الدر المنثور في التفسير بالمأثور

مُقَدّمَة سُورَة إِبْرَاهِيم أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ نزلت سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: نزلت سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نزلت بِمَكَّة سوى آيَتَيْنِ نزلتا بِالْمَدِينَةِ وهما: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} الْآيَتَيْنِ نزلتا فِي قَتْلَى بدر من الْمُشْركين
(14)
سُورَة إِبْرَاهِيم
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَخَمْسُونَ
آيَة 1 - 4

(5/3)


الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} قَالَ: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {يستحبون} قَالَ: يختارون
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن الله فضل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أهل السَّمَاء وعَلى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
قيل: مَا فَضله على أهل السَّمَاء قَالَ: إِن الله قَالَ لأهل السَّمَاء: (وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم) (سُورَة الْأَنْبِيَاء آيَة 29) وَقَالَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ليغفر لَك الله ماتقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) (سُورَة الْفَتْح آيَة 2) فَكتب لَهُ بَرَاءَة من النَّار قيل لَهُ: فَمَا فَضله على الْأَنْبِيَاء قَالَ: إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} وَقَالَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس) (سُورَة سبأ آيَة 28) فَأرْسلهُ إِلَى الانس وَالْجِنّ وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا بلغَة قومه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يُوحى إِلَيْهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَينزل هُوَ إِلَى كل نَبِي بِلِسَان قومه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} قَالَ: بلغَة قومه إِن كَانَ عَرَبيا فعربياً وَإِن كَانَ عجمياً فعجمياً وَإِن كَانَ سريانياً فسريانياً ليبين لَهُم الَّذِي أرسل الله إِلَيْهِم ليتَّخذ بذلك الْحجَّة علهم

(5/4)


وَأخرج الْخَطِيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عمر - رَضِي الله - عَنْهُمَا {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} قَالَ: أرسل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَان قومه عَرَبِيّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِي الله عَنهُ - (إِلَّا بِلِسَان قومه) قَالَ: نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم ينزل وَحي إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ يترجم كل نَبِي لِقَوْمِهِ بلسانهم
قَالَ: لِسَان يَوْم الْقِيَامَة السريانية وَمن دخل الْجنَّة تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تَأْكُلُوا ذَبِيحَة الْمَجُوس وَلَا ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب أترونهم أهل الْكتاب فَإِنَّهُم لَيْسُوا بِأَهْل كتاب
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} وَإِنَّمَا أرسل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِلِسَان قومه وَأرْسل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَان قومه عَرَبِيّ فَلَا لِسَان عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أخذُوا وَلَا مَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتبعُوا فَلَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحهم فَإِنَّهُم لَيْسُوا بِأَهْل كتاب

آيَة 5 - 6

(5/5)


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله: {وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} قَالَ: بِالْبَيِّنَاتِ التسع: الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والعصا وَيَده والسنين وَنقص من الثمرات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي

(5/5)


قَوْله: {أَن أخرج قَوْمك من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} قَالَ: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
وَأخرج النَّسَائِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: بنعم الله وآلائه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: نعم الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما نزلت {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: وعظهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الله بن سَلمَة عَن عَليّ أَو الزبير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبنَا فيذكرنا بأيام الله حَتَّى نَعْرِف ذَلِك فِي وَجهه كَأَنَّمَا يذكر قوما يصبحهم الْأَمر غدْوَة أَو عَشِيَّة وَكَانَ إِذا كَانَ حَدِيث عهد بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لم يبتسم ضَاحِكا حَتَّى يرْتَفع عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: بِالنعَم الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْهِم أنجاهم من آل فِرْعَوْن وفلق لَهُم الْبَحْر وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: بوقائع الله فِي الْقُرُون الأولى
وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير وابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} قَالَ: نعم العَبْد عبد إِذا ابْتُلِيَ صَبر وَإِذا أعطي شكر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريح - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {لكل صبار شكور} قَالَ: وجدنَا أصبرهم أشكرهم وأشكرهم أصبرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّبْر نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
قَالَ: فَذكرت هَذَا الحَدِيث للعلاء بن يزِيد - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: أوليس هَذَا فِي الْقُرْآن {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} إِن فِي ذَلِك لآيَات للموقنين

(5/6)


آيَة 7 - 8

(5/7)


وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَإِذ تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم} قَالَ: أخْبرهُم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَن ربه عز وَجل أَنهم إِن شكروا النِّعْمَة زادهم من فَضله وأوسع لَهُم فِي الرزق وأظهرهم على الْعَالمين
وَأخرج عبد الله بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَإِذ تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم} قَالَ: حق على الله أَن يُعْطي من سَأَلَهُ وَيزِيد من شكره وَالله منعم يحب الشَّاكِرِينَ فاشكروا لله نَعَمَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: (لَئِن شكرتم لأزيدنكم) قَالَ: من طَاعَتي
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإيمانعن عَليّ بن الصَّالح - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} قَالَ: لَا تذْهب أَنفسكُم إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَهْون على الله من ذَلِك
وَلَكِن يَقُول {لَئِن شكرتم} هَذِه النِّعْمَة إِنَّهَا مني {لأزيدنكم} من طَاعَتي
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي زُهَيْر يحيى بن عُطَارِد بن مُصعب عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أعطي أحد أَرْبَعَة فَمنع أَرْبَعَة مَا أعطي أحد الشُّكْر فَمنع الزِّيَادَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمَا أعطي أحد الدُّعَاء فَمنع الإِجابة لِأَن الله يَقُول: (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم) وَمَا أعطي أحد الاسْتِغْفَار فَمنع الْمَغْفِرَة لِأَن الله يَقُول: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) (سُورَة نوح آيَة 10) وَمَا أعطي أحد التَّوْبَة فَمنع التقبل لِأَن الله يَقُول: (وهوالذي يقبل التَّوْبَة عَن عباده) (سُورَة الشورى آيَة 25)

(5/7)


وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَائل فَأمر لَهُ بتمرة فَلم يَأْخُذهَا وَأَتَاهُ آخر فَأمر لَهُ بتمرة فقبلها وَقَالَ: تَمْرَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: اذهبي إِلَى أم سَلمَة فَأعْطِيه الْأَرْبَعين درهما الَّتِي عِنْدهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ -: أَن سَائِلًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ تَمْرَة فَقَالَ الرجل سُبْحَانَ الله

نَبِي من الْأَنْبِيَاء يتَصَدَّق بتمرة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما علمت أَن فِيهَا مَثَاقِيل ذَر كَثِيرَة فَأَتَاهُ آخر فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ فَقَالَ تَمْرَة من نَبِي لَا تُفَارِقنِي هَذِه التمرة مَا بقيت وَلَا أَزَال أَرْجُو بركتها أبدا
فَأمر لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْرُوف وَمَا لبث الرجل أَن اسْتغنى
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق مَالك بن أنس عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ - لما قَالَ لَهُ سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ -: لَا أقوم حَتَّى تُحَدِّثنِي - قَالَ جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ -: أما أَنِّي أحَدثك وَمَا كَثْرَة الحَدِيث بِخَير لَك يَا سُفْيَان إِذا أنعم الله عَلَيْك بِنِعْمَة فَأَحْبَبْت بقاءها ودوامها فَأكْثر من الْحَمد وَالشُّكْر عَلَيْهَا فَإِن الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَإِذا اسْتَبْطَأَتْ الرزق فَأكْثر من الاسْتِغْفَار فَإِن الله قَالَ فِي كِتَابه: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين) (سُورَة نوح الْآيَات 10 - 11 - 12
) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا) (الشورى آيَة 25) ياسفيان إِذا أحزنك أَمر من سُلْطَان أوغيره فَأكْثر من لاحول وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهَا مِفْتَاح الْفرج وكنز من كنوز الْجنَّة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع من أعطيهن لم يمْنَع من الله أَرْبعا: من أعطي الدُّعَاء لم يمْنَع الاجابة قَالَ الله: (ادْعُونِي استجب لكم) وَمن أعطي الاسْتِغْفَار لم يمْنَع الْمَغْفِرَة قَالَ الله تَعَالَى: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) وَمن أعطي الشُّكْر لم يمْنَع الزِّيَادَة قَالَ الله: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمن أعطي التَّوْبَة لم يمْنَع الْقبُول قَالَ الله: (وهوالذي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات)

(5/8)


وَأخرج ابْن مرويه عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أعطي الشُّكْر لم يحرم الزِّيَادَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمن أعطي التَّوْبَة لم يحرم الْقبُول لِأَن الله يَقُول: (وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أُلْهِمَ خَمْسَة لم يحرم خَمْسَة من ألهم الدُّعَاء لم يحرم الإِجابة لِأَن الله يَقُول: (ادْعُونِي استجب لكم) وَمن ألهم التَّوْبَة لم يحرم الْقبُول لِأَن الله يَقُول: (وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده) وَمن ألهم الشُّكْر لم يحرم الزِّيَادَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمن ألهم الاسْتِغْفَار لم يحرم الْمَغْفِرَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) وَمن ألهم النَّفَقَة لم يحرم الْخلف لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: (وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه) (سُورَة سبأ آيَة 29
)

آيَة 9

(5/9)


أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرؤهَا وعاداً وثموداً وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله قَالَ: كذب النسابون
وأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن مَيْمُون - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي مجلز - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رجل لعَلي بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ -: أَنا أنسب النَّاس
قَالَ: إِنَّك لَا تنْسب النَّاس
قَالَ: بلَى
فَقَالَ لَهُ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى: (وعاداً وثمودا

(5/9)


وَأَصْحَاب الرس وقروناً بَين ذَلِك كثيرا) (سُورَة الْفرْقَان آيَة 38
) قَالَ: أَنا أنسب ذَلِك الْكثير
قَالَ: أَرَأَيْت قَوْله: {ألم يأتكم نبأ الَّذين من قبلكُمْ قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله} فَسكت
وَأخرج أَبُو عيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا وجدنَا أحدا يعرف مَا وَرَاء معد بن عدنان
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل ثَلَاثُونَ أَبَا لَا يعْرفُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ: لما سمعُوا كتاب الله عجبوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِم إِلَى أَفْوَاههم {وَقَالُوا إِنَّا كفرنا بِمَا أرسلتم بِهِ وَإِنَّا لفي شكّ مِمَّا تدعوننا إِلَيْهِ مريب} يَقُولُونَ: لَا نصدقكم فِيمَا جئْتُمْ بِهِ فَإِن عندنَا فِيهِ شكا قَوِيا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: كذبُوا رسلهم بِمَا جاؤوهم من الْبَينَات فَردُّوهُ عَلَيْهِم بأفواههم وَقَالُوا: {وَإِنَّا لفي شكّ مِمَّا تدعوننا إِلَيْهِ مريب} وكذبوا مَا فِي الله عز وَجل شكّ أَفِي من فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم وَأظْهر لكم من النعم والآلاء الظَّاهِرَة مَا لَا يشك فِي الله عز وَجل
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: ردوا عَلَيْهِم قَوْلهم وكذبوهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: عضوا عَلَيْهَا
وَفِي لفظ: عضوا على أناملهم غيظاً على رسلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن يزِيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم}

(5/10)


قَالَ: أدخلُوا أَصَابِعهم فِي أَفْوَاههم
قَالَ: وَإِذا غضب الْإِنْسَان عض على يَده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: هُوَ التَّكْذِيب

آيَة 10 - 12

(5/11)


قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: مَا قد خطّ من الْأَجَل فَإِذا جَاءَ الْأَجَل من الله لم يُؤَخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: مَا قد خطّ الْأَجَل فَإِذا جَاءَ الْأَجَل من الله لم يُؤَخر
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي الد دَاء - رَضِي الله عَنهُ - مَرْفُوعا: إِذا آذَاك البرغوث فَخذ قدحاً من مَاء واقرأ عَلَيْهِ سبع مَرَّات {وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله}

(5/11)


الْآيَة ثمَّ ترش حول فراشك
وَأخرج المستغفري فِي الدَّعْوَات عَن أبي ذَر - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَإِذا آذَاك البرغوث فَخذ قدحاً من مَاء واقرأ عَلَيْهِ سبع مَرَّات {وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله} الْآيَة
فَإِن كُنْتُم مُؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عَنَّا ثمَّ ترشه حول فراشك فَإنَّك تبيت آمنا من شَرها

آيَة 13 - 16

(5/12)


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الرُّسُل والؤمنون يستضعفهم قَومهمْ ويقهرونهم ويكذبونهم ويدعونهم إِلَى أَن يعودوا فِي ملتهم فَأبى الله لرسله والؤمنين أَن يعودوا فِي مِلَّة الْكفْر وَأمرهمْ أَن يتوكلوا على الله وَأمرهمْ أَن يستفتحوا على الْجَبَابِرَة وَوَعدهمْ أَن يسكنهم الأَرْض من بعدهمْ فأنجز الله لَهُم وعدهم واستَفتحوا كَمَا أَمرهم الله أَن يستفتحوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ولنسكننكم الأَرْض من بعدهمْ} قَالَ: وعدهم النَّصْر فِي الدُّنْيَا وَالْجنَّة فِي الْآخِرَة
فَبين اله تَعَالَى من يسكنهَا من عباده فَقَالَ: (وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان) (سُورَة الرَّحْمَن آيَة 46
) وَإِن لله مقَاما هُوَ قائمه وَإِن أهل الإِيمان خَافُوا ذَلِك الْمقَام فنصبوا ودأبوا اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما أنزل الله على نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا) (سُورَة التَّحْرِيم آيَة 6
) تَلَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه ذَات لَيْلَة فَخر فَتى مغشياً عَلَيْهِ فَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على فُؤَاده فَإِذا هُوَ يَتَحَرَّك فَقَالَ: يَا فَتى قل لَا إِلَه إِلَّا الله
فَقَالَهَا

(5/12)


فبشره بِالْجنَّةِ فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أَمن بَيْننَا قَالَ: أما سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة (ياأيها الَّذين آمنُوا قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة) (سُورَة التَّحْرِيم آيَة 6
) وَلَفظ الْحَكِيم لما أنزل الله على نبيه صلى الله علية وَسلم هَذِه الْآيَة تَلَاهَا على أَصْحَابه وَفِيهِمْ شيخ
وَلَفظ الْحَكِيم فَتى
فَقَالَ: يارسول الله حِجَارَة جَهَنَّم كحجارة الدُّنْيَا فَقَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لصخرة من صَخْر جَهَنَّم أعظم من جبال الدُّنْيَا
فَوَقع مغشياً عَلَيْهِ فَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على فُؤَاده فَإِذا هُوَ حَيّ فناداه فَقَالَ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله
فَقَالَهَا فبشره بِالْجنَّةِ: فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أَمن بَيْننَا فَقَالَ: نعم يَقُول الله عز وَجل (وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان) (سُورَة الرَّحْمَن آيَة 46
) {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد}
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق حَمَّاد بن أبي حميد عَن مَكْحُول عَن عِيَاض بن سُلَيْمَان - رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خِيَار أمتِي فِيمَا أنبأني الْمَلأ الْأَعْلَى قوم يَضْحَكُونَ جَهرا فِي سَعَة رَحْمَة رَبهم ويبكون سرا من خوف عَذَاب رَبهم يذكرُونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي فِي الْبيُوت الطّيبَة والمساجد ويدعونه بألسنتهم رغباً ورهبا ويسألونه بأيدهم خفضاً ورفعاً ويقبلون بقلوبهم عوداً وبدءاً فمؤنتهم على النَّاس خَفِيفَة وعَلى أنفسهم ثَقيلَة يدبون بِاللَّيْلِ حُفَاة على أَقْدَامهم كدبيب النَّمْل بِلَا روح وَلَا بذخ يقرؤن الْقُرْآن ويقربون القربان وَيلبسُونَ الخلقان عَلَيْهِم من الله تَعَالَى شُهُود حَاضِرَة وَعين حافظة يتوسمون الْعباد ويتفكرون فِي الْبِلَاد أَرْوَاحهم فِي الدُّنْيَا وَقُلُوبهمْ فِي الْآخِرَة لَيْسَ لَهُم هم إِلَّا أمامهم
أعدُّوا الْجَوَاز لقبورهم وَالْجَوَاز لسلبهم والاستعداد لمقامهم ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد} قَالَ الذَّهَبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - هَذَا حَدِيث عَجِيب مُنكر وَأَحْسبهُ أَدخل عَليّ بن السماك - رَضِي الله - عَنهُ يَعْنِي

(5/13)


شيخ الْحَاكِم الَّذِي حَدثهُ بِهِ
قَالَ: وَلَا وَجه لذكره فِي هَذَا الْكتاب - يَعْنِي الْمُسْتَدْرك - قَالَ وَحَمَّاد ضَعِيف وَلَكِن لَا يحْتَمل مثل هَذَا وَمَكْحُول مُدَلّس وعياض لَا يدْرِي من هُوَ
انْتهى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {واستفتحوا} قَالَ للرسل كلهَا
يَقُول: استنصروا
وَفِي قَوْله: {وخاب كل جَبَّار عنيد} قَالَ: معاند للحق مُجَانب لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {واستفتحوا} قَالَ: استنصرت الرُّسُل على قَومهَا {وخاب كل جَبَّار عنيد} يَقُول: بعيد عَن الْحق معرض عَنهُ أَبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {عنيد} قَالَ: هوالناكب عَن الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: يجمع الله الْخلق فِي صَعِيد وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة: الْجِنّ والإِنس وَالدَّوَاب والهوام فَيخرج عنق من النَّار فَيَقُول وكلت بالعزيز الْكَرِيم والجبار العنيد الَّذِي جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر
قَالَ: فيلقطهم كَمَا يلقط الطيرالحب فيحتوي عَلَيْهِم ثمَّ يذهب بهم إِلَى مَدِينَة من النَّار يُقَال لَهَا كَيْت وَكَيْت فيثوون فِيهَا عَام قبل الْقَضَاء
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينْطق فَيَقُول: إِنِّي وكلت بِثَلَاثَة: بِكُل جَبَّار عنيد وَبِكُل من دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر وبالمصوّرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة فيتكلم بِلِسَان طلق ذلق لَهُ عينان يبصر بهما ولسان يتَكَلَّم بِهِ فَيَقُول: إِنِّي أمرت بِكُل جَبَّار عنيد وَمن دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر وَمن قتل نفسا بِغَيْر نفس فتنضم عَلَيْهِم فتقذفهم فِي النَّار قبل النَّاس بِخَمْسِمِائَة سنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(5/14)


قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم وَاديا يُقَال لَهُ: هبهب حق على الله أَن يسكنهُ كل جَبَّار
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {كل جَبَّار عنيد} قَالَ: الْجَبَّار الْعيار والعنيد الَّذِي يعند عَن حق الله تَعَالَى
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: مصر على الْحِنْث لَا تخفى شواكله يَا وَيْح كل مصر الْقلب جَبَّار وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {ويسقى من مَاء صديد يتجرعه} قَالَ: يقرب إِلَيْهِ فيتكرهه فَإِذا دنا مِنْهُ شوى وَجهه وَوَقعت فَرْوَة رَأسه فَإِذا شربه قطع أمعاءه حَتَّى يخرج من دبره
يَقُول الله تَعَالَى: (وَسقوا مَاء حميماً فَقطع أمعاءهم) (سُورَة مُحَمَّد آيَة 15) قَالَ: (وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه) (سُورَة الْكَهْف آيَة 29)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {من مَاء صديد} قَالَ: مَا يسيل بَين جلد الْكَافِر ولحمه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويسقى من مَاء صديد} قَالَ: الْقَيْح وَالدَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {من مَاء صديد} قَالَ: دم وقيح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويسقى من مَاء صديد} قَالَ: مَاء يسيل من بَين لَحْمه وَجلده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ لَو أَن دلواً من صديد جَهَنَّم دُلي من السَّمَاء فَوجدَ أهل الأَرْض رِيحه لأفسد عَلَيْهِم الدُّنْيَا

(5/15)


آيَة - 17

(5/16)


يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: أَنْوَاع الْعَذَاب
وَلَيْسَ مِنْهَا نوع إِلَّا الْمَوْت يَأْتِيهِ مِنْهُ لَو كَانَ يَمُوت وَلكنه لَا يَمُوت لِأَن الله لَا يقْضِي عَلَيْهِم فيموتوا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان وَمَا هُوَ بميت} قَالَ: تعلق نَفسه عِنْد حنجرته فَلَا تخرج من فِيهِ فَيَمُوت
وَلَا ترجع إِلَى مَكَانهَا من جَوْفه فيجد لذَلِك رَاحَة فتنفعه الْحَيَاة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: من كل عظم وعرق وَعصب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: من كل عُضْو ومفصل
وَأخرج بن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ - رَضِي الله عَنهُ - {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: من كل مَوضِع شَعْرَة فِي جسده {وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ} قَالَ: الخلود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن فُضَيْل بن عِيَاض فِي قَوْله: {وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ} قَالَ حبس الأنفاس
آيَة 18 - 20

(5/16)


مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ أَعْمَالهم كرماد} قَالَ: الَّذين كفرُوا برَبهمْ عبدُوا غَيره

(5/16)


فأعمالهم يَوْم الْقِيَامَة كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف لايقدرون على شَيْء من أَعْمَالهم يَنْفَعهُمْ كَمَا لَا يقدر على الرماد إِذا أرسل فِي يَوْم عاصف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: مثل أَعمال الْكفَّار كرماد ضَربته الرّيح فَلم ير مِنْهُ شَيْء فَكَمَا لم ير ذَلِك الرماد وَلم يقدر مِنْهُ على شَيْء كَذَلِك الْكفَّار لم يقدروا من أَعْمَالهم على شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {كرماد اشتدت بِهِ الرّيح} قَالَ: حَملته الرّيح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَيَأْتِ بِخلق جَدِيد} قَالَ: بِخلق آخر
آيَة - 21

(5/17)


وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَقَالَ الضُّعَفَاء} قَالَ: الأتباع {للَّذين استكبروا} قَالَ: للقادة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا} قَالَ: جزعوا مئة سنة وصبروا مئة سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: إِن أهل النَّار قَالَ بَعضهم لبَعض: تَعَالَوْا نبك ونتضرع إِلَى الله تَعَالَى فَإِنَّمَا أدْرك أهل الْجنَّة الْجنَّة ببكائهم وتضرعهم إِلَى الله

فبكوا فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ قَالُوا: تَعَالَوْا نصبر فَإِنَّمَا أدْرك أهل الْجنَّة الْجنَّة بِالصبرِ

فصبروا صبرا لم ير مثله فَلَمَّا يَنْفَعهُمْ ذَلِك
فَعِنْدَ ذَلِك قَالُوا: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَحسب فِي قَوْله: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص} قَالَ: يَقُول أهل النَّار: هلموا فلنصبر فيصبرون خَمْسمِائَة عَام فَلَمَّا

(5/17)


رَأَوْا ذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ قَالُوا: هلموا فلنجزع

فيبكون خَمْسمِائَة عَام فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ قَالُوا: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص}

آيَة - 22

(5/18)


وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن عقبَة بن عَامر - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذاجمع الله الأوّلين والآخرين وَقضى بَينهم وَفرغ من الْقَضَاء يَقُول الْمُؤْمِنُونَ: قد قضى بَيْننَا رَبنَا وَفرغ من الْقَضَاء فَمن يشفع لنا إِلَى رَبنَا فَيَقُولُونَ: آدم خلقه الله بِيَدِهِ وَكَلمه
فيأتونه فَيَقُولُونَ: قد قضى رَبنَا وَفرغ من الْقَضَاء قُم أَنْت فاشفع إِلَى رَبنَا
فَيَقُول: ائْتُوا نوحًا فَيَأْتُونَ نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فيدلهم على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فيدلهم على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فيدلهم على عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْتُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: أدلكم على الْعَرَبِيّ الْأُمِّي فَيَأْتُوني فَيَأْذَن الله لي أَن أقوم إِلَيْهِ فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قطّ

حَتَّى آتِي رَبِّي فيشفعني وَيجْعَل لي نورا من شعر رَأْسِي إِلَى ظفر قدمي
وَيَقُول الْكَافِرُونَ عِنْد ذَلِك: قد وجد الْمُؤْمِنُونَ من يشفع لَهُم مَا هُوَ إِلَّا إِبْلِيس

فَهُوَ الَّذِي أضلنا
فَيَأْتُونَ إِبْلِيس فَيَقُولُونَ: قد وجد الْمُؤْمِنُونَ من يشفع لَهُم قُم أَنْت فاشفع لنا فَإنَّك أَنْت أضللتنا
فَيقوم إِبْلِيس فيثور مَجْلِسه من أنتن ريح شمها أحد قطّ ثمَّ يعظم لِجَهَنَّم وَيَقُول عِنْد ذَلِك {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتكم}
الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَقَالَ الشَّيْطَان لما قضي الْأَمر} الْآيَة
قَالَ إِبْلِيس يخطبهم فَقَالَ: {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتكم} إِلَى قَوْله: {مَا أَنا بمصرخكم}

(5/18)


يَقُول: بمغن عَنْهُم شَيْئا {وَمَا أَنْتُم بمصرخيّ إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} قَالَ: فَلَمَّا سمعُوا مقَالَته مقتوا أنفسهم فنودوا (لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم) (سُورَة غَافِر 10) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامَ إِبْلِيس خَطِيبًا على مِنْبَر من نَار فَقَالَ: {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} إِلَى قَوْله: {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} قَالَ: بناصري {إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} قَالَ: بطاعتكم إيَّايَ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: خطيبان يقومان يَوْم الْقِيَامَة إِبْلِيس وَعِيسَى بن مَرْيَم فاما إِبْلِيس فَيقوم فِي حزبه فَيَقُول هَذَا القَوْل
وَأما عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: (مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله رَبِّي وربكم وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد)
(سُورَة الْمَائِدَة آيَة 117) وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن من النَّاس من يذلله الشَّيْطَان كَمَا يذلل أحدكُم قعوده من الإِبل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي اله عَنهُ - فِي قَوْله: {مَا أَنا بمصرخكم وَمَا أَنْتُم بمصرخيّ} قَالَ: مَا أَنا بنافعكم وَمَا أَنْتُم بنافعي {إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} قَالَ: شركَة عِبَادَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {مَا أَنا بمصرخكم} قَالَ: مَا أَنا بمغيثكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {بمصرخيّ} قَالَ: بمغيثيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} يَقُول: عصيت الله فِيكُم

(5/19)


آيَة - 23

(5/20)


وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {تحيتهم فِيهَا سَلام} قَالَ: الْمَلَائِكَة يسلمُونَ عَلَيْهِم فِي الْجنَّة

آيَة 24 - 26

(5/20)


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا كلمة طيبَة} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الله {كشجرة طيبَة} وهومؤمن {أَصْلهَا ثَابت} يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله {ثَابت} فِي قَول الْمُؤمن {وفرعها فِي السَّمَاء} يَقُول: يرفع بهَا عمل الْمُؤمن إِلَى السَّمَاء {وَمثل كلمة خبيثة} وَهِي الشّرك {كشجرة خبيثة} وَهِي الْكَافِر {اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} يَقُول الشّرك لَيْسَ لَهُ أصل يَأْخُذ بِهِ الْكَافِر وَلَا برهَان لَهُ وَلَا يقبل الله مَعَ الشّرك عملا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا} الْآيَة
قَالَ: يَعْنِي بِالشَّجَرَةِ الطّيبَة الْمُؤمن
وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الثَّابِت فِي الأَرْض وبالفرع فِي السَّمَاء يكون الْمُؤمن يعْمل فِي الأَرْض وَيتَكَلَّم فَيبلغ عمله وَقَوله السَّمَاء وَهُوَ فِي الأَرْض {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} يَقُول: يذكر الله كل سَاعَة من اللَّيْل وَالنَّهَار
وَفِي قَوْله: {وَمثل كلمة خبيثة} قَالَ: ضرب الله مثل الشَّجَرَة الخبيثة كَمثل الْكَافِر يَقُول: إِن الشَّجَرَة الخبيثة {اجتثت} من فَوق الأَرْض {مَا لَهَا من قَرَار} يَعْنِي أَن الْكَافِر لَا يقبل عمله وَلَا يصعد إِلَى الله تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أصل ثَابت فِي الأَرْض وَلَا فرع فِي السَّمَاء يَقُول: لَيْسَ لَهُ عمل صَالح فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة

(5/20)


وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {كلمة طيبَة كشجرة طيبَة أَصْلهَا ثَابت} فِي الأَرْض وَكَذَلِكَ كَانَ يقْرؤهَا
قَالَ: ذَلِك الْمُؤمن ضرب مثله
قَالَ: الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ {أَصْلهَا ثَابت} قَالَ: أصل عمله ثَابت فِي الأَرْض {وفرعها فِي السَّمَاء} قَالَ: ذكره فِي السَّمَاء {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: يصعد عمله أوّل النَّهَار وَآخره {وَمثل كلمة خبيثة} قَالَ: هَذَا الْكَافِر لَيْسَ لَهُ عمل فِي الأَرْض وَلَا ذكر فِي السَّمَاء {اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} قَالَ: أَعْمَالهم يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} قَالَ: ذَلِك مثل الْمُؤمن لَا يزَال يخرج مِنْهُ كَلَام طيب وَعمل صَالح يصعد إِلَيْهِ {وَمثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} قَالَ: ذَلِك مثل الْكَافِر لَا يصعد لَهُ قَول طيب وَلَا عمل صَالح
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله - عَنهُ فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} إِلَى قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: تَجْتَمِع ثَمَرَتهَا كل حِين
وَهَذَا مثل الْمُؤمن يعْمل كل حِين وكل سَاعَة من النَّهَار وكل سَاعَة من اللَّيْل وَفِي الشتَاء وَفِي الصَّيف بِطَاعَة الله
قَالَ: وَضرب الله مثل الْكَافِر {كشجرة خبيثة اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} يَقُول: لَيْسَ لَهَا أصل وَلَا فرع وَلَيْسَت لَهَا ثَمَرَة وَلَيْسَت لَهَا مَنْفَعَة
كَذَلِك الْكَافِر لَيْسَ يعْمل خيرا وَلَا يَقُوله وَلم يَجْعَل الله تَعَالَى فِيهِ بركَة وَلَا مَنْفَعَة لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الله جعل طَاعَته نورا ومعصيته ظلمَة
إِن الإِيمان فِي الدُّنْيَا هُوَ النُّور يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِنَّه لَا خير فِي قَول وَلَا عمل لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا فرع وَإنَّهُ قد ضرب مثل الإِيمان فَقَالَ: {ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا كلمة طيبَة} إِلَى قَوْله: {وفرعها فِي السَّمَاء} وَإِنَّمَا هِيَ الْأَمْثَال فِي الإِيمان وَالْكفْر
فَذكر أَن العَبْد الْمُؤمن المخلص هُوَ الشَّجَرَة
إِنَّمَا ثَبت أَصله فِي الأَرْض وَبلغ فَرعه فِي السَّمَاء
إِن الأَصْل الثَّابِت الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ ثمَّ إِن الْفَرْع هِيَ الْحَسَنَة
ثمَّ يصعد عمله أول النَّهَار وَآخره فَهِيَ {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} ثمَّ هِيَ أَرْبَعَة

(5/21)


أَعمال إِذا جمعهَا العَبْد: الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ وخشيته وحبه وَذكره
إذاجمع ذَلِك فَلَا تضره الْفِتَن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ
فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو عمد إِلَى مَتَاع الدُّنْيَا فَركب بَعْضهَا إِلَى بعض أَكَانَ يبلغ السَّمَاء

أَفلا أخْبرك بِعَمَل أَصله فِي الأَرْض وفرعه فِي السَّمَاء تَقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله عشر مَرَّات فِي دبر كل صَلَاة
فَذَلِك أَصله فِي الأَرْض وفرعه فِي السَّمَاء
أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبرَاز وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقناع من بسر فَقَالَ: {مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} حَتَّى بلغ {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة {وَمثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} حَتَّى بلغ {مَا لَهَا من قَرَار} قَالَ: هِيَ الحنظلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والرامهرمزي فِي الْأَمْثَال عَن شُعَيْب بن الْحجاب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كُنَّا عِنْد أنس فأتينا بطبق عَلَيْهِ رطب فَقَالَ أنس - رَضِي الله عَنهُ لأبي الْعَالِيَة - رَضِي الله عَنهُ - كل يَا أَبَا الْعَالِيَة فَإِن هَذَا من الشَّجَرَة الَّتِي ذكر الله فِي كِتَابه ضرب الله مثلا طيبَة كشجرة طيبَة ثَابت أَصْلهَا قَالَ: هَكَذَا قَرَأَهَا يَوْمئِذٍ أنس
قَالَ التِّرْمِذِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا ينقص وَرقهَا
هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جريروابن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اخبروني مثل الرجل الْمُسلم لَا يتحات وَرقهَا وَلَا وَلَا تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا
قَالَ عبد الله - رَضِي الله عَنهُ -: فَوَقع فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة فَإِذا أَنا أَصْغَر الْقَوْم
وَثمّ أَبُو بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَلَمَّا لم يتكلما بِشَيْء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما نزلت هَذِه

(5/22)


الْآيَة {ضرب الله مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ أَي شَجَرَة هَذِه قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
قَالَ عبد الله بن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَقلت وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لقد وَقع فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة وَلَكِنِّي كنت أَصْغَر الْقَوْم لم أحب أَن أَتكَلّم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك: لَيْسَ منا من لم يوقر كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا الشَّجَرَة الطّيبَة قَالَ ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -: فَأَرَدْت أَن أَقُول هِيَ النَّخْلَة فَمَنَعَنِي مَكَان عمر
فَقَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَة وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ بكرَة وَعَشِيَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
وَقَوله: {كشجرة خبيثة} قَالَ: هِيَ الحنظلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والرامهرمزي عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة لَا يزَال فِيهَا شَيْء ينْتَفع بِهِ إِمَّا ثَمَرَة وَإِمَّا حطب
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَلِمَة الطّيبَة تَنْفَع صَاحبهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: كل سَاعَة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والشتاء والصيف
وَذَلِكَ مثل الْمُؤمن يُطِيع ربه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والشتاء والصيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {تؤتي أكلهَا} قَالَ: يكون أَخْضَر ثمَّ يكون أصفر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: جذاذ النّخل

(5/23)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن رجل حلف أَن لَا يصنع كَذَا وَكَذَا إِلَى حِين فَقَالَ: إِن من الْحِين حينا يدْرك وَمن الْحِين حينا لَا يدْرك
فالحين الَّذِي لَا يدْرك قَوْله: (ولتعلمن نبأه بعد حِين) (ص آيَة 88
) والحين الَّذِي يدْرك {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} وَذَلِكَ من حِين تصرم النَّخْلَة إِلَى حِين تطلع وَذَلِكَ سِتَّة أشهر
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت أَن لَا أكلم أخي حينا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -: أوقتَّ شَيْئا
قَالَ: لَا
قَالَ: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} فالحين سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْحِين سِتَّة أشهر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الْحِين قد يكون غدْوَة وَعَشِيَّة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سُئِلَ عَن رجل حلف لَا يكلم أَخَاهُ حينا
قَالَ: الْحِين سِتَّة اشهر
ثمَّ ذكر النَّخْلَة مَا بَين حملهَا إِلَى صرامها سِتَّة أشهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - الْحِين حينان: حِين يعرف وَحين لَا يعرف
فَأَما الْحِين الَّذِي لَا يعرف فَقَوله: (ولتعلمن نبأه بعد حِين) (ص آيَة 88
) وَأما الْحِين الَّذِي يعرف فَقَوله: {تؤتي أكلهَا كل حِين}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {كل حِين} قَالَ: كل سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ أرسل إليّ عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ: يامولى ابْن عَبَّاس إِنِّي حَلَفت أَن ل اأفعل كَذَا وَكَذَا حينا فَمَا

(5/24)


الْحِين الَّذِي يعرف بِهِ فَقلت إِن من الْحِين حينا لَا يدْرك فَقَوْل الله: (هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا) (الإِنسان آيَة 1) وَالله مَا نَدْرِي كم أَتَى لَهُ إِلَى أَن خلق وَأما الَّذِي يدْرك فَقَوله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} فَهُوَ مابين الْعَام إِلَى الْعَام الْمقبل فَقَالَ: أصبت يَا مولى ابْن عَبَّاس مَا أحسن مَا قلت

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد ابْن الْمسيب قَالَ: الْحِين يكون شَهْرَيْن والنخلة إِنَّمَا يكون حملهَا شَهْرَيْن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: تُؤْكَل ثَمَرَتهَا فِي الشتَاء والصيف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: فِي كل سَبْعَة أشهر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: هوشجر جوز الْهِنْد لَا يتعطل من ثَمَر يحمل فِي كل شهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ شَجَرَة فِي الْجنَّة
وَفِي قَوْله: {كشجرة خبيثة} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لم يخلق الله هَذِه الشَّجَرَة على وَجه الأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان الله قلب الْعباد ظهرا وبطناً فَكَانَ خير الْعَرَب قُريْشًا
وَهِي الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قَالَ الله فِي كِتَابه: {مثلا كلمة طيبَة} يَعْنِي الْقُرْآن {كشجرة طيبَة} يَعْنِي بهَا قُريْشًا {أَصْلهَا ثَابت} يَقُول: أَصْلهَا كَبِير {وفرعها فِي السَّمَاء} يَقُول: الشّرف الَّذِي شرفهم الله بالإِسلام الَّذِي هدَاهُم الله لَهُ وجعلهم من أَهله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق حَيَّان بن شُعْبَة عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كشجرة خبيثة} قَالَ: الشريان
قلت لأنس: وَمَا الشريان قَالَ: الحنظل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر حميد بن زِيَاد الْخَرَّاط فِي الْآيَة قَالَ: الشَّجَرَة الخبيثة الَّتِي تجْعَل فِي الْمُسكر

(5/25)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قعد نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا هَذِه الْآيَة {اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله نرَاهُ الكمأة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الكمأة من الْمَنّ وماؤها شِفَاء للعين
والعجوة من الْجنَّة وَهِي شِفَاء من السم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {اجتثت من فَوق الأَرْض} قَالَ: استؤصلت من فَوق الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اعقلوا من الله الْأَمْثَال
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: أَن رجلا لَقِي رجلا من أهل الْعلم فَقَالَ: مَا تَقول فِي الْكَلِمَة الخبيثة فَقَالَ: مَا أعلم لَهَا فِي الأَرْض مُسْتَقرًّا وَلَا فِي السَّمَاء مصعداً إِلَّا أَن تلْزم صَاحبهَا حَتَّى يوافي بهَا الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن أبي الْعَالِيَة: أَن رجلا خالجت الرّيح رِدَاءَهُ فلعنها
فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تلعنها فَإِنَّهَا مأمورة وَإنَّهُ من لعن شَيْئا لَيْسَ لَهُ بِأَهْل رجعت اللَّعْنَة على صَاحبهَا

آيَة - 27

(5/26)


يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)

أخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُسلم إِذا سُئِلَ فِي الْقَبْر يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَذَلِك قَوْله سُبْحَانَهُ: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ فِي قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: ذَلِك فِي الْقَبْر إِن كَانَ صَالحا وفْق وَإِن كَانَ لَا خير فِيهِ وجد أثلة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد بن حَنْبَل وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه

(5/26)


وَالْحَاكِم فِي صَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَلَسْنَا حوله - وَكَأن على رؤوسنا الطير - وَفِي يَده عودا ينكت بِهِ الأَرْض فَرفع رَأسه فَقَالَ: استعيذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر - مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
ثمَّ قَالَ: إنَّ العَبْد الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة نزل إِلَيْهِ مَلَائِكَة من السَّمَاء بيض الْوُجُوه كأنَّ وُجُوههم الشَّمْس مَعَهم كفن من أكفان الْجنَّة وحنوط من حنوط الْجنَّة حَتَّى يجلسوا مِنْهُ مد الْبَصَر
ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت ثمَّ يجلس عِنْد رَأسه فَيَقُول: أيتها النَّفس المطمئنة اخْرُجِي إِلَى مغْفرَة من الله ورضوان
قَالَ: فَتخرج

تسيل كَمَا تسيل القطرة من فِي السقاء وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ غير ذَلِك فيأخذها فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يأخذوها فيجعلوها فِي ذَلِك الْكَفَن وَفِي ذَلِك الحنوط وَيخرج مِنْهَا أطيب نفحة مسك وجدت على وَجه الأَرْض فيصعدون بهَا فَلَا يَمرونَ على ملإٍ من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الطّيب فَيَقُولُونَ: فلَان بن فلَان بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يسمونها فِي الدُّنْيَا وَحَتَّى ينْتَهوا بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتحون لَهُ فَيفتح لَهُم فيشيعه من كل سَمَاء مقربوها إِلَى السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى تَنْتَهِي بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَقُول الله: اكتبوا كتاب عَبدِي فِي عليين وأعيدوه إِلَى الأَرْض فَإِنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى
فتعاد روحه فِي جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: رَبِّي الله
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: ديني الإِسلام
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول: هُوَ رَسُول الله
فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا علمك فَيَقُول: قَرَأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدّقت
فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن صدق عَبدِي فافرشوه من الْجنَّة وألبسوه من الْجنَّة وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره ويأتيه رجل حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب طيب الرّيح فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يَسُرك

هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد
فَيَقُول لَهُ: من أَنْت فوجهك الْوَجْه يَجِيء بِالْخَيرِ
فَيَقُول لَهُ: أَنا عَمَلك الصَّالح
فَيَقُول: رب أقِم السَّاعَة

رب أقِم السَّاعَة حَتَّى أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي
قَالَ: وَإِن العَبْد الْكَافِر إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة نزل

(5/27)


إِلَيْهِ من السَّمَاء مَلَائِكَة سوء الْوُجُوه مَعَهم مسوح
فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت حَتَّى يجلس عِنْد رَأسه يَقُول: أيتها النَّفس الخبيثة اخْرُجِي إِلَى سخط من الله وَغَضب
فَتفرق فِي جسده فينتزعها كَمَا ينتزع السفود من الصُّوف المبلول فيأخذها
فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يجعلوها فِي تِلْكَ المسوح
وَيخرج مِنْهَا كأنتن ريح جيفة وجدت على وَجه الأَرْض
فيصعدون بهَا

فَلَا يَمرونَ بهَا على ملإٍ من الْمَلَائِكَة
إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الْخَبيث

فَيَقُولُونَ فلَان بن فلَان بأقبح أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسمى بهَا فِي الدُّنْيَا
حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتح فَلَا يفتح لَهُ
ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء) (الْحَج آيَة 31) فَيَقُول الله عز وَجل اكتبوا كِتَابه فِي سِجِّين فِي الأَرْض السُّفْلى
فتطرح روحه طرحاً
ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} (الْحَج آيَة 31) فتعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: من رَبك هاه

هاه

لَا أَدْرِي
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: هاه

هاه لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول: هاه

هاه

لَا أَدْرِي فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن كذب عَبدِي فافرشوه من النَّار وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار
فيأتيه من حرهَا وسمومها ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه ويأتيه رجل قَبِيح الْوَجْه قَبِيح الثِّيَاب منتن الرّيح فَيَقُول أبشر بِالَّذِي يسوءك

هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد
فَيَقُول: من أَنْت

فوجهك الْوَجْه يَجِيء بِالشَّرِّ
فَيَقُول: أَنا عَمَلك الْخَبيث
فَيَقُول: رب لَا تقم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: التثبيت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا إِذا جَاءَ الْملكَانِ إِلَى الرجل والقبر فَقَالَا لَهُ: من رَبك قَالَ: رَبِّي الله
قَالَا: وَمَا دينك قَالَ: ديني الإِسلام قَالَا: وَمن نبيك قَالَ: نبيي مُحَمَّد فَذَلِك التثبيت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله

(5/28)


عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: {فِي الْآخِرَة} الْقَبْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: المخاطبة فِي الْقَبْر: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: هَذَا فِي الْقَبْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِي يفتن أهل الْقُبُور وَفِيه نزلت {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَائِشَة قَالَت: قلت يارسول الله تبتلى هَذِه الْأمة فِي قبورها فَكيف بِي وَأَنا امْرَأَة ضَعِيفَة قَالَ: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَذكر قبض روح الْمُؤمن: فيأتيه آتٍ فَيَقُول: من رَبك فَيَقُول: الله
فَيَقُول: وَمَا دينك فَيَقُول: الإِسلام
فَيَقُول: وَمن نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد
ثمَّ يسْأَل الثَّانِيَة فَيَقُول مثل ذَلِك ثمَّ يسْأَل الثَّالِثَة وَيُؤْخَذ أخذا شَدِيدا فَيَقُول مثل ذَلِك
فَذَلِك قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا حَضَره الْمَوْت شهدته الْمَلَائِكَة فَسَلمُوا عَلَيْهِ وبشروه بِالْجنَّةِ فَإِذا مَاتَ مَشوا مَعَه فِي جنَازَته ثمَّ صلوا عَلَيْهِ مَعَ النَّاس فَإِذا دفن أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول: رَبِّي الله
فَيُقَال لَهُ: من رَسُولك فَيَقُول: مُحَمَّد
فَيُقَال لَهُ: مَا شهادتك فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا} الْآيَة
فيوسع لَهُ فِي قَبره مد بَصَره
وَأما الْكَافِر فتنزل الْمَلَائِكَة فيبسطون أَيْديهم - والبسط هُوَ الضَّرْب - يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم عِنْد الْمَوْت فَإِذا دخل قَبره أقعد فَقيل لَهُ من رَبك فَلم يرجع

(5/29)


إِلَيْهِم شَيْئا فَذَلِك قَوْله: {ويضل الله الظَّالِمين}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول: رَبِّي الله وديني الإِسلام ونبيي مُحَمَّد
فيوسع لَهُ فِي قَبره ويفرج لَهُ فِيهِ
ثمَّ قَرَأَ {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} الْآيَة
وَإِن الْكَافِر إِذا دخل قَبره أَجْلِس فَقيل لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول لَا أَدْرِي
فيضيق عَلَيْهِ قَبره ويعذب فِيهِ
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود (وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا) (طه آيَة 124)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول: الله
فَيُقَال لَهُ: من نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله
فَيُقَال لَهُ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى منزلتك لَو زِغْت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَنْزِلك فِي الْجنَّة أَن ثبتّ
وأذا مَاتَ الْكَافِر أَجْلِس فِي قبر فَيُقَال: من رَبك من نبيك

فَيَقُول: لَا أَدْرِي

كنت أسمع النَّاس يَقُولُونَ
فَيُقَال لَهُ: لَا دَريت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَنْزِلك لَو ثَبَتّ ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَنْزِلك إِذْ زِغْت
فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر بِسَنَد صَحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَنَازَة فَقَالَ: ياأ يها النَّاس إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فَإِذا الإِنسان دفن فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه جَاءَهُ ملك فِي يَده مطراق فأقعده قَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَإِن كَانَ مُؤمنا قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول لَهُ: صدقت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار

(5/30)


فَيَقُول لَهُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلك لَو كفرت بِرَبِّك فَأَما إِذا آمَنت فَهَذَا مَنْزِلك
فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فيريد أَن ينْهض إِلَيْهِ فَيَقُول لَهُ: اسكن
ويفسح لَهُ فِي قَبره
وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو منافقاً قيل لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: لَا أَدْرِي

سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا
فَيَقُول لَا دَريت وَلَا تليت وَلَا اهتديت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيَقُول: هَذَا مَنْزِلك لَو آمَنت بِرَبِّك فَأَما إِذْ كفرت بِهِ فَإِن الله أبدلك مِنْهُ هَذَا وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ثمَّ يقمعه مقمعَة بالمطراق يسْمعهَا خلق الله كلهَا غيرالثقلين
فَقَالَ بعض الْقَوْم: يَا رَسُول الله مَا أحد يقوم عَلَيْهِ ملك فِي يَده مطراق إِلَّا هُبل عِنْد ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: شَهِدنَا جَنَازَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا فرغ من دَفنهَا وَانْصَرف النَّاس قَالَ: إِنَّه الْآن يسمع خَفق نعالكم أَتَاهُ مُنكر وَنَكِير

عيناهما مثل قدور النّحاس وأنيابهما مثل صياصي الْبَقر وأصواتهما مثل الرَّعْد فيجلسانه فيسألانه مَا كَانَ يعبد وَمن نبيه
فَإِن كَانَ مِمَّن يعبد الله قَالَ: كنت أعبد الله ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى فَآمَنا بِهِ واتبعناه
فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} فَيُقَال لَهُ: على الْيَقِين حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة ويُوسع لَهُ فِي حفرته
وَإِن كَانَ من أهل الشَّك قَالَ: لَا أَدْرِي

سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته
فَيُقَال لَهُ: على الشَّك حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ويسلط عَلَيْهِ عقارب وتنانين لَو نفخ أحدهم فِي الدُّنْيَا مَا أنبتت شَيْئا تنهشه وتؤمر الأَرْض فتنضم عَلَيْهِ حَتَّى تخْتَلف أضلاعه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الْمَيِّت إِذا وضع فِي قَبره إِنَّه ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون عَنهُ فَإِذا كَانَ مُؤمنا كَانَت الصَّلَاة عِنْد رَأسه وَالزَّكَاة عَن يَمِينه وَالصَّوْم عَن شِمَاله
وَفعل الْخيرَات وَالْمَعْرُوف والاحسان إِلَى النَّاس من قبل رجلَيْهِ
فَيُؤتى من قبل رَأسه فَتَقول الصَّلَاة: لَيْسَ قبلي مدْخل
فَيُؤتى عَن يَمِينه فَتَقول الزَّكَاة: لَيْسَ قبلي مدْخل
وَيُؤْتى من قبل شِمَاله فَيَقُول الصَّوْم: لَيْسَ قبلي

(5/31)


مدْخل
ثمَّ يُؤْتى من قبل رجلَيْهِ فَيَقُول فعل الْخيرَات وَالْمَعْرُوف والإِحسان إِلَى النَّاس: لَيْسَ قبلي مدْخل
فَيُقَال لَهُ: اجْلِسْ
فيجلس وَقد مثلت لَهُ الشَّمْس قد قربت للغروب فَيُقَال: أخبرنَا عَمَّا نَسْأَلك
فَيَقُول: دَعْنِي حَتَّى أُصَلِّي
فَيُقَال: إِنَّك ستفعل فَأخْبرنَا عَمَّا نَسْأَلك
فَيَقُول: عَم تَسْأَلُونِي فَيُقَال لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيَقُول: أشهد أَنه رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد رَبنَا فصدقْنا واتبعْنا
فَيُقَال لَهُ: صدقت
على هَذَا حييت وعَلى هَذَا مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله
ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره
فَذَلِك قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} وَيُقَال: افتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فَيُقَال: هَذَا كَانَ مَنْزِلك لَو عصيت الله
فَيَزْدَاد غِبْطَة وسرور فيعاد الْجَسَد إِلَى مَا بدا مِنْهُ من التُّرَاب وَيجْعَل روحه فِي النسيم الطّيب وَهِي طير خضر تعلق فِي شجر فِي الْجنَّة
وَأما الْكَافِر فَيُؤتى فِي قَبره من قبل رَأسه فَلَا يُوجد شَيْء
فَيُؤتى من قبل رجلَيْهِ فَلَا يُوجد شَيْء
فيجلس خَائفًا مَرْعُوبًا
فَيُقَال لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم وَمَا تشهد بِهِ فَلَا يَهْتَدِي لاسمه
فَيُقَال: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت كَمَا قَالُوا: فَيُقَال لَهُ: صدقت
على هَذَا حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: (وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا) (طه آيَة 124)
فَيُقَال: افتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة
فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة
فَيُقَال هَذَا مَنْزِلك وَمَا أعد الله لَك لَو كنت أطعته فَيَزْدَاد حسرة وثبوراً
ثمَّ يُقَال: افتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فَيفتح لَهُ بابٌ إِلَيْهَا فَيُقَال لَهُ: هَذَا مَنْزِلك وَمَا أعد الله لَك فَيَزْدَاد حسرة وثبوراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هر يرة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: ذَاك إِذا قيل فِي الْقَبْر: من رَبك وَمَا دينك فَيَقُول رَبِّي الله وديني الْإِسْلَام ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى من الله فآمنت بِهِ وصدقت
فَيُقَال لَهُ: صدقت على هَذَا عِشْت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث

(5/32)


وَأخرج ابْن جرير عَن طَاوس فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} الْآيَة
هِيَ فتْنَة الْقَبْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْمسيب بن رَافع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي صَاحب الْقَبْر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي الْمَيِّت الَّذِي يسْأَل فِي قَبره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {يثبت الله الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: هَذَا فِي الْقَبْر ومخاطبته
وَأخرج ابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {وَفِي الْآخِرَة} قَالَ الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: أما الْحَيَاة الدُّنْيَا فيثبتهم بِالْخَيرِ وَالْعَمَل الصَّالح
وَأما قَوْله: {وَفِي الْآخِرَة} فَفِي الْقَبْر وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {يثبت الله الَّذين آمنُوا} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن فِي قَبره عِنْد محنته يَأْتِيهِ ممتحناه فَيَقُولَانِ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك

فَيَقُول: الله رَبِّي وديني الإِسلام
فَيَقُولَانِ: ثبتك الله لما يحب ويرضى
ويفسحان لَهُ فِي قَبره مد الْبَصَر ويفتحان لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة ويقولان: نم قرير الْعين نومَة الشَّاب النَّائِم الآمن فِي خير مقيل
وَفِيه نزلت (أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا) (الْفرْقَان آيَة 24)
وَأما الْكَافِر فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول: لَا أَدْرِي

فَيَقُولَانِ: لَا دَريت وَلَا اهتديت
فيضربانه بِسَوْط من النَّار يذعر لَهَا كل دَابَّة مَا خلا الْجِنّ والإِنس ثمَّ يفتحان لَهُ بَابا إِلَى النَّار ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى يخرج دماغه من بَين أَظْفَاره ولحمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وضع الْمَيِّت فِي قَبره جَاءَهُ ملكان فَسَأَلَاهُ فَقَالَا: كَيفَ تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي

(5/33)


كَانَ بَين أظْهركُم الَّذِي يُقَال لَهُ مُحَمَّد فلقنه الله الثَّبَات وثبات الْقَبْر خمس: أَن يَقُول العَبْد: رَبِّي الله وديني الإِسلام

ونبيي مُحَمَّد أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ قَالَا لَهُ: اسْكُتْ فَإنَّك عِشْت مُؤمنا ومت مُؤمنا وتبعث مُؤمنا
ثمَّ أرياه منزله من الْجنَّة يتلألأ بِنور عرش الرَّحْمَن
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن العَبْد إِذا وضع فِي قبر وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه: إِنَّه ليسمع قرع نعَالهمْ يَأْتِيهِ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل - زَاد ابْن مرْدَوَيْه: - الَّذِي كَانَ بَين أظْهركُم الَّذِي يُقَال لَهُ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول: اشْهَدْ أَنه عبد الله وَرَسُوله
فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله بِهِ مقْعدا من الْجنَّة
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: وَذكر لنا أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا ويملأ عَلَيْهِ خضرًا
وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: لَا أَدْرِي كنت أَقُول كَمَا يَقُول النَّاس
فَيُقَال لَهُ لَا دَريت وَلَا تليت
وَيضْرب بمطراق من حَدِيد ضَرْبَة فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها وَإِن الْمُؤمن إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فَسَأَلَهُ: مَا كنت تعبد فَإِن الله هداه قَالَ: كنت أعبد الله
فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله
فَمَا يسْأَل عَن شَيْء بعْدهَا فَينْطَلق إِلَى بَيت كَانَ لَهُ فِي النَّار فَيُقَال لَهُ: هَذَا بَيْتك كَانَ لَك فِي النَّار وَلَكِن الله عصمك ورحمك فأبدلك بَيْتا فِي الْجنَّة
فَيَقُول: دَعونِي حَتَّى أذهب فابشر أَهلِي

فَيُقَال لَهُ: اسكن
وَإِن الْكَافِر إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فينتهره فَيَقُول لَهُ: ماكنت تعبد فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيَقُول لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس
فَيَضْرِبُونَهُ بمطراق من حَدِيد بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا الْخلق إِلَّا الثقلَيْن
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن فتاني الْقَبْر

(5/34)


فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فَإِذا أَدخل الْمُؤمن قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه جَاءَهُ ملك شَدِيد الِانْتِهَار فَيَقُول لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول الْمُؤمن: أَقُول أَنه رَسُول الله وَعَبده
فَيَقُول الْملك: انْظُر إِلَى مَقْعَدك الَّذِي كَانَ من النَّار قد أنجاك الله مِنْهُ وأبدله بمقعدك الَّذِي ترى من النَّار مَقْعَدك الَّذِي ترى من الْجنَّة
فَيَرَاهُمَا كليهمَا فَيَقُول الْمُؤمن: دَعونِي أبشر أَهلِي
فَيُقَال لَهُ: اسكن
وَأما الْمُنَافِق فيقعد إِذا تولى عَنهُ أَهله فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: لَا أَدْرِي

أَقُول مَا يَقُول النَّاس
فَيُقَال لَهُ: لَا دَريت

هَذَا مَقْعَدك الَّذِي كَانَ لَك من الْجنَّة قد أبدلك الله مَكَانَهُ مَقْعَدك من النَّار
قَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يبْعَث كل عبد فِي الْقَبْر على مَا مَاتَ الْمُؤمن على ايمانه وَالْمُنَافِق على نفَاقه
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي سُفْيَان عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وضع الْمُؤمن فِي قَبره أَتَاهُ ملكان فانتهراه فَقَامَ يهب كَمَا يهب النَّائِم فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول: الله رَبِّي وَالْإِسْلَام ديني وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نبيي
فينادي مُنَاد أَن صدق عَبدِي
فافرشوه من الْجنَّة وألبسوه من الْجنَّة فَيَقُول: دَعونِي أخبر أَهلِي
فَيُقَال لَهُ: اسكن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَنْت ياعمر إِذا انْتهى بك إِلَى الأَرْض فحفر لَك ثَلَاثَة أَذْرع وشبر فِي ذِرَاع وشبر ثمَّ أَتَاك مُنكر وَنَكِير أسودان يجران شعرهما كَأَن أصواتهما الرَّعْد القاصف وَكَأن أعينهما الْبَرْق الخاطف يحفران الأَرْض بأنيابهما فأجلساك فَزعًا فتلتلاك وتوهلاك

فَقَالَ: يَا رَسُول الله وَأَنا يَوْمئِذٍ على مَا أَنا عَلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالَ: أكفيكهما بِإِذن الله يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَيِّت ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون ثمَّ يجلس فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول الله رَبِّي
ثمَّ يُقَال لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: الإِسلام
ثمَّ يُقَال لَهُ من نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد
فَيُقَال: وَمَا علمك فَيَقُول: عَرفته وَآمَنت بِهِ وصدقت بِمَا جَاءَ بِهِ من الْكتاب
ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره مد الْبَصَر وَيجْعَل روحه مَعَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ

(5/35)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: اسْم الْملكَيْنِ اللَّذين يأتيان فِي الْقَبْر مُنكر وَنَكِير
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ والآجري فِي الشَّرِيعَة وَابْن عدي عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فتّاني الْقَبْر فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أترد إِلَيْنَا عقولنا يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم كهيئتكم الْيَوْم
فَقَالَ عمر بِفِيهِ الْحجر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وَالْحَاكِم فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَنْت إِذا كنت فِي أَرْبَعَة أَذْرع فِي ذراعين وَرَأَيْت مُنكر وَنَكِير قلت: يَا رَسُول الله وَمَا مُنكر وَنَكِير

قَالَ: فتّانا الْقَبْر يبحثان الأَرْض بأنيابهما ويطآن فِي أشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف

مَعَهُمَا مرزبة لَو أجتمع عَلَيْهِمَا أهل منى لم يطيقوا رَفعهَا هِيَ أيسر عَلَيْهِمَا من عصاي هَذِه فامتحناك فَإِن تعاييت أَو تلويت ضرباك ضَرْبَة تصير بهَا رَمَادا
قلت يَا رَسُول وَأَنا على حَالي هَذِه قَالَ: نعم
قلت: إِذا أكفيكهما وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي عَاصِم والآجري وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا قبر الْمَيِّت أَتَاهُ ملكان أسودان أزرقان يُقَال لأَحَدهمَا مُنكر وَالْآخر نَكِير
فَيَقُولَانِ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول مَا كَانَ يَقُول: هُوَ عبد الله وَرَسُوله
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله
فَيَقُولَانِ: قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول هَذَا
ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا فِي سبعين ثمَّ ينور لَهُ فِيهِ فَيُقَال لَهُ: نم
فَيَقُول: أرجع إِلَى أَهلِي فَأخْبرهُم
فَيَقُولُونَ: نم كنومة الْعَرُوس الَّذِي لَا يوقظه إِلَّا أحب أَهله إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك فَإِن كَانَ منافقاً قَالَ: سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ فَقلت مثله لَا أَدْرِي
فَيَقُولُونَ: قد كُنَّا نعلم أَنَّك كنت تَقول ذَلِك
فَيُقَال للْأَرْض: التئمي عَلَيْهِ فتختلف أضلاعه فَلَا يزَال فِيهَا معذباً حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر رَضِي الله عَنهُ: كَيفَ أَنْت إِذا رَأَيْت مُنْكرا ونكيراً قَالَ: وَمَا مُنكر وَنَكِير

(5/36)


قَالَ: فتّانا الْقَبْر أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يطآن فِي أشعارهما ويحفران بأنيابهما

مَعَهُمَا عَصا من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا أهل منى لم يقلوها
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه قد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور فَيُقَال مَا علمكُم بِهَذَا الرجل فاما الْمُؤمن أوالموقن فَيَقُول: هُوَ مُحَمَّد رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى فأجبنا وَاتَّبَعنَا
فَيُقَال لَهُ: قد علمنَا إِن كنت لمؤمناً ثمَّ صَالحا
وَأما الْمُنَافِق أَو المرتاب فَيَقُول لَا أَدْرِي

سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت
وَأخرج أَحْمد عَن أَسمَاء رَضِي الله عنهاعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أَدخل الْإِنْسَان قَبره فَإِن كَانَ مُؤمنا أحف بِهِ عمله الصَّلَاة وَالصِّيَام
فيأتيه الْملك من نَحْو الصَّلَاة فَتَردهُ وَمن نَحْو الصّيام فَيردهُ فيناديه: اجْلِسْ
فيجلس فَيَقُول لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ من قَالَ مُحَمَّد قَالَ أشهد أَنه رَسُول الله
فَيَقُول: وَمَا يدْريك أَدْرَكته قَالَ: أشهد أَنه رَسُول
فَيَقُول: على ذَلِك عِشْت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
وَإِن كَانَ فَاجِرًا أَو كَافِرًا جَاءَهُ الْملك وَلَيْسَ بَينه وَبَينه شَيْء يردهُ فأجلسه وَقَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل قَالَ: أَي رجل قَالَ: مُحَمَّد
فَيَقُول: وَالله مَا أَدْرِي

سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته
فَيَقُول لَهُ الْملك: على ذَلِك عِشْت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
ويسلط عَلَيْهِ دَابَّة فِي قَبره مَعهَا سَوط ثَمَرَته جَمْرَة مثل عرف الْبَعِير يضْربهُ مَا شَاءَ الله

لَا تسمع صَوته فترحمه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جَاءَت يَهُودِيَّة فاستطعمت على بَابي فَقَالَت: أَطْعمُونِي أعاذكم الله من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر فَلم أزل أحسبها حَتَّى آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقلت: يارسول الله مَا تَقول هَذِه الْيَهُودِيَّة

قَالَ: وَمَا تَقول قلت: تَقول أعاذكم الله من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع يَدَيْهِ مدّاً يستعيذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر ثمَّ قَالَ: أما فتْنَة الدَّجَّال فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا قد حذر أمته وسأحذركموه بِحَدِيث لم يحدثه نَبِي أمته إِنَّه أَعور وَالله لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن

(5/37)


وَأما فتْنَة الْقَبْر فَبِي تفتنون وعني تُسْألون فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح أَجْلِس فِي قَبره غير فزع وَلَا مشغوف ثمَّ يُقَال لَهُ: فيمَ كنت فَيَقُول: فِي الإِسلام فَيُقَال: مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول: مُحَمَّد رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد الله فَصَدَّقْنَاهُ
فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَا وقاك الله
ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة إِلَى الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال: هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا
وَيُقَال: على الْيَقِين كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله
وَإِذا كَانَ الرجل السوء جلس فِي قَبره فَزعًا مشغوفاً فَيُقَال لَهُ: فيمَ كنت فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيُقَال: ماهذا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول: سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فَقلت كَمَا قَالُوا فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال: انْظُر إِلَى مَا صرف الله عَنْك ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَيُقَال: هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا على الشَّك كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْمَوْتَى يفتنون فِي قُبُورهم سبعا فَكَانُوا يستحبون أَن يطعم عَنْهُم تِلْكَ الْأَيَّام
وَأخرج ابْن جرير فِي مُصَنفه عَن الْحَارِث بن أبي الْحَرْث عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: يفتن رجلَانِ: مُؤمن ومنافق فَأَما الْمُؤمن فيفتن سبعا
وَأما الْمُنَافِق فيقتن أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج ابْن شاهين فِي السّنة عَن رَاشد بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تعلمُوا حجتكم فَإِنَّكُم مسؤولون حَتَّى إِنَّه كَانَ أهل الْبَيْت من الْأَنْصَار يحضر الرجل مِنْهُم الْمَوْت فيوصونه والغلام إِذا عقل فَيَقُولُونَ لَهُ: إِذا سألوك: من رَبك فَقل: الله رَبِّي
وَمَا دينك فَقل الإِسلام ديني
وَمن نبيك فَقل مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أبونعيم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على قبر رجل من أَصْحَابه حِين فرغ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون اللَّهُمَّ نزل بك وَأَنت خير منزول بِهِ جافِ الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ وَافْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه واقبله مِنْك بِقبُول حسن وثبّت عِنْد الْمسَائِل مَنْطِقه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر

(5/38)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة عِنْد قَبره وَصَاحبه يدْفن فَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لأخيكم واسألوا لَهُ التثبيت فَإِنَّهُ الْآن يُسْأل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم على الْقَبْر بَعْدَمَا يسوّى عَلَيْهِ فَيَقُول: اللَّهُمَّ نزل بك صاحبنا وَخلف الدُّنْيَا خلف ظَهره اللَّهُمَّ ثبّت عِنْد الْمَسْأَلَة مَنْطِقه وَلَا تبتله فِي قَبره بِمَا لَا طَاقَة بِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا مَاتَ أحد من اخوانكم فسوّيتم التُّرَاب عَلَيْهِ فَليقمْ أحدكُم على رَأس قَبره ثمَّ ليقل: يَا فلَان بن فُلَانَة فَإِنَّهُ يسمعهُ وَلَا يُجيب ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَقُول: ارشدنا رَحِمك الله وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ فَلْيقل: اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رضيت بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا
فَإِن مُنْكرا ونكيراً يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بيد صَاحبه وَيَقُول: انْطلق بِنَا مَا يقعدنا عِنْد من لقن حجَّته فَيكون حجيجه دونهمَا
قَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَإِن لم يعرف أمه قَالَ: ينْسبهُ إِلَى حَوَّاء يَا فلَان ابْن حَوَّاء
وَأخرج ابْن مَنْدَه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا مت فدفنتموني فَليقمْ إِنْسَان عِنْد رَأْسِي فَلْيقل: ياصدي بن عجلَان اذكر مَا كنت عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن رَاشد بن سعد وضمرة بن حبيب وَحَكِيم بن عُمَيْر قَالُوا: إِذا سوّي على الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ كَانَ يسْتَحبّ أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان قل لَا إِلَه إِلَّا الله ثَلَاث مَرَّات يَا فلَان قل رَبِّي الله وديني الإِسلام ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ينْصَرف
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عَمْرو بن مرّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يستحبون إِذا وضع الْمَيِّت فِي اللَّحْد أَن يُقَال: اللَّهُمَّ أعذه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا سُئِلَ الْمَيِّت من رَبك ترايا لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة فيشير إِلَى نَفسه أَنِّي أَنا رَبك

(5/39)


وَأخرج النَّسَائِيّ عَن رَاشد بن سعد رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد

فَقَالَ: كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خدم رَسُول الله رجل من الْأَشْعَرِيين سبع حجج فَقَالَ: إِن لهَذَا علينا حَقًا ادعوهُ فَليرْفَعْ إِلَيْنَا حَاجته فَدَعوهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتك
فَقَالَ: يَا رَسُول الله دَعْنِي حَتَّى أصبح فأستخير الله
فَلَمَّا أصبح دَعَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَسأَلك الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: فأعني على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن أبي شبيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أردْت الْجُمُعَة فِي زمَان الْحجَّاج فتهيأت للذهاب وَقلت: أَيْن أذهب أُصَلِّي خلف هَذَا فَقلت مرّة أذهب وَمرَّة لَا أذهب فناداني مُنَاد من جِهَة الْبَيْت (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله) (الْجُمُعَة آيَة 9
) قَالَ: وَجَلَست مرّة أكتب كتابا فَعرض لي شَيْء إِن أَنا كتبته زين كتابي وَكنت قد كذبت وَإِن أَنا تركته كَانَ فِي كتابي بعض الْقبْح وَكنت قد صدقت
فَقلت: مرّة أكتبه وَقلت: مرّة لَا أكتبه
فأجمع رَأْيِي على تَركه فتركته فناداني منادٍ من جَانب الْبَيْت {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} الْآيَة

آيَة 29 - 34

(5/40)


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم كفار أهل مَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هما الأفجران من قُرَيْش: بَنو الْمُغيرَة وَبَنُو أُميَّة
فَأَما بَنو الْمُغيرَة فكفيتموهم يَوْم بدر
وَأما بَنو أُميَّة فمتعوا إِلَى حِين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه الْآيَة {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم الأفجران من قُرَيْش: أخوالي وأعمامك
فَأَما أخوالي فاستأصلهم الله يَوْم بدر
وَأما أعمامك فأملى الله لَهُم إِلَى حِين وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هما الأفجران من قُرَيْش بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة
فَأَما بَنو الْمُغيرَة فَقطع الله دابرهم يَوْم بدر
وَأما بَنو أُميَّة فمتعوا إِلَى حِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي الطُّفَيْل رَضِي الله عَنهُ أَن ابْن الْكواء رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ عليا رَضِي الله عَنهُ من {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم الْفجار من قُرَيْش كفيتهم يَوْم بدر
قَالَ:

(5/41)


فَمن (الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا) (الْكَهْف آيَة 104
) قَالَ: مِنْهُم أهل حروراء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: بَنو أُميَّة وَبَنُو مَخْزُوم رَهْط أبي جهل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ارطأة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت عليا رَضِي الله عَنهُ على الْمِنْبَر يَقُول: {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} النَّاس مِنْهَا بُرَآء غير قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي حُسَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَلا أحد يسألني عَن الْقُرْآن فوَاللَّه لَو أعلم الْيَوْم أحد أعلم بِهِ مني وَإِن كَانَ من وَرَاء البحور لأتيته
فَقَامَ عبد الله بن الْكواء رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: مَنْ {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم مشركو قُرَيْش أَتَتْهُم نعْمَة الله الايمان فبدلوا قَومهمْ دَار الْبَوَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم فِي الكنى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم كفار قُرَيْش الَّذين نحرُوا يَوْم بدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ هم الْمُشْركُونَ من أهل بدر
وَأخرج مَالك فِي تَفْسِيره عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم كفار قُرَيْش الَّذين قتلوا يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الَّذين قتلوا من قُرَيْش يَوْم بدر {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم قُرَيْش
وَمُحَمّد النِّعْمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} الْآيَة
قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنهم أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه الَّذين قَتلهمْ الله يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا}

(5/42)


قَالَ: هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم وَالَّذين اتَّبعُوهُ من الْعَرَب فَلَحقُوا بالروم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار} قَالَ: أحلُّوا من أطاعهم من قَومهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {دَار الْبَوَار} قَالَ: النَّار
قَالَ: وَقد بَين الله ذَلِك وأخبرك بِهِ فَقَالَ: {جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {جَهَنَّم يصلونها} قَالَ: هِيَ دَارهم فِي الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجعلُوا لله أنداداً} قَالَ: أشركوا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي رزين فِي قَوْله: {قل تمَتَّعُوا فَإِن مصيركم إِلَى النَّار} قَالَ: تمَتَّعُوا إِلَى أجلكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ وَلَا خلال} قَالَ: إِن الله تَعَالَى قد علم أَن فِي الدُّنْيَا بيوعاً وخلالاً يتخالون بهَا فِي الدُّنْيَا فَلْينْظر رجل من يخالل وعلام يصاحب فَإِن كَانَ لله فليداوم وَإِن كَانَ لغير الله فَليعلم أَن كل خلة ستصير على أَهلهَا عَدَاوَة يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا خلة الْمُتَّقِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وسخر لكم الْأَنْهَار} قَالَ: بِكُل بَلْدَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر دائبين} قَالَ: دؤوبهما فِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الشَّمْس بِمَنْزِلَة الساقية تجْرِي بِالنَّهَارِ فِي السَّمَاء فِي فلكها فَإِذا غربت جرت اللَّيْل فِي فلكها تَحت الأَرْض حَتَّى تطلع من مشرقها وَكَذَلِكَ الْقَمَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وآتاكم من كل مَا سألتموه} قَالَ: من كل شَيْء رغبتم إِلَيْهِ فِيهِ

(5/43)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وآتاكم من كل مَا سألتموه} قَالَ: من كل الَّذِي سَأَلْتُمُونِي تَفْسِيره أَعْطَاكُم أَشْيَاء مَا سألتموها وَلم تلتمسوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طلق بن حبيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن حق الله أثقل من أَن يقوم بِهِ الْعباد وَإِن نعم الله أَكثر من أَن تحصيها الْعباد وَلَكِن أَصْبحُوا توّابين وأمسوا توابين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن بكر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا قَالَ عبد قطّ الْحَمد لله إِلَّا وَجَبت عَلَيْهِ نعْمَة بقول الْحَمد لله فَقيل: فَمَا جَزَاء تِلْكَ النِّعْمَة قَالَ: جزاؤها أَن يَقُول الْحَمد لله فَجَاءَت نعْمَة أُخْرَى فَلَا تنفد نعم الله وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُلَيْمَان التَّمِيمِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله أنعم على الْعباد على قدره وكلفهم الشُّكْر على قدرهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا ابْن آدم إِذا أردْت أَن تعرف قدر مَا أنعم الله عَلَيْك فغمض عَيْنَيْك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من لم يعرف نعْمَة الله عَلَيْهِ إِلَّا فِي مطعمه ومشربه فقد قل علمه وَحضر عَذَابه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا أنعم الله على الْعباد نعْمَة أعظم من أَن عرّفهم لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله لَهُم فِي الْآخِرَة كَالْمَاءِ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن لله على أهل النَّار منَّة فَلَو شَاءَ أَن يعذبهم بأشد من النَّار لعذبهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن صَالح قَالَ: كَانَ بعض الْعلمَاء إِذا تَلا {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} قَالَ: سُبْحَانَ من لم يَجْعَل من معرفَة نعمه إِلَّا الْمعرفَة بالتقصير عَن مَعْرفَتهَا كَمَا لم يَجْعَل فِي أحد من ادراكه أَكثر من الْعلم أَنه لَا يُدْرِكهُ فَجعل معرفَة نعمه بالتقصير عَن مَعْرفَتهَا شكرا كَمَا شكر علم الْعَالمين أَنهم لَا يدركونه فَجعله إِيمَانًا علما مِنْهُ أَن الْعباد لَا يجاوزون ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أَيُّوب الْقرشِي مولى بني هَاشم قَالَ:

(5/44)


قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: رب أَخْبرنِي مَا أدنى نِعْمَتك عليّ

فَأوحى الله: يَا دَاوُد تنفس
فتنفس فَقَالَ: هَذَا أدنى نعمتي عَلَيْك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عبد الله عَابِد خمسين عَاما فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي قد غفرت لَك
قَالَ: يَا رب وَمَا تغْفر لي

وَلم أذْنب

فَأذن الله تَعَالَى لعرق فِي عُنُقه فَضرب عَلَيْهِ فَلم ينم وَلم يصلِّ ثمَّ سكن فَنَامَ تِلْكَ اللَّيْلَة فَشَكا إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لقِيت من ضَرْبَان الْعرق
قَالَ الْملك: إِن رَبك يَقُول إِن عبادتك خمسين سنة تعدل سُكُون ذَلِك الْعرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ظلمي وكفري
قَالَ قَائِل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا الظُّلم

فَمَا بَال الْكفْر

قَالَ: {إِن الْإِنْسَان لظلوم كفار}

آيَة 35 - 36

(5/45)


وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)

أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذ قَالَ ابراهيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} قَالَ: فَاسْتَجَاب الله تَعَالَى لإِبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام دَعوته فِي وَلَده فَلم يعبد أحد من وَلَده صنماً بعد دَعوته وَجعل هَذَا الْبَلَد آمنا ورزق أَهله من الثمرات وَجعله إِمَامًا وَجعل من ذُريَّته من يُقيم الصَّلَاة وَتقبل دعاءه وَأرَاهُ مَنَاسِكه وَتَابَ عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} قَالَ: الْأَصْنَام {فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} قَالَ: اسمعوا إِلَى قَول خَلِيل الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا وَالله مَا كَانُوا لعانين وَلَا طعانين
قَالَ: وَكَانَ يُقَال: إِن من أشرار عباد الله كل لعان
قَالَ: وَقَالَ نَبِي الله ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام (إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم) (الْمَائِدَة آيَة 118
)

(5/45)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي دَعَوْت للْعَرَب فَقلت: اللَّهُمَّ من لقيك مِنْهُم مُؤمنا موقناً بك مُصدقا بلقائك فَاغْفِر لَهُ أَيَّام حَيَاته
وَهِي دَعْوَة أَبينَا إِبْرَاهِيم ولواء الْحَمد بيَدي يَوْم الْقِيَامَة وَمن أقرب النَّاس إِلَى لِوَائِي يَوْمئِذٍ الْعَرَب
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عقيل بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أتاه السِّتَّة نفر من الْأَنْصَار جلس إِلَيْهِم عِنْد جَمْرَة الْعقبَة فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَإِلَى عِبَادَته والمؤازرة على دينه فَسَأَلُوهُ أَن يعرض عَلَيْهِم مَا أوحيَ إِلَيْهِ فَقَرَأَ من سُورَة إِبْرَاهِيم {وَإِذ قَالَ ابراهيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} إِلَى آخر السُّورَة
فرق الْقَوْم وأخبتوا حِين سمعُوا مِنْهُ مَا سمعُوا وأجابوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: من يَأْمَن الْبلَاء بعد قَول إِبْرَاهِيم {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام}
وَأخرج عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لم يعبد أحد من ولد إِسْمَاعِيل الْأَصْنَام لقَوْله: {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} قيل: فَكيف لم يدْخل ولد إِسْحَق وَسَائِر ولد إِبْرَاهِيم قَالَ: لِأَنَّهُ دَعَا لأهل هَذَا الْبَلَد أَن لَا يعبدوا الْأَصْنَام ودعا لَهُم بالأمن
فَقَالَ: {اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا} وَلم يدع لجَمِيع الْبلدَانِ بذلك
وَقَالَ: {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} فِيهِ وَقد خص أَهله وَقَالَ: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة}

آيَة - 37

(5/46)


رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

أخرج الْوَاقِدِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَامر بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت سارة عَلَيْهَا السَّلَام تَحت إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَمَكثت مَعَه دهراً لَا ترزق مِنْهُ ولدا فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك وهبت لَهُ هَاجر أمة قبطية
فَولدت لَهُ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام فغارت من ذَلِك سارة رَضِي الله عَنْهَا فَوجدت فِي نَفسهَا وعتبت على هَاجر فَحَلَفت أَن تقطع مِنْهَا ثَلَاثَة أَشْرَاف فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: هَل لَك أَن تبري

(5/46)


يَمِينك فَقَالَت: كَيفَ أصنع قَالَ: اثقبي أذنيها واخفضيها والخفض هُوَ الْخِتَان
فَفعلت ذَلِك بهَا فَوضعت هَاجر رَضِي الله عَنْهَا فِي أذنيها قرطين فازدادت بهما بحسنا
فَقَالَت سارة رَضِي الله عَنْهَا: أَرَانِي إِنَّمَا زدتها جمالاً فَلم تقاره على كَونه مَعهَا وَوَجَدَ بهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وجدا شَدِيدا فنقلها إِلَى مَكَّة فَكَانَ يزورها فِي كل يَوْم من الشَّام على الْبراق من شغفه بهَا وَقلة صبره عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع} قَالَ: اسكن إِسْمَاعِيل وَأمه مَكَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} لَو قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم لغلبتكم عَلَيْهِ التّرْك وَالروم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} قَالَ: لَو قَالَ أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم لازدحمت عَلَيْهِ فَارس وَالروم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة وطاوساً وَعَطَاء بن أبي رَبَاح عَن هَذِه الْآيَة فَقَالُوا: الْبَيْت تهوي إِلَيْهِ قُلُوبهم يأتونه
وَفِي لفظ قَالُوا: هواهم إِلَى مَكَّة أَن يحجوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} قَالَ: تنْزع إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي
أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما دَعَا للحرم وارزق أَهله من الثمرات نقل الله الطَّائِف من فلسطين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله تَعَالَى نقل قَرْيَة من قرى الشَّام فوضعها بِالطَّائِف لدَعْوَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {بواد غير ذِي زرع} قَالَ: مَكَّة
لم يكن بهَا زرع يَوْمئِذٍ
وأحرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم} وَأَنه بَيت طهره الله من السوء وَجعله قبْلَة وَجعله حرمه اخْتَارَهُ نَبِي الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لوَلَده
وَقد

(5/47)


ذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي خطبَته: إِن هَذَا الْبَيْت أول من وليه نَاس من (طسم) فعصوا فِيهِ واستخفوا بِحقِّهِ وَاسْتَحَلُّوا حرمته فأهلكهم الله ثمَّ وليه نَاس من جرهم فعصوا فِيهِ واستخفوا بِحقِّهِ وَاسْتَحَلُّوا حرمته فأهلكهم الله ثمَّ وليتموه معاشر قُرَيْش

فَلَا تعصوا وَلَا تستخفوا بِحقِّهِ وَلَا تستحلوا حرمته وَصَلَاة فِيهِ أفضل من مائَة صَلَاة بِغَيْرِهِ والمعاصي فِيهِ على قدر ذَلِك
وَأخرج ابْن ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم سَأَلَ الله أَن يَجْعَل أُنَاسًا من النَّاس يهوون سُكْنى مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} يَقُول: خُذ بقلوب النَّاس إِلَيْهِم فَإِنَّهُ حَيْثُ يهوي الْقلب يذهب الْجَسَد فَلذَلِك لَيْسَ من مُؤمن إِلَّا وَقَلبه مُعَلّق بحب الْكَعْبَة
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لَو أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين دَعَا قَالَ: اجْعَل افئدة النَّاس تهوي إِلَيْهِم
لازدحمت عَلَيْهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَلكنه خص حِين قَالَ: {أَفْئِدَة من النَّاس} فَجعل ذَلِك أَفْئِدَة الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو كَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم لحجه الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالنَّاس كلهم وَلكنه قَالَ: {أَفْئِدَة من النَّاس} فَخص بِهِ الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل الْمَدِينَة: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي صاعهم ومدهم وَاجعَل أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم

آيَة 38 - 43

(5/48)


رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رَبنَا إِنَّك تعلم مَا نخفي} من حب إِسْمَاعِيل وَأمه {وَمَا نعلن} قَالَ: وَمَا نظهر من الْجفَاء لَهما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الْحَمد لله الَّذِي وهب لي على الْكبر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} قَالَ: هَذَا بعد ذَاك بِحِين
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: بشر إِبْرَاهِيم بعد سبع عشرَة وَمِائَة سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي} قَالَ: فَلَنْ يزَال من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نَاس على الْفطْرَة يعْبدُونَ الله تَعَالَى حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا يسرني بنصيبي من دَعْوَة نوح وَإِبْرَاهِيم للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات حمر النعم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تحسبن الله غافلاً عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ} قَالَ: هِيَ تَعْزِيَة للمظلوم ووعيد للظالم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل عقيم لَا يُولد لَهُ ولد فَكَانَ يخرج

فَإِذا رأى غُلَاما من غلْمَان بني إِسْرَائِيل عَلَيْهِ حلى يخدعه حَتَّى يدْخلهُ فيقتله وَيُلْقِيه فِي مطمورة لَهُ
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذا لَقِي غلامين أَخَوَيْنِ عَلَيْهِمَا حلى لَهما فأدخلهما فَقَتَلَهُمَا وطرحهما فِي مطمورة لَهُ
وَكَانَت لَهُ امْرَأَة مسلمة تنهاه عَن ذَلِك فَتَقول لَهُ: إِنِّي أحذرك النقمَة من الله تَعَالَى
وَكَانَ يَقُول: لَو أَن الله آخذني على شَيْء آخذني يَوْم فعلت كَذَا وَكَذَا
فَتَقول إِن صاعك لم يمتلئ بعد وَلَو قد امْتَلَأَ صاعك أُخِذْت
فَلَمَّا قتل الغلامين

(5/49)


الْأَخَوَيْنِ خرج أَبوهُمَا يطلبهما فَلم يجد أحدا يُخبرهُ عَنْهُمَا فَأتى نَبيا من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: هَل كَانَت لَهما لعبة يلعبان بهَا قَالَ: نعم

كَانَ لَهما جرْوٌ فَأتى بالجرو فَوضع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام خَاتمه بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ خلى سَبيله وَقَالَ لَهُ: أول دَار يدخلهَا من بني إِسْرَائِيل فِيهَا تبيان فَأقبل الجرو يَتَخَلَّل الدّور بِهِ حَتَّى دخل دَارا فَدَخَلُوا خَلفه فوجدوا الغلامين مقتولين مَعَ غُلَام قد قَتله وطرحهم فِي المطمورة فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأمر بِهِ أَن يصلب
فَلَمَّا وضع على خشبته أَتَتْهُ امْرَأَته فَقَالَت: يَا فلَان قد كنت أحذرك هَذَا الْيَوْم وأخبرك أَن الله تَعَالَى غير تاركك وَأَنت تَقول: لَو أَن الله آخذني على شَيْء آخذني يَوْم فعلت كَذَا وَكَذَا فأخبرتك أَن صاعك بعد لم يمتلئ

أَلا وَإِن صاعك هَذَا

أَلا وَأَن امْتَلَأَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّمَا يؤخرهم ليَوْم تشخص فِيهِ الْأَبْصَار} قَالَ: شخصت فِيهِ وَالله أَبْصَارهم فَلَا ترتد إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن جريروابن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مهطعين} قَالَ: يَعْنِي بالاهطاع النّظر من غير أَن تطرف {مقنعي رؤوسهم} قَالَ: الاقناع رفع رؤوسهم {لَا يرْتَد إِلَيْهِم طرفهم} قَالَ: شاخصة أَبْصَارهم {وأفئدتهم هَوَاء} لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الْخَيْر فَهِيَ كالخربة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {مهطعين} قَالَ: مديمي النّظر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {مُهْطِعِين} قَالَ: مُسْرِعين
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {مُهْطِعِين} مَا المهطع قَالَ: النَّاظر
قَالَ فِيهِ الشَّاعِر: إِذا دَعَانَا فأهطعنا لدعوته دَاع سميع فلفونا وساقونا قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله: {مقنعي رؤوسهم} مَا الْمقنع قَالَ: الرافع رَأسه
قَالَ فِيهِ كَعْب بن زُهَيْر:

(5/50)


هجان وحمر مقنعات رؤوسها وأصفر مشمول من الزهر فَاقِع وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن تَمِيم بن حذام رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مهطعين} قَالَ: هُوَ التجميح وَالْعرب تَقول للرجل إِذا قبض مابين عَيْنَيْهِ: لقد جمح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مقنعي رؤوسهم} قَالَ: رافعي رؤوسهم يجيئون وهم ينظرُونَ {لَا يرْتَد إِلَيْهِم طرفهم وأفئدتهم هَوَاء} تمور فِي أَجْوَافهم إِلَى حُلُوقهمْ لَيْسَ لَهَا مَكَان تَسْتَقِر فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأفئدتهم هَوَاء} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء خرجت من صُدُورهمْ فشبت فِي حُلُوقهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مرّة رَضِي الله عَنهُ {وأفئدتهم هَوَاء} قَالَ: متخرقة لَا تعي شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يحْشر النَّاس هَكَذَا وَوضع رَأسه وَأمْسك بِيَمِينِهِ على شِمَاله عِنْد صَدره

آيَة 44 - 49

(5/51)


وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب} يَقُول: أَنْذرهُمْ فِي الدُّنْيَا من قبل أَن يَأْتِيهم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {فَيَقُول الَّذين ظلمُوا رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب} قَالَ: مُدَّة يعْملُونَ فِيهَا من الدُّنْيَا {أولم تَكُونُوا أقسمتم من قبل} لقَوْله: (وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت) {مَا لكم من زَوَال} قَالَ: الِانْتِقَال من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أهل النَّار ينادون {رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل} فَرد عَلَيْهِم {أولم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مَا لكم من زَوَال} إِلَى قَوْله: {لتزول مِنْهُ الْجبَال}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم من زَوَال} عَمَّا أَنْتُم فِيهِ إِلَى مَا تَقولُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مَا لكم من زَوَال} قَالَ: بعث بعد الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم} قَالَ: سكن النَّاس فِي مسَاكِن قوم نوح وَعَاد وَثَمُود
وقرون بَين ذَلِك كَثِيرَة مِمَّن هلك من الْأُمَم {وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم وضربنا لكم الْأَمْثَال} قَالَ: قد وَالله بعث الله رسله وَأنزل كتبه وَضرب لكم الْأَمْثَال فَلَا يصم فِيهَا إِلَّا الأصمّ وَلَا يخيب إِلَّا الخائب فاعقلوا عَن الله أمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم} قَالَ: عملتم بِمثل أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وضربنا لكم الْأَمْثَال} قَالَ: الْأَشْبَاه

(5/52)


وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} يَقُول: مَا كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْبَعَة أحرف فِي الْقُرْآن {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} مَا كَانَ مَكْرهمْ وَقَوله: (لاتخذناه من لدنا إِن كُنَّا فاعلين) مَا كُنَّا فاعلين
وَقَوله: (إِن كَانَ للرحمن ولد) مَا كَانَ للرحمن من ولد وَقَوله: (وَلَقَد مكناهم فِي مَا إِن مكناهم فِيهِ) مَا مكناكم فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} يَقُول شركهم
كَقَوْلِه: (تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ)
وأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن الْحسن كَانَ يَقُول: كَانَ أَهْون على الله وأصغر من أَن تَزُول مِنْهُ الْجبَال يصفهم بذلك
قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: وَفِي مصحف عبد الله بن مَسْعُود {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} وَكَانَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول عِنْد ذَلِك (تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدّا) أَي لكلامهم ذَلِك
وَأخرج ابْن حميد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر: كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} بالنُّون {لتزول} بِرَفْع اللَّام الثَّانِيَة وَفتح الأولى
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول} بِكَسْر اللَّام الأولى وَفتح الثَّانِيَة
وَيَقُول: فَإِن مَكْرهمْ أَهْون وأضعف من ذَلِك
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَرَأَ وَإِن كَاد مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال يَعْنِي بِالدَّال

(5/53)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أبِي بن كَعْب أَنه قَرَأَ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ وَإِن كَاد مَكْرهمْ
قَالَ: وَتَفْسِيره عِنْده (تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال) (هَذَا أَن دعوا للرحمن ولدا)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ {لتزول} بِفَتْح اللَّام الأولى وَرفع الثَّانِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} ثمَّ فَسرهَا فَقَالَ: إِن جباراً من الْجَبَابِرَة قَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أنظر إِلَى مَا فِي السَّمَاء فَأمر بفراخ النسور تعلف اللَّحْم حَتَّى شبت وغلظت وَأمر بتابوت فنجر يسع رجلَيْنِ ثمَّ جعل فِي وَسطه خَشَبَة ثمَّ ربط أرجلهن بِأَوْتَادٍ ثمَّ جوَّعهن ثمَّ جعل على رَأس الْخَشَبَة لَحْمًا ثمَّ دخل هُوَ وَصَاحبه فِي التابوت ثمَّ ربطهن إِلَى قَوَائِم التابوت ثمَّ خلى عَنْهُن يردن اللَّحْم فذهبن بِهِ مَا شَاءَ الله تَعَالَى
ثمَّ قَالَ لصَاحبه: افْتَحْ فَانْظُر مَاذَا ترى
فَفتح فَقَالَ: أنظر إِلَى الْجبَال

كَأَنَّهَا الذُّبَاب

قَالَ: أغلق
فأغلق فطرن بِهِ مَا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ: افْتَحْ

فَفتح
فَقَالَ: انْظُر مَاذَا ترى
فَقَالَ: مَا أرى إِلَّا السَّمَاء وَمَا أَرَاهَا تزداد إِلَّا بعدا
قَالَ: صوّب الْخَشَبَة
فصوّبها فانقضت تُرِيدُ اللَّحْم فَسمع الْجبَال هدتها فَكَادَتْ تَزُول عَن مراتبها
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخذ الَّذِي حاجَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي ربه نسرين صغيرين فربّاهما حَتَّى استغلظا واستعلجا وشبّا فأوثق رجل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِوتْر إِلَى تَابُوت
وجوّعهما وَقعد هُوَ وَرجل آخر فِي التابوت وَرفع فِي التابوت عَصا على رَأسه اللَّحْم فطَارَا وَجعل يَقُول لصَاحبه: انْظُر مَاذَا ترى قَالَ: أرى كَذَا وَكَذَا
حَتَّى قَالَ: أرى الدُّنْيَا كَأَنَّهَا ذُبَاب
قَالَ: صوّب الْعَصَا
فَصَوَّبَها فهبطا
قَالَ: فَهُوَ قَول الله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال}

(5/54)


وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَن بخت نصر جوّع نسوراً ثمَّ جعل عَلَيْهِنَّ تابوتاً ثمَّ دخله وَجعل رماحاً فِي أطرافها وَاللَّحم فَوْقهَا فَعَلَتْ تذْهب نَحْو اللَّحْم حَتَّى انْقَطع بَصَره من الأَرْض وَأَهْلهَا فَنُوديَ: أَيهَا الطاغية أَيْن تُرِيدُ فَفرق ثمَّ سمع الصَّوْت فَوْقه فصوب الرماح فقوضت النسور فَفَزِعت الْجبَال من هدّتها وكادت الْجبَال أَن تَزُول من حسّ ذَلِك
فَذَلِك قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} كَذَا قَرَأَهَا مُجَاهِد
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: إِن نمْرُود صَاحب النسور لَعنه الله أَمر بتابوت فَجعل وَجعل مَعَه رجلا ثمَّ أَمر بالنسور فَاحْتمل فَلَمَّا صعد قَالَ لصَاحبه: أَي شَيْء ترى قَالَ: أرى المَاء وجزيرة - يَعْنِي الدُّنْيَا - ثمَّ صعد فَقَالَ لصَاحبه: أَي شَيْء ترى قَالَ: مَا نزداد من السَّمَاء إِلَّا بعدا
قَالَ: اهبط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي عُبَيْدَة إِن جبارا من الْجَبَابِرَة قَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أنظر إِلَى من فِي السَّمَاء
فَسلط عَلَيْهِ أَضْعَف خلقه فَدخلت بعوضة فِي أَنفه فَأَخذه الْمَوْت فَقَالَ: اضربوا رَأْسِي
فضربوه حَتَّى نثروا دماغه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} قَالَ: انْطلق نَاس وَأخذُوا هَذِه النسور فعلقوا عَلَيْهَا كَهَيئَةِ التوابيت ثمَّ أرسلوها فِي السَّمَاء فرأتها الْجبَال فظنت أَنه شَيْء نزل من السَّمَاء فتحركت لذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: أَمر الَّذِي حاجّ إِبْرَاهِيم فِي ربه بإبراهيم فَأخْرج من مدينته فلقي لوطاً على بَاب الْمَدِينَة وَهُوَ ابْن أَخِيه فَدَعَاهُ فَآمن بِهِ وَقَالَ: إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي
وَحلف نمْرُود أَن يطْلب إِلَه إِبْرَاهِيم فَأخذ أَرْبَعَة فراخ من فراخ النسور فربّاهن بالخبز وَاللَّحم

حَتَّى إِذا كبرن وغلظن واستعلجن قرنهنّ بتابوت وَقعد فِي ذَلِك التابوت ثمَّ رفع رجلا من لحم لَهُنَّ فطرن حَتَّى إِذا دهم فِي السَّمَاء أشرف فَنظر إِلَى الأَرْض وَإِلَى الْجبَال تدب كدبيب النَّمْل ثمَّ رفع لَهُنَّ اللَّحْم ثمَّ نظر فَرَأى الأَرْض محيطاً بهَا بَحر كَأَنَّهَا فلكة فِي مَاء ثمَّ

(5/55)


رفع طَويلا فِي ظلمَة فَلم ير مَا فَوْقه وَلم ير مَا تَحْتَهُ فَألْقى اللَّحْم فَأَتْبَعته منقضات فَلَمَّا نظرت الْجبَال إلَيْهِنَّ قد أقبلن منقضات وسمعن حفيفهن فزعت الْجبَال وكادت أَن تَزُول من أمكنتها وَلم يفعلن
فَذَلِك قَوْله: {وَقد مكروا مَكْرهمْ وَعند الله مَكْرهمْ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود وَإِن كَاد مَكْرهمْ فَكَانَ طيورهن بِهِ من بَيت الْمُقَدّس ووقوعهن فِي جبال الدُّخان
فَلَمَّا رأى أَنه لَا يُطيق شَيْئا أَخذ فِي بُنيان الصرح فبناه حَتَّى أسْندهُ إِلَى السَّمَاء ارْتقى فَوْقه ينظر يزْعم إِلَى إِلَه إِبْرَاهِيم فأحدث وَلم يكن يحدث وَأخذ الله بُنْيَانه من الْقَوَاعِد (فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النَّحْل آيَة 26
) يَقُول: من مأمنهم وَأَخذهم من أساس الصرح فَانْتقضَ بهم

سقط فتبلبت أَلْسِنَة النَّاس يَوْمئِذٍ من الْفَزع فتكلموا بِثَلَاثَة وَسبعين لِسَانا فَلذَلِك سميت بابل وَكَانَ قبل ذَلِك بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن الله عَزِيز ذُو انتقام} قَالَ: عَزِيز وَالله فِي أمره يملي وكيده متين ثمَّ إِذا انتقم انتقم بِقَدرِهِ
وَأخرج مُسلم وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ حبر من الْيَهُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض فَقَالَ رَسُول الله صاى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم فِي الظلمَة دون الجسر
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أَنا أول النَّاس سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قلت: أَيْن النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ على الصِّرَاط
وَأخرج البرَاز وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: أَرض بَيْضَاء كَأَنَّهَا فضَّة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل فِيهَا خَطِيئَة

(5/56)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: تبدل الأَرْض أَرضًا بَيْضَاء كَأَنَّهَا سبيكة فضَّة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: أَتَى الْيَهُود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه فَقَالَ: جاؤوني

سأخبرهم قبل أَن يَسْأَلُونِي {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: أَرض بَيْضَاء كالفضة فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: أَرض بَيْضَاء كالنقي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: أَرض بَيْضَاء لم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَلم يسفك عَلَيْهَا دم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: يبدلها الله يَوْم الْقِيَامَة بِأَرْض من فضَّة لم يعْمل عَلَيْهَا الْخَطَايَا ثمَّ ينزل الْجَبَّار عز وَجل عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي الْآيَة قَالَ: تبدل الأَرْض من فضَّة وَالسَّمَاء من ذهب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} زعم أَنَّهَا تكون فضَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: أَرض كَأَنَّهَا فضَّة وَالسَّمَاوَات كَذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: يُزَاد فِيهَا وَينْقص مِنْهَا وَتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وَمَا فِيهَا وتمد مدّ الْأَدِيم العكاظي أَرض بَيْضَاء مثل الْفضة لم يسفك فِيهَا دم وَلم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَالسَّمَوَات تذْهب شمسها وقمرها وننجومها
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة نقي لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد

(5/57)


وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة وَاحِدَة يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّار بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأ أحدكُم خبزته فِي السفرة نزلا لأهل الْجنَّة
قَالَ: فَأَتَاهُ رجل من الْيَهُود فَقَالَ: بَارك الله عَلَيْك أَبَا الْقَاسِم

أَلا أخْبرك بِنزل أهل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: تكون الأَرْض خبْزَة وَاحِدَة يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك بِإِدَامِهِمْ قَالَ: بلَى
قَالَ: إدَامهمْ ثَوْر
قَالُوا: ماهذا قَالَ هَذَا ثَوْر بِالْأُمِّ يَأْكُل من زِيَادَة كَبِدهَا سَبْعُونَ ألفا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَفْلح مولى أبي أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من يهود سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} مَا الَّذِي تبدل بِهِ فَقَالَ: خبْزَة
فَقَالَ الْيَهُودِيّ: درمكة بِأبي أَنْت
قَالَ: فَضَحِك ثمَّ قَالَ: قَاتل الله يهود هَل تَدْرُونَ مَا الدرمكة لباب الْخبز
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: تبدل الأَرْض خبْزَة بَيْضَاء يَأْكُل الْمُؤمن وَمن تَحت قَدَمَيْهِ
وَأخرج وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تبدل الأَرْض بَيْضَاء مثل الخبزة يَأْكُل مِنْهَا أهل الإسلا م حَتَّى يفرغوا من الْحساب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: خبز يَأْكُل مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ من تَحت أَقْدَامهم
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حبر من الْيَهُود وَقَالَ: أَرَأَيْت إِذْ يَقُول الله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} فَأَيْنَ الْخلق عِنْد ذَلِك قَالَ: أضياف الله لن يعجزهم مَا لَدَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة
قَالَ: بلغنَا أَن هَذِه الأَرْض تطوى وَإِلَى جنبها أُخْرَى يحْشر النَّاس مِنْهَا إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: تغير السَّمَوَات جنَانًا وَيصير مَكَان الْبَحْر نَارا وتبدل الأَرْض غَيرهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الأَرْض كلهَا نَار يَوْم الْقِيَامَة

(5/58)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} الْآيَة
قَالَ: هَذَا يَوْم الْقِيَامَة خلق سوى الْخلق الأول
وأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هِيَ رُخَام من الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مُقرنين فِي الأصفاد} قَالَ: الكبول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مُقرنين فِي الأصفاد} قَالَ: فِي الْقُيُود والاغلال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فِي الأصفاد} قَالَ: فِي السلَاسِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي الأصفاد} يَقُول: فِي وثاق

آيَة 50 - 52

(5/59)


سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سرابيلهم} قَالَ: قمصهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: السرابيل القمص
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من قطران} قَالَ: قطران الابل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {من قطران} قَالَ: هَذَا القطران يطلى بِهِ حَتَّى يشتعل نَارا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من قطران} قَالَ: هُوَ النّحاس الْمُذَاب

(5/59)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: سرابيلهم من قطرآن قَالَ: من نُحَاس آن قَالَ: قد أَنى لَهُم أَن يعذبوا بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ من قطر آن قَالَ: الْقطر الصفر والآن الْحَار
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرؤهَا من قطر قَالَ: من صفر يحمي عَلَيْهِ آن
قَالَ: قد انْتهى حره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وتغشى وُجُوههم النَّار} قَالَ تلفحهم فتحرقهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النائحة إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من حَرْب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النائحة إِذْ لم تتب قبل مَوتهَا توقف فِي طَرِيق بَين الْجنَّة وَالنَّار سرابيلها من قطران وتغشى وَجههَا النَّار
أما قَوْله تَعَالَى: {هَذَا بَلَاغ للنَّاس ولينذروا بِهِ وليعلموا أَنما هُوَ إِلَه وَاحِد وليذكر أولُوا الْأَلْبَاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هَذَا بَلَاغ للنَّاس} قَالَ الْقُرْآن (ولينذروا بِهِ) قَالَ بِالْقُرْآنِ

(5/60)