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى إِذا دَنَوْت مِنْهُمَا عثرت بِي فرسي فَقُمْت فركبت حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يكثر التلفت ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثمَّ

(4/195)


زجرتها فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يَديهَا فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا عنان سَاطِع فِي السَّمَاء مثل الدُّخان فناديتهما بالأمان: فوقفا لي وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُمَا أَنه سَيظْهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل لحق بِغَار ثَوْر قَالَ: وَتَبعهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسَّه خَلفه خَافَ أَن يكون الطّلب فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ تنحنح فَلَمَّا سمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرفه فَقَامَ لَهُ حَتَّى تبعه فَأتيَا الْغَار فَأَصْبَحت قُرَيْش فِي طلبه فبعثوا إِلَى رجل من قافة بني مُدْلِج فتبع الْأَثر حَتَّى انْتهى إِلَى الْغَار وعَلى بَابه شَجَرَة فَبَال فِي أَصْلهَا الْقَائِف ثمَّ قَالَ: مَا جَازَ صَاحبكُم الَّذِي تطلبون هَذَا الْمَكَان
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِك حزن أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن إِن الله مَعنا قَالَ: فَمَكثَ هُوَ وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي الْغَار ثَلَاثَة أَيَّام يخْتَلف إِلَيْهِم بِالطَّعَامِ عَامر بن فهَيْرَة وَعلي يجهزهم فاشتروا ثَلَاثَة أباعر من إبل الْبَحْرين واستأجر لَهُم دَلِيلا فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيْل من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَاهُم عَليّ رَضِي الله عَنهُ بالإِبل وَالدَّلِيل فَركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته وَركب أَبُو بكر أُخْرَى فتوجهوا نَحْو الْمَدِينَة وَقد بعثت قُرَيْش فِي طلبه
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعلي وَعَائِشَة بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم وَعَائِشَة بنت قدامَة وسراقة بن جعْشم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقَوْم جُلُوس على بَابه فَأخذ حفْنَة من الْبَطْحَاء فَجعل يدرها على رؤوسهم وَيَتْلُو (يس
وَالْقُرْآن الْحَكِيم) (يس الْآيَة 1 - 2) الْآيَات وَمضى فَقَالَ لَهُم قَائِل مَا تنتظرون قَالُوا: مُحَمَّدًا
قَالَ: قد - وَالله - مر بكم
قَالُوا: وَالله مَا أبصرناه وَقَامُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى غَار ثَوْر فدخلاه وَضربت العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض وطلبته قُرَيْش أَشد الطّلب حَتَّى انْتَهَت إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم: إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا قبل مِيلَاد مُحَمَّد

(4/196)


وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة بنت قدامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقد خرجت من الخوخة متنكراً فَكَانَ أول من لَقِيَنِي أَبُو جهل فَعمى الله بَصَره عني وَعَن أبي بكر حَتَّى مضينا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ رأى رجلا مواجه الْغَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّه لرائينا
قَالَ: كلا إِن الْمَلَائِكَة تستره الْآن بأجنحتها فَلم ينشب الرجل أَن قعد يَبُول مستقبلهما
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر لَو كَانَ يراك مَا فعل هَذَا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل الْغَار ضربت العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فَم الْغَار قَالَ قَائِل مِنْهُم: ادخُلُوا الْغَار فَقَالَ أُميَّة بن خلف: وَمَا أربكم إِلَى الْغَار إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا كَانَ قبل مِيلَاد مُحَمَّد فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل العنكبوت قَالَ: إِنَّهَا جند من جنود الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَطاء بن أبي ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نسجت العنكبوت مرَّتَيْنِ
مرّة على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَانَ طالوت يَطْلُبهُ وَمرَّة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الْتفت أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِذا هُوَ بِفَارِس قد لحقهم فَقَالَ: يَا نَبِي الله هَذَا فَارس قد لحقنا
فَقَالَ اللهمَّ اصرعه
فصرع عَن فرسه فَقَالَ: يَا نَبِي الله مرني بِمَا شِئْت
قَالَ: تقف مَكَانك لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا
فَكَانَ أول النَّهَار جاهداً على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي آخر النَّهَار مسلحة لَهُ وَفِي ذَلِك يَقُول سراقَة مُخَاطبا لأبي جهل: أَبَا حكم لَو كنت وَالله شَاهدا لأمر جوادي أَن تسيخ قوائمه علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ضبة بن مُحصن العبري قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: أَنْت خير من أبي بكر فَبكى وَقَالَ: وَالله لَليلة من أبي بكر وَيَوْم خير من عمر هَل لَك أَن أحَدثك بليلته ويومه قَالَ: قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ: أما ليلته فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَارِبا من أهل مَكَّة

(4/197)


خرج لَيْلًا فَتَبِعَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَجعل يمشي مرّة أَمَامه وَمرَّة خَلفه وَمرَّة عَن يَمِينه وَمرَّة عَن يسَاره فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هَذَا يَا أَبَا بكر مَا أعرف هَذَا من فعلك قَالَ: يَا رَسُول الله اذكر الرصد فَأَكُون أمامك وَاذْكُر الطّلب فَأَكُون من خَلفك وَمرَّة عَن يَمِينك وَمرَّة عَن يسارك لَا آمن عَلَيْك
فَمشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلته على أَطْرَاف أَصَابِعه حَتَّى حفيت رِجْلَاهُ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا قد حفيت حمله على كَاهِله وَجعل يشد بِهِ حَتَّى أَتَى فَم الْغَار فأنزله ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا تدخله حَتَّى أدخلهُ فَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء نزل بِي قبلك فَدخل فَلم ير شَيْئا فَحَمله فَأدْخلهُ وَكَانَ فِي الْغَار خرق فِيهِ حيات وأفاعي فخشي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يخرج مِنْهُنَّ شَيْء يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقمه قدمه فَجعلْنَ يضربنه وتلسعه الأفاعي والحيات وَجعلت دُمُوعه تتحدر وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ: يَا أَبَا بكر لَا تحزن إِن الله مَعنا فَأنْزل الله سكينته أَي طمأنينته لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَهَذِهِ ليلته
وَأما يَوْمه فَلَمَّا توفّي رَسُول الله وارتدت الْعَرَب فَقَالَ بَعضهم: نصلي وَلَا نزكي
وَقَالَ بَعضهم: لَا نصلي وَلَا نزكي فَأَتَيْته وَلَا آلوه نصحاً فَقلت: يَا خَليفَة رَسُول الله تألف النَّاس وارفق بهم
فَقَالَ: جَبَّار فِي الْجَاهِلِيَّة خوّار فِي الإِسلام بِمَاذَا تألفهم أبشعر مفتعل أَو بِشعر مفتري قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وارتفع الْوَحْي فوَاللَّه لَو مَنَعُونِي عقَالًا مِمَّا كَانُوا يُعْطون لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم عَلَيْهِ
قَالَ: فقاتلنا مَعَه فَكَانَ - وَالله - رشيد الْأَمر فَهَذَا يَوْمه
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ وَعُرْوَة رَضِي الله عَنهُ
أَنهم ركبُوا فِي كل وَجه يطْلبُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبعثوا إِلَى أهل الْمِيَاه يأمرونهم ويجعلون لَهُ الْجعل الْعَظِيم وَأتوا على ثَوْر الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار الَّذِي فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلعوا فَوْقه وَسمع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْوَاتهم وأشفق أَبُو بكر وَأَقْبل عَلَيْهِ الْهم وَالْخَوْف فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن إِن الله مَعنا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ سكينَة من الله فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ {وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى وَكلمَة الله هِيَ الْعليا وَالله عَزِيز حَكِيم}
وَأخرج ابْن شاهين وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن حبشِي بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ

(4/198)


أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله لَو أَن أحدا من الْمُشْركين رفع قدمه لَأَبْصَرنَا
قَالَ يَا أَبَا بكر لَا تحزن إِن الله مَعنا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الَّذين طلبوهم صعدوا الْجَبَل فَلم يبْق أَن يدخلُوا
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أَتَيْنَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن إِن الله مَعنا وَانْقطع الْأَثر فَذَهَبُوا يَمِينا وَشمَالًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج رَسُول الله وَخرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَه لم يَأْمَن على نَفسه غَيره حَتَّى دخلا الْغَار
وَأخرج ابْن شاهين وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر أَنْت صَاحِبي فِي الْغَار وَأَنت معي على الْحَوْض
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة
مثله
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان رَضِي الله عَنهُ: هَل قلت فِي أبي بكر شَيْئا قَالَ: نعم
قَالَ: قل وَأَنا أسمع
فَقَالَ: وَثَانِي اثْنَيْنِ فِي الْغَار المنيف وَقد طَاف العدوّ بِهِ إِذْ صاعد الجبلا وَكَانَ حب رَسُول الله قد علمُوا من الْبَريَّة لم يعدل بِهِ رجلا فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ: صدقت يَا حسان هُوَ كَمَا قلت
وَأخرج خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان الاطرابلسي فِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله ذمّ النَّاس كلهم ومدح أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن قَالَ: مَا دخلني اشفاق من شَيْء وَلَا دخلني فِي الدّين وَحْشَة إِلَى أحد بعد لَيْلَة الْغَار فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رأى اشفاقي عَلَيْهِ وعَلى الدّين قَالَ لي هوّن عَلَيْك فَإِن الله قد قضى لهَذَا الْأَمر بالنصر والتمام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عَاتب الله

(4/199)


الْمُسلمين جَمِيعًا فِي نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَحده فَإِنَّهُ خرج من المعاتبة ثمَّ قَرَأَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} الْآيَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد عَاتب الله جَمِيع أهل الأَرْض فَقَالَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن يحيى قَالَ: أَخْبرنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ: قَالَ شَاب من أَبنَاء الصَّحَابَة فِي مجْلِس فِيهِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق: وَالله مَا كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من موطن إِلَّا وَأبي فِيهِ مَعَه
قَالَ: يَا ابْن أخي لَا تحلف
قَالَ: هلمَّ
قَالَ: بلَى مَا لَا ترده قَالَ الله {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فَرَأَيْت آثَار الْمُشْركين فَقلت: يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم رفع قدمه لَأَبْصَرنَا تَحت قدمه
فَقَالَ: يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
انهما لما انتهيا إِلَى الْغَار إِذا جُحر فالقمه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ رجلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن كَانَت لدغة أَو لسعة كَانَت فيَّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَت لَيْلَة الْغَار قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله دَعْنِي فلأدخل قبلك فَإِن كانْت حَيَّة أَو شَيْء كَانَت فيَّ قبلك
قَالَ ادخل
فَدخل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَجعل يلمس بيدَيْهِ فَكلما رأى جحراً قَالَ بِثَوْبِهِ فشقه ثمَّ ألقمه الْجُحر حَتَّى فعل ذَلِك بِثَوْبِهِ أجمع وَبَقِي جُحر فَوضع عَلَيْهِ عقبه وَقَالَ: أَدخل
فَلَمَّا أصبح قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَيْنَ ثَوْبك فَأخْبرهُ بِالَّذِي صنع فَرفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهمَّ اجْعَل أَبَا بكر معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن الله قد اسْتَجَابَ لَك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جُنْدُب بن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما انْطلق أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْغَار قَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَا تدخل يَا رَسُول الله حَتَّى استبرئه
فَدخل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الْغَار
فَأصَاب يَده شَيْء فحعل يمسح الدَّم عَن أُصْبُعه وَهُوَ يَقُول:

(4/200)


هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جعدة بن هُبَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَو رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ صعدنا الْغَار فَأَما قدما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفطرتا دَمًا وَأما قَدَمَايَ فعادتا كَأَنَّهُمَا صَفْوَان
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتعوّد الحفية
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مُصعب قَالَ: أدْركْت أنس بن مَالك وَزيد بن أَرقم والمغيرة بن شُعْبَة فَسَمِعتهمْ يتحدثون أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْغَار أَمر الله شَجَرَة فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي فَسترته وَأمر الله العنكبوت فَنسجَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل فتيَان قُرَيْش من كل بطن رجل بِعِصِيِّهِمْ وأسيافهم وهراويهم حَتَّى إِذا كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدر أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فَنزل بَعضهم فَنظر فِي الْغَار فَرجع إِلَى أَصْحَابه فَقَالُوا: مَا لَك لم تنظر فِي الْغَار فَقَالَ: رَأَيْت حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَعرفت أَن لَيْسَ فِيهِ أحد
فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ فَعرف أَن الله دَرأ عَنهُ بهما فَسَمت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِنَّ وَفرض جزاءهن وانحدرن فِي الْحرم فَأخْرج ذَلِك الزَّوْج كل شَيْء فِي الْحرم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَبُو بكر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فعطش فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ إِلَى صدر الْغَار فَاشْرَبْ
فَانْطَلق أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى صدر الْغَار فَشرب مِنْهُ مَاء أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن وأزكى رَائِحَة من الْمسك ثمَّ عَاد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أَمر الْملك الْمُوكل بأنهار الْجنَّة أَن خرق نَهرا من جنَّة الفردوس إِلَى صدر الْغَار لتشرب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره لقد عوتب أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نصرته إِلَّا أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِن الله تَعَالَى {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار} خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَالله من المعتبة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَالم بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَ من أهل الصّفة - قَالَ: أَخذ عمر بيد أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: من لَهُ هَذِه الثَّلَاث
(إِذْ يَقُول لصَاحبه) من صَاحبه (إِذْ هما فِي الْغَار) من هما (لَا تحزن إِن الله مَعنا)

(4/201)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن أَبِيه أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَيّكُم يقْرَأ سُورَة التَّوْبَة قَالَ: رجل: أَنا
قَالَ: اقْرَأ
فَلَمَّا بلغ {إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن} بَكَى وَقَالَ: وَالله أَنا صَاحبه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ صَاحبه أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ والغار جبل بِمَكَّة يُقَال لَهُ ثَوْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر أخي وصاحبي فِي الْغَار فاعرفوا ذَلِك لَهُ فَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لَا تخذت أَبَا بكر خَلِيلًا سدوا كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر
وَأخرج ابْن مردوية عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو اتَّخذت خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن أخي وصاحبي فِي الْغَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ هما فِي الْغَار} قَالَ: الْغَار الَّذِي فِي الْجَبَل الَّذِي يُسمى ثوراً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: رَأَيْت قوما يصعدون حراء فَقلت: مَا يلْتَمس هَؤُلَاءِ فِي حراء فَقَالُوا: الْغَار الَّذِي اخْتَبَأَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: مَا اخْتَبَأَ فِي حراء إِنَّمَا اخْتَبَأَ فِي ثَوْر وَمَا كَانَ أحد يعلم مَكَان ذَلِك الْغَار إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَأَسْمَاء بنت أبي بكر فَإِنَّهُمَا كَانَا يَخْتَلِفَانِ إِلَيْهِمَا وعامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ إِذا سرح غنمه مر بهما فَحلبَ لَهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مكث أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار ثَلَاثًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: لم أَعقل أبويَّ قطّ إِلَّا وهما يدينان الدّين وَلم يمر علينا يَوْم إِلَّا يأتينا فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرفِي النَّهَار بكرَة وَعَشِيَّة وَلما ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مُهَاجرا قبل أَرض الْحَبَشَة حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد لقِيه ابْن الدغنة وَسيد القارة فَقَالَ ابْن الدغنة: أَيْن تُرِيدُ يَا أَبَا بكر فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أخرجني قومِي فَأُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض فأعبد رَبِّي
قَالَ ابْن الدغنة: فَإِن مثلك يَا أَبَا بكر لَا يخرج وَلَا يخرج إِنَّك تكسب الْمَعْدُوم

(4/202)


وَتصل الرَّحِم وَتحمل الْكل وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق فَأَنا لَك جَار
فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدغنة وأمنوا أَبَا بكر وَقَالُوا لِابْنِ الدغنة: مر أَبَا بكر فليعبد ربه فِي دَاره وَليصل فِيهَا مَا شَاءَ وليقرأ مَا شَاءَ وَلَا يؤذينا وَلَا يشتغلن بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة فِي غير دَاره
فَفعل ثمَّ بدا لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيقْرَأ فيتقصف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناؤهم يعْجبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله رجلا بكاء لَا يملك دمعه حِين يقْرَأ الْقُرْآن فأفزع ذَلِك أَشْرَاف قُرَيْش فأرسلوا إِلَى ابْن الدغنة فَقدم عَلَيْهِم فَقَالُوا: إنَّا أجرنا أَبَا بكر على أَن يعبد ربه فِي دَاره وَإنَّهُ جَاوز ذَلِك فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره وأعلن الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة وَإِنَّا خشينا أَن يفتن نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَإِن أحب أَن يقْتَصر أَن يعبد ربه فِي دَاره فعل وَإِن أَبى إِلَّا أَن يعلن ذَلِك فسله أَن يرد إِلَيْك ذِمَّتك فإنَّا قد كرهنا أَن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان
فَأتى ابْن الدغنة أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بكر قد علمت الَّذِي عقدت لَك عَلَيْهِ فَأَما أَن تقتصر على ذَلِك وَإِمَّا أَن ترد إِلَيّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أحب أَن تسمع الْعَرَب أَنِّي خفرت فِي عقد رجل عقدت لَهُ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَإِنِّي أرد إِلَيْك جوارك وأرضى بجوار الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ بِمَكَّة - قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُسلمين قد أريت دَار هجرتكم رَأَيْت سبخَة ذَات نخل بَين لابتين وهما حرتان فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة حِين ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعض من كَانَ هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة من الْمُسلمين وتجهز أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مُهَاجرا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وترجو ذَلِك بِأبي أَنْت قَالَ: نعم
فحبس أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ نَفسه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصحبته وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده ورق السمر أَرْبَعَة أشهر
فَبَيْنَمَا نَحن جُلُوس فِي بيتنا فِي نحر الظهيرة قَالَ قَائِل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقبلا فِي سَاعَة لم يكن يأتينا فِيهَا فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فدَاه أبي وَأمي إِن جَاءَ بِهِ فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا أَمر فجَاء رَسُول الله فَاسْتَأْذن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهُ فَدخل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ أخرج من عنْدك
فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّمَا هم أهلك بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(4/203)


فَإِنَّهُ قد أذن لي بِالْخرُوجِ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فالصحابة بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَخذ بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله إِحْدَى رَاحِلَتي هَاتين
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِالثّمن
فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فجهزناهما أحسن الجهاز فصنعنا لَهما سفرة من جراب فَقطعت أَسمَاء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت بِهِ الجراب - فَلذَلِك كَانَت تسمى ذَات النطاقين - وَلحق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل يُقَال لَهُ ثَوْر فمكثا فِيهِ ثَلَاث لَيَال يبيت عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر وَهُوَ غُلَام شَاب لقن ثقف فَيخرج من عِنْدهمَا سحرًا فَيُصْبِح مَعَ قُرَيْش بِمَكَّة كبائت فَلَا يسمع أَمر يكَاد أَن بِهِ إِلَّا وعاه حَتَّى يأتيهما بِخَبَر ذَلِك حِين يخْتَلط الظلام ويرعى عَلَيْهِمَا عَامر بن فهَيْرَة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عَلَيْهِمَا حِين يذهب بِغَلَس سَاعَة من اللَّيْل فيبيتان فِي رسلهما حَتَّى ينعق بهما عَامر بن فهَيْرَة بِغَلَس يفعل ذَلِك كل لَيْلَة من تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاث
واستأجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من بني الديل ثمَّ من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يَمِين حلف فِي آل الْعَاصِ بن وَائِل وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش فأمناه فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما وواعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال فأتاهما براحلتيهما صَبِيحَة ثَلَاث لَيَال فارتحلا فانطل مَعَهُمَا عَامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر وَالدَّلِيل الديلِي فَأخذ بهم طَرِيقا آخر وَهُوَ طَرِيق السَّاحِل قَالَ الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن مَالك المدلجي وَهُوَ ابْن أخي سراقَة بن حعشم: إِن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع سراقَة يَقُول: جاءتنا رسل كفار قُرَيْش يجْعَلُونَ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر رَضِي الله عَنهُ دِيَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لمن قَتلهمَا أَو أسرهما
فَبَيْنَمَا أَنا جَالس فِي مجْلِس من مجَالِس قومِي بني مُدْلِج أقبل رجل مِنْهُم حَتَّى قَامَ علينا فَقَالَ: يَا سراقَة إِنِّي رَأَيْت آنِفا أَسْوِدَة بالسَّاحل لَا أَرَاهَا إِلَّا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه قَالَ سراقَة: فَعرفت أَنهم هم
فَقلت: إِنَّهُم لَيْسُوا بهم وَلَكِن رَأَيْت فلَانا وَفُلَانًا انْطَلقُوا ثمَّ لَبِثت فِي الْمجْلس حَتَّى قُمْت فَدخلت بَيْتِي وَأمرت جاريتي أَن تخرج لي فرسي وَهِي من وَرَاء أكمة فتحبسها عَليّ وَأخذت رُمْحِي فَخرجت بِهِ من ظهر الْبَيْت فخططت برمحي الأَرْض وخفضت عالية الرمْح حَتَّى أتيت فرسي فركبتها ودفعتها تقرب بِي حَتَّى رَأَيْت أسودتهما فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُم حَيْثُ يسمعهم الصَّوْت

(4/204)


عثرت بِي فرسي فَخَرَرْت عَنْهَا فَقُمْت فَأَهْوَيْت بيَدي إِلَى كِنَانَتِي فاستخرجت مِنْهَا الأزلام فاستقسمت بهَا أضرهم أم لَا فَخرج الَّذِي أكره أَن لَا أضرهم فركبت فرسي وعصيت الأزلام حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يكثر الِالْتِفَات ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض حَتَّى بلغت الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا فجررتها فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يداها فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا عثان سَاطِع فِي السَّمَاء من الدُّخان فاستقسمت بالأزلام فَخرج الَّذِي أكره أَن لَا أضرهم فناديتهم بالأمان فَوقف وَركبت فرسي حَتَّى جئتهم وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُم أَنه سَيظْهر أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ: إِن قَوْمك قد جعلُوا فِيك الدِّيَة وَأَخْبَرتهمْ من أَخْبَار سفرهم وَمَا يُرِيد النَّاس بهم وَعرضت عَلَيْهِم الزَّاد وَالْمَتَاع فَلم يرزآني شَيْئا وَلم يسألاني إِلَّا أَن أخف عَنَّا فَسَأَلته أَن يكْتب لي كتابا موادعة آمن بِهِ فَأمر عَامر بن فهَيْرَة فَكتب لي فِي رقْعَة من أَدِيم ثمَّ مضى
قَالَ الزُّهْرِيّ: وَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَنه لَقِي الزبير وركبا من الْمُسلمين كَانُوا تجارًا بِالشَّام قابلين إِلَى مَكَّة فعرفوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر فكساهم ثِيَاب بيض وَسمع الْمُسلمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِخُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانُوا يَغْدُونَ كل غَدَاة إِلَى الْحرَّة فينتظرونه حَتَّى يؤذيهم حر الظهيرة فانقلبوا يَوْمًا بَعْدَمَا أطالوا انْتِظَاره فَلَمَّا أووا إِلَى بُيُوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إِلَيْهِ فَبَصر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مبيضين يَزُول بهم السراب فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا معشر الْعَرَب هَذَا جدكم الَّذِي تنتظرون
فثار الْمُسلمُونَ إِلَى السِّلَاح فتلقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَوْهُ بِظهْر الْحرَّة فَعدل بهم ذَات الْيَمين حَتَّى نزل فِي بني عَمْرو بن عَوْف بقباء وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يذكر النَّاس وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صامتا وطفق من جَاءَ من الْأَنْصَار مِمَّن لم يكن رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحسبه أَبَا بكر حَتَّى أَصَابَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّمْس فَأقبل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى ظلل عَلَيْهِ برادئه فَعرف النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك
فَلبث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني عَمْرو بن عَوْف بضع عشرَة لَيْلَة وابتنى الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى وَصلى فِيهِ ثمَّ ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته فَسَار وَمَشى النَّاس حَتَّى بَركت بِهِ عِنْد مَسْجِد رَسُول الله بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمئِذٍ رجال من الْمُسلمين وَكَانَ مربدا للتمر لسهل وَسُهيْل غلامين يتمين أَخَوَيْنِ فِي حجر أبي

(4/205)


أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة من بني النجار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَركت بِهِ رَاحِلَته هَذَا الْمنزل إِن شَاءَ الله ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغلامين فساومهما بالمربد يَتَّخِذهُ مَسْجِدا
فَقَالَا: لَا بل نهبه لَك يَا رَسُول الله
فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقبله مِنْهُمَا حَتَّى ابتاعه مِنْهُمَا وبناه مَسْجِدا وطفق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعَهم اللَّبن فِي بنائِهِ وَهُوَ يَقُول: هَذَا الْجمال لَا جمال خَيْبَر هَذَا أبر رَبنَا وأطهر إِن الْأجر أجر الْآخِرَة فَارْحَمْ الْأَنْصَار والمهاجرة ويتمثل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشعر رجل من الْمُسلمين لم يسم لي قَالَ ابْن شهَاب: وَلم يبلغنِي فِي الْأَحَادِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمثل بِبَيْت من الشّعْر تَاما غير هَؤُلَاءِ الأبيات وَلَكِن يرجزهم لبِنَاء الْمَسْجِد
فَلَمَّا قَاتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفار قُرَيْش حَالَتْ الْحَرْب بَين مُهَاجِرِي أَرض الْحَبَشَة وَبَين الْقدوم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لقوه بِالْمَدِينَةِ زمن الخَنْدَق فَكَانَت أَسمَاء بنت عُمَيْس تحدث: أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يعيرهم بالمكث فِي أَرض الْحَبَشَة فَذكرت ذَلِك أَسمَاء لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله: لَسْتُم كَذَلِك وَكَانَت أول آيَة أنزلت فِي الْقِتَال (أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا) (الْحَج آيَة 39) حَتَّى بلغ (لقوي عَزِيز)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ يردف أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ شيخ يعرف وَالنَّبِيّ لَا يعرف فَكَانُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا بكر من هَذَا الْغُلَام بَين يَديك فَيَقُول: هاد يهديني السَّبِيل
قَالَ: فَلَمَّا دنونا من الْمَدِينَة نزلنَا الْحرَّة وَبعث إِلَى الْأَنْصَار فَجَاءُوا قَالَ: فشهدته يَوْم دخل الْمَدِينَة فَمَا رَأَيْت يَوْمًا كَانَ أحسن مِنْهُ وَمَا رَأَيْت يَوْمًا كَانَ أقبح وَلَا أظلم من يَوْم مَاتَ فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/206)


وَأخرج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن كثير بن فرقد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَتَى براحلة أبي بكر فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يركب ويردفه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل أَنْت رَاكب وأردفك أَنا فَإِن الرجل أَحَق بصدر دَابَّته فَلَمَّا خرجا لقيا فِي الطَّرِيق سراقَة بن جعْشم - وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا يكذب - فَسَأَلَهُ من الرجل قَالَ: بَاغ
قَالَ: فَمَا الَّذِي وَرَاءَك قَالَ: هاد
قَالَ: أحسست مُحَمَّدًا قَالَ: هُوَ ورائي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ} قَالَ: على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تزل السكينَة مَعَه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر غَار حراء فَقَالَ أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن أحدهم يبصر موقع قدمه لأبصرني وَإِيَّاك
فَقَالَ مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما يَا أَبَا بكر إِن الله أنزل سكينته عَلَيْك وأيدني بِجُنُود لم تَرَوْهَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن حبيب بن أبي ثَابت رَضِي الله عَنهُ {فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ} قَالَ: على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَأَما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد كَانَت عَلَيْهِ السكينَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى} قَالَ: هِيَ الشّرك {وَكلمَة الله هِيَ الْعليا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج البخاريي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الرجل يُقَاتل شجاعة وَيُقَاتل حمية وَيُقَاتل رِيَاء فَأَي ذَلِك فِي سَبِيل الله قَالَ من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله تَعَالَى

(4/207)


الْآيَة 41

(4/208)


انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)

وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الضُّحَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول مَا نزل من بَرَاءَة {انفروا خفافاً وثقالاً} ثمَّ نزل أَولهَا وَآخِرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول شَيْء نزل من بَرَاءَة {انفروا خفافاً وثقالاً} ثمَّ نزل أَولهَا وَآخِرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول شَيْء نزل من بَرَاءَة {انفروا خفافاً وثقالاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: نشاطاً وَغير نشاط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم فِي قَوْله {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: مشاغيل وَغير مشاغيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: فِي الْعسر واليسر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خفافاً وثقالاً} قَالَ: فتياناً وكهولاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {خفافاً وثقالاً} قَالَ: شبَابًا وشيوخاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا: إِن فِينَا الثقيل وَذَا الْحَاجة والصنعة والشغل والمنتشر بِهِ أمره فِي ذَلِك فَأنْزل الله {انفروا خفافاً وثقالاً} وأبى أَن يعذرهم دون أَن ينفروا خفافاً وثقالاً وعَلى مَا كَانَ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل زَعَمُوا أَنه الْمِقْدَاد وَكَانَ عَظِيما سميناً فَشَكا إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَن يَأْذَن لَهُ فَأبى فَنزلت يَوْمئِذٍ فِيهِ {انفروا خفافاً وثقالاً} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اشْتَدَّ على النَّاس شَأْنهَا فنسخها الله فَقَالَ (لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى) (التَّوْبَة آيَة 91) الْآيَة

(4/208)


وَأخرج ابْن جرير عَن حضرمي قَالَ: ذكر لنا أَن أُنَاسًا كَانُوا عَسى أَن يكون أحدهم عليلا أَو كَبِير فَيَقُول: إِنِّي لَا آثم فَأنْزل الله {انفروا خفافاً وثقالاً} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك
أَنا أَبَا طَلْحَة قَرَأَ سُورَة بَرَاءَة فَأتى على هَذِه الْآيَة {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: أرى رَبنَا يستنفرنا شُيُوخًا وشباباً
وَفِي لفظ فَقَالَ: مَا أسمع الله عذر أحد أجهزوني
قَالَ بنوه: يَرْحَمك الله تَعَالَى قد غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَ وغزوت مَعَ أبي بكر حَتَّى مَاتَ وغزوت مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى مَاتَ فَنحْن نغزو عَنْك
فَأبى فَركب الْبَحْر فَمَاتَ فَلم يَجدوا لَهُ جَزِيرَة يدفنونه فِيهَا إِلَّا بعد تِسْعَة أَيَّام فَلم يتَغَيَّر فدفنوه فِيهَا
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: شهد أَبُو أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ بَدْرًا ثمَّ لم يتَخَلَّف عَن غَزْوَة للْمُسلمين إِلَّا عَاما وَاحِدًا وَكَانَ يَقُول: قَالَ الله {انفروا خفافاً وثقالاً} فَلَا أجدني إِلَّا خَفِيفا وثقيلاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي رَاشد الحبراني قَالَ: رَأَيْت الْمِقْدَاد فَارس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحمص يُرِيد الْغَزْو فَقلت: لقد أعذر الله تَعَالَى إِلَيْك
قَالَ: ابت علينا سُورَة التحوب {انفروا خفافاً وثقالاً} يَعْنِي سُورَة التَّوْبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي يزِيد الْمَدِينِيّ قَالَ: كَانَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ والمقداد بن الْأسود يَقُولَانِ: أمرنَا أَن تنفر على كل حَال ويتأوّلان قَوْله تَعَالَى {انفروا خفافاً وثقالاً}

الْآيَة 42

(4/209)


لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: الا تغزو بني الْأَصْفَر لَعَلَّك أَن تصيب ابْنة عَظِيم الرّوم فَقَالَ رجلَانِ: قد علمت يَا رَسُول الله أَن النِّسَاء فتْنَة فَلَا تفتنا بِهن فأْذَن لنا
فَأذن لَهما فَلَمَّا انْطَلقَا قَالَ أَحدهمَا: إِن هُوَ الأشحمة لأوّل آكل فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينزل عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق نزل عَلَيْهِ وَهُوَ على بعض الْمِيَاه {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا وسفراً قَاصِدا لاتبعوك} وَنزل عَلَيْهِ (عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم) (التَّوْبَة 43) وَنزل عَلَيْهِ (لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) (التَّوْبَة 43) وَنزل عَلَيْهِم (إِنَّهُم رِجْس ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (التَّوْبَة 95)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا} قَالَ: غنيمَة قريبَة {وَلَكِن بَعدت عَلَيْهِم الشقة} قَالَ: الْمسير
وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا} يَقُول: دنيا يطلبونها {وسفراً قَاصِدا} يَقُول: قَرِيبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالله يعلم إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} قَالَ: لقد كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج وَلَكِن كَانَ تبطئة من عِنْد أنفسهم وزهادة فِي الْجِهَاد

الْآيَة 43

(4/210)


عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)

أخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اثْنَتَانِ فعلهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُؤمر فيهمَا بِشَيْء إِذْنه لِلْمُنَافِقين وَأَخذه من الْأُسَارَى فَأنْزل الله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُورق الْعجلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُمْ بمعاتبة أحسن من هَذَا بَدَأَ بِالْعَفو قبل المعاتبة فَقَالَ {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم}

(4/210)


قَالَ: نَاس قَالُوا: اسْتَأْذنُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن أذن لكم فاقعدوا وَإِن لم يَأْذَن لكم فاقعدوا
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَات الثَّلَاث
قَالَ: نسختها (فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم) (سُورَة النُّور 62)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَة
قَالَ: ثمَّ أنزل الله بعد ذَلِك فِي سُورَة النُّور (فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم)

الْآيَات 44 - 45

(4/211)


لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الْآيَتَيْنِ
قَالَ: هَذَا تَفْسِير لِلْمُنَافِقين حِين اسْتَأْذنُوا فِي الْقعُود عَن الْجِهَاد بِغَيْر عذر وَعذر الله الْمُؤمنِينَ فَقَالَ (فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَتَيْنِ
قَالَ: نسختها الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النُّور (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِي آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله) (سُورَة النُّور 62) إِلَى (إِن الله غَفُور رَحِيم) فَجعل الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى النظرين فِي ذَلِك من غزا غزا فِي فَضِيلَة وَمن قعد قعد فِي غير حرج إِن شَاءَ الله

(4/211)


الْآيَات 46 - 48

(4/212)


وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَكِن كره الله انبعاثهم} قَالَ: خُرُوجهمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَثَبَّطَهُمْ} قَالَ: حَبسهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالاً} قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ فِي غَزْوَة تَبُوك سَأَلَ الله عَنْهَا نبيه وَالْمُؤمنِينَ فَقَالَ: مَا يحزنكم {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالاً} يَقُول: جمع لكم وَفعل وَفعل يخذلونكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولأوضعوا خلالكم} قَالَ: لأسرعوا بَيْنكُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ولأوضعوا خلالكم} قَالَ: لارفضوا {يبغونكم الْفِتْنَة} قَالَ: يبطئنكم عبد الله بن نَبْتَل وَعبد الله بن أُبي بن سلول وَرِفَاعَة بن تَابُوت وَأَوْس بن قيظي {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} قَالَ: محدثون بأحاديثهم غير منافقين هم عُيُون لِلْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} قَالَ: مبلغون
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كَانَ عبد الله بن أبي وَعبد الله بن نَبْتَل وَرِفَاعَة بن زيد بن تَابُوت من عُظَمَاء الْمُنَافِقين وَكَانُوا مِمَّن يكيد

(4/212)


الإِسلام وَأَهله وَفِيهِمْ أنزل الله تَعَالَى {لقد ابْتَغوا الْفِتْنَة من قبل وقلبوا لَك الْأُمُور} إِلَى آخر الْآيَة

الْآيَة 49

(4/213)


وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرج إِلَى غَزْوَة تَبُوك قَالَ لجد بن قيس: مَا تَقول فِي مجاهدة بني الْأَصْفَر فَقَالَ: إِنِّي أخْشَى إِن رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن أفتن فائذن لي وَلَا تفتني فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لجد بن قيس: يَا جد هَل لَك فِي جلاد بني الْأَصْفَر قَالَ جد: أتأذن لي يَا رَسُول الله فَإِنِّي رجل أحب النِّسَاء وَإِنِّي أخْشَى إِن أَنا رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن افْتتن
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ معرض عَنهُ: قد أَذِنت لَك
فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اغزوا تغنموا بَنَات بني الْأَصْفَر
فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِنَّه ليفتنكم بِالنسَاء
فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} قَالَ: نزلت فِي الْجد بن قيس قَالَ: يَا مُحَمَّد ائْذَنْ لي وَلَا تفتني بنساء بني الْأَصْفَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغزوا تَبُوك تغنموا بَنَات الْأَصْفَر نسَاء الرّوم
فَقَالُوا: ائْذَنْ لنا وَلَا تفتنا بِالنسَاء
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيقه عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله بن أبي بكر بن حزم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما كَانَ يخرج فِي وَجه من مغازيه إِلَّا أظهر أَنه يُرِيد غَيره غير أَنه فِي غَزْوَة تَبُوك قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنِّي أُرِيد الرّوم فاعلمهم وَذَلِكَ فِي زمَان الْبَأْس وَشدَّة من الْحر وجدب الْبِلَاد وَحين

(4/213)


طابت الثِّمَار وَالنَّاس يحبونَ الْمقَام فِي ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عَنْهَا فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فِي جهازه إِذْ قَالَ للْجدّ بن قيس: يَا جد هَل لَك فِي بَنَات بني الْأَصْفَر قَالَ: يَا رَسُول الله لقد علم قومِي أَنه لَيْسَ أحد أَشد عجبا بِالنسَاء مني وَإِنِّي أَخَاف إِن رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن يفتنني فَأْذن لي يَا رَسُول الله
فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: قد أَذِنت
فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} يَقُول: مَا وَقع فِيهِ من الْفِتْنَة بتخلفه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورغبته بِنَفسِهِ عَن نَفسه أعظم مِمَّا يخَاف من فتْنَة نسَاء بني الْأَصْفَر {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} يَقُول: من وَرَائه
وَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين (لَا تنفرُوا فِي الْحر) فَأنْزل الله (قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ) (التَّوْبَة الْآيَة 81) قَالَ: ثمَّ إِن رَسُول الله جدَّ فِي سَفَره وَأمر النَّاس بالجهاز وحض أهل الْغنى على النَّفَقَة والحملان فِي سَبِيل الله فَحمل رجال من أهل الْغنى واحتسبوا وَأنْفق عُثْمَان رَضِي عَنهُ فِي ذَلِك نَفَقَة عَظِيمَة لم ينْفق أحد أعظم مِنْهَا وَحمل على مِائَتي بعير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة قَالَا ثمَّ إِن رَسُول الله تجهز غازياً يُرِيد الشَّام فَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ وَأمرهمْ بِهِ وَكَانَ ذَلِك فِي حر شَدِيد ليَالِي الخريف وَالنَّاس فِي نخيلهم خارفون فَأَبْطَأَ عَنهُ نَاس كثير وَقَالُوا: الرّوم لَا طَاقَة بهم
فَخرج أهل الْحسب وتخلف المُنَافِقُونَ وَحَدثُوا أنفسهم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرجع إِلَيْهِم أبدا فَاعْتَلُّوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عَنهُ رجال من الْمُسلمين بِأَمْر كَانَ لَهُم فِيهِ عذر مِنْهُم السقيم والمعسر وَجَاء سِتَّة نفر كلهم مُعسر يستحملونه لَا يحبونَ التَّخَلُّف عَنهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أَن لَا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ مِنْهُم من بني سَلمَة عمر بن غنمة وَمن بني مَازِن ابْن النجار أَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن بني حَارِث علية بن زيد وَمن بني عَمْرو بن عَوْف بن سَالم بن عُمَيْر وهرم بن عبد الله وهم يدعونَ بني الْبكاء وَعبد الله بن عمر وَرجل من بني مزينة فَهَؤُلَاءِ الَّذين بكوا واطلع الله عز وَجل أَنهم يحبونَ الْجِهَاد وَأَنه الْجد من أنفسهم فعذرهم فِي الْقُرْآن فَقَالَ (لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى وَلَا على الَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ حرج إِذا نصحوا لله وَرَسُوله) (التَّوْبَة الْآيَة 91) الْآيَة والآيتين بعْدهَا

(4/214)


وَأَتَاهُ الْجد بن قيس السّلمِيّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد مَعَه نفر فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِي الْقعُود فَإِنِّي ذُو ضَيْعَة وَعلة فِيهَا عذر لي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تجهز فَإنَّك مُوسر لَعَلَّك ان تحقب بعض بَنَات بني الْأَصْفَر
فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي وَلَا تفتني
فَنزلت {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} وَخمْس آيَات مَعهَا يتبع بَعْضهَا بَعْضًا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه كَانَ فِيمَن تخلف عَنهُ غنمة بن وَدِيعَة من بني عَمْرو بن عَوْف فَقيل: مَا خَلفك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت مُسلم فَقَالَ: الْخَوْض واللعب
فَأنْزل الله عز وَجل فِيهِ وفيمن تخلف من الْمُنَافِقين (وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب) (التَّوْبَة الْآيَة 65) ثَلَاث آيَات مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَغْزُو تَبُوك قَالَ نغزو الرّوم إِن شَاءَ الله وَنصِيب بَنَات بني الْأَصْفَر - كَانَ يذكر من حسنهنَّ ليرغب الْمُسلمُونَ فِي الْجِهَاد - فَقَامَ رجل من الْمُنَافِقين فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد علمت حبي للنِّسَاء فائذن لي وَلَا تخرجني فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تفتني} قَالَ: لَا تخرجني {أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} يَعْنِي فِي الْحَرج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تفتني} قَالَ: لَا تؤثمني {أَلا فِي الْفِتْنَة} قَالَ: أَلا فِي الْإِثْم سقطوا

الْآيَة 50

(4/215)


إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: جعل المُنَافِقُونَ الَّذين تخلفوا بِالْمَدِينَةِ يخبرون عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبَار السوء يَقُولُونَ: إِن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه قد جهدوا فِي سفرهم وهلكوا فَبَلغهُمْ تَكْذِيب حَدِيثهمْ وعافية النَّبِي وَأَصْحَابه فساءهم ذَلِك فَأنْزل الله تَعَالَى {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} الْآيَة
وَأخرج سنيد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} يَقُول: إِن تصبك فِي سفرك هَذَا لغزوة تَبُوك {حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: الْجد وَأَصْحَابه

(4/215)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: الْعَافِيَة والرخاء وَالْغنيمَة {وَإِن تصبك مُصِيبَة} قَالَ: الْبلَاء والشدة {يَقُولُوا قد أَخذنَا أمرنَا من قبل} قد حذرنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: ان أظفرك الله وردك سالما ساءهم ذَلِك {وَإِن تصبك مُصِيبَة يَقُولُوا قد أَخذنَا أمرنَا} فِي الْقعُود من قبل أَن تصيبهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: إِن كَانَ فتح للْمُسلمين كبر ذَلِك عَلَيْهِم وساءهم

الْآيَة 51

(4/216)


قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)

أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {قل لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا} قَالَ: إِلَّا مَا قضى الله لنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُسلم بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْكَلَام فِي الْقدر واديان عريضان يهْلك النَّاس فيهمَا لَا يدْرك عرضهما فاعمل عمل رجل يعلم أَنه لَا ينجيه إِلَّا عمله وتوكل توكل رجل يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مطرف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ لأحد أَن يصعد فَوق بَيت فيلقي نَفسه ثمَّ يَقُول: قدر لي
وَلَكِن نتقي ونحذر فَإِن أَصَابَنَا شَيْء علمنَا أَنه لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لكل شَيْء حَقِيقَة وَمَا بلغ عبد حَقِيقَة الإِيمان حَتَّى يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه

الْآيَة 52

(4/216)


قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} قَالَ: فتح أَو شَهَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} قَالَ: إِلَّا فتحا أَو قتلا فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ من طَرِيق سعد بن اسحق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن جده بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرَّوْحَاءِ إِذْ هَبَط عَلَيْهِ أَعْرَابِي من سرب فَقَالَ: من الْقَوْم وَأَيْنَ تُرِيدُونَ قَالَ: قوم بدوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَا لي أَرَاكُم بذة هيئتكم قَلِيلا سلاحكم قَالَ: نَنْتَظِر إِحْدَى الحسنيين إِمَّا أَن نقْتل فالجنة وَإِمَّا أَن نغلب فيجمعهما الله تَعَالَى لنا الظفر وَالْجنَّة
قَالَ: أَيْن نَبِيكُم قَالُوا: هَا هُوَ ذَا
فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِي الله لَيست لي مصلحَة آخذ مصلحي ثمَّ الْحق قَالَ اذْهَبْ إِلَى أهلك فَخذ مصلحتك فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَخرج الرجل إِلَى أَهله حَتَّى فرغ من حَاجته ثمَّ لحق بهم ببدر فَدخل فِي الصَّفّ مَعَهم فاقتتل النَّاس فَكَانَ فِيمَن اسْتشْهد فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن انتصر فَمر بَين ظهراني الشُّهَدَاء وَمَعَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: هَا يَا عمر إِنَّك تحب الحَدِيث وَإِن للشهداء سادة وأشرافاً وملوكاً وَإِن هَذَا يَا عمر مِنْهُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَنحن نتربص بكم أَن يُصِيبكُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بِأَيْدِينَا} قَالَ: الْقَتْل بِالسُّيُوفِ

الْآيَات 53 - 54

(4/217)


قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الْجد بن قيس: إِنِّي إِذا رَأَيْت النِّسَاء لم أَصْبِر حَتَّى افْتتن وَلَكِن أعينك بِمَالي
قَالَ: فَفِيهِ نزلت {قل أَنْفقُوا طَوْعًا أَو كرها لن يتَقَبَّل مِنْكُم} قَالَ: لقَوْله أعينك بِمَالي

(4/217)


الْآيَة 55

(4/218)


فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: بالمصائب فيهم هِيَ لَهُم عَذَاب وَلِلْمُؤْمنِينَ أجر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم} قَالَ: هَذِه من مقاديم الْكَلَام يَقُول: لَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} قَالَ: تزهق أنفسهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {وهم كافرون} قَالَ: هَذِه آيَة فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تعجبك} يَقُول: لَا يغررك {وتزهق} قَالَ: تخرج أنفسهم من الدُّنْيَا {وهم كافرون}

الْآيَات 56 - 57

(4/218)


وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويحلفون بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا يحلفُونَ بِاللَّه تقية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَو يَجدونَ ملْجأ} الْآيَة
قَالَ: الملجأ الْحِرْز فِي الْجبَال والغارات الغيران فِي الْجبَال والمدخل السرب

(4/218)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَو يَجدونَ ملْجأ أَو مغارات أَو مدخلًا} يَقُول: محرزا لَهُم يفرون إِلَيْهِ مِنْكُم {لولوا إِلَيْهِ} قَالَ: لفروا إِلَيْهِ مِنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم يجمحون} قَالَ: يسرعون

الْآيَات 58 - 59

(4/219)


وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)

وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم قسما إِذْ جَاءَهُ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُول الله
فَقَالَ: وَيلك وَمن الْعدْل إِذا لم أعدل فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَاضْرب عُنُقه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه فَإِن لَهُ أصحاباً يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية فَينْظر فِي قذذه فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر فِي نضيه فَلَا يرى فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر فِي رصافه فَلَا يرى فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر فِي نصله فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء قد سبق الفرث وَالدَّم آيَتهم رجل أسود إِحْدَى يَدَيْهِ - أَو قَالَ ثدييه - مثل ثدي الْمَرْأَة أَو مثل الْبضْعَة تدَرْدر يخرجُون على حِين فرقة من النَّاس قَالَ: فَنزلت فيهم {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} الْآيَة قَالَ أَبُو سعيد: أشهد أَنِّي سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأشْهد أَن عليا حِين قَتلهمْ وَأَنا مَعَه جِيءَ بِالرجلِ على النَّعْت الَّذِي نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} قَالَ: يطعن عَلَيْك

(4/219)


وَأخرج سنيد وَابْن جرير عَن دَاوُد بن أبي عَاصِم قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة فَقَسمهَا هَهُنَا وَهَهُنَا حَتَّى ذهبت وَرَآهُ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: مَا هَذَا بِالْعَدْلِ فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إياد بن لَقِيط
أَنه قَرَأَ / وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم ساخطون /
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَنَائِم حنين سَمِعت رجلا يَقُول: إِن هَذِه قسْمَة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ رَحْمَة الله على مُوسَى قد أؤذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر وَنزل {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات}

الْآيَة 60

(4/220)


إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ وَهُوَ يقسم قسما فَأَعْرض عَنهُ وَجعل يقسم قَالَ: أتعطي رعاء الشَّاء وَالله مَا عدلت
فَقَالَ: وَيحك

من يعدل إِذا أَنا لم أعدل فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَعْطِنِي من الصَّدَقَة
فَقَالَ: إِن الله لم يرض بِحكم نَبِي وَلَا غَيره فِي الصَّدقَات حَتَّى حكم هُوَ فِيهَا فجزأها ثَمَانِيَة أَجزَاء فَإِن كنت من تِلْكَ الْأَجْزَاء أَعطيتك حَقك
وَأخرج ابْن سعد عَن زِيَاد بن الْحَرْث الصدائي قَالَ: بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَ قوم يَشكونَ عاملهم ثمَّ قَالُوا: يَا رَسُول الله آخذنا بِشَيْء كَانَ بَيْننَا وَبَينه فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا خير لِلْمُؤمنِ فِي الإِمارة ثمَّ قَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَعْطِنِي من الصَّدَقَة
فَقَالَ: إِن الله لم يكِل قسمهَا إِلَى ملك مقرب وَلَا

(4/220)


نَبِي مُرْسل حَتَّى أجزأها ثَمَانِيَة أَجزَاء فَإِن كنت جزأ مِنْهَا أَعطيتك وَإِن كنت غَنِيا عَنْهَا فَإِنَّمَا هِيَ صداع فِي الرَّأْس وداء فِي الْبَطن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُوسَى بن يزِيد الْكِنْدِيّ قَالَ: كَانَ ابْن مَسْعُود يقرئ رجلا فَقَرَأَ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} مُرْسلَة فَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا هَكَذَا أَقْرَأَنيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: وَكَيف أقرأكها قَالَ: أَقْرَأَنيهَا {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} فَمدَّهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخت هَذِه الْآيَة كل صَدَقَة فِي الْقُرْآن قَوْله (وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل) (الْإِسْرَاء الْآيَة 26) وَقَوله (إِن تبدوا الصَّدقَات) (الْبَقَرَة الْآيَة 271) وَقَوله (وَفِي أَمْوَالهم حق للسَّائِل والمحروم) (الذاريات الْآيَة 19)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا هَذَا شَيْء أعلمهُ الله إِيَّاه لَهُم فأيما أَعْطَيْت صنفا مِنْهَا أجزاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة
قَالَ: إِن شِئْت جَعلتهَا فِي صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الَّذين سمى الله أَو صنفين أَو ثَلَاثَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لَا بَأْس أَن تجعلها فِي صنف وَاحِد مِمَّا قَالَ الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَعَطَاء وَإِبْرَاهِيم وَسَعِيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والنحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْفُقَرَاء فُقَرَاء الْمُسلمين وَالْمَسَاكِين الطوّافون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: الْفَقِير الَّذِي بِهِ زمانة والمسكين الْمُحْتَاج الَّذِي لَيْسَ بِهِ زمانة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب
أَنه مرَّ بِرَجُل من أهل الْكتاب مطروح على بَاب فَقَالَ: استكدوني وَأخذُوا مني الْجِزْيَة حَتَّى كف

(4/221)


بَصرِي فَلَيْسَ أحد يعود عليَّ بِشَيْء
فَقَالَ عمر: مَا أنصفنا إِذا ثمَّ قَالَ: هَذَا من الَّذين قَالَ الله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} ثمَّ أَمر لَهُ أَن يرْزق وَيجْرِي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر فِي قَوْله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} قَالَ: هم زَمْنى أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: لَا يُعْطي الْمُشْركُونَ من الزَّكَاة وَلَا من شَيْء من الْكَفَّارَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: لَيْسَ بفقير من جمع الدِّرْهَم إِلَى الدِّرْهَم وَلَا التمرة إِلَى التمرة إِنَّمَا الْفَقِير من انقى ثَوْبه وَنَفسه لَا يقدر على غنى (يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف) (الْبَقَرَة الْآيَة 273)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن زيد قَالَ: الْفُقَرَاء المتعففون وَالْمَسَاكِين الَّذين يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: الْفُقَرَاء الَّذين فِي بُيُوتهم وَلَا يسْأَلُون وَالْمَسَاكِين الَّذِي يخرجُون فَيسْأَلُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الْفَقِير الرجل يكون فَقِيرا وَهُوَ بَين ظَهْري قومه وعشيرته وَذَوي قرَابَته وَلَيْسَ لَهُ مَال والمسكين الَّذِي لَا عشيرة لَهُ وَلَا قرَابَة وَلَا رحم وَلَيْسَ لَهُ مَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: الْفُقَرَاء الَّذين هَاجرُوا وَالْمَسَاكِين الَّذين لم يهاجروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: يُعْطي من الزَّكَاة من لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وَالْفرس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا لَا يمْنَعُونَ الزَّكَاة من لَهُ الْبَيْت وَالْخَادِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والعاملين عَلَيْهَا} قَالَ: السعاة أَصْحَاب الصَّدَقَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُعْطي كل عَامل بِقدر عمله

(4/222)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن رَافع بن خديج رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ كالغازي حَتَّى يرجع إِلَى بَيته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والمؤلفة قُلُوبهم} قَالَ: هم قوم كَانُوا يأْتونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَسْلمُوا وَكَانَ يرْضخ لَهُم من الصَّدقَات فَإِذا أَعْطَاهُم من الصَّدَقَة فَأَصَابُوا مِنْهَا خيرا قَالُوا: هَذَا دين صَالح وَإِن كَانَ غير ذَلِك عابوه وتركوه
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ من الْيمن إِلَى النَّبِي بذهيبة فِيهَا تربَتهَا فَقَسمهَا بَين أَرْبَعَة من الْمُؤَلّفَة: الْأَقْرَع بن حايس الْحَنْظَلِي وعلقمة بن علاثة العامري وعينية بن بدر الْفَزارِيّ وَزيد الْخَيل الطَّائِي
فَقَالَت قُرَيْش وَالْأَنْصَار: أيقسم بَين صَنَادِيد أهل نجد ويدعنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا أتالفهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم: من بني هَاشم أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَمن بني أُميَّة أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمن بني مَخْزُوم الْحَارِث بن هِشَام وَعبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع وَمن بني أَسد حَكِيم بن حزَام وَمن بني عَامر سُهَيْل بن عَمْرو وَحُوَيْطِب بن عبد الْعزي وَمن بني جمح صَفْوَان بن أُميَّة وَمن بني سهم عدي بن قيس وَمن ثَقِيف الْعَلَاء بن حَارِثَة أَو حَارِثَة وَمن بني فَزَارَة عَيْنِيَّة بن حصن وَمن بني تَمِيم الْأَقْرَع بن حَابِس وَمن بني نصر مَالك بن عَوْف وَمن بني سليم الْعَبَّاس بن مرداس
أعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل رجل مِنْهُم مائَة نَاقَة مائَة نَاقَة إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى فَإِنَّهُ أعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا خمسين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم الَّذين يدْخلُونَ فِي الإِسلام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم قوم من وُجُوه الْعَرَب يقدمُونَ عَلَيْهِ فينفق عَلَيْهِم مِنْهَا مَا داموا حَتَّى يسلمُوا أَو يرجِعوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جُبَير قَالَ: لَيْسَ الْيَوْم مؤلفة قُلُوبهم

(4/223)


وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيست الْيَوْم مؤلفة قُلُوبهم إِنَّمَا كَانَ رجال يتألفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أَن كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قطع الرشا فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ: جَاءَ عَيْنِيَّة بن حصن والأقرع بن حَابِس إِلَى أبي بكر فَقَالَا: يَا خَليفَة رَسُول الله ان عندنَا أَرضًا سبخَة لَيْسَ فِيهَا كلأ وَلَا مَنْفَعَة فَإِن رَأَيْت أَن تعطيناها لَعَلَّنَا نحرثها ونزرعها وَلَعَلَّ الله أَن ينفع بهَا
فاقطعهما إِيَّاهَا وَكتب لَهما بذلك كتابا واشهد لَهما فَانْطَلقَا إِلَى عمر ليشهداه على مَا فِيهِ فَلَمَّا قرآ على عمر مَا فِي الْكتاب تنَاوله من أَيْدِيهِمَا فتفل فِيهِ فمجاه فتذمرا وَقَالا لَهُ مقَالَة سَيِّئَة فَقَالَ عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتألفهما والإِسلام يَوْمئِذٍ قَلِيل وَإِن الله قد أعز الإِسلام فاذهبا فاجهد جهدكما لَا أرعى الله عَلَيْكُمَا إِن أرعيتما
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي وَائِل
أَنه قيل لَهُ: مَا أصنع بِنَصِيب الْمُؤَلّفَة قَالَ: زده على الآخرين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {وَفِي الرّقاب} قَالَ: هم المكاتبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لَا يعْتق من الزَّكَاة رَقَبَة تَامَّة وَيُعْطى فِي رَقَبَة وَلَا بَأْس بِأَن يعين بِهِ مكَاتبا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: سهم الرّقاب نِصْفَانِ نصف لكل مكَاتب مِمَّن يدَّعي الإِسلام وَالنّصف الْبَاقِي يَشْتَرِي بِهِ رِقَاب مِمَّن صلى وَصَامَ وَقدم إِسْلَامه من ذكر أَو أُنْثَى يعتقون لله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يُعْطي الرجل من زَكَاته فِي الْحَج وَأَن يعْتق مِنْهَا رَقَبَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أعتق من زَكَاة مَالك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن: أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَشْتَرِي الرجل من زَكَاة مَاله نسمَة فيعتقها
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: يعان فِيهَا الرَّقَبَة وَلَا يعْتق مِنْهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ

(4/224)


قَالَ: لَا تعْتق من زَكَاة مَالك فَإِنَّهُ يجر الْوَلَاء
قَالَ أَبُو عبيد: قَول ابْن عَبَّاس أَعلَى مَا جَاءَنَا فِي هَذَا الْبَاب وَهُوَ أولى بالاتباع وَأعلم بالتأويل وَقد وَافقه عَلَيْهِ كثير من أهل الْعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ
أَنه سُئِلَ عَن الغارمين
قَالَ: أَصْحَاب الدّين وَابْن السَّبِيل وَإِن كَانَ غَنِيا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والغارمين} قَالَ: من احْتَرَقَ بَيته وَذهب السَّيْل بِمَالِه وادّان على عِيَاله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر فِي قَوْله {والغارمين} قَالَ: المستدينين فِي غير فَسَاد {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: المجتاز من أَرض إِلَى أَرض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {والغارمين} قَالَ: هُوَ الَّذِي يسْأَل فِي دم أَو جَائِحَة تصيبه {وَفِي سَبِيل الله} قَالَ: هم المجاهدون {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الْمُنْقَطع بِهِ يُعْطي قدر مَا يبلغهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَفِي سَبِيل الله} قَالَ: الْغَازِي فِي سَبِيل الله {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الْمُسَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ابْن السَّبِيل هُوَ قَالَ: الْغَازِي فِي سَبِيل الله {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الْمُسَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ابْن السَّبِيل هُوَ الضَّيْف الْفَقِير الَّذِي ينزل بِالْمُسْلِمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي رجل سَافر وَهُوَ غَنِي فنفد مَا مَعَه فِي سَفَره فَاحْتَاجَ قَالَ: يعْطى من الصَّدَقَة فِي سَفَره لِأَنَّهُ ابْن سَبِيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَفِي سَبِيل الله} قَالَ: حمل الرجل فِي سَبِيل الله من الصَّدَقَة {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: هُوَ الضَّيْف وَالْمُسَافر إِذا قطع بِهِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْء {فَرِيضَة من الله وَالله عليم حَكِيم} قَالَ: ثَمَانِيَة أسْهم فرضهن الله وأعلمهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة: لعامل عَلَيْهَا أَو

(4/225)


رجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه أَو غَارِم أَو غاز فِي سَبِيل الله أَو مِسْكين تصدق عَلَيْهِ فأهدى مِنْهَا الْغَنِيّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ وَله مَا يُغْنِيه جَاءَت مَسْأَلته يَوْم الْقِيَامَة خموشاً أَو كدوحاً
قَالُوا: يَا رَسُول الله وماذا يُغْنِيه قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَم أَو قيمتهَا من الذَّهَب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عمر
أَنه سُئِلَ عَن مَال الصَّدَقَة فَقَالَ: شَرّ مَال إِنَّمَا هُوَ مَال الكسحان والعرجان والعميان وكل مُنْقَطع بِهِ
قيل: فَإِن للعاملين عَلَيْهَا حَقًا وللمجاهدين فِي سَبِيل الله
قَالَ: أما الْعَامِلُونَ فَلهم بِقدر عمالتهم وَأما المجاهدون فِي سَبِيل الله فقوم أحل لَهُم أَن الصَّدَقَة لَا تحل لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّدَقَة فِي ثَمَانِيَة أسْهم
فَفرض فِي الذَّهَب وَالْوَرق والإِبل وَالْبَقر وَالْغنم وَالزَّرْع وَالْكَرم وَالنَّخْل ثمَّ تُوضَع فِي ثَمَانِيَة أسْهم
فِي أهل هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خففوا على الْمُسلمين فِي خرصكم فَإِن فِيهِ الْعَرَايَا وَفِيه الْوَصَايَا فَأَما الْعَرَايَا فالنخلة وَالثَّلَاث والأربع وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر يمنحها الرجل أَخَاهُ ثَمَرَتهَا فيأكلها هُوَ وَعِيَاله وَأما الْوَصَايَا فثمانية أسْهم {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} إِلَى قَوْله {وَالله عليم حَكِيم}
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من بني هِلَال قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا ذِي مرّة سوى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي قَالَ لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار قَالَ: أَخْبرنِي رجلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ يقسم الصَّدَقَة فَسَأَلَاهُ مِنْهَا
فَرفع فِينَا الْبَصَر وخفضه فرآنا جلدين فَقَالَ: إِن شئتما أعطيتكما وَلَا حظَّ فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لقوي مكتسب

(4/226)


الْآيَة 61

(4/227)


وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)

وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ نَبْتَل بن الْحَرْث يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيجلس إِلَيْهِ فَيسمع مِنْهُ ثمَّ ينْقل حَدِيثه إِلَى الْمُنَافِقين وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُم: إِنَّمَا مُحَمَّد أذن من حَدثهُ شَيْئا صدقه فَأنْزل الله فِيهِ {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: اجْتمع نَاس من الْمُنَافِقين فيهم جلاس بن سُوَيْد بن صَامت وجحش بن حمير ووديعة بن ثَابت فأرادوا أَن يقعوا فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنهى بَعضهم بَعْضًا وَقَالُوا: أَنا نَخَاف أَن يبلغ مُحَمَّد فَيَقَع بكم وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا مُحَمَّد أذن نحلف لَهُ فيصدقنا
فَنزل {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} يَعْنِي أَنه يسمع من كل أحد
قَالَ الله عزَّ وَجل {قل أذن خير لكم يُؤمن بِاللَّه ويؤمن للْمُؤْمِنين} يَعْنِي يصدق بِاللَّه وَيصدق الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} أَي يسمع مَا يُقَال لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} يَقُولُونَ: سنقول لَهُ مَا شِئْنَا ثمَّ نحلف لَهُ فيصدقنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأذن الَّذِي يسمع من كل أحد ويصدقه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُؤمن بِاللَّه} قَالَ: يصدق الله بِمَا أنزل إِلَيْهِ {ويؤمن للْمُؤْمِنين} يصدق الْمُؤمنِينَ فِيمَا بَينهم فِي شهاداتهم وَإِيمَانهمْ على حُقُوقهم وفروجهم وَأَمْوَالهمْ

(4/227)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُمَيْر بن سعد قَالَ: فيَّ أنزلت هَذِه الْآيَة {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} وَذَلِكَ أَن عُمَيْر بن سعد كَانَ يسمع أَحَادِيث أهل الْمَدِينَة فَيَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيساره حَتَّى كَانُوا يتأذون بعمير بن سعد وكرهوا مُجَالَسَته وَقَالُوا {هُوَ أذن} وَالله أعلم

الْآيَة 62

(4/228)


يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا من الْمُنَافِقين قَالَ: وَالله إِن هَؤُلَاءِ لخيارنا وَأَشْرَافنَا وَإِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا لَهُم أشر من حمير
فَسَمعَهَا رجل من الْمُسلمين فَقَالَ: وَالله مَا يَقُول مُحَمَّد لحق ولأنت أشر من الْحمار
فسعى بهَا الرجل إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأرْسل إِلَى الرجل فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا حملك على الَّذِي قلت فَجعل يلتعن وَيحلف بِاللَّه مَا قَالَ ذَلِك وَجعل الرجل الْمُسلم يَقُول: اللَّهُمَّ صدق الصَّادِق وَكذب الْكَاذِب فَأنْزل الله تَعَالَى فِي ذَلِك {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ
مثله وسمى الرجل الْمُسلم عَامر بن قيس من الْأَنْصَار

الْآيَة 63

(4/228)


أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {ألم يعلمُوا أَنه من يحادد الله وَرَسُوله} قَالَ: يعادي الله وَرَسُوله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يزِيد بن هرون قَالَ: خطب أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ فِي خطبَته: يُؤْتى بِعَبْد قد أنعم الله عَلَيْهِ وَبسط لَهُ فِي الرزق قد أصح بدنه وَقد كفر نعْمَة ربه فَيُوقف بَين يَدي الله تَعَالَى فَيُقَال لَهُ: مَاذَا عملت ليومك هَذَا وَمَا قدمت لنَفسك فَلَا يجده قدَّم خيرا فيبكي حَتَّى تنفد الدُّمُوع ثمَّ يعيَّر ويخزى

(4/228)


بِمَا ضيع من طَاعَة الله فيبكي الدَّم ثمَّ يعير ويخزى حَتَّى يَأْكُل يَدَيْهِ إِلَى مرفقيه ثمَّ يعير ويخزى بِمَا ضيع من طَاعَة الله فينتحب حَتَّى تسْقط حدقتاه على وجنتيه وكل وَاحِد مِنْهُمَا فَرسَخ فِي فَرسَخ ثمَّ يعير ويخزى حَتَّى يَقُول: يَا رب ابعثني إِلَى النَّار وارحمني من مقَامي هَذَا
وَذَلِكَ قَوْله {أَنه من يحادد الله وَرَسُوله فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم} إِلَى قَوْله {الْعَظِيم}

الْآيَة 64

(4/229)