الدر المنثور في التفسير بالمأثور

سُورَة الْفرْقَان
مَكِّيَّة وآياتها سبع وَسَبْعُونَ مُقَدّمَة سُورَة الْفرْقَان أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْفرْقَان بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الْفرْقَان
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: سَمِعت هِشَام بن حَكِيم يقْرَأ سُورَة الْفرْقَان فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَمَعْت لقرَاءَته فاذا هُوَ يقْرَأ على حُرُوف كَثِيرَة لم يقرئنيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكدت أساوره فِي الصَّلَاة فتصبرت حَتَّى سلم فلببته بردائه فَقلت: من أَقْرَأَك هَذِه السُّورَة الَّتِي سَمِعتك تقْرَأ قَالَ: أَقْرَأَنيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: كذبت
فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقْرَأَنيهَا على غير مَا قَرَأت فَانْطَلَقت بِهِ أقوده إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: أَنى سَمِعت هَذَا يقْرَأ سُورَة الْفرْقَان على حُرُوف لم تقرئنيها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهشام: اقْرَأ
فَقَرَأَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذَلِك أنزلت ثمَّ قَالَ: اقْرَأ يَا عمر
فَقَرَأت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذَلِك أنزلت
إِن هَذَا الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الصُّبْح فَقَرَأَ سُورَة الْفرْقَان فاسقط آيَة فَلَمَّا سلم قَالَ: هَل فِي الْقَوْم أبي فَقَالَ أبي: هَا أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ: ألم أسقط آيَة قَالَ: بلَى
قَالَ: فَلم لم تفتحها عَليّ قَالَ: حسبتها آيَة نسخت قَالَ: لَا
وَلَكِنِّي أسقطتها
وَالله تَعَالَى أعلم

- بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

(6/234)


تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)

تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا الَّذِي لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَخلق كل شَيْء

(6/234)


فقدره تَقْديرا وَاتَّخذُوا من دونه آلِهَة لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضرا ولانفعا وَلَا يملكُونَ موتا ولاحياة وَلَا نشورا وَقَالَ الَّذين كفرُوا إِن هَذَا إِلَّا إفْك افتراه وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ فقد جاؤوا ظلما وزوراً وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بكرَة وَأَصِيلا قل أنزلهُ الَّذِي يعلم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِنَّه كَانَ غَفُورًا رحِيما وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك فَيكون مَعَه نذيراً أَو يلقى إِلَيْهِ كنز أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تتبعون إِلَّا رجلا مسحورا أنظر كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصورا بل كذبُوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تبَارك تفَاعل من الْبركَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن فِيهِ حَلَال الله وَحَرَامه وشرائعه وَدينه فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل {ليَكُون للْعَالمين نذيراً} قَالَ: بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَذِير من الله لينذر النَّاس بَأْس الله وَوَقَائعه بِمن خلا قبلكُمْ {وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا} قَالَ: بَين لكل شَيْء من خلقه صَلَاحه وَجعل ذَلِك بِقدر مَعْلُوم
{وَاتَّخذُوا من دونه آلِهَة} قَالَ: هِيَ هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي تعبد من دون الله {لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون} وَهُوَ الله الْخَالِق الرازق وَهَذِه الْأَوْثَان تُخْلَقُ وَلَا تخلقُ شَيْئا وَلَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلَا تملك موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشوراً يَعْنِي بعثاً {وَقَالَ الَّذين كفرُوا إِن هَذَا} هَذَا قَول مُشْركي الْعَرَب {إِلَّا إفْك} هُوَ الْكَذِب {افتراه وأعانه عَلَيْهِ} أَي على حَدِيثه هَذَا

(6/235)


وَأمره {قوم آخَرُونَ فقد جاؤوا} فقد أَتَوا {ظلما وزوراً} {وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين} قَالَ: كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم {وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول} قَالَ: عجب الْكفَّار من ذَلِك أَن يكون رَسُول {يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك فَيكون مَعَه نذيراً أَو يلقى إِلَيْهِ كنز أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا} قَالَ الله يرد عَلَيْهِم {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك} يَقُول: خيرا مِمَّا قَالَ الْكفَّار من الْكَنْز وَالْجنَّة {جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصوراً} قَالَ: وَإنَّهُ وَالله من دخل الْجنَّة ليصيبن قصوراً لَا تبلى وَلَا تهدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن افك فَهُوَ كذب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ} قَالَ: يهود {فقد جاؤوا ظلما وزوراً} قَالَ: كذبا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
أَن عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب وَالنضْر بن الْحَارِث وَأَبا البخْترِي وَالْأسود بن الْمطلب وَزَمعَة بن الْأسود والوليد بن الْمُغيرَة وَأَبا جهل بن هِشَام وَعبد الله بن أُميَّة وَأُميَّة بن خلف والعاصي بن وَائِل وَنبيه بن الْحجَّاج
اجْتَمعُوا فَقَالَ بَعضهم لبَعض: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّد فكلموه وخاصموه حَتَّى تعذروا مِنْهُ فبعثوا إِلَيْهِ أَن أَشْرَاف قَوْمك قد اجْتَمعُوا لَك ليكلموك قَالَ: فَجَاءَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّد انا بعثنَا إِلَيْك لنعذر مِنْك
فَإِن كنت إِنَّمَا جِئْت بِهَذَا الحَدِيث تطلب بِهِ مَالا جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا وَإِن كنت تطلب الشّرف فَنحْن نسودك وَإِن كنت تُرِيدُ ملكا ملكناك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالِي مِمَّا تقولن: مَا جِئتُكُمْ بِهِ أطلب أَمْوَالكُم وَلَا الشّرف فِيكُم وَلَا الْملك عَلَيْكُم وَلَكِن الله بَعَثَنِي إِلَيْكُم رَسُولا وَأنزل عليَّ كتابا وَأَمرَنِي أَن أكون لكم بشيراً وَنَذِيرا فبلغتكم رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لكم فَإِن تقبلُوا مني مَا جِئتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حظكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن تردوه عَليّ أَصْبِر لأمر الله حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم
قَالُوا: يَا مُحَمَّد فَإِن كنت غير قَابل منا شَيْئا مِمَّا عرضنَا عَلَيْك [] قَالُوا:

(6/236)


فاذا لم تقبل هَذَا فسل لنَفسك وسل رَبك أَن يبْعَث مَعَك ملكا يصدقك بِمَا تَقول ويراجعنا عَنْك وسله أَن يَجْعَل لَك جنَانًا وقصوراً من ذهب وَفِضة تغنيك عَمَّا تبتغي - فَإنَّك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش
كَمَا نلتمسه - حَتَّى نَعْرِف فضلك ومنزلتك من رَبك إِن كنت رَسُولا كَمَا تزْعم
فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَنا بفاعل
مَا أَنا بِالَّذِي يسْأَل ربه هَذَا
وَمَا بُعثتُ إِلَيْكُم بِهَذَا وَلَكِن الله بَعَثَنِي بشيراً وَنَذِيرا فَأنْزل الله فِي قَوْلهم ذَلِك {وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام} إِلَى قَوْله {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا} أَي جعلت بَعْضكُم لبَعض بلَاء لتصبروا وَلَو شِئْت أَن أجعَل الدُّنْيَا مَعَ رَسُولي فَلَا تخالفوه لفَعَلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تتبعون} قَالَه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه يَوْم دَار الندوة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنظر كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} قَالَ: مخرجا يخرجهم من الْأَمْثَال الَّتِي ضربوا لَك وَفِي قَوْله {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي} قَالَ: حَوَائِط {وَيجْعَل لَك قصورا} قَالَ: بُيُوتًا مبينَة مشيدة
كَانَت قُرَيْش ترى الْبَيْت من حِجَارَة قصراً كَائِنا مَا كَانَ
وَأخرج الواحدي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما عير الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالفاقة قَالُوا {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ: إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا أَنهم ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق} ثمَّ أَتَاهُ رضوَان خَازِن الْجنان وَمَعَهُ سفط من نور يتلألأ فَقَالَ: هَذِه مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا فَنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جِبْرِيل كالمستشير لَهُ فَضرب جِبْرِيل إِلَى الأَرْض أَن تواضع فَقَالَ: يَا رضوَان لَا حَاجَة لي فِيهَا فَنُوديَ: أَن ارْفَعْ بَصرك فَرفع فَإِذا السَّمَوَات فتحت أَبْوَابهَا إِلَى الْعَرْش وبدت جنَّات عدن فَرَأى منَازِل الْأَنْبِيَاء وعرفهم وَإِذا مَنَازِله فَوق منَازِل الْأَنْبِيَاء فَقَالَ: رضيت
ويرون أَن هَذِه الْآيَة أنزلهَا رضوَان {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك}

(6/237)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن خَيْثَمَة قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت أعطيناك خَزَائِن الأَرْض ومفاتيحها مَا لم يُعْط نَبِي قبلك وَلَا يعطاه أحد بعْدك وَلَا ينْقصك ذَلِك مِمَّا لَك عِنْد الله شَيْئا وَإِن شِئْت جمعتها لَك فِي الْآخِرَة قَالَ: اجمعها لي فِي الْآخِرَة فَأنْزل الله {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصوراً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا جِبْرِيل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ هَذَا ملك تدلى من السَّمَاء إِلَى الأَرْض
مَا نزل إِلَى الأَرْض قطّ قبلهَا اسْتَأْذن ربه فِي زيارتك فَأذن لَهُ فَلم يلبث ان جَاءَ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله قَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام قَالَ: إِن الله يُخْبِرك إِن شِئْت أَن يعطيك من خَزَائِن كل شَيْء ومفاتيح كل شَيْء لم يُعْط أحد قبلك وَلَا يُعْطِيهِ أحدا بعْدك وَلَا ينْقصك مِمَّا دخر لَك عِنْده شَيْئا فَقَالَ: لَا بل يجمعهما لي فِي الْآخِرَة جَمِيعًا فَنزلت {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك}

(6/238)


إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)

- قَوْله تَعَالَى: إِذا رأتهم من مَكَان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظا ونفيرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} قَالَ: من مسيرَة مائَة عَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كذب عليّ مُتَعَمدا فليتبوّأ مقْعدا من بَين عَيْني جَهَنَّم قَالُوا: يَا رَسُول الله وَهل لِجَهَنَّم من عين قَالَ: نعم
أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} فَهَل تراهم إِلَّا بعينين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق خَالِد بن دريك عَن رجل من الصَّحَابَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يقل عليَّ مَا لم أقل أَو ادّعى إِلَى غير وَالِديهِ أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَليَتَبَوَّأ بَين عَيْني جَهَنَّم مقْعدا
قيل: يَا رَسُول الله وَهل لَهَا من عينين قَالَ: نعم
أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد}

(6/238)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن العَبْد ليجر إِلَى النَّار فتشهق إِلَيْهِ شهقة البغلة إِلَى الشّعير ثمَّ تزفر زفرَة لَا يبْقى أحد إِلَّا خَافَ وَإِن الرجل من أهل النَّار مَا بَين شحمة أُذُنَيْهِ وَبَين مَنْكِبَيْه مسيرَة سبعين سنة وَإِن فِيهَا لأودية من قيح تكال ثمَّ تصب فِي فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله {سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيراً} قَالَ: إِن جَهَنَّم لتزفر زفرَة لَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا ترْعد فرائصه حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ليجثوا على رُكْبَتَيْهِ وَيَقُول: يَا رب لَا أَسأَلك الْيَوْم إِلَّا نَفسِي
وَأخرج ابْن وهب فِي الْأَهْوَال عَن العطاف بن خَالِد قَالَ: يُؤْتى بجهنم يَوْمئِذٍ يَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا يَقُودهَا سَبْعُونَ ألف ملك فَإِذا رَأَتْ النَّاس فَذَلِك قَوْله {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيراً} زفرت زفرَة لَا يبْقى نَبِي وَلَا صديق إِلَّا برك لِرُكْبَتَيْهِ وَيَقُول: يَا رب نَفسِي نَفسِي وَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمتِي

أمتِي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مغيث بن سمي قَالَ: مَا خلق الله من شَيْء إِلَّا وَهُوَ يسمع زفير جَهَنَّم غدْوَة وَعَشِيَّة إِلَّا الثقلَيْن الَّذين عَلَيْهِم الْحساب وَالْعِقَاب
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} قَالَ: من مسيرَة مائَة عَام وَذَلِكَ إِذا أُتِي بجهنم تقاد بسبعين ألف زِمَام يشد بِكُل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك لَو تركت لأتت على كل بر وَفَاجِر {سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيراً} تزفر زفرَة لَا يبْقى قَطْرَة من دمع إِلَّا بدرت ثمَّ تزفر الثَّانِيَة فتقطع الْقُلُوب من أماكنها وتبلغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن كَعْب قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الأوّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد وَنزلت الْمَلَائِكَة صُفُوفا فَيَقُول الله لجبريل: ائْتِ بجهنم فَيَأْتِي بهَا تقاد بسبعين ألف زِمَام حَتَّى إِذا كَانَت من الْخَلَائق على قدر مائَة عَام زفرت زفرَة طارت لَهَا أَفْئِدَة الْخَلَائق ثمَّ تزفر زفرَة ثَانِيَة فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا جثى لِرُكْبَتَيْهِ ثمَّ تزفر الثَّالِثَة فتبلغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتذهل الْعُقُول فَيفزع كل أمرئ إِلَى عمله حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: بخلتي لَا أَسأَلك إِلَّا نَفسِي
وَيَقُول مُوسَى: بمناجاتي لَا أَسأَلك إِلَّا نَفسِي
وَيَقُول عِيسَى:

(6/239)


بِمَا أكرمتني لَا أَسأَلك إِلَّا نَفسِي لَا أَسأَلك مَرْيَم الَّتِي ولدتني
وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أمتِي

أمتِي

لَا أَسأَلك الْيَوْم نَفسِي
فَيُجِيبهُ الْجَلِيل جلّ جَلَاله أَلا إِن أوليائي من أمتك لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
فَوَعِزَّتِي لَا قرن عَيْنك فِي أمتك ثمَّ تقف الْمَلَائِكَة بَين يَدي الله تَعَالَى ينتظرون مَا يؤمرون

(6/240)


وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)

- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين دعوا هُنَالك ثبورا لَا تدعوا الْيَوْم ثبوراً وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن أبي أسيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله {وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين} قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنهم ليستكرهون فِي النَّار كَمَا يستكره الوتد فِي الْحَائِط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طرق عَن قَتَادَة عَن أبي أَيُّوب عَن عبد الله بن عمر {وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا} قَالَ: مثل الزج فِي الرمْح
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ ذكر لنا أَن عبد الله كَانَ يَقُول: إِن جَهَنَّم لتضيق على الْكَافِر كضيق الزج على الرمْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {مُقرنين} قَالَ: مكتفين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {دعوا هُنَالك ثبوراً} قَالَ: دعوا بِالْهَلَاكِ فَقَالُوا: واهلاكاه
واهلكتاه
فَقيل لَهُم: لَا تدعوا الْيَوْم بِهَلَاك وَاحِد وَلَكِن ادعوا بِهَلَاك كثير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث بِسَنَد صَحِيح عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول من يكسى حلَّة من النَّار إِبْلِيس فَيَضَعهَا على حاجبيه ويسحبها من خَلفه وَذريته من بعده وَهُوَ يُنَادي: يَا ثبوراه وَيَقُولُونَ: يَا ثبورهم حَتَّى يقف على النَّار فَيَقُول: يَا ثبوراه
وَيَقُولُونَ: واثبورهم فَيُقَال لَهُم {لَا تدعوا الْيَوْم ثبوراً وَاحِدًا وَادعوا ثبوراً كثيرا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {دعوا هُنَالك ثبوراً} قَالَ: ويلاً وهلاكاً

(6/240)


قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)

- قَوْله تَعَالَى: قل أذلك خيرأم جنَّة الْخلد الَّتِي وعد المتقون كَانَت لَهُم جَزَاء ومصيرا لَهُم فِيهَا مَا يشاؤون خَالِدين كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَانَت لَهُم جَزَاء} أَي من الله {ومصيراً} أَي منزلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: قَالَ كَعْب الْأَحْبَار: من مَاتَ وَهُوَ يشرب الْخمر لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَإِن دخل الْجنَّة قَالَ عَطاء: فَقلت لَهُ: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {لَهُم فِيهَا مَا يشاؤون} قَالَ كَعْب: إِنَّه ينساها فَلَا يذكرهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا} يَقُول: سلوا الَّذِي وعدتكم تنجزوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن هِلَال عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا} قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة تسْأَل لَهُم ذَلِك فِي قَوْلهم {وأدخلهم جنَّات عدن الَّتِي وعدتهم} غَافِر الْآيَة 8 قَالَ سعيد: وَسمعت أَبَا حَازِم يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الْمُؤْمِنُونَ رَبنَا عَملنَا لَك بالذين أمرتنا فانجز لنا مَا وعدتنا
فَذَلِك قَوْله {وَعدا مسؤولا}

(6/241)


وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)

- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول أأنتم أضللتم عبَادي هَؤُلَاءِ أم هم ضلوا السَّبِيل قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء وَلَكِن متعتهم وآباءهم حَتَّى نسوا الذّكر وَكَانُوا قوما بورا فقد كذبُوا بِمَا تَقولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول أأنتم أضللتم عبَادي} قَالَ: عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة

(6/241)


وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل عَن قَول الله {مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} أَو نتَّخذ فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {إِن نتَّخذ} بِنصب النُّون فَسَأَلته عَن {الم غلبت الرّوم} الرّوم الْآيَتَانِ 1 - 2 أَو غلبت قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {غلبت الرّوم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: قَرَأَ رجل عِنْد عَلْقَمَة {مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك} بِرَفْع النُّون وَنصب الْخَاء فَقَالَ عَلْقَمَة {أَن نتَّخذ} بِنصب النُّون وخفض الْخَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير أَنه كَانَ يقْرؤهَا {مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك} بِرَفْع النُّون وَنصب الْخَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} قَالَ: هَذَا قَول الْآلهَة {وَلَكِن متعتهم وآباءهم حَتَّى نسوا الذّكر وَكَانُوا قوما بوراً} قَالَ: البور: الْفَاسِد
وانه مَا نسي الذّكر قوم قطّ إلاَّ باروا وفسدوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قوما بوراً} قَالَ: هلكى
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {قوما بوراً} قَالَ: هلكى بلغَة عمان وهم من الْيمن قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: فَلَا تكفرُوا مَا قد صنعنَا إِلَيْكُم وكافوا بِهِ فالكفر بور لصانعه وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: البور: بِكَلَام عمان
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {بوراً} قَالَ قاسين لَا خير فيهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قوما بوراً} قَالَ: هالكين {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ} يَقُول الله للَّذين كَانُوا يعْبدُونَ عِيسَى وعزيراً وَالْمَلَائِكَة حِين قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ عِيسَى وعزيراً وَالْمَلَائِكَة حِين يكذبُون الْمُشْركين بقَوْلهمْ {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا} قَالَ: الْمُشْركُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ صرف الْعَذَاب وَلَا نصر أنفسهم

(6/242)


أما قَوْله تَعَالَى {وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَرَأت اثْنَيْنِ وَسبعين كتابا كلهَا نزلت من السَّمَاء مَا سَمِعت كتابا أَكثر تكريراً فِيهِ الظُّلم معاتبة عَلَيْهِ من الْقُرْآن
وَذَلِكَ أَن الله علم أَن فتْنَة هَذِه الْأمة تكون فِي الظُّلم وَأما الآخر فَإِن أَكثر مُعَاتَبَته إيَّاهُم فِي الشّرك وَعبادَة الْأَوْثَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن يظلم مِنْكُم} قَالَ هُوَ الشّرك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمن يظلم مِنْكُم} قَالَ: يُشْرك

(6/243)


وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)

- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم يَأْكُلُون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا أَنهم ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق} يَقُول: إِن الرُّسُل قبل مُحَمَّد كَانُوا بِهَذِهِ الْمنزلَة {ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: بلَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: يَقُول الْفَقِير: لَو شَاءَ الله لجعلني غَنِيا مثل فلَان
وَيَقُول السقيم: لَو شَاءَ الله لجعلني صَحِيحا مثلا فلَان
وَيَقُول الْأَعْمَى: لَو شَاءَ الله لجعلني بَصيرًا مثل فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: هُوَ التَّفَاضُل فِي الدُّنْيَا وَالْقُدْرَة والقهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: يمسك على هَذَا ويوسع على هَذَا فَيَقُول: لم يُعْطِنِي رَبِّي مَا أعْطى فلَانا
ويبتلى بالوجع فَيَقُول: لم يَجْعَلنِي رَبِّي صَحِيحا مثل فلَان
فِي أشباه ذَلِك

(6/243)


من الْبلَاء ليعلم من يصبر مِمَّن يجزع {وَكَانَ رَبك بَصيرًا} بِمن يصبر وَمن يجزع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو شَاءَ الله لجعلكم أَغْنِيَاء كلكُمْ لَا فَقير فِيكُم
وَلَو شَاءَ الله لجعلكم فُقَرَاء كلكُمْ لَا غَنِي فِيكُم
وَلَكِن ابتلى بَعْضكُم بِبَعْض
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رقيقنا
أَقوام مُسلمين يصلونَ صَلَاتنَا وَيَصُومُونَ صومنا نضربهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توزن ذنوبهم وعقوبتكم إيَّاهُم فَإِن كَانَت عقوبتكم أَكثر من ذنوبهم أخذُوا مِنْكُم قَالَ: أَفَرَأَيْت سبا اياهم قَالَ
يُوزن ذنبهم واذا كم اياهم فان كَانَ اذا كم أَكثر أعْطوا مِنْكُم قَالَ الرجل: مَا أسمع عدوّاً أقرب اليّ مِنْهُم فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا} فَقَالَ الرجل: أَرَأَيْت يَا رَسُول الله وَلَدي أضربهم قَالَ: انك لاتتهم فِي ولدك فَلَا تطيب نفسا تشبع ويجوع وَلَا تكتسي ويعروا

(6/244)


وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)

- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا لقد استكبروا فِي أنفسهم وعتوا عتوا كَبِيرا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا} قَالَ: هَذَا قَول كفار قُرَيْش {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا} فيخبرنا أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا} قَالَ لَا يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة} أَي نراهم عيَانًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وعتوا عتواً كَبِيرا} قَالَ: شدَّة الْكفْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ العتو فِي كتاب الله التجبر

(6/244)


يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)

- قَوْله تَعَالَى: يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا

(6/244)


أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يلقى الْمُؤمن بالبشرى فَإِذا رأى ذَلِك الْكفَّار قَالُوا للْمَلَائكَة: بشرونا قَالُوا: حجرا مَحْجُورا
حَرَامًا محرما أَن نتلقاكم بالبشرى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: عوذاً معَاذًا الْمَلَائِكَة تَقوله
وَفِي لفظ قَالَ: حَرَامًا محرما أَن تكون الْبُشْرَى الْيَوْم إِلَّا للْمُؤْمِنين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: تَقول الْمَلَائِكَة: حَرَامًا محرما على الْكفَّار الْبُشْرَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: تَقول الْمَلَائِكَة: حَرَامًا محرما على الْكفَّار الْبُشْرَى حِين رَأَيْتُمُونَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: حَرَامًا محرما أَن نبشركم بِمَا نبشر بِهِ الْمُتَّقِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: هِيَ كلمة كَانَت الْعَرَب تَقُولهَا
كَانَ الرجل إِذا نزلت بِهِ شدَّة قَالَ: حجرا مَحْجُورا حَرَامًا محرما
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ الشَّيْء تكرههُ تَقول: حجر من هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: لما جَاءَت زلازل السَّاعَة فَكَانَ من زلازلها أَن السَّمَاء انشقت فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية وَالْملك على ارجائها: على سَعَة كل شَيْء [] تشقق
فَهِيَ من السَّمَاء فَذَلِك قَوْله {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} حَرَامًا محرما أَيهَا المجرمون أَن تكون لكم الْبُشْرَى الْيَوْم حِين رَأَيْتُمُونَا

(6/245)


وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)

- قَوْله تَعَالَى: وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل} قَالَ: قدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من خير مِمَّن لَا يتَقَبَّل مِنْهُ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: الهباء: شُعَاع الشَّمْس الَّذِي يخرج من الكوة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الهباء: ريح الْغُبَار يسطع ثمَّ يذهب فَلَا يبْقى مِنْهُ شَيْء فَجعل الله أَعْمَالهم كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الهباء: الَّذِي يطير من النَّار إِذا اضطرمت يطير مِنْهَا الشرر فَإِذا وَقع لم يكن شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: المَاء المهراق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: الشعاع فِي كوّة أحدهم
لَو ذهبت تقبض عَلَيْهِ لم تستطع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: شُعَاع الشَّمْس من الكوّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {هباء منثوراً} قَالَ: شُعَاع الشَّمْس الَّذِي فِي الكوّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك وعامر فِي الهباء المنثور: شُعَاع الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {هباء منثوراً} قَالَ: الْغُبَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {هباء منثوراً} قَالَ: هُوَ مَا تَذْرُوهُ الرِّيَاح من حطام هَذَا الشّجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُعلى بن عُبَيْدَة قَالَ: الهباء: الرماد

(6/246)


وَأخرج سمويه فِي فَوَائده عَن سَالم مولى أبي حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليجاء يَوْم الْقِيَامَة بِقوم مَعَهم حَسَنَات مِثَال جبال تهَامَة حَتَّى إِذا جِيءَ بهم جعل الله تَعَالَى أَعْمَالهم هباء ثمَّ قذفهم فِي النَّار قَالَ سَالم: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله حل لنا هَؤُلَاءِ الْقَوْم قَالَ: كَانُوا يصلونَ وَيَصُومُونَ وَيَأْخُذُونَ سنة من اللَّيْل وَلَكِن كَانُوا إِذا عرض عَلَيْهِم شَيْء من الْحَرَام وَثبُوا عَلَيْهِ فأدحض الله تَعَالَى أَعْمَالهم

(6/247)


أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)

- قَوْله تَعَالَى: أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} قَالَ: أحسن منزلا وَخير مأوى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَأحسن مقيلاً} قَالَ: مصيراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} قَالَ: فِي الغرف من الْجنَّة
وَكَانَ حسابهم أَن عرضوا على رَبهم عرضة وَاحِدَة وَذَلِكَ الْحساب الْيَسِير وَذَلِكَ مثل قَوْله {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا وينقلب إِلَى أَهله مَسْرُورا}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَا ينتصف النَّهَار من يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يقبل هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء
ثمَّ قَرَأَ {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} وَقَرَأَ / ثمَّ إِن مقيلهم لإِلى الْجَحِيم /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا هِيَ ضحوة فيقيل أَوْلِيَاء الله على الأسرة مَعَ الْحور الْعين ويقيل أَعدَاء الله مَعَ الشَّيَاطِين مُقرنين
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَنه يفرغ من حِسَاب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة نصف النَّهَار فيقيل أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة وَأهل النَّار فِي النَّار فَذَلِك قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً}
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الصوّاف قَالَ: بَلغنِي أَن يَوْم الْقِيَامَة يقصر على الْمُؤمن حَتَّى يكون كَمَا بَين الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَإِنَّهُم ليقيلون فِي رياض الْجنَّة

(6/247)


حِين يفرغ النَّاس من الْحساب
وَذَلِكَ قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} أَي مأوى ومنزلاً قَالَ قَتَادَة: حدث صَفْوَان ابْن مُحرز قَالَ: إِنَّه ليجاء يَوْم الْقِيَامَة برجلَيْن
كَانَ أَحدهمَا ملكا فِي الدُّنْيَا فيحاسب فَإِذا عبد لم يعْمل خيرا فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّار
وَالْآخر كَانَ صَاحب كَسَاه فِي الدُّنْيَا فيحاسب فَيَقُول: يَا رب مَا أَعْطَيْتنِي من شَيْء فتحاسبني بِهِ فَيَقُول: صدق عَبدِي فارسلوه فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى الْجنَّة ثمَّ يتركان مَا شَاءَ الله ثمَّ يدعى صَاحب النَّار فَإِذا هُوَ مثل الحممة السَّوْدَاء فَيُقَال لَهُ: كَيفَ وجدت مقيلك فَيَقُول: شَرّ مقيل
فَيُقَال لَهُ: عد
ثمَّ يدعى صَاحب الْجنَّة فَإِذا هُوَ مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر فَيُقَال لَهُ: كَيفَ وجدت مقيلك فَيَقُول رب خير مقيل فَيُقَال: عد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنِّي لأعرف السَّاعَة الَّتِي يدْخل فِيهَا أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار: السَّاعَة الَّتِي يكون فِيهَا ارْتِفَاع الضُّحَى الْأَكْبَر إِذا انْقَلب النَّاس إِلَى أَهْليهمْ للقيلولة
فَيَنْصَرِف أهل النَّار إِلَى النَّار وَأما أهل الْجنَّة فَينْطَلق بهم الْجنَّة فَكَانَت قيلولتهم فِي الْجنَّة وأطعموا كبد الْحُوت فاشبعهم كلهم فَذَلِك قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن يَوْم الْقِيَامَة أَمن الدُّنْيَا هُوَ أم من الْآخِرَة فَقَالَ: صدر ذَلِك الْيَوْم من الدُّنْيَا وآخرة من الْآخِرَة

(6/248)


وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)

- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا الْملك يَوْمئِذٍ الْحق للرحمن وَكَانَ يَوْمًا على الْكَافرين عسيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا} قَالَ: يجمع الله الْخلق يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد
الْجِنّ والإِنس والبهائم وَالسِّبَاع وَالطير وَجَمِيع الْخلق فتشقق السَّمَاء الدُّنْيَا فَينزل أَهلهَا وهم أَكثر مِمَّن فِي

(6/248)


الأَرْض من الْجِنّ والإِنس وَجَمِيع الْخلق فيحيطون بالجن والانس وَجَمِيع الْخلق فَيَقُول أهل الأَرْض: أفيكم رَبنَا فَيَقُولُونَ: لَا
ثمَّ تشقق السَّمَاء الثَّانِيَة فَينزل أَهلهَا وهم أَكثر من أهل السَّمَاء الدُّنْيَا وَمن الْجِنّ والإِنس وَجَمِيع الْخلق فيحيطون بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين نزلُوا قبلهم وَالْجِنّ والانس وَجَمِيع الْخلق
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الثَّالِثَة فيحيطون بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين نزلُوا قبلهم وَالْجِنّ والانس وَجَمِيع الْخلق
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الرَّابِعَة وهم أَكثر من أهل الثَّالِثَة وَالثَّانيَِة وَالْأولَى وَأهل الأَرْض ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الْخَامِسَة وهم أَكثر مِمَّن تقدم ثمَّ أهل السَّمَاء السَّادِسَة كَذَلِك ثمَّ أهل السَّمَاء السَّابِعَة
وهم أَكثر من أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض ثمَّ ينزل رَبنَا فِي ظلل من الْغَمَام وَحَوله الكروبيون وهم أَكثر من أهل السَّمَوَات السَّبع والانس وَالْجِنّ وَجَمِيع الْخلق لَهُم قُرُون ككعوب القنا وهم حَملَة الْعَرْش لَهُم زجل بالتسبيح والتحميد وَالتَّقْدِيس لله تَعَالَى وَمن أَخْمص قدم أحدهم إِلَى كعبة مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن كَعبه إِلَى ركبته خَمْسمِائَة عَام وَمن ركبته إِلَى فَخذه مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن فَخذه إِلَى ترقوته مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن ترقوته إِلَى مَوضِع القرط مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمَا فَوق ذَلِك خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} قَالَ: هُوَ قطع السَّمَاء إِذا انشقت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} قَالَ: هُوَ الَّذِي قَالَ {فِي ظلل من الْغَمَام} الْبَقَرَة الْآيَة 120 الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة
يَقُول: تشقق عَن الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ
غمام زَعَمُوا فِي الْجنَّة

(6/249)


وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)

- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلا يَا ويلتي لَيْتَني لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا لقد أضلني عَن الذّكر بعد إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا وَقَالَ الرَّسُول يَا رب إِن قومِي

(6/249)


اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ان أَبَا معيط كَانَ يجلس مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة لَا يُؤْذِيه وَكَانَ رجلا حَلِيمًا وَكَانَ بَقِيَّة قُرَيْش إِذا جَلَسُوا مَعَه آذوه وَكَانَ لأبي معيط خَلِيل غَائِب عَنهُ بِالشَّام فَقَالَت قُرَيْش: صبا أَبُو معيط وَقدم خَلِيله من الشَّام لَيْلًا فَقَالَ لامْرَأَته: مَا فعل مُحَمَّد مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَت: أَشد مِمَّا كَانَ أمرا أَبُو معيط فحياه فَلم يرد عَلَيْهِ التَّحِيَّة فَقَالَ: مَالك
لَا ترد عليَّ تحيتي فَقَالَ: كَيفَ أرد عَلَيْك تحيتك وَقد صبوت قَالَ: أوقد فعلتها قُرَيْش قَالَ: نعم
قَالَ فَمَا يبرىء صُدُورهمْ إِن أَنا فعلت قَالَ: نأتيه فِي مَجْلِسه وتبصق فِي وَجهه وتشمته بأخبث مَا تعلمه من الشتم
فَفعل فَلم يزدْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مسح وَجهه من البصاق ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ فَقَالَ: إِن وَجَدْتُك خَارِجا من جبال مَكَّة أضْرب عُنُقك صبرا
فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وَخرج أَصْحَابه أَبى أَن يخرج فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: اخْرُج مَعنا قَالَ: قد وَعَدَني هَذَا الرجل إِن وجدني خَارِجا من جبال مَكَّة أَن يضْرب عنقِي صبرا فَقَالُوا: لَك جمل أَحْمَر لَا يُدْرَكَ فَلَو كَانَت الْهَزِيمَة طرت عَلَيْهِنَّ فَخرج مَعَهم فَلَمَّا هزم الله الْمُشْركين وَحل بِهِ جمله فِي جدد من الأَرْض فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسِيرًا فِي فِي سبعين من قُرَيْش وَقدم إِلَيْهِ أَبُو معيط فَقَالَ: تقتلني من بَين هَؤُلَاءِ قَالَ: نعم
بِمَا بصقت فِي وَجْهي فَأنْزل الله فِي أبي معيط {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً}
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عقبَة بن أبي معيط لَا يقدم من سفر إِلَّا صنع طَعَاما فَدَعَا إِلَيْهِ أهل مَكَّة كلهم وَكَانَ يكثر مجالسة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُعْجِبهُ حَدِيثه وَغلب عَلَيْهِ الشَّقَاء فَقدم ذَات يَوْم من سفر فَصنعَ طَعَاما ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه فَقَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي آكل من

(6/250)


طَعَامك حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله
فَقَالَ: أطْعم يَا ابْن أخي
قَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي أفعل حَتَّى تَقول

فَشهد بذلك وَطعم من طَعَامه
فَبلغ ذَلِك أبي خلف فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَصَبَوْت يَا عقبَة - وَكَانَ خَلِيله - فَقَالَ: لَا وَالله مَا صبوت
وَلَكِن دخل عليّ رجل فَأبى أَن يطعم من طَعَامي إِلَّا أَن أشهد لَهُ فَاسْتَحْيَيْت أَن يخرج من بَيْتِي قبل أَن يطعم فَشَهِدت لَهُ فَطَعِمَ
فَقَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي أرْضى عَنْك حَتَّى تَأتيه فتبصق فِي وَجهه
فَفعل عقبَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أَلْقَاك خَارِجا من مَكَّة إِلَّا عَلَوْت رَأسك بِالسَّيْفِ فَأسر عقبَة يَوْم بدر فَقتل صبرا وَلم يقتل من الْأُسَارَى يَوْمئِذٍ غَيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أبي بن خلف يحضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزجره عقبَة بن أبي معيط فَنزل {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مقسم مولى ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف الجُمَحِي التقيا فَقَالَ عقبَة بن أبي معيط لأبي بن خلف وَكَانَا خليلين فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ أبي قد أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض عَلَيْهِ الإِسلام فَلَمَّا سمع بذلك عقبَة قَالَ: لَا أرْضى عَنْك حَتَّى تَأتي مُحَمَّدًا فتتفل فِي وَجهه وتشمته وَتكَذبه
قَالَ: فَلم يُسَلِّطهُ الله على ذَلِك
فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر أسر عقبَة بن أبي معيط فِي الاسارى فامر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب أَن يقْتله فَقَالَ عقبَة: يَا مُحَمَّد أَمن بَين هَؤُلَاءِ أقتل قَالَ: نعم
قَالَ: بِمَ قَالَ: بكفرك وفجورك وعتوك على الله وعَلى رَسُوله فَقَامَ إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب فَضرب عُنُقه
وَأما أبي بن خلف فَقَالَ: وَالله لَا قتلن مُحَمَّدًا
فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: بل أَنا أَقتلهُ إِن شَاءَ الله
فافزعه ذَلِك فَوَقَعت فِي نَفسه لأَنهم لم يسمعوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قولا إِلَّا كَانَ حَقًا فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد خرج مَعَ الْمُشْركين فَجعل يلْتَمس غَفلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحمل عَلَيْهِ
فيحول رجل من الْمُسلمين بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَينه
فَلَمَّا رأى ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاصحابه: خلوا عَنهُ فَأخذ الحربة فَرَمَاهُ بهَا فَوَقَعت فِي ترقوته فَلم يخرج مِنْهُ كَبِير دم واحتقن الدَّم فِي جَوْفه فخار كَمَا يخور الثور فَأتى

(6/251)


أَصْحَابه حَتَّى احتملوه وَهُوَ يخور وَقَالُوا: مَا هَذَا فوَاللَّه مَا بك إِلَّا خدش فَقَالَ: وَالله لَو لم يُصِبْنِي إِلَّا بريقه لَقَتَلَنِي أَلَيْسَ قد قَالَ: أَنا أَقتلهُ وَالله لَو كَانَ الَّذِي بِي بِأَهْل ذِي الْمجَاز لقتلهم
قَالَ: فَمَا لبث إِلَّا يَوْمًا أَو نَحْو ذَلِك حَتَّى مَاتَ إِلَى النَّار وَأنزل الله فِيهِ {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سابط قَالَ: صنع أبي بن خلف طَعَاما ثمَّ أَتَى مَجْلِسا فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قومُوا
فَقَامُوا غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أقوم حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَتشهد
فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ عقبَة بن أبي معيط فَقَالَ: قلت: كَذَا وَكَذَا قَالَ: إِنَّمَا أردْت لطعامنا فَذَلِك قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: عقبَة بن أبي معيط دَعَا مَجْلِسا فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطعام فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْكُل وَقَالَ: لَا آكل حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَلَقِيَهُ أُميَّة بن خلف فَقَالَ: أقد صبوت فَقَالَ: إِن أَخَاك على مَا تعلم وَلَكِن صنعت طَعَاما فَأبى أَن يَأْكُل حَتَّى قلت ذَلِك فقلته وَلَيْسَ من نَفسِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن هِشَام فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: يَأْكُل كفيه ندامة حَتَّى يبلغ مَنْكِبه لَا يجد مَسهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: يَأْكُل يَده ثمَّ تنْبت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: بَلغنِي أَنه يعضه حَتَّى يكسر الْعظم ثمَّ يعود
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: نزلت فِي أُميَّة بن خلف وَعقبَة بن أبي معيط {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: هَذَا عقبَة
{لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا} قَالَ: أُميَّة وَكَانَ عقبَة خدناً لأمية فَبلغ أُميَّة أَن عقبَة يُرِيد الإِسلام فَأَتَاهُ وَقَالَ: وَجْهي من وَجهك حرَام إِن أسلمت أَن أُكَلِّمك أبدا

(6/252)


فَفعل فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله {لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا} قَالَ: عقبَة بن أبي معيط وَأُميَّة بن خلف كَانَا متواخيين فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُول أُميَّة بن خلف: ياليتني لم أَتَّخِذ عقبَة بن أبي معيط خَلِيلًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مَيْمُون فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: نزلت فِي عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عقبَة فِي حَاجَة وَقد صنع طَعَاما للنَّاس فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه قَالَ: لَا

حَتَّى تسلم
فَأسلم فَأكل

وَبلغ الْخَبَر أبي بن خلف فَأتى عقبَة فَذكر لَهُ مَا صنع فَقَالَ لَهُ عقبَة: أَتَرَى مثل مُحَمَّد يدْخل منزلي وَفِيه طَعَام ثمَّ يخرج وَلَا يَأْكُل قَالَ: فوجهي من وَجهك حرَام حَتَّى ترجع عَمَّا دخلت فِيهِ
فرجعز فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: أبي بن خلف وَعقبَة بن أبي معيط
وهما الخليلان فِي جَهَنَّم على مِنْبَر من نَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا من قُرَيْش كَانَ يغشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ رجل من قُرَيْش - وَكَانَ لَهُ صديقا - فَلم يزل بِهِ حَتَّى صرفه وصده عَن غشيان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله فيهمَا مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لَيْتَني لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً} قَالَ: خذل يَوْم الْقِيَامَة وتبرأ مِنْهُ {وَقَالَ الرَّسُول يَا رب إِن قومِي اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} هَذَا قَول نَبِيكُم يشتكي قومه إِلَى ربه قَالَ الله يعزي نبيه: {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} يَقُول: إِن الرُّسُل قد لقِيت هَذَا من قَومهَا قبلك فَلَا يكبرن عَلَيْك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وابنجرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} قَالَ: يهجرون فِيهِ بالْقَوْل السيء
يَقُولُونَ: هَذَا سحر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن

(6/253)


أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} قَالُوا: فِيهِ هجيراً غير الْحق
ألم تَرَ الْمَرِيض إِذا هذى قيل: هجر أَي قَالَ: غير الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} قَالَ: لم يبْعَث نَبِي قطّ إِلَّا كَانَ المجرمون لَهُ أَعدَاء
وَلم يبْعَث نَبِي قطّ إِلَّا كَانَ بعض الْمُجْرمين أَشد عَلَيْهِ من بعض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} قَالَ: كَانَ عدوّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو جهل وعدوّ مُوسَى قَارون وَكَانَ قَارون ابْن عَم مُوسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} قَالَ: يوطن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جَاعل لَهُ عدوّاً من الْمُجْرمين كَمَا جعل لمن قبله

(6/254)


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)

- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلاً وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ وَأحسن تَفْسِيرا
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ: إِن كَانَ مُحَمَّد كَمَا يزْعم نَبيا فَلم يعذبه ربه
أَلا ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة ينزل عَلَيْهِ الْآيَة والآيتين وَالسورَة
فَأنْزل الله على نبيه جَوَاب مَا قَالُوا {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} إِلَى {وأضل سَبِيلا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} يَقُولُونَ: كَمَا أنزل على مُوسَى وعَلى عِيسَى قَالَ الله {كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: بَيناهُ تبييناً {وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ وَأحسن تَفْسِيرا} قَالَ: أحسن تَفْصِيلًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك} قَالَ: كَانَ الله ينزل عَلَيْهِ الْآيَة فَإِذا علمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت آيَة

(6/254)


أُخْرَى ليعلمه الْكتاب عَن ظهر قلبه وَيثبت بِهِ فُؤَادك {وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ وَأحسن تَفْسِيرا} يَقُول: أحسن تَفْصِيلًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَذَلِك لنثبت} قَالَ: لنشدد بِهِ فُؤَادك ونربط على قَلْبك {ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: رسلناه ترسيلاً يَقُول: شَيْئا بعد شَيْء {وَلَا يأتونك بِمثل} يَقُول: لوأنزلنا عَلَيْك الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة ثمَّ سألوك لم يكن عنْدك مَا تجيب
وَلَكنَّا نمسك عَلَيْك فَإِذا سألوك أجبْت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت قُرَيْش مَا لِلْقُرْآنِ لم ينزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جملَة وَاحِدَة قَالَ الله فِي كِتَابه {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلا} قَالَ: قليلاز قَلِيلا

كَيْمَا لَا يجيؤك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِمَا ينْقض عَلَيْهِم فأنزلناه عَلَيْك تَنْزِيلا قَلِيلا قَلِيلا
كلما جاؤا بِشَيْء جئناهم بِمَا هُوَ أحسن مِنْهُ تَفْسِيرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْآيَة
والآيتان
والآيات

كَانَ ينزل عَلَيْهِ جَوَابا لَهُم
اذا سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء أنزل الله جَوَابا لَهُم وردا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا تكلمُوا بِهِ وَكَانَ بَين أوّله وَآخره نَحْو من عشْرين سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جَوَابا لقَولهم
ليعلم أَن الله هُوَ يُجيب الْقَوْم عَمَّا يَقُولُونَ {وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ} قَالَ: لَا يَأْتِيك الْكفَّار إِلَّا جئْنَاك بِمَا ترد بِهِ مَا جاؤك بِهِ من الامثال الَّتِي جاؤا بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {ورتلناه ترتيلاً} يَقُول: أنزل مُتَفَرقًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: فصلنا تَفْصِيلًا
وأخرجابن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {وَأحسن تَفْسِيرا} قَالَ: تَفْصِيلًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأحسن تَفْسِيرا} قَالَ: بَيَانا

(6/255)


الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)

- قَوْله تَعَالَى: الَّذين يحشرون على وُجُوههم إِلَى جَهَنَّم أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا وأضل سَبِيلا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا} يَقُول: من أهل الْجنَّة {وأضل سَبِيلا} قَالَ: طَرِيقا

(6/256)


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)

- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيراً فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم تدميرا وَقوم نوح لما كذبُوا الرُّسُل أغرقناهم وجعلناهم للنَّاس آيَة واعتدنا للظالمين عذَابا أَلِيمًا وَعَاد وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقروناً بَين ذَلِك كثيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيراً} قَالَ: عوناً وعضداً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فدمرناهم تدميراً} قَالَ: أهلكناهم بِالْعَذَابِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وعادا وَثَمُود} ينوّن ثَمُود
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الرس} قَرْيَة من ثَمُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الرس} بِئْر بِأَذربِيجَان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأَصْحَاب الرس} قَالَ: قوم شُعَيْب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأَصْحَاب الرس} قَالَ: حَدثنَا أَن أَصْحَاب الرس كَانُوا أهل فلج بِالْيَمَامَةِ وآبار كَانُوا عَلَيْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ {الرس} بِئْر كَانَ عَلَيْهَا قوم يُقَال لَهُم: أَصْحَاب الرس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ {وَأَصْحَاب الرس} رسوا نَبِيّهم فِي بِئْر

(6/256)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن أَصْحَاب الرس قَالَ: صَاحب الْبِئْر الَّذِي {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} فرسه قومه فِي بِئْر بالحجار
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ {الرس} بِئْر قتل بِهِ صَاحب يس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ: ان امْرَأتَيْنِ سألتاه هَل تَجِد غشيان الْمَرْأَة الْمَرْأَة محرما فِي كتاب الله قَالَ: نعم
هن اللواتي كن على عهد تبعن وَهن صَوَاحِب الرس وكل نهر وبئر رس
قَالَ: يقطع لَهُنَّ جِلْبَاب من نَار وَدرع من نَار ونطاق من نَار وتاج من نَار وخفان من نَار وَمن فَوق ذَلِك ثوب غليظ جَاف جلف منتن من نَار قَالَ جَعْفَر: علمُوا هَذَا نساءكم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَفعه قَالَ: سحاق النِّسَاء زنا بَينهُنَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراكبة والمركوبة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: إِن أَصْحَاب الأيكة
وَأَصْحَاب الرس
كَانَتَا أمتين فَبعث الله إِلَيْهِمَا نَبيا وَاحِدًا شعيباً وعذبهما الله بعذابين
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول النَّاس يدْخل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة العَبْد الْأسود وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى بعث نَبيا إِلَى أهل قريته فَلم يُؤمن بِهِ من أَهلهَا أحد إِلَّا ذَلِك الْأسود ثمَّ إِن أهل الْقرْيَة عدوا على النَّبِي فَحَفَرُوا لَهُ بِئْر فألقوه فِيهَا ثمَّ أطبقوا عَلَيْهِ بِحجر ضخم فَكَانَ ذَلِك العَبْد يذهب فيحتطب على ظَهره ثمَّ يَأْتِي بحطبه فيبيعه فيشتري بِهِ طَعَاما وَشَرَابًا ثمَّ يَأْتِي بِهِ إِلَى تِلْكَ الْبِئْر فيرفع تِلْكَ الصَّخْرَة فيعينه الله عَلَيْهَا فيدلي طَعَامه وَشَرَابه ثمَّ يردهَا كَمَا كَانَت مَا شَاءَ الله أَن يكون
ثمَّ انه ذهب يحتطب كَمَا كَانَ يصنع فَجمع حطبه وحزم حزمته وَفرغ مِنْهَا فَلَمَّا أَرَادَ أَن يحتملها وجد سنة فاضطجع فَنَامَ فَضرب على أُذُنه سبع سِنِين نَائِما ثمَّ إِنَّه هَب فتمطى فتحوّل لِشقِّهِ الآخر فاضطجع فَضرب الله على أُذُنه سبع سِنِين أُخْرَى ثمَّ

(6/257)


انه هَب فاحتم حزمته وَلَا يحْسب إِلَّا أَنه نَام سَاعَة من نَهَار فجَاء إِلَى الْقرْيَة فَبَاعَ حزمته ثمَّ اشْترى طَعَاما وَشَرَابًا كَمَا كَانَ يصنع ثمَّ ذهب إِلَى الحفرة فِي موضعهَا الَّتِي كَانَت فِيهِ فالتمسه فَلم يجده وَفد كَانَ بدا لِقَوْمِهِ بداء فاستخرجوه فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ
وَكَانَ النَّبِي يسألهم عَن ذَلِك الْأسود مَا فعل فَيَقُولُونَ لَهُ: مَا نَدْرِي

حَتَّى قبض ذَلِك النَّبِي فأهب الله الْأسود من نومته بعد ذَلِك
ان ذَلِك لأوّل من يدْخل الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أم سَلمَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بعد عدنان بن أدد بن زين بن الْبَراء واعراق الثرى
قَالَت: ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهلك {وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقروناً بَين ذَلِك كثيرا} {لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله} قَالَت: واعراق الثرى: اسمعيل وَزيد وهميسع وبرانيت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وقروناً بَين ذَلِك كثيرا} قَالَ: كَانَ يُقَال إِن الْقرن سَبْعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زُرَارَة بن أوفى قَالَ: الْقرن مائَة وَعِشْرُونَ عَاما قَالَ: فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قرن كَانَ آخِره الْعَام الَّذِي مَاتَ فِيهِ يزِيد بن مُعَاوِيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَين آدم وَبَين نوح عشرَة قُرُون وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم عشرَة قُرُون قَالَ أبوسلمة: الْقرن مائَة سنة
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن بسر قَالَ: وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على رَأْسِي فَقَالَ: هَذَا الْغُلَام يعِيش قرنا
فَعَاشَ مائَة سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْحِمصِي عَن عبد الله بسر الْمَازِني قَالَ: وضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على رَأْسِي وَقَالَ: سيعيش هَذَا الْغُلَام قرنا قلت: يَا رَسُول الله كم الْقرن قَالَ: مائَة سنة
قَالَ مُحَمَّد بن الْقَاسِم: مَا زلنا نعد لَهُ حَتَّى تمت مائَة سنة
ثمَّ مَاتَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْهَيْثَم بن دهر الأسلمى قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(6/258)


الْقرن خَمْسُونَ سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي خمس قُرُون الْقرن أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حَمَّاد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرن أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرن أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ الْقرن سِتُّونَ سنة
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكني عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا انْتهى إِلَى معد بن عدنان أمسك
ثمَّ يَقُول: كذب النسابون قَالَ الله تَعَالَى {وقروناً بَين ذَلِك كثيرا}

(6/259)


وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)

- قَوْله تَعَالَى: وكلاًّ ضربنا لَهُ الْأَمْثَال وكلاًّ تبرنا تتبيرا وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة الَّتِي أمْطرت مطر السوء أفلم يَكُونُوا يرونها بل كَانُوا لَا يرجون نشوراً وَإِذا رأوك إِن يتخذونك إِلَّا هزوا أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا وسوف يعلمُونَ حِين يرَوْنَ الْعَذَاب من أضلّ سَبِيلا
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وكلاًّ ضربنا لَهُ الْأَمْثَال وكلاًّ تبرنا تتبيراً} قَالَ: كل قد أعذر الله إِلَيْهِ وَبَين لَهُ ثمَّ انتقم مِنْهُ {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة الَّتِي أمْطرت مطر السوء} قَالَ: قَرْيَة لوط {بل كَانُوا لَا يرجون نشوراً} قَالَ: بعثا وَلَا حسابا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وكلاًّ تبرنا تتبيراً} قَالَ: تبر الله كلا بِالْعَذَابِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ {تبرنا} بالنبطية

(6/259)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ سدوم قَرْيَة قوم لوط {الَّتِي أمْطرت مطر السوء} قَالَ: الْحِجَارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة} قَالَ: قَرْيَة لوط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ بَين الشَّام وَالْمَدينَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {لَا يرجون نشورا} قَالَ: بعثا وَفِي قَوْله {لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا} قَالَ: ثبتنا

(6/260)


أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)

- قَوْله تَعَالَى: أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: كَانَ الرجل يعبد الْحجر الْأَبْيَض زَمَانا من الدَّهْر فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِذا وجد حجرا أحسن مِنْهُ رمى بِهِ وَعبد الآخر فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أبي رَجَاء العطاردي قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَأْكُلُون الدَّم بالعلهز ويعبدون الْحجر فَإِذا وجدوا مَا هُوَ أحسن مِنْهُ رموا بِهِ وعبدوا الآخر فَإِذا فقدوا الآخر أمروا منادياً فَنَادَى: أَيهَا النَّاس إِن إِلَهكُم قد ضل فالتمسوه
فَانْزِل الله هَذِه الْآيَة {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: لَا يهوى شَيْئا إِلَّا تبعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: كلما هوى شَيْئا رَكبه وَكلما اشْتهى شَيْئا أَتَاهُ
لَا يحجزه عَن ذَلِك ورع وَلَا تقوى

(6/260)


وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قيل لَهُ: فِي أهل الْقبْلَة شرك فَقَالَ: نعم
الْمُنَافِق مُشْرك إِن الْمُشرك يسْجد للشمس وَالْقَمَر من دون الله وَإِن الْمُنَافِق عِنْد هَوَاهُ
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَحت ظلّ السَّمَاء من إِلَه يعبد من دون الله أعظم عِنْد الله من هوى مُتبع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ} قَالَ: مثل الَّذين كفرُوا كَمثل الْبَعِير وَالْحمار وَالشَّاة
إنْ قلت لبَعْضهِم كل لم يعلم مَا تَقول غير أَنه يسمع صَوْتك
كَذَلِك الْكَافِر إِن أَمرته بِخَير أَو نهيته عَن شَرّ أَو وعظته لم يعقل مَا تَقول غير أَنه يسمع صَوْتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {بل هم أضلّ سَبِيلا} قَالَ: أَخطَأ السَّبِيل

(6/261)


أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)

- قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا وَهُوَ الَّذِي جعل لكم الَّيْلِ لباسا وَالنَّوْم سباتا وَجعل النَّهَار نشورا
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: بعد الْفجْر قبل أَن تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} الْآيَة
قَالَ: ألم تَرَ إِنَّك إِذا صليت الْفجْر كَانَ مَا بَين مطلع الشَّمْس إِلَى مغْرِبهَا ظلاً ثمَّ بعث الله عَلَيْهِ الشَّمْس دَلِيلا فَقبض الله الظل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: مَا بَين طُلُوع الشَّمْس {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} قَالَ: دَائِما {ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} يَقُول: طُلُوع الشَّمْس {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا} قَالَ: سَرِيعا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي

(6/261)


حَاتِم عَن مُجَاهِد {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: ظلّ الْغَدَاة قبل طُلُوع الشَّمْس {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} قَالَ: لَا تصيبه الشَّمْس وَلَا يَزُول {ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} قَالَ: تحويه {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا} فاجوينا الشَّمْس إِيَّاه {قبضا يَسِيرا} قَالَ: خَفِيفا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: مده من الْمشرق إِلَى الْمغرب فِيمَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} قَالَ: تَركه كَمَا هُوَ ظلاً ممدوداً مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَيُّوب بن مُوسَى {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: الأَرْض كلهَا ظلّ
مَا بَين صَلَاة الْغَدَاة إِلَى طُلُوع الشَّمْس {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا} قَالَ: قَلِيلا قَلِيلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَالضَّحَّاك وَأبي مَالك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله {كَيفَ مد الظل} قَالُوا: مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس {ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} قَالُوا: على الظل {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا} يَعْنِي مَا تقبض الشَّمْس من الظل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {كَيفَ مد الظل} قَالَ: من حِين يطلع الْفجْر إِلَى حِين تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} قَالَ: يتبعهُ فيقبضه حَيْثُ كَانَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَجعل النَّهَار نشوراً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: إِن النَّهَار اثْنَتَا عشرَة سَاعَة فَأول السَّاعَة مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى أَن ترى شُعَاع الشَّمْس ثمَّ السَّاعَة الثَّانِيَة إِذا رَأَيْت شُعَاع الشَّمْس إِلَى أَن يضيء الاشراق
عِنْد ذَلِك لم يبْق من قُرُونهَا شَيْء وَصفا لَوْنهَا فَإِذا كَانَت بِقدر مَا تريك عَيْنك قيد رحمين فَذَلِك أول الضُّحَى وَذَلِكَ أَو سَاعَة من سَاعَات الضُّحَى ثمَّ من بعد ذَلِك الضُّحَى ساعتين ثمَّ السَّاعَة السَّادِسَة حِين نصف النَّهَار
فَإِذا زَالَت الشَّمْس عَن نصف النَّهَار فَتلك سَاعَة صَلَاة الظّهْر وَهِي الَّتِي قَالَ الله {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} ثمَّ من بعد ذَلِك الْعشي ساعتين

(6/262)


ثمَّ السَّاعَة الْعَاشِرَة مِيقَات صَلَاة الْعَصْر وَهِي الآصال ثمَّ من بعد ذَلِك ساعتين إِلَى اللَّيْل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله وَجعل النَّهَار نشوراً {وَجعل النَّهَار نشورا} قَالَ: ينشر فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَجعل النَّهَار نشوراً} قَالَ: لمعايشهم وحوائجهم وتصرفهم

(6/263)


وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)

- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي أرسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا ونسقيه مِمَّا خلقنَا أنعاما وأناسي كثيرا
أخرج عبد بن حميد عَن عَطاء أَنه قَرَأَ {وَهُوَ الَّذِي أرسل الرِّيَاح} على الْجمع بشرا بِالْبَاء وَرفع الْبَاء بنُون فيهمَا خَفِيفَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَنه قَرَأَ {الرِّيَاح بشرا} بالنُّون وَنصب النُّون منونة ومخففة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} قَالَ: لَا يُنجسهُ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارقطني عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: أنزل الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء
يطهر وَلَا يطهره شَيْء فَإِن الله قَالَ {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا}
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارقطني وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: يَا رَسُول الله انتوضأ من بِئْر بضَاعَة وَهِي بِئْر يلقى فِيهَا الْحيض وَلُحُوم الْكلاب وَالنَّتن
فَقَالَ: ان المَاء طهُورا لاينجسه شَيْء

(6/263)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: سَأَلَ رجل عبد الله بن الزبير عَن طين الْمَطَر قَالَ: سَأَلتنِي عَن طهورين جَمِيعًا قَالَ الله تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا

(6/264)


وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)

- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفورا وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيرا فَلَا تُطِع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَقَد صرفناه بَينهم} يَعْنِي الْمَطَر تسقى هَذِه الأَرْض وتمنع هَذِه {لِيذكرُوا فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفوراً} قَالَ عِكْرِمَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: قَوْلهم مُطِرْنَا بالانواء
فَأنْزل الله فِي الْوَاقِعَة {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} الْوَاقِعَة الْآيَة 82
وَأخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد {وَلَقَد صرفناه بَينهم} قَالَ: الْمَطَر
ينزله فِي الأَرْض وَلَا ينزله فِي أُخْرَى {فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفوراً} قَوْلهم مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وبنوء كَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا} قَالَ: إِن الله قسم هَذَا الرزق بَين عباده وَصَرفه بَينهم
قَالَ: وَذكر لنا أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول: مَا كَانَ عَام قطّ أقل مَطَرا من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ بَين عباده
قَالَ قَتَادَة: فترزقه الأَرْض وتحرمه الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا من عَام بِأَقَلّ مَطَرا من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء
ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا} الْآيَة
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ: كَانَ جِبْرِيل فِي مَوضِع الْجَنَائِز فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جِبْرِيل إِنِّي أحب أَن أعلم أَمر السَّحَاب
فَقَالَ جِبْرِيل: هَذَا ملك السَّحَاب فَسَأَلَهُ فَقَالَ: تَأْتِينَا صكاك مختتمة اسقوا بِلَاد كَذَا وَكَذَا قَطْرَة

(6/264)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الخرساني فِي قَوْله {وَلَقَد صرفناه بَينهم} قَالَ: أَلا ترى إِلَى قَوْله {وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيراً} وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجاهدهم بِهِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وجاهدهم بِهِ جهاداً كَبِيرا} قَالَ: هُوَ قَوْله {وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} التَّوْبَة الْآيَة 73 وَالله تَعَالَى أعلم

(6/265)


وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)

- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين هَذَا عذب فرات وَهَذَا ملح أجاج وَجعل بَينهمَا برزخا وحجرا مَحْجُورا
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين} الْآيَة
يَعْنِي خلع أَحدهمَا على الآخر فَلَيْسَ يفْسد العذب المالح وَلَيْسَ يفْسد المالح العذب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين} قَالَ: أَفَاضَ أَحدهمَا فِي الآخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {مرج الْبَحْرين} قَالَ: بَحر فِي السَّمَاء وبحر فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {فرات} قَالَ: العذب
وَفِي قَوْله {أجاج} قَالَ: الاجاج: المالح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَهَذَا ملح أجاج} قَالَ: المر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هما بحران فَتَوَضَّأ بِأَيِّهِمَا شِئْت
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {هَذَا عذب فرات وَهَذَا ملح أجاج}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: هُوَ اليبس

(6/265)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {برزخاً} قَالَ: هُوَ اليبس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: محبساً لَا يخْتَلط الْبَحْر العذب بالبحر الْملح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: التخوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخا} قَالَ: حجازا لَا يخْتَلط العذب بالملح وَلَا يخْتَلط بَحر الرّوم وَفَارِس
وبحر الرّوم ملح قَالَ ابْن جريج: فَلم أجد بحراً عذباً إِلَّا الْأَنْهَار الْعَذَاب
فَإِن دجلة تقع فِي الْبَحْر فَلَا تمور فِيهِ يَجْعَل فِيهِ بَينهمَا مثل الْخَيط الْأَبْيَض فَإِذا رجعت لم يرجع فِي طريقهما من الْبَحْر شَيْء
والنيل زَعَمُوا ينصب فِي الْبَحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: حاجزاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وحجراً مَحْجُورا} يَقُول: حجر أَحدهمَا عَن الآخر بأَمْره وقضائه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وحجراً مَحْجُورا} قَالَ: إِن الله حجر الْملح عَن العذب والعذب عَن الْملح أَن يخْتَلط بِلُطْفِهِ وَقدرته

(6/266)


وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)

- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا وَكَانَ رَبك قَدِيرًا
أخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الْمُغيرَة قَالَ: سُئِلَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عَن نسب وصهر فَقَالَ: مَا أَرَاكُم إِلَّا قد عَرَفْتُمْ النّسَب
فَأَما الصهر: فالاختان وَالصَّحَابَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَجعله نسبا وصهراً} قَالَ: النّسَب الرَّضَاع والصهر الختونة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَجعله نسبا وصهراً} قَالَ: ذكر الله الصهر مَعَ النّسَب

(6/266)


وَحرم أَربع عشرَة امْرَأَة
سبعا من النّسَب وَسبعا من الصهر
فَاسْتَوَى تَحْرِيم الله فِي النّسَب والصهر

(6/267)


وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)

- قَوْله تَعَالَى: ويعبدون من دون الله مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} يَعْنِي أَبَا الحكم: الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جهل ابْن هِشَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَكَانَ الْكَافِر على ربه} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: هُوَ أَبُو جهل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: معينا للشَّيْطَان على معاصي الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: عوناً للشَّيْطَان على ربه بالعداوة والشرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: معينا للشَّيْطَان على عَدَاوَة ربه

(6/267)


وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)

- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشراً وَنَذِيرا قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِلَّا من شَاءَ أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشراً وَنَذِيرا} قَالَ: مبشراً بِالْجنَّةِ وَنَذِيرا من النَّار
وَفِي قَوْله {إِلَّا من شَاءَ أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا} قَالَ: بِطَاعَتِهِ

(6/267)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر} قَالَ: قل لَهُم يَا مُحَمَّد لَا أَسأَلكُم على مَا أدعوكم إِلَيْهِ من أجر يَقُول: عرض من عرض الدُّنْيَا

(6/268)


وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)

- قَوْله تَعَالَى: وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَسبح بِحَمْدِهِ وَكفى بِهِ بذنوب عباده خَبِيرا
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عتبَة بن أبي ثبيت قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة لَا تتوكل على ابْن آدم فَإِن ابْن آدم لَيْسَ لَهُ قوام وَلَكِن توكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت

(6/268)


الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)

- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أنسجد لما تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فاسأل بِهِ خَبِيرا} قَالَ: مَا أَخْبَرتك من شَيْء فَهُوَ مَا أَخْبَرتك بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن شمر بن عَطِيَّة فِي قَوْله {الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن خَبِير بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن} قَالَ: قَالُوا مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَة
فَأنْزل الله {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} الْبَقَرَة الْآيَة 163
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حُسَيْن الجحفي فِي قَوْله {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن} قَالَ: جوابها {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} الرَّحْمَن الْآيَتَانِ 1 - 2
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَرَأَ الْأسود {أنسجد لما تَأْمُرنَا} فَسجدَ فِيهَا قَالَ: وَقرأَهَا يحيى {أنسجد لما تَأْمُرنَا}

(6/268)


وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان قَالَ: قَرَأَ إِبْرَاهِيم فِي الْفرْقَان (أنسجد لما يَأْمُرنَا) بِالْيَاءِ
وَقَرَأَ سُلَيْمَان كَذَلِك

(6/269)


تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)

- قَوْله تَعَالَى: تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً
أخرج الْخَطِيب فِي كتاب النُّجُوم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: هِيَ هَذِه الاثنا عشر برجاً
أَولهَا الْحمل ثمَّ الثثور ثمَّ الجوزاء ثمَّ السرطان ثمَّ الْأسد ثمَّ السنبلة ثمَّ الْمِيزَان ثمَّ الْعَقْرَب ثمَّ الْقوس ثمَّ الجدي ثمَّ الدَّلْو ثمَّ الْحُوت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: قصوراً على أَبْوَاب السَّمَاء فِيهَا الحرس
وَأخرج هناد عبد بن حميد وَابْن جرير عَن يحيى بن رَافع {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: قصوراً فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: الْقُصُور
ثمَّ تأوّل هَذِه الْآيَة {وَلَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة} النِّسَاء الْآيَة 78
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: البروج النُّجُوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: النُّجُوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: النُّجُوم الْكِبَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: هِيَ النجومز وَقَالَ عِكْرِمَة: إِن أهل السَّمَاء يرَوْنَ نور مَسَاجِد الدُّنْيَا كَمَا يرَوْنَ أهل الدُّنْيَا نُجُوم السَّمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا} قَالَ: هِيَ الشَّمْس

(6/269)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا} بِكَسْر السِّين على معنى الْوَاحِد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن: أَنه كَانَ يقْرَأ {سِرَاجًا} وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: أَنه كَانَ يقْرَأ {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً}

(6/270)


وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)

- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة لمن أَرَادَ أَن يذكر أَو أَرَادَ شكُورًا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: أَبيض وأسود
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: هَذَا يخلف هَذَا وَهَذَا يخلف هَذَا {لمن أَرَادَ أَن يذكر} قَالَ: يذكر نعْمَة ربه عَلَيْهِ فيهمَا {أَو أَرَادَ شكُورًا} قَالَ: شكور نعْمَة ربه عَلَيْهِ فيهمَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: يَخْتَلِفَانِ
هَذَا أسود وَهَذَا أَبيض وَإِن الْمُؤمن قد ينسى بِاللَّيْلِ وَيذكر بِالنَّهَارِ وينسى بِالنَّهَارِ وَيذكر بِاللَّيْلِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} يَقُول: من فَاتَهُ شَيْء من اللَّيْل أَن يعمله أدْركهُ بِالنَّهَارِ وَمن فَاتَهُ شَيْء من النَّهَار أَن يعمله أدْركهُ بِاللَّيْلِ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن: أَن عمر أَطَالَ صَلَاة الضُّحَى فَقيل: لَهُ: صنعت الْيَوْم شَيْئا لم تكن تَصنعهُ فَقَالَ: إِنَّه بَقِي عليَّ من وردي شَيْء وأحببت أَن أتمه
أَو قَالَ اقضيه
وتلا هَذِه الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} يَقُول: جعل اللَّيْل خلفا من النَّهَار وَالنَّهَار خلفا من اللَّيْل لمن فرط فِي عمل أَن يَقْضِيه

(6/270)


وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: إِن لم يسْتَطع عمل اللَّيْل عمله بِالنَّهَارِ وَإِن لم يسْتَطع عمل النَّهَار عمله بِاللَّيْلِ
فَهَذَا خلفة لهَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: من عجز بِاللَّيْلِ كَانَ لَهُ فِي أول النَّهَار مستعتب وَمن عجز بِالنَّهَارِ كَانَ لَهُ فِي اللَّيْل مستعتب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
إِن سلمَان جَاءَهُ رجل فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيع قيام اللَّيْل قَالَ: إِن كنت لَا تَسْتَطِيع قيام اللهيل فَلَا تعجز بِالنَّهَارِ قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ أَن فِي كل لَيْلَة سَاعَة
لَا يُوَافِقهَا رجل مُسلم يُصَلِّي فِيهَا يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه قَالَ قَتَادَة: فأروا الله من أَعمالكُم خيرا فِي هَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِنَّهُمَا مطيتان تحملان النَّاس إِلَى آجالهم تقربان كل بعيد وتبليان كل جَدِيد وتجيئان بِكُل مَوْعُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (لمن أَرَادَ أَن يذكر) مُشَدّدَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ (لمن أَرَادَ أَن يذكر)

(6/271)


وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)

- قَوْله تَعَالَى: وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا اصرف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم إِن عَذَابهَا كَانَ غراما إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعباد الرَّحْمَن} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: بِالطَّاعَةِ والعفاف والتواضع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: عُلَمَاء حكماء

(6/271)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {هونا} قَالَ: بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {هونا} قَالَ: حلماء بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله {هونا} قَالَ: حلماء بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: بالوقار والسكينة {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: سداداً من القَوْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: لَا يَشْتَدُّونَ
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سرعَة الْمَشْي تذْهب بهاء الْمُؤمن
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: إِن جهل عَلَيْهِ حلم وَإِن أُسِيء إِلَيْهِ أحسن وَإِن حرم أعْطى وَإِن قطع وصل
وَأخرج الْآمِدِيّ فِي شرح ديوَان الْأَعْشَى بِسَنَدِهِ عَن عمر بن الْخطاب: أَنه رأى غُلَاما يتبختر فِي مشيته فَقَالَ: إِن البخترة مشْيَة تكره إِلَّا فِي سَبِيل الله وَقد مدح الله أَقْوَامًا فَقَالَ {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} فاقصد فِي مشيتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: تواضعاً لله لعظمته {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: كَانُوا لَا يجهلون على أهل الْجَهْل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُحَمَّد بن عَليّ الباقر قَالَ: سلَاح اللئام قَبِيح الْكَلَام

(6/272)


وَأخرج أَحْمد عَن النُّعْمَان بن مقرن الْمُزنِيّ: أَن رجلا سبّ رجلا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل الرجل المسبوب يَقُول: عَلَيْك السَّلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اما أَن ملكا بَيْنكُمَا يذب عَنْك كلما شتمك هَذَا قَالَ لَهُ: بل أَنْت
وَأَنت أَحَق بِهِ وَإِذا قلت لَهُ: عَلَيْك السَّلَام قَالَ: لَا
بل لَك أَنْت أَحَق بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَإِذا خاطبهم الجاهلون} قَالَ: السُّفَهَاء {قَالُوا سَلاما} يَعْنِي ردوا مَعْرُوفا {وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً} يَعْنِي يصلونَ بِاللَّيْلِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن {يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: يَمْشُونَ حلماء متواضعين لَا يجهلون على أحد وَإِن جهل عَلَيْهِم جَاهِل لم يجهلوا
هَذَا نهارهم إِذا انتشروا فِي النَّاس {وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً} قَالَ: هَذَا ليلهم إِذا خلوا بَينهم وَبَين رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَانَ يُقَال: ابْن آدم عف عَن محارم الله تكن عابداً وَارْضَ بِمَا قسم الله لَك تكن غَنِيا وَأحسن مجاورة من جاورك من النَّاس تكن مُسلما وَصَاحب النَّاس بِالَّذِي تحب أَن يصاحبوك بِهِ تكن عدلا وَإِيَّاك وَكَثْرَة الضحك فَإِن كَثْرَة الضحك تميت الْقلب
إِنَّه قد كَانَ يديكم أَقوام يجمعُونَ كثيرا ويبنون شَدِيدا ويأملون بَعيدا فَأَيْنَ هم أصبح جمعهم بوراً وَأصْبح عَمَلهم غرُورًا وأصبحت مساكنهم قبوراً
ابْن آدم إِنَّك مُرْتَهن بعملك وَأَنت على أَجلك معروض على رَبك فَخذ مِمَّا فِي يَديك لما بَين يَديك عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك من الْخَيْر
يَا ابْن آدم طأ الأَرْض بقدمك فَإِنَّهَا عَن قَلِيل قبرك إِنَّك لم تزل فِي هدم عمرك مُنْذُ سَقَطت من بطن أمك
يَا ابْن آدم خالط النَّاس وزايلهم: خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك
يَا ابْن آدم أَتُحِبُّ أَن تذكر بسحناتك وَتكره أَن تذكر بسيئاتك وَتبْغض على الظَّن [] وتقيم على الْيَقِين
وَكَانَ يُقَال: أَن الْمُؤمنِينَ لما جَاءَتْهُم هَذِه الدعْوَة من الله صدقُوا بهَا
وافضاء [] بِعَينهَا خضعت لذَلِك قلوبهموأبدانهم وأبصارهم كنت وَالله إِذا رَأَيْتهمْ قوما كَأَنَّهُمْ رَأْي عين
وَالله مَا كَانُوا بِأَهْل جدل وباطل وَلَكِن جَاءَهُم من الله أَمر فصدقوا بِهِ فنعتهم الله فِي الْقُرْآن أحسن نعت فَقَالَ {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا}

(6/273)


قَالَ: الْحسن والهون فِي كَلَام الْعَرَب: اللين والسكينة وَالْوَقار {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: حلماء لَا يجهلون وَإِن جهل عَلَيْهِم حلموا
يصاحبون عباد الله نهارهم مِمَّا تَسْمَعُونَ
ثمَّ ذكر ليلهم خير ليل قَالَ {وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً} ينتصبون لله على أَقْدَامهم ويفترشون وُجُوههم سجدا لرَبهم تجْرِي دموعهم على خدودهم خوفًا من رَبهم
قَالَ الْحسن: لأمر مّا سهر ليلهم ولأمر مَا خشع نهارهم {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا اصرف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم إِن عَذَابهَا كَانَ غراماً} قَالَ: كل شَيْء يُصِيب ابْن آدم لم يدم عَلَيْهِ فَلَيْسَ بغرام إِنَّمَا الغرام اللَّازِم لَهُ مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: صدق الْقَوْم
وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَعَلمُوا وَلم يتمنوا
فاياكم وَهَذِه الْأَمَانِي يَرْحَمكُمْ الله فَإِن الله لم يُعْط عبد بالمنية خيرا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قطّ
وَكَانَ يَقُول: يَا لَهَا من موعظة لَو وَافَقت من الْقُلُوب حَيَاة وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِن عَذَابهَا كَانَ غراماً} قَالَ: ملازماً شَدِيدا كلزوم الْغَرِيم الْغَرِيم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول بشر بن أبي حَازِم وَيَوْم النسار وَيَوْم الجفار كَانَا عذَابا وَكَانَا غراماً وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {كَانَ غراماً} مَا الغرام قَالَ: المولع
قَالَ فِيهِ الشَّاعِر: وَمَا أَكلَة إِن نلتها بغنيمة وَلَا جوعة إِن جعتها بغرام وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِن عَذَابهَا كَانَ غراماً} قَالَ: قد علمُوا أَن كل غَرِيم يُفَارق غَرِيمه إِلَّا غَرِيم جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ
لَا يسرفون فيقعوا فِي مَعْصِيّة الله وَلَا يقترون فيمنعون حُقُوق الله

(6/274)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (وَلم يقترُوا) بِنصب الْيَاء وَرفع التَّاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ: الاسراف النَّفَقَة فِي مَعْصِيّة الله والاقتار الامساك عَن حق الله قَالَ: وَإِن الله قد فَاء لكم فيئة فَانْتَهوا إِلَى فيئة الله
قَالَ فِي الْمُنفق {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً} الاحزاب الْآيَة 70 قَالَ: قُولُوا صدقا عدلا
وَقَالَ للْمُؤْمِنين {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} النُّور الْآيَة 30 عَمَّا لَا يحل لَهُم
وَقَالَ فِي الِاسْتِمَاع {الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} الزمر الْآيَة 18 وَأحسنه طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله {لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ لَا يُنْفِقهُ فِي بَاطِل وَلَا يمنعهُ من حق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي حبيب {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا لَا يَأْكُلُون طَعَاما يُرِيدُونَ بِهِ نعيماً وَلَا يلبسُونَ ثوبا يُرِيدُونَ بِهِ جمالاً كَانَت قُلُوبهم على قلب وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {بَين ذَلِك قواماً} قَالَ: عدلا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ القوام أَن لَا تنْفق من غير حق وَلَا تمسك من حق هُوَ عَلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه {وَكَانَ بَين ذَلِك قواماً} قَالَ: الشّطْر من أَمْوَالهم
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن مرّة الْجعْفِيّ قَالَ: الْعلم خير من الْعَمَل والحسنة بَين السيئين
يَعْنِي إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَخير الْأُمُور أوساطها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن فِي قَوْله {لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: كفى سَرفًا أَن الرجل لَا يَشْتَهِي شَيْئا إِلَّا اشْتَرَاهُ فَأَكله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من فقه الرجل رفقه فِي معيشته

(6/275)


وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)

- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلقَ أثاماً يُضَاعف لَهُ

(6/275)


الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهانا إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيآتهم حَسَنَات وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما وَمن تَابَ وَعمل صَالحا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله متابا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الذَّنب أكبر قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك قلت: ثمَّ أَي قَالَ أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يطعم مَعَك قلت: ثمَّ أَي قَالَ: أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَاسا من أهل الشّرك قد قتلوا فَأَكْثرُوا وزنوا ثمَّ أَتَوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الَّذِي تَقول وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَو تخبرنا أَن لما عَملنَا كَفَّارَة
فَنزل {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} وَنزلت {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الزمر الآيه 53
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْقَاسِم بن أبي بزَّة أَنه سَأَلَ سعيد بن جُبَير هَل لمن قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة فَقَرَأت عَلَيْهِ {وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} فَقَالَ سعيد: قرأتها على ابْن عَبَّاس كَمَا قرأتها عليَّ فَقَالَ: هَذِه مَكِّيَّة نسختها آيَة مَدَنِيَّة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن شفي الأصبحي قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم جبلا يدعى: صعُودًا
يطلع فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يرقاه وَإِن فِي جَهَنَّم قصراً يُقَال لَهُ: هوى
يرْمى الْكَافِر من أَعْلَاهُ فَيهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ أَصله
قَالَ تَعَالَى {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى} طه الْآيَة 81 وَأَن فِي جَهَنَّم وَاديا يدعى: أثاماً
فِيهِ حيات وعقارب فِي فقار احداهن مِقْدَار سبعين قلَّة من السم وَالْعَقْرَب مِنْهُنَّ مثل البغلة الموكفة وَإِن فِي جَهَنَّم وَاديا يدعى: غياً
يسيل قَيْحا ودماً

(6/276)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: الصَّلَوَات لمواقيتهن
قلت: ثمَّ أَي قَالَ: بر الْوَالِدين قلت: ثمَّ أَي قَالَ: ثمَّ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَو استزدته لزادني
وَسَأَلته أَي الذَّنب أعظم عِنْد الله قَالَ: الشّرك بِاللَّه قلت: ثمَّ أَي قَالَ: أَن تقتل ولدك أَن يطعم مَعَك فَمَا لبثنا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أنزل الله {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عون بن عبد الله قَالَ: سَأَلت الْأسود بن يزِيد هَل كَانَ ابْن مَسْعُود يفضل عملا على عمل قَالَ: نعم
سَأَلت ابْن مَسْعُود قَالَ: سَأَلتنِي عَمَّا سَأَلت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أحبها إِلَى الله وأقربها من الله قَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا قلت: ثمَّ مَاذَا على اثر ذَلِك قَالَ: ثمَّ بر الْوَالِدين قلت: ثمَّ مَاذَا على اثر ذَلِك قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَو استزدته لزادني قلت: فَأَي الْأَعْمَال أبغضها إِلَى الله وأبعدها من الله قَالَ: أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك وَأَن تقتل ولدك أَن يَأْكُل مَعَك وَإِن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل إِن الله ينهاك أَن تعبد الْمَخْلُوق وَتَذَر الْخَالِق وينهاك أَن تقتل ولدك وتغذو كلبك وينهاك أَن تَزني بحليلة جَارك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عمر فِي قَوْله {يلق أثاماً} قَالَ: وَاد فِي جَهَنَّم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {يلق أثاماً} قَالَ: وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عطرمة قَالَ: أثام أَوديَة فِي جَهَنَّم فِيهَا الزناة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يلق أثاماً} قَالَ: نكالاً
وَكُنَّا نُحدث أَنه وَاد فِي جَهَنَّم وَذكر لنا أَن لُقْمَان كَانَ يَقُول: يَا بني إياك وَالزِّنَا فَإِن أوّله مَخَافَة وَآخره ندامة

(6/277)


وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن شفي الأصبحي قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم وَاديا يدعى: أثاماً
فِيهِ حيات وعقارب فِي فقار احداهن مِقْدَار سبعين قلَّة من السم وَالْعَقْرَب مِنْهُنَّ مثل البغلة الموكفة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {يلق أثاماً} مَا الأثام قَالَ: الْجَزَاء قَالَ فِيهِ عَامر بن الطُّفَيْل: وروّينا الأسنة من صداء وَلَا قت حمير منا أثاما وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {يُضَاعف} بِالرَّفْع {لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ} بِنصب الْيَاء وَرفع اللَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {ويخلد فِيهِ} يَعْنِي فِي الْعَذَاب {مهاناً} يَعْنِي يهان فِيهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} اشْتَدَّ ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالُوا: مَا منا أحد إِلَّا أشرك وقتلن وزنى فَأنْزل الله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا} الزمر الْآيَة 53
يَقُول لهَؤُلَاء الَّذين أَصَابُوا هَذَا فِي الشّرك ثمَّ نزلت بعده {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فأبدلهم الله بالْكفْر الإِسلام وبالمعصية الطَّاعَة وبالانكار الْمعرفَة وبالجهالة الْعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزلت آيَة من تبَارك بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْن قَاتل حَمْزَة وَحشِي وَأَصْحَابه كَانُوا يَقُولُونَ: انا لنعرف الإِسلام وفضله فَكيف لنا بِالتَّوْبَةِ وَقد عَبدنَا الْأَوْثَان وقتلنا أَصْحَاب مُحَمَّد وشربنا الْخُمُور ونكحنا المشركات فَأنْزل الله فيهم {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} الْآيَة
ثمَّ نزلت تَوْبَتهمْ {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فأبدلهم الله بِقِتَال الْمُسلمين قتال الْمُشْركين وَنِكَاح المشركات نِكَاح الْمُؤْمِنَات وبعبادة الْأَوْثَان عبَادَة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر}

(6/278)


قَالَ: هَؤُلَاءِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة فأشركوا وَقتلُوا وزنوا
فَقَالُوا: لن يغْفر الله لنا
فَأنْزل الله {إِلَّا من تَابَ}
قَالَ: كَانَت التَّوْبَة والإِيمان وَالْعَمَل الصَّالح وَكَانَ الشّرك وَالْقَتْل وَالزِّنَا
كَانَت ثَلَاث مَكَان ثَلَاث
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} قَالَ بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُنَّا أشركنا فِي الْجَاهِلِيَّة وقتلنا فَنزلت {إِلَّا من تَابَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَرَأنَا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِنِين {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً} ثمَّ نزلت {إِلَّا من تَابَ وآمن} فَمَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرح بِشَيْء قطّ فرحه بهَا وفرحه ب {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْفَتْح الْآيَة 1
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً} ثمَّ اسْتثْنى {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَتَمَة ثمَّ انصرفت فاذا امْرَأَة عِنْد بَابي فَقَالَت: جئْتُك أَسأَلك عَن عمل عملته هَل ترى لي مِنْهُ تَوْبَة قلت: وَمَا هُوَ قَالَت: زَنَيْت وَولد لي وقتلته قلت: لَا

وَلَا كَرَامَة
فَقَامَتْ وَهِي تَقول: واحسرتاه

أيخلق هَذَا الْجَسَد للنار فَلَمَّا صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح من تِلْكَ اللَّيْلَة قصصت عَلَيْهِ أَمر الْمَرْأَة قَالَ: مَا قلت لَهَا قلت لَا

وَلَا كَرَامَة قَالَ: بئس مَا قلت
أما كنت تقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} إِلَى قَوْله {إِلَّا من تَابَ} الْآيَة
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَخرجت فَمَا بقيت دَار بِالْمَدِينَةِ وَلَا خطة إِلَّا وقفت عَلَيْهَا فَقلت: إِن كَانَ فِيكُم الْمَرْأَة الَّتِي جَاءَت أَبَا هُرَيْرَة فلتأت ولتبشر
فَلَمَّا انصرفت من الْعشي إِذا هِيَ عِنْد بَابي فَقلت: ابشري إِنِّي ذكرت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قلت لي وَمَا قلت لَك فَقَالَ: بئس مَا قلت أما كنت تقْرَأ هَذِه الْآيَة وقرأتها عَلَيْهَا فخرت سَاجِدَة وَقَالَت: أَحْمد الله الَّذين جعل لي تَوْبَة ومخرجاً أشهد أَن هَذِه الْجَارِيَة لجارية مَعهَا وَابْن لَهَا حران لوجه الله وَإِنِّي قد تبت مِمَّا عملت

(6/279)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ
كَانُوا من قبل إِيمَانهم على السَّيِّئَات فَرغب الله بهم عَن ذَلِك فحولهم إِلَى الْحَسَنَات فأبدلهم مَكَان السَّيِّئَات الْحَسَنَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا من تَابَ} قَالَ: من ذَنبه {وآمن} قَالَ: بربه
{وَعمل صَالحا} قَالَ: فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: إِنَّمَا التبديل طَاعَة الله بعد عصيانه وَذكر الله بعد نسيانه وَالْخَيْر تعمله بعد الشَّرّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: التبديل فِي الدُّنْيَا يُبدل الله بِالْعَمَلِ السيء الْعَمَل الصَّالح وبالشرك اخلاصاً وبالفجور عفافاً وَنَحْو ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: الإِيمان بعد الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: اذا تابعوا جعل الله مَا عمِلُوا من سيئاتهم حَسَنَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن الْحُسَيْن {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: فِي الْآخِرَة وَقَالَ الْحسن: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: إِن الْمُؤمن يعْطى كِتَابه فِي ستر من الله فَيقْرَأ سيئاته فَإِذا قَرَأَ تغير لَهَا لَونه حَتَّى يمر بحسناته فيقرأها فَيرجع إِلَيْهِ لَونه ثمَّ ينظر فَإِذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حَسَنَات فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه} الحاقة الْآيَة 19
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان قَالَ: يعْطى رجل يَوْم الْقِيَامَة صحيفَة فَيقْرَأ أَعْلَاهَا فَإِذا سيئاته فَإِذا كَاد يسوء ظَنّه نظر فِي أَسْفَلهَا فَإِذا حَسَنَاته ثمَّ ينظر فِي أَعْلَاهَا فَإِذا هِيَ قد بدلت حَسَنَات
وَأخرج أَحْمد وهناد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال اعرضوا عَلَيْهِ

(6/280)


صغَار ذنُوبه فَيعرض عَلَيْهِ صغارها وينحى عَنهُ كِبَارهَا فَيُقَال: عملت يَوْم كَذَا وَكَذَا
كَذَا وَكَذَا وَهُوَ مقرّ لَيْسَ يُنكر وَهُوَ مُشْفِقٌ من الْكِبَار أَن تَجِيء فَيُقَال: اعطوه مَكَان كل سَيِّئَة عَملهَا حسنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَأْتِيَن نَاس يَوْم الْقِيَامَة ودوا انهم استكثروا من السَّيِّئَات قبل: وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ: الَّذين بدل الله سيئاتهم حَسَنَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: حَتَّى يتَمَنَّى العَبْد أَن سيئاته كَانَت أَكثر مِمَّا هِيَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قيل لَهُ: إِن أُنَاسًا يَزْعمُونَ أَنهم يتمنون أَن يستكثروا من الذُّنُوب قَالَ: وَلم ذَاك قَالَ: يتأوّلون هَذِه الْآيَة {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: وَكَانَ إِذا أخبر بِمَا لَا يعلم قَالَ: آمَنت بِمَا أنزل الله من كتاب
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضراً وَمَا عملت من سوء تودُّ لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمداً بَعيدا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول قَالَ: جَاءَ شيخ كَبِير فَقَالَ: يَا رَسُول الله رجل غدر وفجر فَلم يدع حَاجَة وَلَا داجة إِلَّا اقتطعها بِيَمِينِهِ وَلَو قسمت خطيئته بَين أهل الأَرْض وَلَا وبقتهم
فَهَل لَهُ من تَوْبَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أسلمت

قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِن الله غَافِر لَك ومبدل سيئاتك حَسَنَات قَالَ: يَا رَسُول الله وغدارتي

وفجراتي

قَالَ: وغدراتك وفجراتك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَلمَة بن جهيل قَالَ: جَاءَ شَاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت من لم يدع سَيِّئَة إِلَّا عَملهَا وَلَا خَطِيئَة إِلَّا ركبهَا وَلَا أشرف لَهُ سهم فَمَا فَوْقه إِلَّا اقتطعه بِيَمِينِهِ وَمن لَو قسمت خطاياه على أهل الْمَدِينَة لغمرتهم فَقَالَ النَّبِي: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أأسلمت

قَالَ: أما أَنا فاشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ: اذْهَبْ فقد بدل الله سيئاتك حَسَنَات قَالَ: يَا رَسُول الله وغدارتي

وفجراتي

قَالَ: وغدارتك وفجراتك ثَلَاثًا
فولى الشَّاب وَهُوَ يَقُول: الله أكبر
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي طَوِيل شطب الْمَمْدُود أَنه أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا عمل الذُّنُوب كلهَا فَذكر نَحوه

(6/281)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: التبديل يَوْم الْقِيَامَة إِذا وقف العَبْد بَين يَدي الله وَالْكتاب بَين يَدَيْهِ ينظر فِي السَّيِّئَات والحسنات فَيَقُول: قد غفرت لَك وَيسْجد بَين يَدَيْهِ فَيَقُول: قد بدلت فَيسْجد فَيَقُول: قد بدلت فَيسْجد فَيَقُول الْخَلَائق: طُوبَى لهَذَا العَبْد الَّذِي لم يعْمل سَيِّئَة قطّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نَام ابْن آدم قَالَ الْملك للشَّيْطَان: اعطني صحيفتك فيعطيه إِيَّاهَا فَمَا وجد فِي صَحِيفَته من حَسَنَة محا بهَا عشر سيئات من صحيفَة الشَّيْطَان وكتبهن حَسَنَات فَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن ينَام فليكبر ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة ويحمد أَرْبعا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَة ويسبح ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَة فَتلك مائَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن مَكْحُول فِي قَوْله {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: يَجْعَل مَكَان السَّيِّئَات شال: فَرَأَيْت مَكْحُولًا غضب حَتَّى جعل يرتعد

(6/282)


وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)

- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً وَالَّذين إِذا ذكرُوا بآيَات رَبهم لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعمياناً وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: إِن الزُّور كَانَ صنماً بِالْمَدِينَةِ يَلْعَبُونَ حوله كل سَبْعَة أَيَّام وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مروا بِهِ مروا كراماً لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الشّرك
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: أعياد الْمُشْركين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْكَذِب

(6/282)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: لَا يساعدون أهل الْبَاطِل على باطلهم وَلَا يمالؤنهم فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: مجَالِس السوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: لعب كَانَ فِي الجاهليلة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد بن الْحَنَفِيَّة {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْغناء وَاللَّهْو
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجحاف {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْغناء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْغناء النِّيَاحَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُجَاهِد {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: مجَالِس الْغناء {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: إِذا أوذوا صفحوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: يعرضون عَنْهُم لَا يكلمونهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: هِيَ مَكِّيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي ان ابْن مَسْعُود مر معرضًا وَلم يقف فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أصبح ابْن مَسْعُود أَو أَمْسَى كَرِيمًا ثمَّ تَلا إِبْرَاهِيم {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: لم يكن اللَّغْو من حَالهم وَلَا بالهم

(6/283)


وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ} قَالَ: اللَّغْو كُله الْمعاصِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: كَانُوا إِذا أَتَوا على ذكر النِّكَاح كفوا عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين إِذا ذكرُوا بآيَات رَبهم لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعمياناً} قَالَ: لم يصموا عَن الْحق وَلم يعموا عَنهُ هم قوم عقلوا عَن الله فانتفعوا بِمَا سمعُوا من كتاب الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعمياناً} قَالَ: كم من قارىء يَقْرَأها بِلِسَانِهِ يخر عَلَيْهَا أَصمّ أعمى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} قَالَ: يعنون من يعْمل بِالطَّاعَةِ فتقر بِهِ أَعيننَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
{واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: أَئِمَّة هدى يهتدى بِنَا وَلَا تجعلنا أَئِمَّة ضَلَالَة لِأَنَّهُ قَالَ لأهل السَّعَادَة {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 73 وَلأَهل الشقاوة {وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار} الْقَصَص الْآيَة 41
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} قَالَ: لم يُرِيدُوا بذلك صباحة وَلَا جمالاً وَلَكِن أَرَادوا أَن يَكُونُوا مُطِيعِينَ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الْبر والصلة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} أهذه القرة أعين فِي الدُّنْيَا أم فِي الْآخِرَة قَالَ: لَا وَالله بل فِي الدُّنْيَا
قيل: وَمَا هِيَ قَالَ: هِيَ أَن يرى الرجل الْمُسلم من زَوجته من ذُريَّته من أَخِيه من حميمه طَاعَة الله وَلَا وَالله مَا شَيْء أحب إِلَى الْمَرْء الْمُسلم من أَن يرى ولدا أَو والداً أَو حميماً أَو أَخا مُطيعًا لله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين}

(6/284)


قَالَ: يحسنون عبادتك وَلَا يجرونَ عَلَيْهَا الجرائر {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: اجْعَلْنَا مؤتمين بهم مقتدين بهم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ: لقد بعث الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَشد حَال بعث عَلَيْهَا نَبيا من الْأَنْبِيَاء فِي قومه من جَاهِلِيَّة مَا يرَوْنَ أَن دينا أفضل من عبَادَة الْأَوْثَان فجَاء بفرقان فرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل وَفرق بِهِ بَين الْوَالِد وَولده حَتَّى إِن كَانَ الرجل ليرى وَالِده أَو وَلَده أَو أَخَاهُ كَافِرًا وَقد فتح الله قفل قلبه بالإِيمان وَيعلم أَنه إِن هلك دخل النَّار فَلَا تقر عينه وَهُوَ يعلم أَن حَبِيبه فِي النَّار
إِنَّهَا للَّتِي قَالَ الله {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّتنَا وَاحِدَة)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} يَقُول: قادة فِي الْخَيْر ودعاة وَهُدَاة يؤتم بهم فِي الْخَيْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن أبي صَالح فِي قَوْله {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: أَئِمَّة يقْتَدى بهدانا وَالله تَعَالَى أعلم

(6/285)


أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)

- قَوْله تَعَالَى: أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا خَالِدين فِيهَا حسنت مُسْتَقرًّا ومقاما
أخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أُولَئِكَ يجزون الغرفة} قَالَ: هِيَ من ياقوته حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء أَو درة بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا قَصم وَلَا وهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ يجزون الغرفة} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي جَعْفَر فِي قَوْله {أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا} قَالَ: على الْفقر فِي دَار الدُّنْيَا

(6/285)


وَأخرج زَاهِر بن طَاهِر الشحامي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة لغرفاً لَيْسَ فِيهَا مغاليق من فَوْقهَا وَلَا عماد من تحتهَا قيل: يَا رَسُول الله وَكَيف يدخلهَا أَهلهَا قَالَ: يدْخلُونَهَا أشباه الطير قيل يَا رَسُول الله: لمن هِيَ قَالَ: لأهل الاسقام والأوجاع والبلوى
وَأخرج أَحْمد عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة غرفَة يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا أعدهَا الله لمن أطْعم الطَّعَام وألان الْكَلَام وتابع الصّيام وَصلى وَالنَّاس نيام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {أُولَئِكَ} يَعْنِي الَّذين فِي هَؤُلَاءِ الْآيَات {يجزون الغرفة} يَعْنِي فِي الْآخِرَة {الغرفة} الْجنَّة {بِمَا صَبَرُوا} على أَمر رَبهم {ويلقون فِيهَا} يَعْنِي تتلقاهم الْمَلَائِكَة بالتحية وَالسَّلَام {خَالِدين فِيهَا} لَا يموتون {حسنت مُسْتَقرًّا} يَعْنِي مستقرهم فِي الْجنَّة {ومقاماً} يَعْنِي مقَام أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم قَالَ: لَقِي ابْن سِيرِين رجل فَقَالَ: حياك الله فَقَالَ: إِن أفضل التَّحِيَّة تَحِيَّة أهل الْجنَّة السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (أُولَئِكَ يجزون الغرفة (وَاحِدَة) بِمَا صَبَرُوا ويلقون) خَفِيفَة مَنْصُوبَة الْيَاء وَالله تَعَالَى أعلم

(6/286)


قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)

- قَوْله تَعَالَى: قل مَا يعبؤ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم فقد كَذبْتُمْ فَسَوف يكون لزاما
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} يَقُول: لَوْلَا إيمَانكُمْ
فاخبر الله أَنه لَا حَاجَة لَهُ بهم إِذْ لم يخلقهم مُؤمنين وَلَو كنت لَهُ بهم حَاجَة لحبب إِلَيْهِم الإِيمان كَمَا حببه إِلَى الْمُؤمنِينَ {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: موتا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي} قَالَ: مَا يفعل {لَوْلَا دعاؤكم} قَالَ: لَوْلَا دعاؤه إيَّاكُمْ لتعبدوه وتطيعوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْوَلِيد بن أبي الْوَلِيد قَالَ:

(6/286)


بَلغنِي أَن تَفْسِير هَذِه الْآيَة {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} أَي مَا خلقتكم لي بكم حَاجَة إِلَّا أَن تَسْأَلُونِي فَأغْفِر لكم وتسألوني فأعطيكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الزبير انه قَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح الْفرْقَان فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة قَرَأَ (فقد كذب الْكَافِرُونَ فَسَوف يكون لزاماً)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (فقد كذب الْكَافِرُونَ فَسَوف يكون لزاماً)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: موتا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ أبي بن كَعْب: هُوَ الْقَتْل يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ (اللزام) هُوَ الْقَتْل الَّذِي أَصَابَهُم يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قد مضى اللزام كَانَ يَوْم بدر
قتلوا سبعين وأسروا سبعين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: خمس قد مضين: الدُّخان وَالْقَمَر وَالروم وَالْبَطْشَة وَاللزَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن (اللزام) يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: ذَاك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مضى خمس آيَات وَبَقِي خمس مِنْهَا
انْشِقَاق الْقَمَر وَقد رَأَيْنَاهُ وَمضى الدُّخان وَمَضَت البطشة الْكُبْرَى وَمضى الْيَوْم الْعَقِيم وَمضى اللزام وَالله أعلم

(6/287)