الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الشُّعَرَاء
مَكِّيَّة وآياتها سبع وَعِشْرُونَ ومائتان
- مُقَدّمَة سُورَة الشُّعَرَاء أخرج ابْن ضريس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {طسم} الشُّعَرَاء
بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة الشُّعَرَاء بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُورَة الشُّعَرَاء نزلت بِمَكَّة سوى خمس آيَات من آخرهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} إِلَى آخرهَا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن معدي كرب قَالَ: أَتَيْنَا عبد الله بن مَسْعُود نَسْأَلهُ عَن {طسم} الشُّعَرَاء
قَالَ: لَيست معي وَلَكِن عَلَيْكُم مِمَّن أَخذهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِأبي عبد الله خباب بن الْأَرَت

(6/288)


طسم (1)

- طسم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: إسم من أَسمَاء الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {طسم} قَالَ: الطَّاء من ذِي الطول وَالسِّين من القدوس وَالْمِيم من الرَّحْمَن

(6/288)


تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)

- قَوْله تَعَالَى: تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين لَعَلَّك باخع نَفسك أَلاَّ يَكُونُوا مُؤمنين إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث إِلَّا كَانُوا عَنهُ معرضين فقد كذبُوا فسيأتيهم أنباء مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون أولم يرَوا إِلَى الأَرْض كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو العزيزالرحيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَعَلَّك باخع نَفسك} قَالَ: لَعَلَّك قَاتل نَفسك {أَلا يَكُونُوا مُؤمنين}

(6/288)


{إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} قَالَ: لَو شَاءَ الله أنزل عَلَيْهِم آيَة يذلون بهَا فَلَا يلوي أحدهم عُنُقه إِلَى مَعْصِيّة الله {وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث} يَقُول: مَا يَأْتِيهم من شَيْء من كتاب الله إِلَّا أَعرضُوا عَنهُ {فسيأتيهم} يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة {أنباء} مَا استهزأوا بِهِ من كتاب الله وَفِي قَوْله {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} قَالَ: حسن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} قَالَ: الْعُنُق الْجَمَاعَة من النَّاس قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْحَرْث بن هِشَام وَهُوَ يَقُول وَيذكر أَبَا جهل: يخبرنا الْمخبر أَن عمرا أَمَام الْقَوْم من عنق مخيل وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} قَالَ: ذليلين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: الخاضع: الذَّلِيل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} قَالَ: من نَبَات الأَرْض مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} قَالَ: النَّاس من نَبَات الأَرْض
فَمن دخل الْجنَّة فَهُوَ كريم وَمن دخل النَّار فَهُوَ لئيم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: كل شَيْء فِي الشُّعَرَاء من قَوْله {الْعَزِيز الرَّحِيم} فَهُوَ مَا هلك مِمَّن مضى من الْأُمَم يَقُول {عَزِيز} حِين انتقم من أعدائه {رَحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ حِين أنجاهم مِمَّا أهلك بِهِ أعداءه

(6/289)


وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)

- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى أَن إئت الْقَوْم الظَّالِمين قوم فِرْعَوْن أَلا يَتَّقُونَ قَالَ رب أَنِّي أَخَاف أَن يكذبُون ويضيق صَدْرِي وَلَا ينْطَلق لساني فَأرْسل إِلَيّ هَارُون وَلَهُم عَليّ ذَنْب فَأَخَاف أَن يقتلُون قَالَ كلا فاذهبا بِآيَاتِنَا إِنَّا

(6/289)


مَعكُمْ مستمعون فَأتيَا فِرْعَوْن فقولا إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين أَن أرسل مَعنا بني إِسْرَائِيل قَالَ ألم نربك فِينَا وليداً وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين قَالَ فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين ففررت مِنْكُم لما خفتكم فوهب لي رَبِّي حكما وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين وَتلك نعْمَة تمنها عليَّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين قَالَ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين قَالَ لمن حوله أَلا تستمعون قَالَ ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين قَالَ إِن رَسُولكُم الَّذِي أرسل إِلَيْكُم لمَجْنُون قَالَ رب الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم تعقلون قَالَ لَئِن اتَّخذت إِلَهًا غَيْرِي لأجعلنك من المسجونين قَالَ أولو جئْتُك بِشَيْء مُبين قَالَ فأت بِهِ إِن كنت من الصَّادِقين فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين قَالَ للملأ حوله إِن هَذَا لساحر عليم يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم بسحره فَمَاذَا تأمرون قَالُوا أرجه وأخاه وَابعث فِي الْمَدَائِن حاشرين يأتوك بِكُل سحار عليم فَجمع السَّحَرَة لميقات يَوْم مَعْلُوم وَقيل للنَّاس هَل أَنْتُم مجتمعون لَعَلَّنَا نتبع السَّحَرَة إِن كَانُوا هم الغالبين فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لفرعون أئنا لنا لأجراً إِن كُنَّا نَحن الغالبين قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين قَالَ لَهُم مُوسَى ألقوا مَا أَنْتُم ملقون فَألْقوا حبالهم وعصيهم وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن إِنَّا لنَحْنُ الغالبون فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون فألقي السَّحَرَة ساجدين قَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين رب مُوسَى وَهَارُون قَالَ أآمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحرفلسوف تعلمُونَ لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من

(6/290)


خلاف ولأصلبنكم أَجْمَعِينَ قَالُوا لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون إِنَّا نطمع أَن يغْفر لنا رَبنَا خطايانا إِن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى} قَالَ: حِين نُودي من جَانب الطّور الْأَيْمن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَهُم عليّ ذَنْب} قَالَ: قتل النَّفس الَّتِي قتل فيهم وَفِي قَوْله {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت} قَالَ: قتل النَّفس أَيْضا
وَفِي قَوْله {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} قَالَ: من الْجَاهِلين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَهُم عليّ ذَنْب} قَالَ: قتل النَّفس
وَفِي قَوْله {ألم نربّك فِينَا وليداً} قَالَ: التقطه آل فِرْعَوْن فربوه وليداً حَتَّى كَانَ رجلا {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت} قَالَ: قتلت النَّفس الَّتِي قتلت {وَأَنت من الْكَافرين} قَالَ: فتبرأ من ذَلِك نَبِي الله قَالَ: {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} قَالَ: من الْجَاهِلين
قَالَ: وَهِي فِي بعض الْقِرَاءَة {إِذا وَأَنا من الضَّالّين} فَإِنَّمَا هُوَ شَيْء جَهله وَلم يتعمده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين} قَالَ: من فِرْعَوْن على مُوسَى حِين رباه
يَقُول: كفرت نعمتي
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَتلك نعْمَة تمنها عليَّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل} قَالَ: قهرتهم واستعملتهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين} قَالَ: للنعمة
إِن فِرْعَوْن لم يكن يعلم مَا الْكفْر وَفِي قَوْله {قَالَ فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} قَالَ: من الْجَاهِلين
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (فعلتها إِذن وَأَنا من الْجَاهِلين)

(6/291)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فوهب لي رَبِّي حكما} قَالَ: النُّبُوَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَتلك نعْمَة تمنها عليَّ} قَالَ: يَقُول مُوسَى لفرعون: أتمن عليَّ يَا فِرْعَوْن بِأَن اتَّخذت بني إِسْرَائِيل عبيدا وَكَانُوا أحراراً فقهرتهم واتخذتهم عبيدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {إِن كُنْتُم تعقلون} قَالَ: فَلم يزده إِلَّا رغماً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} يَقُول: مُبين لَهُ خلق حَيَّة {وَنزع يَده} يَقُول: وَأخرج مُوسَى يَده من جيبه {فَإِذا هِيَ بَيْضَاء} تلمع {للناظرين} ينظر إِلَيْهَا ويراها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أقبل مُوسَى بأَهْله فَسَار بهم نَحْو مصر حَتَّى أَتَاهَا لَيْلًا فتضيف على أمه وَهُوَ لَا يعرفهُمْ فِي لَيْلَة كَانُوا يَأْكُلُون مِنْهَا [] الطقشيل فَنزل فِي جَانب الدَّار فجَاء هرون فَلَمَّا أبْصر ضَيفه سَأَلَ عَنهُ أمه فَأَخْبَرته أَنه ضيف فَدَعَاهُ فَأكل مَعَه فَلَمَّا قعدا فتحدثا فَسَأَلَهُ هرون من أَنْت قَالَ: أَنا مُوسَى
فَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه فاعتنقه فَلَمَّا أَن تعارفا قَالَ لَهُ مُوسَى: يَا هرون انْطلق بِي إِلَى فِرْعَوْن فَإِن الله قد أرسلنَا إِلَيْهِ
قَالَ هرون: سمعا وَطَاعَة فَقَامَتْ أمهما فصاحت وَقَالَت: أنشدكما بِاللَّه أَن لَا تذهبا الى فِرْعَوْن فيقتلكما فأبيا فَانْطَلقَا إِلَيْهِ لَيْلًا فَأتيَا الْبَاب فضرباه فَفَزعَ فِرْعَوْن وفزع البواب فَقَالَ فِرْعَوْن: من هَذَا الَّذِي يضْرب ببابي هَذِه السَّاعَة فَأَشْرَف عَلَيْهِمَا البواب فكلمهما فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين} فَفَزعَ البواب فَأتى فِرْعَوْن فَأخْبرهُ فَقَالَ: إِن هَهُنَا إنْسَانا مَجْنُونا يزْعم أَنه رَسُول رب الْعَالمين فَقَالَ: أدخلهُ فَدخل فَقَالَ: إِنَّه رَسُول رب الْعَالمين
{قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين} قَالَ: {رَبنَا الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} طه الْآيَة 50 قَالَ: {إِن كنت جِئْت بِآيَة فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} الْأَعْرَاف الْآيَة 106 والثعبان الذّكر من الْحَيَّات فَاتِحَة فمها لحيها الْأَسْفَل فِي الأَرْض والأعلى على سُورَة الْقصر ثمَّ تَوَجَّهت نَحْو فِرْعَوْن لتأخذه فَلَمَّا رَآهَا ذعر

(6/292)


مِنْهَا ووثب فأحدث وَلم يكن يحدث قبل ذَلِك وَصَاح: يَا مُوسَى خُذْهَا وَأَنا أوؤمن بك وَأرْسل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأَخذهَا مُوسَى فَصَارَت عَصا فَقَالَت السَّحَرَة فِي نَجوَاهُمْ {إِن هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما} طه الْآيَة 63 فَالتقى مُوسَى وأمير السَّحَرَة فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَرَأَيْت أَن غلبتك غذا أتؤمن بِي وَتشهد أَن مَا جِئْت بِهِ حق قَالَ السَّاحر: لآتينَّ غَدا بِسحر لَا يغلبه شَيْء فو الله لَئِن غلبتني لأؤمنن بك ولأشهدن أَنَّك حق
وَفرْعَوْن ينظر إِلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقيل للنَّاس هَل أَنْتُم مجتمعون} قَالَ: كَانُوا بالاسكندرية قَالَ: وَيُقَال بلغ ذَنْب الْحَيَّة من وَرَاء الْبحيرَة يَوْمئِذٍ قَالَ: وهزموا وَسلم فِرْعَوْن وهمت بِهِ فَقَالَ: خُذْهَا يَا مُوسَى
وَكَانَ مِمَّا بلي النَّاس بِهِ مِنْهُ أَنه كَانَ لَا يضع على الأَرْض شَيْئا فاحدث يَوْمئِذٍ تَحْتَهُ وَكَانَ ارساله الْحَيَّة فِي الْقبَّة الخضراء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن إِنَّا لنَحْنُ الغالبون} قَالَ: فوجدوا الله أعز مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بشر بن مَنْصُور قَالَ: بَلغنِي أَنه لما تكلم بِبَعْض هَذَا {وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن} قَالَت الْمَلَائِكَة: قصمه وَرب الْكَعْبَة فَقَالَ الله تالون عليَّ قد أمهلته أَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَا ضير} قَالَ: يَقُولُونَ لَا يضرنا الَّذِي تَقول وَإِن صنعت بِنَا وصلبتنا {إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون} يَقُول: انا إِلَى رَبنَا رَاجِعُون
وَهُوَ مجازينا بصبرنا على عُقُوبَتك ايانا وثباتنا على توحيده والبراءة من الْكفْر بِهِ وَفِي قَوْله {أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ} قَالَ: كَانُوا كَذَلِك يَوْمئِذٍ أول من آمن بآياته حِين رَآهَا

(6/293)


وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)

- قَوْله تَعَالَى: وأوحينا إِلَى مُوسَى إِن أسرِي بعبادي إِنَّكُم متبعون فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ وَإِنَّهُم لنا لغائظون وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون فأخرجناهم من جنَّات وعيون وكنوز ومقام كريم كَذَلِك

(6/293)


وأورثناها بني إِسْرَائِيل فاتبعوهم مشرقين فَلَمَّا تراءا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا إِن معي رَبِّي سيهدين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثمَّ إِن الله أَمر مُوسَى أَن يخرج ببني إِسْرَائِيل فَقَالَ {فَأسر بعبادي لَيْلًا} فَأمر مُوسَى بني إِسْرَائِيل أَن يخرجُوا وَأمرهمْ أَن يستعيروا الْحلِيّ من القبط وَأمر أَن لَا يُنَادي أحد مِنْهُم صَاحبه وَأَن يسرجوا فِي بُيُوتهم حَتَّى الصُّبْح وَأَن من خرج مِنْهُم أَمَام بَابه يكب من دم حَتَّى يعلم أَنه قد خرج وَأَن الله قد أخرج كل ولد زنا فِي القبط من بني إِسْرَائِيل إِلَى بني إِسْرَائِيل وَأخرج كل ولد زنا فِي بني إِسْرَائِيل من القبط إِلَى القبط حَتَّى أَتَوا آبَاءَهُم
ثمَّ خرج مُوسَى ببني إِسْرَائِيل لَيْلًا والقبط لَا يعلمُونَ وَألقى على القبط الْمَوْت فَمَاتَ كل بكر رجل مِنْهُم فَأَصْبحُوا يدفنونهم فشغلوا عَن طَلَبهمْ حَتَّى طلعت الشَّمْس وَخرج مُوسَى فِي سِتّمائَة ألف وَعشْرين ألفا
لَا يعدون ابْن عشْرين لصغره وَلَا ابْن سِتِّينَ لكبره وَإِنَّمَا عدوا مَا بَين ذَلِك سوى الذُّرِّيَّة
وتبعهم فِرْعَوْن على مُقَدّمَة هامان فِي ألف ألف وَسَبْعمائة ألف حصان فِيهَا ماذيانة وَذَلِكَ حِين يَقُول الله {فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} فَكَانَ مُوسَى على ساقة بني إِسْرَائِيل وَكَانَ هرون أمامهم يقدمهم فَقَالَ الْمُؤمن لمُوسَى: أَيْن أمرت قَالَ: الْبَحْر
فَأَرَادَ أَن يقتحم فَمَنعه مُوسَى
فَنَظَرت بَنو إِسْرَائِيل إِلَى فِرْعَوْن قد رَدفَهُمْ قَالُوا: يَا مُوسَى {إِنَّا لمدركون} قَالَ مُوسَى {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين} يَقُول: سيكفين
فَتقدم هرون فَضرب الْبَحْر فَأبى الْبَحْر أَن ينفتح وَقَالَ: من هَذَا الْجَبَّار الَّذِي يضربني حَتَّى أَتَاهُ مُوسَى فكناه أَبَا خَالِد وضربه {فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} يَقُول: كالجبل الْعَظِيم فَدخلت بَنو إِسْرَائِيل وَكَانَ فِي الْبَحْر اثْنَا عشر طَرِيقا فِي كل طَرِيق سبط وَكَانَت الطّرق إِذا انفلقت بجدران فَقَالَ كل سبط: قد قتل أصحابناز فَلَمَّا رأى ذَلِك مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَا الله فَجَعلهَا لَهُم قناطر كَهَيئَةِ الطَّبَقَات ينظر آخِرهم إِلَى أَوَّلهمْ حَتَّى خَرجُوا جَمِيعًا ثمَّ دنا فِرْعَوْن وَأَصْحَابه فَلَمَّا نظر

(6/294)


فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر منفلقاً قَالَ: أَلا ترَوْنَ إِلَى الْبَحْر منفلقاً قد فرق مني فانفتح لي حَتَّى أدْرك أعدائي فاقتلهم فَلَمَّا قَامَ فِرْعَوْن على أَفْوَاه الطّرق أَبَت خيله أَن تقتحم فَنزل على ماذيانة فشامت الْحصن ريح الماذيانة فَاقْتَحَمت فِي أَثَرهَا حَتَّى إِذا هم أَوَّلهمْ أَن يخرج وَدخل آخِرهم
أَمر الله الْبَحْر أَن يَأْخُذهُمْ فالتطم عَلَيْهِم وَتفرد جِبْرِيل بفرعون يمقله من مقل الْبَحْر فَجعل يدسها فِي فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ: ذكر لنا أَن بني إِسْرَائِيل الَّذين قطع بهم مُوسَى الْبَحْر كَانُوا سِتّمائَة ألف مقَاتل وَعشْرين ألفا فَصَاعِدا
واتبعهم فِرْعَوْن على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ سِتّمائَة ألف وَسَبْعُونَ ألفا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي عُبَيْدَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ: كَانُوا سِتّمائَة ألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لشرذمة} قَالَ: قِطْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لشرذمة} قَالَ: الفريد من النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَصْحَاب مُوسَى الَّذين جاوزوا الْبَحْر اثْنَي عشر سبط فَكَانَ فِي كل طَرِيق اثْنَا عشر ألفا كلهم ولد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ: هم يَوْمئِذٍ سِتّمائَة ألف
وَلَا يُحْصى عدد أَصْحَاب فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِرْعَوْن عَدو الله حَيْثُ غرقه الله هُوَ وَأَصْحَابه فِي سبعين قَائِد مَعَ كل قَائِد سَبْعُونَ ألفا
وَكَانَ مُوسَى مَعَ سبعين ألفا حِين عبروا الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن أجمع بني إِسْرَائِيل كل أَرْبَعَة أَبْيَات من بني إِسْرَائِيل فِي بَيت ثمَّ اذْبَحْ أَوْلَاد الضان

(6/295)


فَاضْرب بدمائها على كل بَاب فَإِنِّي سآمر الْمَلَائِكَة أَن لَا تدخل بَيْتا على بَابه دم وسآمر الْمَلَائِكَة فَتقْتل أبكار آل فِرْعَوْن من أنفسهم وأهليهم ثمَّ اخبزوا خبز فطيرا فَإِنَّهُ أسْرع لكم ثمَّ سر حَتَّى تَأتي الْبَحْر ثمَّ قف حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي
فَلَمَّا أَن أصبح فِرْعَوْن قَالَ: هَذَا عمل مُوسَى وَقَومه قتلوا أبكارنا من أَنْفُسنَا وأهلينا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: إِن الله أَمر مُوسَى أَن يسير ببني إِسْرَائِيل وَقد كَانَ مُوسَى وعد بني إِسْرَائِيل أَن يسير بهم إِذا طلع الْقَمَر فَدَعَا الله أَن يُؤَخر طلوعه حَتَّى يفرغ فَلَمَّا سَار مُوسَى ببني إِسْرَائِيل أذن فِرْعَوْن فِي النَّاس {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: خرج مُوسَى من مصر وَمَعَهُ سِتّمائَة ألف من بني إِسْرَائِيل لَا يعدون فيهم أقل من ابْن عشْرين وَلَا ابْن أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة فَقَالَ فِرْعَوْن: {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} وَخرج فِرْعَوْن على فرس حصان أدهم وَمَعَهُ ثَمَانمِائَة ألف على خيل أدهم سوى ألوان الْخَيل وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على فرس شَائِع يسير بَين يَدي الْقَوْم وَيَقُول: لَيْسَ الْقَوْم بِأَحَق بِالطَّرِيقِ مِنْكُم
وَفرْعَوْن على فرس أدهم حصان
وَجِبْرِيل على فرس أُنْثَى
فاتبعها فرس فِرْعَوْن وَكَانَ مِيكَائِيل فِي أُخْرَى الْقَوْم يَقُول: الحقوا أصحابكم حَتَّى دخل آخِرهم وَأَرَادَ أَوَّلهمْ أَن يخرجُوا فأطبق عَلَيْهِم الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: لما أَرَادَ مُوسَى أَن يخرج ببني إِسْرَائِيل من مصر بلغ ذَلِك فِرْعَوْن فَقَالَ: أمهلوهم حَتَّى إِذا صَاح الديك فأتوهم
فَلم يُصِحْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الديك فَخرج مُوسَى ببني إِسْرَائِيل وَغدا فِرْعَوْن فَلَمَّا أصبح فِرْعَوْن أَمر بِشَاة فَأتي بهَا فَأمر بهَا أَن تذبح ثمَّ قَالَ: لَا يفرغ من سلخها حَتَّى يجْتَمع عِنْدِي خَمْسمِائَة ألف فَارس
فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فاتبعهم فَلَمَّا انْتهى مُوسَى إِلَى الْبَحْر قَالَ لَهُ: وَصِيّه يَا نَبِي الله أَيْن أمرت قَالَ: هَهُنَا فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ طلائع فِرْعَوْن الَّذين بَعثهمْ فِي أَثَرهم سِتّمائَة ألف لَيْسَ فيهم أحد إِلَّا على بهيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت سِيمَا خيل فِرْعَوْن الْخرق الْبيض فِي أصداغها وَكَانَت جريدته مائَة ألف حصان

(6/296)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: اجْتمع آل يَعْقُوب إِلَى يُوسُف وهم سِتَّة وَثَمَانُونَ انساناً ذكرهم وأنثاهم
فَخرج بهم مُوسَى يَوْم خرج وهم سِتّمائَة ألف ونيف
وَخرج فِرْعَوْن على أَثَرهم يطلبهم على فرس أدهم على لَونه من الدهم ثَمَانمِائَة ألف أدهم سوى ألوان الْخَيل وحالت الرّيح الشمَال
وَتَحْت جِبْرِيل فرس وريق وَمِيكَائِيل يسوقهم لَا يشذ مِنْهُم شَاذَّة إِلَّا ضمه فَقَالَ الْقَوْم: يَا رَسُول الله قد كُنَّا نلقى من فِرْعَوْن من التعس وَالْعَذَاب مَا نلقى فَكيف إِن صنعا مَا صنعنَا فَأَيْنَ الملجأ قَالَ: الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَرَأَ {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} قَالَ: مؤدون مُقِرّون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْأسود بن يزِيد انه كَانَ يَقْرَأها {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} يَقُول: رادون مستعدون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} يَقُول: مَا دون فِي السِّلَاح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: قَرَأَ عبيد {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} يَعْنِي شاكي السِّلَاح
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} قَالَ: مؤدون مقوّون فِي السِّلَاح والكراع
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم
أَنه كَانَ يَقْرَأها {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} مَا الحاذرون قَالَ: التامون السِّلَاح قَالَ فِيهِ النَّجَاشِيّ: لعمر أبي أَتَانِي حَيْثُ أَمْسَى لقد تأذت بِهِ أَبنَاء بكر خَفِيفَة فِي كتاب حاذرات يقودهم أَبُو شبْل هزبر

(6/297)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فأخرجناهم من جنَّات وعيون وكنوز ومقام كريم} قَالَ: كَانُوا فِي ذَلِك فِي الدُّنْيَا فَأخْرجهُمْ الله من ذَلِك وأورثها بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ومقام كريم} قَالَ: المنابر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فأتبعوهم مشرقين} قَالَ: اتبعهم فِرْعَوْن وَجُنُوده حِين أشرقت الشَّمْس {قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون} قَالَ مُوسَى وَكَانَ أعلمهم بِاللَّه {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فأتبعوهم مشرقين} مَهْمُوزَة مَقْطُوعَة الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فأتبعوهم مشرقين} قَالَ: خرج أَصْحَاب مُوسَى لَيْلًا فكسف الْقَمَر لَيْلًا وأظلمت الأَرْض فَقَالَ أَصْحَابه: أَن يُوسُف كَانَ أخبرنَا: أَنا سننجى من فِرْعَوْن وَأخذ علينا الْعَهْد لَنخْرجَنَّ بعظامه مَعنا فَخرج مُوسَى من ليلته يسْأَل عَن قَبره فَوجدَ عجوزاً سَأَلَهَا على قَبره فَأَخْرَجته لَهُ بحكمها فَكَانَ حكمهَا أَن قَالَت لَهُ: احملني فاخرجني مَعَك فَجعل عِظَام يُوسُف فِي كسَاء ثمَّ حمل الْعَجُوز على كسَاء فَجعله على رقبته وخيل فِرْعَوْن فِي ملْء أعنتها خضراء فِي أَعينهم وَلَا يبرح حسه عَن مُوسَى وَأَصْحَابه حَتَّى برزوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي: إِن مُؤمن آل فِرْعَوْن كَانَ امام الْقَوْم قَالَ: يَا نَبِي الله أَيْن أمرت قَالَ: أمامك

قَالَ: وَهل أَمَامِي إِلَّا الْبَحْر قَالَ: وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت
ثمَّ سَار سَاعَة فَقَالَ مثل ذَلِك فَرد عَلَيْهِ مُوسَى مثل ذَلِك قَالَ مُوسَى وَكَانَ أعلم الْقَوْم بِاللَّه {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين}

(6/298)


فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)

- قَوْله تَعَالَى: فأوحينا إِلَى مُوسَى أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم وأزلفنا ثمَّ الآخرين وأنجينا مُوسَى وَمن مَعَه أَجْمَعِينَ ثمَّ أغرقنا الآخرين إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم

(6/298)


أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كالطود} قَالَ: كالجبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {كالطود} قَالَ: كالجبل
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ الطود الْجَبَل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} قَالَ: هم قوم فِرْعَوْن قربهم الله حَتَّى أغرقهم فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أعلمك الْكَلِمَات الَّتِي قالهن مُوسَى حِين انْفَلق الْبَحْر قلت: بلَى
قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وَإِلَيْك المتكل وَبِك المستغاث وَأَنت الْمُسْتَعَان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ ابْن مَسْعُود: فَمَا تركتهن مُنْذُ سَمِعتهنَّ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام: أَن مُوسَى لما انْتهى إِلَى الْبَحْر قَالَ: يَا من كَانَ قبل كل شَيْء والمكوّن لكل شَيْء والكائن بعد كل شَيْء اجْعَل لنا مخرجا
فَأوحى الله إِلَيْهِ {أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ الْبَحْر سَاكِنا لَا يَتَحَرَّك فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة ضربه مُوسَى بالعصا صَار يمد ويجزر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قيس بن عباد قَالَ: لما انْتهى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل إِلَى الْبَحْر قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى: أَيْن مَا وعدتنا هَذَا الْبَحْر بَين أَيْدِينَا وَهَذَا فِرْعَوْن وَجُنُوده قد دهمنا من خلفنا
فَقَالَ مُوسَى للبحر: انفرق أَبَا خَالِد فَقَالَ: لن أفرق لَك يَا مُوسَى انا أقدم مِنْك وَأَشد خلقا فَنُوديَ {أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر}
وَأخرج أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج فِي تَارِيخه وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب صَاحب الرّوم إِلَى مُعَاوِيَة يسْأَله عَن أفضل الْكَلَام مَا هُوَ وَالثَّانِي
وَالثَّالِث
وَالرَّابِع
وَعَن أكْرم الْخلق على الله وَأكْرم الْأَنْبِيَاء على الله وَعَن أَرْبَعَة من الْخلق لم يركضوا فِي رحم وَعَن قبر سَار بِصَاحِبِهِ وَعَن المجرة وَعَن الْقوس وَعَن مَكَان طلعت فِيهِ الشَّمْس لم تطلع

(6/299)


قبله وَلَا بعده فَلَمَّا قَرَأَ مُعَاوِيَة الْكتاب قَالَ: أَخْزَاهُ الله وَمَا علمي مَا هَهُنَا فَقيل لَهُ: اكْتُبْ إِلَى ابْن عَبَّاس فسله
فَكتب إِلَيْهِ يسْأَله
فَكتب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس: إِن أفضل الْكَلَام لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة الاخلاص لَا يقبل عمل إِلَّا بهَا وَالَّتِي تَلِيهَا سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ أحب الْكَلَام إِلَى الله وَالَّتِي تَلِيهَا الْحَمد لله كلمة الشُّكْر وَالَّتِي تَلِيهَا الله أكبر فَاتِحَة الصَّلَوَات وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَأكْرم الْخلق على الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَأكْرم اماء الله مَرْيَم
وَأما الْأَرْبَعَة الَّتِي لم يركضوا فِي رحم فآدم وحوّاء والكبش الَّذِي فدى بِهِ اسمعيل وعصا مُوسَى حَيْثُ أَلْقَاهَا فَصَارَ ثعباناً مُبينًا
وَأما الْقَبْر الَّذِي سَار بِصَاحِبِهِ فَالْحُوت حِين الْتَقم يُونُس وَأما المجرة فباب السَّمَاء وَأما الْقوس فَإِنَّهَا أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق بعد قوم نوح وَأما الْمَكَان الَّذِي طلعت فِيهِ الشَّمْس لم تطلع قبله وَلَا بعده فالمكان الَّذِي انفرج من الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل
فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ الْكتاب أرسل بِهِ إِلَى صَاحب الرّوم فَقَالَ: لقد علمت أَن مُعَاوِيَة لم يكن لَهُ بِهَذَا علم وَمَا أصَاب هَذَا إِلَّا رجلٌ من أهل بَيت النُّبُوَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ: جَاءَ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن وَعَلِيهِ جُبَّة من صوف وَمَعَهُ عَصا فَضَحِك فِرْعَوْن
فَألْقى عَصَاهُ فَانْطَلَقت نَحوه كَأَنَّهَا عنق بخْتِي فِيهَا أَمْثَال الرماح تهتز
فَجعل فِرْعَوْن يتَأَخَّر وَهُوَ على سَرِيره فَقَالَ فِرْعَوْن: خُذْهَا واسلم
فَعَادَت كَمَا كَانَت وَعَاد فِرْعَوْن كَافِرًا
فَأمر مُوسَى أَن يسير إِلَى الْبَحْر فَسَار بهم فِي سِتّمائَة ألف فَلَمَّا أَتَى الْبَحْر أَمر الْبَحْر إِذا ضربه مُوسَى بعصاه أَن ينفرج لَهُ فَضرب مُوسَى بعصاه الْبَحْر فانفلق مِنْهُ اثْنَا عشر طَرِيقا لكل سبط مِنْهُم طَرِيق وَجعل لَهُم فِيهَا أَمْثَال الكوى ينظر بَعضهم إِلَى بعض
وَاقْبَلْ فِرْعَوْن فِي ثَمَانمِائَة ألف حَتَّى أشرف على الْبَحْر
فَلَمَّا رَآهُ هابه وَهُوَ على حصان لَهُ وَعرض لَهُ ملك وَهُوَ على فرس لَهُ أُنْثَى فَلم يملك فِرْعَوْن فرسه حَتَّى أقحمه وَخرج آخر بني إِسْرَائِيل وولج أَصْحَاب فِرْعَوْن حَتَّى إِذا صَارُوا فِي الْبَحْر فاطبق عَلَيْهِم فغرق فِرْعَوْن بِأَصْحَابِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى

(6/300)


الله إِلَى مُوسَى: أَن اسر بعبادي لَيْلًا إِنَّكُم متبعون
فَأسْرى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل لَيْلًا فاتبعهم فِرْعَوْن فِي ألف ألف حصان سوى الاناث وَكَانَ مُوسَى فِي سِتّمائَة ألف فَلَمَّا عاينهم فِرْعَوْن قَالَ {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ وَإِنَّهُم لنا لغائظون وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} الشُّعَرَاء الْآيَة 54 - 56 فاسرى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل حَتَّى هجموا على الْبَحْر فالتفتوا فَإِذا هم برهج دَوَاب فِرْعَوْن فَقَالُوا: يَا مُوسَى {أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا وَمن بعد مَا جئتنا} الْأَعْرَاف الْآيَة 129 هَذَا الْبَحْر أمامنا وَهَذَا فِرْعَوْن قد رهقنا بِمن مَعَه قَالَ: {عَسى ربكُم أَن يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 129 {فأوحينا إِلَى مُوسَى أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر}
وَأوحى إِلَى الْبَحْر: أَن اسْمَع لمُوسَى وأطع إِذا ضربك
فَثَابَ الْبَحْر لَهُ أفكل يَعْنِي رعدة لَا يدْرِي من أَي جوانبه يضْرب
فَقَالَ يُوشَع لمُوسَى: بِمَاذَا أمرت قَالَ: أمرت أَن أضْرب الْبَحْر
قَالَ: فَاضْرِبْهُ: فَضرب مُوسَى الْبَحْر بعصاه فانفلق فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيق كل طَرِيق كالطود الْعَظِيم فَكَانَ لكل سبط فيهم طَرِيق يَأْخُذُونَ فِيهِ فَلَمَّا أخذُوا فِي الطَّرِيق قَالَ بَعضهم لبَعض: مَا لنا لَا نرى أَصْحَابنَا
فَقَالُوا لمُوسَى: إِن أَصْحَابنَا لَا نراهم قَالَ: سِيرُوا فانهم على طَرِيق مثل طريقكم قَالُوا: لن نؤمن حَتَّى نراهم قَالَ مُوسَى: اللَّهُمَّ أَعنِي على أخلاقكم السَّيئَة
فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن قل بعصاك هَكَذَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ يديرها على الْبَحْر
قَالَ مُوسَى بعصاه على الْحِيطَان هَكَذَا فَصَارَ فِيهَا كوات ينظر بَعضهم إِلَى بعض فَسَارُوا حَتَّى خَرجُوا من الْبَحْر
فَلَمَّا جَازَ آخر قوم مُوسَى هجم فِرْعَوْن على الْبَحْر هُوَ وَأَصْحَابه وَكَانَ فِرْعَوْن على فرس أدهم حصان فَلَمَّا هجم على الْبَحْر هاب الحصان أَن يقتحم فِي الْبَحْر فتمثل لَهُ جِبْرِيل على فرس أُنْثَى فَلَمَّا رَآهَا الحصان اقتحم خلفهَا وَقيل لمُوسَى {واترك الْبَحْر رهوا} الدُّخان الْآيَة 24 قَالَ: طرقاً على حَاله
وَدخل فِرْعَوْن وَقَومه فِي الْبَحْر فَلَمَّا دخل آخر قوم فِرْعَوْن وَجَاز آخر قوم مُوسَى أطبق الْبَحْر على فِرْعَوْن وَقَومه فأغرقوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن مُوسَى حِين أسرى ببني إِسْرَائِيل بلغ فِرْعَوْن فَأمر بِشَاة فذبحت ثمَّ قَالَ: لَا يفرغ من سلخها حَتَّى يجْتَمع إِلَيّ سِتّمائَة ألف من القبط
فَانْطَلق مُوسَى حَتَّى انْتهى إِلَى

(6/301)


الْبَحْر فَقَالَ لَهُ: انفرق
فَقَالَ لَهُ الْبَحْر: لقد استكثرت يَا مُوسَى وَهل انفرقت لأحد من ولد آدم وَمَعَ مُوسَى رجل على حصان لَهُ فَقَالَ أَيْن أمرت يَا نَبِي الله بهؤلاء قَالَ: مَا أمرت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه
فاقتحم فرسه فسبح بِهِ ثمَّ خرج فَقَالَ: أَيْن أمرت يَا نَبِي الله قَالَ: مَا أمرت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه
قَالَ: مَا كذبت وَلَا كذبت
فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر
فَضَربهُ مُوسَى بعصاه فانفلق فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيقا لكل سبط طَرِيق يترأون فَلَمَّا خرج أَصْحَاب مُوسَى وتتام أَصْحَاب فِرْعَوْن التقى الْبَحْر عَلَيْهِم فأغرقهم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُوسَى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن مُوسَى لما أَرَادَ أَن يسير ببني إِسْرَائِيل أضلّ الطَّرِيق فَقَالَ لبني إِسْرَائِيل: مَا هَذَا فَقَالَ لَهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل: أَن يُوسُف لما حَضَره الْمَوْت أَخذ علينا موثقًا أَن لَا نخرج من مصر حَتَّى ننقل تابوته مَعنا فَقَالَ لَهُم مُوسَى: أَيّكُم يدْرِي أَيْن قَبره فَقَالُوا: مَا يعلم أحد مَكَان قَبره إِلَّا عَجُوز لبني إِسْرَائِيل
فَأرْسل إِلَيْهَا مُوسَى فَقَالَ: دلينا على قبر يُوسُف فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تُعْطِينِي حكمي قَالَ: وَمَا حكمك قَالَت: أَن أكون مَعَك فِي الْجنَّة
فَكَأَنَّهُ ثقل عَلَيْهِ ذَلِك فَقيل لَهُ: اعطها حكمهَا
فَانْطَلَقت بهم إِلَى بحيرة مشقشقة مَاء فَقَالَت لَهُم: انضبوا عَنْهَا المَاء فَفَعَلُوا قَالَت: احفروا
فَحَفَرُوا فَاسْتَخْرَجُوا قبر يُوسُف فَلَمَّا احتملوه إِذا الطَّرِيق مثل ضوء النَّهَار
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن سماك بن حَرْب
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما أسرى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل غشيتهم غمامة حَالَتْ بَينهم وَبَين الطَّرِيق أَن يبصروه
وَقيل لمُوسَى: لن تعبر إِلَّا ومعك عِظَام يُوسُف قَالَ: وَأَيْنَ موضعهَا قَالُوا: ابْنَته عَجُوز كَبِيرَة ذَاهِبَة الْبَصَر تركناها فِي الديار
فَرجع مُوسَى فَلَمَّا سَمِعت حسه قَالَت: مُوسَى قَالَ: مُوسَى
قَالَت: مَا وَرَاءَك قَالَ: أمرت أَن أحمل عِظَام يُوسُف
قَالَت: مَا كُنْتُم لتعبروا إِلَّا وَأَنا مَعكُمْ قَالَ: دليني على عِظَام يُوسُف قَالَت: لَا أفعل إِلَّا أَن تُعْطِينِي مَا سَأَلتك قَالَ: فلك مَا سَأَلت قَالَت: خُذ بيَدي
فَأخذ بِيَدِهَا فانتهت بِهِ إِلَى عَمُود على شاطىء النّيل فِي أَصله سكَّة من حَدِيد موتدة فِيهَا

(6/302)


سلسلة فَقَالَت: انا دفناه من ذَلِك الْجَانِب
فأخصب ذَلِك الْجَانِب وأجدب ذَاك الْجَانِب فحولناه إِلَى هَذَا الْجَانِب وأجدب ذَاك فَلَمَّا رَأينَا ذَلِك جَمعنَا عِظَامه فجعلناها فِي صندوق من حَدِيد وألقيناه فِي وسط النّيل فأخصب الجانبان جَمِيعًا
فَحمل الصندوق على رقبته وَأخذ بِيَدِهَا فألحقها بالعسكر وَقَالَ لَهَا: سَلِي مَا شِئْت قَالَت: فَإِنِّي أَسأَلك أَن أكون أَنا وَأَنت فِي دَرَجَة وَاحِدَة فِي الْجنَّة وَيرد عَليّ بَصرِي وشبابي حَتَّى أكون شَابة كَمَا كنت
قَالَ: فلك ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوصى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِن جَاءَ نَبِي من بعدِي فَقولُوا لَهُ: يخرج عِظَامِي من هَذِه الْقرْيَة
فَلَمَّا كَانَ من أَمر مُوسَى مَا كَانَ يَوْم قرعون فَمر بالقرية الَّتِي فِيهَا قبر يُوسُف فَسَأَلَ عَن قَبره فَلم يجد أحد يُخبرهُ فَقيل لَهُ: هَهُنَا عَجُوز بقيت من قوم يُوسُف
فَجَاءَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهَا: تدليني على قبر يُوسُف فَقَالَت: لَا أفعل حَتَّى تُعْطِينِي مَا اششترط عَلَيْك
فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن أعْطهَا شَرطهَا قَالَ لَهَا: وَمَا تريدين قَالَت: أكون زَوجتك فِي الْجنَّة
فاعطاها فدلته على قَبره
فحفر مُوسَى الْقَبْر ثمَّ بسط رِدَاءَهُ وَأخرج عِظَام يُوسُف فَجعله فِي وسط ثَوْبه ثمَّ لف الثَّوْب بالعظام فَحَمله على يَمِينه فَقَالَ لَهُ الْملك الَّذِي على يَمِينه: الْحمل يحمل على الْيَمين قَالَ: صدقت هُوَ على الشمَال وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك كَرَامَة ليوسف
وَأخرج ابْن عبد الحكم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قد عهد عِنْد مَوته أَن يخرجُوا بعظامه مَعَهم من مصر
قَالَ: فتجهز الْقَوْم وَخَرجُوا فتحيروا فَقَالَ لَهُم مُوسَى: إِنَّمَا تحيركم هَذَا من أجل عِظَام يُوسُف فَمن يدلني عَلَيْهَا فَقَالَت عَجُوز يُقَال لَهَا شَارِح ابْنة آي بن يَعْقُوب: أَنا رَأَيْت عمي يُوسُف حِين دفن فَمَا تجْعَل لي إِن دللتك عَلَيْهِ قَالَ: حكمك
فدلته عَلَيْهِ فَأخذ عِظَام يُوسُف ثمَّ قَالَ: احتكمي قَالَت: أكون مَعَك حَيْثُ كنت فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن عبد الحكم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى: أَن أسر بعبادي
وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل استعاروا من قوم فِرْعَوْن

(6/303)


حليا وثياباً
إِن لنا عيداً نخرج إِلَيْهِ فَخرج بهم مُوسَى لَيْلًا وهم سِتّمائَة ألف وَثَلَاثَة آلَاف ونيف
فَذَلِك قَول فِرْعَوْن {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} وَخرج فِرْعَوْن ومقدمته خَمْسمِائَة ألف سوى الجنبين وَالْقلب فَلَمَّا انْتهى مُوسَى إِلَى الْبَحْر أقبل يُوشَع بن نون على فرسه فَمشى على المَاء واقتحم غَيره بخيولهم فَوَثَبُوا فِي المَاء وَخرج فِرْعَوْن فِي طَلَبهمْ حِين أصبح وَبَعْدَمَا طلعت الشَّمْس فَذَلِك قولهل {فأتبعوهم مشرقين فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون} فَدَعَا مُوسَى ربه فغشيتهم ضَبَابَة حَالَتْ بَينهم وَبَينه وَقيل لَهُ: اضْرِب بعصاك الْبَحْر
فَفعل {فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} يَعْنِي الْجَبَل
فانفلق مِنْهُ اثْنَا عشر طَرِيقا فَقَالُوا: انا نَخَاف أَن توحل فِيهِ الْخَيل
فَدَعَا مُوسَى ربه فَهبت عَلَيْهِم الصِّبَا فجف فَقَالُوا: انا نَخَاف أَن يغرق منا وَلَا نشعر فَقَالَ بعصاه فَنقبَ المَاء فَجعل بَينهم كوى حَتَّى يرى بَعضهم بَعْضًا ثمَّ دخلُوا حَتَّى جاوزوا الْبَحْر
وَأَقْبل فِرْعَوْن حَتَّى انْتهى إِلَى الْموضع الَّذِي عبر مِنْهُ مُوسَى وطرقه على حَالهَا فَقَالَ لَهُ أدلاؤه: إِن مُوسَى قد سحر الْبَحْر حَتَّى صَار كَمَا ترى وَهُوَ قَوْله {واترك الْبَحْر رهواً} الدُّخان الْآيَة 24 يَعْنِي كَمَا هُوَ
فحذ هَهُنَا حَتَّى نلحقهم وَهُوَ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْبر
وَكَانَ فِرْعَوْن يَوْمئِذٍ على حصان فَأقبل جِبْرِيل على فرس أُنْثَى فِي ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ من الْمَلَائِكَة ففرقوا النَّاس وَتقدم جِبْرِيل فَسَار بَين يَدي فِرْعَوْن وَتَبعهُ فِرْعَوْن وصاحت الْمَلَائِكَة فِي النَّاس: الحقوا الْملك
حَتَّى إِذا دخل آخِرهم وَلم يخرج أَوَّلهمْ
التقى الْبَحْر عَلَيْهِم فَغَرقُوا
فَسمع بَنو إِسْرَائِيل وجبة الْبَحْر حِين التقى فَقَالُوا: مَا هَذَا قَالَ مُوسَى: غرق فِرْعَوْن وَأَصْحَابه
فَرَجَعُوا ينظرُونَ فألقاهم الْبَحْر على السَّاحِل

وَأخرج ابْن عبد الحكم وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ جِبْرِيل بَين النَّاس
بَين بني إِسْرَائِيل وَبَين آل فِرْعَوْن فَيَقُول: رويدكم ليلحقكم آخركم
فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل: مَا رَأينَا سائقاً أحسن سياقاً من هَذَا
وَقَالَ آل فِرْعَوْن: مَا رَأينَا وازعاً أحسن زعة من هَذَا
فَلَمَّا انْتهى مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل إِلَى الْبَحْر قَالَ مُؤمن آل فِرْعَوْن
يَا نَبِي الله أَيْن أمرت هَذَا الْبَحْر أمامك وَقد غشينا آل فِرْعَوْن فَقَالَ:

(6/304)


أمرت بالبحر
فاقتحم مُؤمن آل فِرْعَوْن فرسه فَرده التيار فَجعل مُوسَى لَا يدْرِي كَيفَ يصنع وَكَانَ الله قد أوحى إِلَى الْبَحْر: أَن أطع مُوسَى وَآيَة ذَلِك إِذا ضربك بعصا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر
فَضَربهُ {فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} فَدخل بَنو إِسْرَائِيل واتبعهم آل فِرْعَوْن فَلَمَّا خرج آخر بني إِسْرَائِيل وَدخل آخر آل فِرْعَوْن أطبق الله عَلَيْهِم الْبَحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزل جِبْرِيل يَوْم غرق فِرْعَوْن وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصفق بيدَيْهِ ويعجب من بني إِسْرَائِيل وتعنتهم لما حَضَرُوا الْبَحْر وحضرهم عدوهم
جاؤا مُوسَى فَقَالُوا: قد حَضَرنَا العدوّ فَمَاذَا أمرت قَالَ: أَن أنزل هَهُنَا فاما أَن يفتح لي رَبِّي ويهزمهم وَأما أَن يفرق لي هَذَا الْبَحْر
فَضَربهُ فتأطط كَمَا تتأطط الْفرش ثمَّ ضربه الثَّانِيَة فانصدع فَقَالَ: هَذَا من سُلْطَان رَبِّي
فاجازوا الْبَحْر فَلم يسمع بِقوم أعظم ذَنبا وَلَا أسْرع تَوْبَة مِنْهُم

(6/305)


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)

- قَوْله تَعَالَى: واتل عَلَيْهِم نبأ إِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَا تَعْبدُونَ قَالُوا نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين قَالَ هَل يسمعونكم إِذْ تدعون أَو ينفعونكم أَو يضرون قَالُوا بل وجدنَا آبَاءَنَا كَذَلِك يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب الْعَالمين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فنظل لَهَا عاكفين} قَالَ: عابدين {قَالَ هَل يسمعونكم إِذْ تدعون} يَقُول: هَل تجيبكم آلِهَتكُم إِذا دعوتموهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَل يسمعونكم} قَالَ: هَل يسمعُونَ أَصْوَاتكُم

(6/305)


الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)

- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين

(6/305)


رب هَب لي حكما وألحقني بالصالحين وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ يُقَال أول نعْمَة الله على عَبده حِين خلقه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} قَالَ: قَوْله {إِنِّي سقيم} الصافات الْآيَة 29 وَقَوله {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 63 وَقَوله لسارة: إِنَّهَا أُخْتِي
حِين أَرَادَ فِرْعَوْن من الفراعنة أَن يَأْخُذهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وألحقني بالصالحين} يَعْنِي أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} قَالَ: يُؤمن بإبراهيم كل مِلَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الذّكر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ العَبْد لصَلَاة مَكْتُوبَة فاسبغ الْوضُوء ثمَّ خرج من بَاب دَاره يُرِيد الْمَسْجِد فَقَالَ حِين يخرج: بِسم الله الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين
هداه الله للصَّوَاب - وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه: لصواب الْأَعْمَال - وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين
أطْعمهُ الله من طَعَام الْجنَّة وسقاه من شراب الْجنَّة وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين
شفَاه الله وَجعل مَرضه كَفَّارَة لذنوبه وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين
أَحْيَاهُ الله حَيَاة السُّعَدَاء وأماته ميتَة الشُّهَدَاء وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين
غفر الله خطاياه كلهَا وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر رب هَب لي حكما وألحقني بالصالحين
وهب الله لَهُ حكما وألحقه بِصَالح من مضى وَصَالح من بَقِي وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين
كتب فِي ورقة بَيْضَاء أَن فلَان بن فلَان من الصَّادِقين ثمَّ وَفقه الله بعد ذَلِك للصدق واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم
جعل الله لَهُ الْقُصُور والمنازل فِي الْجنَّة وَكَانَ الْحسن يزِيد فِيهِ - واغفر لوالدي كَمَا ربياني صَغِيرا

(6/306)


وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِن ابْن جدعَان كَانَ يقري الضَّيْف ويصل الرَّحِم وَيفْعل وَيفْعل
أينفعه ذَلِك قَالَ: لَا
إِنَّه لم يقل يَوْمًا قطّ: رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين

(6/307)


وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)

- قَوْله تَعَالَى: واغفر لأبي إِنَّه كَانَ من الضَّالّين وَلَا تخزني يَوْم يبعثون يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واغفر لأبي} قَالَ: اُمْنُنْ عَلَيْهِ بتوبة يسْتَحق بهَا مغفرتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ليجيئن رجل يَوْم الْقِيَامَة من الْمُؤمنِينَ آخِذا بيد أَب لَهُ مُشْرك حَتَّى يقطعهُ النَّار ويرجو أَن يدْخلهُ الْجنَّة فيناديه مُنَاد: أَنه لَا يدْخل الْجنَّة مششرك
فَيَقُول: رب أبي

ووعدت أَن لَا تخزيني
قَالَ: فَمَا يزَال متشبثاً بِهِ حَتَّى يحوله الله فِي صُورَة سَيِّئَة وريح مُنْتِنَة فِي سُورَة ضبعان فَإِذا رَآهُ كَذَلِك تَبرأ مِنْهُ وَقَالَ: لست بِأبي قَالَ: فَكُنَّا نرى أَنه يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَمَا سمى بِهِ يَوْمئِذٍ
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة وغبرة فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: ألم أقل لَك لَا تعصيني فَيَقُول أَبوهُ: فاليوم لَا أعصيك فَيَقُول إِبْرَاهِيم: رب إِنَّك وَعَدتنِي أَن لَا تخزيني يَوْم يبعثون فَأَي خزي أخزى من أبي الْأَبْعَد
فَيَقُول الله: إِنِّي حرَّمت الْجنَّة على الْكَافرين
ثمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحت رجليك فَإِذا هُوَ بذيخ متلطخ فَيُؤْخَذ بقوائمه فَيلقى فِي النَّار
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من بني كنَانَة قَالَ: صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح فَسَمعته يَقُول اللَّهُمَّ لَا تخزني يَوْم الْقِيَامَة

(6/307)


إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)

- قَوْله تَعَالَى: إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} قَالَ: شهداة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

(6/307)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} قَالَ: كَانَ يُقَال: سليم من الشّرك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} قَالَ: من الشّرك
لَيْسَ فِيهِ شكّ فِي الْحق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عون قَالَ: ذكرُوا الْحجَّاج عِنْد ابْن سِيرِين فَقَالَ: غير مَا تَقولُونَ أخوف على الْحجَّاج عِنْدِي مِنْهُ قلت: وَمَا هُوَ قَالَ: إِن كَانَ لَقِي الله بقلب سليم فقد أصَاب الذُّنُوب خير مِنْهُ قلت: وَمَا الْقلب السَّلِيم قَالَ: إِن يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله

(6/308)


وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)

- قَوْله تَعَالَى: وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين وبرزت الْجَحِيم للغاوين وَقيل لَهُم أَيْن مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ من دون الله هَل ينصرونكم أَو ينتصرون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين} قَالَ: قربت لأَهْلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن نُبيح ابْن امْرَأَة كَعْب قَالَ: تزلف الْجنَّة ثمَّ تزخرف ثمَّ ينظر إِلَيْهَا من خلق الله
من مُسلم أَو يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ إِلَّا رجلَانِ
رجلا قتل مُؤمنا مُتَعَمدا أَو رجلا قتل معاهدا مُتَعَمدا

(6/308)


فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)

- قَوْله تَعَالَى: فكبكبوا فِيهَا هم والغاوون وجنود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ قَالُوا وهم فِيهَا يختصمون تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فكبكبوا فِيهَا} قَالَ: جمعُوا فِيهَا {هم والغاوون} قَالَ: مُشْرِكُوا الْعَرَب والآلهة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فكبكبوا} قَالَ: رموا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {فكبكبوا فِيهَا} قَالَ: فِي النَّار {هم} قَالَ: الْآلهَة {والغاوون} قَالَ: مشركو قُرَيْش {وجنود إِبْلِيس} قَالَ: ذُرِّيَّة إِبْلِيس وَمن ولد

(6/308)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والغاوون} قَالَ: الشَّيَاطِين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النَّاس يَمرونَ يَوْم الْقِيَامَة على الصِّرَاط: والصراط دحض مزلة يَتَكَفَّأ بأَهْله
وَالنَّار تَأْخُذ مِنْهُم وَإِن جَهَنَّم لتنطف عَلَيْهِم مثل الثَّلج إِذا وَقع لَهَا زفير وشهيق
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اذا جَاءَهُم نِدَاء من الرَّحْمَن: عبَادي من كُنْتُم تَعْبدُونَ فِي دَار الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: رب أَنْت تعلم انا إياك كُنَّا نعْبد
فَيُجِيبهُمْ بِصَوْت لم يسمع الْخَلَائق مثله قطّ: عبَادي حق عليّ أَن لَا أَكِلَكُمُ الْيَوْم إِلَى أحد غَيْرِي فقد عَفَوْت عَنْكُم ورضيت عَنْكُم
فتقوم الْمَلَائِكَة عِنْد ذَلِك بالشفاعة فينحون من ذَلِك الْمَكَان فَيَقُول الَّذين تَحْتهم فِي النَّار {فَمَا لنا من شافعين وَلَا صديق حميم فَلَو أَن لنا كرة فنكون من الْمُؤمنِينَ} إِبْرَاهِيم الْآيَة 43 قَالَ الله {فكبكبوا فِيهَا هم والغاوون} قَالَ ابْن عَبَّاس: ادخروا فِيهَا إِلَى آخر الدَّهْر)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أمتِي ستحشر يَوْم الْقِيَامَة فَبَيْنَمَا هم وقُوف إِذْ جَاءَهُم مُنَاد من الله: ليعتزل سفاكو الدِّمَاء بِغَيْر حَقّهَا
فيميزون على حِدة فيسيل عِنْدهم سيل من دم ثمَّ يَقُول لَهُم الدَّاعِي: اعيدوا هَذِه الدِّمَاء فِي أجسادها فَيَقُول: احشروهم إِلَى النَّار
فَبَيْنَمَا هم يجرونَ إِلَى النَّار إِذْ نَادَى مُنَاد فَقَالَ: إِن الْقَوْم قد كَانُوا يهللون
فيوقفون مِنْهَا مَكَانا يَجدونَ وهجها حَتَّى يفرغ من حِسَاب أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يكبكبون فِي النَّار {هم والغاوون} {وجنود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن عَائِشَة قَالَت: يَا رَسُول الله يكون يَوْم لَا يغنى عَنَّا فِيهِ من الله شَيْء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم
فِي ثَلَاث مَوَاطِن عِنْد الْمِيزَان وَعند النُّور والظلمة وَعند الصِّرَاط
من شَاءَ الله سلمه وَأَجَازَهُ وَمن شَاءَ كبكبه فِي النَّار قَالَت: يَا رَسُول الله وَمَا الصِّرَاط قَالَ: طَرِيق بَين الْجنَّة وَالنَّار يجوز النَّاس عَلَيْهِ مثل حد الموسى وَالْمَلَائِكَة صافون يَمِينا وَشمَالًا يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يَقُولُونَ: سلم سلم {وأفئدتهم هَوَاء} إِبْرَاهِيم الْآيَة 43 فَمن شَاءَ الله سلمه وَمن شَاءَ كبكبه فِي النَّار

(6/309)


وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)

- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون فَمَا لنا من شافعين وَلَا صديق حميم فَلَو أَن لنا كرة فنكون من الْمُؤمنِينَ إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون} يَقُول: الأوّلون الَّذين كَانُوا قبلنَا اقتدينا بهم فضللنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون} قَالَ: إِبْلِيس وَابْن آدم الْقَاتِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فَمَا لنا من شافعين} قَالَ: من أهل السَّمَاء {وَلَا صديق حميم} قَالَ: من أهل الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَلَا صديق حميم} قَالَ: شفيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَو أَن لنا كرة} قَالَ: رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فنكون من الْمُؤمنِينَ} قَالَ: حَتَّى تحل لنا الشَّفَاعَة كَمَا حلت لهَؤُلَاء
وَالله أعلم

(6/310)


كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)

- قَوْله تَعَالَى: كذبت قوم نوح الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوح أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين فَاتَّقُوا الله وأطيعون قَالُوا أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون قَالَ وَمَا علمي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي لَو تشعرون وَمَا أَنا بطارد الْمُؤمنِينَ إِن أَنا إِلَّا نَذِير مُبين قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يانوح لتكونن من المرجومين قَالَ رب إِن قومِي كذبون فافتح بيني وَبينهمْ فتحا ونجني وَمن معي من الْمُؤمنِينَ فأنجيناه وَمن مَعَه فِي الْفلك المشحون ثمَّ أغرقنا بعد البَاقِينَ إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم

(6/310)


أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {قَالُوا أنؤمن لَك} قَالُوا: أنصدقك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واتبعك الأرذلون} قَالَ: الحوّاكون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {واتبعك الأرذلون} قَالَ: سفلَة النَّاس وَأَرَاذِلهمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {واتبعك الأرذلون} قَالَ: الحوّاكون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي} قَالَ: هُوَ أعلم بِمَا فِي أنفسهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لتكونن من المرجومين} قَالَ: بِالْحِجَارَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {لتكونن من المرجومين} قَالَ: بالشتيمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فافتح بيني وَبينهمْ فتحا} قَالَ: اقْضِ بيني وَبينهمْ قَضَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح
مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {الْفلك المشحون} قَالَ: السَّفِينَة الموقورة الممتلئة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبيد بن الأبرص: شحنا أَرضهم بِالْخَيْلِ حَتَّى تركناهم أذلّ من الصِّرَاط وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: تَدْرُونَ مَا المشحون قُلْنَا: لَا
قَالَ هُوَ الموقر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الْفلك المشحون} قَالَ: الممتلىء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الْفلك المشحون} قَالَ: المملوء المفروغ مِنْهُ تحميلاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فِي الْفلك المشحون} قَالَ: الْمحمل

(6/311)


وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فِي الْفلك المشحون} كُنَّا نُحدث: إِنَّه الموقر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ {فِي الْفلك المشحون} قَالَ: المثقل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {فِي الْفلك المشحون} قَالَ: سفينة نوح

(6/312)


كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)

- قَوْله تَعَالَى: كذبت عَاد الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم هود أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب العلمين أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَاتَّقوا الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم قَالُوا سَوَاء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين وَمَا نَحن بمعذبين فَكَذبُوهُ فأهلكناهم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: طَرِيق {آيَة} قَالَ: علما {تعبثون} قَالَ: تلعبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: شرف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: طَرِيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر قَالَ الرّيع مَا اسْتقْبل الطَّرِيق بَين الْجبَال والظراب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير

(6/312)


وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: بِكُل فج بَين جبلين {آيَة} قَالَ: بنيانا {وتتخذون مصانع} قَالَ: بروج الْحمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {تعبثون} قَالَ: تلعبون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وتتخذون مصانع} قَالَ: قصوراً مشيدة وبنياناً مخلداً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وتتخذون مصانع} قَالَ: مآخذ للْمَاء قَالَ: وَكَانَ فِي بعض الْقِرَاءَة (وتتخذون مصانع كأنكم خَالدُونَ)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تخلدون} قَالَ: كأنكم تخلدون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين} قَالَ: بِالسَّوْطِ وَالسيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بطشتم جبارين} قَالَ: أقوياء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بطشتم جبارين} قَالَ: أقوياء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: دين الأوّلين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: أساطير الْأَوَّلين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} يَقُول شَيْء اختلقوه وَفِي لفظ يَقُول / اخْتِلَاق الْأَوَّلين /
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: كذبهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَلْقَمَة {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: اختلاقهم

(6/313)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أَن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} مَرْفُوعَة الْخَاء مثقلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: هَكَذَا خلقت الْأَولونَ وَهَكَذَا كَانَ النَّاس يعيشون مَا عاشوا ثمَّ يموتون وَلَا بعث عَلَيْهِم وَلَا حِسَاب {وَمَا نَحن بمعذبين} أَي إِنَّمَا نَحن مثل الْأَوَّلين نَعِيش كَمَا عاشوا ثمَّ نموت لَا حِسَاب وَلَا عَذَاب علينا وَلَا بعث

(6/314)


كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)

- قَوْله تَعَالَى: كذبت ثَمُود الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم صَالح أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين أتتركون فِيمَا هَاهُنَا آمِنين فِي جنَّات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فرهين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين مَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب يَوْم عَظِيم فَعَقَرُوهَا فَأَصْبحُوا نادمين وَأَخذهم الْعَذَاب إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ونخل طلعها هضيم} قَالَ: معشب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {طلعها هضيم} قَالَ: منضم بعضه إِلَى بعض قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول امرىء الْقَيْس: دَار لبيضاء الْعَوَارِض طفلة مهضومة الكشحين ريا المعصم

(6/314)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن يزِيد بن أبي زِيَاد {ونخل طلعها هضيم} قَالَ: هُوَ الرطب وَفِي لفظ قَالَ: المذنب الَّذِي قد رطب بعضه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {طلعها هضيم} قَالَ: لين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {طلعها هضيم} قَالَ: الرخو
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ الهضيم إِذا بلغ الْبُسْر فِي عذوقه فَعظم
فَذَلِك الهضم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {طلعها هضيم} قَالَ: يتهشم تهشماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {طلعها هضيم} قَالَ: الطلعة إِذا مسستها تناثرت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {طلعها هضيم} قَالَ: لَيْسَ فِيهِ نوى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ الهضيم الرطب اللين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وتنحتون} بِكَسْر الْحَاء (الْجبَال بُيُوتًا فارهين) بِالْألف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: حاذقين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: حاذقين بنحتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة {فارهين} قَالَ: حاذقين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: أشرين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: شرهين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: متجبرين

(6/315)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: يتجبرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: معجبين بصنعكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ وَفِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} قَالَ: هم الساحرون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} قَالَ: المسحورين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والخطيب وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} قَالَ: من المخلوقين ثمَّ أنْشد قَول لبيد بن ربيعَة: إِن تسألينا فيمَ نَحن فإننا عصافير من هَذَا الْأَنَام المسحر وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن أبي صَالح وَمُجاهد فِي قَوْله {من المسحرين} قَالَا: من المخدوعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} مثقلة وَقَالَ: المسحر: السوقة الَّذِي لَيْسَ بِملك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن صَالحا بَعثه الله إِلَى قومه فآمنوا بِهِ ثمَّ إِنَّه لما مَاتَ كفر قومه وَرَجَعُوا عَن الإِسلام فاحيا الله لَهُم صَالحا وَبَعثه إِلَيْهِم فَقَالَ: أَنا صَالح فَقَالُوا: قد مَاتَ صَالح إِن كنت صَالحا {فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين} فَبعث الله النَّاقة فَعَقَرُوهَا وَكَفرُوا فاهلكوا وعاقرها رجل نساج يُقَال لَهُ قدار بن سالف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ {هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم} قَالَ: كَانَت إِذا كَانَ يَوْم شربهَا شربت مَاءَهُمْ كُله فَإِذا كَانَ يَوْم شربهم كَانَ لأَنْفُسِهِمْ ومواشيهم وأرضهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا كَانَ يَوْمهَا أصدرتهم لَبَنًا مَا شاؤا

(6/316)


كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)

- قَوْله تَعَالَى: كذبت قوم لوط الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم لوط أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إلاعلى رب الْعَالمين أتأنون الذكران من الْعَالمين وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم بل أَنْتُم قوم عادون قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا لوط لتكونن من الخرجين قَالَ إِنِّي لعملكم من القالين رب نجني وَأَهلي مِمَّا يعْملُونَ فنجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين ثمَّ دمرنا الآخرين وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فسَاء مطر الْمُنْذرين إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} قَالَ: تركْتُم اقبال النِّسَاء إِلَى أدبار الرِّجَال وأدبار النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} قَالَ: مَا أصلح لكم يَعْنِي الْقبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} يَقُول: ترك اقبال النِّسَاء إِلَى ادبار الرِّجَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {بل أَنْتُم قوم عادون} قَالَ: متعدون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (وواعدناه أَن نؤمنه أَجْمَعِينَ إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين} قَالَ: هِيَ امْرَأَة لوط غبرت فِي عَذَاب
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فِي الغابرين} قَالَ: فِي البَاقِينَ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبيد بن الأبرص: ذَهَبُوا وخلفني المخلف فيهم فكأنني فِي الغابرين غَرِيب

(6/317)


كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)

- قَوْله تَعَالَى: كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم شُعَيْب أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين وأوفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة الْأَوَّلين قَالُوا إِنَّمَا أنتمن المسحرين وَمَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين فأسقط علينا كسفا من السَّمَاء إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ رَبِّي أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة أَنه كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد ليكة قَالَ {الأيكة}
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين} قَالَ: كَانُوا أَصْحَاب غيضة بَين سَاحل الْبَحْر إِلَى مَدين وَقد أهلكوا فِيمَا يأْتونَ
وَكَانَ أَصْحَاب الأيكة مَعَ مَا كَانُوا فِيهِ من الشّرك استنوا سنة أَصْحَاب مَدين
فَقَالَ لَهُم شُعَيْب {إِنِّي لكم رَسُول أَمِين} {فَاتَّقُوا الله وأطيعون} {وَمَا أَسأَلكُم} على مَا أدعوكم عَلَيْهِ أجرا فِي العاجل فِي أَمْوَالكُم {إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين} {وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة} يَعْنِي وَخلق الجبلة {الْأَوَّلين} يَعْنِي الْقُرُون الْأَوَّلين الَّذين أهلكوا بِالْمَعَاصِي وَلَا تهلكوا مثلهم {قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} يَعْنِي من المخلوقين {وَمَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين} {فأسقط علينا كسفاً من السَّمَاء} يَعْنِي قطعا من السَّمَاء {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} أرسل الله عَلَيْهِم سموماً من جَهَنَّم فأطاف بهم سَبْعَة أَيَّام حَتَّى انضجهم الْحر فحميت بُيُوتهم وغلت مِيَاههمْ فِي الْآبَار والعيون فَخَرجُوا من مَنَازِلهمْ ومحلتهم هاربين والسموم مَعَهم فَسلط الله عَلَيْهِم الشَّمْس من فَوق رؤوسهم فتغشتهم حَتَّى تقلقلت فِيهَا جماجمهم وسلط الله عَلَيْهِم الرمضاء من

(6/318)


تَحت أَرجُلهم حَتَّى تساقطت لُحُوم أَرجُلهم ثمَّ أنشأت لَهُم ظلة كالسحابة السَّوْدَاء فَلَمَّا رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حَتَّى إِذا كَانُوا تحتهَا جَمِيعًا
أطبقت عَلَيْهِم فهلكو ونجَّى الله شعيباً وَالَّذين آمنُوا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {والجبلة الْأَوَّلين} قَالَ: الْخلق الْأَوَّلين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {والجبلة الْأَوَّلين} قَالَ: الخليقة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فأسقط علينا كسفاً من السَّمَاء} قَالَ: قطعا من السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِن أهل مَدين عذبُوا بِثَلَاثَة أَصْنَاف من الْعَذَاب
أخذتهم الرجفة فِي دَارهم حَتَّى خَرجُوا عَلَيْهِم
فَأرْسل الله عَلَيْهِم الظلة فَدخل تحتهَا رجل قَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ظلاً أطيب وَلَا ابرد هلموا أَيهَا النَّاس فَدَخَلُوا جَمِيعًا تَحت الظلة فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة فماتوا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: {أَصْحَاب الأيكة} أَصْحَاب شجر وهم قوم شُعَيْب وَأَصْحَاب الرس: أَصْحَاب آبار وهم قوم شُعَيْب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: بعث شعيباً إِلَى أَصْحَاب الأيكة - والايكة غيضة - فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة
قَالَ: فتح الله عَلَيْهِم بَابا من أَبْوَاب جَهَنَّم فغشيهم من حره مَا لم يطيقوه فتبردوا بِالْمَاءِ وَبِمَا قدرُوا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اذا رفعت لَهُم سَحَابَة فِيهَا ريح بَارِدَة طيبَة فَلَمَّا وجدوا بردهَا سَارُوا نَحْو الظلة فاتوها يتبردون بهَا فَخَرجُوا من كل شَيْء كَانُوا فِيهِ فَلَمَّا تكاملوا تحتهَا طبقت عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ
فَذَلِك قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: سلط الله الْحر على قوم شُعَيْب سَبْعَة أَيَّام ولياليهن حَتَّى كَانُوا لَا يَنْتَفِعُونَ بِظِل بَيت وَلَا بِبرد مَاء ثمَّ رفعت لَهُم

(6/319)


سَحَابَة فِي الْبَريَّة فوجدوا تحتهَا الرّوح فَجعلُوا يدعوا بَعضهم بَعْضًا
حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا تحتهَا أشعلها الله عَلَيْهِم نَارا
فَذَلِك قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} فَقَالَ: بعث الله عَلَيْهِم وهدة وحراً شَدِيدا فَأخذ بِأَنْفَاسِهِمْ فَدَخَلُوا أَجْوَاف الْبيُوت فَدخل عَلَيْهِم أَجْوَاف الْبيُوت فَأخذ بِأَنْفَاسِهِمْ فَخَرجُوا من الْبيُوت هراباً إِلَى الْبَريَّة
فَبعث الله عَلَيْهِم سَحَابَة فاظلتهم من الشَّمْس فوجدوا لَهَا بردا وَلَذَّة فَنَادَى بَعضهم بَعْضًا حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا تحتهَا أسقطها الله عَلَيْهِم نَارا
فَذَلِك قَوْله {عَذَاب يَوْم الظلة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ: ذكر لنا أَنه سلط الله عَلَيْهِم الْحر سَبْعَة أَيَّام لَا يظلهم ظلّ وَلَا يَنْفَعهُمْ مِنْهُ شَيْء فَبعث الله عَلَيْهِم سَحَابَة فَلَحقُوا إِلَيْهَا يَلْتَمِسُونَ الرّوح فِي ظلها
فَجَعلهَا الله عَلَيْهِم عذَابا فَأَحْرَقَتْهُمْ
بعثت عَلَيْهِم نَارا فاضطرمت فاكلتهم
فَذَلِك عَذَاب يَوْم الظلة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ: أَصَابَهُم الْحر حَتَّى أقلقهم من بُيُوتهم فَخَرجُوا وَرفعت لَهُم سَحَابَة فَانْطَلقُوا إِلَيْهَا فَلَمَّا استظلوا بهَا أرْسلت إِلَيْهِم فَلم ينفلت مِنْهُم أحد
وَأخرج الْحَاكِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ ينهاهم عَن قطع الدَّرَاهِم {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا كلهم كشف الله عَنْهُم الظلة وأحمى عَلَيْهِم الشَّمْس فاحترقوا كَمَا يَحْتَرِق الْجَرَاد فِي المقلى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ: ظلل من الْعَذَاب اتاهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من حَدثَك من الْعلمَاء: مَا عَذَاب يَوْم الظلة
فكذبه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من حَدثَك من الْعلمَاء مَا عَذَاب يَوْم الظلة [] قَالَ: أَخذهم حر أقلقهم من بُيُوتهم فانشئت لَهُم سَحَابَة فأتوها فصيح بهم فِيهَا وَالله أعلم

(6/320)


وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)

- قَوْله تَعَالَى: وَإنَّهُ لتنزيلرب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين أولم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَلَو أَنزَلْنَاهُ على بعض الأعجمين فقرأه عَلَيْهِم مَا كَانُوا بِهِ مُؤمنين كَذَلِك سلكناه فِي قُلُوب الْمُجْرمين لَا يُؤمنُونَ بِهِ حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم فيأتيهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ فيقولوا هَل نَحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون ذكرى وَمَا كُنَّا ظالمين وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين وَمَا يَنْبَغِي لَهُم وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون فَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتكون من الْمُعَذَّبين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} قَالَ: الرّوح الْأمين: جِبْرِيل رَأَيْت لَهُ سِتّمائَة جنَاح من لُؤْلُؤ قد نشرها فهم مثل ريش الطواويس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن أَظُنهُ عَن سعد قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأوان الرّوح الْأمين نفث فِي روعي أَنه لن تَمُوت نفس حَتَّى تستكمل رزقها وَإِن أَبْطَأَ عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ من شَيْء يقربكم من الْجنَّة ويبعدكم من النَّار إِلَّا قد أَمرتكُم بِهِ وَإنَّهُ لَيْسَ شَيْء يقربكم من النَّار ويبعدكم من الْجنَّة إِلَّا قد نَهَيْتُكُمْ عَنهُ وَأَن الرّوح الْأمين نفث فِي روعي أَنه لَيْسَ من نفس تَمُوت حَتَّى تستوفي رزقها فَاتَّقُوا الله واجملوا فِي الطّلب وَلَا يحملنكم استبطاء الرزق على أَن تطلبوه بمعاصي الله فَإِنَّهُ لَا ينَال مَا عِنْد الله إِلَّا بِطَاعَتِهِ

(6/321)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} قَالَ: بِلِسَان قُرَيْش
وَلَو كَانَ غير عَرَبِيّ مَا فهموه
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن بُرَيْدَة فِي قلوه {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} قَالَ: بِلِسَان جرهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بُرَيْدَة
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: كَانَ نفر من قُرَيْش من أهل مَكَّة قدمُوا على قوم من يهود من بني قُرَيْظَة لبَعض حوائجهم فوجدوهم يقرأون التَّوْرَاة فَقَالَ القرشيون: مَاذَا نلقى مِمَّن يقْرَأ توراتكم هَذِه لهَؤُلَاء أَشد علينا من مُحَمَّد وَأَصْحَابه
فَقَالَ الْيَهُود: نَحن من أُولَئِكَ بُرَآء
وَأُولَئِكَ يكذبُون على التَّوْرَاة وَمَا أنزل الله فِي الْكتب إِنَّمَا أَرَادوا عرض الدُّنْيَا
فَقَالَ القرشيون: فَإِذا لقيتموهم فسوِّدوا وُجُوههم وَقَالَ المُنَافِقُونَ: وَمَا يُعلمهُ إِلَّا بشر مثله
وَأنزل الله {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفته ونعته وَأمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} يَقُول: فِي الْكتب الَّتِي أنزلهَا على الْأَوَّلين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} قَالَ: كتب الْأَوَّلين {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْيَهُود وَالنَّصَارَى كَانُوا يعلمُونَ أَنهم يَجدونَ مُحَمَّدًا مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل أَنه رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (أَو لم يكن لَهُم آيَة) بِالْيَاءِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} قَالَ: عبد الله بن سَلام وَغَيره من عُلَمَائهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عبد الله بن سَلام من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَكَانَ من خيارهم فَآمن بِكِتَاب مُحَمَّد فَقَالَ لَهُم الله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُبشر بن عبيد الْقرشِي فِي قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة}

(6/322)


يَقُول: أَو لم يكن لَهُم الْقُرْآن آيَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} قَالَ: كَانُوا خَمْسَة
أَسد وَأسيد وَابْن يَامِين وثعلبة وَعبد الله بن سَلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين} قَالَ: يَقُول لَو نزلنَا هَذَا الْقُرْآن على بعض الأعجمين لكَانَتْ الْعَرَب أشر النَّاس فِيهِ
لَا يفهمونه وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين} قَالَ: لَو أنزلهُ الله عجمياً لكانوا أخسر النَّاس بِهِ لأَنهم لَا يعْرفُونَ العجمية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين} قَالَ: الْفرس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {كَذَلِك سلكناه} قَالَ: الشّرك جَعَلْنَاهُ {فِي قُلُوب الْمُجْرمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَهْضَم قَالَ رُؤِيَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ متحير فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: وَلم

رَأَيْت عدوّي يلون أَمر أمتِي من بعدِي
فَنزلت {أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين} {ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون} {مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون} فطابت نَفسه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك
أَنه كَانَ لايدع أَن يَقُول فِي خطبَته كل جُمُعَة: إِنَّمَا أهل الدُّنْيَا فِيهَا على وَجل لم تمض لَهُم نِيَّة وَلم تطمئِن لَهُم دَار حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم على ذَلِك
لَا يَدُوم نعيمها وَلَا تؤمن فجعاتها وَلَا يبْقى فِيهَا شَيْء ثمَّ يَتْلُو {أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين} {ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون} {مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} قَالَ: الرُّسُل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} قَالَ: مَا أهلك

(6/323)


الله من قَرْيَة إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الرُّسُل وَالْحجّة وَالْبَيَان من الله
وَللَّه الْحجَّة على طَلْقَة {ذكرى} قَالَ: تذكرة لَهُم وموعظة وَحجَّة لله {وَمَا كُنَّا ظالمين} يَقُول: مَا كُنَّا لنعذبهم إِلَّا من بعد الْبَيِّنَة وَالْحجّة والعذر
حَتَّى نرسل الرُّسُل وننزل الْكتب وَفِي قَوْله {وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين} يَعْنِي الْقُرْآن {وَمَا يَنْبَغِي لَهُم} أَن ينزلُوا بِهِ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ يَقُول لَا يقدرُونَ على ذَلِك وَلَا يستطيعونه {إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون} قَالَ: عَن سمع السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين} قَالَ: زَعَمُوا أَن الشَّيَاطِين تنزلت بِهِ على مُحَمَّد
فَأخْبرهُم الله أَنَّهَا لَا تقدر على ذَلِك وَلَا تسطيعه وَمَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينزلُوا بِهَذَا وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِم

(6/324)


وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)

- قَوْله تَعَالَى: وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَفِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا وَعم وَخص فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا معشر بني كَعْب بني لؤَي أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا معشر بني قصي أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا معشر بني عبد منَاف أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا بني عبد الْمطلب أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد انقذي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لَك ضراً وَلَا نفعا أَلا إِن لكم رحما وسابلها بِبلَالِهَا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا فَاطِمَة ابْنة مُحَمَّد يَا صَفِيَّة ابْنة عبد الْمطلب يَا بني عبد الْمطلب لَا أملك لكم من الله شَيْئا سلوني من مَالِي مَا شِئْتُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة مُرْسلا
مثلا

(6/324)


وَأخرج مُسَدّد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه والباوردي والطَّحَاوِي وَأَبُو عوَانَة وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن قبيصَة بن مُخَارق وزفير بن عَمْرو قَالَا: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ربوة من جبل فعلا أَعْلَاهَا حجرا ثمَّ قَالَ يَا بني عبد منَاف أَنِّي نَذِير لكم إِنَّمَا مثلي ومثلكم كَمثل رجل رأى الْعَدو فَانْطَلق يُرِيد أَهله فخشي أَن يسبقوه إِلَى أَهله فَجعل يَهْتِف: يَا صَبَاحَاه

يَا صَبَاحَاه

أتيتم
أتيتم
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَرفع صَوته وَقَالَ يَا بني عبد منَاف يَا صَبَاحَاه

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جمع أَهله فَقَالَ يَا بني عبد منَاف أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا بني عبد الْمطلب أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا بني هَاشم أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار
ثمَّ الْتفت إِلَى فَاطِمَة فَقَالَ: يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد انقذي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا غير أَن لكم رحما سابلها بِبلَالِهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربوة من جبل فَنَادَى يَا صَبَاحَاه

فَاجْتمعُوا فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذرهُمْ ثمَّ قَالَ: لَا أملك لكم من الله شَيْئا يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد انقذي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أملك من الله شَيْئا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} صَاح على أبي قبيس يَا آل عبد منَاف إِنِّي نَذِير
فَجَاءَتْهُ قُرَيْش فَحَذَّرَهُمْ

وَأَنْذرهُمْ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر قُريْشًا فَقَالَ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} يَعْنِي: قومِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جعل يَدعُوهُم قبائل قبائل

(6/325)


وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} ورهطك مِنْهُم المخلصين خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صعد على الصَّفَا فَنَادَى يَا صَبَاحَاه

فَقَالُوا من هَذَا الَّذِي يَهْتِف قَالُوا: مُحَمَّد
فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَجعل الرجل إِذا لم يسْتَطع أَن يخرج أرسل رَسُولا لينْظر مَا هُوَ فجَاء أَبُو لَهب وقريش فَقَالَ: أَرَأَيْتكُم لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلاً بالوادي تُرِيدُ أَن تغير عَلَيْكُم أَكُنْتُم مصدقيَّ قَالُوا: نعم
مَا جربنَا عَلَيْك إِلَّا صدقا قَالَ: فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم أَلِهَذَا جمعتنَا فَنزلت {تبت يدا أبي لَهب وَتب} المسد الْآيَة 1 - 2
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَادَى على الصَّفَا بأفخاذ عشيرته
فخذا فخذاً يَدعُوهُم إِلَى الله
فَقَالَ فِي ذَلِك الْمُشْركُونَ: لقد بَات هَذَا الرجل يهوّت مُنْذُ اللَّيْلَة قَالَ: وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: جمع نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَيته قبل مَوته فَقَالَ أَلا إِن لي عَمَلي وَلكم عَمَلكُمْ أَلا إِنِّي لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا أَلا إِن أوليائي مِنْكُم المتقون أَلا لَا أعرفنكم يَوْم الْقِيَامَة تأتون بالدنيا تحملونها على رِقَابكُمْ وَيَأْتِي النَّاس يحملون الْآخِرَة
يَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد اعملا فَإِنِّي لَا أُغني عنكما من الله شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا بني هَاشم وَيَا صَفِيَّة عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا
إيَّاكُمْ أَن يَأْتِي النَّاس يحملون الْآخِرَة وتأتون أَنْتُم تحملون الدُّنْيَا وأنكم تردون عليّ الْحَوْض ذَات الشمَال وَذَات الْيَمين فَيَقُول الْقَائِل مِنْكُم: يَا رَسُول الله أَنا فلَان بن فلَان
فاعرف الْحسب وانكر الْوَصْف فاياكم أَن يَأْتِي أحدكُم يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يحمل على ظَهره فرسا ذَات جمعمة أَبُو بَعِيرًا لَهُ رُغَاء أَو شَاة لَهَا ثُغَاء أَو يحمل قشعاً من أَدَم فيختلجون من دوني وَيُقَال لي: أَنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك
فاطيبوا نفسا وَإِيَّاكُم أَن ترجعوا الْقَهْقَرَى من بعدِي قَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: إِنَّمَا قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا القَوْل حَيْثُ أنزل الله عَلَيْهِ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين}

(6/326)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي امامة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني هَاشم فاجلسهم على الْبَاب وَجمع نِسَاءَهُ وَأَهله فأجلسهم فِي الْبَيْت ثمَّ اطلع عَلَيْهِم فَقَالَ يَا بني هَاشم اشْتَروا أَنفسكُم من النَّار واسعوا فِي فكاك رِقَابكُمْ أَو افتكوها بِأَنْفُسِكُمْ من الله فَإِنِّي لَا أملك لكم من الله شَيْئا ثمَّ أقبل على أهل بَيته فَقَالَ: يَا عَائِشَة بنت أبي بكر وَيَا حَفْصَة بنت عمر وَيَا أم سَلمَة وَيَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَيَا أم الزبير عمَّة رَسُول الله اشْتَروا أَنفسكُم من الله واسعوا فِي فكاك رِقَابكُمْ فَإِنِّي لَا أملك لكم من الله شَيْئا وَلَا أُغني فَبَكَتْ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَت: وَهل يكون ذَلِك يَوْم لَا تغني عَنَّا شئياً قَالَ: نعم
فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن
يَقُول الله {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 47 فَعِنْدَ ذَلِك لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا وَلَا أملك لكم من الله شَيْئا وَعند النُّور من شَاءَ الله أتم لَهُ نوره وَمن شَاءَ أكبه فِي الظُّلُمَات يغمه فِيهَا فَلَا أملك لكم من الله شَيْئا وَلَا أُغني عَنْكُم
من الله شَيْئا وَعند الصِّرَاط من شَاءَ الله سلمه وَمن شَاءَ أجَازه وَمن شَاءَ كبكبه فِي النَّار
قَالَت: عَائِشَة قد علمنَا الموازين: هِيَ الكفتان
فَيُوضَع فِي هَذِه الْيُسْرَى فترجح احداهما وتخف الْأُخْرَى وَقد علمنَا النُّور والظلمة فَمَا الصِّرَاط قَالَ: طَرِيق بَين الْجنَّة وَالنَّار يجوز النَّاس عَلَيْهَا وَهُوَ مثل حد الموس وَالْمَلَائِكَة حفافه يَمِينا وَشمَالًا يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يَقُولُونَ: رب سلم سلم {وأفئدتهم هَوَاء} فَمن شَاءَ الله سلمه وَمن شَاءَ كبكبه فِيهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا عليّ إِن الله أَمرنِي أَن أنذر عشيرتي الاقربين فضقت ذرعاً وَعرفت أَنِّي مهما أبادئهم بِهَذَا الامر أرى مِنْهُم مَا أكره
قصمت عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّك إِن لم تفعل مَا تُؤمر بِهِ يعذبك رَبك فَاصْنَعْ لي صَاعا من طَعَام وَاجعَل عَلَيْهِ رجل شَاة

(6/327)


وَاجعَل لنا عسا من لبن ثمَّ اجْمَعْ لي بني عبد الْمطلب حَتَّى أكلمهم وأبلغ مَا أمرت بِهِ فَفعلت مَا أَمرنِي بِهِ ثمَّ دعوتهم لَهُ وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا يزِيدُونَ رجلا أَو ينقصونه فيهم أَعْمَامه أَبُو طَالب وَحَمْزَة وَالْعَبَّاس وَأَبُو لَهب
فَلَمَّا اجتعوا إِلَيْهِ دَعَاني بِالطَّعَامِ الَّذِي صنعت لَهُم فَجئْت بِهِ فَلَمَّا وَضعته تنَاول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضعَة من اللَّحْم فَشَقهَا باسنانه ثمَّ أَلْقَاهَا فِي نواحي الصحفة ثمَّ قَالَ: كلوا بِسم الله
فَأكل الْقَوْم حَتَّى تهلوا عَنهُ مَا ترى إِلَّا آثَار أَصَابِعهم
وَالله إِن كَانَ الرجل الْوَاحِد ليَأْكُل مَا قدمت لجميعهم
ثمَّ قَالَ: اسْقِ الْقَوْم يَا عَليّ فجئتهم بذلك الْعس فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى رووا جَمِيعًا
وَايْم الله إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليشْرب مثله
فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكلمهم بدره أَبُو لَهب إِلَى الْكَلَام فَقَالَ: لقد سحركم صَاحبكُم
فَتفرق الْقَوْم وَلم يكلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ: يَا عَليّ ان هَذَا الرجل قد سبقني إِلَى مَا سَمِعت من القَوْل فَتفرق الْقَوْم قبل أَن أكلمهم فعد لنا بِمثل الَّذِي صنعت بالْأَمْس من الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ اجمعهم لي
فَفعلت ثمَّ جمعتهم ثمَّ دَعَاني بِالطَّعَامِ فقربته فَفعل كَمَا فعل بالْأَمْس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى نَهِلُوا ثمَّ تكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي وَالله مَا أعلم أحدا فِي الْعَرَب جَاءَ قومه بَافضل مِمَّا جِئتُكُمْ بِهِ إِنِّي قد جِئتُكُمْ بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقد أَمرنِي الله ان أدعوكم إِلَيْهِ فايكم يوازرني على أَمْرِي هَذَا فَقلت وَأَنا احدثهم سنا: إِنَّه أَنا
فَقَامَ الْقَوْم يَضْحَكُونَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني عبد الْمطلب وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا مِنْهُم الْعشْرَة يَأْكُلُون المسنة وَيَشْرَبُونَ الْعس وامر عليا بِرَجُل شَاة صنعها لَهُم ثمَّ قربهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ مِنْهَا بضعَة فاكل مِنْهَا ثمَّ تتبع بهَا جَوَانِب الْقَصعَة ثمَّ قَالَ ادْنُوا بِسم الله
فَدَنَا الْقَوْم عشرَة

عشرَة
فَأَكَلُوا حَتَّى صدرُوا ثمَّ دَعَا بِقَعْبٍ من لبن فجرع مِنْهَا جرعة فناولهم فَقَالَ: اشربوا بِسم الله
فَشَرِبُوا حَتَّى رووا عَن آخِرهم فَقطع كَلَامهم رجل فَقَالَ لَهُم: مَا سحركم مثل هَذَا الرجل

(6/328)


فاسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ فَلم يتَكَلَّم
ثمَّ دعاهم من الْغَد على مثل ذَلِك من الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ بدرهم بالْكلَام فَقَالَ: يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي أَنا النذير إِلَيْكُم من الله والبشير قد جِئتُكُمْ بِمَا لم يَجِيء بِهِ أحد
جِئتُكُمْ بالدنيا وَالْآخِرَة فاسلموا تسلموا وَأَطيعُوا تهتدوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ: أَمر الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ينذر قومه وَيبدأ بِأَهْل بَيته وفصيلته قَالَ: {وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق} الانعام الْآيَة 66
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن مرّة أَنه كَانَ يقْرَأ (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين ورهطك مِنْهُم المخلصين)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن عبد الْوَاحِد الدِّمَشْقِي قَالَ: رَأَيْت أَبَا الدَّرْدَاء يحدث النَّاس ويفتيهم
وَولده وَأهل بَيته جُلُوس فِي جَانب الدَّار يتحدثون فَقيل لَهُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاء مَا بَال النَّاس يرغبون فِيمَا عنْدك من الْعلم وَأهل بَيْتك جُلُوس لاهين فَقَالَ: اني سَمِعت نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَن ازهد النَّاس فِي الْأَنْبِيَاء واشدهم عَلَيْهِم
الاقربون وَذَلِكَ فِيمَا أنزل الله {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} إِلَى آخر الْآيَة
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أزهد النَّاس فِي الْعَالم أَهله حَتَّى يفارقهم وَأَنه يشفع فِي أَهله وجيرانه فَإِذا مَاتَ خلا عَنْهُم من مَرَدَة الشَّيَاطِين أَكثر من عدد ربيعَة وَمُضر قد كَانُوا مشتغلين بِهِ فَأَكْثرُوا التَّعَوُّذ بِاللَّه مِنْهُم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن جحادة
أَن كَعْبًا لَقِي أَبَا مُسلم الْخَولَانِيّ فَقَالَ: كَيفَ كرامتك على قَوْمك قَالَ: إِنِّي عَلَيْهِم لكريم
قَالَ: إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة غير مَا تَقول قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ: وجدت فِي التَّوْرَاة أَنه لم يكن حَكِيم فِي قوم إِلَّا كَانَ أزهدهم فِيهِ قومه ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن كَانَ فِي حَبسه شَيْء عيروه بِهِ وَإِن كَانَ عمل بُرْهَة من دهره ذَنبا عيروه بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن كَعْب أَنه قَالَ لأبي مُسلم: كَيفَ تَجِد قَوْمك لَك قَالَ: مكرمين مُطِيعِينَ
قَالَ: مَا صدقتني التَّوْرَاة إِذن مَا كَانَ رجل حَكِيم فِي قوم إِلَّا بغوا عَلَيْهِ وحسدوه

(6/329)


وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)

- قَوْله تَعَالَى: واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ فَإِن عصوك فَقل إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} بَدَأَ بِأَهْل بَيته وفصيلته فشق ذَلِك على الْمُسلمين فَأنْزل الله {واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {واخفض جناحك لمن اتبعك} يَقُول ذَلِك لَهُم وَفِي قَوْله {فَإِن عصوك فَقل إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ: أمره بِهَذَا ثمَّ نسخه فَأمره بجهادهم

(6/330)


الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)

- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: للصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: من فراشك أَو من مجلسك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: أَيْنَمَا كنت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد ابْن جُبَير {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: فِي صَلَاتك {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَمَا كَانَت تقلب الْأَنْبِيَاء قبلك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: قِيَامه وركوعه وَسُجُوده وجلوسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم}

(6/330)


قَالَ: يراك قَائِما وَقَاعِدا وعَلى حالاتك {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: قِيَامه وركوعه وَسُجُوده وجلوسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: يراك قَائِما وَقَاعِدا وعَلى حالاتك {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: فِي الصَّلَاة يراك وَحدك ويراك فِي الْجَمِيع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: فِي الْمُصَلِّين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين} يَقُول: قيامك وركوعك وسجودك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: يراك وَأَنت مَعَ الساجدين تقوم وتقعد مَعَهم
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْفِرْيَابِي والْحميدِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله

(6/331)


{وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى من خَلفه فِي الصَّلَاة كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رأى من خَلفه كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ
وَأخرج مَالك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل ترَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا فو الله مَا يخفى عَليّ خُشُوعكُمْ وَلَا ركوعكم واني لَا راكم من وَرَاء ظَهْري
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: من نَبِي إِلَى نَبِي حَتَّى أخرجت نَبيا
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْفِرْيَابِي والْحميدِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرديوه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الادئل عَن مُجَاهِد {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى من خَلفه فِي الصَّلَاة كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: مَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتقلب فِي أصلاب الْأَنْبِيَاء حَتَّى وَلدته أمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: بأبى أَنْت وَأمي أَيْن كنت وآدَم فِي الْجنَّة فَتَبَسَّمَ حَتَّى بَدَت نواجده ثمَّ قَالَ إِنِّي كنت فِي صلبه وَهَبَطَ إِلَى الأَرْض وَأَنا فِي صلبه وَركبت السَّفِينَة فِي صلب أبي نوح وقذفت فِي النَّار فِي صلب أبي إِبْرَاهِيم وَلم يلتق أبواي قطّ على سفاح لم يزل الله ينقلني من الإِصلاب الطّيبَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة مصفى مهذباً لَا تتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما
قد أَخذ الله بالنبوّة ميثاقي وبالإِسلام هَدَانِي وَبَين فِي التَّوْرَاة والإِنجيل ذكري وَبَين كل شَيْء من صِفَتي فِي شَرق الأَرْض وغربها وَعَلمنِي كِتَابه ورقي بِي فِي سمائه وشق لي من أَسْمَائِهِ فذو الْعَرْش مَحْمُود وَأَنا مُحَمَّد ووعدني أَن يحبوني بالحوض وَأَعْطَانِي الْكَوْثَر
وَأَنا أَو شَافِع وَأول مُشَفع ثمَّ أخرجني فِي خير قُرُون أمتِي وَأمتِي الْحَمَّادُونَ يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر

(6/332)


هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)

- قَوْله تَعَالَى: هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السّمع وَأَكْثَرهم كاذبون
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن وهب قَالَ: كنت عِنْد عبد الله بن الزبير فَقيل لَهُ: إِن الْمُخْتَار يزْعم أَنه يُوحى إِلَيْهِ فَقَالَ ابْن الزبير: صدق ثمَّ تَلا {هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين تنزل على كل أفاك أثيم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {على كل أفاك أثيم} قَالَ: كَذَّاب من النَّاس {يلقون السّمع} قَالَ: مَا سَمعه الشَّيْطَان أَلْقَاهُ {على كل أفاك} كَذَّاب من النَّاس

(6/332)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تنزل على كل أفاك أثيم} قَالَ: الأفاك: الْكذَّاب
وهم الكهنة تسْتَرق الْجِنّ السّمع ثمَّ يأْتونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الإِنس
وَفِي قَوْله {يلقون السّمع وَأَكْثَرهم كاذبون} قَالَ: كَانَت الشَّيَاطِين تصعد إِلَى السَّمَاء فَتسمع ثمَّ تنزل إِلَى الكهنة فتخبرهم فَتحدث الكهنة بِمَا أنزلت بِهِ الشَّيَاطِين من السّمع وتخلط الكهنة كذبا كثيرا فيحدثون بِهِ النَّاس
فَأَما مَا كَانَ من سمع السَّمَاء فَيكون حَقًا وَأما مَا خلطوا بِهِ من الْكَذِب فَيكون كذبا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلَ أنَاس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكُهَّان فَقَالَ إِنَّهُم لَيْسُوا بِشَيْء فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهُم يحدثوننا أَحْيَانًا بالشَّيْء يكون حَقًا
قَالَ: تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق يَخْطفهَا الجني فيقذفها فِي أذن وليه فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكثر من مائَة كذبة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَلَائِكَة تحدث فِي الْعَنَان - والعنان: الْغَمَام - بِالْأَمر فِي الأَرْض
فَيسمع الشَّيْطَان الْكَلِمَة فيقرها فِي أذن الكاهن كَمَا تقر القارورة فيزيدون مَعهَا مائَة كذبة

(6/333)


وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)

- قَوْله تَعَالَى: وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ ألم تَرَ أَنهم فِي كل وَاد يهيمون وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تهاجى رجلَانِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَحدهمَا من الْأَنْصَار
وَالْآخر من قوم آخَرين وَكَانَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا غواة من قومه وهم السُّفَهَاء
فَأنْزل الله {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} الْآيَات
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: تهاجى شاعران فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِئَام من النَّاس
فَأنْزل الله {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ}

(6/333)


وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عُرْوَة قَالَ: لما نزلت {وَالشعرَاء} إِلَى قَوْله {مَا لَا يَفْعَلُونَ} قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة: يَا رَسُول الله قد علم الله أَنِّي مِنْهُم
فَأنْزل الله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى قَوْله {يَنْقَلِبُون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حسن سَالم البراد قَالَ: لما نزلت {وَالشعرَاء} جَاءَ عبد الله بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك وَحسان بن ثَابت وهم يَبْكُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لقد أنزل الله هَذِه الْآيَة وَهُوَ يعلم انا شعراء أهلكنا فَأنْزل الله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاهَا عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم عَن أبي الْحسن مولى بني نَوْفَل
أَن عبد الله بن رَوَاحَة وَحسان بن ثَابت أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نزلت الشُّعَرَاء يَبْكِيَانِ وَهُوَ يقْرَأ {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} حَتَّى بلغ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: أَنْتُم {وَذكروا الله كثيرا} قَالَ: أَنْتُم {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: أَنْتُم {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} قَالَ: الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: هم الْكفَّار
يتبعُون ضلال الْجِنّ والإِنس {فِي كل وَاد يهيمون} فِي كل لَغْو يَخُوضُونَ {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} أَكثر وَلَهُم مكذبون ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُم فَقَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} فِي كَلَامهم {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: ردوا على الْكفَّار الَّذين كانون يَهْجُونَ الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَالشعرَاء} قَالَ: الْمُشْركُونَ مِنْهُم الَّذين كَانُوا يَهْجُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يتبعهُم الْغَاوُونَ} غواة الْجِنّ {فِي كل وَاد يهيمون} فِي كل فن من الْكَلَام يَأْخُذُونَ ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} يَعْنِي حسان بن ثَابت وَعبد الله بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك كَانُوا يَذبُّونَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه هجاء الْمُشْركين

(6/334)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: هم الروَاة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} فنسخ من ذَلِك وَاسْتثنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَعبد الله بن رَوَاحَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قد أنزل فِي الشُّعَرَاء مَا أنزل فَكيف ترى فِيهِ فَقَالَ إِن الْمُؤمن يُجَاهد بِسَيْفِهِ وَلسَانه - وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ - لكَأَنَّمَا بوجههم مثل نضج النبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد قَالَ: بَيْنَمَا نَحن نسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ عرض شَاعِر ينشد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا
وَأخرج الديلمي عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: الشُّعَرَاء الَّذين يموتون فِي الإِسلام يَأْمُرهُم الله أَن يَقُولُوا شعرًا تتغنى بِهِ الْحور الْعين لِأَزْوَاجِهِنَّ فِي الْجنَّة وَالَّذين مَاتُوا فِي الشّرك يدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور فِي النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الشّعْر حِكْمَة قَالَ: وَأَتَاهُ قرظة بن كَعْب وَعبد الله بن رَوَاحَة وَحسان بن ثَابت فَقَالُوا: إِنَّا نقُول الشّعْر وَقد نزلت هَذِه الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقرأوا {وَالشعرَاء} إِلَى قَوْله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: أَنْتُم هم {وَذكروا الله كثيرا} قَالَ: أَنْتُم هم {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: أَنْتُم هم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: كَانَ الشاعران يتقاولان ليَكُون لهَذَا تبع وَلِهَذَا تبع
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: هم عصاة الْجِنّ

(6/335)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: الشَّيَاطِين {ألم تَرَ أَنهم فِي كل وادٍ يهيمون} قَالَ: يمدحون قوما بباطل ويشتمون قوما بباطل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: الشَّيَاطِين {ألم تَرَ أَنهم فِي كل وادٍ يهيمون} قَالَ: فِي كل فن يفتنون {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: عبد الله بن رَوَاحَة وَأَصْحَابه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: هَذِه ثنية الله من الشُّعَرَاء وَمن غَيرهم {وَذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رَهْط من الْأَنْصَار هاجوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم كَعْب بن مَالك وَعبد الله بن رَوَاحَة وَحسان بن ثَابت {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا} من الشُّعَرَاء وَغَيرهم {أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة
وَفِي شعراء الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحسان بن ثَابت اهج الْمُشْركين فَإِن جِبْرِيل مَعَك
وَأخرج ابْن سعد عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قيل يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب يهجوك فَقَامَ ابْن رَوَاحَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ قَالَ: أَنْت الَّذِي تَقول ثَبت الله قَالَ: نعم
يَا رَسُول الله قلت: ثَبت الله مَا أَعْطَاك من حسن تثبيت مُوسَى ونصراً مثل مَا نصرا قَالَ: وَأَنت يفعل الله بك مثل ذَلِك ثمَّ وثب كَعْب فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تَقول هَمت قَالَ: نعم يَا رَسُول الله قلت: هَمت سخينة أَن تغالب رَبهَا فليغلبن مغالب الغلاب قَالَ: أما إِن الله لم ينس لَك ذَلِك ثمَّ قَامَ حسان الحسام فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ وَأخرج لِسَانا لَهُ اسود فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى

(6/336)


أبي بكر فليحدثك الْقَوْم وأيامهم وأحسابهم واهجهم وَجِبْرِيل مَعَك
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن بُرَيْدَة
أَن جِبْرِيل أعَان حسان بن ثَابت على مدحته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسبعين بَيْتا
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: مر عمر بِحسان وَهُوَ ينشد فِي الْمَسْجِد فلحظ إِلَيْهِ
فَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: قد كنت أنْشد فِيهِ وَفِيه من هُوَ خير مِنْك
فَسكت
ثمَّ الْتفت حسان إِلَى أبي هُرَيْرَة فَقَالَ: أنْشدك بِاللَّه هَل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أجب عني اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وهم فِي سفر أَيْن حسان بن ثَابت فَقَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك قَالَ: أحد
فَجعل ينشده ويصغي إِلَيْهِ حَتَّى فرغ من نشيده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهَذَا أَشد عَلَيْهِم من وَقع النَّبِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن رَوَاحَة مَا الشّعْر قَالَ: شَيْء يختلج فِي صدر الرجل فيخرجه على لِسَانه شعرًا
وَأخرج ابْن سعد عَن مدرك بن عمَارَة قَالَ: قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ تَقول الشّعْر إِذا أردْت أَن تَقول - كَأَنَّهُ يتعجب لذاك - قلت: انْظُر فِي ذَاك ثمَّ أَقُول
قَالَ: فَعَلَيْك بالمشركين
وَأخرج ابْن سعد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يحمي أَعْرَاض الْمُسلمين فَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة: أَنا
وَقَالَ كَعْب بن مَالك: أَنا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك تحسن الشّعْر
وَقَالَ حسان بن ثَابت: أَنا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهجهم فَإِن روح الْقُدس سيعينك
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا نصر الْقَوْم بسلاحهم أنفسهم فألسنتهم أَحَق
فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنا
قَالَ: لست هُنَاكَ
فَجَلَسَ فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنا
فَقَالَ بِيَدِهِ معنى اجْلِسْ
فَقَامَ حسان فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا يسرني بِهِ مقولاً بَين صنعاء وَبصرى وَإنَّك مَا سببت قوما قطّ بِشَيْء هُوَ أَشد عَلَيْهِم من شَيْء يعرفونه فَمر بِي إِلَى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حَتَّى أَضَع لساني فَأمر بِهِ إِلَى أبي بكر

(6/337)


وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هجا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ثَلَاثَة من كفار قُرَيْش
أَبُو سُفْيَان بن الْحَرْث وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَابْن الزبعري قَالَ قَائِل: لعَلي أهج عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين قد هجونا فَقَالَ عَليّ: إِن أذن لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلت
فَقَالَ: الرجل: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لعَلي كَيْمَا يهجو عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين هجونا فَقَالَ: لَيْسَ هُنَاكَ
ثمَّ قَالَ للْأَنْصَار: مَا يمْنَع الْقَوْم الَّذين قد نصروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسلاحهم وأنفسهم أَن ينصروه بألسنتهم فَقَالَ حسان بن ثَابت: أَنا لَهَا يَا رَسُول الله وَأخذ بِطرف لِسَانه فَقَالَ: وَالله مَا يسرني بهم مقولاً بَين بصرى وَصَنْعَاء فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَكَيف تهجوهم وَأَنا مِنْهُم فَقَالَ: إِنِّي أسُلّكَ مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين فَكَانَ يهجوهم ثَلَاثَة من الْأَنْصَار يجيبونهم
حسان بن ثَابت وَكَعب بن مَالك وَعبد الله بن رَوَاحَة
فَكَانَ حسان وَكَعب يعارضانهم بِمثل قَوْلهم بالوقائع وَالْأَيَّام والمآثر ويعيرونهم بالمناقب وَكَانَ ابْن رَوَاحَة يعيرهم بالْكفْر وينسبهم إِلَى الْكفْر وَيعلم أَنه لَيْسَ فيهم شَيْء شرا من الْكفْر
وَكَانُوا فِي ذَلِك الزَّمَان أَشد القَوْل عَلَيْهِم قَول حسان وَكَعب وأهون القَوْل عَلَيْهِم قَول ابْن رَوَاحَة فَلَمَّا أَسْلمُوا وفقهوا الإِسلام كَانَ أَشد القَوْل عَلَيْهِم قَول ابْن رَوَاحَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الشّعْر حكما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِن من الشّعْر حكما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من الشّعْر حكما وَإِن من الْبَيَان سحرًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فضَالة ابْن عُبَيْدَة فِي قَوْله {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يخربون الْبَيْت
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة بن سهل حنيف قَالَ: سَمِعت رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أتركوا الْحَبَشَة مَا تركوكم فَإِنَّهُ لَا يسْتَخْرج كنز الْكَعْبَة إِلَّا ذُو السويقتين من الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُبَايع رجل بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَلنْ يسْتَحل هَذَا الْبَيْت إِلَّا أَهله فَإِذا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا تسْأَل عَن هلكة الْعَرَب ثمَّ تَجِيء الْحَبَشَة فتخربه خراباً لَا يعمر بعده أبدا وهم الَّذين يستخرجون كنزه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اتْرُكُوا الْحَبَشَة مَا تركوكم فَإِنَّهُ لَا يسْتَخْرج كنز الْكَعْبَة إِلَّا ذُو السويقتين من الْحَبَشَة

(6/338)


وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من آخر أَمر الْكَعْبَة أَن الْحَبَشَة يغزون الْبَيْت فَيتَوَجَّه الْمُسلمُونَ نحوهم فيبعث الله عَلَيْهِم ريحًا شرقية فَلَا تدع لله عبدا فِي قلبه مِثْقَال ذرة من تقى إِلَّا قَبضته حَتَّى إِذا فرغوا من خيارهم بَقِي عجاج من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ ابْن أبي طَالب قَالَ كَأَنِّي أنظر إِلَى رجل من الْحَبَش
أصلع أجمع حمش السَّاقَيْن جَالس عَلَيْهَا وَهُوَ يَهْدِمهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: كَأَنِّي بِهِ
أصيلع أفيدع قَائِم عَلَيْهَا يَهْدِمهَا بمسحاته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: كتب أبي فِي وَصيته سطرين بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا أوصى بِهِ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا حِين يُؤمن الْكَافِر وَيَتَّقِي الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب
إِنِّي اسْتخْلفت عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب فَإِن يعدل فَذَلِك ظَنِّي بِهِ ورجائي فِيهِ وَإِن يجر ويبدل فَلَا أعلم الْغَيْب {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن رَبَاح قَالَ: كَانَ صَفْوَان بن مجرز إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة بَكَى {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}

(6/339)