الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (13)
سُورَة الرَّعْد
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الرَّعْد أخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: سُورَة الرَّعْد نزلت
بِمَكَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سُورَة الرَّعْد مَكِّيَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: نزلت سُورَة الرَّعْد
بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: نزلت الرَّعْد بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: سُورَة الرَّعْد مَدَنِيَّة إِلَّا آيَة
مَكِّيَّة {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا
قَارِعَة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي فِي الْجَنَائِز عَن جَابر بن
زيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ يسْتَحبّ إِذا حضر
الْمَيِّت أَن يقْرَأ عِنْده سُورَة الرَّعْد فَإِن ذَلِك
يُخَفف عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ أَهْون لقبضه وأيسر لشأنه
الْآيَة 1
(4/599)
المر تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {المر} قَالَ:
أَنا الله أرى
(4/599)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ:
التَّوْرَاة والإِنجيل {وَالَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق}
قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ: الْكتب
الَّتِي كَانَت قبل الْقُرْآن {وَالَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك
الْحق} أَي هَذَا الْقُرْآن
الْآيَات 2 - 3
(4/600)
اللَّهُ الَّذِي
رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ
تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(3)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ
- قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - إِن
فلَان يَقُول: إِنَّهَا على عمد يَعْنِي السَّمَاء
فَقَالَ: اقرأها {بِغَيْر عمد ترونها} أَي لَا ترونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد
ترونها} قَالَ: وَمَا يدْريك لَعَلَّهَا بعمد لَا ترونها
(4/600)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر
وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -
فِي قَوْله {بِغَيْر عمد ترونها} يَقُول: لَهَا عمد وَلَكِن
لَا ترونها
يَعْنِي الأعماد
وَأخرج ابْن جرير عَن اياس بن مُعَاوِيَة - رَضِي الله عَنهُ -
فِي قَوْله {رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها} قَالَ:
السَّمَاء مقبية على الأَرْض مثل الْقبَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: السَّمَاء على أَرْبَعَة أَمْلَاك كل
زَاوِيَة مُوكل بهَا ملك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {بِغَيْر عمد ترونها} قَالَ: هِيَ بعد
لَا ترونها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَقَتَادَة - رَضِي
الله عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: خلقهَا
بِغَيْر عمد
قَالَ لَهَا: قومِي فَقَامَتْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن معَاذ قَالَ: فِي
مصحف أبي [بِغَيْر عمد تَرَوْنَهُ]
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر كل يجْرِي لأجل مُسَمّى}
قَالَ: أجل مَعْلُوم وحد لَا يقصر دونه وَلَا يتَعَدَّى
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} قَالَ:
الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يدبر الْأَمر}
قَالَ: يَقْضِيه وَحده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ
بلقاء ربكُم توقنون} قَالَ: إِن الله إِنَّمَا أنزل كِتَابه
وَبعث رسله ليؤمن بوعده ويستيقن بلقائه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الله مولى غفرة
أَن كَعْبًا قَالَ لعمر بن الْخطاب: إِن الله جعل مسيرَة مَا
بَين الْمشرق وَالْمغْرب خَمْسمِائَة سنة
فمائة سنة فِي الْمشرق لَا يسكنهَا شَيْء من الْحَيَوَان لَا
جن وَلَا إنس وَلَا دَابَّة وَلَا شَجَرَة
وَمِائَة سنة فِي الْمغرب بِتِلْكَ الْمنزلَة وثلثمائة فِيمَا
بَين الْمشرق وَالْمغْرب يسكنهَا الْحَيَوَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عمر: وَالدُّنْيَا
مسيرَة خَمْسمِائَة عَام أَرْبَعمِائَة عَام خراب وَمِائَة
عمار فِي أَيدي الْمُسلمين من ذَلِك مسيرَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن
مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا الْعِمَارَة فِي
الدُّنْيَا فِي الخراب إِلَّا كفسطاط فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْجلد - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ فالسودان
اثْنَا عشر ألفا وَالروم ثَمَانِيَة ولفارس ثَلَاثَة وللعرب
ألف
(4/601)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن مضرب
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة
ثلثمِائة عمار ومائتان خراب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حسان بن عَطِيَّة
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سَعَة الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة
سنة والبحار ثلثمِائة وَمِائَة خراب وَمِائَة عمرَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: الأَرْض سَبْعَة أَجزَاء: سِتَّة أَجزَاء
فِيهَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج وجزء فِيهِ سَائِر الْخلق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: ذكر لي أَن الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ
اثْنَا عشر ألفا مِنْهُ أَرض الْهِنْد وَثَمَانِية الصين
وَثَلَاثَة آلَاف الْمغرب وَألف الْعَرَب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مغيث بن سمي - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: الأَرْض ثَلَاثَة أَثلَاث ثلث فِيهِ النَّاس وَالشَّجر
وَثلث فِيهِ الْبحار وَثلث هَوَاء
أما قَوْله تَعَالَى: {وَجعل فِيهَا رواسي}
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى حِين أَرَادَ أَن يخلق
الْخلق خلق الرّيح فنشجت الرّيح فأبدت عَن حَشَفَة فَهِيَ تَحت
الأَرْض
وَمِنْهَا دُحيت الأَرْض حَيْثُ مَا شَاءَ فِي الْعرض والطول
فَكَانَت تميد فَجعل الْجبَال الرواسِي
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: لمَّا خلق الله الأَرْض قمصت وَقَالَت: أَي رب تجْعَل
عليّ بني آدم يعْملُونَ عليّ الْخَطَايَا ويجعلون عليّ الْخبث
فَأرْسل الله فِيهَا من الْجبَال مَا ترَوْنَ وَمَا لَا
ترَوْنَ فَكَانَ إِقْرَارهَا كَاللَّحْمِ ترجرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: أول جبل وضع فِي الأَرْض أَبُو قبيس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {جعل فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ: ذكرا وانثى
من كل صنف
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {يغشي اللَّيْل النَّهَار} أَي يلبس
اللَّيْل النَّهَار
(4/602)
الْآيَة 4
(4/603)
وَفِي الْأَرْضِ
قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ
وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ
وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ:
يُرِيد الأَرْض الطّيبَة العذبة الَّتِي تخرج نباتها بِإِذن
رَبهَا تجاورها السبخة القبيحة المالحة الَّتِي لَا تخرج وهما
أَرض وَاحِدَة وماؤهما شَيْء ملح وعذب
ففضلت احداهما على الْأُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: لَيْسَ فِي الأَرْض مَاء إِلَّا مَا نزل من
السَّمَاء وَلَكِن عروق فِي الأَرْض تغيره فَمن أَرَادَ أَن
يعود الْملح عذباً فليصعد المَاء من الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ:
السبخة والعذبة والمالح وَالطّيب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: قرى متجاورات
قريب بَعْضهَا من بعض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - {وَفِي
الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: فَارس والأهواز والكوفة
وَالْبَصْرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -
فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: الأَرْض تنْبت
حلواً وَالْأَرْض تنْبت حامضاً
وَهِي متجاورات تسقى بِمَاء وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشيج عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي
الله عَنهُ - {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: الأَرْض
الْوَاحِدَة يكون فِيهَا الخوخ والكمثرى وَالْعِنَب الْأَبْيَض
وَالْأسود وَبَعضه أكبر حملا من بعض وَبَعضه حُلْو وَبَعضه
حامض وَبَعضه أفضل من بعض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو ا
(4/603)
لشيخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن
عَازِب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {صنْوَان وَغير
صنْوَان} قَالَ: الصنوان مَا كَانَ أَصله وَاحِدًا وَهُوَ
متفرق وَغير صنْوَان الَّتِي تنْبت وَحدهَا
وَفِي لفظ {صنْوَان} النَّخْلَة فِي النَّخْلَة ملتصقة {وَغير
صنْوَان} النّخل المتفرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {صنْوَان} قَالَ: مُجْتَمع
النخيل فِي أصل وَاحِد {وَغير صنْوَان} قَالَ: النّخل المتفرق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: طينها عذبها
وخبيثها السباخ
وَفِي قَوْله {وجنات من أعناب} قَالَ: جنَّات وَمَا مَعهَا
وَفِي قَوْله {صنْوَان} قَالَ: النخلتان وَأكْثر فِي أصل
وَاحِد {وَغير صنْوَان} وَحدهَا تسقى {بِمَاء وَاحِد} قَالَ:
مَاء السَّمَاء كَمثل صَالح بني آدم وخبيثهم أبوهم وَاحِد
وَكَذَلِكَ النَّخْلَة أَصْلهَا وَاحِد وطعامها مُخْتَلف
وَهُوَ يشرب بِمَاء وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن
جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {صنْوَان وَغير
صنْوَان} قَالَ: مُجْتَمع وَغير مُجْتَمع {يسقى بِمَاء وَاحِد
ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَالَ: الْعِنَب
الْأَبْيَض وَالْأسود والأحمر والتين الْأَبْيَض وَالْأسود
وَالنَّخْل الْأَحْمَر والأصفر
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ - {صنْوَان} قَالَ: ثَلَاث نخلات فِي أصل وَاحِد كَمثل
ثَلَاثَة من بني أَب وَأم يتفاضلون فِي الْعَمَل كَمَا يتفاضل
ثَمَر هَذِه النخلات الثَّلَاث فِي أصل وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة
قَالَ: مثل ضربه الله عز وَجل لقلوب بني آدم كَمَا كَانَت
الأَرْض فِي يَد الرَّحْمَن طِينَة وَاحِدَة فسطحها وبطحها
فَصَارَت الأَرْض قطعا متجاورة فَينزل عَلَيْهَا المَاء من
السَّمَاء فَتخرج هَذِه زهرتها وَثَمَرهَا وشجرها وَتخرج
نباتها وتحيي موتاها وَتخرج هَذِه سبخها وملحها وخبثها
وكلتاهما {يسقى بِمَاء وَاحِد} فَلَو كَانَ المَاء مالحاً قيل
إِنَّمَا استبخت هَذِه من قبل المَاء كَذَلِك النَّاس خلقُوا
من آدم فَينزل عَلَيْهِم من السَّمَاء
(4/604)
تذكرة فترق قُلُوب فتخشع وتخضع وتقسو
قُلُوب فتلهو وتسهو وتجفو قَالَ الْحسن - رَضِي الله عَنهُ -
وَالله مَا جَالس الْقُرْآن أحد إِلَّا قَامَ من عِنْده
بِزِيَادَة أَو نُقْصَان
قَالَ الله تَعَالَى (وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء
وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خسارا)
(الْإِسْرَاء آيَة 82)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - {صنْوَان} قَالَ: الصنوان النَّخْلَة الَّتِي يكون
فِيهَا نخلتان أَو ثَلَاث أصلهن وَاحِد
قَالَ: وحَدثني رجل أَنه كَانَ بَين عمر بن الْخطاب - رَضِي
الله عَنهُ - وَبَين الْعَبَّاس قَول فأسرع إِلَيْهِ
الْعَبَّاس فجَاء عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ -
فَقَالَ: يَا نَبِي الله ألم تَرَ عباساً فعل بِي وَفعل
فَأَرَدْت أَن أُجِيبهُ فَذكرت مَكَانك مِنْهُ فكففت عَنهُ
فَقَالَ: يَرْحَمك الله إِن عَم الرجل صنو أَبِيه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا
تؤذوني فِي الْعَبَّاس فَإِنَّهُ بَقِيَّة آبَائِي وَإِن عَم
الرجل صنو أَبِيه
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - وَابْن أبي
مليكَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمر:
يَا عمر أما علمت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن جَابر - رَضِي الله عَنهُ - سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا عَليّ النَّاس من شجر
شَتَّى وَأَنا وَأَنت يَا عَليّ من شَجَرَة وَاحِدَة ثمَّ
قَرَأَ النَّبِي {وجنات من أعناب وَزرع ونخيل صنْوَان وَغير
صنْوَان}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله
عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ
{ونفضل بَعْضهَا على بعض} بالنُّون
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي
الْأكل} قَالَ: الدقل والفارسي والحلو والحامض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي
الْأكل} قَالَ: هَذَا حامض وَهَذَا حُلْو وَهَذَا دقل وَهَذَا
فَارسي
(4/605)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ونفضل
بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَالَ: هَذَا حُلْو وَهَذَا مر
وَهَذَا حامض كَذَلِك بَنو آدم أبوهم وَاحِد وَمِنْهُم
الْمُؤمن وَالْكَافِر
الْآيَة 5
(4/606)
وَإِنْ تَعْجَبْ
فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإِن تعجب فَعجب
قَوْلهم} قَالَ: إِن تعجب يَا مُحَمَّد من تكذيبهم إياك {فَعجب
قَوْلهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: إِن تعجب من
تكذيبهم وهم رَأَوْا من قدرَة الله وَأمره وَمَا ضرب لَهُم من
الْأَمْثَال وأراهم حَيَاة الْمَوْتَى وَالْأَرْض الْميتَة
فتعجب من قَوْلهم {أئذا كُنَّا تُرَابا أئنا لفي خلق جَدِيد}
أَو لَا يرَوْنَ أَنه خلقهمْ من نُطْفَة أَشد من الْخلق من
تُرَاب وَعِظَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإِن تعجب فَعجب
قَوْلهم} قَالَ: عجب الرَّحْمَن من تكذيبهم بِالْبَعْثِ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ الأغلال فِي أَعْنَاقهم}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم والخطيب عَن الْحسن -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الأغلال لم تجْعَل فِي أَعْنَاق
أهل النَّار لأَنهم أعجزوا الرب وَلكنهَا جعلت فِي أَعْنَاقهم
لكَي إِذا طغا بهم اللهب أرسبتهم فِي النَّار
الْآيَة 6
(4/606)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ
لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ
الْعِقَابِ (6)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {ويستعجلونك بِالسَّيِّئَةِ قبل الْحَسَنَة}
قَالَ: بالعقوبة قبل الْعَافِيَة {وَقد خلت من قبلهم المثلات}
قَالَ: وقائع الله فِي الْأُمَم فِيمَن خلا قبلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ {المثلات} مَا أصَاب الْقُرُون الْمَاضِيَة
من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {وَقد خلت من قبلهم المثلات} قَالَ: الْأَمْثَال
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {وَقد خلت من قبلهم المثلات} قَالَ: القردة والخنازير
هِيَ المثلات
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -
{وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم وَإِن رَبك لشديد
الْعقَاب} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا
عَفْو الله وتجاوزه مَا هَنأ لأحد الْعَيْش وَلَوْلَا وعيده
وعقابه لاتكل كل أحد
الْآيَة 7
(4/607)
وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَيَقُول الَّذين
كفرُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه} قَالَ: هَذَا قَول
مُشْركي الْعَرَب {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} لكل
قوم دَاع يَدعُوهُم إِلَى الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَلكُل قوم هاد} قَالَ:
دَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} قَالَ:
الْمُنْذر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلكُل قوم هاد}
نَبِي يَدعُوهُم إِلَى الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد
بن جُبَير - رَضِي الله
(4/607)
عَنهُ - فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر
وَلكُل قوم هاد} قَالَ: مُحَمَّد الْمُنْذر وَالْهَادِي الله
عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل
قوم هاد} قَالَ: الْمُنْذر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالله عز وَجل هادي كل قوم
وَفِي لفظ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُنْذر وَهُوَ
الْهَادِي
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - وَأبي
الضُّحَى فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد}
قَالَا: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُنْذر
وَهُوَ الْهَادِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي
الْمعرفَة والديلمي وَابْن عَسَاكِر وَابْن النجار قَالَ: لما
نزلت {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} وضع رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على صَدره فَقَالَ أَنا
الْمُنْذر وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى منْكب عَليّ - رَضِي الله
عَنهُ - فَقَالَ: أَنْت الْهَادِي يَا عَليّ بك يَهْتَدِي
المهتدون من بعدِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ - رَضِي
الله عَنهُ -: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر} وَوضع يَده على صدر نَفسه ثمَّ
وَضعهَا على صدر عَليّ وَيَقُول: لكل قوم هاد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
- رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر أَنا
وَالْهَادِي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل
قوم هاد} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمُنْذر وانا الْهَادِي
وَفِي لفظ الْهَادِي: رجل من بني هَاشم
يَعْنِي نَفسه
الْآيَة 8
(4/608)
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا
تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)
أخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي
الله عَنهُ - {الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى} قَالَ: يعلم ذكر
هُوَ أَو أُنْثَى {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: هِيَ
الْمَرْأَة ترى الدَّم فِي حملهَا
(4/608)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ -
فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: خُرُوج الدَّم
{وَمَا تزداد} قَالَ: استمساكه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام}
قَالَ: أَن ترى الدَّم فِي حملهَا {وَمَا تزداد} قَالَ: فِي
التِّسْعَة أشهر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك - رَضِي الله
عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله
{وَمَا تغيض الْأَرْحَام وَمَا تزداد} قَالَ: مَا تزداد على
التِّسْعَة وَمَا تنقص من التِّسْعَة
قَالَ الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - وَضَعتنِي أُمِّي وَقد
حَملتنِي فِي بَطنهَا سنتَيْن وولدتني قد خرجت ثنيتي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام}
قَالَ: مَا دون تِسْعَة أشهر وَمَا تزداد فَوق التِّسْعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى
وَمَا تغيض الْأَرْحَام} يَعْنِي السقط {وَمَا تزداد} يَقُول:
مَا زَادَت فِي الْحمل على مَا غاضت حَتَّى وَلدته تَمامًا
وَذَلِكَ أَن من النِّسَاء من تحمل عشرَة أشهر ومنهن من تحمل
تِسْعَة أشهر ومنهن من تزيد فِي الْحمل ومنهن من تنقص
فَذَلِك الغيض وَالزِّيَادَة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى وكل
ذَلِك بِعِلْمِهِ تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا دون التِّسْعَة
أشهر فَهُوَ غيض وَمَا فَوْقهَا فَهُوَ زِيَادَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت:
لَا يكون الْحمل أَكثر من سنتَيْن قدرٌ مَا يتَحَوَّل فلكة
مغْزَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ
- قَالَ: مَا غاضت الرَّحِم بِالدَّمِ يَوْمًا إِلَّا زَاد فِي
الْحمل يَوْمًا حَتَّى تستكمل تِسْعَة أشهر طَاهِرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ:
السقط
(4/609)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ
- فِي الْآيَة قَالَ: إِذا رَأَتْ الدَّم هش الْوَلَد
وَإِذا لم تَرَ الدَّم عظم الْوَلَد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: الْجَنِين فِي بطن أمه لَا يطْلب وَلَا يحزن وَلَا يغتم
وَإِنَّمَا يَأْتِيهِ رزقه فِي بطن أمه من دم حَيْضَتهَا فَمن
ثمَّ لَا تحيض الْحَامِل فَإِذا وَقع إِلَى الأَرْض اسْتهلّ
واستهلاله استنكار لمكانه فَإِذا قطعت سرته حول الله رزقه
إِلَى ثدي أمه حَتَّى لَا يطْلب وَلَا يغتم وَلَا يحزن ثمَّ
يصير طفْلا يتَنَاوَل الشَّيْء بكفه فيأكله فَإِذا بلغ قَالَ:
أَنى لي بالرزق يَا وَيحك غَذَّاكَ وَأَنت فِي بطن أمك وَأَنت
طِفْل صَغِير حَتَّى إِذا اشتددت وعقلت قلت: أَنى لي بالرزق
ثمَّ قَرَأَ مَكْحُول - رَضِي الله عَنهُ - {يعلم مَا تحمل كل
أُنْثَى} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وكل شَيْء عِنْده بِمِقْدَار} أَي بِأَجل
حفظ أرزاق خلقه وآجالهم وَجعل لذَلِك أَََجَلًا مَعْلُوما
الْآيَات 9 - 10
(4/610)
عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ
مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ
مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {عَالم الْغَيْب
وَالشَّهَادَة} قَالَ: السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {سَوَاء مِنْكُم من أسر القَوْل وَمن جهر بِهِ}
قَالَ: من أسره وأعلنه عِنْده سَوَاء {وَمن هُوَ مستخف
بِاللَّيْلِ} رَاكب رَأسه فِي الْمعاصِي {وسارب بِالنَّهَارِ}
قَالَ: ظَاهر بِالنَّهَارِ بِالْمَعَاصِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {سَوَاء مِنْكُم من أسر القَوْل
وَمن جهر بِهِ} قَالَ: كل ذَلِك عِنْده سَوَاء السِّرّ عِنْده
عَلَانيَة والظلمة عِنْده ضوء
(4/610)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: يعلم من السِّرّ مَا يعلم من
الْعَلَانِيَة وَيعلم من الْعَلَانِيَة مَا يعلم من السِّرّ
وَيعلم من اللَّيْل مَا يعلم من النَّهَار وَيعلم من النَّهَار
مَا يعلم من اللَّيْل
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي
قَوْله {وسارب بِالنَّهَارِ} قَالَ: الظَّاهِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمن هُوَ مستخف بِاللَّيْلِ
وسارب بِالنَّهَارِ} قَالَ: هُوَ صَاحب رِيبَة {مستخف
بِاللَّيْلِ} وَإِذا خرج بِالنَّهَارِ أرى النَّاس أَنه بَرِيء
من الْإِثْم
الْآيَة 11
(4/611)
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ
اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو
نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء بن يسَار - رَضِي الله
عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن
أَرْبَد بن قيس وعامر بن الطُّفَيْل قدما الْمَدِينَة على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ
وَهُوَ جَالس فَجَلَسَا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ عَامر: مَا
تجْعَل لي إِن أسلمت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَك مَا للْمُسلمين وَعَلَيْك مَا عَلَيْهِم
قَالَ: أَتجْعَلُ لي إِن أسلمت الْأَمر من بعْدك قَالَ: لَيْسَ
لَك وَلَا لقَوْمك وَلَكِن لَك أَعِنَّة الْخَيل
قَالَ: فَجعل لي الْوَبر وَلَك الْمدر
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا
فَلَمَّا قفى من عِنْده قَالَ: لأمَلأَنَّها عَلَيْك خيلاً
ورجالاً
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمنعك الله
فَلَمَّا خرج أَرْبَد وعامر قَالَ عَامر: يَا أَرْبَد إِنِّي
سألهي مُحَمَّدًا عَنْك بِالْحَدِيثِ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ
فَإِن النَّاس إِذا قتلت مُحَمَّدًا لم يزِيدُوا على أَن
يرْضوا بِالدِّيَةِ وَيَكْرَهُوا الْحَرْب فسنعطيهم الدِّيَة
فَقَالَ أَرْبَد: أفعل
فَأَقْبَلَا رَاجِعين فَقَالَ عَامر: يَا مُحَمَّد قُم معي
أُكَلِّمك
فَقَامَ مَعَه فخليا إِلَى الْجِدَار ووقف مَعَه عَامر يكلمهُ
وسل أَرْبَد السَّيْف فَلَمَّا وضع يَده على سَيْفه يَبِسَتْ
على قَائِم السَّيْف فَلَا يَسْتَطِيع سل سَيْفه وَأَبْطَأ
أَرْبَد على عَامر بِالضَّرْبِ فَالْتَفت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى أَرْبَد وَمَا يصنع فَانْصَرف عَنْهُمَا
وَقَالَ عَامر
(4/611)
لأربد مَا لَك حشمت قَالَ وضعت يَدي على
قَائِم السَّيْف فيبست فَلَمَّا خرج عَامر واربد من عِنْد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَا بحرة
واقم نزلا
فَخرج إِلَيْهِمَا سعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير فَقَالَ:
اُشْخُصَا يَا عدوَّي الله لَعَنَكُمَا الله وَوَقع بهما
فَقَالَ عَامر: من هَذَا يَا سعد فَقَالَ سعد: هَذَا أسيد بن
حضير الْكَتَائِب قَالَ: اما وَالله ان كَانَ حضير صديقا لي
حَتَّى إِذا كَانَا بِالرَّقْمِ أرسل الله على أَرْبَد
صَاعِقَة فَقتلته وَخرج عَامر حَتَّى إِذا كَانَ بالخريب أرسل
الله عَلَيْهِ قرحَة فأدركه الْمَوْت فِيهَا: فَأنْزل الله
{الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى} إِلَى قَوْله {لَهُ
مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ} قَالَ: المعقبات من أَمر الله
يحفظون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ ذكر أَرْبَد وَمَا قَتله فَقَالَ {هُوَ الَّذِي يريكم
الْبَرْق} إِلَى قَوْله {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين
يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ} قَالَ: هَذِه للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ:
عَن أَمر الله يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ:
ذَلِك الْحِفْظ من أَمر الله بِأَمْر الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ
مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة {يَحْفَظُونَهُ من أَمر
الله} قَالَ: باذن الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} الْآيَة قَالَ: الْمَلَائِكَة من
أَمر الله
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة
{يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: حفظهم إِيَّاه بِأَمْر
الله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: بِأَمْر الله
قَالَ: وَفِي بعض الْقِرَاءَة [يَحْفَظُونَهُ بِأَمْر الله]
(4/612)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} الْآيَة
يَعْنِي ولي السُّلْطَان يكون عَلَيْهِ الحراس يَحْفَظُونَهُ
من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَقُول الله يَحْفَظُونَهُ من
أَمْرِي
فَإِنِّي إِذا أردْت بِقوم سوء فَلَا مرد لَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي
قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} الْآيَة
قَالَ: الْمُلُوك يتخذون الحرس يَحْفَظُونَهُ من أَمَامه وَمن
خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله يَحْفَظُونَهُ من الْقَتْل
ألم تسمع أَن الله تَعَالَى يَقُول {وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم
سوءا} لم يغن الحرس عَنهُ شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ:
هم الْمَلَائِكَة تعقب بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وتكتب على بني
آدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْحفظَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة
تعقب اللَّيْل وَالنَّهَار تكْتب على ابْن آدم
وَبَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
يَجْتَمعُونَ فِيكُم عِنْد صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْعَصْر
من بَين يَدَيْهِ مثله قَوْله (عَن الْيَمين وَعَن الشمَال)
(سُورَة ق آيَة 17) الْحَسَنَات من بَين يَدَيْهِ والسيئات من
خَلفه
الَّذِي على يَمِينه يكْتب الْحَسَنَات وَالَّذِي على يسَاره
لَا يكْتب إِلَّا بِشَهَادَة الَّذِي على يَمِينه فَإِذا مَشى
كَانَ أَحدهمَا أَمَامه وَالْآخر وَرَاءه وَإِن قعد كَانَ
أَحدهمَا على يَمِينه وَالْآخر على يسَاره وَإِن رقد كَانَ
أَحدهمَا عِنْد رَأسه وَالْآخر عِنْد رجلَيْهِ {يَحْفَظُونَهُ
من أَمر الله} قَالَ: يحفظون عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - {لَهُ
مُعَقِّبَات} قَالَ: هم الْكِرَام الكاتبون حفظَة من الله على
ابْن آدم أمروا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ
من أَمر الله} قَالَ: من الْجِنّ
(4/613)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ
مُعَقِّبَات} قَالَ: مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من بَين
يَدَيْهِ وَمن خَلفه فَإِذا جَاءَ قدره خلوا عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
مَا من عبد إِلَّا بِهِ ملك مُوكل يحفظه فِي نَومه ويقظته من
الْجِنّ وَالْإِنْس والهوام
فَمَا مِنْهَا شَيْء يَأْتِيهِ يُريدهُ إِلَّا قَالَ وَرَاءَك
إِلَّا شَيْئا يَأْذَن الله فِيهِ فَيُصِيبهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب الْأَحْبَار - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: لَو تجلى لِابْنِ آدم كل سهل وحزن لرَأى على كل شَيْء
من ذَلِك شياطين لَوْلَا أَن الله وكل بكم مَلَائِكَة
يَذبُّونَ عَنْكُم فِي مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إِذا
لَتَخَطَّفَتْكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
جَاءَ رجل من مُرَاد إِلَى عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ
يُصَلِّي فَقَالَ: احترس فَإِن نَاسا من مُرَاد يُرِيدُونَ
قَتلك
فَقَالَ: إِن مَعَ كل رجل ملكَيْنِ يحفظانه مِمَّا لم يقدر
فَإِذا جَاءَ الْقدر خليا بَينه وَبَينه وَأَن الْأَجَل جنَّة
حَصِينَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: مَا من آدَمِيّ إِلَّا وَمَعَهُ ملك يذود عَنهُ حَتَّى
يُسلمهُ للَّذي قدر لَهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: لَيْسَ من عبد إِلَّا لَهُ مُعَقِّبَات من
الْمَلَائِكَة ملكان يكونَانِ مَعَه فِي النَّهَار فَإِذا
جَاءَ اللَّيْل صعدا وأعقبهما ملكان فَكَانَا مَعَه ليله
حَتَّى يصبح يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَلَا
يُصِيبهُ شَيْء لم يكْتب عَلَيْهِ إِذا غشي من ذَلِك شَيْء
دفعاه عَنهُ
ألم تره يمر بِالْحَائِطِ فَإِذا جَازَ سقط فَإِذا جَاءَ
الْكتاب خلوا بَينه وَبَين مَا كتب لَهُ
وهم {من أَمر الله} أَمرهم أَن يحفظوه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ [لَهُ
مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقيب من خَلفه يَحْفَظُونَهُ من
أَمر الله]
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه
كَانَ يقْرَأ [لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقباء من
خَلفه من أَمر الله يَحْفَظُونَهُ]
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْجَارُود بن أبي
(4/614)
سُبْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سمعني
ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - اقْرَأ {لَهُ
مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه} فَقَالَ: لَيست
هُنَاكَ وَلَكِن [لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقيب من
خَلفه]
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ - رَضِي
الله عَنهُ - {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه
يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: لَيْسَ من عبد إِلَّا
وَمَعَهُ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من أَن يَقع عَلَيْهِ
حَائِط أَو يتردى فِي بِئْر أَو يَأْكُلهُ سبع أَو غرق أَو حرق
فَإِذا جَاءَ الْقدر خلوا بَينه وَبَين الْقدر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان
وَالطَّبَرَانِيّ والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن أبي
أُمَامَة - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وكل بِالْمُؤمنِ ثلثمِائة وَسِتُّونَ ملكا
يدْفَعُونَ عَنهُ مَا لم يقدر عَلَيْهِ من ذَلِك
لبصر سَبْعَة أَمْلَاك يَذبُّونَ عَنهُ كَمَا يذب عَن قَصْعَة
الْعَسَل من الذُّبَاب فِي الْيَوْم الصَّائِف وَمَا لَو بدا
لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل كلهم باسط يَدَيْهِ فاغر فَاه
وَمَا لَو وكل العَبْد فِيهِ إِلَى نَفسه طرفَة عين
لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِين
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْقدر وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن
عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
لكل عبد حفظَة يَحْفَظُونَهُ لَا يخر عَلَيْهِ حَائِط أَو
يتردى فِي بِئْر أَو تصيبه دَابَّة حَتَّى إِذا جَاءَ الْقدر
الَّذِي قدّر لَهُ خلت عَنهُ الْحفظَة فَأَصَابَهُ مَا شَاءَ
الله أَن يُصِيبهُ
وَفِي لفظ لأبي دَاوُد: وَلَيْسَ من النَّاس أحد إِلَّا وَقد
وكل بِهِ ملك فَلَا تريده دَابَّة وَلَا شَيْء إِلَّا قَالَ
اتقه اتقه فَإِذا جَاءَ الْقدر خلى عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن كنَانَة الْعَدوي - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: دخل عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِي الله عَنهُ - على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله
أَخْبرنِي عَن العَبْد كم مَعَه من ملك فَقَالَ: ملك عَن
يَمِينك على حَسَنَاتك وَهُوَ أَمِين على الَّذِي على الشمَال
إِذا عملت حَسَنَة كتبت عشرا فَإِذا عملت سَيِّئَة قَالَ
الَّذِي على الشمَال للَّذي على الْيَمين: اكْتُبْ قَالَ: لَا
لَعَلَّه يسْتَغْفر الله وَيَتُوب فَإِذا قَالَ ثَلَاثًا
قَالَ: نعم اكتبه أراحنا الله مِنْهُ فبئس القرين مَا أقل
مراقبته لله وَأَقل استحياؤه مِنْهُ يَقُول الله (وَمَا يلفظ
من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد) (سُورَة ق آيَة 18)
وملكان من
(4/615)
بَين يَديك وَمن خَلفك يَقُول الله {لَهُ
مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من
أَمر الله} وَملك قَابض على ناصيتك فَإِذا تواضعت لله رفعك
وَإِذا تجبرت على الله قصمك وملكان على شفتيك لَيْسَ يحفظان
عَلَيْك إِلَّا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَملك قَائِم على فِيك لَا يدع أَن تدخل الْحَيَّة فِي
فِيك وملكان على عَيْنَيْك فَهَؤُلَاءِ عشرَة أَمْلَاك على كل
بني آدم ينزل مَلَائِكَة اللَّيْل على مَلَائِكَة النَّهَار
لِأَن مَلَائِكَة اللَّيْل سوى مَلَائِكَة النَّهَار
فَهَؤُلَاءِ عشرُون ملكا على كل آدَمِيّ وإبليس بِالنَّهَارِ
وَولده بِاللَّيْلِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا
مَا بِأَنْفسِهِم} لَا يُغير مَا بهم من النِّعْمَة حَتَّى
يعملوا بِالْمَعَاصِي فيرفع الله عَنْهُم النعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الْعَرْش وَأَبُو الشَّيْخ
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله وَعِزَّتِي
وَجَلَالِي وارتفاعي فَوق عَرْشِي مَا من أهل قَرْيَة وَلَا
أهل بَيت وَلَا رجل ببادية كَانُوا على مَا كرهته من معصيتي
ثمَّ تحوّلوا عَنْهَا إِلَى مَا أَحْبَبْت من طَاعَتي إِلَّا
تحوّلت لَهُم عَمَّا يكْرهُونَ من عَذَابي إِلَى مَا يحبونَ من
رَحْمَتي وَمَا من أهل بَيت وَلَا قَرْيَة وَلَا رجل ببادية
كَانُوا على مَا أَحْبَبْت من طَاعَتي ثمَّ تحولوا إِلَى مَا
كرهت من معصيتي إِلَّا تحولت لَهُم عَمَّا يحبونَ من رَحْمَتي
إِلَى مَا يكْرهُونَ من غَضَبي
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: أَتَى عَامر بن الطُّفَيْل وأربد بن ربيعَة
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ
عَامر: مَا تجْعَل لي إِن اتبعتك قَالَ: أَنْت فَارس أُعْطِيك
أَعِنَّة الْخَيل
قَالَ: فَقَط قَالَ: فَمَا تبغي قَالَ: لي الشرق وَلَك الغرب
ولي الْوَبر وَلَك الْمدر
قَالَ: لَا
قَالَ: لأَمْلَأَنهَا إِذا عَلَيْك خيلاً ورجالاً
قَالَ: يمنعك الله ذَلِك
وَأَتيا قَبيلَة تدعى الْأَوْس والخزرج فَخَرَجَا فَقَالَ
عَامر لأربد: إِن كَانَ الرجل لنا يمكنا لَو قَتَلْنَاهُ مَا
انتطحت فِيهِ عنزان ولرضوا بِأَن نعقله لَهُم وأحبوا السّلم
وكرهوا الْحَرْب إِذا رَأَوْا أَمر قد وَقع فَقَالَ الآخر: إِن
شِئْت
فتشاورا وَقَالَ: أرجع أَنا أشغله عَنْك بالمجادلة وَكن
وَرَاءه فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَة وَاحِدَة فَكَانَا
كَذَلِك وَاحِد وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْآخر قَالَ: أقصص عليّ قصصك
قَالَ: مَا تَقول قَالَ: قرأتك فَجعل
(4/616)
يجادله ويستبطئه حَتَّى قَالَ لَهُ مَا لَك
أحشمت قَالَ: وضعت يَدي على قَائِم السَّيْف فيبست فَمَا قدرت
على أَن أحلي وَلَا أَمْرِي فَجعل يحركها وَلَا تتحرك
فَخَرَجَا فَلَمَّا كَانَا بِالْحرَّةِ سمع بذلك سعد بن معَاذ
وَأسيد بن حضير فَخَرَجَا إِلَيْهِ على كل وَاحِد مِنْهُمَا
لأمته وَرمحه بِيَدِهِ وَهُوَ متقلد سَيْفه فَقَالَ أسيد لعامر
بن الطُّفَيْل: يَا أَعور الْخَبيث أَنْت الَّذِي تشْتَرط على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَوْلَا أَنَّك فِي أَمَان من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا رمت الْمنزل حَتَّى ضربت عُنُقك
فَقَالَ: من هَذَا قَالُوا: أسيد بن حضير
قَالَ: لَو كَانَ أَبوهُ حَيا لم يفعل بِي هَذَا
ثمَّ قَالَ عَامر لأربد: أخرج أَنْت يَا أَرْبَد إِلَى نَاحيَة
عذبة وَأخرج أَنا إِلَى مُحَمَّد فأجمع الرِّجَال فنلتقي
عَلَيْهِ فَخرج أَرْبَد حَتَّى إِذا كَانَ بِالرَّقْمِ بعث
الله سَحَابَة من الصَّيف فِيهَا صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ وَخرج
عَامر حَتَّى إِذا كَانَ بوادي الحريد أرسل الله عَلَيْهِ
الطَّاعُون فَجعل يَصِيح: يَا آل عَامر اغدة كَغُدَّة
الْبَعِير تقتلني وَمَوْت أَيْضا فِي بَيت سَلُولِيَّة وَهِي
امْرَأَة من قيس فَذَلِك قَوْله {سَوَاء مِنْكُم من أسر
القَوْل وَمن جهر بِهِ} إِلَى قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات من
بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} هَذَا
مقدم ومؤخر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ
المعقبات من أَمر الله {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى
يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} حَتَّى بلغ {وَمَا دُعَاء
الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} وَقَالَ لبيد فِي أَخِيه أَرْبَد
وَهُوَ يبكيه: أخْشَى على أَرْبَد الحتوف وَلَا أرهب نوء
السَّمَاء والأسد فجعتني الرَّعْد وَالصَّوَاعِق بالفا رس
[بالفارس] يَوْم الكريهة النجد وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِن الله لَا يُغير
مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} قَالَ: إِنَّمَا
يَجِيء التَّغْيِير من النَّاس والتيسير من الله فَلَا تغيرُوا
مَا بكم من نعم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: أوحى الله إِلَى نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل
أَن قل لقَوْمك أَنه لَيْسَ من أهل قَرْيَة وَلَا أهل بَيت
يكونُونَ على طَاعَة الله فيتحوّلون إِلَى مَعْصِيّة الله
إِلَّا تحوّل الله مِمَّا يحبونَ إِلَى مَا يكْرهُونَ ثمَّ
قَالَ: إِن تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى {إِن الله
لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن أبي هِلَال - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: بَلغنِي أَن
(4/617)
نَبيا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
السَّلَام لما أسْرع قومه فِي الْمعاصِي قَالَ لَهُم:
اجْتَمعُوا إِلَيّ لأبلغكم رِسَالَة رَبِّي فَاجْتمعُوا
إِلَيْهِ وَفِي يَده فخارة فَقَالَ: إِن الله تبَارك
وَتَعَالَى يَقُول لكم إِنَّكُم قد عملتم ذنوباً قد بلغت
السَّمَاء وَإِنَّكُمْ لَا تتوبون مِنْهَا وتنزعون عَنْهَا
إِلَّا أَن كسرتكم كَمَا تكسر هَذِه
فألقاها فَانْكَسَرت فتفرقت ثمَّ قَالَ: وأفرقكم حَتَّى لَا
ينْتَفع بكم ثمَّ أبْعث عَلَيْكُم من لَا حَظّ لَهُ فينتقم لي
مِنْكُم ثمَّ أكون الَّذِي أنتقم لنَفْسي بعد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
إِن الْحجَّاج عُقُوبَة فَلَا تستقبلوا عُقُوبَة الله
بِالسَّيْفِ وَلَكِن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: كلما أحدثتم ذَنبا أحدث الله لكم من سلطانكم
عُقُوبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: قَرَأت فِي بعض الْكتب: إِنِّي أَنا الله مَالك
الْمُلُوك قُلُوب الْمُلُوك بيَدي فَلَا تشْغَلُوا قُلُوبكُمْ
بسب الْمُلُوك وادعوني أعطفهم عَلَيْكُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ -
{وَمَا لَهُم من دونه من وَال} قَالَ: هُوَ الَّذِي تولاهم
فينصرهم ويلجئهم إِلَيْهِ
الْآيَة 12
(4/618)
هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ
الثِّقَالَ (12)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يريكم الْبَرْق
خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ: خوفًا للْمُسَافِر يخَاف أَذَاهُ
ومشقته {وَطَمَعًا} للمقيم يطْمع فِي رزق الله ويرجو بركَة
الْمَطَر ومنفعته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ {خوفًا} لأهل
الْبَحْر {وَطَمَعًا} لأهل الْبر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ -
فِي قَوْله {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ: الْخَوْف:
مَا يخَاف من الصَّوَاعِق والطمع: الْغَيْث
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي جَهْضَم مُوسَى بن سَالم مولى ابْن
عَبَّاس - رَضِي
(4/618)
الله عَنْهُمَا - قَالَ: كتب ابْن عَبَّاس
إِلَى أبي الْجلد يسْأَله عَن الْبَرْق فَقَالَ: الْبَرْق:
المَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {يريكم الْبَرْق} قَالَ شُعَيْب الجياني فِي كتاب الله:
الْمَلَائِكَة حَملَة الْعَرْش أَسمَاؤُهُم فِي كتاب الله
الْحَيَّات لكل ملك وَجه إِنْسَان واسد ونسر فَإِذا حركوا
أجنحتهم فَهُوَ الْبَرْق
قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: رجل وثور تَحت رجل يَمِينه
والنسر لِلْأُخْرَى وَلَيْث مرصد وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يريكم الْبَرْق}
قَالَ: مَلَائِكَة تمصع بأجنحتها فَذَلِك الْبَرْق
زَعَمُوا أَنَّهَا تدعى الْحَيَّات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُسلم - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: بلغنَا أَن الْبَرْق لَهُ أَرْبَعَة وُجُوه:
وَجه إِنْسَان وَوجه ثَوْر وَوجه نسر وَوجه أَسد فَإِذا مصع
بِذَنبِهِ فَذَلِك الْبَرْق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق مصع ملك يَسُوق
السَّحَاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ:
الْبَرْق ملك يترايا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق مخاريق من نَار بأيدي
مَلَائِكَة السَّحَاب يزجرون بِهِ السَّحَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: الْبَرْق مخاريق يَسُوق بِهِ الرَّعْد السَّحَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ
- قَالَ: الْبَرْق اصطفاق الْبرد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن
كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق تصفيق الْملك
الْبرد وَلَو ظهر لأهل الأَرْض لصعقوا
(4/619)
وَأخرج الشَّافِعِي عَن عُرْوَة بن الزبير
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِذا رأى أحدكُم الْبَرْق أَو
الودق فَلَا يشر إِلَيْهِ وليصف ولينعت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وينشئ
السَّحَاب الثقال} قَالَ: الَّذِي فِيهِ المَاء
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر
وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن أبي ذَر الْغِفَارِيّ - رَضِي الله عَنهُ -:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله
ينشئ السَّحَاب فينطق أحسن النُّطْق ويضحك أحسن الضحك
قَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد: النُّطْق الرَّعْد
والضحك الْبَرْق
وَأخرج الْعقيلِيّ وَضَعفه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ينشئ الله السَّحَاب ثمَّ ينزل فِيهِ
المَاء
فَلَا شَيْء أحسن من ضحكه وَلَا شَيْء أحسن من مَنْطِقه ومنطقه
الرَّعْد وضحكه الْبَرْق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن بجاد الْأَشْعَرِيّ -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: اسْم السَّحَاب عِنْد الله الْعَنَان والرعد
ملك يزْجر السَّحَاب
والبرق طرف ملك يُقَال لَهُ روقيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله
عَنهُ - أَن خُزَيْمَة بن ثَابت - وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ
- رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن منشأ السَّحَاب فَقَالَ: إِن ملكا مُوكل بالسحاب يلم
القاصية ويلحم الدانية فِي يَده مِخْرَاق فَإِذا رفع برقتْ
وَإِذا زجر رعدَتْ وَإِذا ضرب صعِقَتْ
الْآيَة 13
(4/620)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ
بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ
الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ
يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي
الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - قَالَ: أَقبلت يهود إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا
(4/620)
أَبَا الْقَاسِم إِنَّا نَسْأَلك عَن
خَمْسَة أَشْيَاء فَإِن أنبئتانا بِهن عرفنَا أَنَّك نَبِي
واتبعناك
فَأخذ عَلَيْهِم مَا أَخذ إِسْرَائِيل على بنيه إِذْ قَالَ
(وَالله على مَا نقُول وَكيل) (سُورَة الْقَصَص آيَة 28)
قَالَ: هاتوا
قَالُوا: أخبرنَا عَن عَلامَة النَّبِي
قَالَ: تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه
قَالُوا: أخبرنَا كَيفَ تؤنث الْمَرْأَة وَكَيف تذكر قَالَ:
يلتقي الماءان فَإِذا علا مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة اذكرت
وَإِذا علا مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل أنثت
قَالُوا: أخبرنَا عَمَّا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه فَقَالَ:
كَانَ يشتكي عرق النسا فَلم يجد شَيْئا يلائمه إِلَّا ألبان
كَذَا وَكَذَا - يَعْنِي الإِبل - فَحرم لحومها
قَالُوا: صدقت قَالُوا: أخبرنَا مَا هَذَا الرَّعْد قَالَ: ملك
من مَلَائِكَة الله مُوكل بالسحاب بيدَيْهِ مِخْرَاق من نَار
يزْجر بِهِ السَّحَاب يَسُوقهُ حَيْثُ أمره الله قَالُوا:
فَمَاذَا الصَّوْت الَّذِي نسْمع قَالَ: صَوته
قَالُوا: صدقت إِنَّمَا بقيت وَاحِدَة وَهِي الَّتِي نتابعك
إِن أخبرتنا أَنه لَيْسَ من نَبِي إِلَّا لَهُ ملك يَأْتِيهِ
بالْخبر فَأخْبرنَا من صَاحبك قَالَ: جِبْرِيل
قَالُوا: جِبْرِيل
ذَلِك ينزل بِالْحَرْبِ والقتال وَالْعَذَاب عدوّنا لَو قلت
مِيكَائِيل الَّذِي ينزل بِالرَّحْمَةِ والنبات والمطر لَكَانَ
فَأنْزل الله (قل من كَانَ عدوّاً لجبريل
) (سُورَة الْبَقَرَة آيَة 97) إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والخرائطي فِي
مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: الرَّعْد ملك
والبرق ضربه السَّحَاب بمخراق من حَدِيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ والخرائطي عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الرَّعْد ملك يَسُوق
السَّحَاب بالتسبيح كَمَا يَسُوق الْحَادِي الإِبل بحدائه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي الْمَطَر وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ إِذا سمع صَوت الرَّعْد قَالَ:
سُبْحَانَ الَّذِي سبحت لَهُ وَقَالَ: إِن الرَّعْد ملك ينعق
بالغيث كَمَا ينعق الرَّاعِي بغنمه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - قَالَ:
(4/621)
الرَّعْد ملك من الْمَلَائِكَة اسْمه
الرَّعْد وَهُوَ الَّذِي تَسْمَعُونَ صَوته والبرق سَوط من نور
يزْجر بِهِ الْملك السَّحَاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الرَّعْد ملك اسْمه الرَّعْد
وصوته هَذَا تسبيحه فَإِذا اشْتَدَّ زَجره احتك السَّحَاب
واصطدم من خَوفه فَتخرج الصَّوَاعِق من بَينه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: الرَّعْد ملك يزْجر السَّحَاب بالتسبيح
وَالتَّكْبِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ
- قَالَ: مَا خلق الله شَيْئا أَشد سَوْقاً من السَّحَاب ملك
يَسُوقهُ
والرعد صَوت الْملك يزْجر بِهِ والمخاريق يَسُوقهُ بهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه سُئِلَ عَن
الرَّعْد فَقَالَ: ملك وَكله الله بسياق السَّحَاب فَإِذا
أَرَادَ الله أَن يَسُوقهُ إِلَى بلد أمره فساقه فَإِذا تفرق
عَلَيْهِ زَجره بِصَوْتِهِ حَتَّى يجْتَمع كَمَا يرد أحدكُم
ركانه ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الرَّعْد ملك ينشئ السَّحَاب
ودوّيه صَوته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ}
قَالَ: هُوَ ملك يُسمى الرَّعْد وَذَلِكَ الصَّوْت تسبيحه
وَأخرج ابْن جرير والخرائطي وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح -
رَضِي الله عَنهُ - {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ} قَالَ: ملك من
الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الرَّعْد
ملك من الْمَلَائِكَة وكل بالسحاب يَسُوقهَا كَمَا يَسُوق
الرَّاعِي الإِبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
عَن شهر بن حَوْشَب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الرَّعْد
ملك يزْجر السَّحَاب كَمَا يحث الرَّاعِي الإِبل فَإِذا شذت
سَحَابَة ضمهَا فَإِذا اشْتَدَّ غَضَبه طَار من فِيهِ النَّار
فَهِيَ الصَّوَاعِق
(4/622)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَن رجلا
سَأَلَهُ عَن الرَّعْد فَقَالَ: ملك يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الرَّعْد الْملك والبرق المَاء
وَأخرج الخرائطي عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
الرَّعْد ملك يزْجر السَّحَاب بِصَوْتِهِ
وَأخرج الخرائطي عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو
عَن الثِّقَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
هَذَا سَحَاب ينشئ الله عز وَجل فَينزل الله مِنْهُ المَاء
فَمَا من منطق أحسن من مَنْطِقه وَلَا من ضحك أحسن من ضحكه
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْطِقه
الرَّعْد وضحكه الْبَرْق
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله
عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن
ربكُم يَقُول: لَو أَن عبَادي أطاعوني لأسقيتهم الْمَطَر
بِاللَّيْلِ وأطلعت عَلَيْهِ الشَّمْس بِالنَّهَارِ وَلم
أسمعهم صَوت الرَّعْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه والخرائطي
فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمع
صَوت الرَّعْد وَالصَّوَاعِق قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا
بِغَضَبِك وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك وَعَافنَا قبل ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي
الله عَنهُ - يرفع الحَدِيث أَنه كَانَ إِذا سمع الرَّعْد
قَالَ: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي
الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
إِذا هبت الرّيح أَو سمع صَوت الرَّعْد تغير لَونه حَتَّى عرف
ذَلِك فِي وَجهه ثمَّ يَقُول للرعد: سُبْحَانَ من سبحت لَهُ
وَيَقُول للريح: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَة وَلَا تجعلها
عذَابا
وَأخرج الشَّافِعِي عَن الْمطلب بن حنْطَب - رَضِي الله عَنهُ
- أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا برقتْ
السَّمَاء أَو رعدَتْ عرف ذَلِك فِي وَجهه فَإِذا أمْطرت سري
عَنهُ
(4/623)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا
سَمِعْتُمْ الرَّعْد فاذكروا الله فَإِنَّهُ لَا يُصِيب
ذَاكِرًا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر
- رَضِي الله عَنهُ - أَن قوما سمعُوا الرَّعْد فكبروا فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَمِعْتُمْ
الرَّعْد فَسَبحُوا وَلَا تكبروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - أَنه كَانَ إِذا سمع الرَّعْد قَالَ: سُبْحَانَ
الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ
إِذا سمع صَوت الرَّعْد قَالَ: سُبْحَانَ من سبحت لَهُ
وَأخرج مَالك وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد
وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن الْمُنْذر والخرائطي
وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن الزبير: أَنه
كَانَ إِذا سمع الرَّعْد ترك الحَدِيث وَقَالَ: سُبْحَانَ
الَّذِي يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته
ثمَّ يَقُول: إِن هَذَا الْوَعيد لأهل الأَرْض شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِنَّمَا الرَّعْد وَعِيد من الله فَإِذا سمعتموه فأمسكوا عَن
الحَدِيث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: من سمع صَوت الرَّعْد فَقَالَ:
سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من
خيفته وَهُوَ على كل شَيْء قدير فَإِن أَصَابَته صَاعِقَة
فعليّ دِيَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد
الله بن أبي زَكَرِيَّا - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَلغنِي
أَن من سمع صَوت الرَّعْد فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
وَبِحَمْدِهِ لم تصبه صَاعِقَة
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن أَحْمد بن
دَاوُد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَيْنَمَا سُلَيْمَان بن
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يمشي مَعَ أَبَوَيْهِ وَهُوَ غُلَام
إِذا سمع صَوت الرَّعْد فَخر فلصق بفخذ أَبِيه فَقَالَ: يَا
بني هَذَا صَوت مُقَدمَات رَحمته فَكيف لَو سَمِعت صَوت
مُقَدمَات عضبه وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن كَعْب -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: من قَالَ
(4/624)
حِين يسمع الرَّعْد: سُبْحَانَ من يسبح
الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته ثَلَاثًا عوفي
مِمَّا يكون فِي ذَلِك الرَّعْد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ
- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَسمع الرَّعْد فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُول
فَقُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُول: موعدك لمدينة كَذَا
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَمَا رجل فِي
فلاة من الأَرْض فَسمع صَوتا فِي سَحَابَة: اسْقِ حديقة فلَان
فَتنحّى ذَلِك السَّحَاب فأفرغ مَاءَهُ فِي حرَّة فَإِذا شرجة
من تِلْكَ الشراج قد استوعبت ذَلِك المَاء كُله فتتبع المَاء
فَإِذا هُوَ رجل قَائِم فِي حديقة يحوّل المَاء بمسحاته
فَقَالَ لَهُ: يَا عبد الله مَا اسْمك فَقَالَ: فلَان - للإسم
الَّذِي سمع فِي السحابة - فَقَالَ لَهُ: لم سَأَلتنِي عَن
اسْمِي قَالَ: سَمِعت فِي السَّحَاب الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ
اسْقِ حديقة فلَان لإِسمك بِمَا تصنع فِيهَا
قَالَ: أما إِذْ قلت هَذَا فَإِنِّي أنظر إِلَى مَا يخرج
مِنْهَا فأتصدق بِثُلثِهِ وآكل أَنا وعيالي ثلثا وأرد فِيهِ
ثلثه
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس بن مَالك - رَضِي
الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعث
رجلا من أَصْحَابه إِلَى رَأس من رُؤَسَاء الْمُشْركين
يَدعُوهُ إِلَى الله فَقَالَ الْمُشرك: هَذَا الإِله الَّذِي
تَدعُونِي إِلَيْهِ أَمن ذهب هُوَ أم من فضَّة أم من نُحَاس
فتعاظم مقَالَته فَرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأخْبرهُ فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهِ فَرجع إِلَيْهِ فَأَعَادَ
عَلَيْهِ القَوْل الأول فَرجع فَأَعَادَهُ الثَّالِثَة
فَبَيْنَمَا هما يتراحعان الْكَلَام بَينهمَا إِذْ بعث الله
سَحَابَة حِيَال رَأسه فَرعدَت وأبرقت وَوَقعت مِنْهَا
صَاعِقَة فَذَهَبت بِقحْفِ رَأسه فَأنْزل الله تَعَالَى
(4/625)
{وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من
يَشَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن عبد
الرَّحْمَن بن صحار الْعَبْدي أَنه بلغه أَن نَبِي الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى جَبَّار يَدعُوهُ فَقَالَ:
أَرَأَيْتُم ربكُم أذهب هُوَ أم فضَّة هُوَ أم لُؤْلُؤ هُوَ
قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يجادلهم إِذْ بعث الله سَحَابَة
فَرعدَت فَأرْسل الله عَلَيْهِ صَاعِقَة فَذَهَبت بِقحْفِ
رَأسه
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب
بهَا من يَشَاء وهم يجادلون فِي الله وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
أَخْبرنِي عَن رَبك من ذهب هُوَ أم من لُؤْلُؤ أم ياقوت
فَجَاءَتْهُ الصاعقة فَأَخَذته فَأنْزل الله {وَيُرْسل
الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ
رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد حَدثنِي عَن إلهك هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ
أياقوت هُوَ أذهب هُوَ أم مَا هُوَ
فَنزلت على السَّائِل صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من
يَشَاء}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي كَعْب الْمَكِّيّ - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: قَالَ خَبِيث من خبثاء قُرَيْش: أخبرونا عَن
ربكُم من ذهب هُوَ أم من فضَّة أم من نُحَاس فقعقعت السَّمَاء
قعقعة فَإِذا قحف رَأسه ساقطٌ بَين يَدَيْهِ فَأنْزل الله
تَعَالَى {وَيُرْسل الصَّوَاعِق} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير والخرائطي عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ -
ذكر لنا أَن رجلا أنكر الْقُرْآن وَكذب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل الله عَلَيْهِ صَاعِقَة فأهلكته
فَأنْزل الله تَعَالَى فِيهِ {وهم يجادلون فِي الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {وَيُرْسل الصَّوَاعِق} قَالَ: نزلت فِي
عَامر بن الطُّفَيْل وَفِي أَرْبَد بن قيس أقبل عَامر فَقَالَ:
إِن لي حَاجَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اقْترب فاقترب حَتَّى جثا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وسل أَرْبَد بعض سَيْفه فَلَمَّا رأى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بريقه تعوّذ بِآيَة من الْقُرْآن كَانَ يتعوّذ
بهَا فأيبس الله يَد أَرْبَد على السَّيْف وَأرْسل عَلَيْهِ
صَاعِقَة فَاحْتَرَقَ
فَذَلِك قَول أَخِيه: أخْشَى على أَرْبَد الحتوف وَلَا أرهب
نوء السماك والأسد فجعني الْبَرْق وَالصَّوَاعِق بالفا رس
[بالفارس] يَوْم الكريهة النجد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم
والخرائطي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي عمرَان
الْجونِي قَالَ: إِن بحوراً من النَّار دون الْعَرْش يكون
فِيهَا الصَّوَاعِق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: الصَّوَاعِق نَار
(4/626)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الصَّوَاعِق من نَار السمُوم
وَهَذَا صَوت الْحجب الَّتِي بحرها مَا بَيْننَا وَبَينه من
الْحجاب يَسُوق السَّحَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن دِينَار - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: لم أسمع أحدا ذهب الْبَرْق ببصره لقَوْل الله
تَعَالَى (يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم) (سُورَة الْبَقَرَة
آيَة 20) وَالصَّوَاعِق تحرق لقَوْل الله تَعَالَى {وَيُرْسل
الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن أبي نجيح - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: رَأَيْت صَاعِقَة أَصَابَت نخلتين بِعَرَفَة فأحرقتهما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الصاعقة تصيب الْمُؤمن وَالْكَافِر
وَلَا تصيب ذَاكر الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن نصر بن عَاصِم الثَّقَفِيّ - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: من قَالَ: سُبْحَانَ الله شَدِيد الْمحَال
لم تصبه عُقُوبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}
قَالَ: شَدِيد الْقُوَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}
قَالَ: شَدِيد الْمَكْر شَدِيد القوّة
وَأخرج ابْن جريرعن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -
{وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْحول
وَأخرج ابْن جريرعن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - {وَهُوَ شَدِيد
الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْأَخْذ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ -
{وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الانتقام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ -
{وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الحقد
(4/627)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ
- {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد القوّة وَالْحِيلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ -
{وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْحول وَالْقُوَّة
الْآيَة 14
(4/628)
لَهُ دَعْوَةُ
الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا
يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ
إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا
دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ
بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ دَعْوَة
الْحق} قَالَ: التَّوْحِيد لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْأَسْمَاء من طرق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ دَعْوَة الْحق} قَالَ: شَهَادَة
أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ دَعْوَة الْحق} قَالَ: لَا إِلَه
إِلَّا الله لَيست تنبغي لأحد غَيره لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال
فلَان إِلَه بني فلَان
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{الا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا هُوَ ببالغه}
قَالَ: كَالرّجلِ العطشان يمد يَده إِلَى الْبِئْر ليرتفع
المَاء إِلَيْهِ وَمَا هُوَ ببالغه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {كباسط كفيه إِلَى
المَاء} قَالَ: يَدْعُو المَاء بِلِسَانِهِ وَيُشِير إِلَيْهِ
بِيَدِهِ فَلَا يَأْتِيهِ أبدا كَذَلِك لَا يستجيب من هُوَ
دونه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - {وَالَّذين يدعونَ من دونه لَا يستجيبون لَهُم بِشَيْء
إِلَّا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا هُوَ ببالغه}
وَلَيْسَ ببالغه حَتَّى يتمزع عُنُقه وَيهْلك عطشاً
قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي
ضلال} فَهَذَا مثل ضربه الله تبَارك وَتَعَالَى إِن هَذَا
الَّذِي يدعونَ من دون الله
(4/628)
هَذَا الوثن وَهَذَا الْحجر لَا يستجيب
لَهُ بِشَيْء فِي الدُّنْيَا وَلَا يَسُوق إِلَيْهِ خيرا وَلَا
يدْفع عَنهُ سوءا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت كَمثل هَذَا
الَّذِي يبسط ذِرَاعَيْهِ إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَلَا يبلغ
فَاه وَلَا يصل ذَلِك إِلَيْهِ حَتَّى يَمُوت عطشاً
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{وَالَّذين يدعونَ من دونه} الْآيَة
قَالَ: الرجل يقْعد على شفة الْبِئْر فيبسط كفيه إِلَى قَعْر
الْبِئْر ليتناول بهما فيده لَا تبلغ المَاء وَالْمَاء لَا
ينزو إِلَى يَده فَكَذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ مَا كَانُوا يدعونَ
من دون الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بكير بن مَعْرُوف - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: لما قتل قابيل أَخَاهُ جعله الله بناصيته فِي
الْبَحْر لَيْسَ بَينه وَبَين المَاء إِلَّا أصْبع وَهُوَ يجد
برد المَاء من تَحت قَدَمَيْهِ وَلَا يَنَالهُ
وَذَلِكَ قَول الله {إِلَّا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ
فَاه وَمَا هُوَ ببالغه} فَإِذا كَانَ الصَّيف ضرب عَلَيْهِ
سبع حيطان من سموم وَإِذا كَانَ الشتَاء ضرب عَلَيْهِ سبع
حيطان من ثلج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي
قَوْله {كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه} قَالَ: هَذَا مثل
الْمُشرك الَّذِي عبد مَعَ الله غَيره فَمثله كَمثل الرجل
العطشان الَّذِي ينظر إِلَى خياله فِي المَاء من بعيد هُوَ
يُرِيد أَن يتَنَاوَلهُ وَلَا يقدر عَلَيْهِ
الْآيَة 15
(4/629)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد -
رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ الطائع الْمُؤمن والكاره
ظلّ الْكَافِر
(4/629)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَللَّه يسْجد من فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وظلالهم بالغدوّ
وَالْآصَال} قَالَ: ظلّ الْمُؤمن يسْجد {طَوْعًا} وَهُوَ طائع
لله وظل الْكَافِر يسْجد {كرها} وَهُوَ كَارِه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَللَّه يسْجد من فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} قَالَ: أما الْمُؤمن
فَيسْجد طَائِعا
وَأما الْكَافِر فَيسْجد كَارِهًا يسْجد ظله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: الطائع الْمُؤمن
والكاره ظلّ الْكَافِر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: يسْجد من فِي السَّمَوَات طَوْعًا وَمن فِي
الأَرْض طَوْعًا وَكرها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: من دخل طَائِعا هَذَا طَوْعًا
وَكرها: من لم يدْخل إِلَّا بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُنْذر قَالَ: كَانَ ربيع بن خَيْثَم إِذا سجد فِي سَجْدَة
الرَّعْد قَالَ: بل طَوْعًا يَا رَبنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال}
يَعْنِي حِين يفِيء ظلّ أحدهم عَن يَمِينه أَو شِمَاله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال} قَالَ: ذكر
لنا أَن ظلال الْأَشْيَاء كلهَا تسْجد لله وَقَرَأَ (سجدا لله
وهم داخرون) (سُورَة النَّحْل آيَة 48) قَالَ: تِلْكَ الظلال
تسْجد لله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال} قَالَ:
ظلّ الْكَافِر يُصَلِّي وَهُوَ لَا يُصَلِّي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ -
فِي الْآيَة قَالَ: إِذا طلعت الشَّمْس يسْجد ظلّ كل شَيْء
نَحْو الْمغرب
فَإِذا زَالَت الشَّمْس سجد ظلّ كل شَيْء نَحْو الْمشرق حَتَّى
تغيب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَنه
سُئِلَ عَن قَوْله {وظلالهم} قَالَ: أَلا ترى إِلَى الْكَافِر
فَإِن ظلاله جسده كُله أعضاؤه لله مطيعة غير قلبه
الْآيَة 16
(4/630)
قُلْ مَنْ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ
مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ
نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى
وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ
أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ
فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا نَكُون عنْدك
على حَال فَإِذا فارقناك كُنَّا على غَيره فنخاف أَن يكون
ذَلِك النِّفَاق
قَالَ: كَيفَ أَنْتُم وربكم قَالُوا: الله رَبنَا فِي السِّرّ
وَالْعَلَانِيَة
قَالَ: كَيفَ أَنْتُم ونبيكم قَالُوا: أَنْت نَبينَا فِي
السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
قَالَ: لَيْسَ ذاكم بالنفاق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير}
قَالَ: الْمُؤمن وَالْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {قل هَل
يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير أم هَل تستوي الظُّلُمَات
والنور} قَالَ: أما الْأَعْمَى والبصير فالكافر وَالْمُؤمن
وَأما الظُّلُمَات والنور فالهدى والضلال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه فتشابه
الْخلق عَلَيْهِم} قَالَ: {خلقُوا كخلقه} فحملهم ذَلِك على أَن
شكوا فِي الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه} قَالَ: ضربت
مثلا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله تَعَالَى {أم جعلُوا لله
شُرَكَاء خلقُوا كخلقه} قَالَ: فَأَخْبرنِي لَيْث بن أبي سليم
عَن ابْن مُحَمَّد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان عَن أبي بكر
إِمَّا حضر ذَلِك حُذَيْفَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَعَ أبي بكر وَإِمَّا حَدثهُ إِيَّاه أَبُو بكر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الشّرك فِيكُم أخْفى
من دَبِيب النَّمْل
قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله وَهل الشّرك إِلَّا مَا
عُبِدَ من دون الله أَو مَا دعِي مَعَ الله
قَالَ: ثكلتك أمك
الشّرك فِيكُم أخْفى من دَبِيب النَّمْل أَلا أخْبرك بقول يذهب
صغاره وكباره أَو قَالَ: لصغيره وكبيره قَالَ: بلَى
قَالَ: تَقول كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أشرك بك وَأَنا أعلم واستغفرك
لما لَا أعلم
والشرك أَن تَقول أَعْطَانِي الله وَفُلَان والند أَن يَقُول
الإِنسان: لَوْلَا فلَان قتلني فلَان
(4/631)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد
عَن معقل بن يسَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: انْطَلَقت مَعَ
أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَبَا بكر للشرك فِيكُم
أخْفى من دَبِيب النَّمْل فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله
عَنهُ - وَهل الشّرك إِلَّا من جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ للشرك فِيكُم أخْفى من دَبِيب النَّمْل أَلا أدلك على
شَيْء إِذا قلته ذهب قَلِيله وَكَثِيره قل اللَّهُمَّ إِنِّي
أعوذ بك أَن أشرك بك وَأَنا أعلم واستغفرك لما لَا أعلم
الْآيَات 17 - 18
(4/632)
أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ
عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ
زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ
وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا
مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا
لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ
لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ
مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء} الْآيَة
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى احتملت مِنْهُ الْقُلُوب
على قدر يقينها وشكها فَأَما الشَّك فَمَا ينفع مَعَه الْعَمَل
وَأما الْيَقِين فينفع الله بِهِ أَهله
وَهُوَ قَوْله {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء وَأما مَا ينفع
النَّاس فيمكث فِي الأَرْض} وَهُوَ الْيَقِين كَمَا يَجْعَل
الْحلِيّ فِي النَّار فَيُؤْخَذ خالصه بِهِ وَيتْرك خبيثه فِي
النَّار كَذَلِك يقبل الله تَعَالَى الْيَقِين وَيتْرك الشَّك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي
قَوْله {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: الصَّغِير قدر صغيره
وَالْكَبِير قدر كبيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي
(4/632)
الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله
تَعَالَى بَين الْحق وَالْبَاطِل يَقُول: احْتمل السَّيْل مَا
فِي الْوَادي من عود ودمنة وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ فِي
النَّار فَهُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة والحلية وَالْمَتَاع
النّحاس وَالْحَدِيد وللنحاس وَالْحَدِيد خبث فَجعل الله
تَعَالَى مثل خبثه كَمثل زبد المَاء فَأَما مَا ينفع النَّاس
فالذهب وَالْفِضَّة
وَأما مَا ينفع الأَرْض فَمَا شربت من المَاء فأنبتت
فَجعل ذَلِك مثل الْعَمَل الصَّالح الَّذِي يبْقى لأَهله
وَالْعَمَل السيء يضمحل من مَحَله فَمَا يذهب هَذَا الزّبد
فَذَلِك الْهدى وَالْحق جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى فَمن عمل
بِالْحَقِّ كَانَ لَهُ
وَمَا بَقِي كَمَا يبْقى مَا ينفع النَّاس فِي الأَرْض
وَكَذَلِكَ الْحَدِيد لَا يَسْتَطِيع أَن يعْمل مِنْهُ سكين
وَلَا سيف حَتَّى يدْخل النَّار فتأكل خبثه فَيخرج جيده فينتفع
بِهِ كَذَلِك يضمحل الْبَاطِل وَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة
وأقيم النَّاس وَعرضت الْأَعْمَال فيرفع الْبَاطِل وَيهْلك
وَينْتَفع أهل الْحق بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق السّديّ
عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح من طَرِيق مرّة عَن ابْن
مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فسالت أَوديَة
بِقَدرِهَا} الْآيَة
قَالَ: فَمر السَّيْل على رَأسه من التُّرَاب والغثاء حَتَّى
اسْتَقر فِي الْقَرار وَعَلِيهِ الزّبد فضربته الرّيح فَذهب
الزّبد جفَاء إِلَى جوانبه فيبس فَلم ينفع أحدا وَبَقِي المَاء
الَّذِي ينْتَفع بِهِ النَّاس فَشَرِبُوا مِنْهُ وَسقوا
أنعامهم
فَكَمَا ذهب الزّبد فَلم ينفع فَكَذَلِك الْبَاطِل يضمحل يَوْم
الْقِيَامَة فَلَا ينفع أَهله وكما نفع المَاء فَكَذَلِك ينفع
الْحق أَهله
هَذَا مثل ضربه الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء} قَالَ:
هَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر {فسالت
أَوديَة بِقَدرِهَا} حَتَّى جرى الْوَادي وامتلأ بِقدر مَا
يحمل {فَاحْتمل السَّيْل زبداً رابياً} قَالَ: زبد المَاء
{وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار} قَالَ: زبد مَا توقدون
عَلَيْهِ من ذَلِك حلية وَمَا سقط فَهُوَ مثل زبد المَاء
وَهُوَ مثل ضرب للحق وَالْبَاطِل
فَأَما خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وزبد المَاء فَهُوَ الْبَاطِل
وَمَا تصنعوا من الْحِلْية وَالْمَاء وَالْحَدِيد فَمثل الْحق
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: ضرب الله تَعَالَى مثل الْحق وَالْبَاطِل
فَضرب مثل الْحق السَّيْل الَّذِي يمْكث فِي الأَرْض فينتفع
(4/633)
النَّاس بِهِ
وَمثل الْبَاطِل مثل الزّبد الَّذِي لَا ينفع النَّاس
وَمثل الْحق مثل الْحلِيّ الَّذِي يَجْعَل فِي النَّار فَمَا
خلص مِنْهُ انْتفع بِهِ أَهله
وَمَا خبث مِنْهُ فَهُوَ مثل الْبَاطِل علم أَن لَا ينفع
الزّبد وخبث الْحلِيّ أَهله فَكَذَلِك الْبَاطِل لَا ينفع
أَهله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء
مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: الصَّغِير بصغره
وَالْكَبِير بكبره {فَاحْتمل السَّيْل زبداً رابياً} قَالَ:
عَالِيا {وَمِمَّا يوقدون} إِلَى قَوْله {فَيذْهب جفَاء}
والجفاء مَا يتَعَلَّق بِالشَّجَرِ {وَأما مَا ينفع النَّاس
فيمكث فِي الأَرْض} هَذِه ثَلَاثَة أَمْثَال ضربهَا الله
تَعَالَى فِي مثل وَاحِد يَقُول: كَمَا اضمحل هَذَا الزّبد
فَصَارَ جفَاء لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يُرْجَى بركته كَذَلِك
يضمحل الْبَاطِل عَن أَهله
وكما مكث هَذَا المَاء فِي الأَرْض فأمرعت وربت بركته وأخرجت
نباتها كَذَلِك يبْقى الْحق لأَهله
وَقَوله {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء
حلية} كَمَا يبْقى خَالص هَذَا الذَّهَب وَالْفِضَّة حِين
أَدخل النَّار كَذَلِك فَيذْهب خبثه كَذَلِك يبْقى الْحق
لأَهله
وكما اضمحل خبث هَذَا الذَّهَب وَالْفِضَّة حِين أَدخل فِي
النَّار كَذَلِك يضمحل الْبَاطِل عَن أَهله
وَقَوله {أَو مَتَاع زبد مثله} يَقُول: هَذَا الْحَدِيد
وَهَذَا الصفر حِين دخل النَّار وَذَهَبت بخبثه كَذَلِك يبْقى
الْحق لأَهله كَمَا بَقِي خالصهما
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: الْكَبِير بِقَدرِهِ
وَالصَّغِير بِقَدرِهِ {زبداً رابياً} قَالَ: رَبًّا فَوق
المَاء الزّبد {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار} قَالَ:
هُوَ الذَّهَب إِذا ادخل النَّار بَقِي صَفوه وَذهب مَا كَانَ
فِيهِ من كدر
وَهَذَا مثل ضربه الله للحق وَالْبَاطِل {فَأَما الزّبد
فَيذْهب جفَاء} يتَعَلَّق بِالشَّجَرِ وَلَا يكون شَيْئا هَذَا
مثل الْبَاطِل {وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض}
هَذَا يخرج النَّبَات وَهَذَا مثل الْحق {أَو مَتَاع زبد مثله}
قَالَ: الْمَتَاع الصفر وَالْحَدِيد
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت
أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: بملئها مَا أطاقت {فَاحْتمل
السَّيْل زبداً رابياً} قَالَ: انْقَضى الْكَلَام ثمَّ
اسْتقْبل فَقَالَ {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار
ابْتِغَاء حلية أَو مَتَاع زبد مثله} قَالَ: الْمَتَاع
الْحَدِيد والنحاس والرصاص وأشباهه {زبد مثله} قَالَ: خبث
ذَلِك
(4/634)
الْحَدِيد والحلية مثل زبد السَّيْل {وَأما
مَا ينفع النَّاس} من المَاء {فيمكث فِي الأَرْض} وَأما الزّبد
{فَيذْهب جفَاء} قَالَ: جموداً فِي الأَرْض قَالَ فَكَذَلِك
مثل الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من
السَّمَاء مَاء} الْآيَة
قَالَ: ابْتِغَاء حلية الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو مَتَاع الصفر
وَالْحَدِيد
قَالَ: كَمَا أوقد على الذَّهَب وَالْفِضَّة والصفر
وَالْحَدِيد فخلص خالصه كَذَلِك بَقِي الْحق لأَهله فانتفعوا
بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عُيَيْنَة - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت أَوديَة
بِقَدرِهَا} قَالَ: أنزل من السَّمَاء قُرْآنًا فاحتمله عقول
الرِّجَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {للَّذين اسْتَجَابُوا لرَبهم الْحسنى} قَالَ:
الْحَيَاة والرزق
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {للَّذين اسْتَجَابُوا لرَبهم الْحسنى}
قَالَ: هِيَ الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن فرقد السبخي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ
لي شهر بن حَوْشَب - رَضِي الله عَنهُ - {سوء الْحساب} أَن لَا
يتَجَاوَز لَهُ عَن شَيْء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن
فرقد السبخي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: يَا فرقد أَتَدْرِي مَا سوء
الْحساب قلت: لَا
قَالَ: هُوَ أَن يُحَاسب الرجل بِذَنبِهِ كُله لَا يغْفر لَهُ
مِنْهُ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: {سوء الْحساب} أَن يُؤْخَذ العَبْد بذنوبه
كلهَا وَلَا يغْفر لَهُ مِنْهَا ذَنْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الجوزاء - رَضِي الله
عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ {سوء الْحساب} المناقشة فِي
الْأَعْمَال
الْآيَة 19
(4/635)
أَفَمَنْ يَعْلَمُ
أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ
أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{أَفَمَن يعلم أَنما أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق} قَالَ:
هَؤُلَاءِ قوم انتفعوا بِمَا سمعُوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه
{كمن هُوَ أعمى} قَالَ: عَن الْحق فَلَا يبصروه وَلَا يعقله
{إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب} فَبين من هم فَقَالَ:
{الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {أولُوا الْأَلْبَاب} يَعْنِي من كَانَ لَهُ لب
أَو عقل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: إِنَّمَا عَاتب الله تَعَالَى أولي الْأَلْبَاب
لِأَنَّهُ يُحِبهُمْ
وَوجدت ذَلِك فِي آيَة من كتاب الله تَعَالَى {إِنَّمَا
يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب}
الْآيَات 20 - 21
(4/636)
الَّذِينَ يُوفُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق}
فَعَلَيْكُم بِالْوَفَاءِ بالعهد وَلَا تنقضوا الْمِيثَاق
فَإِن الله قد نهى عَنهُ وَقدم فِيهِ أَشد التقدمة وَذكره فِي
بضع وَعشْرين آيَة
نصيحة لكم وتقدمة إِلَيْكُم وَحجَّة عَلَيْكُم وَإِنَّمَا تعظم
الْأُمُور بِمَا عظمها الله عِنْد أهل الْفَهم وَأهل الْعقل
وَأهل الْعلم بِاللَّه وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي خطبَته لَا إِيمَان لمن لَا
أَمَانَة لَهُ وَلَا دين لمن لَا عهد لَهُ
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أَن الْبر وَالصَّبْر ليخففان سوء الْعَذَاب يَوْم
الْقِيَامَة ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويخشون رَبهم
وَيَخَافُونَ سوء الْحساب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير -
رَضِي الله عَنهُ - فِي
(4/636)
قَوْله {وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله
بِهِ أَن يُوصل} يَعْنِي من إِيمَان بالنبيين وبالكتب كلهَا
{ويخشون رَبهم} يَعْنِي يخَافُونَ فِي قَطْعِيَّة مَا أَمر
الله بِهِ أَن يُوصل {وَيَخَافُونَ سوء الْحساب} يَعْنِي شدَّة
الْحساب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ
أَن يُوصل} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يَقُول: اتَّقوا الله وصلوا الْأَرْحَام فَإِنَّهُ
أبقى لكم فِي الدُّنْيَا وَخير لكم فِي الْآخِرَة وَذكر لنا
أَن رجلا من خثعم أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تزْعم أَنَّك رَسُول
الله قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله قَالَ: الايمان
بِاللَّه
قَالَ: ثمَّ مَاذَا قَالَ: صلَة الرَّحِم وَكَانَ عبد الله بن
عَمْرو يَقُول: إِن الْحَلِيم لَيْسَ من ظلم ثمَّ حلم حَتَّى
إِذا هيجه قوم اهتاج وَلَكِن الْحَلِيم من قدر ثمَّ عَفا وَإِن
الْوُصُول لَيْسَ من وصل ثمَّ وصل فَتلك مجازاة وَلَكِن
الْوُصُول من قطع ثمَّ وصل وَعطف على من لَا يصله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
جريج فِي قَوْله (ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل)
قَالَ: بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِذا لم تمش إِلَى ذِي رَحِمك برجلك وَلم تعطه من مَالك فقد
قطعته
الْآيَات 22 - 24
(4/637)
وَالَّذِينَ صَبَرُوا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً
وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ
عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ
صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ
(23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى
الدَّارِ (24)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد
بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين
صَبَرُوا} يَعْنِي على أَمر الله {ابْتِغَاء وَجه رَبهم}
يَعْنِي ابْتِغَاء رضَا رَبهم {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} يَعْنِي
وأتموها {وأنفقوا من مَا رَزَقْنَاهُمْ} يَعْنِي من
الْأَمْوَال {سرا وَعَلَانِيَة} يَعْنِي فِي حق الله وطاعته
{ويدرؤون} يَعْنِي يدْفَعُونَ {بِالْحَسَنَة السَّيئَة}
يَعْنِي يردون مَعْرُوفا على من يسيء إِلَيْهِم {أُولَئِكَ
لَهُم عُقبى الدَّار} يَعْنِي دَار الْجنَّة
(4/637)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي
الله عَنهُ - {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} قَالَ:
يدْفَعُونَ بِالْحَسَنَة السَّيئَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} قَالَ: يدْفَعُونَ
الشَّرّ بِالْخَيرِ لَا يكافئون الشَّرّ بِالشَّرِّ وَلَكِن
يدفعونه بِالْخَيرِ
أما قَوْله تَعَالَى: {جنَّات عدن}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد
الله بن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة قصراً يُقَال
لَهُ عدن حوله البروج والمروج لَهُ خَمْسَة آلَاف بَاب عِنْد
كل بَاب خَمْسَة آلَاف حيرة لَا يدْخلهُ أَو لَا يسكنهُ إِلَّا
نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو امام عَادل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأَ
عمر - رَضِي الله عَنهُ - على الْمِنْبَر {جنَّات عدن}
فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ مَا جنَّات عدن قصر
فِي الْجنَّة لَهُ عشرَة آلَاف بَاب على كل بَاب خَمْسَة
وَعِشْرُونَ ألفا من الْحور الْعين لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي
أَو صديق أَو شَهِيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وهناد
وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ:
بطْنَان الْجنَّة يَعْنِي وَسطهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: {جنَّات عدن} وَمَا يدْريك مَا جنَّات عدن
قَالَ: قصر من ذهب لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو
شَهِيد أَو حكم عدل
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: مَدِينَة وسط
الْجنَّة فِيهَا الرُّسُل الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وأئمة
الْهدى وَالنَّاس حَولهمْ بعد والجنات حولهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَن عمر
قَالَ لكعب: مَا عدن قَالَ: هُوَ قصر فِي الْجنَّة لَا يدْخلهُ
إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو حكم عدل
(4/638)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جنَّة عدن قضيب
غرسه الله بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: كن فَكَانَ
أما قَوْله تَعَالَى: {يدْخلُونَهَا وَمن صلح من آبَائِهِم}
الْآيَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: يدْخل الرجل الْجنَّة فَيَقُول:
أَيْن أُمِّي أَيْن وَلَدي أَيْن زَوْجَتي
فَيُقَال: لم يعملوا مثل عَمَلك
فَيَقُول: كنت أعمل لي وَلَهُم ثمَّ قَرَأَ {جنَّات عدن
يدْخلُونَهَا وَمن صلح} يَعْنِي من آمن بِالتَّوْحِيدِ بعد
هَؤُلَاءِ {من آبَائِهِم وأزواجهم وذرياتهم} يدْخلُونَ مَعَهم
{وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب} قَالَ:
يدْخلُونَ عَلَيْهِم على مِقْدَار كل يَوْم من أَيَّام
الدُّنْيَا ثَلَاث مَرَّات مَعَهم التحف من الله مَا لَيْسَ
لَهُم فِي جنَّات عدن يَقُولُونَ لَهُم: {سَلام عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ} يَعْنِي على أَمر الله تَعَالَى {فَنعم
عُقبى الدَّار} يَعْنِي دَار الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ
- {وَمن صلح من آبَائِهِم} قَالَ: من آمن فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: علم الله تَعَالَى أَن الْمُؤمن يحب أَن يجمع
الله تَعَالَى لَهُ أَهله وشمله فِي الدُّنْيَا فَأحب أَن
يجمعهُمْ لَهُ فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ -
أَنه قَرَأَ {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا وَمن صلح} حَتَّى ختم
الْآيَة قَالَ: إِنَّه لفي خيمة من درة مجوفة لَيْسَ فِيهَا
صدع وَلَا وصل طولهَا فِي الْهَوَاء سِتُّونَ ميلًا فِي كل
زَاوِيَة مِنْهَا أهل وَمَال
لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع من ذهب يقوم على كل بَاب مِنْهَا
سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة مَعَ كل ملك هَدِيَّة من
الرَّحْمَن لَيْسَ مَعَ صَاحبه مثلهَا لَا يصلونَ إِلَيْهِ
إِلَّا بِإِذن بَينه وَبينهمْ حجاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: أخس أهل الْجنَّة منزلا يَوْم الْقِيَامَة
لَهُ قصر من درة جوفاء فِيهَا سَبْعَة آلَاف غرفَة لكل غرفَة
سَبْعُونَ ألف بَاب يدْخل عَلَيْهِ من كل بَاب سَبْعُونَ ألفا
من الْمَلَائِكَة بالتحية وَالسَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن أبي عمرَان
(4/639)
الْجونِي - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ: على دينكُمْ {فَنعم
عُقبى الدَّار} قَالَ: فَنعم مَا أعقبكم الله تَعَالَى من
الدُّنْيَا الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ}
قَالَ: صَبَرُوا على فضول الدُّنْيَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن نصر الْحَارِثِيّ -
رَضِي الله عَنهُ - {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ:
على الْفقر فِي الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول من يدْخل الْجنَّة من خلق الله
تَعَالَى فُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين تسد بهم الثغور وتتقى
بهم المكاره وَيَمُوت أحدهم وَحَاجته فِي صَدره لَا يَسْتَطِيع
لَهَا قَضَاء فَيَقُول الله تَعَالَى لمن يَشَاء من
الْمَلَائِكَة: ائتوهم فحيوهم
فَتَقول الْمَلَائِكَة: رَبنَا نَحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك
أفتأمرنا أَن نأتي هَؤُلَاءِ فنسلم عَلَيْهِم
قَالَ الله تَعَالَى: إِن هَؤُلَاءِ عبَادي كَانُوا يعبدونني
فِي الدُّنْيَا وَلَا يشركُونَ بِي شَيْئا وتسد بهم الثغور
وتتقى بهم المكاره وَيَمُوت أحدهم وَحَاجته فِي صَدره لَا
يَسْتَطِيع لَهَا قَضَاء فتأتيهم الْمَلَائِكَة عِنْد ذَلِك
فَيدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب {سَلام عَلَيْكُم بِمَا
صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: إِن الْمُؤمن ليَكُون مُتكئا على أريكته
إِذا دخل الْجنَّة وَعِنْده سماطان من خدم وَعند طرف السماطين
بَاب مبوّب فَيقبل الْملك فيستأذن فَيَقُول أقْصَى الخدم
للَّذي يَلِيهِ: ملك يسْتَأْذن وَيَقُول الَّذِي يَلِيهِ
للَّذي يَلِيهِ: ملك يسْتَأْذن حَتَّى يبلغ الْمُؤمن فَيَقُول:
ائذنوا لَهُ
فَيَقُول أقربهم إِلَى الْمُؤمن: ائذنوا
وَيَقُول الَّذِي يَلِيهِ للَّذي يَلِيهِ: ائذنوا حَتَّى تبلغ
أَقْصَاهُم الَّذِي عِنْد الْبَاب فَيفتح لَهُ فَيدْخل فَيسلم
عَلَيْهِ ثمَّ ينْصَرف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس - رَضِي الله
عَنهُ -: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يَأْتِي أحدا كل عَام فَإِذا تفوّه الشّعب سلم على قُبُور
الشُّهَدَاء فَقَالَ {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم
عُقبى الدَّار}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: كَانَ النَّبِي
(4/640)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي قُبُور
الشُّهَدَاء على رَأس كل حول فَيَقُول {سَلام عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} وَأَبُو بكر وَعمر
وَعُثْمَان
الْآيَات 25 - 26
(4/641)
وَالَّذِينَ
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ
إِلَّا مَتَاعٌ (26)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَيْمُون بن
مهْرَان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ لي عمر بن عبد
الْعَزِيز - رَضِي الله عَنهُ -: لَا تؤاخين قَاطع رحم
فَإِنِّي سَمِعت الله لعنهم فِي سورتين: فِي سُورَة
الرَّعْد وَسورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَلَهُم سوء الدَّار} قَالَ: سوء
الْعَاقِبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
عبد الرَّحْمَن بن سابط - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا مَتَاع}
قَالَ: كَانَ الرجل يخرج فِي الزَّمَان الأول فِي إبِله
أَو غنمه فَيَقُول لأَهله: متعوني
فيمتعونه فلقلة الْخبز أَو التَّمْر
فَهَذَا مثل ضربه الله للدنيا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِلَّا مَتَاع} قَالَ: قَلِيل
ذَاهِب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن
مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ نَام رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على حَصِير فَقَامَ وَقد أثر فِي جنبه
فَقُلْنَا يَا رَسُول الله لَو اتخذنا لَك
فَقَالَ: مَا لي وللدنيا
مَا أَنا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كراكب استظل تَحت شَجَرَة
ثمَّ رَاح وَتركهَا
الْآيَات 27 - 29
(4/641)
وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ
قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ
مَآبٍ (29)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{وَيهْدِي إِلَيْهِ من أناب} أَي من تَابَ
وَفِي قَوْله {وتطمئن قُلُوبهم بِذكر الله} قَالَ: هشت
إِلَيْهِ واستأنست بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ -
{الَّذين آمنُوا وتطمئن قُلُوبهم بِذكر الله} يَقُول: إِذا
حلف لَهُم بِاللَّه صدقُوا {أَلا بِذكر الله تطمئِن
الْقُلُوب} قَالَ: تسكن الْقُلُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَلا بِذكر الله تطمئِن
الْقُلُوب} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَصْحَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لأَصْحَابه حِين نزلت هَذِه الْآيَة {أَلا بِذكر الله
تطمئِن الْقُلُوب} : هَل تَدْرُونَ مَا معنى ذَلِك
قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: من أحب الله وَرَسُوله أحب أَصْحَابِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت هَذِه
الْآيَة {أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب} قَالَ: ذَاك
من أحب الله وَرَسُوله وَأحب أهل بَيْتِي صَادِقا غير
كَاذِب وَأحب الْمُؤمنِينَ شَاهدا وغائباً أَلا بِذكر الله
يتحابون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: فَرح وقرة عين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: نعم مَا
لَهُم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: غِبْطَة
لَهُم
(4/642)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي اللله عَنهُ - فِي
قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: حسنى لَهُم
وَهِي كلمة من كَلَام الْعَرَب
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: هَذِه كلمة عَرَبِيَّة
يَقُول الرجل طُوبَى لَك أَي أَحْبَبْت خيرا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ:
الْخَيْر والكرامة الَّذِي أَعْطَاهُم الله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ طُوبَى اسْم الْجنَّة بالحبشية
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- قَالَ: لما خلق الله الْجنَّة وَفرغ مِنْهَا قَالَ
{الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات طُوبَى لَهُم
وَحسن مآب} وَذَلِكَ حِين أَعْجَبته
وَأخرج جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن مسجوح - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ {طُوبَى} اسْم الْجنَّة بالهندية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ {طُوبَى} اسْم الْجنَّة بالهندية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: {طُوبَى}
اسْم شَجَرَة فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة
الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {طُوبَى}
شَجَرَة فِي الْجنَّة يَقُول الله تَعَالَى لَهَا: تفتقي
لعبدي عَمَّا شَاءَ
فتنفتق لَهُ عَن الْخَيل بسروجها ولجمها وَعَن الإِبل
برحالها وَأَزِمَّتهَا وَعَما شَاءَ من الْكسْوَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مُعَاوِيَة بن قُرَّة - رَضِي
الله عَنهُ - عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: طُوبَى شَجَرَة غرسها الله تَعَالَى
بِيَدِهِ وَنفخ فِيهَا من
(4/643)
روحه تنْبت بالحلى وَالْحلَل وَإِن
أَغْصَانهَا لترى من وَرَاء سور الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث والنشور عَن عتبَة بن عبد - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله فِي الْجنَّة فَاكِهَة
قَالَ: نعم فِيهَا شَجَرَة تدعى طُوبَى هِيَ نطاق الفردوس
قَالَ: قَالَ أَي شجر أَرْضنَا تشبه قَالَ: لَيْسَ تشبه
شَيْئا من شجر أَرْضك
وَلَكِن أتيت الشَّام قَالَ: لَا
قَالَ: فَإِنَّهَا تشبه شَجَرَة بِالشَّام تدعى الجوزة
تنْبت على سَاق وَاحِد ثمَّ ينشر أَعْلَاهَا
قَالَ: مَا عظم أَصْلهَا قَالَ: لَو ارتحلت جَذَعَة من إبل
أهلك مَا أحطت بأصلها حَتَّى تنكسر ترقوتاها هرماً
قَالَ فَهَل فِيهَا عِنَب قَالَ: نعم
قَالَ: مَا عظم العنقود مِنْهُ قَالَ: مسيرَة شهر للغراب
الأبقع
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول
الله طُوبَى لمن رآك وآمن بك قَالَ: {طُوبَى} لمن رَآنِي
وآمن وطوبى ثمَّ طُوبَى لمن آمن بِي وَلم يرني
قَالَ رجل: وَمَا طُوبَى
قَالَ: شَجَرَة فِي الْجنَّة مسيرَة مائَة عَام تخرج من
اكمامها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي صفة الْجنَّة وَابْن أبي حَاتِم
عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد
يدْخل الْجنَّة إِلَّا انْطلق بِهِ إِلَى طُوبَى فتنفتح
لَهُ أكمامها فَيَأْخُذ لَهُ من أَي ذَلِك شَاءَ
إِن شَاءَ أَبيض وَإِن شَاءَ أَحْمَر وَإِن شَاءَ أَخْضَر
وَإِن شَاءَ أصفر وَإِن شَاءَ أسود
مثل شقائق النُّعْمَان وأرق وَأحسن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: شَجَرَة فِي الْجنَّة أَصْلهَا فِي حجرَة
عَليّ وَلَيْسَ فِي الْجنَّة حجرَة إِلَّا وفيهَا غُصْن من
أَغْصَانهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر
رجل من أهل الشَّام قَالَ: إِن رَبك أَخذ لؤلؤة فوضعها
ثمَّ دملجها ثمَّ فرشها وسط الْجنَّة فَقَالَ لَهَا امتدي
حَتَّى تبلغي مرضاتي
فَفعلت ثمَّ أَخذ شَجَرَة فغرسها وسط اللؤلؤة ثمَّ قَالَ
لَهَا: امتدي فَفعلت فَلَمَّا اسْتَوَت تَفَجَّرَتْ من
أُصُولهَا أَنهَار الْجنَّة وَهِي طُوبَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فرقد السبخي - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: أوحى الله
(4/644)
إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ
السَّلَام فِي الإِنجيل: يَا عِيسَى جد فِي أَمْرِي وَلَا
تهزل واسمع قولي وأطع أَمْرِي
يَا ابْن الْبكر البتول إِنِّي خلقتك من غير فَحل وجعلتك
وأمك آيَة للْعَالمين فإياي فاعبدْ وَعلي ّفتوكل وَخذ
الْكتاب بِقُوَّة
قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَي رب أَي كتاب آخذ
بقوّة
قَالَ: خُذ كتاب الإِنجيل بقوّة ففسره لأهل السريانية
وَأخْبرهمْ إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا
الْحَيّ القيوم البديع الدَّائِم الَّذِي لَا زَوَال لَهُ
فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي
يكون فِي آخر الزَّمَان فصدقوه واتبعوه صَاحب الْجمل
والمدرعة والهراوة والتاج الانجل الْعين المقرون الحاجبين
صَاحب الكساء الَّذِي إِنَّمَا نَسْله من الْمُبَارَكَة -
يَعْنِي خَدِيجَة - يَا عِيسَى لَهَا بَيت من لُؤْلُؤ من
قصب موصل بِالذَّهَب لَا يسمع فِيهِ أَذَى وَلَا نصب لَهَا
ابْنة - يَعْنِي فَاطِمَة وَلها ابْنَانِ فيستشهدان -
يَعْنِي الْحسن وَالْحُسَيْن - طُوبَى لمن سمع كَلَامه
وَأدْركَ زَمَانه وَشهد أَيَّامه
قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب وَمَا طُوبَى
قَالَ: شَجَرَة فِي الْجنَّة أَنا غرستها بيَدي وأسكنتها
ملائكتي أَصْلهَا من رضوَان وماؤها من تسنيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ {طُوبَى} فِي الْجنَّة حملهَا
مِثَال ثدي النِّسَاء فِيهِ حلل أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء وَابْن أبي حَاتِم
عَن خَالِد بن معدان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي
الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهُ طُوبَى ضروع كلهَا ترْضع
صبيان أهل الْجنَّة فَمن مَاتَ من الصّبيان الَّذين يرضعون
رضع من طُوبَى وأنّ سقط الْمَرْأَة يكون فِي نهر من
أَنهَار الْجنَّة يتقلب فِيهِ حَتَّى تقوم الْقِيَامَة
فيبعث ابْن أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن شهر بن حَوْشَب
قَالَ {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة كل شَجَرَة فِي
الْجنَّة مِنْهَا أَغْصَانهَا من وَرَاء سور الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة
يُقَال لَهَا طُوبَى يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام
مَا يقطعهَا زهرها رياط وورقها برود وقضبانها عنبر
وبطحاؤها ياقوت وترابها كافور ووحلها مسك يخرج من أَصْلهَا
أَنهَار الْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل وَهِي مجْلِس من
مجَالِس أهل الْجنَّة ومتحدث بَينهم
فَبَيْنَمَا هم فِي مجلسهم إذْ أَتَتْهُم مَلَائِكَة من
رَبهم يقودون خيماً مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح
من حسنها
(4/645)
ووبرها كخد المرعزي من لينه عَلَيْهَا رحال
ألواحها من ياقوت ودفوفها من ذهب وثيابها من سندس واستبرق
فينيخونها وَيَقُولُونَ: رَبنَا أرسلنَا إِلَيْكُم لتزوره
فيركبوها فَهِيَ أسْرع من الطَّائِر واوطأ من الْفراش
نجباء من غير مهنة يسير الرجل إِلَى جنب أَخِيه وَهُوَ
يكلمهُ ويناجيه لَا يُصِيب إِذن رَاحِلَة مِنْهَا إِذن
صاحبتها وَلَا تزل رَاحِلَة بزلل صاحبتها حَتَّى أَن
الشَّجَرَة لتنحى عَن طرقهم لِئَلَّا يفرق بَين الرجل
وأخيه
فَيَأْتُونَ إِلَى الرَّحْمَن الرَّحِيم فيسفر لَهُم عَن
وَجهه الْكَرِيم حَتَّى ينْظرُوا إِلَيْهِ فَإِذا رَأَوْهُ
قَالُوا: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام وَحقّ
لَك الْجلَال وَالْإِكْرَام
وَيَقُول عز وَجل عِنْد ذَلِك: أَنا السَّلَام ومني
السَّلَام وَعَلَيْكُم حقت رَحْمَتي ومحبتي مرْحَبًا
بعبادي الَّذين خشوني بِالْغَيْبِ وأطاعوا أَمْرِي
فَيَقُولُونَ: رَبنَا إِنَّا لم نعبدك حق عبادتك وَلم
نقدرك حق قدرك فَأذن لنا فِي السُّجُود قدامك
فَيَقُول الله عز وَجل: إِنَّهَا لَيست بدار نصب وَلَا
عبَادَة وَلكنهَا دَار ملك ونعيم وَإِنِّي قد رفعت عَنْكُم
نصب الْعِبَادَة فسلوني مَا شِئْتُم فَإِن لكل رجل مِنْكُم
أمْنِيته
فيسألونه حَتَّى إِن أقصرهم أُمْنِية ليقول: ربّ تنافس أهل
الدُّنْيَا فِي دنياهم فتضايقوا فِيهَا
ربّ فائتني كل شَيْء كَانُوا فِيهِ من يَوْم خلقتها إِلَى
أَن انْتَهَت الدُّنْيَا فَيَقُول الله عز وَجل: لقد قصرت
بك أمنيتك وَلَقَد سَأَلت دون منزلتك هَذَا لَك مني
وسأتحفك بمنزلتي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عطائي نكد وَلَا
تصريد ثمَّ يَقُول: اعرضوا على عبَادي مَا لم تبلغ أمانيهم
وَلم يخْطر على بَال
فيعرضون عَلَيْهِم حَتَّى تقصر بهم أمانيهم الَّتِي فِي
أنفسهم فَيكون فِيمَا يعرضون عَلَيْهِم: براذين مقرنة على
كل أَرْبَعَة مِنْهُم سَرِير من ياقوتة وَاحِدَة على كل
مِنْهَا قبَّة من ذهب مفرغة فِي كل قبَّة مِنْهَا فرش من
فرش الْجنَّة مُظَاهرَة فِي كل قبَّة مِنْهَا جاريتان من
الْحور الْعين على كل جَارِيَة مِنْهُنَّ ثَوْبَان من
ثِيَاب الْجنَّة وَلَيْسَ فِي الْجنَّة ألوان إِلَّا
وَهُوَ فيهمَا وَلَا ريح طيبَة إِلَّا وَقد عبقتا بِهِ
ينفذ ضوء وُجُوههمَا غلظ الْقبَّة حَتَّى يظنّ من يراهما
أَنَّهُمَا من دون الْقبَّة يرى مخهما من فَوق أسرتهمَا
كالسلك الْأَبْيَض من ياقوتة حَمْرَاء يريان لَهُ من
الْفضل على صاحبته كفضل الشَّمْس على الْحِجَارَة أَو أفضل
وَيرى هُوَ لَهما مثل ذَلِك ثمَّ يدْخل إِلَيْهِمَا
فيجيئآنه ويقبلانه ويعانقانه ويقولان لَهُ: وَالله مَا
ظننا أَن الله يخلق مثل ذَلِك
ثمَّ يَأْمر الله تَعَالَى الْمَلَائِكَة فيسيرون بهم صفا
فِي الْجنَّة حَتَّى يَنْتَهِي كل رجل مِنْهُم إِلَى منزله
الَّذِي أعد لَهُ
(4/646)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن
وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - عَن مُحَمَّد بن
عَليّ بن الْحُسَيْن بن فَاطِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال
لَهَا طُوبَى لَو يسير الرَّاكِب الْجَواب فِي ظلها لسار
فِيهِ مائَة عَام قبل أَن يقطعهُ وورقها برود خضر وزهرها
رياط صفر وأقتادها سندس واستبرق وَثَمَرهَا حلل خضر وصمغها
زنجبيل وَعسل وبطحاؤها ياقوت أَحْمَر وزمرد أَخْضَر
وترابها مسك وَعَنْبَر وكافور أصفر وحشيشها زعفران منبع
والأجوج ناججان فِي غير وقود ينفجر من أَصْلهَا
أنهارها السلسبيل والمعين فِي الرَّحِيق وظلها مجْلِس من
مجَالِس أهل الْجنَّة يألفونه ومتحدث يجمعهُمْ
فَبَيْنَمَا هم يَوْمًا فِي ظلها يتحدثون إِذْ جَاءَتْهُم
مَلَائِكَة يقودون نجباً جبلت من الْيَاقُوت ثمَّ نفخ
فِيهَا الرّوح مزمومة بسلاسل من ذهب كَأَن وجوهها المصابيح
نضارة وبرها خَز أَحْمَر ومرعز أَحْمَر يخترطان
لم ينظر الناظرون إِلَى مثله حسنا وبهاء وَلَا من غير
مهانة عَلَيْهَا رحال ألواحها من الدّرّ والياقوت مفضضة
بِاللُّؤْلُؤِ والمرجان فأناخوا إِلَيْهِم تِلْكَ النجائب
ثمَّ قَالُوا لَهُم: ربكُم يقرئكم السَّلَام ويستزيركم
لتنظروا إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْكُم وتحيونه ويحييكم
وتكلمونه ويكلمكم ويزيدكم من فَضله وسعته إِنَّه ذُو
رَحْمَة وَاسِعَة وَفضل عَظِيم
فتحوّل كل رجل مِنْهُم على رَاحِلَته حَتَّى انْطَلقُوا
صفا وَاحِدًا معتدلاً لَا يفوت مِنْهُ شَيْء وَلَا يفوت
اذن نَاقَة إِذن صاحبتها وَلَا بركَة نَاقَة بركَة
صَاحبهَا وَلَا يَمرونَ بشجرة من أَشجَار الْجنَّة إِلَّا
أتحفتهم بثمرها ورجلت لَهُم عَن طريقها كَرَاهِيَة أَن
تثلم صفهم أَو تفرق بَين رجل ورفيقه
فَلَمَّا دفعُوا إِلَى الْجَبَّار تَعَالَى سفر لَهُم عَن
وَجهه الْكَرِيم وتجلى لَهُم فِي عَظمته الْعَظِيم يحييهم
بِالسَّلَامِ
فَقَالُوا: رَبنَا أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام لَك حق
الْجلَال والإِكرام
قَالَ لَهُم رَبهم: أَنا السَّلَام ومني السَّلَام ولي حق
الْجلَال وَالْإِكْرَام فمرحبا بعبادي الَّذين حفظوا وصيتي
ورعوا عهدي وخافوني بِالْغَيْبِ وَكَانُوا مني على كل حَال
مشفقين
قَالُوا: أما وَعزَّتك وعظمتك وجلالك وعلو مَكَانك مَا
قدرناك حق قدرك وَلَا أدينا إِلَيْك كل حَقك فَأذن لنا
بِالسُّجُود لَك
قَالَ لَهُم رَبهم: إِنِّي قد وضعت عَنْكُم مُؤنَة
الْعِبَادَة وأرحت لكم أبدانكم طالما نصبتم لي الْأَبدَان
وأعنتم لي الْوُجُوه فَالْآن أَفَضْتُم إِلَى روحي ورحمتي
وكرامتي وطولي وَجَلَالِي وعلو مَكَاني وعظمة شأني
فَمَا يزالون فِي الْأَمَانِي والعطايا والمواهب حَتَّى
أَن المقصر مِنْهُم فِي أمْنِيته ليتمنى مثل
(4/647)
جَمِيع الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خلقهَا
الله تَعَالَى إِلَى يَوْم يفنيها
قَالَ لَهُم رَبهم: لقد قصرتم فِي أمانيكم ورضيتم بِدُونِ
مَا يحِق لكم فقد أوجبت لكم مَا سَأَلْتُم وتمنيتم وألحقت
بكم وزدتكم مَا قصرت عَنهُ أمانيكم
فانظروا إِلَى مواهب ربكُم الَّتِي وهبكم
فَإِذا بقباب فِي الرفيق الْأَعْلَى وغرف مَبْنِيَّة من
الدّرّ والمرجان أَبْوَابهَا من ذهب وسررها من ياقوت
وفرشها من سندس واستبرق ومنابرها من نور يفور من
أَبْوَابهَا وأعراصها نور مثل شُعَاع الشَّمْس عِنْده مثل
الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي النَّهَار المضيء وَإِذا بقصور
شامخة فِي أَعلَى عليين من الْيَاقُوت يزهر نورها
فلولا أَنه مسخر إِذن لالتمع الْأَبْصَار فَمَا كَانَ من
تِلْكَ الْقُصُور من الْيَاقُوت الْأَبْيَض فَهُوَ مفروش
بالحرير الْأَبْيَض
وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْيَاقُوت الْأَحْمَر فَهُوَ
مفروش بالعبقري
وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْيَاقُوت الْأَخْضَر فَهُوَ
مفروش بالسندس الْأَخْضَر
وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْيَاقُوت الْأَصْفَر فَهُوَ
مفروش بالأرجوان الْأَصْفَر مبوبة بالزمرد الْأَخْضَر
وَالذَّهَب الْأَحْمَر وَالْفِضَّة الْبَيْضَاء
قواعدها وأركانها من الْجَوْهَر وشرفها قباب من لُؤْلُؤ
وبروجها غرف من المرجان
فَلَمَّا انصرفوا إِلَى مَا أَعْطَاهُم رَبهم قربت لَهُم
براذين من ياقوت أَبيض منفوخ فِيهَا الرّوح بجنبها
الْولدَان المخلدون بيد كل وليد مِنْهُم حِكْمَة برذون من
تِلْكَ البراذين ولجمها وأعنتها من فضَّة بَيْضَاء منظومة
بالدر والياقوت سُرُوجهَا سرر موضونة مفروشة بالسندس
والاستبرق فَانْطَلَقت بهم تِلْكَ البراذين تزف بهم
وَتَطَأ رياض الْجنَّة
فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى مَنَازِلهمْ وجدوا الْمَلَائِكَة
قعُودا على مَنَابِر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم
ويهنوهم كَرَامَة رَبهم
فَلَمَّا دخلُوا قصورهم وجدوا فِيهَا جَمِيع مَا تطاول
بِهِ عَلَيْهِم رَبهم مِمَّا سَأَلُوا وتمنوا وَإِذا على
بَاب كل قصر من تِلْكَ الْقُصُور أَرْبَعَة جنان {جنتان}
{ذواتا أفنان} وجنتان {مدهامتان} و (فيهمَا عينان نضاختان)
(سُورَة الرَّحْمَن آيَة 66) وَفِيهِمَا من كل فَاكِهَة
زوجان و (حور مقصورات فِي الْخيام) (سُورَة الرَّحْمَن
آيَة 72) فَلَمَّا تبوأوا مَنَازِلهمْ واستقروا قرارهم
قَالَ لَهُم رَبهم: هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا
قَالُوا: نعم وربنا
قَالَ: هَل رَضِيتُمْ بِثَوَاب ربكُم قَالُوا: رَبنَا
رَضِينَا فارض عَنَّا
قَالَ: برضاي عَنْكُم حللتم دَاري ونظرتم إِلَى وَجْهي
وصافحتم
(4/648)
ملائكتي فهنيئا هَنِيئًا لكم عَطاء غير
مجذوذ لَيْسَ فِيهِ تنغيص وَلَا تصريد فَعِنْدَ ذَلِك
قَالُوا: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن وأحلنا
دَار المقامة من فَضله لَا يمسنا فِيهَا نصب وَلَا يمسنا
فِيهَا لغوب إِن رَبنَا لغَفُور شكور
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد مولى بني مَخْزُوم قَالَ:
سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - يَقُول: إِن
فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام
لَا يقطعهَا واقرؤوا إِن شِئْتُم (وظل مَمْدُود) فَبلغ
ذَلِك كَعْبًا - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: صدق
وَالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَالْفرْقَان على
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَو أَن رجلا ركب حقة أَو جَذَعَة ثمَّ دَار بِأَصْل
تِلْكَ الشَّجَرَة مَا بلغَهَا حَتَّى يسْقط هرما
إِن الله عز وَجل غرسها بِيَدِهِ وَنفخ فِيهَا من روحه
وَإِن أفنانها من وَرَاء سور الْجنَّة وَمَا فِي الْجنَّة
نهر إِلَّا يخرج من أصل تِلْكَ الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مغيث بن سمي - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَو أَن رجلا ركب
قلوصاً جذعاً أَو جَذَعَة ثمَّ دَار بهَا لم يبلغ
الْمَكَان الَّذِي ارتحل مِنْهُ حَتَّى يَمُوت هرماً
وَمَا من أهل الْجنَّة منزل إِلَّا غُصْن من تِلْكَ
الشَّجَرَة متدل عَلَيْهِم فَإِذا أَرَادوا أَن يَأْكُلُوا
من الثَّمَرَة تدلى إِلَيْهِم فَيَأْكُلُونَ مَا شاؤوا
وَيَجِيء الطير فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قديداً وشوياً مَا
شاؤوا ثمَّ يطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَو أَن رَاكِبًا
ركب حقة أَو جَذَعَة فأطاف بهَا مَا بلغ ذَلِك الْموضع
الَّذِي ركب فِيهِ حَتَّى يقْتله الْهَرم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم {طُوبَى} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يَا أَبَا بكر هَل بلغك طُوبَى قَالَ: الله تَعَالَى
وَرَسُوله أعلم
قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَا يعلم طولهَا
إِلَّا الله تَعَالَى يسير الرَّاكِب تَحت غُصْن من
أَغْصَانهَا سبعين خَرِيفًا
وَرقهَا الْحلَل يَقع عَلَيْهَا الطير كأمثال البخت
قَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: إِن ذَلِك الطير
ناعم قَالَ: أنعم مِنْهُ من يَأْكُلهُ وَأَنت مِنْهُم يَا
أَبَا بكر إِن شَاءَ الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: طُوبَى شَجَرَة فِي الْجنَّة غرسها الله بِيَدِهِ
وَنفخ فِيهَا من روحه وَإِن أَغْصَانهَا لترى من وَرَاء
سور الْجنَّة تنْبت الحلى وَالثِّمَار منهدلة على أفواهها
(4/649)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة
وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مغيث بن سمي -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة
لَيْسَ فِي الْجنَّة دَار إِلَّا يُظِلّهَا غُصْن من
أَغْصَانهَا فِيهِ من ألوان الثَّمر
وَيَقَع عَلَيْهَا طير أَمْثَال البخت فَإِذا اشْتهى الرجل
طيراً دَعَاهُ فَيَقَع على خوانه فيأكل من إِحْدَى جانبيه
شواء وَالْآخر قديداً ثمَّ يصير طائراً فيطير فَيذْهب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء وَابْن أبي حَاتِم
عَن خَالِد بن معدان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي
الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى كلهَا ضروع فَمن
مَاتَ من الصّبيان الَّذين يرضعون رضع من طُوبَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: غِبْطَة {وَحسن
مآب} قَالَ: حسن مرجع
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ -
{وَحسن مآب} قَالَ: حسن مُنْقَلب
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ -
مثله
الْآيَة 30
(4/650)
كَذَلِكَ
أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا
أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ
رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{وهم يكفرون بالرحمن} قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم - زمن الْحُدَيْبِيَة - حِين صَالح
قُرَيْش كتب فِي الْكتاب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَقَالَت قُرَيْش: أما الرَّحْمَن فَلَا نعرفه وَكَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة يَكْتُبُونَ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ
فَقَالَ أَصْحَابه: دَعْنَا نقاتلهم
قَالَ: لَا وَلَكِن اكتبوا كَمَا يُرِيدُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
الْآيَة قَالَ: هَذَا لما كَاتب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا فِي الْحُدَيْبِيَة كتب بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَقَالُوا: لَا
(4/650)
نكتب الرَّحْمَن وَمَا نَدْرِي مَا
الرَّحْمَن
وَمَا نكتب إِلَّا بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَأنْزل الله
تَعَالَى {وهم يكفرون بالرحمن} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ -
{وَإِلَيْهِ متاب} قَالَ: تَوْبَتِي
الْآيَات 31 - 34
(4/651)
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا
سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ
أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ
جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ
يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ
أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ
وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
(31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ
فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى
كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ
قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ
فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ
الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ
(34)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن كَانَ كَمَا تَقول فأرِنا أشياخنا الَّذين من
الْمَوْتَى نكلمهم وافسح لنا هَذِه الْجبَال - جبال مَكَّة
- الَّتِي قد ضمتنا
فَنزلت {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت
بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: قَالُوا لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو سيرت
لنا جبال مَكَّة حَتَّى تتسع فَنَحْرُث فِيهَا أَو قطعتْ
لنا الأَرْض كَمَا كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
يقطع لِقَوْمِهِ بِالرِّيحِ أَو أَحييت لنا الْمَوْتَى
كَمَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يحيي الْمَوْتَى
لِقَوْمِهِ
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ
الْجبَال} الْآيَة إِلَى قَوْله {أفلم ييأس الَّذين
آمنُوا} قَالَ: أفلم يتَبَيَّن
(4/651)
الَّذين آمنُوا قَالُوا: هَل تروي هَذَا
الحَدِيث عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ
- عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ
الْمُشْركُونَ من قُرَيْش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لَو وسعت لنا أَوديَة مَكَّة وسيرت جبالها
فاحترثناها وأحييت من مَاتَ منا واقطع بِهِ الأَرْض أَو
كلم بِهِ الْمَوْتَى
فَأنْزل الله {وَلَو أَن قُرْآنًا}
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن
مرْدَوَيْه عَن الزبير بن العوّام - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين) (سُورَة
الشُّعَرَاء آيَة 214) صَاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم على أبي قبيس: يَا آل عبد منَاف إِنِّي نَذِير
فَجَاءَتْهُ قُرَيْش فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذرهُمْ
فَقَالُوا: تزْعم أَنَّك نَبِي يُوحى إِلَيْك وَأَن
سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سخرت لَهُ الرّيح
وَالْجِبَال وَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سخر لَهُ
الْبَحْر وَإِن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يحيي
الْمَوْتَى فَادع الله أَن يسير عَنَّا هَذِه الْجبَال
وَيفجر لنا الأَرْض أَنهَارًا فنتخذها مَحَارِث فَنَزْرَع
وَنَأْكُل وَإِلَّا فَادع الله أَن يحيي لنا الْمَوْتَى
فنكلمهم وَيُكَلِّمُونَا وَإِلَّا فَادع الله أَن يَجْعَل
هَذِه الصَّخْرَة الَّتِي تَحْتك ذَهَبا فَنَنْحِت مِنْهَا
وَتُغْنِينَا عَن رحْلَة الشتَاء والصيف فَإنَّك تزْعم
أَنَّك كَهَيْئَتِهِمْ
فَبينا نَحن حوله إِذْ نزل عَلَيْهِ الْوَحْي فَلَمَّا سرى
عَنهُ الْوَحْي قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد
أَعْطَانِي الله مَا سَأَلْتُم وَلَو شِئْت لَكَانَ وَلكنه
خيرني بَين أَن تدْخلُوا بَاب الرَّحْمَة فَيُؤمن مؤمنكم
وَبَين أَن يكلكم إِلَى مَا اخترتم لأنفسكم فتضلوا عَن
بَاب الرَّحْمَة وَلَا يُؤمن مؤمنكم فاخترت بَاب
الرَّحْمَة ويؤمن مؤمنكم وَأَخْبرنِي إِن أَعْطَاكُم ذَلِك
ثمَّ كَفرْتُمْ يعذبكم عذَابا لَا يعذبه أحدا من
الْعَالمين
فَنزلت (وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا ان كذب
بهَا الْأَولونَ) (سُورَة الْإِسْرَاء آيَة 59) حَتَّى
قَرَأَ ثَلَاث آيَات
وَنزلت {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة أَن هَذِه الْآيَة
{وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ
الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى} مَكِّيَّة
(4/652)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ
الْجبَال} الْآيَة قَالَ: قَول كفار قُرَيْش لمُحَمد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: سيّر جبالنا تتسع لنا أَرْضنَا
فَإِنَّهَا ضيقَة أَو قرب لنا الشَّام فَإنَّا نتجر
إِلَيْهَا أَو أخرج لنا آبَاءَنَا من الْقُبُور نكلمهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالُوا: سير بِالْقُرْآنِ
الْجبَال قطع بِالْقُرْآنِ الأَرْض أخرج بِهِ مَوتَانا
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: قَالَ كفار مَكَّة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: سيّر لنا الْجبَال كَمَا سخرت لداود وَقطع لنا
الأَرْض كَمَا قطعت لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فاغدُ
بهَا شهرا ورح بهَا شهرا أَو كلم لنا الْمَوْتَى كَمَا
كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يكلمهم
يَقُول: لم أنزل بِهَذَا كتابا وَلَكِن كَانَ شَيْئا
أُعطيته أنبيائي ورسلي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: قَالَت قُرَيْش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أَن كنت نَبيا كَمَا تزْعم فباعد عَن مَكَّة
اخشبيها هذَيْن مسيرَة أَرْبَعَة أَيَّام أَو خَمْسَة
أَيَّام فَإِنَّهَا ضيقَة حَتَّى نَزْرَع فِيهَا أَو نرعى
وَابعث لنا آبَائِنَا من الْمَوْتَى حَتَّى يُكَلِّمُونَا
وَيُخْبِرُونَا إِنَّك نَبِي أَو احْمِلْنَا إِلَى الشَّام
أَو إِلَى الْيمن أَو إِلَى الْحيرَة حَتَّى نَذْهَب
وَنَجِيء فِي لَيْلَة كَمَا زعمت إِنَّك فعلته
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ
الْجبَال} الْآيَة
وَأخرج إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {بل لله الْأَمر
جَمِيعًا} لَا يصنع من ذَلِك إِلَّا مَا يَشَاء وَلم يكن
ليفعل
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ
يقْرَأ {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَرَأَ
[أفلم يتَبَيَّن الَّذين آمنُوا] فَقيل لَهُ: إِنَّهَا فِي
الْمُصحف {أفلم ييأس} فَقَالَ: أَظن الْكَاتِب كتبهَا
وَهُوَ ناعس
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه
كَانَ يقْرَأ [أفلم يتَبَيَّن الَّذين آمنُوا]
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {أفلم ييأس}
يَقُول: يعلم
(4/653)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن
قَوْله {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: أفلم يعلم بلغَة
بني مَالك
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت مَالك بن عَوْف يَقُول: لقد يئس الأقوام أَنِّي
أَنا ابْنه وَإِن كنت عَن أَرض الْعَشِيرَة نَائِيا وَأخرج
ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ صَالح - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: فِي قَوْله {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: أفلم
يعلم بلغَة هوَازن
وَأنْشد قَول مَالك بن عَوْف النضري: أَقُول لَهُم
بِالشعبِ إِذا ييئسونني ألم تعلم أَنِّي ابْن فَارس
زَهْدَم وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {أفلم ييأس الَّذين
آمنُوا} قَالَ: أفلم يعلم الَّذين آمنُوا وَأخرج أَبُو
الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {أفلم ييأس
الَّذين آمنُوا} قَالَ: ألم يعرف الَّذين آمنُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ -
{أفلم ييأس} قَالَ: أفلم يعلم
وَمن النَّاس من يقْرؤهَا ((أفلم يتَبَيَّن)) وَإِنَّمَا
هوكالاستنقاء أفلم يعقلوا ليعلموا أَن الله يفعل ذَلِك لم
يَيْأَسُوا من ذَلِك وهم يعلمُونَ أَن الله تَعَالَى لَو
شَاءَ فعل ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي
الْعَالِيَة - رَضِي الله عَنهُ - {أفلم ييأس الَّذين
آمنُوا} قَالَ: قد يئس الَّذين آمنُوا أَن يهدوا وَلَو
شَاءَ الله {لهدى النَّاس جَمِيعًا}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا
قَارِعَة} قَالَ: السَّرَايَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق سعيد بن جُبَير
- رَضِي الله عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا
تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: سَرِيَّة {أَو تحل
قَرِيبا من دَارهم} قَالَ: أَنْت يَا مُحَمَّد {حَتَّى
يَأْتِي وعد الله} قَالَ فتح مَكَّة
(4/654)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا
قَارِعَة} قَالَ: سَرِيَّة من سَرَايَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم {أَو تحل} يَا مُحَمَّد {قَرِيبا من
دَارهم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {القارعة}
السَّرَايَا {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} قَالَ:
الْحُدَيْبِيَة {حَتَّى يَأْتِي وعد الله} قَالَ: فتح
مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا} الْآيَة
قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي سَرَايَا النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
{أَو تحل} أَنْت يَا مُحَمَّد {قَرِيبا من دَارهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ:
نكبة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله
{تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: عَذَاب من
السَّمَاء {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} يَعْنِي نزُول
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم وقتاله إيَّاهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} قَالَ: أَو تحل
القارعة قَرِيبا من دَارهم {حَتَّى يَأْتِي وعد الله}
قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد استهزئ برسل من قبلك}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر -
رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ رجل خلف النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يحاكيه ويلمطه فَرَآهُ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَذَلِك فَكُن
فَرجع إِلَى أَهله فلبط بِهِ مغشياً شهرا ثمَّ أَفَاق حِين
أَفَاق وَهُوَ كَمَا حاكى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَفَمَن هُوَ قَائِم
على كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: يَعْنِي بذلك نَفسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَفَمَن هُوَ قَائِم على
كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: الله تَعَالَى قَائِم
بِالْقِسْطِ وَالْعدْل
(4/655)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي
الله عَنهُ - {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت}
قَالَ: ذَلِكُم ربكُم تبَارك وَتَعَالَى قَائِم على بني
آدم بأرزاقهم وآجالهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَفَمَن هُوَ
قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: الله عز وَجل
الْقَائِم على كل نفس {بِمَا كسبت} على رزقها وعَلى
عَملهَا
وَفِي لفظ: قَائِم على كل بر وَفَاجِر يرزقهم ويكلؤهم ثمَّ
يُشْرك بِهِ مِنْهُم من أشرك {وَجعلُوا لله شُرَكَاء}
يَقُول: آلِهَة مَعَه {قل سموهم} وَلَو سموا آلِهَة لكذبوا
وَقَالُوا فِي ذَلِك غير الْحق لِأَن الله تَعَالَى وَاحِد
لَا شريك لَهُ {أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض}
يَقُول: لَا يعلم الله تَعَالَى فِي الأَرْض إِلَهًا غَيره
{أم بِظَاهِر من القَوْل} يَقُول: أم بباطل من القَوْل
وَكذب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي
الله عَنهُ - {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت}
يَعْنِي بذلك نَفسه يَقُول {قَائِم على كل نفس} على كل بر
وَفَاجِر {بِمَا كسبت} وعَلى رزقهم وعَلى طعامهم فَأَنا
على ذَلِك وهم عَبِيدِي ثمَّ جعلُوا لي شُرَكَاء {قل
سموهم} وَلَو سموهم كذبُوا فِي ذَلِك لَا يعلم الله
تَعَالَى من إِلَه غير الله فَذَلِك قَوْله {أم تنبئونه
بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ربيعَة الجرشِي - رَضِي الله
عَنهُ - أَنه قَامَ فِي النَّاس يَوْمًا فَقَالَ: اتَّقوا
الله فِي السرائر وَمَا ترخى عَلَيْهِ الستور
مَا بَال أحدكُم ينْزع عَن الْخَطِيئَة للنبطي يمر بِهِ
وَالْأمة من إمائه وَالله تَعَالَى يَقُول {أَفَمَن هُوَ
قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} وَيحكم فأجلوا مقَام الله
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَا يُؤمن أحدكُم أَن يمسخه قرداً
أَو خنزيراً بمعصيته إِيَّاه فَإِذا هُوَ خزي فِي
الدُّنْيَا وعقوبة فِي الْآخِرَة
فَقَالَ رجل من الْقَوْم: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا
هُوَ لَيَكُونن ذَاك يَا ربيعَة فَنظر الْقَوْم من
الْحَالِف فَإِذا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن غنم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {أم بِظَاهِر من القَوْل} قَالَ:
بِظَنّ {بل زين للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ} قَالَ: قَوْلهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {أم بِظَاهِر من القَوْل} قَالَ:
الظَّاهِر من القَوْل هُوَ الْبَاطِل
(4/656)
الْآيَة 35
(4/657)
مَثَلُ الْجَنَّةِ
الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ
(35)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن
عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {مثل الْجنَّة}
قَالَ: نعت الْجنَّة لَيْسَ للجنة مثل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أكلهَا
دَائِم} قَالَ: لذتها دائمة فِي أَفْوَاههم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَارِجَة بن
مُصعب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كفرت الْجَهْمِية
بآيَات من الْقُرْآن قَالُوا: إِن الْجنَّة تنفد وَمن
قَالَ تنفد فقد كفر بِالْقُرْآنِ
قَالَ الله تَعَالَى (إِن هَذَا لرزقنا مَا لَهُ من نفاد)
(سُورَة ص آيَة 54) وَقَالَ: (لَا مَقْطُوعَة وَلَا
مَمْنُوعَة) (سُورَة الْوَاقِعَة آيَة 33) فَمن قَالَ
إِنَّهَا تَنْقَطِع فقد كفر
وَقَالَ: عَطاء غير مجذوذ فَمن قَالَ إِنَّهَا تَنْقَطِع
فقد كفر
وَقَالَ {أكلهَا دَائِم وظلها} فَمن قَالَ إِنَّهَا لَا
تدوم فقد كفر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن أنس
- رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا من شَيْء من ثمار
الدُّنْيَا أشبه بثمار الْجنَّة من الموز لِأَنَّك لَا
تطلبه فِي صيف وَلَا شتاء إِلَّا وجدته
قَالَ الله تَعَالَى {أكلهَا دَائِم}
الْآيَات 36 - 40
(4/657)
وَالَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ
بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ
أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ
مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ
يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ
كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ
بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ
فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ
(40)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يفرحون
بِمَا أنزل إِلَيْك} قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَاب مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرحوا بِكِتَاب الله وبرسوله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَدقُوا بِهِ {وَمن الْأَحْزَاب من
يُنكر بعضه} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب
يفرحون بِمَا أنزل إِلَيْك} قَالَ: هَذَا من آمن برَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب يفرحون بذلك
وَقَرَأَ (وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم من لَا يُؤمن
بِهِ) (سُورَة يُونُس آيَة 40) {وَمن الْأَحْزَاب من يُنكر
بعضه} قَالَ: الْأَحْزَاب الْأُمَم الْيَهُود
وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس مِنْهُم من آمن بِهِ وَمِنْهُم
من أنكرهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمن
الْأَحْزَاب} قَالَ: من أهل الْكتاب {من يُنكر بعضه}
قَالَ: بعض الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإِلَيْهِ مآب} قَالَ: إِلَيْهِ
مصير كل عبد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {مَا لَك من الله من ولي وَلَا واق} قَالَ:
من أحد يمنعك من عَذَاب الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ: نهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التبتل وَقَرَأَ
قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من
قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية}
(4/658)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
عَن سعد بن هِشَام قَالَ: دخلت على عَائِشَة - رَضِي الله
عَنْهَا - فَقلت: إِنِّي أُرِيد أَن أتبتل
قَالَت: لَا تفعل أما سَمِعت الله يَقُول {وَلَقَد أرسلنَا
رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي
أَيُّوب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع من سنَن الْمُرْسلين:
التعطر وَالنِّكَاح والسواك والختان
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف بِلَفْظ الْخِتَان
والسواك والتعطر وَالنِّكَاح من سنتي
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {لكل أجل كتاب} يَقُول: لكل كتاب
ينزل من السَّمَاء أجل فَيَمْحُو الله من ذَلِك مَا يَشَاء
{وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: قَالَت قُرَيْش حِين أنزل {وَمَا كَانَ لرَسُول أَن
يَأْتِي بِآيَة إِلَّا بِإِذن الله} مَا نرَاك يَا
مُحَمَّد تملك من شَيْء وَلَقَد فرغ من الْأَمر
فأنزلت هَذِه الْآيَة تخويفاً لَهُم ووعيداً لَهُم {يمحو
الله مَا يَشَاء وَيثبت} إِنَّا إِن شِئْنَا أحدثنا لَهُ
من أمرنَا مَا شِئْنَا وَيحدث الله تَعَالَى فِي كل
رَمَضَان فَيَمْحُو الله مَا يَشَاء {وَيثبت} من أرزاق
النَّاس ومصائبهم وَمَا يعطيهم وَمَا يقسم لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله
{يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: ينزل الله تَعَالَى
فِي كل شهر رَمَضَان إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا يدبر أَمر
السّنة إِلَى السّنة فِي لَيْلَة الْقدر فَيَمْحُو مَا
يَشَاء وَيثبت إِلَّا الشقوة والسعادة والحياة وَالْمَمَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - {يمحو الله مَا يَشَاء} هُوَ الرجل
يعْمل الزَّمَان بِطَاعَة الله ثمَّ يعود لمعصية الله
تَعَالَى فَيَمُوت على ضلاله فَهُوَ الَّذِي يمحو
وَالَّذِي يثبت الرجل الَّذِي يعْمل بِمَعْصِيَة الله
تَعَالَى وَقد سبق لَهُ خير حَتَّى يَمُوت وَهُوَ فِي
طَاعَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
(4/659)
وَأخرج ابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {يمحو الله مَا
يَشَاء وَيثبت} قَالَ: من أحد الْكِتَابَيْنِ هما
كِتَابَانِ يمحو الله مَا يَشَاء من أَحدهمَا وَيثبت
{وَعِنْده أم الْكتاب} أَي جملَة الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- قَالَ: إِن لله لوحاً مَحْفُوظًا مسيرَة خَمْسمِائَة
عَام من درة بَيْضَاء لَهُ دفتان من ياقوت والدفتان لوحان
لله كل يَوْم ثَلَاث وَسِتُّونَ لَحْظَة يمحو مَا يَشَاء
{وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء - رَضِي الله عَنهُ
- قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن
الله تَعَالَى ينزل فِي ثَلَاث سَاعَات يبْقين من اللَّيْل
فَينْسَخ الذّكر فِي السَّاعَة الأولى مِنْهَا ينظر فِي
الذّكر الَّذِي لَا ينظر فِيهِ أحد غَيره فَيَمْحُو مَا
يَشَاء وَيثبت
ثمَّ ينزل فِي السَّاعَة الثَّانِيَة إِلَى جنَّة عدن
وَهِي دَاره الَّتِي لم تَرَهَا عين وَلم تخطر على قلب بشر
لَا يسكنهَا من بني آدم غير ثَلَاثَة: النَّبِيين
وَالصديقين وَالشُّهَدَاء ثمَّ يَقُول: طُوبَى لمن نزلك
ثمَّ ينزل فِي السَّاعَة الثَّالِثَة إِلَى السَّمَاء
الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَته فتنتفض فَيَقُول:
قومِي بعزتي ثمَّ يطلع إِلَى عباده فَيَقُول: هَل من
مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ هَل من دَاع فَأُجِيبَهُ حَتَّى
يُصَلِّي الْفجْر وَذَلِكَ قَوْله (إِن قُرْآن الْفجْر
كَانَ مشهوداً) (سُورَة الْإِسْرَاء آيَة 78) يَقُول:
يشهده الله وملائكة اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه
بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {يمحو
الله مَا يَشَاء وَيثبت} إِلَّا الشقوة والسعادة والحياة
وَالْمَوْت
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن
الْكَلْبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: يمحو
من الرزق وَيزِيد فِيهِ ويمحو من الْأَجَل وَيزِيد فِيهِ
فَقيل لَهُ: من حَدثَك بِهَذَا قَالَ: أَبُو صَالح عَن
جَابر بن عبد الله بن ربَاب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ
عَن
(4/660)
قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت}
قَالَ: ذَلِك كل لَيْلَة الْقدر يرفع ويخفض ويرزق غير
الْحَيَاة وَالْمَوْت والشقاوة والسعادة فَإِن ذَلِك لَا
يَزُول
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ - رَضِي
الله عَنهُ - أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ لَهُ لأقرن عَيْنَيْك
بتفسيرها ولأقرن عين أمتِي بعدِي بتفسيرها الصَّدَقَة على
وَجههَا وبر الْوَالِدين واصطناع الْمَعْرُوف يحول
الشَّقَاء سَعَادَة وَيزِيد فِي الْعُمر ويقي مصَارِع
السوء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: لَا ينفع الحذر من الْقدر وَلَكِن الله
يمحو بِالدُّعَاءِ مَا يَشَاء من الْقدر
وَأخرج ابْن جرير عَن قيس بن عباد - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: الْعَاشِر من رَجَب هُوَ يَوْم يمحو الله فِيهِ مَا
يَشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن قيس بن عباد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
لله أَمر فِي كل لَيْلَة الْعَاشِر من أشهر الْحرم أما
الْعشْر من الْأَضْحَى فَيوم النَّحْر
وَأما الْعشْر من الْمحرم فَيوم عَاشُورَاء
وَأما الْعشْر من رَجَب فَفِيهِ {يمحو الله مَا يَشَاء
وَيثبت} قَالَ: ونسيت مَا قَالَ فِي ذِي الْقعدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمر
بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ وَهُوَ يطوف
بِالْبَيْتِ: اللَّهُمَّ إِن كنت كتبت عَليّ شقاوة أَو
ذَنبا فامحه فَإنَّك تمحو مَا تشَاء وَتثبت وعندك أم
الْكتاب فاجعله سَعَادَة ومغفرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: مَا دَعَا عبد قطّ بِهَذِهِ الدَّعْوَات
إِلَّا وسع الله لَهُ فِي معيشته يَا ذَا الْمَنّ وَلَا
يمن عَلَيْهِ يَا ذَا الْجلَال والإِكرام يَا ذَا الطول
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت ظهر اللاجين وجار المستجيرين ومأمن
الْخَائِفِينَ إِن كنت كتبتني فِي أم الْكتاب شقياً فامح
عني اسْم الشَّقَاء وأثبتني عنْدك سعيداً وَإِن كنت كتبتني
عنْدك فِي أم الْكتاب محروماً مقتراً عليّ رِزْقِي فامح
حرماني وَيسر رِزْقِي وأثبتني عنْدك سعيداً موفقاً للخير
فَإنَّك تَقول فِي كتابك الَّذِي أنزلت {يمحو الله مَا
يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
عَن السَّائِب بن ملجان من أهل الشَّام - وَكَانَ قد أدْرك
الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم - قَالَ: لما دخل عمر -
رَضِي
(4/661)
الله عَنهُ - الشَّام حمد الله وَأثْنى
عَلَيْهِ وَوعظ وَذكر وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن
الْمُنكر ثمَّ قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَامَ فِينَا خَطِيبًا كقيامي فِيكُم فَأمر بتقوى
الله وصلَة الرَّحِم وَصَلَاح ذَات الْبَين وَقَالَ:
عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِن يَد الله على الْجَمَاعَة
وَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ
أبعد
لَا يخلونّ رجل بِامْرَأَة فَإِن الشَّيْطَان ثالثهما وَمن
ساءته سيئته وسرته حسنته فَهُوَ أَمارَة الْمُسلم الْمُؤمن
وأمارة الْمُنَافِق الَّذِي لَا تسوءه سيئته وَلَا تسرهُ
حسنته إِن عمل خيرا لم يرج من الله فِي ذَلِك ثَوابًا
وَإِن عمل شرا لم يخف من الله فِي ذَلِك الشَّرّ عُقُوبَة
وأجملوا فِي طلب الدُّنْيَا فَإِن الله قد تكفل بأرزاقكم
وكلّ سيتم لَهُ عمله الَّذِي كَانَ عَاملا اسْتَعِينُوا
الله على أَعمالكُم فَإِنَّهُ يمحو مَا يَشَاء وَيثبت
وَعِنْده أم الْكتاب صلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وَآله
وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله السَّلَام عَلَيْكُم
قَالَ الْبَيْهَقِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: هَذِه خطْبَة
عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - على أهل الشَّام
أَثَرهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ أَبُو رومي من شَرّ أهل
زَمَانه وَكَانَ لَا يدع شَيْئا من الْمَحَارِم إِلَّا
ارْتَكَبهُ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: لَئِن رَأَيْت أَبَا رومي فِي بعض أَزِقَّة
الْمَدِينَة لَأَضرِبَن عُنُقه وَإِن بعض أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ ضيف لَهُ
فَقَالَ لامْرَأَته: اذهبي إِلَى أبي رومي فَخذي لنا
مِنْهُ بدرهم طَعَاما حَتَّى ييسره الله تَعَالَى
فَقَالَت لَهُ: إِنَّك تبعثني إِلَى أبي رومي وَهُوَ من
أفسق أهل الْمَدِينَة
فَقَالَ: اذهبي فَلَيْسَ عَلَيْك مِنْهُ بَأْس إِن شَاءَ
الله تَعَالَى فَانْطَلَقت إِلَيْهِ فَضربت عَلَيْهِ
الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا قَالَت: فُلَانَة
قَالَ: مَا كنت لنا بزوّارة فَفتح لَهَا الْبَاب فَأَخذهَا
بِكَلَام رفث ومدّ يَده إِلَيْهَا فَأَخذهَا رعدة شَدِيدَة
فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك قَالَت: إِن هَذَا عمل مَا
عملته قطّ
قَالَ أَبُو رومي: ثكلت أَبَا رومي أمه هَذَا عمل عمله
مُنْذُ هُوَ صَغِير لَا تَأْخُذهُ رعدة وَلَا يُبَالِي على
أبي رومي عهد الله إِن عَاد لشَيْء من هَذَا أبدا فَلَمَّا
أصبح غَدا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
مرْحَبًا بِأبي رومي وَأخذ يُوسع لَهُ بِالْمَكَانِ
وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا رومي مَا عملت البارحة فَقَالَ:
مَا عَسى أَن أعمل يَا نَبِي الله أَنا شَرّ أهل الأَرْض
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قد
حول مكتبك إِلَى الْجنَّة
فَقَالَ {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت}
(4/662)
وَأخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان وَأَبُو نعيم
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَبُو
رومي من شَرّ أهل زَمَانه وَكَانَ لَا يدع شَيْئا من
الْمَحَارِم إِلَّا ارْتَكَبهُ فَلَمَّا غَد على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من بعيد قَالَ: مرْحَبًا بِأبي رومي وَأخذ
يُوسع لَهُ الْمَكَان فَقَالَ: يَا أَبَا رومي مَا عملت
البارحة قَالَ: مَا عَسى أَن أعمل يَا نَبِي الله أَنا
شَرّ أهل الأَرْض فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن الله قد حول مكتبك إِلَى الْجنَّة فَقَالَ
{يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: إِن الله
ينزل كل شَيْء يكون فِي السّنة فِي لَيْلَة الْقدر
فَيَمْحُو مَا يَشَاء من الْآجَال والأرزاق والمقادير
إِلَّا الشَّقَاء والسعادة فَإِنَّهُمَا ثابتان
وَأخرج ابْن جرير عَن مَنْصُور - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا - رَضِي الله عَنهُ - فَقلت:
أَرَأَيْت دُعَاء أَحَدنَا يَقُول: اللَّهُمَّ إِن كَانَ
اسْمِي فِي السُّعَدَاء فأثبته فيهم وَإِن كَانَ فِي
الأشقياء فامحه مِنْهُم واجعله فِي السُّعَدَاء
فَقَالَ: حسن
ثمَّ لَقيته بعد ذَلِك بحول أَو أَكثر من ذَلِك فَسَأَلته
عَن ذَلِك فَقَالَ (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة
مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين فِيهَا يفرق كل أم حَكِيم)
(سُورَة الدُّخان آيَة 3 و 4) قَالَ: يَعْنِي فِي لَيْلَة
الْقدر مَا يكون فِي السّنة من رزق أَو مُصِيبَة ثمَّ يقدم
مَا يَشَاء وَيُؤَخر مَا يَشَاء
فَأَما كتاب الشَّقَاء والسعادة فَهُوَ ثَابت لَا يُغير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت}
قَالَ: إِلَّا الْحَيَاة وَالْمَوْت والشقاء والسَّعَادَة
فَإِنَّهُمَا لَا يتغيران
وَأخرج ابْن جرير عَن شَقِيق بن أبي وَائِل قَالَ: كَانَ
مِمَّا يكثر أَن يَدْعُو بهؤلاء الدَّعْوَات: اللَّهُمَّ
إِن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وَإِن كنت
كتبتنا سعداء فأثبتنا فَإنَّك تمحو مَا تشَاء وَتثبت وعندك
أم الْكتاب
(4/663)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله - أَنه
كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِن كنت كتبتني فِي السُّعَدَاء
فأثبتني فِي السُّعَدَاء وَإِن كنت كتبتني فِي الأشقياء
فامحني من الأشقياء وأثبتني فِي السُّعَدَاء فَإنَّك تمحو
مَا تشَاء وَتثبت وعندك أم الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - أَنه
قَالَ لعمر - رَضِي الله عَنهُ - يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
لَوْلَا آيَة فِي كتاب الله لأنبأتك بِمَا هُوَ كَائِن
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: قَول الله {يمحو الله مَا يَشَاء
وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: يَقُول: انسخ مَا شِئْت واصنع فِي الْآجَال
مَا شِئْت وَإِن شِئْت زِدْت فِيهَا وَإِن شِئْت نقصت
{وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: جملَة الْكتاب وَعلمه
يَعْنِي بذلك مَا ينْسَخ مِنْهُ وَمَا يثبت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء
وَيثبت} قَالَ: يُبدل الله مَا يَشَاء من الْقُرْآن فينسخه
وَيثبت مَا يَشَاء فَلَا يُبدلهُ {وَعِنْده أم الْكتاب}
يَقُول: وَجُمْلَة ذَلِك عِنْده فِي أم الْكتاب النَّاسِخ
والمنسوخ وَمَا يُبدل وَمَا يثبت كل ذَلِك فِي كتاب الله
تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: هِيَ مثل
قَوْله (مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا
أَو مثلهَا) (سُورَة الْبَقَرَة آيَة 106) وَقَوله
{وَعِنْده أم الْكتاب} أَي جملَة الْكتاب وَأَصله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي
الْآيَة قَالَ {يمحو الله مَا يَشَاء} : مِمَّا ينزل على
الْأَنْبِيَاء {وَيثبت} مَا يَشَاء مِمَّا ينزل على
الْأَنْبِيَاء {وَعِنْده أم الْكتاب} لَا يُغير وَلَا
يُبدل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ -
{يمحو الله مَا يَشَاء} قَالَ: ينْسَخ {وَعِنْده أم
الْكتاب} قَالَ: الذّكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله
مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: يمحو الله الْآيَة بِالْآيَةِ
{وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: أصل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله {لكل أجل كتاب} قَالَ: أجل بني
آدم فِي كتاب {يمحو الله مَا يَشَاء} قَالَ: من جَاءَ
أَجله {وَيثبت} قَالَ: من لم يَجِيء أَجله بعد فَهُوَ
يجْرِي إِلَى أَجله
(4/664)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: {يمحو الله} رزق هَذَا الْمَيِّت {وَيثبت}
رزق هَذَا الْمَخْلُوق الْحَيّ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ -
فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: يثبت فِي
الْبَطن الشَّقَاء والسعادة وكل شَيْء هُوَ كَائِن فَيقدم
مِنْهُ مَا يَشَاء وَيُؤَخر مَا يَشَاء
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي الدَّرْدَاء - رَضِي الله عَنهُ
- أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {يمحو
الله مَا يَشَاء وَيثبت} مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- فِي قَوْله {وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: الذّكر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ -
{وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: الذّكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن سيار عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سَأَلَ كَعْبًا
رَضِي الله عَنهُ عَن أم الْكتاب فَقَالَ: علم الله مَا
هُوَ خَالق وَمَا خلقه عاملون
فَقَالَ لعلمه: كن كتابا
فَكَانَ كتابا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ -
{وَعِنْده أم الْكتاب} يَقُول: عِنْده الَّذِي لَا يُبدل
الْآيَات 41 - 42
(4/665)
أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ
سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ
عُقْبَى الدَّارِ (42)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ:
ذهَاب الْعلمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة ونعيم بن حَمَّاد
فِي الْفِتَن وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ:
موت علمائها وفقهائها وَذَهَاب خِيَار أَهلهَا
(4/665)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ننقصها من
أطرافها} قَالَ: موت الْعلمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله
{أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها}
قَالَ: كَانَ عِكْرِمَة يَقُول: هُوَ قبض النَّاس
وَكَانَ الْحسن يَقُول: هُوَ ظُهُور الْمُسلمين على
الْمُشْركين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من
أطرافها} قَالَ: أَو لم يرَوا أَنا نفتح لمُحَمد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الأَرْض بعد الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا
نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} يَعْنِي بذلك مَا فتح
الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك
نقصانها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك -
رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي
الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: يَعْنِي أَن نَبِي الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينتقص لَهُ مَا حوله من
الْأَرْضين فَيَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِك فَلَا يعتبرون
وَقَالَ الله فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
السَّلَام (ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون) (سُورَة
الْأَنْبِيَاء آيَة 44) قَالَ: بل نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه هم الغالبون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة -
رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: نَقصهَا الله من
الْمُشْركين للْمُسلمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ -
فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ: نفتحها لَك من
أطرافها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ -
{أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها}
قَالَ: أَو لم يرَوا أَنا نفتح لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَرضًا بعد أَرض وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ -
فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} يَقُول: نُقْصَان أَهلهَا
وبركتها
(4/666)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّمَا تنقص
الْأَنْفس والثمرات وَأما الأَرْض فَلَا تنقص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: لَو كَانَت الأَرْض تنقص لضاق عَلَيْك حشك
وَلَكِن تنقص الْأَنْفس والثمرات
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: هُوَ الْمَوْت
لَو كَانَت الأَرْض تنقص لم تَجِد مَكَانا تجْلِس فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَو لم
يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: أَو لم
يرَوا إِلَى الْقرْيَة تخرب حَتَّى يكون الْعمرَان فِي
نَاحيَة مِنْهَا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ننقصها من
أطرافها} قَالَ: خرابها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك -
رَضِي الله عَنهُ - {ننقصها من أطرافها} قَالَ: الْقرْيَة
الَّتِي تخرب نَاحيَة مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ -
{وَالله يحكم لَا معقب لحكمه} لَيْسَ أحد يتعقب حكمه
فَيردهُ كَمَا يتعقب أهل الدُّنْيَا بَعضهم حكم بعض
فَيردهُ
أما قَوْله تَعَالَى: {فَللَّه الْمَكْر جَمِيعًا} وَأخرج
ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا
- قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو
بِهَذَا الدُّعَاء: رب أَعنِي وَلَا تعن عليّ وَانْصُرْنِي
وَلَا تنصر عليّ وامكر لي وَلَا تَمْكُر عليّ واهدني وَيسر
الْهدى لي وَانْصُرْنِي على من بغى عليّ
الْآيَة 43
(4/667)
وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
(43)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس -
رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قدم على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْقُف من الْيمن فَقَالَ لَهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تجدني فِي
الإِنجيل رَسُولا
(4/667)
قَالَ: لَا
فَأنْزل الله {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم
وَمن عِنْده علم الْكتاب} يَقُول: عبد الله بن سَلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الْملك
بن عُمَيْر أَن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام
قَالَ: قَالَ عبد الله بن سَلام: قد أنزل الله فِي
الْقُرْآن {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن
عِنْده علم الْكتاب}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الْملك بن عُمَيْر
عَن جُنْدُب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ عبد الله
بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ - حَتَّى أَخذ بِعضَادَتَيْ
بَاب الْمَسْجِد ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه أتعلمون
أَنِّي أَنا الَّذِي أنزلت فِيهِ {وَمن عِنْده علم
الْكتاب} قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زيد
بن أسلم عَن أَبِيه عَن عبد الله بن سَلام - رَضِي الله
عَنهُ - أَنه لَقِي الَّذين أَرَادوا قتل عُثْمَان - رَضِي
الله عَنهُ - فناشدهم فِيمَن تعلمُونَ نزل {قل كفى
بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم
الْكتاب} قَالُوا: فِيك
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ
يقْرَأ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: هُوَ عبد الله بن
سَلام
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
- رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَمن عِنْده علم الْكتاب}
قَالَ: هم أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي
الْآيَة قَالَ: كَانَ من أهل الْكتاب قوم يشْهدُونَ
بِالْحَقِّ ويعرفونه مِنْهُم عبد الله بن سَلام والجارود
وَتَمِيم الدَّارِيّ وسلمان الْفَارِسِي
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن
عدي بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَمن عِنْده
علم الْكتاب} قَالَ: من عِنْد الله علم الْكتاب
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر -
رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَرَأَ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: من عِنْد الله
علم الْكتاب
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن
(4/668)
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه
كَانَ يقْرَأ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} يَقُول: وَمن
عِنْد الله علم الْكتاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن سعيد بن جُبَير -
رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَمن عِنْده
علم الْكتاب} أهوَ عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: وَكَيف وَهَذِه السُّورَة مَكِّيَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: مَا نزل فِي عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ
- شَيْء من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله
عَنهُ - فِي قَوْله {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ:
جِبْرِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَمن عِنْده علم الْكتاب}
قَالَ: هُوَ الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب - رَضِي
الله عَنهُ - شَدِيدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَانْطَلق يَوْمًا حَتَّى دنا من رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَمعهُ وَهُوَ
يقْرَأ (وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك
إِذا لرتاب المبطلون
) حَتَّى بلغ (الظَّالِمُونَ
) (سُورَة العنكبوت آيَة 48 - 49) وسَمعه وَهُوَ يقْرَأ
{وَيَقُول الَّذين كفرُوا لست مُرْسلا} إِلَى قَوْله {علم
الْكتاب} فانتظره حَتَّى سلم فأسرع فِي أَثَره فَأسلم
5
(4/669)
|