الدر المنثور في التفسير بالمأثور

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحذر المُنَافِقُونَ أَن تنزل عَلَيْهِم سُورَة تنبئهم بِمَا فِي قُلُوبهم} قَالَ: يَقُولُونَ القَوْل فِيمَا بَينهم ثمَّ يَقُولُونَ عَسى الله أَن لَا يفشي علينا هَذَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت هَذِه السُّورَة تسمى الفاضحة فاضحة الْمُنَافِقين وَكَانَ يُقَال لَهَا المثيرة أنبأت بمثالبهم وعوراتهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْمسيب بن رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا عمل رجل من حَسَنَة فِي سَبْعَة أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وَلَا عمل رجل من سَيِّئَة فِي سَبْعَة أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وتصديق ذَلِك كَلَام الله تَعَالَى {إِن الله مخرج مَا تحذرون}

الْآيَات 65 - 66

(4/229)


وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)

وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن شُرَيْح بن عبيد رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا قَالَ لأبي

(4/229)


الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: يَا معشر الْقُرَّاء مَا بالكم أجبن منا وأبخل إِذا سئلتم وَأعظم لقماً إِذا أكلْتُم فَأَعْرض عَنهُ أَبُو الدَّرْدَاء وَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا فَأخْبر بذلك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَانْطَلق عمر إِلَى الرجل الَّذِي قَالَ ذَلِك فقاله بِثَوْبِهِ وخنقه وقاده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الرجل: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رجل فِي غَزْوَة تَبُوك فِي مجْلِس يَوْمًا: مَا رَأينَا مثل قرائنا هَؤُلَاءِ لَا أَرغب بطونا وَلَا أكذب أَلْسِنَة وَلَا أجبن عِنْد اللِّقَاء
فَقَالَ رجل فِي الْمجْلس: كذبت وَلَكِنَّك مُنَافِق
لأخبرن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزل الْقُرْآن
قَالَ عبد الله: فَأَنا رَأَيْته مُتَعَلقا يحقب نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحِجَارَة تنكيه وَهُوَ يَقُول: يَا رَسُول الله إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزئون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي فِي الضُّعَفَاء وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي رُوَاة مَالك عَن ابْن عمر قَالَ رَأَيْت عبد الله بن أبي وَهُوَ يشْتَد قُدَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأحجار تنكيه وَهُوَ يَقُول: يَا مُحَمَّد إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزئون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب} قَالَ: قَالَ رجل من الْمُنَافِقين يحدثنا مُحَمَّد: أَن نَاقَة فلَان بوادي كَذَا وَكَذَا فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا وَمَا يدريه بِالْغَيْبِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزوته إِلَى تَبُوك وَبَين يَدَيْهِ أنَاس من الْمُنَافِقين فَقَالُوا: يَرْجُو هَذَا الرجل أَن تفتح لَهُ قُصُور الشَّام وحصونها هَيْهَات هَيْهَات

فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك فَقَالَ نَبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله احْبِسُوا عليَّ هَؤُلَاءِ الركب
فَأَتَاهُم فَقَالَ: قُلْتُمْ كَذَا قُلْتُمْ كَذَا
قَالُوا: يَا نَبِي الله إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب فَأنْزل الله فيهمَا مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره وأناس من الْمُنَافِقين يَسِيرُونَ أَمَامه فَقَالُوا: إِن كَانَ مَا

(4/230)


يَقُول مُحَمَّد حَقًا فلنحن أشر من الْحمير
فَأنْزل الله تَعَالَى مَا قَالُوا فَأرْسل إِلَيْهِم
مَا كُنْتُم تَقولُونَ فَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب
وَأخرج إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب بن مَالك قَالَ قَالَ محشي بن حمير: لَوَدِدْت أَنِّي أقاضي على أَن يضْرب كل رجل مِنْكُم مائَة على أَن ينجو من أَن ينزل فِينَا قُرْآن
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمَّار بن يَاسر أدْرك الْقَوْم فَإِنَّهُم قد احترقوا فسلهم عَمَّا قَالُوا فَإِن هم أَنْكَرُوا وكتموا فَقل بلَى قد قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا فأدركهم فَقَالَ لَهُم
فَجَاءُوا يَعْتَذِرُونَ فَأنْزل الله {لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ بعد إيمَانكُمْ إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم} الْآيَة
فَكَانَ الَّذِي عَفا الله عَنهُ محشي بن حمير فتسمى عبد الرَّحْمَن وَسَأَلَ الله أَن يقتل شَهِيدا لَا يعلم بمقتله
فَقتل بِالْيَمَامَةِ لَا يعلم مَقْتَله وَلَا من قَتله وَلَا يرى لَهُ أثر وَلَا عين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رَهْط من الْمُنَافِقين من بني عَمْرو بن عَوْف فيهم وَدِيعَة بن ثَابت وَرجل من أَشْجَع حَلِيف لَهُم يُقَال لَهُ محشي بن حمير كَانَ يَسِيرُونَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ منطلق إِلَى تَبُوك فَقَالَ بَعضهم لبَعض: أتحسبون قتال بني الْأَصْفَر كقتال غَيرهم وَالله لكأنا بكم غَدا تقادون فِي الحبال
قَالَ محشي بن حمير: لَوَدِدْت أَنِّي أقاضي
فَذكر الحَدِيث مثل الَّذِي قبله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود
نَحوه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أقبل من غَزْوَة تَبُوك وَبَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة رَهْط استهزأوا بِاللَّه وبرسوله وَبِالْقُرْآنِ قَالَ: كَانَ رجل مِنْهُم لم يمالئهم فِي الحَدِيث يسير مجانباً لَهُم يُقَال لَهُ يزِيد بن وَدِيعَة فَنزلت {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة} فَسُمي طَائِفَة وَهُوَ وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة} قَالَ: الطَّائِفَة الرجل والنفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الطَّائِفَة الْوَاحِد إِلَى الْألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الطَّائِفَة رجل فَصَاعِدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة}

(4/231)


يَعْنِي إِن عفى بَعضهم فَلَيْسَ بتارك الآخرين أَن يعذبهم {بِأَنَّهُم كَانُوا مجرمين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ فِيمَن تخلف بِالْمَدِينَةِ من الْمُنَافِقين ودَاعَة بن ثَابت أحد بني عَمْرو بن عَوْف فَقيل لَهُ: مَا خَلفك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الْخَوْض واللعب
فَأنْزل الله فِيهِ وَفِي أَصْحَابه {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب} إِلَى قَوْله {مجرمين}

الْآيَات 67 - 70

(4/232)


الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة
أَنه سُئِلَ عَن الْمُنَافِق
فَقَالَ: الَّذِي يصف الإِسلام وَلَا يعْمل بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: النِّفَاق نفاقان
نفاق تَكْذِيب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَاك كفر ونفاق خَطَايَا وذنوب فَذَاك يُرْجَى لصَاحبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يأمرون بالمنكر} قَالَ: هُوَ التَّكْذِيب
قَالَ: وَهُوَ أنكر الْمُنكر {وَينْهَوْنَ عَن الْمَعْرُوف} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله والإِقرار بِمَا أنزل الله وَهُوَ أعظم الْمَعْرُوف

(4/232)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كل آيَة ذكرهَا الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَذكر الْمُنكر عبَادَة الْأَوْثَان والشيطان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويقبضون أَيْديهم} قَالَ: لَا يبسطونها بِنَفَقَة فِي حق الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ويقبضون أَيْديهم} قَالَ: لَا يبسطونها بِخَير {نسوا الله فنسيهم} قَالَ: نسوا من كل خير وَلم ينسوا من الشَّرّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {نسوا الله فنسيهم} قَالَ: تركُوا الله فتركهم من كرامته وثوابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {نسوا الله} قَالَ: تركُوا أَمر الله {فنسيهم} تَركهم من رَحمته أَن يعطيهم إِيمَانًا وَعَملا صَالحا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله لَا ينسى من خلقه وَلَكِن نسيهم من الْخَيْر يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: نسوا فِي الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَالَّذِين من قبلكُمْ} قَالَ: صَنِيع الْكفَّار كالكفار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة {كَالَّذِين من قبلكُمْ كَانُوا أَشد مِنْكُم قُوَّة} إِلَى قَوْله {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} هَؤُلَاءِ بَنو إِسْرَائِيل أشبهناهم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لنتبعنهم حَتَّى لَو دخل رجل جُحْر ضبٍّ لدخلتموه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بخلاقهم} قَالَ: بدينهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الخلاق الدّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فاستمتعوا بخلاقهم} قَالَ: بنصيبهم من الدُّنْيَا

(4/233)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} قَالَ: لعبتم كَالَّذي لعبوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حذركُمْ أَن تحدثُوا حَدثا فِي الإِسلام وَعلم أَنه سيفعل ذَلِك أَقوام من هَذِه الْأمة فَقَالَ الله {فاستمتعوا بخلاقهم} الْآيَة

الْآيَات 71 - 72

(4/234)


وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والمؤتفكات} قَالَ: قوم لوط ائتفكت بهم أَرضهم فَجعل عَلَيْهَا سافلها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} يدعونَ إِلَى الإِيمان بِاللَّه وَرَسُوله والنفقات فِي سَبِيل الله وَمَا كَانَ من طَاعَة الله {وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} ينهون عَن الشّرك وَالْكفْر وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَرِيضَة من فَرَائض الله كتبهَا الله على الْمُؤمنِينَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} قَالَ: اخاؤهم فِي الله يتحابون بِجلَال الله وَالْولَايَة لله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الْحَوَائِج وَالطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن أبي عُثْمَان مُرْسلا

(4/234)


وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي مُوسَى أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَعْرُوف وَالْمُنكر خليقتان ينصبان يَوْم الْقِيَامَة فَأَما الْمَعْرُوف فيبشر أَهله ويعدهم الْخَيْر وَأما الْمُنكر فَيَقُول لأَصْحَابه: إِلَيْكُم وَمَا تَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُوما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأس الْعقل بعد الإِيمان بِاللَّه مداراة النَّاس وَلنْ يهْلك رجل بعد مشورة وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة أَن الله ليَبْعَث الْمَعْرُوف يَوْم القيانة فِي صُورَة الرجل الْمُسَافِر فَيَأْتِي صَاحبه إِذا انْشَقَّ قَبره فيمسح عَن وَجهه التُّرَاب وَيَقُول: اُبْشُرْ يَا ولي الله بِأَمَان الله وكرامته لَا يهولنَّك مَا ترى من أهوال يَوْم الْقِيَامَة
فَلَا يزَال يَقُول لَهُ: احذر هَذَا وَاتَّقِ هَذَا يسكن بذلك روعه حَتَّى يُجَاوز بِهِ الصِّرَاط فَإِذا جَاوز بِهِ الصِّرَاط عدل ولي الله إِلَى مَنَازِله فِي الْجنَّة ثمَّ يثنى عَنهُ الْمَعْرُوف فَيتَعَلَّق بِهِ فَيَقُول: يَا عبد الله من أَنْت خذلني الْخَلَائق فِي أهوال الْقِيَامَة غَيْرك فَمن أَنْت فَيَقُول لَهُ: أما تعرفنِي فَيَقُول: لَا
فَيَقُول: أَنا الْمَعْرُوف الَّذِي عملته فِي الدُّنْيَا بَعَثَنِي الله خلقا لأجازيك بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطْلُبُوا الْمَعْرُوف من رحماء أمتِي تعيشوا فِي أَكْنَافهم وَلَا تطلبوه من القاسية قُلُوبهم فَإِن اللَّعْنَة تنزل عَلَيْهِم يَا عَليّ إِن الله خلق الْمَعْرُوف وَخلق لَهُ أَهلا فحببه إِلَيْهِم وحبب إِلَيْهِم فعاله وَوجه إِلَيْهِم طلابه كَمَا وَجه المَاء فِي الأَرْض الجدبة لتحيا بِهِ وَيحيى بِهِ أَهلهَا إِن أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن عليّ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطْلُبُوا الْمَعْرُوف من رحماء أمتِي تعيشوا فِي أَكْنَافهم
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صانع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء والآفات والهلكات وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة

(4/235)


وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الأوّلين والآخرين ثمَّ أَمر منادياً يُنَادي: أَلا ليقمْ أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا
فَيقومُونَ
حَتَّى يقفوا بَين يَدي الله فَيَقُول الله: أَنْتُم أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: نعم
فَيَقُول: وَأَنْتُم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة فَقومُوا مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالرسل فاشفعوا لمن أَحْبَبْتُم فادخلوه الْجنَّة حَتَّى تدْخلُوا عَلَيْهِم الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة كَمَا أدخلتم عَلَيْهِم الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الْحَوَائِج عَن بِلَال قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة وَالْمَعْرُوف يقي سبعين نوعا من الْبلَاء ويقي ميتَة السوء وَالْمَعْرُوف وَالْمُنكر خلقان منصوبان للنَّاس يَوْم الْقِيَامَة فالمعروف لَازم لأَهله وَالْمُنكر لَازم لأَهله يقودهم ويسوقهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أحب عباد الله إِلَى الله عز وَجل من حبَّب إِلَيْهِ الْمَعْرُوف وحبَّب إِلَيْهِ فعاله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جعل للمعروف وُجُوهًا من خلقه وحبب إِلَيْهِم فعاله وَوجه طلاب الْمَعْرُوف إِلَيْهِم وَيسر عَلَيْهِم إعطاءه كَمَا يسر الْغَيْث إِلَى الأَرْض الجدبة ليحييها ويحيي بِهِ أَهلهَا وَإِن الله جعل للمعروف أَعدَاء من خلقه بغض إِلَيْهِم الْمَعْرُوف وبغض إِلَيْهِم فعاله وحظر عَلَيْهِم اعطاءه كَمَا يحظر الْغَيْث عَن الأَرْض الجدبة ليهلكها وَيهْلك بهَا أَهلهَا وَمَا يعْفُو الله أَكثر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَلَيْكُم باصطناع الْمَعْرُوف فَإِنَّهُ يمْنَع مصَارِع السوء وَعَلَيْكُم بِصَدقَة السِّرّ فَإِنَّهَا تُطْفِئ غضب الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والقضاعي والعسكري وَابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة وكل مَا أنْفق الرجل على نَفسه وَأَهله كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة وَمَا وقِي بِهِ عرضه كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة وَقد قيل لمُحَمد بن الْمُنْكَدر مَا يَعْنِي مَا وقى بِهِ عرضه قَالَ: الشَّيْء يعْطى الشَّاعِر وَذَا اللِّسَان المتقي

(4/236)


وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَنعته إِلَى غَنِي أَو فَقير فَهُوَ صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مَعْرُوف يصنعه أحدكُم إِلَى غَنِي فَقير فَهُوَ صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن جَابر الْجعْفِيّ رَفعه قَالَ: الْمَعْرُوف خلق من خلق الله تَعَالَى كريم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: سَأَلت عمرَان بن حُصَيْن وَأَبا هُرَيْرَة عَن تَفْسِير {ومساكن طيبَة فِي جنَّات عدن} قَالَا: على الْخَبِير سَقَطت
سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قصر من لؤلؤة فِي الْجنَّة فِي ذَلِك الْقصر سَبْعُونَ دَارا من ياقوتة حَمْرَاء فِي كل دَار سَبْعُونَ بَيْتا من زمردة خضراء فِي كل بَيت سَبْعُونَ سريراً على كل سَرِير سَبْعُونَ فراشا من كل لون على كل فرَاش امْرَأَة من الْحور الْعين فِي كل بَيت سَبْعُونَ مائدة فِي كل مائدة سَبْعُونَ لوناً من كل طَعَام فِي كل بَيت سَبْعُونَ وصيفاً ووصيفة فَيعْطى الْمُؤمن من الْقُوَّة فِي كل غَدَاة مَا يَأْتِي على ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سليم بن عَامر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْجنَّة مائَة دَرَجَة: فأولها من فضَّة أرْضهَا فضَّة ومساكنها فضَّة وآنيتها فضَّة وترابها مسك
وَالثَّانيَِة من ذهب أرْضهَا ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها مسك
وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ أرْضهَا لُؤْلُؤ وآنيتها لُؤْلُؤ وترابها مسك
وَسبع وَتسْعُونَ بعد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَازِم قَالَ: إِن الله ليعد للْعَبد من عبيده فِي الْجنَّة لؤلؤة مسيرَة أَرْبَعَة برد أَبْوَابهَا وغرفها ومغاليقها لَيْسَ فِيهَا قضم وَلَا قَصم وَالْجنَّة مائَة دَرَجَة: فَثَلَاث مِنْهَا ورق وَذهب ولؤلؤ وَزَبَرْجَد وَيَاقُوت وَسبع وَتسْعُونَ لَا يعلمهما إِلَّا الَّذِي خلقهَا

(4/237)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة رجل لَهُ ألف قصر مَا بَين كل قَصْرَيْنِ مسيرَة سنة يرى أقصاها كَمَا يرى أدناها فِي كل قصر من الْحور الْعين والرياحين والولدان مَا يَدْعُو شَيْئا إِلَّا أَتَى بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مغيث بن سمي قَالَ: إِن فِي الْجنَّة قصوراً من ذهب وقصوراً من فضَّة وقصوراً من ياقوت وقصوراً من زبرجد جبالها الْمسك وترابها الورس والزعفران
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِن فِي الْجنَّة ياقوتة لَيْسَ فِيهَا صدع وَلَا وصل وفيهَا سَبْعُونَ ألف دَار فِي كل دَار سَبْعُونَ ألفا من الْحور الْعين لَا يدخلهَا إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو إِمَام عَادل أَو مُحكم فِي نَفسه
قيل لكعب: وَمَا الْمُحكم فِي نَفسه قَالَ: الرجل يَأْخُذهُ العدوّ فيحكمونه بَين أَن يكفر أَو يلْزم الإِسلام فَيقْتل فيختار أَن يلْزم الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: مَعْدن الرجل الَّذِي يكون فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: معدنهم فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ: إِن الله خلق فِي الْجنَّة جنَّة عدن دملج لؤلؤة وغرس فِيهَا قَضِيبًا ثمَّ قَالَ لَهَا: امتدي حَتَّى أرْضى
ثمَّ قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي مَا فِيك من الْأَنْهَار وَالثِّمَار فَفعلت
فَقَالَت (قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 1)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {ورضوان من الله أكبر} يَعْنِي إِذا أخبروا أَن الله عَنْهُم رَاض فَهُوَ أكبر عِنْدهم من التحف وَالتَّسْلِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة قَالَ الله: هَل تشتهون شَيْئا فأزيدكم قَالُوا: يَا رَبنَا وَهل بَقِي شَيْء إِلَّا قد أنلتناه فَيَقُول: نعم
رضائي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الْملك الْجُهَنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله لنعيم أهل الْجنَّة برضوان الله عَنْهُم أفضل من نعيمهم بِمَا فِي الْجنان

(4/238)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: يَجِيء الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة فِي صُورَة الرجل الشاحب حِين ينشق عَنهُ قَبره فَيَقُول: أبشر بكرامة الله تَعَالَى
قَالَ: فَلهُ حلَّة الْكَرَامَة
فَيَقُول: يَا رب زِدْنِي
فَيَقُول: رِضْوَانِي ورضوان من الله أكبر
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يَقُول لأهل الْجنَّة: يَا أهل الْجنَّة
فَيَقُولُونَ: لبيْك يَا رَبنَا وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك
فَيَقُول: هَل رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ: رَبنَا وَمَا لنا لَا نرضى وَقد أَعطيتنَا مَا لم تعطه أحدا من خلقك فَيَقُول: أَلا أُعْطِيكُم أفضل من ذَلِك قَالُوا: يَا رب وَأي شَيْء أفضل من ذَلِك قَالَ: أحل عَلَيْكُم رِضْوَانِي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَنا أَبَا بكر الصّديق كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللهمَّ أَسأَلك الَّذِي هُوَ خير فِي عَاقِبَة الْخَيْر اللهمَّ اجْعَل آخر مَا تُعْطِينِي الْخَيْر رضوانك والدرجات العلى فِي جنَّات النَّعيم

الْآيَة 73

(4/239)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار} قَالَ: بِالسَّيْفِ

(4/239)


{وَالْمُنَافِقِينَ} قَالَ: بِاللِّسَانِ {وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} قَالَ: اذْهَبْ الرِّفْق عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ} قَالَ: بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وليلقه بِوَجْه مكفهر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ} أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُجَاهد بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فقلبه فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فليلقه بِوَجْه مكفهر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {جَاهد الْكفَّار} قَالَ: بِالسَّيْفِ {وَالْمُنَافِقِينَ} بالْقَوْل بِاللِّسَانِ {وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} قَالَ: على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ثمَّ نسخهَا فَأنْزل بعْدهَا (قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة) (التَّوْبَة الْآيَة 123)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يُجَاهد الْكفَّار بِالسَّيْفِ ويغلظ على الْمُنَافِقين فِي الْحُدُود

الْآيَة 74

(4/240)


يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)

أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب بن مَالك قَالَ لما نزل الْقُرْآن فِيهِ ذكر الْمُنَافِقين قَالَ الْجلاس: وَالله لَئِن كَانَ هَذَا الرجل صَادِقا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَسَمعهُ عُمَيْر بن سعد فَقَالَ: وَالله يَا جلاس إِنَّك لأحب النَّاس إليَّ وَأَحْسَنهمْ عِنْدِي أشراً وأعزهم عَليّ أَن يدْخل عَلَيْهِ شَيْء يكرههُ وَلَقَد قلت مقَالَة لَئِن ذكرتها لتفضحنك وَلَئِن سكت عَنْهَا لتهلكني ولأحدهما أَشد عليَّ من الْأُخْرَى
فَمشى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ مَا قَالَ فَأتى الْجلاس فَجعل يحلف بِاللَّه مَا قَالَ وَلَقَد كذب على عُمَيْر فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْجلاس بن سُوَيْد بن الصَّامِت مِمَّن تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وَقَالَ: لَئِن كَانَ هَذَا الرجل صَادِقا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَرفع عُمَيْر بن سعد مقَالَته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحلف الْجلاس بِاللَّه لقد كذب عليَّ وَمَا قلت
فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} الْآيَة
فزعموا أَنه تَابَ وَحسنت تَوْبَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ سمع زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ رجلا من الْمُنَافِقين يَقُول - وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب -: إِن كَانَ هَذَا صَادِقا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَقَالَ

(4/240)


زيد رَضِي الله عَنهُ: هُوَ - وَالله - صَادِق ولأنت أشر من الْحمار فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجحد الْقَائِل فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} الْآيَة
فَكَانَت الْآيَة فِي تَصْدِيق زيد
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي ظلّ شَجَرَة فَقَالَ: إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَان ينظر إِلَيْكُم بعيني شَيْطَان فَإِذا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا أَن طلع رجل أَزْرَق فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: علام تَشْتمنِي أَنْت وَأَصْحَابك فَانْطَلق الرجل فجَاء بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّه مَا قَالُوا حَتَّى تجَاوز عَنْهُم وَأنزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ ذكر لنا أَن رجلَيْنِ اقتتلا أَحدهمَا من جُهَيْنَة وَالْآخر من غفار وَكَانَت جُهَيْنَة حلفاء الْأَنْصَار فَظهر الْغِفَارِيّ على الْجُهَنِيّ فَقَالَ عبد الله بن أبي لِلْأَوْسِ: انصروا أَخَاكُم وَالله مَا مثلنَا وَمثل مُحَمَّد إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِل: سمن كلبك يَأْكُلك
وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فسعى بهَا رجل من الْمُسلمين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَجعل يحلف بِاللَّه مَا قَالَه فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبي بن سلول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة أَن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال الْجلاس بن سُوَيْد قَالَ لَيْلَة فِي غَزْوَة تَبُوك وَالله لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَسَمعهُ غُلَام يُقَال لَهُ عُمَيْر بن سعد وَكَانَ ربيبه فَقَالَ لَهُ: أَي عَم تب إِلَى الله
وَجَاء الْغُلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ فَجعل يحلف وَيَقُول: وَالله مَا قلت يَا رَسُول الله
فَقَالَ الْغُلَام: بلَى وَالله لقد قلته فتب إِلَى الله وَلَوْلَا أَن ينزل الْقُرْآن فيجعلني مَعَك مَا قلته فجَاء الْوَحْي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَكَتُوا فَلَا يتحركون إِذا نزل الْوَحْي فَرفع عَن النَّبِي فَقَالَ {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} إِلَى قَوْله {فَإِن يتوبوا يَك خيرا لَهُم} فَقَالَ: قد قلته وَقد عرض الله عليّ التَّوْبَة فَأَنا أَتُوب فَقبل ذَلِك مِنْهُ وَقتل لَهُ قَتِيل

(4/241)


فِي الإِسلام فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ دِيَته فاستغنى بذلك وَكَانَ همَّ أَن يلْحق بالمشركين وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للغلام: وعت أُذُنك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزل الْقُرْآن أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذن عُمَيْر فَقَالَ وعت أُذُنك يَا غُلَام وصدقك رَبك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل من الْمُنَافِقين: لَئِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فِيمَا يَقُول لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَقَالَ لَهُ زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنْهُمَا: إِن مُحَمَّدًا لصَادِق ولأنت شَرّ من الْحمار
فَكَانَ فِيمَا بَينهمَا ذَلِك كَلَام فَلَمَّا قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأَتَاهُ الآخر فَحلف بِاللَّه مَا قَالَ فَنزلت {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد بن أَرقم وعت أُذُنك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ أحدهم: إِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَقَالَ رجل من الْمُؤمنِينَ: فوَاللَّه إِن مَا يَقُول مُحَمَّد لحق ولأنت شَرّ من الْحمار
فهمَّ بقتْله الْمُنَافِق فَذَلِك هَمهمْ بِمَا لم ينالوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} قَالَ هم الَّذين أَرَادوا أَن يدفعوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة وَكَانُوا قد أَجمعُوا أَن يقتلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم مَعَه فِي بعض أَسْفَاره فَجعلُوا يَلْتَمِسُونَ غرته حَتَّى أَخذ فِي عقبَة فَتقدم بَعضهم وَتَأَخر بَعضهم وَذَلِكَ لَيْلًا قَالُوا: إِذا أَخذ فِي الْعقبَة دفعناه عَن رَاحِلَته فِي الْوَادي فَسمع حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَسُوق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قائده تِلْكَ اللَّيْلَة عمار وسائقه حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ فَسمع حُذَيْفَة اخفاف الابل فَالْتَفت فَإِذا هُوَ بِقوم مُتَلَثِّمِينَ: فَقَالَ: إِلَيْكُم إِلَيْكُم يَا أَعدَاء الله فأمسكوا
وَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل منزله الَّذِي أَرَادَ فَلَمَّا أصبح أرسل إِلَيْهِم كلهم فَقَالَ: أردتم كَذَا وَكَذَا فَحَلَفُوا بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَا أَرَادوا الَّذِي سَأَلَهُمْ عَنهُ فَذَلِك قَوْله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وهموا بِمَا لم ينالوا} قَالَ: همَّ رجل يُقَال لَهُ الْأسود بقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/242)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَافِلًا من تَبُوك إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق مكر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَصْحَابه فتآمروا أَن يطرحوه من عقبَة فِي الطَّرِيق فَلَمَّا بلغُوا الْعقبَة أَرَادوا أَن يسلكوها مَعَه فَلَمَّا غشيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر خبرهم فَقَالَ: من شَاءَ مِنْكُم أَن يَأْخُذ بطن الْوَادي فَإِنَّهُ أوسع لكم وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعقبَة وَأخذ النَّاس بِبَطن الْوَادي إِلَّا النَّفر الَّذين مكروا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سمعُوا ذَلِك اسْتَعدوا وتلثموا وَقد هموا بِأَمْر عَظِيم وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ وعمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ فمشيا مَعَه شَيْئا فَأمر عمار أَن يَأْخُذ بزمام النَّاقة وَأمر حُذَيْفَة بسوقها
فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ إِذْ سمعُوا وكرة الْقَوْم من ورائهم قد غشوه فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر حُذَيْفَة أَن يردهم وَأبْصر حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ غضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع وَمَعَهُ محجن فَاسْتقْبل وُجُوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن وَأبْصر الْقَوْم وهم مُتَلَثِّمُونَ لَا يَشْعُرُونَ إِنَّمَا ذَلِك فعل الْمُسَافِر فرعبهم الله حِين أبصروا حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وظنوا أَن مَكْرهمْ قد ظهر عَلَيْهِ فَأَسْرعُوا حَتَّى خالطوا النَّاس وَأَقْبل حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ حَتَّى أدْرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أدْركهُ قَالَ: اضْرِب الرَّاحِلَة يَا حُذَيْفَة وامشِ أَنْت يَا عمار فَأَسْرعُوا حَتَّى اسْتَووا بِأَعْلَاهَا فَخَرجُوا من الْعقبَة يتنظرون النَّاس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحُذَيْفَة: هَل عرفت يَا حُذَيْفَة من هَؤُلَاءِ الرَّهْط أحدا قَالَ حُذَيْفَة: عرفت رَاحِلَة فلَان وَفُلَان وَقَالَ: كَانَت ظلمَة اللَّيْل وَغَشِيَتْهُمْ وهم مُتَلَثِّمُونَ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمْتُم مَا كَانَ شَأْنهمْ وَمَا أَرَادوا قَالُوا: لَا وَالله يَا رَسُول الله

قَالَ: فَإِنَّهُم مكروا ليسيروا معي حَتَّى إِذا طلعت فِي الْعقبَة طرحوني مِنْهَا
قَالُوا: أَفلا تَأمر بهم يَا رَسُول الله فَنَضْرِب أَعْنَاقهم قَالَ: أكره أَن يتحدث النَّاس ويقولوا: إِن مُحَمَّد وضع يَده فِي أَصْحَابه فسماهم لَهما وَقَالَ: اكتماهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن إِسْحَق نَحوه وَزَاد بعد قَوْله لِحُذَيْفَة هَل عرفت من الْقَوْم أحدا فَقَالَ: لَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قد أَخْبرنِي بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم وسأخبرك بهم إِن شَاءَ الله عِنْد وَجه الصُّبْح فَلَمَّا أصبح سماهم بِهِ: عبد الله بن أبي سعد وَسعد بن أبي سرح وَأَبا حاصر الْأَعرَابِي وعامراً وَأَبا عَامر والجلاس بن سُوَيْد بن صَامت وَمجمع بن حَارِثَة ومليحاً التَّيْمِيّ وحصين بن نمير وطعمة بن أُبَيْرِق وَعبد الله بن عُيَيْنَة وَمرَّة بن ربيع
فهم اثْنَا

(4/243)


عشر رجلا حَاربُوا الله وَرَسُوله وَأَرَادُوا قَتله فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وهموا بِمَا لم ينالوا} وَكَانَ أَبُو عَامر رَأْسهمْ وَله بنوا مَسْجِد الضرار وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن سعد عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ: لم يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأسماء الْمُنَافِقين الَّذين تحسوه لَيْلَة الْعقبَة بتبوك غير حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وهم اثْنَا عشر رجلا لَيْسَ فيهم قرشي وَكلهمْ من الْأَنْصَار وَمن حلفائهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت آخِذا بِخِطَام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقُود بِهِ وعمار يَسُوقهُ أَو أَنا أسوقه وعمار يَقُودهُ حَتَّى إِذا كُنَّا بِالْعقبَةِ فَإِذا أَنا بِاثْنَيْ عشر رَاكِبًا قد اعْترضُوا فِيهَا قَالَ: فَأَنْبَهْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَرَخَ بهم فَوَلوا مُدبرين فَقَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل عَرَفْتُمْ الْقَوْم قُلْنَا لَا يَا رَسُول الله كَانُوا مُتَلَثِّمِينَ وَلَكنَّا قد عرفنَا الركاب
قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
هَل تَدْرُونَ مَا أَرَادوا قُلْنَا: لَا
قَالَ: أَرَادوا أَن يزحموا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعقبَة فَيُلْقُوهُ مِنْهَا
قُلْنَا يَا رَسُول الله أَلا تبْعَث إِلَى عَشَائِرهمْ حَتَّى يبْعَث إِلَيْك كل قوم بِرَأْس صَاحبهمْ قَالَ: لَا إِنِّي أكره أَن تحدث الْعَرَب بَينهَا: أَن مُحَمَّد قَاتل بِقوم حَتَّى إِذا أظهره الله بهم أقبل عَلَيْهِم يقتلهُمْ ثمَّ قَالَ: اللهمَّ اِرْمِهِمْ بِالدُّبَيْلَةِ
قُلْنَا يَا رَسُول الله وَمَا الدُّبَيْلَة قَالَ: شهَاب من نَار يوضع على نِيَاط قلب أحدهم فَيهْلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهموا بِمَا لم ينالوا} قَالَ: أَرَادوا أَن يتوّجوا عبد الله بن أبي وَإِن لم يرض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح {وهموا بِمَا لم ينالوا} قَالَ: هموا أَن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ
أَن مولى لبني عدي بن كَعْب قتل رجلا من الْأَنْصَار فَقضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ اثْنَي عشر ألفا وَفِيه نزلت {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قتل رجل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل

(4/244)


دِيَته اثْنَي عشر ألفا وَذَلِكَ قَوْله {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله} قَالَ: بأخذهم الدِّيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله} قَالَ: كَانَت لَهُ دِيَة قد غلب عَلَيْهَا فأخرجها لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَ جلاس يحمل حمالَة أَو كَانَ عايه دين فَأدى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك قَوْله {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: ثمَّ دعاهم إِلَى التَّوْبَة فَقَالَ {فَإِن يتوبوا يَك خيرا لَهُم وَإِن يتولوا يعذبهم الله عذَابا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} فاما عَذَاب الدُّنْيَا فالقتل وَأما عَذَاب الْآخِرَة فَالنَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ان قوما قد هموا بهم سوءا وَأَرَادُوا أمرا فليقوموا فليستغفروا فَلم يقم أحد ثَلَاث مرار فَقَالَ: قُم يَا فلَان قُم يَا فلَان
فَقَالُوا: نَسْتَغْفِر الله تَعَالَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لانا دعوتكم إِلَى التَّوْبَة وَالله أسْرع إِلَيْكُم بهَا وَأَنا أطيب لكم نفسا بالاستغفار أخرجُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: احفظ عني كل شَيْء فِي الْقُرْآن {وَمَا لَهُم فِي الأَرْض من ولي وَلَا نصير} فَهِيَ للْمُشْرِكين فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فَمَا أَكثر شفعاءهم وأنصارهم

الْآيَات 75 - 78

(4/245)


وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)

أخرج الْحسن بن سُفْيَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والعسكري فِي الْأَمْثَال وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه والباوردي وَأَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ ثَعْلَبَة بن حَاطِب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يَرْزُقنِي مَالا
قَالَ: وَيحك يَا ثَعْلَبَة

أما ترْضى أَن تكون مثلي فَلَو شِئْت أَن يسير رَبِّي هَذِه الْجبَال معي لَسَارَتْ
قَالَ: يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يَرْزُقنِي مَالا فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ إِن آتَانِي الله مَالا لَأُعْطيَن كل ذِي حق حَقه
قَالَ: وَيحك يَا ثَعْلَبَة

قَلِيل تطِيق شكره خير من كثير لَا تطِيق شكره
فَقَالَ: يَا رَسُول الله ادْع الله تَعَالَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللهمَّ ارزقه مَالا
فاتَّجَرَ وَاشْترى غنما فبورك لَهُ فِيهَا ونمت كَمَا يَنْمُو الدُّود حَتَّى ضَاقَتْ بِهِ الْمَدِينَة فَتنحّى بهَا - فَكَانَ يشْهد الصَّلَاة بِالنَّهَارِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يشهدها بِاللَّيْلِ ثمَّ نمت كَمَا يَنْمُو الدُّود فَتنحّى بهَا فَكَانَ لَا يشْهد الصَّلَاة بِالنَّهَارِ وَلَا بِاللَّيْلِ إِلَّا من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نمت كَمَا يَنْمُو الدُّود فَضَاقَ بِهِ مَكَانَهُ فَتنحّى بِهِ فَكَانَ لَا يشْهد جُمُعَة وَلَا جَنَازَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يتلَقَّى الركْبَان ويسألهم عَن الْأَخْبَار
وفقده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ عَنهُ فأخبروه أَن اشْترى غنما وَأَن الْمَدِينَة ضَاقَتْ بِهِ وَأَخْبرُوهُ بِخَبَرِهِ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيْح ثَعْلَبَة بن حَاطِب

ثمَّ إِن الله تَعَالَى أَمر رَسُوله أَن يَأْخُذ الصَّدقَات وَأنزل الله تَعَالَى (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة) (التَّوْبَة الْآيَة 103)
فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْنِ رجلا من جُهَيْنَة ورجلاً من بني سَلمَة يأخذان الصَّدقَات فَكتب لَهما اسنان الابل وَالْغنم كَيفَ يأخذانها على وَجههَا وَأَمرهمَا أَن يمرا على ثَعْلَبَة بن حَاطِب وبرجل من بني سليم فَخَرَجَا فمرا بِثَعْلَبَة فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَة
فَقَالَ: ارياني كتابكما فَنظر فِيهِ فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَة انْطَلقَا حَتَّى تفرغا ثمَّ مرا بِي
قَالَ: فَانْطَلقَا وَسمع بهما السليمي فَاسْتَقْبَلَهُمَا بِخِيَار إبِله فَقَالَا: إِنَّمَا عَلَيْك دون هَذَا
فَقَالَ: مَا كنت أَتَقَرَّب إِلَى الله إِلَّا بِخَير مَالِي فقبلاه فَلَمَّا فرغا مرا بِثَعْلَبَة فَقَالَ: أرياني كتابكما
فَنظر فِيهِ فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَة
انْطَلقَا حَتَّى أرى رَأْيِي
فَانْطَلقَا حَتَّى قدما الْمَدِينَة فَلَمَّا رآهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قبل أَن يكلمهما: وَيْح ثَعْلَبَة بن حَاطِب
ودعا للسليمي بِالْبركَةِ وَأنزل الله

(4/246)


{وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن} الثَّلَاث آيَات
قَالَ: فَسمع بعض من أقَارِب ثَعْلَبَة فَأتى ثَعْلَبَة فَقَالَ: وَيحك يَا ثَعْلَبَة

أنزل الله فِيك كَذَا وَكَذَا
قَالَ: فَقدم ثَعْلَبَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه صَدَقَة مَالِي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله تَعَالَى قد مَنَعَنِي أَن أقبل مِنْك
قَالَ: فَجعل يبكي ويحثي التُّرَاب على رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا عَمَلك بِنَفْسِك أَمرتك فَلم تُطِعْنِي
فَلم يقبل مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مضى
ثمَّ أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ: يَا أَبَا بكر اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الْأَنْصَار
فَقَالَ أَبُو بكر: لم يقبلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقبلها فَلم يقبلهَا أَبُو بكر ثمَّ ولي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا حَفْص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقبل مني صدقتي
وتوسل إِلَيْهِ بالمهاجرين وَالْأَنْصَار وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ عمر: لم يقبلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَبُو بكر أقبلها أَنا فَأبى أَن يقبلهَا ثمَّ ولي عُثْمَان فَهَلَك فِي خلَافَة عُثْمَان وَفِيه نزلت (الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات) (التَّوْبَة الْآيَة 79) قَالَ: وَذَلِكَ فِي الصَّدَقَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن ولنكونن من الصَّالِحين} وَذَلِكَ أَن رجلا كَانَ يُقَال لَهُ ثَعْلَبَة من الْأَنْصَار أَتَى مَجْلِسا فاشهدهم فَقَالَ: لَئِن آتَانِي الله من فَضله آتيت كل ذِي حق حَقه وتصدقت مِنْهُ وَجعلت مِنْهُ لِلْقَرَابَةِ
فابتلاه الله فَأَتَاهُ من فَضله
فأخلف مَا وعده فأغضب الله بِمَا أخلفه مَا وعده نقص الله شَأْنه فِي الْقُرْآن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: اعتبروا الْمُنَافِق بِثَلَاث: إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا عَاهَدَ غدر وَذَلِكَ بِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عمر قَالَ: ثَلَاث من كن فِيهِ فَهُوَ مُنَافِق
إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا ائْتمن خَان
وتلا هَذِه الْآيَة {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله} إِلَى آخر الْآيَة

(4/247)


وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث
إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا ائْتمن خَان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: سَمِعت بِالثلَاثِ الَّتِي تذكر فِي الْمُنَافِق
إِذا ائْتمن خَان وَإِذا وعد أخلف وَإِذا حدث كذب فالتمستها فِي الْكتاب زَمَانا طَويلا حَتَّى سَقَطت عَلَيْهَا بعد حِين وجدنَا الله تَعَالَى يذكر فِيهِ {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله} إِلَى قَوْله {وَبِمَا كَانُوا يكذبُون} و (إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض) (الْأَحْزَاب الْآيَة 72) إِلَى آخر الْآيَة (وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 1) إِلَى قَوْله (وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن رجلا من الْأَنْصَار هُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا فَمَاتَ ابْن عَم لَهُ فورث مِنْهُ مَالا فبخل بِهِ وَلم يَفِ الله بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ فأعقبه بذلك نفَاقًا إِلَى أَن يلقاه قَالَ: ذَلِك {بِمَا أخْلفُوا الله مَا وعدوه وَبِمَا كَانُوا يكذبُون}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي قلَابَة قَالَ: مثل أَصْحَاب الْأَهْوَاء مثل الْمُنَافِقين كَلَامهم شَتَّى وجماع أَمرهم النِّفَاق ثمَّ تَلا {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله} {وَمِنْهُم من يَلْمِزك} التَّوْبَة الْآيَة 58 {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} التَّوْبَة الْآيَة 61
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بِمَا أخْلفُوا الله مَا وعدوه وَبِمَا كَانُوا يكذبُون} قَالَ: اجتنبوا الْكَذِب فَإِنَّهُ بَاب من النِّفَاق وَعَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِنَّهُ بَاب من الإِيمان وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدث أَن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما جَاءَ بِالتَّوْرَاةِ لبني إِسْرَائِيل قَالَت بَنو إِسْرَائِيل: إِن التَّوْرَاة كَثِيرَة وانا لَا نفرغ لَهَا فسل لنا جماعاً من الْأَمر نحافظ عَلَيْهِ ونتفرغ لمعايشنا
قَالَ: مهلا مهلا أَي قوم هَذَا كتاب الله وَبَيَان الله وَنور الله وعصمة الله
فَردُّوا عَلَيْهِ مثل مقالتهم فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَقَالَ الرب تبَارك وَتَعَالَى: فَإِنِّي آمُرهُم إِن هم حَافظُوا عَلَيْهِنَّ دخلُوا الْجنَّة بِهن: أَن يتناهوا إِلَى قسْمَة مواريثهم وَلَا يتظالموا فِيهَا وَأَن لَا يدخلُوا أَبْصَارهم الْبيُوت حَتَّى يُؤذن لَهُم وَأَن لَا يطعموا طَعَاما حَتَّى يتوضأوا كوضوء الصَّلَاة
فَرجع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قومه بِهن فَفَرِحُوا وَرَأَوا أَن سيقومون بِهن فوَاللَّه إِن لبث الْقَوْم إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جنحوا فَانْقَطع بهم فَلَمَّا حدث نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا

(4/248)


عَن بني إِسْرَائِيل قَالَ: تكفلوا لي بست أتكفل لكم بِالْجنَّةِ
إِذا حدثتم فَلَا تكذبوا وَإِذا وعدتم فَلَا تخلفوا وَإِذا ائتمنتم فَلَا تخونوا وغضوا أبصاركم وَكفوا أَيْدِيكُم وفروجكم
قَالَ قَتَادَة: شَدَّاد وَالله إِلَّا من عصم الله

الْآيَة 79

(4/249)


الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)

أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت آيَة الصَّدَقَة كُنَّا نتحامل على ظُهُورنَا فجَاء رجل فَتصدق بِشَيْء كثير فَقَالُوا مراء وَجَاء أَبُو عقيل بِنصْف صَاع فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة هَذَا
فَنزلت {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} الْآيَة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدقوا فَإِنِّي أُرِيد أَن أبْعث بعثاً فجَاء عبد الرَّحْمَن فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي أَرْبَعَة آلَاف أَلفَيْنِ أقْرضهُمَا رَبِّي وألفين لِعِيَالِي
فَقَالَ: بَارك الله لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَبَارك لَك فِيمَا أَمْسَكت وَجَاء رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي بت أجر الْحَرِير فَأَصَبْت صَاعَيْنِ من تمر فصاعاً أقْرضهُ رَبِّي وصاعاً لِعِيَالِي فَلَمَزَهُ المُنَافِقُونَ قَالُوا: وَالله مَا أعْطى ابْن عَوْف الَّذِي أعْطى إِلَّا رِيَاء
وَقَالُوا: أَو لم يكن الله وَرَسُوله غَنِيَّيْنِ عَن صَاع هَذَا فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِصَدَقَتِهِ وَجَاء المطوعون من الْمُؤمنِينَ وَجَاء أَبُو عقيل بِصَاع فَقَالَ: يَا رَسُول الله بت أجر الْحَرِير فَأَصَبْت صَاعَيْنِ من تمر فجئتك باحدهما وَتركت الآخر لأهلي قوتهم فَقَالَ المُنَافِقُونَ: مَا جَاءَ عبد الرَّحْمَن وَأُولَئِكَ إِلَّا رِيَاء وَإِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة أبي عقيل فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين} الْآيَة

(4/249)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أبي عقيل قَالَ بت أجر الْحَرِير على ظَهْري على صَاعَيْنِ من تمر فَانْقَلَبت بِأَحَدِهِمَا إِلَى أَهلِي يتبلغون بِهِ وَجئْت بِالْآخرِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى رَبِّي فاخبرته بِالَّذِي كَانَ فَقَالَ: اُنْثُرْهُ فِي الْمَسْجِد
فَسخرَ الْقَوْم وَقَالُوا: لقد كَانَ الله غَنِيا عَن صَاع هَذَا الْمِسْكِين فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين} الْآيَة
قَالَ: جَاءَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء رجل من الْأَنْصَار بِصَاع من طَعَام فَقَالَ بعض الْمُنَافِقين: وَالله مَا جَاءَ عبد الرَّحْمَن بِمَا جَاءَ بِهِ إلاّ رِيَاء وَقَالُوا: إِن كَانَ الله وَرَسُوله لغَنِيَّيْنِ عَن هَذَا الصَّاع
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ: الَّذِي تصدق بِصَاع التَّمْر فَلَمَزَهُ المُنَافِقُونَ: أَبُو خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن قَانِع وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن عُثْمَان البلوي عَن جدته ليلى بن عدي
أَن أمهَا عميرَة بنت سهل بن رَافع صَاحب الصاعين الَّذِي لمزه المُنَافِقُونَ أخْبرتهَا أَنه خرج بِصَاع من تمر وَابْنَته عميرَة حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَاع من تمر فَصَبَّهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} قَالَ: تصدق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِشَطْر مَاله ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِن عبد الرَّحْمَن لعَظيم الرِّيَاء
فَقَالَ الله عز وَجل {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} وَكَانَ لرجل من الْأَنْصَار صَاعَانِ من تمر فجَاء بِأَحَدِهِمَا فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِن كَانَ الله عَن صَاع هَذَا لَغَنِيّ وَكَانَ المُنَافِقُونَ يطعنون عَلَيْهِم ويسخرون مِنْهُم فَقَالَ الله عز وَجل {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ فيسخرون مِنْهُم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن قَتَادَة قَالَ أقبل رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين يُقَال لَهُ الْحجاب أَبُو عقيل قَالَ: يَا نَبِي الله بت أجر الْحَرِير اللَّيْلَة على صَاعَيْنِ من تمر فاما صَاع فأمسكته لأهلي وَأما صَاع فَهُوَ ذَا
فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِن كَانَ الله وَرَسُوله لغَنِيَّيْنِ عَن

(4/250)


صَاع هَذَا فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين من الْمُؤمنِينَ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا النَّاس للصدقة فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بأَرْبعَة آلَاف فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه صَدَقَة
فَلَمَزَهُ بعض الْقَوْم فَقَالَ: مَا جَاءَ بِهَذِهِ عبد الرَّحْمَن إِلَّا رِيَاء وَجَاء أَبُو عقيل بِصَاع من تمر فَقَالَ بعض الْقَوْم: مَا كَانَ الله أغْنى عَن صَاع أبي عقيل فَنزلت {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} إِلَى قَوْله {فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين أَن يجمعوا صَدَقَاتهمْ وَكَانَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار فجَاء بأَرْبعَة آلَاف دِينَار صَدَقَة فَقَالَ: هَذَا مَا أفرضه الله وَقد بَقِي مثله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بورك لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَفِيمَا أَمْسَكت وَجَاء أَبُو نهيك رجل من الْأَنْصَار بِصَاع تمر نزع عَلَيْهِ ليله كُله لما أصبح جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين: إِن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لعَظيم الرِّيَاء وَقَالَ للْآخر: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَاع هَذَا
فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} عبد الرَّحْمَن بن عَوْف {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} صَاحب الصَّاع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: أصَاب النَّاس جهد عَظِيم فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتصدقوا فَقَالَ أَيهَا النَّاس تصدقوا
فَجعل أنَاس يتصدقون فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بأربعمائة أُوقِيَّة من ذهب فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَانَ لي ثَمَانمِائَة أُوقِيَّة من ذهب فَجئْت بأربعمائة أُوقِيَّة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللهمَّ بَارك لَهُ فِيمَا أعْطى وَبَارك فِيمَا أمسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم فطر أخرج عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مَالا عَظِيما وَأخرج عَاصِم بن عدي كَذَلِك وَأخرج رجل صَاعَيْنِ وَآخر صَاعا
فَقَالَ قَائِل من النَّاس: إِن عبد الرَّحْمَن إِنَّمَا جَاءَ بِمَا جَاءَ بِهِ فخراً ورياء واما صَاحب الصَّاع أَو الصاعين فَإِن الله وَرَسُوله غنيان عَن صَاع وَصَاع فسخروا بهم فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين أَن يتصدقوا فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: انما ذَلِك مَال وافر فَأخذ نصفه

(4/251)


قَالَ: فَجئْت أحمل مَالا كثيرا
فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُنَافِقين: أترائي يَا عمر قَالَ: نعم
أرائي الله وَرَسُوله فاما غَيرهمَا فَلَا
قَالَ: وَجَاء رجل من الْأَنْصَار لم يكن عِنْده شَيْء فأجر نَفسه بجر الْحَرِير على رقبته بصاعين ليلته فَترك صَاعا لِعِيَالِهِ وَجَاء بِصَاع يحملهُ فَقَالَ لَهُ بعض الْمُنَافِقين: إِن الله وَرَسُوله عَن صاعك لَغَنِيَّانِ
فَذَلِك قَوْله {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين} أَي يطعنون على الْمُطوِّعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} قَالَ: هُوَ رِفَاعَة بن سعد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} قَالَ: الْجهد فِي الْقُوت والجهد فِي الْعَمَل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان فِي الْآيَة قَالَ: الْجهد جهد الإِنسان والجهد فِي ذَات الْيَد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَ الَّذِي تصدق بِجهْدِهِ أَبُو عقيل واسْمه سهل بن رَافع أَتَى بِصَاع من تمر فافرغها فِي الصَّدَقَة فَتَضَاحَكُوا بِهِ وَقَالُوا: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة أبي عقيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَاما للنَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس تصدقوا أشهد لكم بهَا يَوْم الْقِيَامَة أَلا لَعَلَّ أحدكُم أَن يبيت فصاله راو وَابْن عَمه طاو أَلا لَعَلَّ أحدكُم أَن يُثمر مَاله وجاره مِسْكين لَا يقدر على شَيْء الا رجل منح نَاقَة من ابله يَغْدُو برفد وَيروح برفد يَغْدُو بصبوح أهل بَيت وَيروح بغبوقهم أَلا إِن أجرهَا لعَظيم
فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي أَرْبَعَة ذود
فَقَامَ آخر قصير الْقَامَة قَبِيح السّنة يَقُود نَاقَة لَهُ حسناء جميلَة فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين كلمة خُفْيَة لَا يرى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمعهَا: نَاقَته خير مِنْهُ
فَسَمعَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كذبت هُوَ خير مِنْك وَمِنْهَا ثمَّ قَامَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي ثَمَانِيَة آلَاف تركت أَرْبَعَة مِنْهَا لِعِيَالِي وَجئْت بأَرْبعَة أقدمها لله فتكاثر المُنَافِقُونَ مَا جَاءَ بِهِ ثمَّ قَامَ عَاصِم بن عدي الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي سَبْعُونَ وسْقا جذاذ الْعَام فتكاثر المُنَافِقُونَ مَا جَاءَ بِهِ وَقَالُوا: جَاءَ هَذَا بأَرْبعَة آلَاف

(4/252)


وَجَاء هَذَا بسبعين وسْقا للرياء والسمعة فَهَلا أخفياها فَهَلا فرقاها
ثمَّ قَامَ رجل من الْأَنْصَار اسْمه الْحجاب يكنى أَبَا عقيل فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا لي من مَال غير اني أجرت نَفسِي من بني فلَان أجر الْحَرِير فِي عنقِي على صَاعَيْنِ من تمر فَتركت صَاعا لِعِيَالِي وحئت بِصَاع أقربه إِلَى الله تَعَالَى فَلَمَزَهُ المُنَافِقُونَ وَقَالُوا: جَاءَ أهل الابل بالابل وَجَاء أهل الْفضة بِالْفِضَّةِ وَجَاء هَذَا بتمرات يحملهَا فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين} الْآيَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي السَّلِيل قَالَ: وقف علينا شيخ فِي مَجْلِسنَا فَقَالَ: حَدثنِي أبي أَو عمي أَنه شهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالبَقِيعِ قَالَ من يتَصَدَّق الْيَوْم بِصَدقَة أشهد لَهُ بهَا عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة
فجَاء رجل - لَا وَالله مَا البقيع رجل أَشد سَواد وَجه مِنْهُ وَلَا أقصر قامة وَلَا أَذمّ فِي عين مِنْهُ - بِنَاقَة - لَا وَالله مَا بِالبَقِيعِ شَيْء أحسن مِنْهَا - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه صَدَقَة قَالَ: نعم يَا رَسُول الله
فَلَمَزَهُ رجل فَقَالَ: يتَصَدَّق بهَا وَالله لهي خير مِنْهُ
فَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلمته فَقَالَ: كذبت بل هُوَ خير مِنْك وَمِنْهَا كذبت بل هُوَ خير مِنْك وَمِنْهَا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الا من قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَقَلِيل مَا هم ثمَّ قَالَ: قد أَفْلح المزهد المجهد قد أَفْلح المزهد المجهد
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ جهد الْمقل وابدأ بِمن تعول

الْآيَة 80

(4/253)


اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة أَن عبد الله بن أبي قَالَ لأَصْحَابه: لَوْلَا أَنكُمْ تنفقون على مُحَمَّد وَأَصْحَابه لانفضوا من حوله وَهُوَ الْقَائِل (ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 8) فَأنْزل الله عز وَجل {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}

(4/253)


قَالَ النَّبِي لأزيدن على السّبْعين
فَأنْزل الله (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: لما نزلت {إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سأزيد على سبعين فَأنْزل الله فِي السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ (لن يغْفر الله لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة اسْمَع رَبِّي قد رخص لي فيهم فوَاللَّه لأَسْتَغْفِرَن أَكثر من سبعين مرّة لَعَلَّ الله أَن يغْفر لَهُم
فَقَالَ الله من شدَّة غَضَبه عَلَيْهِم (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول: لما توفّي عبد الله بن أبي دعِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِ فَلَمَّا وقف قلت أَعلَى عدوّ الله عبد الله بن أبي الْقَائِل كَذَا وَكَذَا وَالْقَائِل كَذَا وَكَذَا أعدد أَيَّامه وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبسم حَتَّى إِذا أكثرت قَالَ يَا عمر أخر عني اني قد خيرت قد قيل لي {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة} فَلَو أعلم أَنِّي إِن زِدْت على السّبْعين غفر لَهُ لزدت عَلَيْهَا ثمَّ صلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَشى مَعَه حَتَّى قَامَ على قَبره حَتَّى فرغ مِنْهُ فعجبت لي ولجراءتي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالله رَسُوله أعلم - فوَاللَّه مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرا حَتَّى نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (التَّوْبَة الْآيَة 84) فَمَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُنَافِق بعده حَتَّى قَبضه الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد أصبت فِي الإِسلام هفوة مَا أصبت مثلهَا قطّ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي على عبد الله بن أبي فَأخذت بِثَوْبِهِ فَقلت: وَالله مَا أَمرك الله بِهَذَا لقد قَالَ الله {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد خيرني رَبِّي فَقَالَ {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} فَقعدَ رَسُول

(4/254)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على شَفير الْقَبْر فَجعل النَّاس يَقُولُونَ لِابْنِهِ: يَا حباب افْعَل كَذَا يَا حباب افْعَل كَذَا: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحباب اسْم شَيْطَان أَنْت عبد الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {اسْتغْفر لَهُم} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي الصَّلَاة على الْمُنَافِقين قَالَ: لما مَاتَ عبد الله بن أُبي بن سلول الْمُنَافِق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعلم إِن استغفرت لَهُ إِحْدَى وَسبعين مرّة غفر لَهُ لفَعَلت فصلى عَلَيْهِ الله الصَّلَاة على الْمُنَافِقين وَالْقِيَام على قُبُورهم فَأنْزل الله (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (التَّوْبَة الْآيَة 84) وَنزلت العزمة فِي سُورَة الْمُنَافِقين (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6) الْآيَة

الْآيَة 81

(4/255)


فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله} قَالَ: عَن غَزْوَة تَبُوك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي المتخلفون بِأَن قعدوا خلاف رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت تَبُوك آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي غَزْوَة الْحر
قَالُوا: لَا تنفرُوا فِي الْحر وَهِي غَزْوَة الْعسرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر النَّاس أَن ينبعثوا مَعَه وَذَلِكَ فِي الصَّيف
فَقَالَ رجال: يَا رَسُول الله الْحر شَدِيد وَلَا نستطيع الْخُرُوج فَلَا تنفرُوا فِي الْحر
فَقَالَ الله {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ} فَأمره بِالْخرُوجِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تنفرُوا فِي الْحر} قَالَ: قَول الْمُنَافِقين يَوْم غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك

(4/255)


وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره قَالُوا: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حر شَدِيد إِلَى تَبُوك فَقَالَ رجل من بني سَلمَة: لَا تنفرُوا فِي الْحر
فَأنْزل الله {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: اسْتَدَارَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال من الْمُنَافِقين حِين أذن للْجدّ بن قيس ليستأذنوه ويقولوا: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لنا فَإنَّا لَا نستطيع أَن ننفر فِي الْحر فَأذن لَهُم واعرض عَنْهُم
فَأنْزل الله {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا} الْآيَة

الْآيَة 82

(4/256)


فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ وَالْكفَّار الَّذين اتَّخذُوا من دينهم هزوا وَلَعِبًا يَقُول الله تَعَالَى {فليضحكوا قَلِيلا} فِي الدُّنْيَا {وليبكوا كثيرا} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فليضحكوا قَلِيلا} قَالَ: الدُّنْيَا قَلِيل فليضحكوا فِيهَا مَا شاؤوا فَإِذا انْقَطَعت الدُّنْيَا وصاروا إِلَى الله تَعَالَى استأنفوا بكاء لَا يَنْقَطِع أبدا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رزين
مثله
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ وأسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ أطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا أَن تئط مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا وَملك وَاضع جَبهته لله سَاجِدا وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَمَا تلذذتم بِالنسَاء على الْفرش ولخرجتم إِلَى الصعدات تجارون إِلَى الله لَوَدِدْت أَنِّي كنت شَجَرَة تعضد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا فَإِن أهل النَّار يَبْكُونَ حَتَّى تسيل

(4/256)


دموعهم فِي وُجُوههم كَأَنَّهَا جداول حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوع فتسيل فتقرح الْعُيُون فَلَو أَن سفناً أرخيت فِيهَا لجرت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن زيد بن رفيع رَفعه قَالَ: إِن أهل النَّار إِذا دخلُوا النَّار بكوا الدُّمُوع زَمَانا ثمَّ بكوا الْقَيْح زَمَانا فَتَقول لَهُم الخزنة: يَا معشر الأشقياء تركْتُم الْبكاء فِي الدَّار المرحوم فِيهَا أَهلهَا فِي الدُّنْيَا هَل تَجِدُونَ الْيَوْم من تَسْتَغِيثُونَ بِهِ فيرفعون أَصْوَاتهم: يَا أهل الْجنَّة يَا معشر الْآبَاء والأمهات وَالْأَوْلَاد خرجنَا من الْقُبُور عطاشاً وَكُنَّا طول الْموقف عطاشا وَنحن الْيَوْم عطاشاً فافيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله
فَيدعونَ أَرْبَعِينَ سنة لَا يُجِيبهُمْ ثمَّ يُجِيبهُمْ إِنَّكُم مَاكِثُونَ
فييأسون من كل خير
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
أَنه خطب النَّاس بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا فَإِن أهل النَّار يَبْكُونَ الدُّمُوع حَتَّى تَنْقَطِع ثمَّ يَبْكُونَ الدِّمَاء حَتَّى لَو أجري فِيهَا السفن لجرت
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَلَو تعلمُونَ حق الْعلم لصرخ أحدكُم حَتَّى يَنْقَطِع صَوته ولسجد حَتَّى يَنْقَطِع صلبه
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم تَبْكُونَ لَا تَدْرُونَ تنجون أَو لَا تنجون

الْآيَة 83

(4/257)


فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر رجلا من الْمُنَافِقين وَفِيهِمْ قيل مَا قيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة يَقُول: أَرَأَيْت إِن نفرت فاستأذنوك أَن ينفروا مَعَك فَقل: لن تخْرجُوا معي أبدا

(4/257)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاقعدوا مَعَ الخالفين} قَالَ: هم الرِّجَال الَّذين تخلفوا عَن النفور

الْآيَات 84 - 85

(4/258)


وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)

أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر قَالَ: لما توفّي عبد الله بن أُبي بن سلول أَتَى ابْنه عبد الله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه ليكفنه فِيهِ
فَأعْطَاهُ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَأخذ ثَوْبه فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقد نهاك الله أَن تصلي على الْمُنَافِقين فَقَالَ إِن رَبِّي خيَّرني وَقَالَ (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (التَّوْبَة الْآيَة 80) وسأزيد على السّبْعين فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق فصلى عَلَيْهِ
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} فَترك الصَّلَاة عَلَيْهِم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَن عبد الله بن عبد الله بن أبي قَالَ لَهُ أَبوهُ: أَي بني اطلب لي ثوبا من ثِيَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَفِّنِّي فِيهِ ومره أَن يُصَلِّي عليَّ
قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد عرفت شرف عبد الله وَهُوَ يطْلب إِلَيْك ثوبا من ثِيَابك نكفنه فِيهِ وَتصلي عَلَيْهِ فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله قد عرفت عبد الله ونفاقه
أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقد نهاك الله أَن تصلي عَلَيْهِ فَقَالَ: وَابْن فَقَالَ (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (التَّوْبَة الْآيَة 80) قَالَ: فَإِنِّي سأزيد على سبعين
فَأنْزل الله عز وَجل {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} الْآيَة
قَالَ: فَأرْسل إِلَى عمر فَأخْبرهُ بذلك وَأنزل الله (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)

(4/258)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لما مرض عبد الله بن أُبي بن سلول مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ صلى عَلَيْهِ وَقَامَ على قَبره
قَالَ: فوَاللَّه إِن مكثنا إِلَّا ليَالِي حَتَّى نزلت {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} الْآيَة
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ مَاتَ رَأس الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ فأوصى أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن يُكَفِّنهُ فِي قَمِيصه فجَاء ابْنه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أبي أوصى أَن يُكفن فِي قَمِيصك فصلى عَلَيْهِ وَألبسهُ قَمِيصه وَقَامَ على قَبره فَأنْزل الله {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره}
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يُصَلِّي على عبد الله بن أبي فَأخذ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِثَوْبِهِ وَقَالَ {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: وقف نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عبد الله بن أبي فَدَعَاهُ فَأَغْلَظ لَهُ وَتَنَاول لحية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو أَيُّوب: كف يدك عَن لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه لَئِن أذن لأضعن فِيك السِّلَاح وَأَنه مرض فَأرْسل إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُ فَدَعَا بِقَمِيصِهِ فَقَالَ عمر: وَالله مَا هُوَ بِأَهْل أَن تَأتيه
قَالَ: بلَى
فَأَتَاهُ فَقَالَ: أهلكتك موادّتك الْيَهُود قَالَ: إِنَّمَا دعوتك لِتَسْتَغْفِر لي وَلم أدعك لِتؤَنِّبنِي
قَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصك لأكفن فِيهِ
فَأعْطَاهُ وَنَفث فِي جلده وَنزل فِي قَبره فَأنْزل الله {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} الْآيَة قَالَ: فَذكرُوا الْقَمِيص
قَالَ: وَمَا يُغني عَنهُ قَمِيصِي وَالله إِنِّي لأرجو أَن يسلم بِهِ أَكثر من ألف من بني الْخَزْرَج فَأنْزل الله {وَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ} الْآيَة

الْآيَة 86

(4/259)


وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أولُوا الطول} قَالَ: أهل الْغنى

(4/259)


الْآيَات 87 - 89

(4/260)


رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} قَالَ: مَعَ النِّسَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص أَن عَليّ بن أبي طَالب خرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جَاءَ ثنية الْوَدَاع يُرِيد تَبُوك وَعلي يبكي وَيَقُول: تخلفني مَعَ الْخَوَالِف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى إِلَّا النبوّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} قَالَ: رَضوا بِأَن يقعدوا كَمَا قعدت النِّسَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} أَي النِّسَاء {وطبع على قُلُوبهم} أَي بأعمالهم

الْآيَة 90

(4/260)


وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} يَعْنِي أهل الْعذر مِنْهُم ليؤذن لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} قَالَ: هم أهل الْأَعْذَار وَكَانَ يقْرؤهَا {وَجَاء المعذرون} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} وَيَقُول: لعن الله المعذرين

(4/260)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: من قَرَأَهَا {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} خَفِيفَة قَالَ: بَنو مقرن وَمن قَرَأَهَا {وَجَاء المعذرون} قَالَ: اعتذروا بِشَيْء لَيْسَ لَهُم عذر بِحَق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
أَنه كَانَ يقْرَأ {وَجَاء المعذرون} قَالَ: اعتذروا بِشَيْء لَيْسَ لَهُم عذر بِحَق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن إِسْحَق فِي قَوْله {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} قَالَ: ذكر لي أَنهم نفر من بني غفار جاؤوا فاعتذروا مِنْهُم خفاف بن إِيمَاء من خرصة

الْآيَة 91

(4/261)


لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كنت أكتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرَاءَة فَكنت أكتب مَا أنزل الله عَلَيْهِ فَإِنِّي لواضع الْقَلَم على أُذُنِي إِذْ أمرنَا بِالْقِتَالِ فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر مَا ينزل عَلَيْهِ إِذْ جَاءَ أعمى فَقَالَ: كَيفَ بِي يَا رَسُول الله وَأَنا أعمى فَنزلت {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} الْآيَة
قَالَ نزلت فِي عَائِذ بن عَمْرو وَفِي غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: نزل من عِنْد قَوْله (عَفا الله عَنْك) (التَّوْبَة الْآيَة 43) إِلَى قَوْله {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وَالله غَفُور رَحِيم} فِي الْمُنَافِقين
أما قَوْله تَعَالَى: {إِذا نصحوا لله وَرَسُوله}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ثُمَامَة الصائدي قَالَ: قَالَ الحواريون: يَا روح الله أخبرنَا من

(4/261)


الناصح لله قَالَ: الَّذِي يُؤثر حق الله على حق النَّاس وَإِذا حدث لَهُ أَمْرَانِ أَو بدا لَهُ أَمر الدُّنْيَا وَأمر الْآخِرَة بَدَأَ الَّذِي للآخرة ثمَّ تفرغ للَّذي الدُّنْيَا
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدّين النَّصِيحَة
قَالُوا: لمن يَا رَسُول الله قَالَ: لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدّين النَّصِيحَة
قيل: لمن يَا رَسُول الله قَالَ: لله وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن جرير قَالَ بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة والنصح لكل مُسلم
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله عز وَجل: أحب مَا تعبدني بِهِ عَبدِي إِلَى النصح لي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه
أَن رَاهِبًا قَالَ لرجل: أوصيك بالنصح لله نصح الْكَلْب لأَهله فَإِنَّهُم يجيعونه ويطردونه ويأبى إِلَّا أَن يحوطهم وينصحهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} قَالَ: مَا على هَؤُلَاءِ من سَبِيل بِأَنَّهُم نصحوا لله وَرَسُوله وَلم يطيقوا الْجِهَاد فعذرهم الله وَجعل لَهُم من الْأجر مَا جعل للمجاهدين ألم تسمع أَن الله يَقُول (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر) (النِّسَاء الْآيَة 95) فَجعل الله للَّذين عذر من الضُّعَفَاء وأولي الضَّرَر وَالَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ من الْأجر مثل مَا جعل للمجاهدين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قفل من غَزْو تَبُوك فَأَشْرَف على الْمَدِينَة قَالَ: لقد تركْتُم بِالْمَدِينَةِ رجَالًا مَا سِرْتُمْ فِي مسير وَلَا أنفقتم من نَفَقَة وَلَا قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ فِيهِ
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَكَيف يكونُونَ مَعنا وهم بِالْمَدِينَةِ قَالَ: حَبسهم الْعذر
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/262)


لقد خَلفْتُمْ بِالْمَدِينَةِ رجَالًا مَا قطعْتُمْ وَاديا وَلَا سلكتم طَرِيقا إِلَّا شَركُوكُمْ فِي الْأجر حَبسهم الْمَرَض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} وَالله لأهل الْإِسَاءَة {غَفُور رَحِيم}

الْآيَة 92

(4/263)


وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد خَلفْتُمْ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا أنفقتم من نَفَقَة وَلَا قطعْتُمْ وَاديا وَلَا نلتم من عدوّ نيلاً إِلَّا وَقد شَركُوكُمْ فِي الْأجر ثمَّ قَرَأَ {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينبعثوا غازين فَجَاءَت عِصَابَة من أَصْحَابه فيهم عبد الله بن معقل الْمُزنِيّ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله احْمِلْنَا فَقَالَ وَالله مَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
فتولوا وَلَهُم بكاء وَعز عَلَيْهِم أَن يحبسوا عَن الْجِهَاد وَلَا يَجدونَ نَفَقَة وَلَا محملًا
فَأنْزل الله عذرهمْ {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَيَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن معقل قَالَ: إِنِّي لمن الرَّهْط الَّذين ذكر الله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: جَاءَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستحملونه فَقَالَ لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ فَأنْزل الله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
قَالَ: وهم سَبْعَة نفر من بني عمر بن عَوْف سَالم بن عُمَيْر وَمن بني واقن حرميّ بن عَمْرو وَمن بني مَازِن ابْن النجار عبد الرَّحْمَن بن كَعْب يكنى أَبَا ليلى وَمن بني المعلي سلمَان بن صَخْر وَمن بني حَارِثَة عبد الرَّحْمَن بن زيد أَبُو عبلة وَمن بني سَلمَة عَمْرو بن غنمة وَعبد الله بن عَمْرو الْمُزنِيّ

(4/263)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مجمع بن حَارِثَة قَالَ: الَّذين استحملوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ سَبْعَة نفر
علية بن زيد الْحَارِثِيّ وَعمر بن غنم السَّاعِدِيّ وَعَمْرو بن هرمي الرَّافِعِيّ وَأَبُو ليلى الْمُزنِيّ وَسَالم بن عَمْرو الْعمريّ وَسَلَمَة بن صَخْر الزرقي وَعبد الله بن عَمْرو الْمُزنِيّ
وَأخرج عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي تَفْسِيره وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك} الْآيَة
قَالَ: مِنْهُم سَالم بن عُمَيْر أحد بني عَمْرو بن عَوْف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ وَحجر بن حجر الكلَاعِي قَالَ: أَتَيْنَا الْعِرْبَاض بن سَارِيَة وَكَانَ من الَّذين أنزل الله فيهم {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} قَالَ: هم بَنو مقرن من مزينة وهم سَبْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: وَالله إِنِّي أحد النَّفر الَّذين أنزل الله فيهم {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الزُّهْرِيّ وَيزِيد بن يسَار وَعبد الله بن أبي بكر وَعَاصِم بن عَمْرو بن قَتَادَة وَغَيرهم أَن رجَالًا من الْمُسلمين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم البكاؤون وهم سَبْعَة نفر من الْأَنْصَار وَغَيرهم
من بني عَمْرو بن عَوْف سَالم بن عُمَيْر وَمن بني حَارِثَة عتبَة بن زيد وَمن بني مَازِن بن النجار أَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن بني سَلمَة عَمْرو بن عَمْرو بن جهام بن الجموح وَمن بني وَاقِف هرمي بن عَمْرو وَمن بني مزينة عبد الله بن معقل وَمن بني فَزَارَة عرباض بن سَارِيَة فاستحملوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا أهل حَاجَة قَالَ: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ معقل بن يسَار من البكائين الَّذِي قَالَ الله {إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَبكر بن عبد الله الْمُزنِيّ فِي هَذِه الْآيَة {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم}

(4/264)


الْآيَة
قَالَا: نزلت فِي عبد الله بن معقل من مزينة أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة
أَن أَبَا شُرَيْح الكعبي كَانَ من الَّذين قَالَ الله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ} قَالَ: المَاء والزاد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن صَالح قَالَ: حَدثنِي مشيخة من جُهَيْنَة قَالُوا: أدركنا الَّذين سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحملان
فَقَالُوا: مَا سألناه إِلَّا الحملان على النِّعَال {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم فِي قَوْله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} قَالَ: مَا سَأَلُوهُ الدَّوَابّ مَا سَأَلُوهُ إِلَّا النِّعَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: استحملوه النِّعَال

الْآيَات 93 - 96

(4/265)


إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك}

(4/265)


قَالَ: هِيَ وَمَا بعْدهَا إِلَى قَوْله {فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} فِي الْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {قد نبأنا الله من أخباركم} قَالَ: أخبرنَا أَنكُمْ لَو خَرجْتُمْ مَا زدتمونا إِلَّا خبالاً وَفِي قَوْله {فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس} قَالَ: لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تكلموهم وَلَا تُجَالِسُوهُمْ فأعرضوا عَنْهُم كَمَا أَمر الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لتعرضوا عَنْهُم} لتتجاوزوا

الْآيَة 97

(4/266)


الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً} ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُم فَقَالَ (من الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) (التَّوْبَة الْآيَة 99) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأجدر أَلاَّ يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله} قَالَ: هم أقل علما بالسنن
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانَ زيد بن صوحان يحدث فَقَالَ اعرابي: إِن حَدِيثك ليعجبني وَأَن يدك لتريبني
فَقَالَ: أما ترَاهَا الشمَال فَقَالَ الْأَعرَابِي: وَالله مَا أَدْرِي الْيَمين يقطعون أم الشمَال قَالَ زيد: صدق الله {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً وأجدر ألاَّ يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً} قَالَ: من منافقي الْمَدِينَة {وأجدر أَلا يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله} يَعْنِي الْفَرَائِض وَمَا أَمر بِهِ من الْجِهَاد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ فِي الْآيَة: أَنَّهَا أنزلت فِي أَسد وغَطَفَان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: إِذا تَلا أحدكُم هَذِه الْآيَة

(4/266)


{الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً} فليتل الْآيَة الْأُخْرَى وَلَا يسكت (وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) (التَّوْبَة الْآيَة 99)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سكن الْبَادِيَة جَفا وَمن اتبع الصَّيْد غفل وَمن أَتَى السُّلْطَان افْتتن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدا جَفا وَمن اتبع الصَّيْد غفل وَمن أَتَى أَبْوَاب السُّلْطَان افْتتن وَمَا ازْدَادَ من السُّلْطَان قربا إِلَّا ازْدَادَ من الله بعدا

الْآيَة 98

(4/267)


وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)

أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرماً} يَعْنِي أَنه لَا يَرْجُو لَهُ ثَوابًا عِنْد الله وَلَا مجازاة وَإِنَّمَا يُعْطي مَا يُعْطي من صدقَات مَاله كرها {ويتربص بكم الدَّوَائِر} الهلكات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرماً} قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ من الْأَعْرَاب الَّذين إِنَّمَا يُنْفقُونَ رِيَاء اتقاء على أَن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا ويرون نفقاتهم مغرماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرماً} يعد مَا ينْفق فِي سَبِيل الله غَرَامَة يغرمها {ويتربص} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَلَاك

الْآيَة 99

(4/267)


وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)

أخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} قَالَ: هم بَنو مقرن من مزينة وهم الَّذين قَالَ الله (وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم) (التَّوْبَة الْآيَة 92) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وصلوات الرَّسُول} يَعْنِي اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه} قَالَ: هَذِه ثنية الله من الْأَعْرَاب وَفِي قَوْله {وصلوات الرَّسُول} قَالَ: دُعَاء الرَّسُول

الْآيَة 100

(4/268)


وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)

أخرج أَبُو عبيد وسنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن حبيب الشَّهِيد عَن عَمْرو بن عَامر الْأنْصَارِيّ
أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَ وَالسَّابِقُونَ الأوّلون من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان فَرفع الْأَنْصَار وَلم يلْحق الْوَاو فِي الَّذين فَقَالَ لَهُ زيد بن ثَابت: وَالَّذين
فَقَالَ عمر: الَّذين
فَقَالَ زيد: أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلم
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: ائْتُونِي بأُبي بن كَعْب فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ أبي: وَالَّذين
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: فَنعم إِذن فتابع أُبيا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: مر عمر رَضِي الله عَنهُ بِرَجُل يقْرَأ {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار} فَأخذ عمر بِيَدِهِ فَقَالَ: من أَقْرَأَك هَذَا قَالَ: أبي بن كَعْب
قَالَ: لَا تُفَارِقنِي حَتَّى أذهب بك إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عمر: أَنْت أَقرَأت هَذَا هَذِه الْآيَة هَكَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: وَسمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم
قَالَ: لقد كنت أرى أَنا رفعنَا رفْعَة لَا يبلغهَا أحد بَعدنَا فَقَالَ أبي: تَصْدِيق ذَلِك فِي أول سُورَة الْجُمُعَة (وَآخَرين مِنْهُم لما

(4/268)


يلْحقُوا بهم) (الْجُمُعَة آيَة 3) وَفِي سُورَة الْحَشْر (وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا الَّذين سبقُونَا فِي الْإِيمَان) (الْحَشْر آيَة 10) وَفِي الْأَنْفَال (وَالَّذين آمنُوا من بعد وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا مَعكُمْ فَأُولَئِك مِنْكُم) (الْأَنْفَال آيَة 75)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي أُسَامَة وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي قَالَا: مر عمر بن الْخطاب بِرَجُل وَهُوَ يقْرَأ {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان} فَوقف عمر فَلَمَّا انْصَرف الرجل قَالَ: من أَقْرَأَك هَذِه قَالَ: أَقْرَأَنيهَا أبي بن كَعْب
قَالَ: فَانْطَلق إِلَيْهِ فَانْطَلقَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذر أَخْبرنِي هَذَا أَنَّك أَقرَأته هَذِه الْآيَة
قَالَ: صدق تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عمر: أَنْت تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَقَالَ فِي الثَّالِثَة وَهُوَ غَضْبَان: نعم
وَالله لقد أنزلهَا الله على جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وأنزلها جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على قلب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يستأمر فِيهَا الْخطاب وَلَا ابْنه
فَخرج عمر رَافعا يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول: الله أكبر الله أكبر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أبي مُوسَى
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون} قَالُوا: هم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} قَالَ: هم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم عَن الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين فِي قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون} قَالُوا: هم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا وهم أهل بدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون من الْمُهَاجِرين} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر وَعلي وسلمان وعمار بن يَاسر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} قَالَ: من أدْرك بيعَة الرضْوَان وَأول من بَايع بيعَة الرضْوَان سِنَان بن وهب الْأَسدي

(4/269)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن غيلَان بن جرير قَالَ: قلت لأنس بن مَالك هَذَا الِاسْم الْأَنْصَار أَنْتُم سيتموه أَنفسكُم أَو الله تَعَالَى سَمَّاكُم من السَّمَاء قَالَ: الله تَعَالَى سمانا من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أحب الْأَنْصَار أحبه الله وَمن أبْغض الْأَنْصَار أبغضه الله
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الإِيمان حب الْأَنْصَار وَآيَة النِّفَاق بغض الْأَنْصَار
وَأخرج أَحْمد عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولأزواج الْأَنْصَار ولذراري الْأَنْصَار الْأَنْصَار كرشي وعيبتي وَلَو أَن النَّاس أخذُوا شعبًا وَأخذت الْأَنْصَار شعبًا لأخذت شعب الْأَنْصَار وَلَوْلَا الْهِجْرَة كنت امْرأ من الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن الْحَارِث بن زِيَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب الْأَنْصَار أحبه الله حِين يلقاه وَمن أبْغض الْأَنْصَار أبغضه الله حِين يلقاه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قيس بن سعد بن عبَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ اللهمَّ صل على الْأَنْصَار وعَلى ذُرِّيَّة الْأَنْصَار وعَلى ذُرِّيَّة ذُرِّيَّة الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو سلك النَّاس وَاديا وشعباً وسلكتم وَاديا وشعباً لَسَلَكْت واديكم وشعبكم أَنْتُم شعار وَالنَّاس دثار وَلَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى اني لأرى بَيَاض ابطيه فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولأبناء أَبنَاء الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْصَار لَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضهم إِلَّا مُنَافِق وَمن أحبهم أحبه الله وَمن أبْغضهُم أبغضه الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا إِن عيبتي الَّتِي آوي إِلَيْهَا أهل بَيْتِي وَإِن كرشي الْأَنْصَار فاعفوا عَن مسيئهم واقبلوا من محسنهم

(4/270)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار حبهم إِيمَان وبغضهم نفاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللهمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولنساء الْأَنْصَار ولنساء أَبنَاء الْأَنْصَار ولنساء أَبنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبغض الْأَنْصَار رجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ بن رِفَاعَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللهمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولذراري الْأَنْصَار ولذراري ذَرَارِيهمْ ولمواليهم ولجيرانهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قُرَيْش وَالْأَنْصَار وجهينة وَمُزَيْنَة وَأسلم وغفار موَالِي الله وَرَسُوله لَا مولى لَهُم غَيره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبغض الْأَنْصَار رجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم الْفَيْء الَّذِي أَفَاء الله بحنين فِي أهل مَكَّة من قُرَيْش وَغَيرهم فَغضِبت الْأَنْصَار فَأَتَاهُم فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار قد بَلغنِي من حديثكم فِي هَذِه الْمَغَانِم الَّتِي آثرت بهَا أُنَاسًا أتالفهم على الإِسلام لَعَلَّهُم أَن يشْهدُوا بعد الْيَوْم وَقد أَدخل الله قُلُوبهم الإِسلام يَا معشر الْأَنْصَار ألم يمن الله عَلَيْكُم بالإِيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بِأَحْسَن الْأَسْمَاء أنصار الله وأنصار رَسُوله وَلَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار وَلَو سلك النَّاس وَاديا وسلكتم وَاديا لَسَلَكْت واديكم
أَفلا ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بِهَذِهِ الْغَنَائِم وَالشَّاء وَالنعَم وَالْبَعِير وَتَذْهَبُونَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: رَضِينَا
فَقَالَ: أجيبوني فِيمَا قلت
قَالُوا: يَا رَسُول الله وجدتنا فِي ظلمَة فأخرجنا الله بك إِلَى النُّور ووجدتنا على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك
فرضينا بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا
فَقَالَ: أما وَالله لَو أجبتموني بِغَيْر هَذَا القَوْل لَقلت صَدقْتُمْ لَو قلت ألم تأتنا طريداً فَآوَيْنَاك ومكذباً فَصَدَّقْنَاك ومخذولاً

(4/271)


فَنَصَرْنَاك وَقَبلنَا مَا رد النَّاس عَلَيْك لَو قُلْتُمْ هَذَا لصدقتم
قَالُوا: بل لله وَرَسُوله الْمَنّ وَالْفضل علينا وعَلى غَيرنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاس على ثَلَاث منَازِل
الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ: رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا الَّذين سبقُونَا بالإِيمان
فَأحْسن مَا يكون أَن يكون بِهَذِهِ الْمنزلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه أَتَاهُ رجل فَذكر بعض الصَّحَابَة فتنقصه فَقَالَ ابْن عَبَّاس {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان}
وَأخرج عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان} قَالَ: من بَقِي من أهل الإِسلام إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عصمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت سُفْيَان عَن التَّابِعين قَالَ: هم الَّذين أدركوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يدركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلته عَن الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان قَالَ: من يَجِيء بعدهمْ
قلت: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: أَرْجُو
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي صَخْر حميد بن زِيَاد قَالَ: قلت لمُحَمد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ: أَخْبرنِي عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا أُرِيد الْفِتَن فَقَالَ: إِن الله قد غفر لحميع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأوجب لَهُم الْجنَّة فِي كِتَابه محسنهم ومسيئهم قلت لَهُ: وَفِي أَي مَوضِع أوجب الله لَهُم الْجنَّة فِي كِتَابهمْ قَالَ: أَلا تقْرَأ {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} الْآيَة
أوجب لجَمِيع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة والرضوان وَشرط على التَّابِعين شرطا لم يَشْتَرِطه فيهم قلت: وَمَا اشْترط عَلَيْهِم قَالَ: اشْترط عَلَيْهِم أَن يتبعوهم بِإِحْسَان
يَقُول: يقتدون بهم فِي أَعْمَالهم الْحَسَنَة وَلَا يقتدون بهم فِي غير ذَلِك
قَالَ أَبُو صَخْر: لكَأَنِّي لم أقرأها قبل ذَلِك وَمَا عرفت تَفْسِيرهَا حَتَّى قَرَأَهَا على مُحَمَّد بن كَعْب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي يحيى بن أبي كثيِّر وَالقَاسِم وَمَكْحُول وَعَبدَة بن أبي لبَابَة وَحسان بن عَطِيَّة
أَنهم سمعُوا جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ لما أنزلت هَذِه الْآيَة {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} إِلَى قَوْله {وَرَضوا عَنهُ} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا لأمتي كلهم وَلَيْسَ بعد الرِّضَا سخط

(4/272)


الْآيَة 101

(4/273)


وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ} الْآيَة
قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم جُمُعَة خَطِيبًا فَقَالَ: قُم يَا فلَان فَاخْرُج فَإنَّك مُنَافِق
فَأخْرجهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ففضحهم وَلم يكن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ شهد تِلْكَ الْجُمُعَة لحَاجَة كَانَت لَهُ فَلَقِيَهُمْ عمر رَضِي الله عَنهُ وهم يخرجُون من الْمَسْجِد فَاخْتَبَأَ مِنْهُم استحياء أَنه لم يشْهد الْجُمُعَة وَظن النَّاس قد انصرفوا واختبأوا هم من عمر وظنوا أَنه قد علم بأمرهم فَدخل عمر رَضِي الله عَنهُ الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس لم ينصرفوا

فَقَالَ لَهُ رجل: أبشر يَا عمر فقد فَضَح الله الْمُنَافِقين الْيَوْم فَهَذَا الْعَذَاب الأول وَالْعَذَاب الثَّانِي عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب} قَالَ: جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأَشْجَع وَأسلم وغفار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {مَرَدُوا على النِّفَاق} قَالَ: أَقَامُوا عَلَيْهِ لم يتوبوا كَمَا تَابَ آخَرُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {مَرَدُوا على النِّفَاق} قَالَ: مَاتُوا عَلَيْهِ عبد الله بن أبي وَأَبُو عَامر الراهب وَالْجد بن قيس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {نَحن نعلمهُمْ} يَقُول: نَحن نعرفهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ} قَالَ: فَمَا بَال أَقوام يَتَكَلَّمُونَ على النَّاس يَقُولُونَ: فلَان فِي الْجنَّة وَفُلَان فِي النَّار فَإِذا سَأَلت أحدهم عَن نَفسه قَالَ: لَا أَدْرِي

لعمري لأَنْت بِنَفْسِك أعلم مِنْك بأعمال النَّاس وَلَقَد تكلفت شَيْئا مَا تكلفه نَبِي قَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام (وَمَا علمي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ) (الشُّعَرَاء الْآيَة 112) وَقَالَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام

(4/273)


(وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ) (الْأَنْعَام الْآيَة 104) وَقَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد {لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: بِالْجُوعِ وَالْقَتْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: بِالْجُوعِ وَعَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: عَذَاب فِي الْقَبْر وَعَذَاب فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي (عَذَاب الْقَبْر) عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: عَذَاب فِي الْقَبْر وَعَذَاب فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: يبتلون فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر {ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} قَالَ: عَذَاب جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: عَذَاب فِي الدُّنْيَا بالأموال وَالْأَوْلَاد وَقَرَأَ (فَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا) (التَّوْبَة الْآيَة 55) بالمصائب فَهِيَ لَهُم عَذَاب وَهِي للْمُؤْمِنين أجر
قَالَ: وَعَذَاب الْآخِرَة فِي النَّار {ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} النَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن نَاسا يَقُولُونَ {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} يَعْنِي الْقَتْل وَبعد الْقَتْل البرزخ والبرزخ مَا بَين الْمَوْت إِلَى الْبَعْث {ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} يَعْنِي عَذَاب جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعذب الْمُنَافِقين يَوْم الْجُمُعَة بِلِسَانِهِ على الْمِنْبَر وَعَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد خَطَبنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة مَا شهِدت مثلهَا قطّ فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن مِنْكُم منافقين فَمن سميته فَليقمْ قُم يَا فلَان قُم يَا فلَان حَتَّى قَامَ سِتَّة وَثَلَاثُونَ رجلا
ثمَّ قَالَ: إِن مِنْكُم

(4/274)


وَإِن مِنْكُم وَإِن مِنْكُم فَسَلُوا الله الْعَافِيَة
فلقي عمر رَضِي الله عَنهُ رجلا كَانَ بَينه وَبَينه إخاء فَقَالَ: مَا شَأْنك فَقَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطَبنَا فَقَالَ كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أبعدك الله سَائِر الْيَوْم

الْآيَة 102

(4/275)


وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ كَانُوا عشرَة رَهْط تخلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَلَمَّا حضر رُجُوع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوثق سَبْعَة مِنْهُم أنفسهم بِسوَارِي الْمَسْجِد وَكَانَ ممر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَجَعَ فِي الْمَسْجِد عَلَيْهِم فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: من هَؤُلَاءِ الْمُوثقُونَ أنفسهم قَالُوا: هَذَا أَبُو لبَابَة وَأَصْحَاب لَهُ تخلفوا عَنْك يَا رَسُول الله أوثقُوا أنفسهم وحلفوا أَنهم لَا يُطْلِقهُمْ أحد حَتَّى يُطْلِقهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعذرهم
قَالَ: وَأَنا أقسم بِاللَّه لَا أطلقهُم وَلَا أَعْذرهُم حَتَّى يكون الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُطْلِقهُمْ رَغِبُوا عني وتخلفوا عَن الْغَزْو مَعَ الْمُسلمين فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك قَالُوا: وَنحن لَا نطلق أَنْفُسنَا حَتَّى يكون الله هُوَ الَّذِي يطلقنا
فَأنْزل الله عز وَجل {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم} وَعَسَى من الله وَإنَّهُ هُوَ التوّاب الرَّحِيم فَلَمَّا نزلت أرسل إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَطْلَقَهُمْ وَعذرهمْ فجاؤوا بِأَمْوَالِهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله هَذِه أَمْوَالنَا فَتصدق بهَا عَنَّا واستغفر لنا
قَالَ: مَا أمرت أَن آخذ أَمْوَالكُم
فَأنْزل الله عز وَجل {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم} يَقُول: اسْتغْفر لَهُم إِن {صَلَاتك سكن لَهُم} يَقُول: رَحْمَة لَهُم فَأخذ مِنْهُم الصَّدَقَة واستغفر لَهُم وَكَانَ ثَلَاثَة نفر مِنْهُم لم يُوثقُوا أنفسهم بِالسَّوَارِي فأرجئوا سنة لَا يَدْرُونَ أيعذبون أَو يُتَاب عَلَيْهِم فَأنْزل الله عز وَجل (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة) (التَّوْبَة الْآيَة 117) إِلَى آخر الْآيَة (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين

(4/275)


خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118) إِلَى (ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم) يَعْنِي إِن استقاموا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
مثله سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَاعْتَرفُوا بذنبهم} قَالَ: هُوَ أَبُو لبَابَة إِذْ قَالَ لقريظة مَا قَالَ وَأَشَارَ إِلَى حلقه بِأَن مُحَمَّد يذبحكم إِن نزلتم على حكمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب
أَن بني قُرَيْظَة كَانُوا حلفاء لأبي لبَابَة فَاطَّلَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا لبَابَة أَتَأْمُرُنَا أَن ننزل فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح فَأخْبر عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسبت أَن الله غفل عَن يدك حِين تُشِير إِلَيْهِم بهَا إِلَى حلقك فَلبث حينا حَتَّى غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك - وَهِي غَزْوَة الْعسرَة - فَتخلف عَنهُ أَبُو لبَابَة فِيمَن تخلف فَلَمَّا قفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا جَاءَهُ أَبُو لبَابَة يسلم عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفَزعَ أَبُو لبَابَة فَارْتَبَطَ بِسَارِيَة التَّوْبَة الَّتِي عِنْد بَاب أم سَلمَة سبعا بَين يَوْم وَلَيْلَة فِي حر شَدِيد لَا يَأْكُل فِيهِنَّ وَلَا يشرب قَطْرَة قَالَ: لَا يزَال هَذَا مَكَاني حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا أَو يَتُوب الله عليَّ
فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَا يسمع الصَّوْت من الْجهد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر إِلَيْهِ بكرَة وَعَشِيَّة ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِ فَنُوديَ أَن الله قد تَابَ عَلَيْك فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليطلق عَنهُ رباطه فَأبى أَن يُطلقهُ أحد إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَطْلقهُ عَنهُ بِيَدِهِ فَقَالَ أَبُو لبَابَة حِين أَفَاق: يَا رَسُول الله إِنِّي أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب وانتقل إِلَيْك فأساكنك وَإِنِّي أختلع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَجْزِي عَنْك الثُّلُث
فَهجر أَبُو لبَابَة دَار قومه وَسَاكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتصدق بِثلث مَاله ثمَّ تَابَ فَلم ير مِنْهُ فِي الإِسلام بعد ذَلِك إِلَّا خيرا حَتَّى فَارق الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزا غَزْوَة تَبُوك فَتخلف أَبُو لبَابَة ورجلان مَعَه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن أَبَا لبَابَة وَرجلَيْنِ مَعَه تَفَكَّرُوا وندموا وأيقنوا بالهلكة وَقَالُوا: نَحن فِي الظل والطمأنينة مَعَ النِّسَاء وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه فِي الْجِهَاد وَالله لنوثقن أَنْفُسنَا بِالسَّوَارِي فَلَا نطلقها حَتَّى يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يطلقنا ويعذرنا فَانْطَلق أَبُو لبَابَة فأوثق

(4/276)


نَفسه ورجلان مَعَه بِسوَارِي الْمَسْجِد وَبَقِي ثَلَاثَة لم يُوثقُوا أنفسهم فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غزوته وَكَانَ طَرِيقه فِي الْمَسْجِد فَمر عَلَيْهِم فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ الْمُوثقُونَ أنفسهم بِالسَّوَارِي فَقَالَ رجل: هَذَا أَبُو لبَابَة وصاحبان لَهُ تخلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاهدوا الله لَا يطلقون أنفسهم حَتَّى تكون الَّذِي أَنْت تُطْلِقهُمْ وترضى عَنْهُم وَقد اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لَا أطلقهُم حَتَّى أُؤْمَر بإطلاقهم وَلَا أَعْذرهُم حَتَّى يكون الله يعذرهم وَقد تخلفوا وَرَغبُوا عَن الْمُسلمين بِأَنْفسِهِم وجهادهم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الْآيَة
وَعَسَى من الله وَاجِب فَلَمَّا نزلت الْآيَة أطلقهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعذرهمْ فَانْطَلق أَبُو لبَابَة وصاحباه بِأَمْوَالِهِمْ فَأتوا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: خُذ من أَمْوَالنَا فَتصدق بهَا عَنَّا وصل علينا
يَقُولُونَ: اسْتغْفر لنا وَطَهِّرْنَا
فَقَالَ: لَا آخذ مِنْهَا شَيْئا حَتَّى أُؤمر بِهِ
فَأنْزل الله خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة

الْآيَة
قَالَ: وَبَقِي الثَّلَاثَة الَّذين خالفوا أَبَا لبَابَة وَلم يتوبوا وَلم يذكرُوا بِشَيْء وَلم ينزل عذرهمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وهم الَّذين قَالَ الله {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} (التَّوْبَة الْآيَة 106) الْآيَة
فَجعل النَّاس يَقُولُونَ: هَلَكُوا إِذا لم ينزل لَهُم عذر وَجعل آخَرُونَ يَقُولُونَ: عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم
فصاروا مرجئين لأمر الله حَتَّى نزلت (لقد تَابَ الله على النَّبِي) (التَّوْبَة الْآيَة 117) إِلَى قَوْله (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118) يَعْنِي المرجئين لأمر الله نزلت عَلَيْهِم التَّوْبَة فعملوا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} قَالَ: هم الثَّمَانِية الَّذين ربطوا أنفسهم بِالسَّوَارِي مِنْهُم كردم ومرداس وَأَبُو لبَابَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا سَبْعَة رَهْط تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك مِنْهُم أَرْبَعَة خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا: جد بن قيس وَأَبُو لبَابَة وَحرَام وَأَوْس كلهم من الْأَنْصَار تيب عَلَيْهِم وهم الَّذين قيل {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة}

(4/277)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ: غزوهم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَآخر سَيِّئًا} قَالَ تخلفهم عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَرْجَى عِنْدِي لهَذِهِ الْأمة من قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مطرف قَالَ: إِنِّي لاستلقي من اللَّيْل على فِرَاشِي وأتدبر الْقُرْآن فَأَعْرض أعمالي على أَعمال أهل الْجنَّة فَإِذا أَعْمَالهم شَدِيدَة (كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون) (الذاريات الْآيَة 17)
(يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً) (الْفرْقَان الْآيَة 64)
(أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا) (الزمر الْآيَة 9) فَلَا أَرَانِي مِنْهُم

فَأَعْرض نَفسِي على هَذِه الْآيَة (مَا سلككم فِي سقر) (قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين) (المدثر الْآيَة 42 - 46) إِلَى قَوْله (نكذب بِيَوْم الدّين) فَأرى الْقَوْم مكذبين فَلَا أَرَانِي مِنْهُم فَأمر بِهَذِهِ الْآيَة {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فأرجو أَن أكون أَنا وَأَنْتُم يَا اخوتاه مِنْهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد قوي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ مِمَّن تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك سِتَّة: أَبُو لبَابَة وَأَوْس بن جذام وثعلبة بن وَدِيعَة وَكَعب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة
فجَاء أَبُو لبَابَة وَأَوْس بن جذام وثعلبة فربطوا أنفسهم بِالسَّوَارِي وجاؤوا بِأَمْوَالِهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله خُذ هَذَا الَّذِي حبسنا عَنْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحلّهُم حَتَّى يكون قتال
فَنزل الْقرَان {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} الْآيَة
وَكَانَ مِمَّن أرجئ عَن التَّوْبَة وَخلف كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة
فأرجئوا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَخَرجُوا وضربوا فساطيطهم واعتزلوهم نِسَاؤُهُم وَلم يَتَوَلَّهُمْ الْمُسلمُونَ وَلم يقربُوا مِنْهُم فَنزل فيهم (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118) إِلَى قَوْله (التواب الرَّحِيم) فَبعثت أم سَلمَة إِلَى كَعْب فبشرته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: قَالَ الْأَحْنَف بن قيس: عرضت نَفسِي على الْقُرْآن فَلم أجدني بِآيَة أشبه مني بِهَذِهِ الْآيَة {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} الْآيَة

(4/278)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن قَول الله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فَقَالَ: يَا مَالك تَابُوا عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم وَعَسَى من الله وَاجِبَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن يكثر أَن يَقُول لأَصْحَابه: هَل رأى أحد مِنْكُم رُؤْيا وَإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاة: إِنَّه أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان فَقَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقت مَعَهُمَا فاخرجاني إِلَى الأَرْض المقدسة فأتينا على رجل مُضْطَجع وَإِذا آخر قَائِم عَلَيْهِ بصخرة وَإِذا هُوَ يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رَأسه فيتدهده الْحجر هَهُنَا فَيتبع الْحجر فَيَأْخذهُ فَلَا يرجع إِلَيْهِ حَتَّى يَصح رَأسه كَمَا كَانَ ثمَّ يعود إِلَيْهِ فيفعل بِهِ مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى
قلت لَهما: سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ

قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وَآخر قَائِم عَلَيْهِ بكلوب من حَدِيد وَإِذا هُوَ يَأْتِي أحد شقي وَجهه فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخره إِلَى قَفاهُ وعينه إِلَى قَفاهُ ثمَّ يتحوّل إِلَى الْجَانِب الآخر فيفعل بِهِ مثل مَا فعل بالجانب الأول فَمَا يفرغ من ذَلِك الْجَانِب حَتَّى يصبح ذَلِك الْجَانِب كَمَا كَانَ ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى
قلت: سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ

قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على مثل التَّنور فَإِذا فِيهِ لغط وأصوات فاطلعنا فِيهِ فَإِذا فِيهِ رجال وَنسَاء عُرَاة فَإِذا هم يَأْتِيهم لَهب من أَسْفَل مِنْهُم فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك اللهب ضوضوا قلت: مَا هَؤُلَاءِ

فَقَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على نهر أَحْمَر مثل الدَّم وَإِذا فِي النَّهر رجل سابح يسبح وَإِذا على شاطئ النَّهر رجل عِنْده حِجَارَة كَثِيرَة وَإِذا ذَلِك السابح يسبح مَا يسبح ثمَّ يَأْتِي الَّذِي قد جمع عِنْده الْحِجَارَة فيفغر لَهُ فَاه فيلقمه حجر فَينْطَلق فيسبح ثمَّ يرجع إِلَيْهِ كلما رَجَعَ فغر لَهُ فَاه فألقمه حجرا
قلت لَهما: مَا هَذَانِ

قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجل كريه الْمرْآة كأكره مَا أَنْت رَاء وَإِذا هُوَ عِنْده نَار يحشها وَيسْعَى حولهَا
قلت لَهما: مَا هَذَا

قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رَوْضَة معتمة فِيهَا من كل نور الرّبيع وَإِذا بَين ظَهْري الرَّوْضَة رجل طَوِيل لَا أكاد أرى رَأسه طولا فِي السَّمَاء وَإِذا حول الرجل من أَكثر ولدان رَأَيْتهمْ قطّ
قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَة عَظِيمَة لم أر قطّ رَوْضَة

(4/279)


أعظم مِنْهَا وَلَا أحسن
قَالَا لي: ارق فِيهَا
فارتقينا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن ذهب وَلبن فضَّة فأتينا بَاب الْمَدِينَة فاستفتحنا فَفتح لنا فدخلناها فتلقانا فِيهَا رجال شطر من خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت رَاء وَشطر كأقبح مَا أَنْت رَاء
قَالَا لَهُم: اذْهَبُوا فقعوا فِي ذَلِك النَّهر
فَإِذا نهر معترض يجْرِي كَأَن مَاءَهُ المخض فِي الْبيَاض فَذَهَبُوا فوقعوا فِيهِ ثمَّ رجعُوا إِلَيْنَا فَذهب السوء عَنْهُم فصاروا فِي أحسن صُورَة

قَالَا لي: هَذِه جنَّة عدن وهذاك مَنْزِلك فسما بَصرِي صعداً فَإِذا قصر مثل الربابة الْبَيْضَاء قَالَا لي: هَذَا مَنْزِلك
قلت لَهما: بَارك الله فيكما ذراني فَأدْخلهُ
قَالَا: أما الْآن فَلَا وَأَنت دَاخله
قلت لَهما: فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ اللَّيْلَة عجبا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت قَالَا لي: أما الرجل الأول الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يثلغ رَأسه بِالْحجرِ فَإِنَّهُ الرجل يَأْخُذ الْقُرْآن فيرفضه وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة يفعل بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخراه إِلَى قَفاهُ وعينه إِلَى قَفاهُ فَإِنَّهُ الرجل يَغْدُو من بَيته فيكذب الكذبة تبلغ الْآفَاق فيصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأما الرِّجَال وَالنِّسَاء العراة الَّذين فِي مثل التَّنور فَإِنَّهُم الزناة والزواني
وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يسبح فِي النَّهر ويلقم الْحِجَارَة فَإِنَّهُ آكل الرِّبَا
وَأما الرجل الكريه الْمرْآة الَّذِي عِنْده النَّار يحشها فَإِنَّهُ مَالك خَازِن النَّار
وَأما الرجل الطَّوِيل الَّذِي فِي الرَّوْضَة فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأما الْولدَان الَّذين حوله فَكل مَوْلُود مَاتَ على الْفطْرَة
وَأما الْقَوْم الَّذين كَانُوا شطر مِنْهُم حسن وَشطر مِنْهُم قَبِيح فَإِنَّهُم قوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا تجَاوز الله عَنْهُم وَأَنا جِبْرِيل وَهَذَا مِيكَائِيل
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي مُوسَى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت رجَالًا تقْرض جُلُودهمْ بمقاريض من نَار
قلت: مَا هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يتزينون إِلَى مَا لَا يحل لَهُم
وَرَأَيْت خباء خَبِيث الرّيح وَفِيه صباح
قلت: مَا هَذَا قَالَ: هن نسَاء يتزين إِلَى مَا لَا يحل لَهُنَّ
وَرَأَيْت قوما اغتسلوا من مَاء الجناة
قلت: مَا هَؤُلَاءِ قَالَ: هم قوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا
وَأخرج ابْن سعد عَن الْأسود بن قيس الْعَبْدي قَالَ: لَقِي الْحسن بن عَليّ يَوْمًا حبيب بن مسلمة فَقَالَ: يَا حبيب رب ميسر لَك فِي غير طَاعَة الله
فَقَالَ: أما ميسري إِلَى أَبِيك فَلَيْسَ من ذَلِك قَالَ: بلَى وَلَكِنَّك أَطَعْت مُعَاوِيَة على دنيا قَليلَة

(4/280)


زائلة فلئن قَامَ بك فِي دنياك لقد قعد بك فِي دينك وَلَو كنت إِذْ فعلت شرا قلت خيرا كَانَ ذَلِك كَمَا قَالَ الله {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} وَلَكِنَّك كَمَا قَالَ الله (كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين الْآيَة 14)

الْآيَة 103

(4/281)


خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا} قَالَ: من ذنوبهم الَّتِي أَصَابُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وصل عَلَيْهِم} قَالَ: اسْتغْفر لَهُم من ذنوبهم الَّتِي أصابوها {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} قَالَ: رَحْمَة لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وصل عَلَيْهِم} يَقُول: ادْع لَهُم {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} قَالَ: استغفارك يسكن قُلُوبهم ويطمن لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَى بِصَدقَة قَالَ: اللهمَّ صل على آل فلَان
فَأَتَاهُ أبي بِصَدقَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سكن لَهُم} قَالَ: أَمن لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أَتَانَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لَهُ امْرَأَتي: يَا رَسُول الله صل عَليّ وعَلى زَوجي
فَقَالَ صلى الله عَلَيْك وعَلى زَوجك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن خَارِجَة بن زيد عَن عَمه يزِيد بن ثَابت - وَكَانَ أكبر من زيد - قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا وردنا البقيع إِذا هُوَ بِقَبْر جَدِيد فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: فُلَانَة
فعرفها فَقَالَ أَفلا آذنتموني بهَا قَالُوا: كنت قَائِلا

(4/281)


فكرهنا أَن نؤذيك
فَقَالَ: لَا تَفعلُوا
مَا مَاتَ مِنْكُم ميت مَا دمت بَين أظْهركُم إِلَّا آذنتموني بِهِ فَإِن صَلَاتي عَلَيْهِ رَحْمَة
وَأخرج الباوردي فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن دلسم السدُوسِي قَالَ: قُلْنَا لبشير بن الخصاصية: إِن أَصْحَاب الصَّدَقَة يعتدون علينا أفنكنتم من أَمْوَالنَا بِقدر مَا يعتدون علينا فَقَالَ: إِذا جاؤوكم فاجمعوها ثمَّ مُرُوهُمْ فليصلوا عَلَيْكُم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم}

الْآيَة 104

(4/282)


أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ الْآخرُونَ: هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعنا بالْأَمْس لَا يكلمون وَلَا يجالسون فَمَا لَهُم فَأنْزل الله {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا تصدق رجل بِصَدقَة إِلَّا وَقعت فِي يَد الله قبل أَن تقع فِي يَد السَّائِل
قَالَ: وَهُوَ يَضَعهَا فِي يَد السَّائِل ثمَّ قَرَأَ {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات}

(4/282)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وَيَأْخُذ الصَّدقَات} قَالَ: إِن الله هُوَ يقبل الصَّدَقَة إِذا كَانَت من طيب ويأخذها بِيَمِينِهِ وَإِن الرجل ليصدق بِمثل اللُّقْمَة فيربيها بِهِ كَمَا يُربي أحدكُم فَصِيله أَو مهره فتربوا فِي كف الله حَتَّى تكون مثل أحد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من عبد يتَصَدَّق بِصَدقَة طيبَة من كسب طيب - وَلَا يقبل الله إِلَّا طيبا وَلَا يصعد إِلَى السَّمَاء إِلَّا طيب - فَيَضَعهَا فِي حق إِلَّا كَانَت كَأَنَّمَا يَضَعهَا فِي يَد الرَّحْمَن فيربيها لَهُ كَمَا يُربي أحدكُم فلوه أَو فَصِيله حَتَّى أَن اللُّقْمَة أَو التمرة لتأتي يَوْم الْقِيَامَة مثل الْجَبَل الْعَظِيم وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله الْعَظِيم {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدقوا فَإِن أحدكُم يُعْطي اللُّقْمَة أَو الشَّيْء فَتَقَع فِي يَد الله عز وَجل قبل أَن تقع فِي يَد السَّائِل ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات} فيربيها كَمَا يُربي أحدكُم مهره أَو فَصِيله فيوفيها إِيَّاه يَوْم الْقِيَامَة

الْآيَة 105

(4/283)


وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله} قَالَ: هَذَا وَعِيد من الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: مرَّ بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَبت
ثمَّ مر بِجنَازَة أُخْرَى فَأثْنى عَلَيْهَا فَقَالَ: وَجَبت
فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن الْمَلَائِكَة شُهَدَاء الله فِي السَّمَاء وَأَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض فَمَا شهدتم عَلَيْهِ من شَيْء وَجب وَذَلِكَ قَول الله {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: مَا احتقرت أَعمال أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نجم الْقُرَّاء الَّذين طعنوا على عُثْمَان فَقَالُوا قولا لَا نحسن مثله وقرأوا قِرَاءَة لَا نَقْرَأ مثلهَا وصلوا صَلَاة لَا نصلي مثلهَا فَلَمَّا تذكرت إِذن وَالله مَا يقاربون عمل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أعْجبك حسن قَول إمرئ مِنْهُم {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون} وَلَا يستخفنك أحد
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص والضياء فِي المختارة عَن أبيّ سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن أحدكُم يعْمل فِي صَخْرَة صماء لَيْسَ لَهَا بَاب وَلَا كوَّة لأخرج الله عمله للنَّاس كَائِنا مَا كَانَ وَالله أعلم

(4/283)


الْآيَة 106

(4/284)


وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} قَالَ: هم الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَآخَرُونَ مرجون} قَالَ: هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع وَكَعب بن مَالك من الْأَوْس والخزرج
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب
أَن أَبَا لبَابَة أَشَارَ إِلَى بني قُرَيْظَة باصبعه أَنه الذّبْح فَقَالَ: خُنْت الله وَرَسُوله
فَنزلت (لَا تخونوا الله وَالرَّسُول) (الْأَنْفَال الْآيَة 27) وَنزلت {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} فَكَانَ مِمَّن تَابَ الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِمَّا يعذبهم} يَقُول: يميتهم على مَعْصِيّة {وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم} فأرجأ أَمرهم ثمَّ نسخهَا فَقَالَ (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118)

الْآيَة 107

(4/284)


وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَالَ: هم أنَاس من الْأَنْصَار ابْتَنَوْا مَسْجِدا فَقَالَ لَهُم أَبُو عَامر: ابْنُوا مَسْجِدكُمْ وَاسْتَمَدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَسلَاح فَإِنِّي ذَاهِب إِلَى قَيْصر ملك الرّوم فَآتي بجنده من الرّوم فَأخْرج مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه
فَلَمَّا فرغوا من مَسْجِدهمْ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: قد فَرغْنَا من بِنَاء مَسْجِدنَا فَنحب أَن تصلي فِيهِ وَتَدْعُو بِالْبركَةِ
فَأنْزل الله {لَا تقم فِيهِ أبدا}

(4/284)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْجِد قبَاء خرج رجال من الْأَنْصَار مِنْهُم يخدج جد عبد الله بن حنيف ووديعة بن حزَام وَمجمع بن جَارِيَة الْأنْصَارِيّ فبنوا مَسْجِد النِّفَاق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخدج وَيلك يَا يخدج

مَا أردْت إِلَى مَا أرى قَالَ: يَا رَسُول الله وَالله مَا أردْت إِلَّا الْحسنى - وَهُوَ كَاذِب - فَصدقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَرَادَ أَن يعذرهُ فَأنْزل الله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ وَإِرْصَادًا لمن حَارب الله وَرَسُوله} يَعْنِي رجلا يُقَال لَهُ أَبُو عَامر كَانَ مُحَاربًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قد انْطلق إِلَى هِرقل وَكَانُوا يرصدون إِذا قدم أَبُو عَامر أَن يُصَلِّي فِيهِ وَكَانَ قد خرج من الْمَدِينَة مُحَاربًا لله وَلِرَسُولِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ ذكر أَن بني عَمْرو بن عَوْف ابْتَنَوْا مَسْجِدا فبعثوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتِيهم فَيصَلي فِي مَسْجِدهمْ فَأَتَاهُم فصلى فِيهِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك اخوتهم بَنو غنم بن عَوْف حسدوهم فَقَالُوا: نَبْنِي نَحن أَيْضا مَسْجِدا كَمَا بنى اخواننا فنرسل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي فِيهِ وَلَعَلَّ أَبَا عَامر أَن يمر بِنَا فَيصَلي فِيهِ فبنوا مَسْجِدا فأرسلوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتِيهم فَيصَلي فِي مَسْجِدهمْ كَمَا صلى فِي مَسْجِد اخوتهم فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُول قَامَ ليأتيهم أَو همَّ ليأتيهم فَأنْزل الله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} إِلَى قَوْله {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا} قَالَ: المُنَافِقُونَ
وَفِي قَوْله {وَإِرْصَادًا لمن حَارب الله وَرَسُوله} قَالَ: لأبي عَامر الراهب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَالَ: إِن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنى مَسْجِدا بقباء فعارضه المُنَافِقُونَ بآخر ثمَّ بعثوا إِلَيْهِ ليُصَلِّي فِيهِ فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك بن الدخشم فَقَالَ: مَالك لعاصم انظرني حَتَّى أخرج إِلَيْك بِنَار من أَهلِي فَدخل على أَهله فَأخذ سعفات من نَار ثمَّ خَرجُوا يَشْتَدُّونَ حَتَّى دخلُوا الْمَسْجِد وَفِيه أَهله فحرقوه وهدموه وَخرج أَهله فَتَفَرَّقُوا عَنهُ فَأنْزل الله فِي شَأْن الْمَسْجِد {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} إِلَى قَوْله {عليم حَكِيم}

(4/285)


وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رهم كُلْثُوم بن الْحصين الْغِفَارِيّ - وَكَانَ من الصَّحَابَة الَّذين بَايعُوا تَحت الشَّجَرَة - قَالَ أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل بِذِي أَوَان بَينه وَبَين الْمَدِينَة سَاعَة من نَهَار وَكَانَ بنى مَسْجِد الضرار فَأتوهُ وَهُوَ يتجهز إِلَى تَبُوك فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا بنينَا مَسْجِدا لذِي الْعلَّة وَالْحَاجة وَاللَّيْلَة الشَّاتِيَة وَاللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَإِنَّا نحب أَن تَأْتِينَا فَتُصَلِّي لنا فِيهِ
قَالَ: إِنِّي على جنَاح سفر وَلَو قدمنَا إِن شَاءَ الله أَتَيْنَاكُم فصلينا لكم فِيهِ فَلَمَّا نزل بِذِي أَوَان أَتَاهُ خبر الْمَسْجِد فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك بن الدخشم أَخا بني سَالم بن عَوْف ومعن بن عدي وأخاه عَاصِم بن عدي أحد بلعجلان فَقَالَ: انْطَلقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهله فَاهْدِمَاهُ واحرقاه فَخَرَجَا سريعين حَتَّى أَتَيَا بني سَالم بن عَوْف وهم هط مَالك بن الدخشم فَقَالَ مَالك لِمَعْنٍ: أَنْظرنِي حَتَّى أخرج إِلَيْك
فَدخل إِلَى أَهله فَأخذ سَعَفًا من النّخل فاشعل فِيهِ نَارا ثمَّ خرج يَشْتَدَّانِ وَفِيه أَهله فَحَرقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَفِيهِمْ نزل من الْقُرْآن مَا نزل {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} إِلَى أخر الْقِصَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا} قَالَ: هم نَاس من الْأَنْصَار ابْتَنَوْا مَسْجِدا قَرِيبا من مَسْجِد قبَاء بلغنَا أَنه أول مَسْجِد بُنيَ فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن اسحق قَالَ: كَانَ الَّذين بنوا مَسْجِد الضرار اثْنَي عشر رجلا
جذام بن خَالِد بن عبيد بن زيد وثعلبة بن حَاطِب وهزال بن أُميَّة ومعتب بن قُشَيْر وَأَبُو حَبِيبَة بن الأزعر وَعباد بن حنيف وَجَارِيَة بن عَامر وَأَبْنَاء محمع وَزيد ونبتل بن الْحَارِث ويخدج بن عُثْمَان ووديعة بن ثَابت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَالَ: ضاروا أهل قبَاء {وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ} قَالَ: فَإِن أهل قبَاء كَانُوا يصلونَ فِي مَسْجِد قبَاء كلهم فَلَمَّا بني ذَلِك أقصر من مَسْجِد قبَاء من كَانَ يحضرهُ وصلوا فِيهِ {وَلَيَحْلِفُنَّ إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى} فَحَلَفُوا مَا أرداوا بِهِ إِلَّا الْخَيْر
أما قَوْله تَعَالَى: {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم أَحَق أَن تقوم فِيهِ}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن

(4/286)


الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: اخْتلف رجلَانِ رجل من بني خدرة وَفِي لفظ: تماريت أَنا وَرجل من بني عَمْرو بن عَوْف فِي الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى
فَقَالَ الْخُدْرِيّ: هُوَ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الْعمريّ: هُوَ مَسْجِد قبَاء
فَأتيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَ هُوَ هَذَا الْمَسْجِد لمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: فِي ذَلِك خير كثير يَعْنِي مَسْجِد قبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالزُّبَيْر بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: اخْتلف رجلَانِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى
فَقَالَ أَحدهمَا: هُوَ مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الآخر: هُوَ مَسْجِد قبَاء
فَأتيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَاهُ فَقَالَ هُوَ مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَقَالَ هُوَ مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَقَالَ هُوَ مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُرْوَة عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عُرْوَة: مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير مِنْهُ إِنَّمَا أنزلت فِي مَسْجِد قبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الزبير بن بكار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عُثْمَان بن عبيد الله عَن ابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَزيد بن ثَابت قَالُوا: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/287)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد الْمَدِينَة الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} يَعْنِي مَسْجِد قبَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} قَالَ: هُوَ مَسْجِد قبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أسيد بن ظهيرة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلَاة فِي مسجدة قبَاء كعمرة قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نَعْرِف لأسيد بن ظهيرة شَيْء يَصح غير هَذَا الحَدِيث
وَأخرج ابْن سعد عَن ظهير بن رَافع الْحَارِثِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى فِي قبَاء يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس انْقَلب بِأُجْرَة عمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر الِاخْتِلَاف إِلَى قبَاء رَاكِبًا وماشياً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن سهل بن حنيف قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خرج حَتَّى يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِد - مَسْجِد قبَاء - فَيصَلي فِيهِ كَانَ كَعدْل عمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه كَانَ يرى كل مَسْجِد بني بِالْمَدِينَةِ أسس على التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمار الذَّهَبِيّ قَالَ: دخلت مَسْجِد قبَاء أُصَلِّي فِيهِ فأبصرني أَبُو سَلمَة فَقَالَ: أَحْبَبْت أَن تصلي فِي مَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم
فَأَخْبرنِي أَن مَا بَين الصومعة إِلَى الْقبْلَة زِيَادَة زَادهَا عُثْمَان

الْآيَة 108

(4/288)


لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

أخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن

(4/288)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالَ: كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أنزلت هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عويم بن سَاعِدَة قَالَ مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي اثنى الله عَلَيْكُم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا خرج منا رجل وَلَا امْرَأَة من الْغَائِط إِلَّا غسل فرجه أَو قَالَ: مقعدته
فَقَالَ النَّبِي: هُوَ هَذَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عويم بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُم فِي مَسْجِد قبَاء فَقَالَ: إِن الله قد أحسن عَلَيْكُم الثَّنَاء فِي الطّهُور فِي قصَّة مَسْجِدكُمْ فَمَا هَذَا الطّهُور الَّذِي تطهرون بِهِ قَالُوا: وَالله يَا رَسُول الله مَا نعلم شَيْئا إِلَّا أَنه كَانَ لنا جيران من الْيَهُود فَكَانُوا يغسلون أدبارهم من الْغَائِط فغسلنا كَمَا غسلوا
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْجَارُود فِي الْمُنْتَقى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن طَلْحَة بن نَافِع قَالَ: حَدثنِي أَبُو أَيُّوب وَجَابِر بن عبد الله وَأنس بن مَالك رَضِي الله عَنْهُم إِن هَذِه الْآيَة لما نزلت {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معشر الْأَنْصَار إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم خيرا فِي الطّهُور فَمَا طهوركم هَذَا قَالُوا: نَتَوَضَّأ للصَّلَاة ونغتسل من الْجَنَابَة قَالَ: فَهَل مَعَ ذَلِك غَيره قَالُوا: لَا غير أَن أَحَدنَا إِذا خرج إِلَى الْغَائِط أحب أَن يستنجي بِالْمَاءِ
قَالَ: هُوَ ذَاك فعليكموه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مجمع بن يَعْقُوب بن مجمع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعويم بن سَاعِدَة: مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي اثنى الله عَلَيْكُم فَقَالُوا: نغسل الأدبار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه قَالَ: لما أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَقَالَ إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم فِي الطّهُور خيرا أَفلا تخبروني يَعْنِي قَوْله {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}

(4/289)


فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا لنجد مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَنحن نفعله الْيَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل قبَاء مَا هَذَا الثَّنَاء الَّذِي أثنى الله عَلَيْكُم قَالُوا: مَا منا أحد إِلَّا وَهُوَ يستنجي بِالْمَاءِ من الْخَلَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر عَن أَبِيه أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل قبَاء مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي خصصتم بِهِ فِي هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا منا أحد يخرج من الْغَائِط إِلَّا غسل مقعدته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل قبَاء فَقَالَ: إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم فَقَالُوا: إِنَّا نستنجي بِالْمَاءِ
فَقَالَ: إِنَّكُم قد أثنى عَلَيْكُم فدوموا
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: أحدث قوم الْوضُوء بِالْمَاءِ من أهل قبَاء فأنزلت فيهم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن خُزَيْمَة بن ثَابت قَالَ: كَانَ رجال منا إِذا خَرجُوا من الْغَائِط يغسلون أثر الْغَائِط فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ الَّذِي قَالَ الله فيهم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} قَالَ: كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ وَكَانُوا لَا ينامون اللَّيْل كُله وهم على الْجَنَابَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عُرْوَة بن الزبير أَن عويم بن سَاعِدَة قَالَ: يَا رَسُول الله من الَّذين قَالَ الله فيهم {رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم الْقَوْم مِنْهُم عويم بن سَاعِدَة وَلم يبلغنَا أَنه سمى رجلا غير عويم

(4/290)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنفر من الْأَنْصَار إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم فِي الطّهُور فَمَا طهوركم قَالُوا: نستنجي بِالْمَاءِ من الْبَوْل وَالْغَائِط:
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} الْآيَة
قَالَ سَأَلَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طهورهم الَّذِي أثنى الله بِهِ عَلَيْهِم
قَالُوا: كُنَّا نستنجي بِالْمَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا جَاءَ الله بالإِسلام لم ندعه
قَالَ: فَلَا تَدعُوهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يَعْقُوب بن مجمع عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن مجمع بن جَارِيَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} وَكَانُوا يغسلون أدبارهم بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق مُوسَى بن يَعْقُوب عَن السّري بن عبد الرَّحْمَن عَن عباد بن حَمْزَة
أَنه سمع جَابر بن عبد الله يخبر: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول نعم العَبْد من عباد الله وَالرجل من أهل الْجنَّة عويم بن سَاعِدَة
قَالَ مُوسَى: وَبَلغنِي أَنه لما نزلت {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْهُم عويم أول من غسل مقعدته بِالْمَاءِ فِيمَا بَلغنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدْخل الْخَلَاء إِلَّا تَوَضَّأ أَو مس مَاء
وَأخرج عمر بن شبة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة من طَرِيق الْوَلِيد بن سندر الْأَسْلَمِيّ عَن يحيى بن سهل الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه
أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل قبَاء كَانُوا يغسلون أدبارهم من الْغَائِط {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لبَعض الْأَنْصَار: مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي أثنى الله عَلَيْكُم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالُوا: نستطيب بِالْمَاءِ إِذا جِئْنَا من الْغَائِط

الْآيَة 109

(4/291)


أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {أَفَمَن أسس بُنْيَانه على تقوى من الله ورضوان خير} قَالَ: هَذَا مَسْجِد قبَاء {أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار} قَالَ: هَذَا مَسْجِد الضرار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: مَسْجِد الرضْوَان أول مَسْجِد بني فِي الْمَدِينَة فِي الإِسلام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الَّذِي أسسه على التَّقْوَى كَانَ كلما رفع لبنة قَالَ اللهمَّ إِن الْخَيْر خير الْآخِرَة
ثمَّ يناولها أَخَاهُ فَيَقُول مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تَنْتَهِي اللبنة منتهاه ثمَّ يرفع الْأُخْرَى فَيَقُول: اللهمَّ اغْفِر للْأَنْصَار والمهاجرة ثمَّ يناولها أَخَاهُ فَيَقُول مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تَنْتَهِي اللبنة مُنْتَهَاهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم}

(4/292)


قَالَ: بنى قَوَاعِده فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لقد رَأَيْت الدُّخان يخرج من مَسْجِد الضرار حَيْثُ انهار على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: وَالله مَا تناهى أَن وَقع فِي النَّار ذكر لنا أَنه حفرت فِيهِ بقْعَة فرؤي مِنْهَا الدُّخان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: مَسْجِد الْمُنَافِقين انهار فَلم يتناه دون أَن وَقع فِي النَّار
وَلَقَد ذكر لنا: إِن رجَالًا حفروا فِيهِ فَرَأَوْا الدُّخان يخرج مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: فَمضى حِين خسف بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة
أَنه لَا يزَال مِنْهُ دُخان يفور لقَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} وَيُقَال: إِنَّه بقْعَة فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فانهار بِهِ قَوَاعِده فِي نارجهنم يَقُول: خر من قَوَاعِده فِي نَار جَهَنَّم

الْآيَة 110

(4/293)


لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم} قَالَ: يَعْنِي الشَّك {إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} يَعْنِي الْمَوْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: قلت لإِبراهيم: أَرَأَيْت قَول الله {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم} قَالَ: الشَّك
قلت: لَا
قَالَ: فَمَا تَقول أَنْت قلت: الْقَوْم بنوا مَسْجِدا ضِرَارًا وهم كفَّارًا حِين بنوا فَلَمَّا دخلُوا فِي الإِسلام جعلُوا لَا يزالون يذكرُونَ فَيَقَع فِي قُلُوبهم مشقة من ذَلِك فتراجعوا لَهُ فَقَالُوا: يَا ليتنا لم نَكُنْ فعلنَا وَكلما ذَكرُوهُ وَقع من ذَلِك فِي قُلُوبهم مشقة وندموا
فَقَالَ إِبْرَاهِيم: اسْتغْفر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حبيب بن أبي ثَابت فِي قَوْله {رِيبَة فِي قُلُوبهم} قَالَ: غيظاً فِي قُلُوبهم {إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} قَالَ: إِلَى أَن يموتوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا أَن تقطع} قَالَ: الْمَوْت أَن يموتوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أَيُّوب قَالَ: كَانَ عِكْرِمَة يَقْرَأها لَا أَن تقطع قُلُوبهم فِي الْقَبْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} قَالَ: إِلَّا أَن يتوبوا وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤونها رِيبَة فِي قُلُوبهم وَلَو تقطعت قُلُوبهم

الْآيَة 111

(4/293)


إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

أخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره قَالُوا: قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشْترط لِرَبِّك وَلِنَفْسِك مَا شِئْت
قَالَ: أشْتَرط لرَبي أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَشْتَرِط لنَفْسي أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وَأَمْوَالكُمْ
قَالُوا فَإِذا فعلنَا ذَلِك فَمَا لنا قَالَ: الْجنَّة
قَالَ: ربح البيع لَا نقِيل وَلَا نَسْتَقِيل
فَنزلت {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} الْآيَة
فَكبر النَّاس فِي الْمَسْجِد
فَأقبل رجل من الْأَنْصَار ثَانِيًا طرفِي رِدَائه على عَاتِقه فَقَالَ: يَا رَسُول الله أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: نعم
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: بيع ربيح لَا نقبل وَلَا نَسْتَقِيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سل سَيْفه فِي سَبِيل الله فقد بَايع الله
وَأخرج ابْن سعد عَن عباد بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت أَن أسعد بن زُرَارَة أَخذ بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ علام تُبَايِعُونَ مُحَمَّدًا إِنَّكُم تبايعونه على أَن تَحَارَبُوا الْعَرَب والعجم وَالْجِنّ والإِنس كَافَّة
فَقَالُوا: نَحن حَرْب لمن حَارب وَسلم لمن سَالم
فَقَالَ أسعد بن زُرَارَة: يَا رَسُول الله اشْترط عليَّ فَقَالَ: تُبَايِعُونِي على أَن تشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقيموا الصَّلَاة وتؤتوا الزَّكَاة والسمع وَالطَّاعَة وَلَا تنازعوا الْأَمر أَهله وتمنعوني مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وأهليكم
قَالُوا: نعم
قَالَ قَائِل الْأَنْصَار: نعم هَذَا لَك يَا رَسُول الله فَمَا لنا قَالَ: الْجنَّة والنصر
وَأخرج ابْن سعد عَن الشّعبِيّ قَالَ: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب - وَكَانَ ذَا رَأْي - إِلَى السّبْعين من الْأَنْصَار عِنْد الْعقبَة فَقَالَ الْعَبَّاس: ليَتَكَلَّم متكلمكم وَلَا يطلّ الْخطْبَة فَإِن عَلَيْكُم للْمُشْرِكين عينا وَإِن يعلمُوا بكم يفضحوكم
فَقَالَ قَائِلهمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَة أسعد: يَا مُحَمَّد سل لِرَبِّك مَا شِئْت ثمَّ سل لنَفسك وَأَصْحَابك مَا شِئْت ثمَّ أخبرنَا مَا لنا من الثَّوَاب على الله وَعَلَيْكُم إِذا فعلنَا ذَلِك
فَقَالَ أَسأَلكُم لرَبي أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وأسألكم لنَفْسي وأصحابي أَن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم
قَالَ: فَمَا لنا إِذا فعلنَا

(4/294)


ذَلِك قَالَ: الْجنَّة
فَكَانَ الشّعبِيّ إِذا حدث هَذَا الحَدِيث قَالَ: مَا سمع الشيب والشبان بِخطْبَة أقصر وَلَا أبلغ مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} قَالَ: أنفس هُوَ خلقهَا وأموال هُوَ رزقها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} قَالَ: ثامنهم - وَالله - وَأَعْلَى لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: مَا على ظهر الأَرْض مُؤمن إِلَّا قد دخل هَذِه الْبيعَة
وَفِي لفظ: اسْعوا إِلَى بيعَة بَايع الله بهَا كل مُؤمن {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَيَّاش بن عتبَة الْحَضْرَمِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله الْمدنِي قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} دخل على رَسُول الله رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله نزلت هَذِه الْآيَة فَقَالَ: نعم
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: بيع رابح لَا نقِيل وَلَا نَسْتَقِيل قَالَ عَيَّاش: وحَدثني اسحق أَن الْمُسلمين كلهم قد دخلُوا فِي هَذِه الْآيَة من كَانَ مِنْهُم إِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ نفع وأغار وَمن كَانَ مِنْهُم لَا يُغير إِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ فقد خرج من هَذِه الْبيعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون} يَعْنِي يُقَاتلُون الْمُشْركين {فِي سَبِيل الله} يَعْنِي فِي طَاعَة الله {فيقتلون} الْعَدو {وَيقْتلُونَ} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا} يَعْنِي ينجز مَا وعدهم من الْجنَّة {فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْقُرْآن وَمن أوفى بعهده من الله} فَلَيْسَ أحد أوفى بعهده من الله {فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ} الرب تبَارك بإقراركم بالعهد الَّذِي ذكره فِي هَذِه الْآيَة {وَذَلِكَ} الَّذِي ذكر من الثَّوَاب فِي الْجنَّة للْقَاتِل والمقتول {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} قَالَ: ثامنهم - وَالله - فأعلى لَهُم الثّمن {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْقُرْآن} قَالَ: وعدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل أَنه من قتل فِي سَبِيل الله أدخلهُ الْجنَّة

(4/295)


وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: مَا من مُسلم إِلَّا وَللَّه تَعَالَى فِي عُنُقه بيعَة وفّى بهَا أَو مَاتَ عَلَيْهَا {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله رَضِي الله إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِالْجنَّةِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله اشْترى} الْآيَة
قَالَ: نسخهَا (لَيْسَ على الضُّعَفَاء) (التَّوْبَة الْآيَة 91) الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى رَضِي الله عَنهُ: وَجَبت نصْرَة الْمُسلمين على كل مُسلم لدُخُوله فِي الْبيعَة الَّتِي اشْترى الله بهَا من الْمُؤمنِينَ أنفسهم

الْآيَة 112

(4/296)


التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من مَاتَ على هَذِه التسع فَهُوَ فِي سَبِيل الله {التائبون العابدون} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّهِيد من كَانَ فِيهِ التسع خِصَال {التائبون العابدون} إِلَى قَوْله {وَبشر الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {التائبون} قَالَ: تَابُوا من الشّرك وبرئوا من النِّفَاق
وَفِي قَوْله {العابدون} قَالَ: عبدُوا الله فِي أحايينهم كلهَا أما وَالله مَا هُوَ بِشَهْر وَلَا شَهْرَيْن وَلَا سنة وَلَا سنتَيْن وَلَكِن كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح (وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا) (مَرْيَم الْآيَة 31) وَفِي قَوْله {الحامدون} قَالَ: يحْمَدُونَ الله على كل حَال فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَفِي قَوْله {الراكعون الساجدون} قَالَ: فِي الصَّلَوَات المفروضات
وَفِي قَوْله {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر} قَالَ: لم يأمروا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى ائْتَمرُوا

(4/296)


بِهِ وَلم ينهوا النَّاس عَن الْمُنكر حَتَّى انْتَهوا عَنهُ
وَفِي قَوْله {والحافظون لحدود الله} قَالَ: القائمون بِأَمْر الله عز وَجل {وَبشر الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الَّذين لم يغزوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {التائبون} قَالَ: من الشّرك والذنُوب {العابدون} قَالَ: العابدون لله عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {التائبون} قَالَ: الَّذين تَابُوا من الشّرك وَلم ينافقوا فِي الإِسلام {العابدون} قَالَ: قوم أخذُوا من أبدانهم فِي ليلهم ونهارهم {الحامدون} قَالَ: قوم يحْمَدُونَ الله على كل حَال {السائحون} قَالَ: قوم أخذُوا من أبدانهم صوما لله عز وَجل {والحافظون لحدود الله} قَالَ: لفرائضه من حَلَاله وَحَرَامه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {العابدون} قَالَ: الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الْحَمَّادُونَ الَّذين يحْمَدُونَ الله على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِن أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الَّذين يحْمَدُونَ الله على كل حَال أَو قَالَ: فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ الْأَمر يسره قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات وَإِذا أَتَاهُ الْأَمر يكرههُ قَالَ: الْحَمد لله على كل حَال
وَأخرج ابْن جرير عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السائحين قَالَ هم الصائمون

(4/297)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كلما ذكر الله فِي الْقُرْآن السياحة هم الصائمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ {السائحون} الصائمون
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: سياحة هَذِه الْأمة الصّيام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ ومسدد فِي مُسْنده وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السائحين فَقَالَ هم الصائمون
وأ رج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار من طَرِيق أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السائحون: هم الصائمون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السائحين
فَقَالَ: الصائمون
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ {السائحون} الصائمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {السائحون} قَالَ: هم الصائمون
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْحسن مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمر والعبدي قَالَ {السائحون} الصائمون الَّذين يديمون الصّيام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: إِنَّمَا سمي الصَّائِم السائح لِأَنَّهُ تَارِك للذات الدُّنْيَا كلهَا من الْمطعم وَالْمشْرَب والمنكح فَهُوَ تَارِك للدنيا بِمَنْزِلَة السائح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي فَاخِتَة مولى جعدة بن هُبَيْرَة
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون أَرَادَ أَن ينظر أيستطيع السياحة قَالَ: كَانُوا يعدون السياحة قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي أُمَامَة
أَن رجلا اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السياحة
قَالَ إِن سياحة أمتِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {السائحون} قَالَ: هم الْمُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سياحة إِلَّا الْهِجْرَة وَكَانَت سياحتهم الْهِجْرَة حِين هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة لَيْسَ فِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترهب
وَأخرج ابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَت السياحة فِي بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {السائحون} قَالَ: طلبة الْعلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس الآمرون بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله {والناهون عَن الْمُنكر} قَالَ: الشّرك بِاللَّه {وَبشر الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الَّذين لم يغزوا

(4/298)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {والحافظون لحدود الله} قَالَ: لفرائض الله الَّتِي افْترض نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ الَّذين لم يغزوا وَالْآيَة الَّتِي قبلهَا فِيمَن غزا {وَبشر الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الغازين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هَذِه قَالَ فِيهَا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قضى على نَفسه فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْقُرْآن لهَذِهِ الْأمة أَنه من قتل مِنْهُم على هَذِه الْأَعْمَال كَانَ عِنْد الله شَهِيدا وَمن مَاتَ مِنْهُم عَلَيْهَا فقد وَجب أجره على الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الشَّهِيد من لَو مَاتَ على فرَاشه دخل الْجنَّة
قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: من مَاتَ وَفِيه تسع فَهُوَ شَهِيد {التائبون العابدون} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} يَعْنِي بِالْجنَّةِ ثمَّ قَالَ: {التائبون} إِلَى قَوْله {والحافظون لحدود الله} يَعْنِي القائمون على طَاعَة الله وَهُوَ شَرط اشْتَرَطَهُ الله على أهل الْجِهَاد إِذا وفوا الله بِشَرْطِهِ وفى لَهُم بشرطهم

الْآيَات 113 - 114

(4/299)


مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ: لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة دخل عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله
فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة: يَا أَبَا طَالب أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب وَجعل النَّبِي يعرضهَا عَلَيْهِ وَأَبُو جهل وَعبد الله يعاونانه بِتِلْكَ الْمقَالة

(4/299)


فَقَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ: هُوَ على مِلَّة عبد الْمطلب وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك
فَنزلت {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة
وَأنزل الله فِي أبي طَالب فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء) (الْقَصَص الْآيَة 56)
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة عَن عَليّ قَالَ: سَمِعت رجلا يسْتَغْفر لِأَبَوَيْهِ وهما مُشْرِكَانِ فَقلت: تستغفر لِأَبَوَيْك وهما مُشْرِكَانِ فَقَالَ: أَو لم يسْتَغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُم حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة فَلَمَّا نزلت امسكوا عَن الاسْتِغْفَار لأمواتهم وَلم ينهوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للأحياء حَتَّى يموتوا ثمَّ أنزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} الْآيَة
يَعْنِي اسْتغْفر لَهُ مَا كَانَ حَيا فَلَمَّا مَاتَ أمسك عَن الاسْتِغْفَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: لما مرض أَبُو طَالب أَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُسلمُونَ: هَذَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لِعَمِّهِ وَقد اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فاستغفروا لقراباتهم من الْمُشْركين
فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} ثمَّ أنزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} قَالَ: كَانَ يرجوه فِي حَيَاته {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله تَبرأ مِنْهُ}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق شبْل عَن عَمْرو بن دِينَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرك فَلَا أَزَال اسْتغْفر لأبي طَالب حَتَّى ينهاني عَنهُ رَبِّي
وَقَالَ أَصْحَابه: لنستغفرن لآبائنا كَمَا اسْتغْفر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعَمِّهِ فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} إِلَى قَوْله {تَبرأ مِنْهُ}

(4/300)


وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة أَتَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أَي عَم إِنَّك أعظم عليَّ حَقًا من وَالِدي فَقل كلمة يجب لَك بهَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة قل لَا إِلَه إِلَّا الله
فَذكر نَحْو مَا تقدم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: يَا نَبِي الله إِن من آبَائِنَا من كَانَ يحسن الْجوَار ويصل الرَّحِم ويفك العاني ويوفي بالذمم أَفلا نَسْتَغْفِر لَهُم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لأَسْتَغْفِرَن لأبي كَمَا اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ
فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة ثمَّ عذر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} إِلَى قَوْله {تَبرأ مِنْهُ} وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوحى إليّ كَلِمَات قد دخلن فِي أُذُنِي ووقرن فِي قلبِي أمرت أَن لَا أسْتَغْفر لمن مَاتَ مُشْركًا وَمن أعْطى فضل مَاله فَهُوَ خير لَهُ وَمن أمسك فَهُوَ شَرّ لَهُ وَلَا يلوم الله على كفاف
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ أخْبرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَوْت أبي طَالب فَبكى فَقَالَ: اذْهَبْ فَغسله وكفنه وواره غفر الله لَهُ ورحمه
فَفعلت وَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَهُ أَيَّامًا وَلَا يخرج من بَيته حَتَّى نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين}
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عمر قَالَ: لما مَاتَ أَبُو طَالب قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحِمك الله وَغفر لَك لَا أَزَال أسْتَغْفر لَك حَتَّى ينهاني الله فَأخذ الْمُسلمُونَ يَسْتَغْفِرُونَ لموتاهم الَّذين مَاتُوا وهم مشركون فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة
فَقَالُوا: قد اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فَنزلت {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} الْآيَة
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ على كفره تبين لَهُ أَنه عَدو الله
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: لما مَاتَ أَبُو طَالب قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إِبْرَاهِيم اسْتغْفر لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرك وَأَنا أسْتَغْفر لِعَمِّي حَتَّى أبلغ فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى} يَعْنِي بِهِ أَبَا طَالب فَاشْتَدَّ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الله لنَبيه {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه}

(4/301)


يَعْنِي حِين قَالَ (سأستغفر لَك رَبِّي إِنَّه كَانَ بِي حفياً) (مَرْيَم الْآيَة 47) {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله} يَعْنِي مَاتَ على الشّرك {تَبرأ مِنْهُ}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يسْتَغْفر لِأَبِيهِ فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك قَالَ فَإِن إِبْرَاهِيم قد اسْتغْفر لِأَبِيهِ
فَنزلت {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} الْآيَة
قلت إِن هَذَا الْأَثر ضَعِيف مَعْلُول فَإِن عَطِيَّة ضَعِيف وَهُوَ مُخَالف لرِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس السَّابِقَة وَتلك أصح وعَلى ثِقَة جليل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أقبل من غَزْوَة تَبُوك اعْتَمر فَلَمَّا هَبَط من ثنية عسفان أَمر أَصْحَابه أَن يستندوا إِلَى الْعقبَة حَتَّى أرجع إِلَيْكُم فَذهب فَنزل على قبر أمه آمِنَة فناجى ربه طَويلا ثمَّ انه بَكَى فَاشْتَدَّ بكاؤه فَبكى هَؤُلَاءِ لبكائه فَقَالُوا: يَا نَبِي الله بكينا لبكائك
قُلْنَا لَعَلَّه أحدث فِي أمتك شَيْء لم يطقه فَقَالَ: لَا وَقد كَانَ بعضه وَلَكِنِّي نزلت على قبر أُمِّي فدعوت الله تَعَالَى ليأذن لي فِي شَفَاعَتهَا يَوْم الْقِيَامَة فَأبى أَن يَأْذَن لي فرحمتها وَهِي أُمِّي فَبَكَيْت ثمَّ جَاءَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} الْآيَة
فتبرأ أَنْت من أمك كَمَا تَبرأ إِبْرَاهِيم من أَبِيه فرحمتها وَهِي أُمِّي فدعوت رَبِّي أَن يرفع عَن أمتِي أَربع فَرفع عَنْهُم اثْنَتَيْنِ وأبى أَن يرفع عَنْهُم اثْنَتَيْنِ
دَعَوْت أَن يرفع عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وَأَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا وَأَن لَا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَرفع الله عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وأبى أَن يرفع عَنْهُم الْقَتْل والهرج
قَالَ: وَإِنَّمَا عدل إِلَى قبر أمه لِأَنَّهَا كَانَت مدفونة تَحت كدي وَكَانَت عسفان لَهُم وَبهَا ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا إِلَى الْمَقَابِر فاتبعناه فجَاء حَتَّى جلس إِلَى قبر مِنْهَا فناجاه طَويلا ثمَّ بَكَى فبكينا لبكائه ثمَّ قَامَ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَدَعَاهُ ثمَّ دَعَانَا فَقَالَ: مَا أبكاكم قُلْنَا: بكينا لبكائك
قَالَ: إِن الْقَبْر الَّذِي جَلَست عِنْده قبر آمِنَة وَإِنِّي اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي زيارتها فَأذن لي وَإِنِّي اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي الاسْتِغْفَار لَهَا فَلم

(4/302)


يَأْذَن لي وَأنزل عَليّ {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى} فأخذني مَا يَأْخُذ الْوَلَد للوالدة من الرقة فَذَلِك الَّذِي أبكاني
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ وقف على عسفان فَنظر يَمِينا وَشمَالًا فأبصر قبر أمه آمِنَة ورد المَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ ودعا فَلم يفجأنا إِلَّا وَقد علا بكاؤه فعلا بكاؤنا لبكائه ثمَّ انْصَرف إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا الَّذِي أبكاكم قَالُوا: بَكَيْت فبكينا يَا رَسُول الله
قَالَ: وَمَا ظننتم قَالُوا: ظننا أَن الْعَذَاب نَازل علينا بِمَا نعمل
قَالَ: لم يكن من ذَلِك شَيْء
قَالُوا: فظننا أَن أمتك كلفت من الْأَعْمَال مَا لَا يُطِيقُونَ فرحمتها
قَالَ: لم يكن من ذَلِك شَيْء وَلَكِن مَرَرْت بِقَبْر أُمِّي آمِنَة فَصليت رَكْعَتَيْنِ فاستأذنت رَبِّي أَن اسْتغْفر لَهَا فنهيت فَبَكَيْت ثمَّ عدت فَصليت رَكْعَتَيْنِ فاستأذنت رَبِّي أَن أسْتَغْفر لَهَا فزجرت زجرا فعلا بُكَائِي ثمَّ دَعَا براحلته فركبها فَمَا سَار إِلَّا هنيَّة حَتَّى قَامَت النَّاقة لثقل الْوَحْي فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ ابْنا مليكَة - وهما من الْأَنْصَار - فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن أمنا كَانَت تحفظ على البعل وتكرم الضَّيْف وَقد وُئدت فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَيْنَ أمنا فَقَالَ: أمكُمَا فِي النَّار
فقاما وَقد شقّ ذَلِك عَلَيْهِمَا فدعاهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَجَعَا فَقَالَ: أَلا أَن أُمِّي مَعَ أمكُمَا فَقَالَ مُنَافِق من النَّاس: أما مَا يُغني هَذَا عَن أمه إِلَّا مَا يُغني ابْنا مليكَة عَن أمهما وَنحن نَطَأ عَقِبَيْهِ
فَقَالَ شَاب من الْأَنْصَار لم أر رجلا أَكثر سؤالا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ: يَا رَسُول الله وَأَيْنَ أَبَوَاك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا سألتهما رَبِّي فيطيعني فيهمَا
وَفِي لفظ: فيطعمني فيهمَا وَإِنِّي لقائم يَوْمئِذٍ الْمقَام الْمَحْمُود فَقَالَ الْمُنَافِق للشاب الْأنْصَارِيّ: سَله وَمَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: يَا رَسُول الله وَمَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: ذَاك يَوْم ينزل الله فِيهِ على كرسيه يئط فِيهِ كَمَا يئط الرحل الْجَدِيد من تضايقه وَهُوَ كسعة مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ويجاء بكم حُفَاة عُرَاة غرلًا فَيكون أول من يكسى إِبْرَاهِيم
يَقُول الله: اكسوا خليلي
فَيُؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الْجنَّة ثمَّ اكسى على أَثَره فأقوم عَن يَمِين الله مقَاما يغبطني فِيهِ الأوّلون وَالْآخرُونَ ويشق لي نهر من الْكَوْثَر إِلَى حَوْضِي قَالَ: يَقُول الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ لقلما جرى نهر قطّ إِلَّا فِي إِحَالَة أَو رَضْرَاض فسله فيمَ يجْرِي النَّهر إِلَيْهِم

(4/303)


قَالَ: فِي إِحَالَة من الْمسك ورضراض
قَالَ: يَقُول الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ
وَالله لقلما جرى نهر قطّ إِلَّا كَانَ لَهُ نَبَات فسله هَل لذَلِك النَّهر نَبَات فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله هَل لذَلِك النَّهر نَبَات قَالَ: نعم
قَالَ: مَا هُوَ قَالَ: قضبان الذَّهَب
قَالَ: يَقُول الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ وَالله مَا نَبتَت قضيب إِلَّا كَانَ لَهُ ثَمَر فسله هَل لتِلْك القضبان ثمار فَسَأَلَ الْأنْصَارِيّ قَالَ: يَا رَسُول الله هَل لتِلْك القضبان ثمار قَالَ: نعم اللُّؤْلُؤ والجوهر
فَقَالَ الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ فسله عَن شراب الْحَوْض فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله مَا شراب الْحَوْض قَالَ: أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل من سقَاهُ الله مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا وَمن حرمه لم يرو بعْدهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ وَأبي بكر بن قيس الْجعْفِيّ قَالَا: كَانَت جعفى يحرمُونَ الْقلب فِي الْجَاهِلِيَّة فوفد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَانِ مِنْهُم قيس بن سَلمَة وَسَلَمَة بن يزِيد وهما أَخَوان لأُم فاسلما فَقَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَلغنِي أنكما لَا تأكلان الْقلب
قَالَا: نعم
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يكمل إسلامكما إِلَّا بِأَكْلِهِ
ودعا لَهما بقلب فشوي وأطعمه لَهما
فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن أمنا مليكَة بنت الحلو كَانَت تفك العاني وَتطعم البائس وترحم الْفَقِير وَإِنَّهَا مَاتَت وَقد وَأَدت بنية لَهَا صَغِيرَة فَمَا حَالهَا فَقَالَ: الوائدة والموءودة فِي النَّار
فقاما مغضبين
فَقَالَ: إِلَيّ
فارجعا فَقَالَ: وَأمي مَعَ أمكُمَا
فأبيا ومضيا وهما يَقُولَانِ: وَالله إِن رجلا أطعمنَا الْقلب وَزعم أَن أمنا فِي النَّار لأهل أَن لَا يتبع وذهبا فلقيا رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه إبل من إبل الصَّدَقَة فَأَوْثَقَاهُ وطردا الإِبل فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلعنهما فِيمَن كَانَ يلعن فِي قَوْله: لعن الله رعلاً وذكوان وَعصيَّة ولحيان وَابْني مليكَة من حَرِيم وحران
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله (وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه) (الْإِسْرَاء الْآيَة 23) إِلَى قَوْله (كَمَا ربياني صَغِيرا) قَالَ: ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} إِلَى قَوْله {عَن موعدة وعدها إِيَّاه}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله} قَالَ: تبين لَهُ حِين مَاتَ وَعلم التَّوْبَة قد انْقَطَعت عَنهُ

(4/304)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي فَوَائده والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يزل إِبْرَاهِيم يسْتَغْفر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ فَلَمَّا مَاتَ تبين لَهُ أَنه عدوّ لله فتبرأ مِنْهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله} يَقُول: لما مَاتَ على كفره
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رجل يطوف بِالْبَيْتِ وَيَقُول فِي داعئه: أوّه أوّه

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه لأواه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِذا ذكر النَّار قَالَ: أوّه من النَّار أوّه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الجوزاء
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ يرفع صَوته بِالذكر فَقَالَ رجل: لَو أَن هَذَا خفض صَوته
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعه فَإِنَّهُ أوّاه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل يُقَال لَهُ ذُو البجادين: إِنَّه أوّاه وَذَلِكَ أَنه كَانَ يكثر ذكر الله بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدخل مَيتا الْقَبْر وَقَالَ: رَحِمك الله ان كنت لأوّاهاً تلاء لِلْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأوّاه: الخاشع المتضرع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الأوّاه: الدُّعَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم قَالَ: الأوّاه الدُّعَاء المستكين إِلَى الله كَهَيئَةِ الْمَرِيض المتأوّه من مَرضه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي

(4/305)


حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي العبيدين قَالَ: سَأَلت عبد الله بن مَسْعُود عَن الأوّاه فَقَالَ: هُوَ الرَّحِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الْمُؤمن التوّاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الْحَلِيم الْمُؤمن الْمُطِيع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أَيُّوب قَالَ: الأوّاه الَّذِي إِذا ذكر خطاياه اسْتغْفر مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الْمُؤمن بالحبشية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الموقن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الحبشية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: الأوّاه الموقن وَهِي كلمة حبشية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الْفَقِيه الموقن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: الأوّاه الشَّيْخ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي ميسرَة قَالَ: الأوّاه الشَّيْخ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: الأوّاه الرَّحِيم بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: الأوّاه الدُّعَاء بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الأوّاه الْمَسِيح

(4/306)


وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن الْحسن قَالَ: الأوّاه الَّذِي قلبه مُعَلّق عِنْد الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم يُسمى الأوّاه لرقته وَرَحمته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} قَالَ: الْحَلِيم الرَّحِيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} قَالَ: كَانَ من حلمه أَنه كَانَ إِذا أَذَاهُ الرجل من قومه قَالَ لَهُ: هداك الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أنزل شَيْء من الْقُرْآن إِلَّا وَأَنا أعلمهُ إِلَّا أَربع آيَات
إِلَّا (الرقيم) (الْكَهْف الْآيَة 9) فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَسَأَلت كَعْبًا فَزعم أَنَّهَا الْقرْيَة الَّتِي خَرجُوا مِنْهَا (وَحَنَانًا من لدنا وَزَكَاة) (مَرْيَم الْآيَة 13) قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الحنان وَلكنهَا الرَّحْمَة (والغسلين) (الحاقة الْآيَة 36) لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِّي أَظُنهُ الزقوم
قَالَ الله (إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم) (الدُّخان الْآيَتَانِ 42 - 43) قَالَ: والأوّاه هُوَ الموقن بالحبشية
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الْمُؤمن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الْمُنِيب الْفَقِير
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: الأوّاه الْكثير ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} قَالَ: بَيَان الله للْمُؤْمِنين فِي الاسْتِغْفَار للْمُشْرِكين خَاصَّة وَفِي بَيَانه طَاعَته ومعصيته عَامَّة مَا فعلوا أَو تركُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} قَالَ: مَا يأتونه وَمَا ينتهون عَنهُ

الْآيَات 115 - 116

(4/307)


وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن عقيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دفع إِلَى يحيى بن يعمر كتابا قَالَ: هَذِه خطْبَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ كَانَ يقوم فيخطب بهَا كل عَشِيَّة خَمِيس على أَصْحَابه ذكر الحَدِيث ثمَّ قَالَ: فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَغْدُو عَالما أَو متعلماً فَلْيفْعَل وَلَا يَغْدُو لسوى ذَلِك فَإِن الْعَالم والمتعلم شريكان فِي الْخَيْر أَيهَا النَّاس إِنِّي وَالله مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَن تؤخذوا بِمَا لم يبين لكم وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} فقد بَين لكم مَا تَتَّقُون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} قَالَ: نزلت حِين أخذُوا الْفِدَاء من الْمُشْركين يَوْم الْأُسَارَى قَالَ: لم يكن لكم أَن تأخذوه حَتَّى يُؤذن لكم وَلَكِن مَا كَانَ الله ليعذب قوما بذنب أذنبوه حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ
قَالَ: حَتَّى ينهاهم قبل ذَلِك

الْآيَة 117

(4/308)


لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)

أخرج ابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حَدثنَا من شَأْن سَاعَة الْعسرَة
فَقَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك فِي قيظ شَدِيد فنزلنا منزلا فأصابنا فِيهِ عَطش حَتَّى ظننا إِن رقابنا ستقطع حَتَّى إِن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه وَيجْعَل مَا بَقِي على كبده فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله إِن الله قد عوّدك فِي الدُّعَاء خيرا فَادع لنا
فَرفع يَدَيْهِ فَلم يرجعهما حَتَّى قَالَت السَّمَاء فأهطلت ثمَّ سكبت فملأوا مَا مَعَهم ثمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُر فَلم نجدها جَاوَزت الْعَسْكَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: غَزْوَة تَبُوك

(4/308)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: هم الَّذين اتبعُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك قبل الشَّام فِي لهبان الْحر على مَا يعلم الله من الْجهد أَصَابَهُم فِيهَا جهد شَدِيد حَتَّى لقد ذكر لنا أَن الرجلَيْن كَانَ يشقا التمرة بَينهمَا وَكَانَ النَّفر يتداولون التمرة بَينهم يمصها أحدهم ثمَّ يشرب عَلَيْهَا المَاء ثمَّ يمصها الآخر فَتَابَ الله عَلَيْهِم فأقفلهم من غزوتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عقيل بن أبي طَالب فِي قَوْله {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: خَرجُوا فِي غَزْوَة تَبُوك الرّجلَانِ وَالثَّلَاثَة على بعير وَخَرجُوا فِي حر شَدِيد فَأَصَابَهُمْ يَوْمًا عَطش حَتَّى جعلُوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها وَيَشْرَبُونَ ماءها فَكَانَ ذَلِك عسرة من المَاء وعسرة من النَّفَقَة وعسرة من الظّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر فِي قَوْله {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: عسرة الظّهْر وعسرة وعسرة المَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك
أَنه قَرَأَ {من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم}

الْآيَة 118

(4/309)


وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} قَالَ: كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن ربيعَة وَكلهمْ من الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مجمع بن جَارِيَة قَالَ: الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن ربعي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِن الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا كَعْب بن مَالك من بني سَلمَة وهلال بن أُميَّة من بني وَاقِف ومرارة بن ربيع من بني عَمْرو بن عَوْف

(4/309)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: لما نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي أَوَان خرج عَامَّة الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا تخلفوا عَنهُ يتلقونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه لَا تكلمن رجلا تخلف عَنَّا وَلَا تجالسوه حَتَّى آذن لكم فَلم يكلموهم فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَتَاهُ الَّذين تخلفوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنْهُم وَأعْرض الْمُؤْمِنُونَ عَنْهُم حَتَّى أَن الرجل ليعرض عَنهُ أَخُوهُ وَأَبوهُ وَعَمه فَجعلُوا يأْتونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعتذرون بالجهد والأسقام فَرَحِمهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبايعهم واستغفر لَهُم وَكَانَ مِمَّن تخلف عَن غير شكّ وَلَا نفاق ثَلَاثَة نفر الَّذين ذكر الله تَعَالَى فِي سُورَة التَّوْبَة
كَعْب بن مَالك السّلمِيّ وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي ومرارة بن ربيعَة العامري
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} قَالَ: كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه حِين عمي قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك يحدث حَدِيثه حِين تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك قَالَ كَعْب: لم أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة غَزَاهَا قطّ إِلَّا فِي غَزْوَة تَبُوك غير أَنِّي تخلفت فِي غَزْوَة بدر وَلم يُعَاتب أحدا تخلف عَنْهَا إِنَّمَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد عير قُرَيْش حَتَّى جمع الله بَينهم وَبَين عدوهم على غير ميعاد وَلَقَد شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة حِين تواثقنا على الْإِسْلَام وَمَا أحب أَن لي بهَا مشْهد بدر وَإِن كَانَت بدر أذكر فِي النَّاس مِنْهَا وَأشهر
وَكَانَ من خبري حِين تخلفت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك أَنِّي لم أكن قطّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنهُ فِي تِلْكَ الْغُزَاة وَالله مَا جمعت قبلهَا راحلتين قطّ حَتَّى جمعتهما فِي تِلْكَ الْغُزَاة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما يُرِيد غزَاة إِلَّا ورى بغَيْرهَا حَتَّى كَانَت تِلْكَ الْغَزْوَة فَغَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حر شَدِيد واستقبل سفرا بَعيدا وَمَفَازًا واستقبل عدوا كثيرا فجلا للْمُسلمين أَمرهم لِيَتَأَهَّبُوا أهبة عدوهم فَأخْبرهُم وَجهه الَّذِي يُرِيد والمسلمون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير لَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ يُرِيد الدِّيوَان
قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: فَقل رجل يُرِيد أَن يتغيب إِلَى ظن أَن ذَلِك سيخفى مَا لم ينزل فِيهِ وَحي من الله عز وَجل وغزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْغُزَاة حِين

(4/310)


طابت الثِّمَار والظل وآن لَهَا أَن تصغر فتجهز إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه وطفقت أغدو لكَي أتجهز مَعَهم فأرجع وَلَا أَقْْضِي شَيْئا فَأَقُول لنَفْسي: أَنا قَادر على ذَلِك إِن أردْت
فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد فَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غاديا والمسلمون مَعَه وَلم أقض من جهازي شَيْئا وفلت الجهاز بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ ألحقهُ فَغَدَوْت بعد مَا فصلوا لأتجهز فَرَجَعت وَلم أقض من جهازي شَيْئا ثمَّ غَدَوْت فَرَجَعت وَلم أقض شَيْئا فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى انْتَهوا وتفارط الْغَزْو فهممت أَن أرتحل فأدركهم - وليت أَنِّي أفعل - ثمَّ لم يقدر لي ذَلِك فطفقت إِذْ خرجت فِي النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحزنني أَنِّي لَا أرى إِلَّا رجلا مغموصا عَلَيْهِ من النِّفَاق أَو رجلا مِمَّن عذره الله
وَلم يذكرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ تَبُوك فَقَالَ وَهُوَ جَالس فِي الْقَوْم بتبوك مَا فعل كَعْب بن مَالك فَقَالَ رجل من بني سَلمَة: حَبسه يَا رَسُول الله برْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عطفيه
فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: بئْسَمَا قلت وَالله يَا رَسُول الله مَا علمنَا عَلَيْهِ إِلَّا خيرا
فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ كَعْب بن مَالك: فَلَمَّا بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد توجه قَافِلًا من تَبُوك حضرني همي فطفقت أَتَذكر الْكَذِب وَأَقُول: بِمَاذَا أخرج من سخطه غَدا وأستعين على ذَلِك بِكُل ذِي رَأْي من أَهلِي فَلَمَّا قيل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أظل قادما رَاح عني الْبَاطِل وَعرفت أَنِّي لم أَنْج مِنْهُ بِشَيْء أبدا فأجمعت صدقه وَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قادما وَكَانَ إِذا قدم من سفر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جلس للنَّاس فَلَمَّا فعل ذَلِك جَاءَهُ المتخلفون فطفقوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ويحلفون لَهُ وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ رجلا فَقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم علانيتهم واستغفر لَهُم ووكل سرائرهم إِلَى الله حَتَّى جِئْت فَلَمَّا سلمت عَلَيْهِ تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب ثمَّ قَالَ لي تعال
فَجئْت أَمْشِي حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا خَلفك ألم تكن قد اشْتريت ظهرك فَقلت: يَا رَسُول الله لَو جَلَست عِنْد غَيْرك من أهل الدُّنْيَا لرأيت أَن أخرج من سخطه بِعُذْر لقد أَعْطَيْت جدلا وَلكنه - وَالله - لقد علمت لَئِن حدثتك الْيَوْم حَدِيث كذب ترْضى عني بِهِ ليوشكن الله يسخطك عَليّ وَلَئِن حدثتك الصدْق وتجد عَليّ فِيهِ أَنِّي لأرجو قرب عتبي من الله وَالله مَا كَانَ لي عذر وَالله مَا كنت قطّ أفرغ وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما هَذَا فقد صدق فَقُمْ حَتَّى يقْضِي الله فِيك

(4/311)


فَقُمْت وبادرني رجال من بني سَلمَة واتبعوني فَقَالُوا لي: وَالله مَا علمناك كنت أذنبت ذَنبا قبل هَذَا وَلَقَد عجزت أَن لَا تكون اعتذرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا اعتذر بِهِ المتخلفون فَلَقَد كَانَ كافيك من ذَنْبك اسْتِغْفَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالُوا يؤنبوني حَتَّى أردْت أَن أرجع فأكذب نَفسِي ثمَّ قلت لَهُم: هَل لَقِي هَذَا معي أحدا قَالُوا: نعم لقِيه مَعَك رجلَانِ قَالَا مَا قلت وَقيل لَهما مثل مَا قيل لَك
فَقلت: من هما قَالُوا: مرَارَة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي فَذكرُوا لي رجلَيْنِ صالحين قد شَهدا بَدْرًا لي فيهمَا أُسْوَة حَسَنَة فمضيت حِين ذكروهما لي
قَالَ: وَنهى رَسُول الله النَّاس عَن كلامنا أَيهَا الثَّلَاثَة من بَين من تخلف عَنهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاس وتغيروا لنا حَتَّى تنكرت لي فِي نَفسِي الأَرْض الَّتِي كنت أعرف فلبثنا على ذَلِك خمسين لَيْلَة فَأَما صَاحِبَايَ فاستكانا وقعدا فِي بيوتهما وَأما أَنا فَكنت أَشد الْقَوْم وأجلدهم فَكنت أشهد الصَّلَاة مَعَ الْمُسلمين وأطوف بالأسواق فَلَا يكلمني أحد وَآتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مَجْلِسه بعد الصَّلَاة فَأسلم وَأَقُول فِي نَفسِي هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام أم لَا ثمَّ أُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ وأسارقه النّظر فَإِذا أَقبلت على صَلَاتي نظر إِلَيّ فَإِذا الْتفت نَحوه أعرض عني حَتَّى إِذا طَال عَليّ ذَلِك من هجر الْمُسلمين مشيت حَتَّى تسورت حَائِط أبي قَتَادَة وَهُوَ ابْن عمي وَأحب النَّاس إِلَيّ فَسلمت عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا رد السَّلَام عَليّ فَقلت لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَة أنْشدك الله تَعَالَى هَل تعلم أَنِّي أحب الله وَرَسُوله قَالَ: فَسكت
قَالَ: فعدت فنشدته فَسكت فعدت فنشدته قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وتوليت حَتَّى تسورت الْجِدَار
وَبينا أَنا أَمْشِي بسوق الْمَدِينَة إِذا نبطي من أَنْبَاط الشَّام مِمَّن قدم بِطَعَام يَبِيعهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من يدل على كَعْب بن مَالك فَطَفِقَ النَّاس يشيرون لَهُ إِلَيّ حَتَّى جَاءَ فَدفع إِلَيّ كتابا من ملك غَسَّان - وَكنت كَاتبا - فَإِذا فِيهِ: أما بعد فقد بلغنَا أَن صَاحبك قد جفاك وَلم يجعلك الله بدار هوان وَلَا مضيعة فَالْحق بِنَا نواسك
فَقلت حِين قرأتها: وَهَذَا أَيْضا من الْبلَاء
فيممت بهَا التَّنور فسجرته فِيهَا حَتَّى إِذا مَضَت أَرْبَعُونَ لَيْلَة من الْخمسين إِذا برَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتيني فَقَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تَعْتَزِل إمرأتك
فَقلت: أطلقها أم مَاذَا أفعل قَالَ: بل اعتزلها وَلَا تَقربهَا وَأرْسل إِلَى صَاحِبي مثل ذَلِك
فَقلت لإمرأتي: الحقي بأهلك فكوني

(4/312)


عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله فِي هَذَا الْأَمر فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن هلالا شيخ ضائع وَلَيْسَ لَهُ خَادِم فَهَل تكره أَن أخدمه قَالَ: لَا وَلَكِن لَا يقربنك
فَقَالَت: إِنَّه وَالله مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء وَالله مَا زَالَ يبكي من لدن إِن كَانَ من أَمرك مَا كَانَ إِلَى يَوْمه هَذَا
فَقَالَ لي بعض أَهلِي: لَو اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأَتك فقد أذن لامْرَأَة هِلَال أَن تخدمه
فَقلت: وَالله لَا اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أَدْرِي مَا يَقُول إِذا استأذنته وَأَنا رجل شَاب
قَالَ: فلبثنا عشر لَيَال فكمل لنا خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهى عَن كلامنا
قَالَ: ثمَّ صليت الْفجْر صباح خمسين لَيْلَة على ظهر بَيت من بُيُوتنَا فَبينا أَنا جَالس على الْحَال الَّتِي ذكر الله عَنَّا قد ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ سَمِعت صَارِخًا أوفى جبل سلع يَقُول بِأَعْلَى صَوته: يَا كَعْب بن مَالك أبشر
فَخَرَرْت سَاجِدا وَعرفت أَن قد جَاءَ الْفرج فآذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتوبة الله علينا حِين صلى الْفجْر فَذهب النَّاس يبشروننا وَذهب قبل صَاحِبي مبشرون وركض إِلَيّ رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى على الْجَبَل فَكَانَ الصَّوْت أسْرع من الْفرس فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته يبشرني نزعت لَهُ ثوبي فكسوتهما إِيَّاه ببشارته - وَالله مَا أملك غَيرهمَا يَوْمئِذٍ - فاستعرت ثَوْبَيْنِ فلبستهما فَانْطَلَقت أؤم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتلقاني النَّاس فوجا بعد فَوْج يهنئونني بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِيَهنك تَوْبَة الله عَلَيْك حَتَّى دخلت الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي الْمَسْجِد وَحَوله النَّاس فَقَامَ إِلَيّ طَلْحَة بن عبيد الله يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وهناني وَالله مَا قَامَ إِلَيّ رجل من الْمُهَاجِرين غَيره
قَالَ: فَكَانَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ لَا ينساها لطلْحَة
قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور أبشر بِخَير يَوْم مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك
قلت: أَمن عنْدك يَا رَسُول الله أم من عِنْد الله قَالَ: لَا بل من عِنْد الله
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سر استنار وَجهه حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر
فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قلت يَا رَسُول الله إِن من تَوْبَتِي أَن انخلع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أمسك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك
قلت: إِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر وَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا نجاني الله بِالصّدقِ وَإِن من تَوْبَتِي أَن لَا أحدث إِلَّا صدقا مَا بقيت
قَالَ: فوَاللَّه مَا أعلم أحدا من الْمُسلمين أبلاه الله من الصدْق فِي الحَدِيث مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن مِمَّا أبلاني الله تَعَالَى

(4/313)


وَالله مَا تَعَمّدت مُنْذُ قلت ذَلِك إِلَى يومي هَذَا كذبا وَإِنِّي لأرجو أَن يحفظني الله فِيمَا بَقِي وَأنزل الله (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار) (التَّوْبَة الْآيَة 117) إِلَى قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} فوَاللَّه مَا أنعم الله عَليّ من نعْمَة قطّ بعد أَن هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ أعظم فِي نَفسِي من صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ أَن لَا أكون كَذبته فَأهْلك كَمَا هلك الَّذين كذبوه فَإِن الله قَالَ للَّذين كذبوه حِين أنزل الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لأحد فَقَالَ (سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس) (التَّوْبَة الْآيَة 95) إِلَى قَوْله {الْفَاسِقين} قَالَ: وَكُنَّا خلفنا أَيهَا الثَّلَاثَة عَن أَمر أُولَئِكَ الَّذين قبل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خلفوا فبايعهم واستغفر لَهُم وأرجأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا حَتَّى قضى الله فِيهِ فبذلك قَالَ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} وَلَيْسَ تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنَا الَّذِي ذكر مِمَّا خلفنا بتخلفنا عَن الْغَزْو وَإِنَّمَا هُوَ حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت تَوْبَتِي أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقبَّلت يَده وركبتيه وكسوت المبشر ثَوْبَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} قَالَ: الَّذين أرجأوا فِي وسط بَرَاءَة قَوْله {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} ) (التَّوْبَة الْآيَة 106) هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن ربيعَة وَكَعب بن مَالك
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} مثقلة يَقُول: عَن غَزْوَة تَبُوك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك تخلف كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع قَالَ: أما أحدهم فَكَانَ لَهُ حَائِط حِين زها قد فَشَتْ فِيهِ الْحمرَة والصفرة فَقَالَ: غزوت وغزوت وغزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو أَقمت الْعَام فِي هَذَا الْحَائِط فَأَصَبْت مِنْهُ
فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه دخل حَائِطه فَقَالَ: مَا خلفني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا استبق الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا ضن بك أَيهَا الْحَائِط

(4/314)


اللهمَّ إِنِّي أشهدك أَنِّي تَصَدَّقت بِهِ فِي سَبِيلك
وَأما الآخر فَكَانَ قد تفرق عَنهُ من أَهله نَاس واجتمعوا لَهُ فَقَالَ: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغزوت فَلَو أَنِّي أَقمت الْعَام فِي أَهلِي
فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه قَالَ: مَا خلفني عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا استبق إِلَيْهِ المجاهدون فِي سَبِيل الله إِلَّا ضن بكم أَيهَا الْأَهْل اللَّهُمَّ إِن لَك عليَّ أَن لَا أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي حَتَّى أعلم مَا تقضي فيَّ
وَأما الآخر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن لَك عليَّ أَن ألحق بالقوم حَتَّى أدركهم أَو أنقطع
فَجعل يتتبع الدقع والحزونة حَتَّى لحق بالقوم فَأنْزل الله {لقد تَابَ الله على النَّبِي} إِلَى قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} قَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: يَا سُبْحَانَ الله وَالله مَا أكلُوا مَالا حَرَامًا لَا أَصَابُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض غير أَنهم أبطأوا عَن شَيْء من الْخَيْر الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَقد - وَالله - جاهدوا وَجَاهدُوا وَجَاهدُوا فَبلغ مِنْهُم مَا سَمِعْتُمْ فَهَكَذَا يبلغ الذَّنب من الْمُؤمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} يَعْنِي خلفوا عَن التَّوْبَة لم يتب عَلَيْهِم حَتَّى تَابَ الله على أَبُو لبَابَة وَأَصْحَابه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} عَن التَّوْبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} نصب أَي بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دَعَا الله إِلَى تَوْبَته من قَالَ (أَنا ربكُم الْأَعْلَى) (النازعات الْآيَة 24)
وَقَالَ (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) (الْقَصَص الْآيَة 38) وَمن آيس الْعباد من التَّوْبَة بعد هَؤُلَاءِ فقد جحد كتاب الله وَلَكِن لَا يقدر العَبْد أَن يَتُوب حَتَّى يَتُوب الله وَهُوَ قَوْله {ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا} فبدء التَّوْبَة من الله عز وَجل

الْآيَة 119

(4/315)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نَافِع فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: نزلت فِي الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا: قيل لَهُم: كونُوا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن كَعْب بن مَالك قَالَ: فِينَا نزلت أَيْضا {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ واين عَسَاكِر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: امروا أَن يَكُونُوا مَعَ أبي بكر وَعمر وأصحابهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي حعفر فِي قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: كونُوا مَعَ كَعْب بن مَالك ومرارة بن ربيعَة وهلال بن أُميَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لَا يصلح الْكَذِب فِي جد وَلَا هزل وَلَا أَن يعد أحدكُم صَبِيه شَيْئا ثمَّ لَا يُنجزهُ اقرأوا إِن شِئْتُم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله هَكَذَا قَالَ: فَهَل تَجِدُونَ لأحد رخصَة فِي الْكَذِب
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين}
وَأخرج أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: عَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِنَّهُ

(4/316)


يهدي إِلَى الْبر وهما فِي الْجنَّة وَإِيَّاكُم وَالْكذب فَإِنَّهُ يهدي إِلَى الْفُجُور وهما فِي النَّار وَلَا يزَال الرجل يصدق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَلَا يزَال يكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِالصّدقِ فَأن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَأَن الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة وَأَن الرجل ليصدق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَإِيَّاكُم وَالْكذب فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَإِن الرجل ليكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اجتنبوا الْكَذِب فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَإنَّهُ يُقَال: صدق وبر وَكذب وفجر
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي مَالك الْجُشَمِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك عَبْدَانِ أَحدهمَا يخونك ويكذبك حَدِيثا وَالْآخر لَا يخونك ويصدقك حَدِيثا أَيهمَا أحب إِلَيْك قَالَ: قلت: الَّذِي لَا يخونني ويصدقني حَدِيثا قَالَ: كَذَلِك أَنْتُم عِنْد ربكُم عز وَجل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْكَذِب لَا يصلح مِنْهُ جد وَلَا هزل وَلَا يعد الرجل ابْنه ثمَّ لَا ينجز لَهُ إِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَأَن الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة وَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار إِنَّه يُقَال للصادق صدق وبر وَيُقَال للكاذب كذب وفجر وَإِن الرجل ليصدق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا ويكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أَسمَاء بنت يزِيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: مَا يحملكم على أَن تتابعوا على الْكَذِب كَمَا يتتابع الْفراش فِي النَّار كل الْكَذِب يكْتب على ابْن آدم

(4/317)


إِلَّا رجل كذب فِي خديعة حَرْب أَو إصْلَاح بَين إثنين أَو رجل يحدث امْرَأَته ليرضيها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن النوّاس بن سمْعَان الْكلابِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالِي أَرَاكُم تتهافتون فِي الْكَذِب تهافت الْفراش فِي النَّار كل الْكَذِب يكْتب على ابْن آدم إِلَّا رجل كذب فِي خديعة حَرْب أَو إصْلَاح بَين إثنين أَو رجل يحدث امْرَأَته ليرضيها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ: لَيْسَ بِكَذَّابٍ من دَرأ عَن نَفسه
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْكَذِب مُجَانب للإِيمان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن عدي عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْكذب فَإِن الْكَذِب مُجَانب للإِيمان
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يطبع الْمُؤمن على كل شَيْء إِلَّا الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يطبع الْمُؤمن على كل خلق لَيْسَ الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُؤمن ليطبع على خلال شَتَّى من الْجُود وَالْبخل وَحسن الْخلق وَلَا يطبع الْمُؤمن على الْكَذِب وَلَا يكون كذابا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطبع الْمُؤمن على الْخلال كلهَا إِلَّا الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن أبي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن يطبع على كل خلق إِلَّا الْكَذِب والخيانة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: يبْنى الإِنسان على خِصَال فمهما بني عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يبْنى على الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن صَفْوَان بن سليم أَنه قيل يَا رَسُول الله أَيكُون الْمُؤمن جَبَانًا قَالَ نعم
قيل: أَيكُون الْمُؤمن بَخِيلًا قَالَ: نعم
قيل: أَيكُون الْمُؤمن كذابا قَالَ: لَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو يعلى وَضَعفه عَن أبي بَرزَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْكَذِب يسوّد الْوَجْه والنميمة عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَا كَانَ خلق

(4/318)


أبْغض إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكَذِب وَلَقَد كَانَ الرجل يكذب عِنْده الكذبة فَمَا يزَال فِي نَفسه حَتَّى يعلم أَنه قد أحدث مِنْهَا تَوْبَة
وَأخرج أَحْمد وهناد بن السّري رَضِي الله عَنهُ فِي الزّهْد وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَبرت خِيَانَة أَن تحدث أَخَاك حَدِيثا هُوَ لَك مُصدق وَأَنت بِهِ كَاذِب
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت كنت صَاحِبَة عَائِشَة الَّتِي هيأتها فأدخلتها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسْوَة فَمَا وُجدنا عِنْده قرى إِلَّا قدح من لبن فتناوله فَشرب مِنْهُ ثمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَة فاستحيت مِنْهُ فَقلت: لَا تردي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَخَذته فَشَربته ثمَّ قَالَ: ناولي صواحبك
فَقلت: لَا نشتهيه
فَقَالَ: لَا تجمعن كذبا وجوعاً
فَقلت: إِن قَالَت إحدانا لشَيْء تشتهيه لَا أشتهي أيعدُّ ذَلِك كذبا
فَقَالَ: إِن الْكَذِب يكْتب كذبا حَتَّى الكذيبة تكْتب كذيبة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيتنا وَأَنا صبي صَغِير فَذَهَبت أَلعَب فَقَالَت أُمِّي لي: يَا عبد الله تعال أُعْطِيك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أردْت أَن تعطيه قَالَت: أردْت أَن أعْطِيه تَمرا قَالَ: إِمَّا أَنَّك لَو لم تفعلي لكتبت عَلَيْك كذبة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ والدارمي وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والضياء عَن الْحسن بن عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك فَإِن الصدْق طمأنينة وَإِن الْكَذِب رِيبَة
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته إِن أعظم الْخَطِيئَة عِنْد الله اللِّسَان الْكَاذِب
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الصدْق أَمَانَة وَالْكذب خِيَانَة
وَأخرج ابْن ماجة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله من خير النَّاس قَالَ ذُو الْقلب المحموم وَاللِّسَان الصَّادِق قُلْنَا: قد عرفنَا اللِّسَان الصَّادِق فَمَا الْقلب المحموم قَالَ: التقي النقي الَّذِي لَا إِثْم فِيهِ وَلَا بغي وَلَا غل وَلَا حسد
قُلْنَا يَا رَسُول الله: فَمن على أَثَره قَالَ: الَّذِي يشنأ الدُّنْيَا وَيُحب الْآخِرَة قُلْنَا مَا نَعْرِف

(4/319)


هَذَا فِينَا إِلَّا رَافعا مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن على أَثَره قَالَ: مُؤمن فِي حسن خلق
قُلْنَا: أما هَذَا ففينا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَا تَجِد الْمُؤمن كذابا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ لَا تنظروا إِلَى صَلَاة أحد وَلَا إِلَى صِيَامه وَلَكِن انْظُرُوا إِلَى من حدث صدق وَإِذا ائْتمن أدّى وَإِذا أشفى ورع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: إِن الرجل ليحرم قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار بالكذبة يكذبها
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: الْكَلَام أوسع من أَن يكذب ظريف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مطر الْوراق قَالَ: خصلتان إِذا كَانَتَا فِي عبد كَانَ سَائِر عمله تبعا لَهما حسن الصَّلَاة وَصدق الحَدِيث
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الفضيل قَالَ: لم يتزين النَّاس بِشَيْء أفضل من الصدْق وَطلب الْحَلَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ: أبرار الدُّنْيَا الْكَذِب وَقلة الْحيَاء من طلب الدُّنْيَا بِغَيْرِهِمَا فقد أَخطَأ الطَّرِيق وَالْمطلب وأبرار الْآخِرَة الْحيَاء والصدق فَمن طلب الْآخِرَة بِغَيْرِهِمَا فقد أَخطَأ الطَّرِيق وَالْمطلب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يُوسُف بن أَسْبَاط قَالَ: يرْزق العَبْد بِالصّدقِ ثَلَاث خِصَال الْحَلَاوَة والملاحة والمهابة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي روح حَاتِم بن يُوسُف قَالَ: أتيت بَاب الفضيل بن عِيَاض فَسلمت عَلَيْهِ فَقلت: يَا أَبَا عَليّ معي خَمْسَة أَحَادِيث إِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فأقرأ
فَقَالَ لي: اقْرَأ
فَقَرَأت فَإِذا هِيَ سِتَّة فَقَالَ لي: أَن قُم يَا بني تعلم الصدْق ثمَّ اكْتُبْ الحَدِيث
وَأخرج ابْن عدي عَن عمرَان بن الْحصين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن الْكَذِب
وَأخرج ابْن عدي عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي المعاريض مَا يُغني الرجل الْعَاقِل عَن الْكَذِب

(4/320)


الْآيَات 120 - 121

(4/321)


مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)

أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن مَالك عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْلَا ضعفاء النَّاس مَا كَانَت سَرِيَّة إِلَّا كنت فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله} قَالَ: هَذَا حِين كَانَ الإِسلام قَلِيلا فَلَمَّا كثر الإِسلام وَفَشَا قَالَ الله تَعَالَى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 122)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {لَا يصيبهم ظمأ} قَالَ: الْعَطش {وَلَا نصب} قَالَ: العناء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَجَاء بن حَيْوَة وَمَكْحُول: أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان التلثم من الْغُبَار فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الغزاري وَعِيسَى بن يُونُس السبيعِي أَنهم قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا ينالون من عدوّ نيلاً إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح} قَالُوا: هَذِه الْآيَة للْمُسلمين إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة} الْآيَة قَالَ: نستخها الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة

(4/321)


وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة وَخلف جعفراً فِي أَهله فَقَالَ جَعْفَر: وَالله مَا أَتَخَلَّف عَنْك فخلفني
فَقلت: يَا رَسُول الله أتخلفني أَي شَيْء تَقول قُرَيْش أَلَيْسَ يَقُولُونَ: مَا أسْرع مَا خذل ابْن عَمه وَجلسَ عَنهُ وَأُخْرَى ابْتغى الْفضل من الله لِأَنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {وَلَا يطؤون موطئاً يغِيظ الْكفَّار} الْآيَة
قَالَ: أما قَوْلك أَن تَقول قُرَيْش: مَا أسْرع مَا خذل ابْن عَمه وَجلسَ عَنهُ فقد قَالُوا: إِنِّي سَاحر وكاهن وَإِنِّي كَذَّاب فلك بِي أُسْوَة أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى غير أَنه لَا نَبِي بعدِي وَأما قَوْلك تبتغي الْفضل من الله فقد جَاءَنَا فلفل من الْيمن فبعه وَأنْفق عَلَيْك وعَلى فَاطِمَة حَتَّى يأتيكما الله مِنْهُ برزق

الْآيَة 122

(4/322)


وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)

أخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخ هَؤُلَاءِ الْآيَات (انفروا خفافاً وثقالاً) (التَّوْبَة الْآيَة 41) و (إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا) (التَّوْبَة الْآيَة 39) قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} يَقُول: لتنفر طَائِفَة ولتمكث طَائِفَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالماكثون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم الَّذين يتفقهون فِي الدّين وينذرون اخوانهم إِذا رجعُوا إِلَيْهِم من الْغَزْو لَعَلَّهُم يحذرون مَا نزل من بعدهمْ من قَضَاء الله فِي كِتَابه وحدوده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} يَعْنِي مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا جَمِيعًا ويتركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} يَعْنِي عصبَة يَعْنِي السَّرَايَا

(4/322)


فَلَا يَسِيرُونَ إِلَّا باذنه فَإِذا رجعت السَّرَايَا وَقد نزل قُرْآن تعلمه الْقَاعِدُونَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: إِن الله قد أنزل عليَّ نَبِيكُم بَعدنَا قُرْآنًا وَقد تعلمناه فتمكث السَّرَايَا يتعلمون مَا أنزل الله على نَبِيّهم بعدهمْ وَيبْعَث سَرَايَا أخر فَذَلِك قَوْله {ليتفقهوا فِي الدّين} يَقُول يتعلمون مَا أنزل الله على نبيه ويعلمونه السَّرَايَا إِذا رجعت إِلَيْهِم {لَعَلَّهُم يحذرون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} قَالَ: لَيست هَذِه الْآيَة فِي الْجِهَاد وَلَكِن لما دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُضر بِالسِّنِينَ أجدبت بِلَادهمْ فَكَانَت الْقَبِيلَة مِنْهُم تقبل بأسرها حَتَّى يحلوا بِالْمَدِينَةِ من الْجهد ويعتلوا بالإِسلام وهم كاذبون فضيقوا على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجهدوهم فَأنْزل الله تَعَالَى يخبر رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم لَيْسُوا بمؤمنين فردهم إِلَى عَشَائِرهمْ وحذر قَومهمْ أَن يَفْعَلُوا فعلهم فَذَلِك قَوْله {ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يحرضهم على الْجِهَاد إِذا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة خَرجُوا فِيهَا وَتركُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فِي رقة من النَّاس فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} أمروا إِذْ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة أَن تخرج طَائِفَة وتقيم طَائِفَة فيحفظ المقيمون على الَّذين خَرجُوا مَا أنزل الله من الْقُرْآن وَمَا يسن من السّنَن فَإِذا رَجَعَ اخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم وَإِذا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَخَلَّف عَنهُ أحد إِلَّا باذن أَو عذر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت (إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا) (التَّوْبَة الْآيَة 39) (وَمَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة) (التَّوْبَة الْآيَة 120) الْآيَة
قَالَ المُنَافِقُونَ: هلك أهل البدو الَّذين تخلفوا عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يغزوا مَعَه وَقد كَانَ نَاس خَرجُوا إِلَى البدو وَإِلَى قَومهمْ يفقهونهم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة
وَنزلت (وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حجتهم داحضة) (الشورى الْآيَة 16) الْآيَة

(4/323)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة
قَالَ: نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرجُوا فِي الْبَوَادِي فاصابوا من النَّاس مَعْرُوفا وَمن الخصب مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ودعوا من وجدوا من النَّاس إِلَى الْهدى فَقَالَ لَهُم النَّاس: مَا نَرَاكُمْ إِلَّا قد تركْتُم أصحابكم وجئتونا
فوجدوا فِي أنفسهم من ذَلِك تحرجاً واقبلوا من الْبَادِيَة كلهم حَتَّى دخلُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} خرج بعض وَقعد بعض يَبْتَغُونَ الْخَيْر {ليتفقهوا فِي الدّين} وليسمعوا مَا فِي النَّاس وَمَا أنزل بعدهمْ {ولينذروا قَومهمْ} قَالَ: النَّاس كلهم إِذا رجعُوا إِلَيْهِم {لَعَلَّهُم يحذرون}

الْآيَة 123

(4/324)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} قَالَ: الْأَدْنَى فالأدنى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الَّذين يلونه من الْكفَّار الْعَرَب فَقَاتلهُمْ حَتَّى فرغ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد
أَنه سُئِلَ عَن قتال الديلم فَقَالَ: قاتلوهم فَإِنَّهُم من الَّذين قَالَ الله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن قتال الرّوم والديلم تَلا هَذِه الْآيَة {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة} قَالَ: شدَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر
أَنه سُئِلَ عَن غَزْو الديلم فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} قَالَ: الرّوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وليجدوا فِيكُم غلظة} قَالَ: شدَّة

(4/324)


124 - 126

(4/325)


وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمنهمْ من يَقُول أَيّكُم زادته} قَالَ: من الْمُنَافِقين من يَقُول
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم إِيمَانًا} قَالَ: كَانَت إِذا أنزلت سُورَة آمنُوا بهَا فَزَادَهُم الله إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَكَانُوا بهَا يستبشرون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فزادتهم رجساً إِلَى رجسهم} قَالَ: شكا إِلَى شكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون} قَالَ: يبتلون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يفتنون} قَالَ: يبتلون {فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: بِالسنةِ والجوع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: يبتلون بالعدوّ فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يفتنون فِي كل عَام} قَالَ: يبتلون بالغزو فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بكار بن مَالك {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: يمرضون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ

(4/325)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْعُتْبِي قَالَ: إِذا مرض العَبْد ثمَّ عوفي فَلم يَزْدَدْ خيرا قَالَت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام هَذَا الَّذِي داويناه فَلم يَنْفَعهُ الدَّوَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: كَانَت لَهُم فِي كل عَام كذبة أَو كذبتان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: كُنَّا نسْمع فِي كل عَام كذبة أَو كذبتين فيضل بهَا فِئَام من النَّاس كثير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله أَولا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَمَا يتذكرون

الْآيَة 127

(4/326)


وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض هَل يراكم من أحد} كَرَاهِيَة أَن يغصنا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض هَل يراكم من أحد} مِمَّن سمع خبركم رآكم أحد أخبرهُ إِذا نزل شَيْء يخبر عَن كَلَامهم وهم المُنَافِقُونَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا تَقولُوا انصرفنا من الصَّلَاة فَإِن قوما انصرفوا صرف الله قُلُوبهم وَلَكِن قُولُوا: قضينا الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: لَا يُقَال انصرفنا من الصَّلَاة وَلَكِن قد قضيت الصَّلَاة

(4/326)


الْآيَة 128

(4/327)


لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)

أخرج عبد بن حميد والْحَارث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن مردوية وَأَبُو نعيم فِي دَلَائِل النبوّة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} قَالَ: لَيْسَ من الْعَرَب قَبيلَة إِلَّا وَقد ولدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مضريها وربيعيها ويمانيها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} قَالَ: لم يصبهُ شَيْء من ولادَة الْجَاهِلِيَّة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} قَالَ: قد ولدتموه يَا معشر الْعَرَب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَا معنى {أَنفسكُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أَنفسكُم نسبا وصهراً وحسباً لَيْسَ فيَّ وَلَا فِي آبَائِي من لدن آدم سفاح كلهَا نِكَاح
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} يَعْنِي من أعظمكم قدرا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من لدن آدم من نِكَاح غير سفاح
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ولدني من سفاح الْجَاهِلِيَّة شَيْء وَمَا ولدني إِلَّا نِكَاح كَنِكَاح الإِسلام
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من نِكَاح غير سفاح

(4/327)


وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح من لدن آدم لم يُصِبْنِي من سفاح أهل الْجَاهِلِيَّة شَيْء لم أخرج إِلَّا من طهرة
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح من لدن آدم إِلَى أَن ولدني أبي وَأمي لم يُصِبْنِي من سفاح الْجَاهِلِيَّة شَيْء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يلتق أبواي قطّ على سفاح لم يزل الله ينقلني من الإِصلاب الطّيبَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة مصفى مهذباً لَا تتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْعَرَب مُضر وَخير مُضر بَنو عبد منَاف وَخير بني عبد منَاف بَنو هَاشم وَخير بَنو هَاشم بَنو عبد الْمطلب وَالله مَا افترق شعبتان مُنْذُ خلق الله آدم إِلَّا كنت فِي خيرهما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ: خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار وَمَا افترق النَّاس فرْقَتَيْن إِلَّا جعلني الله فِي خيرهما فأخرجت من بَين أَبَوي فَلم يُصِبْنِي شَيْء من عهد الْجَاهِلِيَّة وَخرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح من لدن آدم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى أبي وَأمي فَأَنا خَيركُمْ نفسا وخيركم أَبَا
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بعثت من خير قُرُون بني آدم قرنا فقرنا حَتَّى كنت من الْقرن الَّذِي كنت فِيهِ
وَأخرج ابْن سعد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اصْطفى من ولد إِبْرَاهِيم إِسْمَعِيل وَاصْطفى من ولد إِسْمَعِيل بني كنَانَة وَاصْطفى من بني كنَانَة قُريْشًا وَاصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم

(4/328)


وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حِين خلق الْخلق جعلني من خير خلقه ثمَّ حِين فرقهم جعلني فِي خير الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ حِين خلق الْقَبَائِل جعلني من خَيرهمْ قَبيلَة وَحين خلق الْأَنْفس جعلني من خير أنفسهم ثمَّ حِين خلق الْبيُوت جعلني من خير بُيُوتهم فَأَنا خَيرهمْ بَيْتا وَخَيرهمْ نفسا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق الْخلق فَاخْتَارَ من الْخلق بني آدم وَاخْتَارَ من بني آدم الْعَرَب وَاخْتَارَ من الْعَرَب مُضر وَاخْتَارَ من مُضر قُريْشًا وَاخْتَارَ من قُرَيْش بني هَاشم واختارني من بني هَاشم فانا من خِيَار إِلَى خِيَار
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قسم الله الأَرْض نِصْفَيْنِ فجعلني فِي خيرهما ثمَّ قسم النّصْف على ثَلَاثَة فَكنت فِي خير ثلث مِنْهَا ثمَّ اخْتَار الْعَرَب من النَّاس ثمَّ اخْتَار قُريْشًا من الْعَرَب ثمَّ اخْتَار بني هَاشم من قُرَيْش ثمَّ اخْتَار بني عبد الْمطلب من بني هَاشم ثمَّ اختارني من بني عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله اخْتَار الْعَرَب فَاخْتَارَ مِنْهُم كنَانَة ثمَّ اخْتَار مِنْهُم قُريْشًا ثمَّ اخْتَار مِنْهُم بني هَاشم ثمَّ اختارني من بني هَاشم وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اخْتَار الْعَرَب فَاخْتَارَ كنَانَة من العربواختار قُريْشًا من كنَانَة وَاخْتَارَ بني هَاشم من قُرَيْش واختارني من بني هَاشم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ولدتني بغي قطّ مذ خرجت من صلب آدم وَلم تزل تتنازعني الْأُمَم كَابِرًا عَن كَابر حَتَّى خرجت من أفضل حيين من الْعَرَب هَاشم وزهرة
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي عَن ابْن عَبَّاس أَن قُريْشًا كَانَت نورا بَين يَدي الله تَعَالَى قبل أَن يخلق الْخلق بألفي عَام يسبح ذَلِك النُّور وتسبح الْمَلَائِكَة بتسبيحه فَلَمَّا خلق الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام ألْقى ذَلِك النُّور فِي صلبه
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فاهبطني

(4/329)


الله إِلَى الأَرْض فِي صلب آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَجَعَلَنِي فِي صلب نوح وَقذف بِي فِي صلب إِبْرَاهِيم ثمَّ لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الْكَرِيمَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة حَتَّى أخرجني من بَين أَبَوي لم يلتقيا على سفاح قطّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب قَالَ بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قوما نالوا مِنْهُ فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله خلق خلقه فجعلهم فرْقَتَيْن فجعلني فِي خير الْفرْقَتَيْنِ ثمَّ جلعهم قبائل فجعلني فِي خَيرهمْ قبيلاً ثمَّ جعلهم بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهمْ بَيْتا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا خَيركُمْ قبيلاً وخيركم بَيْتا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبلغه بعض مَا يَقُول النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: من أَنا قَالُوا: أَنْت رَسُول الله
قَالَ: أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب إِن الله خلق الْخلق فجعلني فِي خير خلقه وجعلهم فرْقَتَيْن فجعلني فِي خير فرقة وجعلهم قبائل فجعلني فِي خَيرهمْ قَبيلَة وجعلهم بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهمْ بَيْتا فانا خَيركُمْ بَيْتا وخيركم نفسا
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الْمطلب بن ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن سعد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أَرَادَ الله أَن يبْعَث نَبيا نظر إِلَى خير أهل الأَرْض قَبيلَة فيبعث خَيرهَا رجلا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن حعفر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله عز وَجل بَعَثَنِي فطفت شَرق الأَرْض وغربها وسهلها وجبلها فَلم أجد حَيا خيرا من الْعَرَب ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي الْعَرَب فَلم أجد حَيا خيرا من مُضر ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي مُضر فَلم أجد حَيا خيرا من كنَانَة ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي كنَانَة فَلم أجد حَيا خيرا من قُرَيْش ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي قُرَيْش فَلم أجد حَيا خيرا من بني هَاشم ثمَّ أَمرنِي أَن أخْتَار من أنفسهم فَلم أجد فيهم نفسا خيرا من نَفسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَابْن منيع فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: آخر آيَة أنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي لفظ: إِن آخر

(4/330)


مَا نزل من الْقُرْآن {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن أَن أبي بن كَعْب كَانَ يَقُول: إِن أحدث الْقُرْآن عهد بِاللَّه وَفِي لفظ: بالسماء هَاتَانِ الْآيَتَانِ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن الضريس فِي فضائله وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والخطيب فِي تَلْخِيص الْمُتَشَابه والضياء فِي المختارة من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبيّ بن كَعْب
أَنهم جمعُوا الْقُرْآن فِي مصحف فِي خلَافَة أبي بكر فَكَانَ رجال يَكْتُبُونَ ويملي عَلَيْهِم أبي بن كَعْب حَتَّى انْتَهوا إِلَى هَذِه الْآيَة من سُورَة بَرَاءَة {ثمَّ انصرفوا صرف الله قُلُوبهم بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ} فظنوا أَن هَذَا آخر مَا نزل من الْقُرْآن فَقَالَ أبيّ بن كَعْب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَقْرَأَنِي بعد هَذَا آيَتَيْنِ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} فَهَذَا آخر مَا نزل من الْقُرْآن
قَالَ: فختم الْأَمر بِمَا فتح بِهِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله يَقُول الله (وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا يُوحى إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 25)
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: أرسل إليَّ أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة وَعِنْده عمر فَقَالَ أَبُو بكر: إِن عمر أَتَانِي فَقَالَ: إِن الْقَتْل قد استحر يَوْم الْيَمَامَة بِالنَّاسِ واني أخْشَى أَن يستحر الْقَتْل بالقراء فِي المواطن فَيذْهب كثير من الْقُرْآن الا أَن تجمعوه وَإِنِّي أرى أَن تجمع الْقُرْآن
قَالَ أَبُو بكر: فَقلت لعمر: كَيفَ أفعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: هُوَ - وَالله - خير
فَلم يزل عمر يراجعني فِيهِ حَتَّى شرح الله لذَلِك صَدْرِي وَرَأَيْت الَّذِي رأى عمر
قَالَ زيد بن ثَابت: وَعمر جَالس عِنْده لَا يتَكَلَّم فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّك رجل شَاب عَاقل وَلَا نتهمك كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتتبع الْقُرْآن فاجمعه فوَاللَّه لَو كلفوني نقل جبل من الْجبَال مَا كَانَ أثقل عليَّ مِمَّا أمراني بِهِ من جمع الْقُرْآن
قلت: كَيفَ تفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر:

(4/331)


هُوَ - وَالله - خير
فَلم أزل أراجعه حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح لَهُ صدر أبي بكر وَعمر
فَقُمْت فتتبعت الْقُرْآن اجمعه من الرّقاع والإِكاف والعسب وصدور الرِّجَال حَتَّى وجدت من سُورَة التَّوْبَة آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ لم أجدهما مَعَ أحد غَيره {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} إِلَى آخرهما وَكَانَت الصُّحُف الَّتِي جمع فِيهَا الْقُرْآن عِنْد أبي بكر حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد عمر حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد حَفْصَة بنت عمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ عمر لَا يثبت آيَة فِي الْمُصحف حَتَّى يشْهد رجلَانِ فجَاء رجل من الْأَنْصَار بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى آخرهَا
فَقَالَ عمر: لَا أَسأَلك عَلَيْهَا بَيِّنَة أبدا كَذَلِك كَانَ رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن عُرْوَة قَالَ: لما استحر الْقَتْل بالقراء يَوْمئِذٍ فرقَّ أَبُو بكر على الْقُرْآن أَن يضيع فَقَالَ لعمر بن الْخطاب ولزيد بن ثَابت: أقعدا على بَاب الْمَسْجِد فَمن جاءكما بِشَاهِدين على شَيْء من كتاب الله فاكتباه
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن أبي دَاوُد عَن عباد بن عبد الله بن الزبير قَالَ: أَتَى الْحَرْث بن خُزَيْمَة بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ من آخر بَرَاءَة {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى قَوْله {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} إِلَى عمر فَقَالَ: من مَعَك على هَذَا فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَالله إِلَّا أَنِّي أشهد لسمعتها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووعيتها وحفظتها
فَقَالَ عمر: وَأَنا أشهد لسمعتها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَت ثَلَاث آيَات لجعلتها سُورَة على حِدة فانظروا من الْقُرْآن فالحقوها
فألحقت فِي آخر بَرَاءَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب قَالَ: أَرَادَ عمر بن الْخطاب أَن يجمع الْقُرْآن فَقَامَ فِي النَّاس فَقَالَ: من كَانَ تلقى من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا من الْقُرْآن فليأتنا بِهِ وَكَانُوا كتبُوا ذَلِك فِي الصُّحُف والألواح والعسب وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا حَتَّى يشْهد شهيدان فَقتل وَهُوَ يجمع ذَلِك إِلَيْهِ فَقَامَ عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ: من كَانَ عِنْده شَيْء من كتاب الله فليأتنا بِهِ وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا حَتَّى يشْهد بِهِ شَاهِدَانِ فجَاء خُزَيْمَة بن ثَابت فَقَالَ: إِنِّي رأيتكم تركْتُم آيَتَيْنِ لم تكتبوهما
فَقَالُوا: مَا هما قَالَ: تلقيت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} إِلَى آخر السُّورَة فَقَالَ عُثْمَان:

(4/332)


وَأَنا أشهد بهما من عِنْد الله فَأَيْنَ ترى أَن نجعلهما قَالَ: اختم بهما آخر مَا نزلت من الْقُرْآن فختمت بهما بَرَاءَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَ: جعله الله من أنفسهم فَلَا يحسدونه على مَا أعطَاهُ الله من النبوّة والكرامة عَزِيز عَلَيْهِ عنت مؤمنهم حَرِيص على ضالهم أَن يهديه الله {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} قَالَ: شَدِيد عَلَيْهِ مَا شقّ عَلَيْكُم {حَرِيص عَلَيْكُم} أَن يُؤمن كفاركم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ جِبْرِيل فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَهَذَا ملك الْجبَال قد أرْسلهُ الله إِلَيْك وَأمره أَن لَا يفعل شَيْئا إِلَّا بِأَمْرك
فَقَالَ لَهُ ملك الْجبَال: إِن الله أَمرنِي أَن لَا أفعل شَيْئا إِلَّا بِأَمْرك إِن شِئْت دمدمت عَلَيْهِم الْجبَال وَإِن شِئْت رميتهم بالحصباء وَإِن شِئْت خسفت بهم الأَرْض
قَالَ: يَا ملك الْجبَال فَإِنِّي آتِي بهم لَعَلَّه أَن يخرج مِنْهُم ذُرِّيَّة يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
فَقَالَ ملك الْجبَال عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْت كَمَا سمَّاك رَبك رؤوف رَحِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله رَحِيم وَلَا يضع رَحمته إِلَّا على رَحِيم
قُلْنَا: يَا رَسُول الله كلنا نرحم أَمْوَالنَا وَأَوْلَادنَا
قَالَ: لَيْسَ بذلك وَلَكِن كَمَا قَالَ الله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جَاءَتْهُ جُهَيْنَة فَقَالُوا لَهُ: إِنَّك قد نزلت بَين أظهرنَا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا
قَالَ: وَلم سَأَلْتُم هَذَا قَالُوا: نطلب الْأَمْن فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله رَحِيم يحب الرَّحِيم يضع رَحمته على كل رَحِيم
قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا لنرحم أَنْفُسنَا وأموانا وَأَزْوَاجنَا
قَالَ: لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن كونُوا كَمَا قَالَ الله: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم}

(4/333)


الْآيَة 129

(4/334)


فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله} يَعْنِي الْكفَّار توَلّوا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذِه فِي الْمُؤمنِينَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: خرجت سَرِيَّة إِلَى أَرض الرّوم فَسقط رجل مِنْهُم فَانْكَسَرت فَخذه فَلم يستطيعوا أَن يحملوه فربطوا فرسه عِنْده وَوَضَعُوا عِنْده شَيْئا من مَاء وَزَاد فَلَمَّا ولوا أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: مَا لَك هَهُنَا قَالَ: انْكَسَرت فَخذي فتركني أَصْحَابِي
فَقَالَ: ضع يدك حَيْثُ تَجِد الْأَلَم
فَقل {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} قَالَ: فَوضع يَده فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة فصح مَكَانَهُ وَركب فرسه وَأدْركَ أَصْحَابه
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي الدَّرْدَاء مَوْقُوفا وَابْن السّني عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ حِين يصبح وَحين يُمْسِي {حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} سبع مَرَّات كَفاهُ الله مَا أهمه من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن الْحسن قَالَ: من قَالَ حِين يصبح سبع مَرَّات {حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} لم يصبهُ ذَلِك الْيَوْم وَلَا تِلْكَ اللَّيْلَة كرب وَلَا سلب وَلَا غرق
أما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي الْعَرْش عرشاً لارتفاعه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعد الطَّائِي قَالَ: الْعَرْش ياقوتة حَمْرَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن الله تَعَالَى خلق الْعَرْش والكرسي من نوره فالعرش ملتصق بالكرسي وَالْمَلَائِكَة فِي جَوف الْكُرْسِيّ وَحَوله الْعَرْش أَرْبَعَة أَنهَار نهر من نور يتلألأ ونهر من نَار تتلظى ونهر من ثلج أَبيض تلتمع مِنْهُ الْأَبْصَار ونهر من مَاء وَالْمَلَائِكَة قيام فِي تِلْكَ الْأَنْهَار

(4/334)


يسبحون الله تَعَالَى وللعرش أَلْسِنَة بِعَدَد أَلْسِنَة الْخلق كلهم فَهُوَ يسبح الله تَعَالَى ويذكره بِتِلْكَ الْأَلْسِنَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَرْش ياقوتة حَمْرَاء وَإِن ملكا من الْمَلَائِكَة نظر إِلَيْهِ وَإِلَى عظمه فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد جعلت فِيك قوّة سبعين ألف ملك لكل ملك سَبْعُونَ ألف جنَاح فطر
فطار الْملك بِمَا فِيهِ من القوّة والأجنحة مَا شَاءَ الله أَن يطير فَوقف فَنظر فَكَأَنَّهُ لم يرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حَمَّاد قَالَ: خلق الله الْعَرْش من زمردة خضراء وَخلق لَهُ أَربع قَوَائِم من ياقوتة حَمْرَاء وَخلق لَهُ ألف لِسَان وَخلق فِي الأَرْض ألف أمة كل أمة تسبح الله بِلِسَان من ألسن الْعَرْش
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: إِن الْعَرْش مطوّق بحية وَالْوَحي ينزل فِي السلَاسِل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعَرْش على الْحرم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا يقدر قدر الْعَرْش إِلَّا الَّذِي خلقه وَإِن السَّمَوَات فِي خلق الْعَرْش مثل قبَّة فِي صحراء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا أخذت السَّمَوَات وَالْأَرْض من الْعَرْش إِلَّا كَمَا تَأْخُذ الْحلقَة من أَرض الفلاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: إِن السَّمَوَات فِي الْعَرْش كالقنديل مُعَلّقا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن يزِيد الْبَصْرِيّ قَالَ: فِي كتاب مَا تنبأ عَلَيْهِ هرون النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن بحرنا هَذَا خليج من نبطس ونبطس وَرَاءه وَهُوَ مُحِيط بِالْأَرْضِ فالأرض وَمَا فَوْقهَا من الْبحار عِنْد نبطس كعين على سيف الْبَحْر وَخلف نبطس قينس مُحِيط بِالْأَرْضِ فنبطس وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَخلف قينس الْأَصَم مُحِيط بِالْأَرْضِ فقينس وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَخلف الْأَصَم المظلم مُحِيط بِالْأَرْضِ فالأصم وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر: وَخلف المظلم جبل من الماس مُحِيط بِالْأَرْضِ فالمظلم وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَخلف الماس الباكي وَهُوَ مَاء عذب مُحِيط بِالْأَرْضِ أَمر الله نصفه أَن يكون تَحت الْعَرْش فَأَرَادَ أَن يستجمع فزجره فَهُوَ باك

(4/335)


يسْتَغْفر الله فالماس وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَالْعرش خلف ذَلِك مُحِيط بِالْأَرْضِ فالباكي وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد أسلم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا السَّمَوَات السَّبع فِي الْكُرْسِيّ إِلَّا كدراهم سَبْعَة القيت فِي ترس
قَالَ ابْن زيد: قَالَ أَبُو ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إِلَّا كحلقة من حَدِيد القيت بَين ظَهْري فلاة من الأَرْض والكرسي مَوضِع الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الله الْعَرْش وللعرش سَبْعُونَ ألف سَاق كل سَاق كاستدارة السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَين الْمَلَائِكَة وَبَين الْعَرْش سَبْعُونَ حِجَابا حجاب من نور وحجاب من ظلمَة وحجاب من نور وحجاب من ظلمَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول عِنْد الكرب لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الْأَرْضين وَرب الْعَرْش الْكَرِيم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله قَالَ: عَلمنِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَلِمَات علمهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه يقولهن عِنْد الكرب وَالشَّيْء يُصِيبهُ لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله وتبارك الله رب الْعَرْش الْعَظِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق إِسْحَق بن عبد الله بن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين
قَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف هِيَ للحي قَالَ: أَجود وأجود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن جَعْفَر أَنه زوّج ابْنَته فَخَلا بهَا فَقَالَ: إِذا نزل بك الْمَوْت أَو أَمر من أُمُور الدُّنْيَا فظيع فاستقبليه بِأَن تقولي لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سبجان الله رب الْعَرْش الْعَظِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ

(4/336)


أَن حزقيل كَانَ فِي سبا بخْتنصر مَعَ دانيال من بَيت الْمُقَدّس فَزعم حزقيل أَنه كَانَ نَائِما على شأطئ الْفُرَات فَأَتَاهُ ملك وَهُوَ نَائِم فَأخذ بِرَأْسِهِ فاحتمله حَتَّى وَضعه فِي خزانَة بَيت الْمُقَدّس قَالَ: فَرفعت رَأْسِي إِلَى السَّمَاء فَإِذا السَّمَوَات منفرجات دون الْعَرْش قَالَ: فَبَدَا لي الْعَرْش وَمن حوله فَنَظَرت إِلَيْهِم من تِلْكَ الفرجة فَإِذا الْعَرْش - إِذا نظرت إِلَيْهِ - مظل على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِذا نظرت إِلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض رأيتهن متعلقات بِبَطن الْعَرْش وَإِذا الحملة أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة لكل ملك مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه وَجه إِنْسَان وَوجه نسر وَوجه أَسد وَوجه ثَوْر فَلَمَّا أعجبني ذَلِك مِنْهُم نظرت إِلَى أَقْدَامهم فَإِذا هِيَ فِي الأَرْض على عجل تَدور بهَا وَإِذا ملك قَائِم بَين يَدي الْعَرْش لَهُ سِتَّة أَجْنِحَة لَهَا لون كلون فرع لم يزل ذَلِك مقَامه مُنْذُ خلق الله الْخلق إِلَى أَن تقوم السَّاعَة فَإِذا هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذا ملك أَسْفَل من ذَلِك أعظم شَيْء رَأَيْته من الْخلق فَإِذا هُوَ مِيكَائِيل وَهُوَ خَليفَة على مَلَائِكَة السَّمَاء وَإِذا مَلَائِكَة يطوفون بالعرش مُنْذُ خلق الله الْخلق إِلَى أَن تقوم السَّاعَة يَقُولُونَ: قدوس قدوس رَبنَا الله الْقوي مَلَأت عَظمته السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِذا مَلَائِكَة أَسْفَل من ذَلِك لكل ملك مِنْهُم سِتَّة أَجْنِحَة جَنَاحَانِ يستر بهما وَجهه من النُّور وجناحان يُغطي بهما جسده وجناحان يطير بهما
وَإِذا هم الْمَلَائِكَة المقربون وَإِذا مَلَائِكَة أَسْفَل من ذَلِك سُجُود مذ خلق الله الْخلق إِلَى أَن ينْفخ فِي الصُّور فَإِذا نفخ فِي الصُّور رفعوا رؤوسهم فَإِذا نظرُوا إِلَى الْعَرْش قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كُنَّا نقدرك حق قدرتك ثمَّ رَأَيْت الْعَرْش تدلى من تِلْكَ الفرجة فَكَانَ قدرهَا ثمَّ أفْضى إِلَى مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَكَانَ يَلِي مَا بَينهمَا ثمَّ دخل من بَاب الرَّحْمَة فَكَانَ قدره ثمَّ أفْضى إِلَى الْمَسْجِد فَكَانَ قدره ثمَّ وَقع على الصَّخْرَة فَكَانَ قدرهَا ثمَّ قَالَ: يَا ابْن آدم
فصعقت وَسمعت صَوتا لم أسمع مثله قطّ فَذَهَبت أقدر ذَلِك الصَّوْت فَإِذا قدره كعسكر اجْتَمعُوا فاجلبوا بِصَوْت وَاحِد أَو كفئة اجْتمعت فتدافعت وأتى بَعْضهَا بَعْضًا أَو أعظم من ذَلِك
قَالَ حزقيل: فَلَمَّا صعِقَتْ قَالَ: أنعشوه فَإِنَّهُ ضَعِيف خلق من طين ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى قَوْمك فَأَنت طليعتي عَلَيْهِم كطليعة الْجَيْش من دَعوته مِنْهُم فأجابك واهتدى بهداك فلك مثل أجره وَمن غفلت عَنهُ حَتَّى يَمُوت ضَالًّا فَعَلَيْك مثل وزره لَا يُخَفف ذَلِك من أوزارهم شَيْئا ثمَّ عرج بالعرش واحتملت حَتَّى رددت إِلَى

(4/337)


شاطئ الْفُرَات فَبَيْنَمَا أَنا نَائِم على شاطئ الْفُرَات إِذْ أَتَانِي ملك فَأخذ برأسي فاحتملني حَتَّى ادخلني جنب بَيت الْمُقَدّس فَإِذا أَنا بحوض مَاء لَا يجوز قدمي ثمَّ افضيت مِنْهُ إِلَى الْجنَّة فَإِذا شَجَرهَا على شطوط أنهارها وَإِذا هُوَ شجر لَا يَتَنَاثَر ورقه وَلَا يفنى عمره فَإِذا فِيهِ الطّلع والقضيب وَالْبيع والقطيف قلت: فَمَا لباسها قَالَ: هُوَ ثِيَاب كثياب الْحور يتفلق على أَي لون شَاءَ صَاحبه
قلت: فَمَا ازواجها فعرضن عليَّ فَذَهَبت لأقيس حسن وجوههنفإذا هن لَو جمع الشَّمْس وَالْقَمَر كَانَ وَجه احداهن اضوأ مِنْهُمَا وَإِذا لحم إِحْدَاهُنَّ لايواري عظمها وَإِذا عظمها لَا يواري مخها وَإِذا هِيَ إِذا نَام عَنْهَا صَاحبهَا اسْتَيْقَظَ وَهِي بكر فعجبت من ذَلِك

فَقيل لي: لم تعجب من هَذَا فَقلت: وَمَا لي لَا أعجب قَالَ: فَإِنَّهُ من أكل من هَذِه الثِّمَار الَّتِي رَأَيْت خلد وَمن تزوج من هَذِه الْأزْوَاج انْقَطع عَنهُ الْهم والحزن قَالَ: ثمَّ أَخذ برأسي فردني حَيْثُ كنت
قَالَ حزقيل: فَبينا أَنا نَائِم على شاطئ الْفُرَات إِذْ أَتَانِي ملك فَأخذ برأسي فاحتملني حَتَّى وضعني بقاع من الأَرْض قد كَانَت معركة وَإِذا فِيهِ عشرَة آلَاف قَتِيل قد بددت الطُّيُور وَالسِّبَاع لحومهم وَفرقت بَين اوصالهم ثمَّ قَالَ لي: إِن قوما يَزْعمُونَ أَنه من مَاتَ مِنْهُم أَو قتل فقد انفلت مني وَذَهَبت عَنهُ قدرتي فادعهم
قَالَ حزقيل: فدعوتهم فَإِذا كل عظم قد أقبل إِلَى مفصله الَّذِي مِنْهُ انْقَطع مَا رجل بِصَاحِبِهِ باعرف من الْعظم بمفصله الَّذِي فَارق حَتَّى أمَّ بَعْضهَا بَعْضًا ثمَّ نبت عَلَيْهَا اللَّحْم ثمَّ نَبتَت الْعُرُوق ثمَّ انبسطت الْجُلُود وَأَنا أنظر إِلَى ذَلِك ثمَّ قَالَ: ادْع لي أَرْوَاحهم
قَالَ حزقيل: فدعوتها وَإِذا كل روح قد أقبل إِلَى جسده الَّذِي فَارق فَلَمَّا جَلَسُوا سَأَلتهمْ فيمَ كُنْتُم قَالُوا: انَّا لما متْنا وفارقنا الْحَيَاة لَقينَا ملك يُقَال لَهُ مِيكَائِيل قَالَ: هلموا أَعمالكُم وخذوا أجوركم كَذَلِك سُنَّتنا فِيكُم وفيمن كَانَ قبلكُمْ وفيمن هُوَ كَائِن بعدكم
فَنظر فِي أَعمالنَا فَوَجَدنَا نعْبد الْأَوْثَان فَسلط الدُّود على أَجْسَادنَا وَجعلت الْأَرْوَاح تألمه وسلط الْغم على أَرْوَاحنَا وَجعلت أَجْسَادنَا تألمه فَلم نزل كَذَلِك نعذب حَتَّى دَعوتنَا
قَالَ: ثمَّ احتملني فردني حَيْثُ كنت

(4/338)