الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة النَّمْل
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَتسْعُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة النَّمْل أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أنزلت سُورَة النَّمْل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
مثله
(6/340)
طس تِلْكَ آيَاتُ
الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
(3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا
لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
- طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن وَكتاب مُبين
هدى وبشرا للْمُؤْمِنين الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة
وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم بِالآخِرَة هم يوقنون إِن الَّذين
لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة زينا لَهُم أَعْمَالهم فهم يعمهون
أُولَئِكَ الَّذين لَهُم سوء الْعَذَاب وهم فِي الْآخِرَة هم
الأخسرون وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن من لدن حَكِيم عليم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {طس} قَالَ:
هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {طس} قَالَ: هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {طس} قَالَ: هُوَ اسْم من أَسمَاء
الْقُرْآن
وَفِي قَوْله {إِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ:
لَا يُقِرّون بهَا وَلَا يُؤمنُونَ بهَا {فهم يعمهون} قَالَ:
فِي صلَاتهم وَفِي قَوْله {وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن} يَقُول:
تَأْخُذ الْقُرْآن من عِنْد {حَكِيم عليم}
(6/340)
إِذْ قَالَ مُوسَى
لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ
أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ مُوسَى
لأَهله إِنِّي آنست نَارا سآتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو آتيكم
بشهاب قبس لَعَلَّكُمْ تصطلون
(6/340)
أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله
عزَّ وجلَّ {بشهاب قبس} قَالَ: شعلة من نَار يقتبسون مِنْهُ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول طرفَة: هم عراني فَبت أدفعه دون سهادي كشعلة
القبس
(6/341)
فَلَمَّا جَاءَهَا
نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا
وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى
إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
- قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا جاءها نُودي
أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا وَسُبْحَان الله رب
الْعَالمين يَا مُوسَى إِنَّه أَنا الله الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَمَّا جاءها نُودي أَن بورك من فِي
النَّار} يَعْنِي تبَارك وَتَعَالَى نَفسه
كَانَ نور رب الْعَالمين فِي الشَّجَرَة {وَمن حولهَا} يَعْنِي
الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد
بن جُبَير وَابْن مرْدَوَيْه عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس {نُودي
أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا} يَقُول: بروكت بالنَّار
ناداه الله وَهُوَ فِي النُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ:
كَانَت تِلْكَ النَّار نورا {أَن بورك من فِي النَّار وَمن}
حول النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس {أَن بورك من فِي النَّار} قَالَ: بوركت النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة قَالَ: فِي مصحف أبي بن كَعْب (بوركت النَّار وَمن
حولهَا) أما النَّار فيزعمون أَنَّهَا نور رب الْعَالمين {وَمن
حولهَا} الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ (أَن
بوركت النَّار)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي الْآيَة
قَالَ: النَّار: نور الرَّحْمَن {وَمن حولهَا} مُوسَى
وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {بورك} قَالَ:
قدس
(6/341)
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن ماجة
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات من طَرِيق أبي عُبَيْدَة عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي
لَهُ أَن ينَام يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ
يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل
اللَّيْل
حجابه النُّور لَو رفع الْحجاب لَا حرقت سبحات وَجهه كل شَيْء
أدْركهُ بَصَره ثمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَة {أَن بورك من فِي
النَّار وَمن حولهَا وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين}
(6/342)
وَأَلْقِ عَصَاكَ
فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا
وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ
لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ
حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ
غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا
جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
- قَوْله تَعَالَى: وألق عصاك فَلَمَّا
رَآهَا تهتز كَأَنَّهَا جَان ولى مُدبرا وَلم يعقب يَا مُوسَى
لَا تخف إِنِّي لَا يخَاف لديَّ المُرْسَلُونَ إِلَّا من ظلم
ثمَّ بدل حسنا بعد سوء فَإِنِّي غَفُور رَحِيم وَأدْخل يدك فِي
جيبك تخرج بَيْضَاء من غير سوء فِي تسع آيَات إِلَى فِرْعَوْن
وَقَومه إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين فَلَمَّا جَاءَتْهُم
آيَاتنَا مبصرة قَالُوا هَذَا سحر مُبين وجحدوا بهَا
واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة
المفسدين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{فَلَمَّا رَآهَا تهتز كَأَنَّهَا جَان} قَالَ: حِين تحوّلت
حَيَّة تسْعَى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {وَلم يعقب يَا مُوسَى} قَالَ: لم يرجع وَفِي قَوْله
{إِلَّا من ظلم ثمَّ بدل حسنا بعد سوء} قَالَ: ثمَّ تَابَ من
بعد ظلمه واساءته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ولى
مُدبرا} قَالَ: فَارًّا {وَلم يعقب} قَالَ: لم يلْتَفت
وَفِي قَوْله {لَا يخَاف لدي} قَالَ: عِنْدِي وَفِي قَوْله
{إِلَّا من ظلم} قَالَ: إِن الله لم يجز ظَالِما
ثمَّ عَاد الله بعائدته وبرحمته فَقَالَ {ثمَّ بدل حسنا بعد
سوء} أَي فَعمل عملا صَالحا بعد عمل سيء عمله {فَإِنِّي غَفُور
رَحِيم}
(6/342)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون قَالَ:
إِن الله قَالَ لمُوسَى {إِنِّي لَا يخَاف لديَّ المُرْسَلُونَ
إِلَّا من ظلم} وَلَيْسَ للظالم عِنْدِي أَمَان حَتَّى يَتُوب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن زيد بن أسلم أَنه قَرَأَ {إِلَّا
من ظلم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت على
مُوسَى جُبَّة لَا تبلغ مرفقيه فَقَالَ لَهُ {وَأدْخل يدك فِي
جيبك} فادخلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مقسم قَالَ:
إِنَّمَا قيل {وَأدْخل يدك فِي جيبك} لِأَنَّهُ لم يكن لَهَا
كم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ:
كَانَت عَلَيْهِ مدرعة إِلَى بعض يَده
وَلَو كَانَ لَهَا كم أمره أَن يدْخل يَده فِي كمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَأدْخل يدك
فِي جيبك} قَالَ: جيب الْقَمِيص
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {وَأدْخل يدك فِي جيبك} قَالَ: فِي جيب قَمِيصك {تخرج
بَيْضَاء من غير سوء} قَالَ: من غير برص {فِي تسع آيَات}
قَالَ: يَقُول هَاتَانِ الْآيَتَانِ: يَد مُوسَى وَعَصَاهُ
والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين فِي
بواديهم ومواشيهم وَنقص من الثمرات فِي أمصارهم
وَفِي قَوْله {فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة} قَالَ:
بَيِّنَة {وجحدوا بهَا} قَالَ: كذبت الْقَوْم بآيَات الله
بَعْدَمَا استيقنتها أنفسهم أَنَّهَا حق
والجحود لَا يكون إِلَّا من بعد الْمعرفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ظلما
وعلواً} قَالَ: تَعَظُّمًا واستكباراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {واستيقنتها
أنفسهم ظلما وعلواً} قَالَ: تكبروا وَقد استيقنتها أنفسهم
وَهَذَا من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ / ظلما وعلياً
/ وَقَرَأَ عَاصِم {وعلواً} بِرَفْع الْعين وَاللَّام
(6/343)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ (15)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا
دَاوُد وَسليمَان علما وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على
كثير من عباده الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ دَاوُد أعطي
ثَلَاثًا: سخرت لَهُ الْجبَال يسبحْنَ مَعَه وأُلِينَ لَهُ
الْحَدِيد وَعلم منطق الطير
وَأعْطِي سُلَيْمَان: منطق الطير وسخرت لَهُ الْجِنّ وَكَانَ
ذَلِك مِمَّا ورث عَنهُ
وَلم تسخر لَهُ الْجبَال وَلم يلن لَهُ الْحَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كتب:
إِن الله لم ينعم على عبد نعْمَة فَحَمدَ الله عَلَيْهَا
إِلَّا كَانَ حَمده أفضل من نعْمَته
إِن كنت لَا تعرف
ذَلِك فِي كتاب الله الْمنزل قَالَ الله عز وَجل {وَلَقَد
آتَيْنَا دَاوُد وَسليمَان علما وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي
فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ} وَأي نعْمَة أفضل
مِمَّا أُوتِيَ دَاوُد وَسليمَان
(6/344)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ
دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ
الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
- قَوْله تَعَالَى: وَورث سُلَيْمَان
دَاوُد وَقَالَ ياأيها النَّاس علمنَا منطق الطير وأوتينا من
كل شَيْء إِن هَذَا لَهو الْفضل الْمُبين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} قَالَ: وَرثهُ
نبوته وَملكه وَعلمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: النَّاس
عندنَا: أهل الْعلم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {علمنَا منطق الطير}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: كنت
عِنْد عمر بن الْخطاب فَدخل علينا كَعْب الحبر فَقَالَ: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا أخْبرك بأغرب شَيْء قَرَأت فِي كتب
الْأَنْبِيَاء: إِن هَامة جَاءَت إِلَى سُلَيْمَان فَقَالَت:
السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله فَقَالَ: وَعَلَيْك
السَّلَام يَا هام أَخْبرنِي كَيفَ لَا تأكلين الزَّرْع
فَقَالَت: يَا نَبِي الله لِأَن آدم عصى ربه فِي سَببه لذَلِك
لَا آكله قَالَ: فَكيف لَا تشربين المَاء قَالَت: يَا
(6/344)
نَبِي الله لِأَن أغرق بِالْمَاءِ قوم نوح
من أجل ذَلِك تركت شربه قَالَ: فَكيف تركت الْعمرَان وأسكنت
الخراب قَالَت: لِأَن الخراب مِيرَاث الله وَأَنا أسكن فِي
مِيرَاث الله وَقد ذكر الله ذَلِك فِي كِتَابه فَقَالَ {وَكم
أهلكنا من قَرْيَة بطرت معيشتها} الْقَصَص الْآيَة 58 إِلَى
قَوْله {وَكُنَّا نَحن الْوَارِثين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم
عَن أبي الصّديق النَّاجِي قَالَ: خرج سُلَيْمَان بن دَاوُد
يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ فَمر بنملة مستلقية على قفاها رَافِعَة
قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ إِنَّا
خلق من خلقك لَيْسَ بِنَا غنى عَن رزقك فاما أَن تسقينا
وَإِمَّا أَن تُهْلِكنَا فَقَالَ سُلَيْمَان للنَّاس: ارْجعُوا
فقد سقيتم بدعوة غَيْركُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ
دَاوُد يقْضِي بَين الْبَهَائِم يَوْمًا وَبَين النَّاس
يَوْمًا فَجَاءَت بقرة فَوضعت قرنها فِي حَلقَة الْبَاب ثمَّ
تنغمت كَمَا تنغم الوالدة على وَلَدهَا وَقَالَت: كنت شَابة
كَانُوا ينتجوني ويستعملوني ثمَّ إِنِّي كَبرت فأرادوا أَن
يذبحوني فَقَالَ دَاوُد: أَحْسنُوا إِلَيْهَا وَلَا تذبحوها
ثمَّ قَرَأَ {علمنَا منطق الطير وأوتينا من كل شَيْء}
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد
قَالَ: أعطي سُلَيْمَان ملك مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا
فَملك سُلَيْمَان سَبْعمِائة سنة وَسِتَّة أشهر
ملك أهل الدُّنْيَا كلهم من الْجِنّ والإِنس وَالدَّوَاب
وَالطير وَالسِّبَاع وَأعْطِي كل شَيْء ومنطق كل شَيْء وَفِي
زَمَانه صنعت الصَّنَائِع المعجبة
حَتَّى إِذا أَرَادَ الله أَن يقبضهُ إِلَيْهِ أوحى إِلَيْهِ:
أَن استودع علم الله وحكمته أَخَاهُ
وَولد دَاوُد كَانُوا أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ رجلا
أَنْبيَاء بِلَا رِسَالَة
قَالَ الذَّهَبِيّ: هَذَا بَاطِل
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: بلغنَا أَن
سُلَيْمَان كَانَ عسكره مائَة فَرسَخ: خَمْسَة وَعِشْرُونَ
مِنْهَا للإنس وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للجن وَخَمْسَة
وَعِشْرُونَ للوحش وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للطير وَكَانَ لَهُ
ألف بَيت من قَوَارِير على الْخشب
فِيهَا ثلثمِائة صَرِيحَة وَسَبْعمائة سَرِيَّة وَأمر الرّيح
العاصف فَرَفَعته فَأمر الرّيح فسارت بِهِ
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي زدتك فِي ملكك أَن لَا يتَكَلَّم
أحد بِشَيْء إِلَّا جَاءَت الرّيح فأخبرتك
(6/345)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد
الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: مر
سُلَيْمَان بن دَاوُد وَهُوَ فِي ملكه قد حَملته الرّيح على
رجل حراث من بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا رَآهُ قَالَ - سُبْحَانَ
الله - لقد أُوتِيَ آل دَاوُد ملكا
فحملتها الرّيح فَوَضَعتهَا فِي أُذُنه فَقَالَ: ائْتُونِي
بِالرجلِ فَأتي بِهِ فَقَالَ: مَاذَا قلت فَأخْبرهُ فَقَالَ
سُلَيْمَان: إِنِّي خشيت عَلَيْك الْفِتْنَة
لثواب سُبْحَانَ الله عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة أعظم
مِمَّا أُوتِيَ آل دَاوُد فَقَالَ الحراث: أذهب الله همك كَمَا
أذهبت همي قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَان رجلا أَبيض جسيماً أشقر
غزاء لَا يسمع بِملك إِلَّا أَتَاهُ فقاتله فدوخه يَأْمر
الشَّيَاطِين فيجعلون لَهُ دَارا من قَوَارِير فَيحمل مَا
يُرِيد من آلَة الْحَرْب فِيهَا ثمَّ يَأْمر العاصف فتحمله من
الأَرْض ثمَّ يَأْمر الرخَاء فتقدمه حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن كثير قَالَ: قَالَ
سُلَيْمَان بن دَاوُد لبني إِسْرَائِيل: أَلا أريكم بعض ملكي
الْيَوْم قَالُوا: بلَى يَا نبيى الله قَالَ: يَا ريح ارفعينا
فرفعتهم الرّيح فجعلتهم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ قَالَ:
يَا طير أظلينا
فأظلتهم الطير بأجنحتها لَا يرَوْنَ الشَّمْس
قَالَ: يَا بني إِسْرَائِيل أَي ملك ترَوْنَ قَالُوا: نرى ملكا
عَظِيما قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك
لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير
خير من ملكي هَذَا وَمن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
يَا بني إِسْرَائِيل من خشِي الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَقصد فِي الْغنى والفقر وَعدل فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَذكر
الله على كل حَال فقد أعطي مثل مَا أَعْطَيْت
(6/346)
وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
- قَوْله تَعَالَى: وَحشر لِسُلَيْمَان
جُنُوده من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فهم يُوزعُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
كَانَ يوضع لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ثلثمِائة ألف
كرْسِي فيجلس مؤمنوا الانس مِمَّا يَلِيهِ ومؤمنوا الْجِنّ من
ورائهم ثمَّ يَأْمر الطير فتظله ثمَّ يَأْمر الرّيح فتحمله
فيمرون على السنبلة فَلَا يحركونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يدْفَعُونَ
(6/346)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: جعل على كل صنف مِنْهُم وزعة
ترد أولاها على أخراها لِئَلَّا يتقدموا فِي الْمسير كَمَا
تصنع الْمُلُوك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فهم يُوزعُونَ}
قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم حَتَّى تنام الطير
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أَو مَا سَمِعت قَول الشَّاعِر: وزعت رعيلها باقب نهد إِذا مَا
الْقَوْم شدوا بعد خمس وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
وَأبي رزين فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ
على آخِرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يرد أَوَّلهمْ على آخِرهم
(6/347)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا
عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ (19)
- قَوْله تَعَالَى: حَتَّى إِذا أَتَوا على
وادِ النَّمْل قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْل أدخلُوا
مَسَاكِنكُمْ لَا يحطمنكم سُلَيْمَان وَجُنُوده وهم لَا
يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا من قَوْلهَا وَقَالَ رب
أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى
وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه وأدخلني بِرَحْمَتك فِي
عِبَادك الصَّالِحين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حَتَّى إِذا
أَتَوا على وَادي النَّمْل} قَالَ: ذكر لنا أَنه وَاد بِأَرْض
الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: النملة الَّتِي
فقه سُلَيْمَان كَلَامهَا كَانَت من الطير ذَات جناحين
وَلَوْلَا ذَلِك لم يعرف سُلَيْمَان مَا تَقول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: النَّمْل من الطير
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي شيبَة وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نوف قَالَ: كَانَ النَّمْل
فِي زمن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَمْثَال الذُّبَاب
وَفِي لفظ مثل الذُّبَاب
(6/347)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم قَالَ: كَانَ
النَّمْل فِي زمَان سُلَيْمَان أَمْثَال الذُّبَاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن وهب ابْن مُنَبّه قَالَ: أَمر الله
الرّيح قَالَ لَا يتَكَلَّم أحد من الْخَلَائق بِشَيْء فِي
الأَرْض بَينهم إِلَّا حَملته فَوَضَعته فِي أذن سُلَيْمَان
فبذلك سمع كَلَام النملة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن
التبسم فِي الصَّلَاة فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {فَتَبَسَّمَ
ضَاحِكا من قَوْلهَا} وَقَالَ: لَا أعلم التبسم إِلَّا ضحكاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {أوزعني} قَالَ: ألهمني
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأدخلني بِرَحْمَتك فِي
عِبَادك الصَّالِحين} قَالَ: مَعَ الْأَنْبِيَاء
وَالْمُؤمنِينَ
(6/348)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ
فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ
الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ
لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ
بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي
وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا
يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ
الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ
سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا
أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
(29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ
وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
- قَوْله تَعَالَى: وتفقد الطير فَقَالَ
مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين لأعذبنه عذَابا
شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين فَمَكثَ غير
بعيد فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين
إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش
عَظِيم وَجدتهَا وقومها يَسْجُدُونَ للشمس من دون الله وزين
لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل فهم لَا
يَهْتَدُونَ أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي
السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون الله
لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم قَالَ سننظر
أصدقت أم كنت من الْكَاذِبين اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه
إِلَيْهِم ثمَّ تولى عَنْهُم فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ قَالَت
يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم إِنَّه من
سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا
تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا انه سُئِلَ كَيفَ تفقد سليما الهدهد
(6/348)
من بَين الطير قَالَ: إِن سُلَيْمَان نزل
منزلا فَلم يدر مَا بعد المَاء وَكَانَ الهدهد يدل سُلَيْمَان
على المَاء فَأَرَادَ أَن يسْأَله عَنهُ فَفَقدهُ
وَقيل كَيفَ ذَاك والهدهد ينصب لَهُ الفخ يلقِي عَلَيْهِ
التُّرَاب وَيَضَع لَهُ الصَّبِي الحبالة فيغيبها فيصيده
فَقَالَ: إِذا جَاءَ الْقَضَاء ذهب الْبَصَر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن يُوسُف بن
مَاهك أَنه حدث: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق صَاحب الازارقة
كَانَ يَأْتِي عبد الله بن عَبَّاس
فَإِذا أفتى ابْن عَبَّاس
يرى هُوَ أَنه لَيْسَ بِمُسْتَقِيم فَيَقُول: قف من أَيْن
افتيت بِكَذَا وَكَذَا وَمن أَيْن كَانَ فَيَقُول ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا: أومات من كَذَا وَكَذَا
حَتَّى ذكر يَوْمًا الهدهد فَقَالَ: يعرف بعد مَسَافَة المَاء
فِي الأَرْض فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَزْرَق: قف قف
يَا ابْن الْعَبَّاس
كَيفَ تزْعم أَن الهدهد يرى مَسَافَة المَاء من تَحت الأَرْض
وَهُوَ ينصب لَهُ الفخ فيذر عَلَيْهِ التُّرَاب فيصطاد فَقَالَ
ابْن عَبَّاس: لَوْلَا أَن يذهب هَذَا فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا
لم أقل لَهُ شَيْئا
إِن الْبَصَر ينفع مَا لم يَأْتِ الْقدر فَإِذا جَاءَ الْقدر
حَال دون الْبَصَر
فَقَالَ ابْن الْأَزْرَق: لَا أجادلك بعْدهَا فِي شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان إِذا أَرَادَ أَن ينزل منزلا دَعَا
الهدهد ليخبره عَن المَاء
فَكَانَ إِذا قَالَ: هَهُنَا شققت الشَّيَاطِين الصخور فجرت
الْعُيُون من قبل أَن يضْربُوا أبنيتهم فَأَرَادَ أَن ينزل
منزلا فتفقد الطير فَلم يره فَقَالَ {مَا لي لَا أرى الهدهد أم
كَانَ من الغائبين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن سُلَيْمَان أَرَادَ أَن
يَأْخُذ مفازة فَدَعَا بالهدهد وَكَانَ سيد الهداهد ليعلم
مَسَافَة المَاء
وَكَانَ قد اعطي من الْبَصَر بذلك شَيْئا لم يُعْطِيهِ شَيْء
من الطير
لقد ذكر لنا: أَنه كَانَ يبصر المَاء فِي الأَرْض كَمَا يبصر
أحدكُم الخيال من وَرَاء الزجاجة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
اسْم هدهد سُلَيْمَان: عنبر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} قَالَ: نتف ريشه
(6/349)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَعبد بن
حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا}
قَالَ: نتف ريشه كُله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نتف ريشة وإلقاؤه للنمل فِي
الشَّمْس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن رُومَان قَالَ:
إِن عَذَابه الَّذِي كَانَ يعذب بِهِ الطير: نتف ريش جنَاحه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} قَالَ:
خبر الْحق الصدْق الْبَين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} قَالَ:
بِعُذْر بَين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ
ابْن عَبَّاس: كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن حجَّة وَنزع الْآيَة
الَّتِي فِي سُورَة سُلَيْمَان {أَو ليأتيني بسُلْطَان} قَالَ:
وَأي سُلْطَان كَانَ للهدهد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: إِنَّمَا دفع الله
عَن الهدهد ببره والدته
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّمَا صرف الله عَذَاب سُلَيْمَان عَن
الهدهد لِأَنَّهُ كَانَ باراً بِوَالِديهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أحطت
بِمَا لم تحط بِهِ} قَالَ: اطَّلَعت على مَا لم تطلع عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين} قَالَ: خبر حق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وجئتك من سبإ} قَالَ: سبأ بِأَرْض الْيمن
يُقَال لَهَا: مأرب
بَينهَا وَبَين صنعاء مسيرَة ثَلَاث لَيَال {بنبإ يَقِين}
قَالَ: بِخَبَر حق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ: يَقُولُونَ
إِن مأرب مَدِينَة بلقيس
لم يكن بَينهَا وَبَين بَيت الْمُقَدّس الا ميل فَلَمَّا غضب
الله عَلَيْهَا بعْدهَا
وَهِي الْيَوْم
(6/350)
بِالْيمن وَهِي الَّتِي ذكر الله الْقُرْآن
{لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم} سبأ الْآيَة 15
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: بعث إِلَى سبأ
اثْنَا عشر نَبيا مِنْهُم: تبع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {من سبإ بنبإ
يَقِين} قَالَ: بجعله أَرضًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة أَنه قَرَأَ {من سبإ
بنبإ} قَالَ: يَجعله رجلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم} قَالَ: كَانَ اسْمهَا
بلقيس بنت أبي شبرة وَكَانَت هلباء شعراء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِنِّي وجدت
امْرَأَة تملكهم} قَالَ: هِيَ بلقيس بنت شرَاحِيل ملكة سبأ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة قَالَ: بَلغنِي إِنَّهَا امْرَأَة تسمى بلقيس بنت
شرَاحِيل أحد أبوايها من الْجِنّ
مُؤخر إِحْدَى قدميها مثل حافر الدَّابَّة
وَكَانَت فِي بَيت مملكة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: هِيَ
بلقيس بنت شرَاحِيل بن مَالك بن رَيَّان وَأمّهَا فارعة الجنية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: بلقيس بنت أبي
شرح وَأمّهَا بلقته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: كَانَت ملكة سبأ
اسْمهَا ليلى وسبأ مَدِينَة بِالْيمن وبلقيس حميرية
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن
مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى أَبَوي بلقيس
كَانَ جنياً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن ملك سبأ كَانَت
امْرَأَة بِالْيمن
كَانَت فِي بَيت مملكة يُقَال لَهَا بلقيس بنت شرَاحِيل
هلك أهل بَيتهَا فملكها قَومهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ:
صَاحِبَة سبأ كَانَت أمهَا
(6/351)
جنية
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عُثْمَان بن حَاضر قَالَ: كَانَت أم بلقيس امْرَأَة من الْجِنّ
يُقَال لَهَا: بلقمة بنت شيصان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن ملكة سبأ
فَقَالَ: إِن أحد أَبَوَيْهَا جني
فَقَالَ: الْجِنّ لَا يتوالدون أَي أَن الْمَرْأَة من الإِنس
لَا تَلد من الْجِنّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لصاحبة
سُلَيْمَان اثْنَا عشر ألف قيل تَحت كل قيل مائَة ألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما قَالَ
{إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم} أنكر سُلَيْمَان أَن يكون لأحد
على الأَرْض سُلْطَان غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَأُوتِيت من
كل شَيْء} قَالَ: من كل شَيْء فِي أرْضهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَأُوتِيت من
كل شَيْء} قَالَ: من أَنْوَاع الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلها عرش عَظِيم} قَالَ: سَرِير كريم من ذهب وقوائمه
من جَوْهَر ولؤلؤ حسن الصَّنْعَة غالي الثّمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله
{وَلها عرش عَظِيم} قَالَ: سَرِير من ذهب وصفحتاه مرمول
بالياقوت والزبرجد طوله ثَمَانُون ذِرَاعا فِي عرض أَرْبَعِينَ
ذِرَاعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان فِي قَوْله
{وَجدتهَا وقومها يَسْجُدُونَ للشمس} قَالَ: كَانَت لَهَا كوّة
فِي بَيتهَا إِذا طلعت الشَّمْس نظرت إِلَيْهَا فسجدت لَهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: يعلم كل خُفْيَة فِي السَّمَاء
وَالْأَرْض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: الْغَيْب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: السِّرّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله
(6/352)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن
الْمسيب فِي قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: المَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة عَن حَكِيم بن جَابر فِي قَوْله {يخرج
الخبء} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة
قَالَ: خبء السَّمَوَات وَالْأَرْض
مَا جعل من الأرزاق والقطر من السَّمَاء والنبات من الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {سننظر أصدقت
أم كنت من الْكَاذِبين} قَالَ: لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اذْهَبْ
بكتابي هَذَا} قَالَ: كتب مَعَه بِكِتَاب فَقَالَ {اذْهَبْ
بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم ثمَّ تول عَنْهُم} يَقُول: كن
قَرِيبا مِنْهُم {فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ} فَانْطَلق
بِالْكتاب حَتَّى إِذا توَسط عرشها ألْقى الْكتاب إِلَيْهَا
فقرأه عَلَيْهَا فَإِذا فِيهِ {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت صَاحِبَة سبأ إِذا رقدت
غلقت الْأَبْوَاب وَأخذت المفاتيح فَوَضَعتهَا تَحت رَأسهَا
فَلَمَّا غلقت الْأَبْوَاب وآوت إِلَى فراشها جاءها الهدهد
حَتَّى دخل من كوّة بَيتهَا فقذف الصَّحِيفَة على بَطنهَا بَين
فخذيها فَأخذت الصَّحِيفَة فقرأتها فَقَالَت {يَا أَيهَا
الْمَلأ إِنِّي ألقِي إليّ كتاب كريم} تَقول: حسن مَا فِيهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {إِنِّي ألقِي إليّ
كتاب كريم} قَالَ: مختوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله
{كتاب كريم} قَالَ: تُرِيدُ مختوم
وَكَذَلِكَ الْمُلُوك تختم كتبهَا
لَا تجيز بَينهَا كتابا إِلَّا بِخَاتم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِنَّه من
سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} قَالَ:
لم يزدْ زَعَمُوا [] على هَذَا الْكتاب على مَا قصّ الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: كتب بِسم
الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
من سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى بلقيس بنت ذِي شرح وقومها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد: أَن
سُلَيْمَان بن دَاوُد كتب إِلَى ملكة سبأ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
من عبد الله سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى بلقيس ملكة سبأ
(6/353)
السَّلَام على من اتبع الْهدى
أما بعد: فَلَا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لم يكن فِي كتاب
سُلَيْمَان إِلَى صَاحِبَة سبأ إِلَّا مَا تقرأون فِي
الْقُرْآن {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم ألاَّ تعلوا عَليّ} يَقُول: لَا تخالفوا
عَليّ {وأتوني مُسلمين} قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَت
الْأَنْبِيَاء تكْتب جميلا
يطْلبُونَ وَلَا يكثرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان بن
مَنْصُور قَالَ: كَانَ يُقَال كَانَ سُلَيْمَان بن دَاوُد أبلغ
النَّاس فِي كتاب وَأقله كلَاما
ثمَّ قَرَأَ {إِنَّه من سُلَيْمَان}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي
حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة
يَكْتُبُونَ بِاسْمِك اللَّهُمَّ
فَكتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا كتب: بِاسْمِك
اللَّهُمَّ
حَتَّى نزلت {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} فَكتب {بِسم
الله} ثمَّ نزلت {ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} الرَّحْمَن
الْآيَة 110 فَكتب {بِسم الله الرَّحْمَن} ثمَّ أنزلت الْآيَة
الَّتِي فِي {طس} {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَكتب {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن الْحَرْث العكلي قَالَ:
قَالَ لي الشّعبِيّ: كَيفَ كَانَ كتاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم قلت: بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَقَالَ:
ذَاك الْكتاب الأول كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(بِاسْمِك اللَّهُمَّ) فجرت بذلك مَا شَاءَ الله أَن تجْرِي
ثمَّ نزلت {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} فَكتب (بِسم الله)
فجرت بذلك مَا شَاءَ الله أَن تجْرِي ثمَّ نزلت {قل ادعوا الله
أَو ادعوا الرَّحْمَن} فَكتب (بِسم الله الرَّحْمَن) فجرت بذلك
مَا شَاءَ الله أَن تجْرِي ثمَّ نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان
وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَكتب بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكْتب (بِاسْمِك
اللَّهُمَّ) حَتَّى نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم
الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ:
لم يكن النَّاس يَكْتُبُونَ إِلَّا (بِاسْمِك اللَّهُمَّ)
حَتَّى نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم}
(6/354)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن أبي
مَالك قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكْتب
(بِاسْمِك اللَّهُمَّ) فَلَمَّا نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان
وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} كتب (بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم)
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن
الْمسيب قَالَ: كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي أما بعد: فتعالوا إِلَى كلمة
سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم ان لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا
نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا
من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا
مُسلمُونَ) فَلَمَّا أَتَى كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى قَيْصر فقرأه قَالَ: إِن هَذَا الْكتاب لم أره بعد
سُلَيْمَان بن دَاوُد (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(6/355)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً
أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو
قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ
فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ
إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ
أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي
مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ
الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ
أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا
آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ
لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ
صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
(38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ
أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ
رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي
غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا
نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا
يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ
قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا
وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ
(43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ
حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ
صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي
ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (44)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَت يَا أَيهَا
الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي مَا كنت قَاطِعَة أمرا حَتَّى
تَشْهَدُون قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّة وَأولُوا بَأْس شَدِيد
وَالْأَمر إِلَيْك فانظري مَاذَا تأمرين قَالَت إِن الْمُلُوك
إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة
كَذَلِك يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة
بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان قَالَ
أتمدونن بِمَال فَمَا آتَانِي الله خير مِمَّا آتَاكُم بل
أَنْتُم بهديتكم تفرحون ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود
لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون
قَالَ يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن
يأتوني مُسلمين قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل
أَن تقوم من مقامك وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين قَالَ
الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد
إِلَيْك طرفك فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده قَالَ هَذَا
من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر وَمن شكر
فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن رَبِّي غَنِي كريم
قَالَ نكروا لَهَا عرشها نَنْظُر أتهتدي أم تكون
(6/355)
من الَّذين لَا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا
جَاءَت قيل أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ وأوتينا الْعلم
من قبلهَا وَكُنَّا مُسلمين وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله
إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين قيل لَهَا ادخلي الصرح
فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا قَالَ إِنَّه
صرح ممرد من قَوَارِير قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت
مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَت يَا
أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي} قَالَ: جمعت رُؤُوس
مملكتها فشاورتهم فِي أمرهَا فَاجْتمع رَأْيهمْ ورأيها على أَن
يغزوه
فسارت حَتَّى إِذا كَانَت قريبَة قَالَت: أرسل إِلَيْهِ بهدية
فَإِن قبلهَا فَهُوَ ملك أقاتله وَإِن ردهَا تابعته فَهُوَ
نَبِي
فَلَمَّا دنت رسلها من سُلَيْمَان علم خبرهم فَأمر
الشَّيَاطِين فهيئوا لَهُ ألف قصر من ذهب وَفِضة
فَلَمَّا رَأَتْ رسلها قُصُور ذهب قَالُوا: مَا يصنع هَذَا
بهديتنا وقصوره ذهب وَفِضة فَلَمَّا دخلُوا بهديتها قَالَ:
أتهدونني بِمَال ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان {أَيّكُم يأتيني
بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين} فَقَالَ كَاتب
سُلَيْمَان: ارْفَعْ بَصرك
فَرفع بَصَره
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ طرفه إِذا هُوَ بسريرها {قَالَ نكروا
لَهَا عرشها} فَنزع عَنهُ فصوصه ومرافقه وَمَا كَانَ عَلَيْهِ
من شَيْء فَقيل لَهَا {أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ}
وَأمر الشَّيَاطِين: فَجعلُوا لَهَا صرحاً من قَوَارِير ممرداً
وَجعل فِيهَا تماثيل السّمك فَقيل لَهَا {ادخلي الصرح فَلَمَّا
رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا} فَإِذا فِيهَا الشّعْر
فَعِنْدَ ذَلِك أَمر بصنعة النورة فَقيل لَهَا {إِنَّه صرح
ممرد من قَوَارِير قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ
سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله
{أفتوني فِي أَمْرِي} تَقول: أَشِيرُوا عَليّ برأيكم {مَا كنت
قَاطِعَة أمرا حَتَّى تَشْهَدُون} تُرِيدُ: حَتَّى تشيروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد قَالَ: كَانَ تَحت يَدي ملكة سبأ اثْنَا عشر ألف قيول
تَحت يَدي كل قيول مائَة ألف مقَاتل وهم الَّذين قَالُوا {نَحن
أولُوا قُوَّة وأولو بَأْس شَدِيد}
(6/356)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنه كَانَ
أولو مشورتها ثَلَاثمِائَة واثني عشر رجلا
كل رجل مِنْهُم على عشرَة آلَاف من الرِّجَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الْمُلُوك إِذا
دخلُوا قَرْيَة أفسدوها} قَالَ: إِذا أخذوها عنْوَة أخربوها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله
{وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} قَالَ: بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت بلقيس
{إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة
أَهلهَا أَذِلَّة} قَالَ: يَقُول الرب تبَارك وَتَعَالَى
{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِنِّي مُرْسلَة
إِلَيْهِم بهدية} قَالَ: أرْسلت بلبنة من ذهب فَلَمَّا قدمُوا
إِذا حيطان الْمَدِينَة من ذهب فَذَلِك قَوْله {أتمدوننِ
بِمَال}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة قَالَ: قَالَت إِنِّي باعثة إِلَيْهِم بهدية
فمصانعتهم بهَا عَن ملكي أَن كَانُوا أهل دنيا
فَبعثت إِلَيْهِم بلبنة من ذهب فِي حَرِير وديباج فَبلغ ذَلِك
سُلَيْمَان فَأمر بلبنة من ذهب فصنعت ثمَّ قذفت تَحت أرجل
الدَّوَابّ على طريقهم تبول عَلَيْهَا وتروث فَلَمَّا جَاءَ
رسلها واللبنة تَحت أرجل الدَّوَابّ صغر فِي أَعينهم الَّذِي
جاؤا بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ:
أَهْدَت لَهُ صَفَائِح الذَّهَب فِي أوعية الديباج
فَلَمَّا بلغ ذَلِك سُلَيْمَان أَمر الْجِنّ فموّهوا لَهُ
الْآجر بِالذَّهَب ثمَّ أَمر بِهِ فألقي فِي الطَّرِيق
فَلَمَّا جاؤا ورأوه ملقى فِي الطَّرِيق وَفِي كل مَكَان
قَالُوا: جِئْنَا نحمل شَيْئا نرَاهُ هَهُنَا ملقى مَا يلْتَفت
إِلَيْهِ
فصغر فِي أَعينهم مَا جاؤا بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية} قَالَ: جوَار
لباسهن لِبَاس الغلمان وغلمان لباسهن لِبَاس الْجَوَارِي
(6/357)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أرْسلت بِثَمَانِينَ من وصيف ووصيفة
وحلقت رؤوسهم كلهم وَقَالَت: إِن عرف الغلمان من الْجَوَارِي
فَهُوَ نَبِي وَإِن لم يعرف الغلمان من الْجَوَارِي فَلَيْسَ
بِنَبِي
فَدَعَا بِوضُوء فَقَالَ: توضؤا
فَجعل الْغُلَام يَأْخُذ من مرفقيه إِلَى كفيه وَجعلت
الْجَارِيَة تَأْخُذ من كفها إِلَى مرفقها فَقَالَ: هَؤُلَاءِ
جوَار وَهَؤُلَاء غلْمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ:
كَانَت هَدِيَّة بلقيس لِسُلَيْمَان مِائَتي فرس على كل فرس
غُلَام وَجَارِيَة
الغلمان والجواري على هَيْئَة وَاحِدَة لَا يعرف الْجَوَارِي
من الغلمان وَلَا الغلمان من الْجَوَارِي
على كل فرس لون لَيْسَ على الآخر
وَكَانَت أَو هديتهم عِنْد سُلَيْمَان وَآخِرهَا عِنْدهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْهَدِيَّة
وصفان ووصائف ولبنة من ذهب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت
الْهَدِيَّة
جَوَاهِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الْهَدِيَّة
لما جَاءَت سُلَيْمَان بَين الغلمان والجواري امتحنهم
بِالْوضُوءِ
فَغسل الغلمان ظُهُور السواعد قبل بطونها وغسلت الْجَوَارِي
بطُون السواعد قبل ظُهُورهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن السّديّ قَالَ: قَالَت: إِن هُوَ
قبل الْهَدِيَّة فَهُوَ ملك فقاتلوه دون ملككم وَإِن لم يقبل
الْهَدِيَّة فَهُوَ نَبِي لَا طَاقَة لكم بقتاله
فَبعثت إِلَيْهِ بهدية
غلْمَان فِي هَيْئَة الْجَوَارِي وحليهم وَجوَار فِي هَيْئَة
الغلمان ولباسهم وَبعثت إِلَيْهِ بلبنات من ذهب وبخرزة مثقوبة
مُخْتَلفَة وَبعثت إِلَيْهِ بقدح وَبعثت إِلَيْهِ تعلمه
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان الْهَدِيَّة أَمر الشَّيَاطِين
فموّهوا لبن الْمَدِينَة وحيطانها ذَهَبا وَفِضة فَلَمَّا رأى
ذَلِك رسلها قَالُوا: أَيْن نَذْهَب باللبنات فِي أَرض
هَؤُلَاءِ وحيطانهم ذهب وَفِضة فَحَسبُوا اللبنات وأدخلوا
عَلَيْهِ مَا سوى ذَلِك وَقَالُوا: أخرج لنا الغلمان من
الْجَوَارِي
فَأَمرهمْ فتوضأوا وَأخرج الغلمان من الْجَوَارِي
أما الْجَارِيَة فافرغت على يَدهَا وَأما الْغُلَام فاغترف
وَقَالُوا: ادخل لنا فِي هَذِه الخرزة خيطاً
فَدَعَا بالدساس فَربط فِيهِ خيطاً فَأدْخلهُ فِيهَا فجال
فِيهَا واضطرب حَتَّى خرج من الْجَانِب الآخر
وَقَالُوا: املأ لنا هَذَا الْقدح بِمَاء لَيْسَ من الأَرْض
وَلَا من السَّمَاء ابْن عَبَّاس
(6/358)
فَأمر بِالْخَيْلِ فأجريت حَتَّى إِذا
اربدت مسح عرقها فَجعله فِيهِ حَتَّى ملأَهُ
فَلَمَّا رجعت رسلها فأخبروها: أَن سُلَيْمَان رد الْهَدِيَّة
وفدت إِلَيْهِ وَأمرت بِعَرْشِهَا فَجعل فِي سَبْعَة أَبْيَات
وغلقت عَلَيْهَا فَأخذت المفاتيح
فَلَمَّا بلغ سُلَيْمَان مَا صنعت بِعَرْشِهَا {قَالَ يَا
أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني
مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ
للهدهد {ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم
بهَا} يَعْنِي من الانس وَالْجِنّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي
قَوْله {لَا قبل لَهُم بهَا} قَالَ: لَا طَاقَة لَهُم بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لما بلغ سُلَيْمَان أَنَّهَا
جَاءَتْهُ وَكَانَ قد ذكر لَهُ عرشها فأعجبه
وَكَانَ عرشها من ذهب وقوائمه من لُؤْلُؤ وجوهر وَكَانَ
مستتراً بالديباج وَالْحَرِير وَكَانَ عَلَيْهِ سَبْعَة مغاليق
فكره أَن يَأْخُذهُ بعد إسْلَامهمْ
وَقد علم نَبِي الله سُلَيْمَان أَن الْقَوْم مَتى مَا يسلمُوا
تحرم أَمْوَالهم مَعَ دِمَائِهِمْ فَأحب أَن يُؤْتى بِهِ قبل
أَن يكون ذَلِك من أَمرهم فَقَالَ {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا
قبل أَن يأتوني مُسلمين}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا} قَالَ: سَرِير فِي أريكة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {قبل أَن يأتوني مُسلمين} قَالَ: طائعين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {قَالَ عفريت من الْجِنّ} قَالَ: مارد {قبل أَن تقوم من
مقامك} قَالَ: من مَقْعَدك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
أبي صَالح فِي قَوْله {قَالَ عفريت} قَالَ: عَظِيم كَأَنَّهُ
جبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي
قَالَ: كَانَ اسْم العفريت
كوزن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: اسْمه
كوزي
(6/359)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ عفريت من
الْجِنّ} قَالَ: هُوَ صَخْر الجني {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي}
قَالَ: على حمله {أَمِين} قَالَ: على مَا استودع فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: من
مجلسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله
{قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: من مجلسك الَّذِي تجْلِس فِيهِ
للْقَضَاء
وَكَانَ سُلَيْمَان إِذا جلس للْقَضَاء لم يقم حَتَّى تَزُول
الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِنِّي
عَلَيْهِ لقوي أَمِين} قَالَ: على جوهره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: إِنِّي
أُرِيد أعجل من هَذَا {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب
أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: فَخرج
الْعَرْش من نفق من الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: قَرَأت من
مصحف أبي بن كَعْب {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين} قَالَ:
أُرِيد أعجل من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ
الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ: آصف: كَاتب سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: هُوَ آصف
بن برخيا
وَكَانَ صديقا يعلم الِاسْم الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ اسْمه أسطوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ: هُوَ الْخضر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: هُوَ
رجل من الإِنس يُقَال لَهُ: ذُو النُّور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: هُوَ آصف بن برخيا بن
مشعيا بن منكيل وَاسم أمه باطورا من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من
الْكتاب} قَالَ: كَانَ اسْمه تمليخا
(6/360)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ الِاسْم
الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَهُوَ يَاذَا
الْجلَال والإِكرام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ: كَانَ رجلا من
بني إِسْرَائِيل يعلم اسْم الله الْأَعْظَم إِذا دعى بِهِ
أجَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: ادامة النّظر
حَتَّى يرْتَد إِلَيْك الطّرف خاسئاً
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (قَالَ
الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا أنظر فِي كتاب رَبِّي ثمَّ
آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) قَالَ: فَتكلم ذَلِك
الْعَالم بِكَلَام دخل الْعَرْش فِي نفق تَحت الأَرْض حَتَّى
خرج إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير
فِي قَوْله {قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: قَالَ
لِسُلَيْمَان: انْظُر إِلَى السَّمَاء قَالَ: فَمَا اطرق
حَتَّى جَاءَهُ بِهِ فَوَضعه بَين يَدَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
دُعَاء الَّذِي عِنْده من الْكتاب
يَا إلهنا وإله كل شَيْء إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا
أَنْت: ائْتِنِي بِعَرْشِهَا
قَالَ: فَمثل لَهُ بَين يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: لم يجر عرش صَاحِبَة سبأ بَين الأَرْض
وَالسَّمَاء وَلَكِن انشقت بِهِ الأَرْض فَجرى تَحت الأَرْض
حَتَّى ظهر بَين يَدي سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن سابط قَالَ: دَعَا باسمه الْأَعْظَم فَدخل السرير فَصَارَ
لَهُ نفق فِي الأَرْض حَتَّى نبع بَين يَدي سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: دَعَا باسم من
أَسمَاء الله
فَإِذا عرشها
(6/361)
يحمل بَين عَيْنَيْهِ
وَلَا يدْرِي ذَلِك الِاسْم
قد خَفِي ذَلِك الإِسم على سُلَيْمَان وَقد أعظم مَا أعْطى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {قَالَ الَّذِي
عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك
طرفك} قَالَ: كَانَ رجلا من بني إِسْرَائِيل يعلم اسْم الله
الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ لَهُ
أعطي
وارتداد الطّرف أَن يرى ببصره حَيْثُ بلغ ثمَّ يرد طرفه
فَدَعَاهُ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده جزع وَقَالَ: رجل
غَيْرِي أقدر على مَا عِنْد الله مني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} إِذا أتيت
بالعرش {أم أكفر} إِذا رَأَيْت من هُوَ أدنى مني فِي
الدُّنْيَا أعلم مني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {قَالَ نكروا لَهَا عرشها} قَالَ: زيد فِيهِ وَنقص
{نَنْظُر أتهتدي} قَالَ: لنَنْظُر إِلَى عقلهَا
فَوجدت ثَابِتَة الْعقل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله {قَالَ نكروا لَهَا عرشها} قَالَ: تنكيره أَن يَجْعَل
أَسْفَله أَعْلَاهُ ومقدمه مؤخره وَيُزَاد فِيهِ أَو ينقص
مِنْهُ فَلَمَّا جَاءَت {قيل أهكذا عرشك} قَالَت {كَأَنَّهُ
هُوَ} شبهته بِهِ وَكَانَت قد تركته خلفهَا فَوَجَدته أمامها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما دخلت وَقد غير
عرشها
فَجعل كل شَيْء من حليته أَو فرشه فِي غير مَوْضِعه ليلبسوا
عَلَيْهَا قيل {أهكذا عرشك} فرهبت أَن تَقول نعم هُوَ
فَيَقُولُونَ: مَا هَكَذَا كَانَ حليته وَلَا كسوته ورهبت أَن
تَقول لَيْسَ هُوَ
فَيُقَال لَهَا: بل هُوَ وَلَكنَّا غيرناه
فَقَالَت كَأَنَّهُ هُوَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله
{وأوتينا الْعلم من قبلهَا} قَالَ: سُلَيْمَان يَقُوله: أوتينا
معرفَة الله وتوحيده
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {وأوتينا الْعلم من قبلهَا} قَالَ: سُلَيْمَان يَقُوله
وَفِي قَوْله {وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله} قَالَ:
كفرها بِقَضَاء الله غير الوثن أَن تهتدي
(6/362)
للحق
فِي قَوْله {قيل لَهَا ادخلي الصرح} بركَة مَاء ضرب عَلَيْهَا
سُلَيْمَان قَوَارِير وَكَانَت بلقيس عَلَيْهَا شعر قدماها
حافر كحافر الْحمار وَكَانَت أمهَا جنية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح قَالَ:
كَانَ الصرح من زجاج وَجعل فِيهِ تماثيل السّمك
فَلَمَّا رَأَتْهُ وَقيل لَهَا: أدخلي الصرح
فكسفت عَن سَاقيهَا وظنت أَنه مَاء قَالَ: والممرد: الطَّوِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ قد نعت لَهَا
خلقهَا فَأحب أَن ينظر إِلَى سَاقيهَا فَقيل لَهَا {ادخلي
الصرح} فَلَمَّا رَأَتْهُ ظنت أَنه مَاء فَكشفت عَن سَاقيهَا
فَنظر إِلَى سَاقيهَا أَنه عَلَيْهِمَا شعر كثير فَوَقَعت من
عَيْنَيْهِ وكرهها فَقَالَت لَهُ الشَّيَاطِين: نَحن نصْنَع
لَك شَيْئا يذهب بِهِ
فصنعوا لَهُ نورة من أصداف فطلوها فَذهب الشّعْر ونكحها
سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله قَالَت {رب
إِنِّي ظلمت نَفسِي} قَالَ: ظنت أَنه مَاء
وَأَن سُلَيْمَان أَرَادَ قَتلهَا فَقَالَت: أَرَادَ قَتْلِي -
وَالله - على ذَلِك لأقتحمن فِيهِ
فَلَمَّا رَأَتْهُ أَنه قَوَارِير عرفت أَنَّهَا ظلمت
سُلَيْمَان بِمَا ظنت
فَذَلِك قَوْلهَا {ظلمت نَفسِي} وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه
المكيدة من سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَهَا
إِن الْجِنّ تراجعوا فِيمَا بَينهم فَقَالُوا: قد كُنْتُم
تصيبون من سُلَيْمَان غرَّة فَإِن نكح هَذِه الْمَرْأَة
اجْتمعت فطنة الْوَحْي وَالْجِنّ فَلَنْ تصيبوا لَهُ غرَّة
فقدموا إِلَيْهِ فَقَالُوا: إِن النَّصِيحَة لَك علينا حق
إِنَّمَا قدماها حافر حمَار
فَذَلِك حِين ألبس الْبركَة قَوَارِير وَأرْسل إِلَى نسَاء من
نسَاء بني إِسْرَائِيل ينظرنها إِذا كشفت عَن سَاقيهَا
مَا قدماها فَإِذا هِيَ أحسن النَّاس ساقاً من سَاق شعراء
وَإِذا قدماها هما قدم إِنْسَان فبشرن سُلَيْمَان
وَكره الشّعْر فَأمر الْجِنّ فَجعلت النورة
فَذَلِك أَو مَا كَانَت النورة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان بن
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ سفرا قعد على سَرِيره
وَوضعت الكراسي يَمِينا وَشمَالًا فَيُؤذن للإِنس عَلَيْهِ
ثمَّ أذن للجن عَلَيْهِ بعد الانس ثمَّ أذن للشياطين بعد
الْجِنّ ثمَّ أرسل إِلَى الطير فتظلهم وَأمر الرّيح فحملتهم
وَهُوَ على سَرِيره وَالنَّاس على الكراسي وَالطير تظلهم
وَالرِّيح تسير بهم
غدوها شهر ورواحها شهر رخاء حَيْثُ أَرَادَ
لَيْسَ بالعاصف وَلَا باللين وسطا بَين ذَلِك
(6/363)
وَكَانَ سُلَيْمَان يخْتَار من كل طير
طيراً فَيَجْعَلهُ رَأس تِلْكَ الطير
فَإِذا أَرَادَ أَن يسائل تِلْكَ الطير عَن شَيْء سَأَلَ
رَأسهَا
فَبَيْنَمَا سُلَيْمَان يسير إِذْ نزل مفازة فَقَالَ: كم بعد
المَاء هَهُنَا فَسَأَلَ الإِنس فَقَالُوا: لَا نَدْرِي
فَسَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالُوا: لَا نَدْرِي فَغَضب
سُلَيْمَان وَقَالَ: لَا أَبْرَح حَتَّى أعلم كم بعد مَسَافَة
المَاء هَهُنَا فَقَالَت لَهُ الشَّيَاطِين: يَا رَسُول الله
لَا تغْضب فَإِن يَك شَيْء يعلم فالهدهد يُعلمهُ
فَقَالَ سُلَيْمَان: عليَّ بالهدهد
فَلم يُوجد فَغَضب سُلَيْمَان وَقَالَ {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا
أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} يَقُول: بِعُذْر
مُبين غيبه عَن مسيري هَذَا
قَالَ: وَمر الهدهد على قصر بلقيس فَرَأى لَهَا بستاناً خلف
قصرهَا فَمَال إِلَى الخضرة فَوَقع فِيهِ فَإِذا هُوَ بهدهد
فِي الْبُسْتَان فَقَالَ لَهُ: هدهد سُلَيْمَان أَيْن أَنْت
عَن سُلَيْمَان وَمَا تصنع هَهُنَا فَقَالَ لَهُ هدهد بلقيس:
وَمن سُلَيْمَان فَقَالَ: بعث الله رجلا يُقَال لَهُ:
سُلَيْمَان رَسُولا وسخر لَهُ الْجِنّ والانس وَالرِّيح
وَالطير
فَقَالَ لَهُ هدهد بلقيس: أَي شَيْء تَقول قَالَ: أَقُول لَك
مَا تسمع
قَالَ: إِن هَذَا لعجب وأعجب من ذَلِك أَن كَثْرَة هَؤُلَاءِ
الْقَوْم تملكهم امْرَأَة {وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش
عَظِيم} جعلُوا الشُّكْر لله: أَن يسجدوا للشمس من دون الله
قَالَ: وَذكر لهدهد سُلَيْمَان فَنَهَضَ عَنهُ فَلَمَّا انْتهى
إِلَى الْعَسْكَر تَلَقَّتْهُ الطير فَقَالُوا: تواعدك رَسُول
الله وَأَخْبرُوهُ بِمَا قَالَ
وَكَانَ عَذَاب سُلَيْمَان للطير أَن ينتفه ثمَّ يشمسه فَلَا
يطير أبدا وَيصير مَعَ هوَام الأَرْض أَو يذبحه فَلَا يكون
لَهُ نسل أبدا
قَالَ الهدهد: وَمَا اسْتثْنى نَبِي الله قَالُوا: بلَى
قَالَ: أَو ليأتيني بِعُذْر مُبين
فَلَمَّا أَتَى سُلَيْمَان قَالَ: وَمَا غَيْبَتِك عَن مسيري
قَالَ {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين
إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش
عَظِيم} قَالَ: بل اعتللت {سننظر أصدقت أم كنت من الْكَاذِبين
اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم} وَكتب (بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم) إِلَى بلقيس {أَلا تعلوا عَليّ وأتوني
مُسلمين} فَلَمَّا ألْقى الهدهد الْكتاب إِلَيْهَا ألْقى فِي
روعها أَنه كتاب كريم وَإنَّهُ من سُلَيْمَان و {أَلا تعلوا
عَليّ وأتوني مُسلمين}
قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّة {قَالَت} إِن الْمُلُوك إِذا
دخلُوا قَرْيَة أفسدوها
وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم
(6/364)
بهدية فَلَمَّا جَاءَت الْهَدِيَّة
سُلَيْمَان قَالَ: أتمدونني بِمَال ارْجع إِلَيْهِم
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهَا رسلها خرجت فزعة فَأقبل مَعهَا ألف
قيل مَعَ كل قيل مائَة ألف
قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَان رجلا مهيباً لَا يبتدأ بِشَيْء
حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل عَنهُ
فَخرج يَوْمئِذٍ فَجَلَسَ على سَرِيره فَرَأى رهجاً قَرِيبا
مِنْهُ قَالَ: مَا هَذَا قَالُوا:: بلقيس يَا رَسُول الله
قَالَ: وَقد نزلت منا بِهَذَا الْمَكَان قَالَ ابْن عَبَّاس:
وَكَانَ بَين سُلَيْمَان وَبَين ملكة سبأ وَمن مَعهَا حِين نظر
إِلَى الْغُبَار كَمَا بَين الْكُوفَة والحيرة قَالَ: فَأقبل
على جُنُوده فَقَالَ: أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن
يأتوني مُسلمين قَالَ: وَبَين سُلَيْمَان وَبَين عرشها حِين
نظر إِلَى الْغُبَار مسيرَة شَهْرَيْن {قَالَ عفريت من الْجِنّ
أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك}
قَالَ: وَكَانَ لِسُلَيْمَان مجْلِس فِيهِ للنَّاس كَمَا
تجْلِس الْأُمَرَاء ثمَّ يقوم قَالَ سُلَيْمَان: أُرِيد اعجل
من ذَلِك
قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب: أَنا أنظر فِي كتاب
رَبِّي ثمَّ آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك
فَنظر إِلَيْهِ سُلَيْمَان فَلَمَّا قطع كَلَامه رد سُلَيْمَان
بَصَره فنبع عرشها من تَحت قدم سُلَيْمَان
من تَحت كرْسِي كَانَ يضع عَلَيْهِ رجله ثمَّ يصعد إِلَى
السرير فَلَمَّا رأى سُلَيْمَان عرشها مُسْتَقرًّا عِنْده
{قَالَ هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} إِذْ
أَتَانِي بِهِ قبل أَن يرْتَد إليَّ طرفِي {أم أكفر} إِذْ جعل
من هُوَ تَحت يَدي أقدر على الْمَجِيء مني ثمَّ {قَالَ نكروا
لَهَا عرشها}
فَلَمَّا جَاءَت تقدّمت إِلَى سُلَيْمَان {قيل أهكذا عرشك
قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} ثمَّ قَالَت: يَا سُلَيْمَان إِنِّي
أُرِيد أَن أَسأَلك عَن شَيْء فَأَخْبرنِي بِهِ قَالَ: سَلِي
قَالَت: أَخْبرنِي عَن مَاء رواء لَا من الأَرْض وَلَا من
السَّمَاء
قَالَ: وَكَانَ إِذا جَاءَ سُلَيْمَان شَيْء لَا يُعلمهُ
يسْأَل الإِنس عَنهُ فَإِن كَانَ عِنْد الإِنس مِنْهُ علم
وَإِلَّا سَأَلَ الْجِنّ فَإِن لم يكن عِنْد الْجِنّ علم
سَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالَت لَهُ الشَّيَاطِين: مَا أَهْون
هَذَا يَا رَسُول الله مر بِالْخَيْلِ فتجري ثمَّ لتملأ
الْآنِية من عرقها فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان: عرق الْخَيل
قَالَت: صدقت قَالَت: فَأَخْبرنِي عَن لون الرب قَالَ ابْن
عَبَّاس: فَوَثَبَ سُلَيْمَان عَن سَرِيره فَخر سَاجِدا
فَقَامَتْ عَنهُ وَتَفَرَّقَتْ عَنهُ جُنُوده وجاءه الرَّسُول
فَقَالَ: يَا سُلَيْمَان يَقُول
(6/365)
لَك رَبك مَا شَأْنك قَالَ: يَا رب أَنْت
أعلم بِمَا قَالَت قَالَ: فَإِن الله يَأْمُرك أَن تعود إِلَى
سريرك فتقعد عَلَيْهِ وَترسل إِلَيْهَا وَإِلَى من حضرها من
جنودها وَترسل إِلَى جَمِيع جنودك الَّذين حضروك فيدخلوا
عَلَيْك فتسألها وتسألهم عَمَّا سَأَلتك عَنهُ قَالَ: فَفعل
سُلَيْمَان ذَلِك
فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا قَالَ لَهَا: عَم سألتيني
قَالَت: سَأَلتك عَن مَاء رواء لَا من الأَرْض وَلَا من
السَّمَاء قَالَ: قلت لَك عرق الْخَيل قَالَت: صدقت
قَالَ: وَعَن أَي شَيْء سألتيني قَالَت: مَا سَأَلتك عَن شَيْء
إِلَّا عَن هَذَا قَالَ لَهَا سُلَيْمَان: فلأي شَيْء خَرَرْت
عَن سَرِيرِي قَالَت: كَانَ ذَلِك لشَيْء لَا أَدْرِي مَا هُوَ
فَسَأَلَ جنودها فَقَالُوا: مثل قَوْلهَا
فَسَأَلَ جُنُوده من الإِنس وَالْجِنّ وَالطير وكل شَيْء كَانَ
حَضَره من جُنُوده فَقَالُوا: مَا سَأَلتك يَا رَسُول الله عَن
شَيْء إِلَّا عَن مَاء رواء قَالَ: وَقد كَانَ
قَالَ لَهُ الرَّسُول: يَقُول الله لَك: ارْجع ثمَّة إِلَى
مَكَانك فَإِنِّي قد كفيتكم فَقَالَ سُلَيْمَان للشياطين: ابنو
لي صرحاً تدخل عَليّ فِيهِ بلقيس فَرجع الشَّيَاطِين بَعضهم
إِلَى بعض فَقَالُوا لِسُلَيْمَان: يَا رَسُول الله قد سخر
الله لَك مَا سخر وبلقيس ملكة سبأ ينْكِحهَا فتلد لَهُ غُلَاما
فَلَا ننفك لَهُ من الْعُبُودِيَّة أبدا قَالَ: وَكَانَت
امْرَأَة شَعْرَاء السَّاقَيْن فَقَالَت الشَّيَاطِين: ابنو
لَهُ بنياناً كَأَنَّهُ المَاء يرى ذَلِك مِنْهَا فَلَا
يَتَزَوَّجهَا فبنوا لَهُ صرحاً من قَوَارِير فَجعلُوا لَهُ
طوابيق من قَوَارِير وَجعلُوا من بَاطِن الطوابيق كل شَيْء
يكون من الدَّوَابّ فِي الْبَحْر
من السّمك وَغَيره ثمَّ اطبقوه ثمَّ قَالُوا لِسُلَيْمَان:
ادخل الصرح
فألقي كرسياً فِي أقْصَى الصرح
فَلَمَّا دخله أَتَى الْكُرْسِيّ فَصَعدَ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ:
أدخلُوا عليَّ بلقيس فَقيل لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا ذهبت
فرأت صُورَة السّمك وَمَا يكون فِي المَاء من الدَّوَابّ
{حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا} لتدخل
وَكَانَ شعر سَاقهَا ملتوياً على سَاقيهَا
فَلَمَّا رَآهُ سُلَيْمَان ناداها وَصرف وَجهه عَنْهَا {إِنَّه
صرح ممرد من قَوَارِير} فَأَلْقَت ثوبها وَقَالَت {رب إِنِّي
ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين}
فَدَعَا سُلَيْمَان الإِنس فَقَالَ: مَا أقبح هَذَا مَا يذهب
هَذَا قَالُوا: يَا رَسُول الله الموسى
فَقَالَ: الموسى تقطع ساقي الْمَرْأَة ثمَّ دَعَا الشَّيَاطِين
فَقَالَ مثل ذَلِك فتلكؤا عَلَيْهِ ثمَّ جعلُوا لَهُ النورة
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ لأوّل يَوْم رؤيت فِيهِ النورة
(6/366)
قَالَ: واستنكحها سُلَيْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أَبُو بكر ابْن أبي شيبَة: مَا
أحْسنه من حَدِيث وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام إِذا أَرَادَ أَن يسير وضع كرسيه فَيَأْتِي من
أَرَادَ من الانس وَالْجِنّ ثمَّ يَأْمر الرّيح فتحملهم ثمَّ
يَأْمر الطير فتظلهم
فَبينا هُوَ يسير إِذْ عطشوا فَقَالَ: مَا ترَوْنَ بعد المَاء
قَالُوا: لَا نَدْرِي
فتفقد الهدهد وَكَانَ لَهُ مِنْهُ منزلَة لَيْسَ بهَا طير
غَيره فَقَالَ {مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين
لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} وَكَانَ عَذَابه إِذا عذب الطير نتفه
ثمَّ يجففه فِي الشَّمْس {أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان
مُبين} يَعْنِي بِعُذْر بَين
فَلَمَّا جَاءَ الهدهد استقبلته الطير فَقَالَت لَهُ: قد أوعدك
سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُم: هَل اسْتثْنى فَقَالُوا لَهُ: نعم
قد قَالَ: إِلَّا أَن يَجِيء بِعُذْر بَين
فجَاء بِخَبَر صَاحِبَة سبأ فَكتب مَعَه إِلَيْهَا (بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا تعلوا عليَّ وائتوني مُسلمين)
فَأَقْبَلت بلقيس فَلَمَّا كَانَت على قدر فَرسَخ قَالَ
سُلَيْمَان {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني
مُسلمين قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم
من مقامك} فَقَالَ سُلَيْمَان: أُرِيد اعجل من ذَلِك
فَقَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب {أَنا آتِيك بِهِ قبل
أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} فَأتى بالعرش فِي نفق فِي الأَرْض
يَعْنِي سرب فِي الأَرْض قَالَ سُلَيْمَان: غيروه
فَلَمَّا جَاءَت {قيل أهكذا عرشك} فاستنكرت السرعة وَرَأَتْ
الْعَرْش {قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ}
قيل لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته {لجة} مَاء
{وكشفت عَن سَاقيهَا} فَإِذا هِيَ امْرَأَة شعراء فَقَالَ
سُلَيْمَان: مَا يذهب هَذَا فَقَالَ بعض الْجِنّ: أَنا أذهبه
وصنعت لَهُ النورة
وَكَانَ أول مَا صنعت النورة وَكَانَ اسْمهَا بلقيس
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما تزوج
سُلَيْمَان بلقيس قَالَ: مَا مستني حَدِيدَة قطّ فَقَالَ
للشياطين: أنظروا أَي شَيْء يذهب بالشعر غير الْحَدِيد فوضعوا
لَهُ النورة فَكَانَ أول من وَضعهَا شياطين سُلَيْمَان
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه والعقيلي عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أول من صنعت لَهُ الحمامات سُلَيْمَان
(6/367)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي فِي
الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أول من دخل الْحمام سُلَيْمَان فَلَمَّا وجد حره أوَّهَ
من عَذَاب الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: لما قدمت
ملكة سبأ على سُلَيْمَان رَأَتْ حطباً جزلاً فَقَالَت لغلام
سُلَيْمَان: هَل يعرف مَوْلَاك كم وزن هَذَا الدُّخان فَقَالَ:
أَنا أعلم فَكيف مولَايَ قَالَت: فكم وَزنه فَقَالَ الْغُلَام:
يُوزن الْحَطب ثمَّ يحرق ثمَّ يُوزن الرماد فَمَا نقص فَهُوَ
دخانه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ:
كسر برج من أبراج تدمر فَأَصَابُوا فِيهِ امْرَأَة حسناء دعجاء
مدمجى كَأَن أعطافها طي الطوامير عَلَيْهَا عِمَامَة طولهَا
ثَمَانُون ذِرَاعا مَكْتُوب على طرف الْعِمَامَة بِالذَّهَب
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) إِنَّا بلقيس ملكة سبأ
زَوْجَة سُلَيْمَان بن دَاوُد ملكت الدُّنْيَا كَافِرَة ومؤمنة
مَا لم يملكهُ أحد قبلي وَلَا يملكهُ أحد بعدِي صَار مصيري
إِلَى الْمَوْت فأقصروا يَا طلاب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سَلمَة بن عبد الله بن ربعي قَالَ:
لما أسلمت بلقيس تزَوجهَا سُلَيْمَان وَأَمْهَرهَا باعلبك
(6/368)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ
لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ
لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ
فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ
مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ
أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ
بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
(54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ
جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ
مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا
مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا
فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أرسلنَا إِلَى
ثَمُود أَخَاهُم صَالحا أَن اعبدوا الله فَإِذا هم فريقا
يختصمون قَالَ يَا قوم لم تَسْتَعْجِلُون بالسيئه قبل الحسنه
لَوْلَا تستغفرون الله اعلكم ترحمون قَالُوا إطيرنا بك وبمن
مَعَك قَالَ طائركم عِنْد الله بل أَنْتُم قوم تفتنون وَكَانَ
فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض وَلَا
يصلحون قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله ثمَّ لنقولن
لوَلِيِّه مَا شَهِدنَا مهلك أَهله وَإِنَّا لصادقون ومكروا
مكرا ومكرنا مكرا وهم لَا يَشْعُرُونَ فانظركيف كَانَ عَاقِبَة
مَكْرهمْ إِنَّا دمرناهم وقومهم أَجْمَعِينَ فَتلك بُيُوتهم
خاوية بِمَا ظلمُوا
(6/368)
إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يعلمُونَ وأنجينا
الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ولوطا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أتأتون الْفَاحِشَة وَأَنْتُم تبصرون أإنكم لتأتون
الرِّجَال شَهْوَة من دون النِّسَاء بل أَنْتُم قوم تجهلون
فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا أخرجُوا آل لوط من
قريتكم إِنَّهُم أنَاس يتطهرون فأنجيناه وَأَهله إِلَّا
امْرَأَته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فسَاء
مطر الْمُنْذرين
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {فَإِذا هم فريقان يختصمون} قَالَ: مُؤمن وَكَافِر
قَوْلهم صَالح مُرْسل من ربه
وَقَوْلهمْ لَيْسَ بمرسل
وَفِي قَوْله {لم تَسْتَعْجِلُون بِالسَّيِّئَةِ} قَالَ:
الْعَذَاب {قبل الْحَسَنَة} قَالَ: الرَّحْمَة
وَفِي قَوْله {قَالُوا اطيرنا بك} قَالَ: تشاءمنا
وَفِي قَوْله {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ:
من قوم صَالح
وَفِي قَوْله {تقاسموا بِاللَّه} قَالَ: تحالفوا على هَلَاكه
فَلم يصلوا إِلَيْهِ حَتَّى أهلكوا وقومهم أَجْمَعِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِذا هم فريقان
يختصمون} قَالَ: إِن الْقَوْم بَين مُصدق ومكذب
مُصدق بِالْحَقِّ ونازل عِنْده ومكذب بِالْحَقِّ تَاركه
فِي ذَلِك كَانَت خُصُومَة الْقَوْم {قَالُوا اطيرنا بك}
قَالَ: قَالُوا: مَا أصبْنَا من شَرّ فَإِنَّمَا هُوَ من قبلك
وَمن قبل من مَعَك {قَالَ طائركم عِنْد الله} يَقُول: علم
أَعمالكُم عِنْد الله {بل أَنْتُم قوم تفتنون} قَالَ: تبتلون
بِطَاعَة الله ومعصيته {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة
رَهْط} قَالَ: من قوم صَالح {قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه
وَأَهله} قَالَ: توافقوا على أَن يأخذوه لَيْلًا فيقتلوه
قَالَ: ذكر لنا أَنهم بَيْنَمَا هم معانيق إِلَى صَالح -
يَعْنِي مُسْرِعين - ليقتلوه بعث الله عَلَيْهِم صَخْرَة
فأخمدتهم {ثمَّ لنقولن لوَلِيِّه} يعنون رَهْط صَالح {ومكروا
مكراً} قَالَ: مَكْرهمْ الَّذِي مكروا بِصَالح {ومكرنا مكراً}
قَالَ: مكر الله الَّذِي مكر بهم: رماهم بصخرة فأهمدتهم
(6/369)
{فَانْظُر كَيفَ كَانَ} مَكْرهمْ قَالَ:
شَرّ وَالله {كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} أَن دمرهم الله وقومهم
أَجْمَعِينَ ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {طائركم} قَالَ: مصائبكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ
فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ: كَانَ أَسمَاؤُهُم زعمي
وزعيم وهرميوهريم وداب وهواب ورياب وسيطع وقدار بن سالف عَاقِر
النَّاقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ
فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ: وهم الَّذين عقروا
النَّاقة وَقَالُوا حِين عقروها تبيتن صَالحا وَأَهله فنقتلهم
ثمَّ نقُول لأولياء صَالح مَا شَهِدنَا من هَذَا شَيْئا ومالنا
بِهِ علم فدمرهم الله أَجْمَعِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء بن أبي ريَاح
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض
وَلَا يصلحون} قَالَ: كَانُوا يقرضون الدَّرَاهِم
وَالله أعلم
(6/370)
قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ
خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
- قَوْله تَعَالَى: قل الْحَمد لله وَسَلام
على عباده الَّذين اصْطفى آللَّهُ خير أأما يشركُونَ
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى الله} قَالَ: هم
أَصْحَاب محم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصطفاهم الله لنَبيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي
قَوْله {وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى} قَالَ: نزلت فِي
أَصْحَاب مُحَمَّد خَاصَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ
{آللَّهُ خير أما يشركُونَ} قَالَ: بل الله خير وَأبقى وَأجل
وَأكْرم
(6/370)
أَمَّنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ
لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ
هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ
قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا
رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ
مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
- قَوْله تَعَالَى: أَمن خلق السَّمَوَات
وَالْأَرْض وَأنزل لكم من السَّمَاء مَاء فَأَنْبَتْنَا بِهِ
حدائق ذَات بهجة مَا كَانَ لكم أَن تنبتوا شَجَرهَا أإله مَعَ
الله بل هم قوم يعدلُونَ أَمن جعل الأَرْض قرارا وَجعل خلالها
أَنهَارًا وَجعل لَهَا رواسي وَجعل بَين الْبَحْرين حاجزا أإله
مَعَ الله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ
أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ
لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {حدائق} قَالَ:
الْبَسَاتِين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: بِلَاد سَقَاهَا الله أما سهولها
فقضب ودر مغدق وَحَدَائِق وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حدائق} قَالَ:
النّخل الحسان {ذَات بهجة} قَالَ: ذَات نضارة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي
قَوْله {حدائق} قَالَ: الْبَسَاتِين تخللها الْحِيطَان {ذَات
بهجة} قَالَ: ذَات حسن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {حدائق ذَات بهجة} قَالَ الْبَهْجَة الفقاع
يَعْنِي النوار مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أإله مَعَ
الله} أَي لَيْسَ مَعَ الله إِلَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل هم قوم
يعدلُونَ} قَالَ: يشركُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {بل هم قوم يعدلُونَ}
الْآلهَة الَّتِي عبدوها عدلوها بِاللَّه
لَيْسَ لله عدل وَلَا ند وَلَا اتخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَجعل لَهَا رواسي} قَالَ:
رواسيها: جبالها {وَجعل بَين الْبَحْرين حاجزاً} قَالَ: حاجزاً
من الله لَا يَبْغِي أَحدهمَا على صَاحبه
(6/371)
أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي
ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
- قَوْله تَعَالَى: أَمن يُجيب الضطر إِذا
دَعَاهُ ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأَرْض أإله مَعَ الله
قَلِيلا مَا تذكرُونَ أَمن يهديكم فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر
وَمن يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته أإله مَعَ الله
تَعَالَى الله عَمَّا يشركُونَ أَمن يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ
وَمن يرزقكم من السَّمَاء وَالْأَرْض أإله مَعَ الله قل هاتوا
برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ عَن رجل من
بلجهم قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إلام تَدْعُو قَالَ أَدْعُو
إِلَى الله وَحده الَّذِي إِن نزل بك ضرّ فدعوته كشف عَنْك
وَالَّذِي إِن ضللت بِأَرْض قفر فدعوته رد عَلَيْك وَالَّذِي
إِن أَصَابَك سنة فدعوته أنزل لَك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{ويكشف السوء} قَالَ: الضّر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سحيم بن نَوْفَل قَالَ: بَيْنَمَا
نَحن عِنْد عبد الله إِذْ جَاءَت وليدة إِلَى سَيِّدهَا
فَقَالَت: مَا يحبسك وَقد لفع فلَان مهرك بِعَيْنِه فَتَركه
يَدُور فِي الدَّار كَأَنَّهُ فِي فلك قُم فابتغ راقياً
فَقَالَ عبد الله: لَا تبتغ راقياً وانفث فِي منخره الْأَيْمن
أَرْبعا وَفِي الْأَيْسَر ثَلَاثًا وَقل: لَا بَأْس اذْهَبْ
الْبَأْس رب النَّاس
اشف أَنْت الشافي لَا يكْشف الضّر إِلَّا أَنْت قَالَ: فَذهب
ثمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: فعلت مَا أَمرتنِي فَمَا جِئْت
حَتَّى راث وبال وَأكل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فَارق الْجَمَاعَة
فَهُوَ فِي النَّار على وَجهه
لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا
دَعَاهُ ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأَرْض} فالخلافة من الله
عز وَجل فَإِن كَانَ خيرا فَهُوَ يذهب بِهِ وَإِن كَانَ شرا
فَهُوَ يُؤْخَذ بِهِ عَلَيْك أَنْت بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمر
الله تَعَالَى بِهِ
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن اياد بن لَقِيط قَالَ:
قَالَ جعدة بن هُبَيْرَة لجلسائه: إِنِّي قد علمت مَا لم
تعلمُوا وَأدْركت مَا لم تدركوا أَنه سَيَجِيءُ بعد هَذَا
(6/372)
- يَعْنِي مُعَاوِيَة - أُمَرَاء لَيْسَ من
رِجَاله وَلَا من ضربائه وَلَيْسَ فيهم أَصْغَر أَو أَبتر
حَتَّى تقوم السَّاعَة
هَذَا السُّلْطَان سُلْطَان الله جعله وَلَيْسَ أَنْتُم
تجعلونه
أَلا وَإِن لِلرَّاعِي على الرّعية حَقًا وللرعية على
الرَّاعِي حَقًا فأدوا إِلَيْهِم حَقهم فَإِن ظلموكم فكلوهم
إِلَى الله فَإِنَّكُم وإياهم تختصمون يَوْم الْقِيَامَة وَإِن
الْخصم لصَاحبه الَّذِي أدّى إِلَيْهِ الْحق الَّذِي عَلَيْهِ
فِي الدُّنْيَا
ثمَّ قَرَأَ {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن
الْمُرْسلين} الْأَعْرَاف الْآيَة 6 حَتَّى بلغ {وَالْوَزْن
يَوْمئِذٍ الْحق} الْأَعْرَاف الْآيَة 8 هَكَذَا قَرَأَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {ويجعلكم خلفاء الأَرْض} قَالَ خلفا بعد خلف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ويجعلكم خلفاء الأَرْض}
قَالَ: خلفا لمن قبلكُمْ من الْأُمَم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن ابْن جريج {أم من
يهديكم فِي ظلمات الْبر} قَالَ: ضلال الطَّرِيق {وَالْبَحْر}
قَالَ: ضَلَالَة طرقه وموجه وَمَا يكون فِيهِ
(6/373)
قُلْ لَا يَعْلَمُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
- قَوْله تَعَالَى: قل لَا يعلم من فِي
السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله وَمَا
يَشْعُرُونَ إيان يبعثون
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن
حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن مَسْرُوق قَالَ: كنت مُتكئا عِنْد عَائِشَة
فَقَالَت عَائِشَة: ثَلَاث من تكلم بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ فقد
أعظم على الله الْفِرْيَة
قلت: وَمَا هن قَالَت: من زعم أَن مُحَمَّدًا رأى ربه فقد أعظم
على الله الْفِرْيَة قَالَ: وَكنت مُتكئا فَجَلَست فَقلت: يَا
أم الْمُؤمنِينَ أنظريني وَلَا تعجلِي عَليّ ألم يقل الله
{وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين}
{وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} النَّجْم الْآيَة 13 فَقَالَت:
أَنا أوّل هَذِه الْأمة سَأَلَ عَن هَذَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ جِبْرِيل: لم أره على صورته الَّتِي
خلق عَلَيْهَا غير هَاتين السرتين
رَأَيْته منهبطاً من السَّمَاء
سَاد أعظم خلقه مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض قَالَت:
(6/373)
أَو لم تسمع الله عز وَجل يَقُول {لَا
تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَهُوَ
اللَّطِيف الْخَبِير} الانعام الْآيَة 103 أَو لم تسمع الله
يَقُول {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا}
الشورى الْآيَة 51 إِلَى قَوْله {عَليّ حَكِيم}
وَمن زعم أَن مُحَمَّدًا كتم شَيْئا من كتاب الله فقد أعظم على
الله الْفِرْيَة وَالله جلّ ذكره يَقُول {يَا أَيهَا الرَّسُول
بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} إِلَى قَوْله {وَالله يَعْصِمك
من النَّاس} الْمَائِدَة الْآيَة 67 قَالَت: وَمن زعم أَنه
يخبر النَّاس بِمَا يكون فِي غَد فقد أعظم على الله الْفِرْيَة
وَالله تَعَالَى يَقُول {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات
وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله}
(6/374)
بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ
هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا
كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)
لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ
هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ
(69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ
مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ
لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ
لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ
صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
- قَوْله تَعَالَى: بل ادارك علمهمْ فِي
الْآخِرَة بل هم فِي شكّ مِنْهَا بل هم مِنْهَا عمون وَقَالَ
الَّذين كفرُوا أإذا كُنَّا تُرَابا وآباؤنا أإنا لمخرجون لقد
وعدنا هَذَا نَحن وآباؤنا من قبل إِن هَذَا إِلَّا أساطير
الْأَوَّلين قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ
عَاقِبَة الْمُجْرمين وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تكن فِي ضيق
مِمَّا يمكرون وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم
صَادِقين قل عَسى أَن يكون ردف لكم بعض الَّذِي تَسْتَعْجِلُون
وَإِن رَبك لذُو فضل على النَّاس وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يشكرون
وَإِن رَبك ليعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون وَمَا من
غَائِبَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا فِي كتاب مُبين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: حِين لم ينفع
الْعلم
وَأخرج ابْن عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه
قَرَأَ {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: لم يدْرك
علمهمْ قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي أَنه قَرَأَهَا بالاستفهام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} يَقُول: غَابَ علمهمْ
(6/374)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: ام اِدَّرَكَ
علمهمْ {أم هم قوم طاغون} الذاريات الْآيَة 53 {بل هم قوم
طاغون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {بل ادارك علمهمْ}
مثقلة مَكْسُورَة اللَّام على معنى تدارك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل ادارك
علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: تتَابع علمهمْ فِي الْآخِرَة
بسفههم وجهلهم {بل هم مِنْهَا عمون} قَالَ: عموا عَن الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ (بل
اِدَّرَكَ علمهمْ فِي الْآخِرَة) قَالَ: اضمحل علمهمْ فِي
الدُّنْيَا حِين عاينوا الْآخِرَة
وَفِي قَوْله {فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين}
قَالَ: كَيفَ عذب الله قوم نوح وَقوم لوط وَقوم صَالح والأمم
الَّتِي عذب الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {عَسى أَن يكون ردف لكم} قَالَ: اقْترب لكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {عَسى أَن يكون ردف لكم}
قَالَ: اقْترب مِنْكُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد {عَسى أَن يكون ردف لكم} قَالَ: عجل لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ردف لكم}
قَالَ: أزف لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ردف لكم بعض
الَّذِي تَسْتَعْجِلُون} قَالَ: من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن
رَبك ليعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون} قَالَ: يعلم مَا
عمِلُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{ليعلم مَا تكن صُدُورهمْ} قَالَ: السِّرّ
(6/375)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس {وَمَا من غَائِبَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض
إِلَّا فِي كتاب} يَقُول: مَا من شَيْء فِي السَّمَاء
وَالْأَرْض سرا وَعَلَانِيَة إِلَّا يُعلمهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَمَا من غَائِبَة}
يَقُول: مَا من قولي وَلَا عَمَلي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض
إِلَّا وَهُوَ عِنْده {فِي كتاب} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ قبل
أَن يخلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض
(6/376)
إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي
هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ
بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
- قَوْله تَعَالَى: إِن هَذَا الْقُرْآن
يقص على بني إِسْرَائِيل أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
وَإنَّهُ لهدى وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين إِن رَبك يقْضِي بَينهم
بِحكمِهِ وَهُوَ الْعَزِيز الْعَلِيم فتوكل على الله إِنَّك
على الْحق الْمُبين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني
إِسْرَائِيل} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {أَكثر الَّذِي
هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يَقُول: هَذَا الْقُرْآن يبين لَهُم
الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: قيل
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن امتك ستفتتن من
بعْدك
فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو سُئِلَ مَا
الْمخْرج مِنْهَا فَقَالَ كتاب الله الْعَزِيز الَّذِي لَا
يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل
من حَكِيم حميد من ابْتغى الْعلم فِي غَيره أضلّهُ الله وَمن
ولي هَذَا الْأَمر فَحكم بِهِ عصمه الله وَهُوَ الذّكر
الْحَكِيم والنور الْمُبين والصراط الْمُسْتَقيم فِيهِ خبر من
قبلكُمْ ونبأ من بعدكم وَحكم مَا بَيْنكُم وَهُوَ الْفَصْل
لَيْسَ بِالْهَزْلِ
(6/376)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ
الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ
ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا
فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّك لَا تسمع
الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا وَلَو مُدبرين
وَمَا أَنْت بهادي الْعمي عَن ضلالتهم إِن تسمع إِلَّا من
يُؤمن بِآيَاتِنَا فهم مُسلمُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} قَالَ:
هَذَا مثل ضربه الله للْكَافِرِ كَمَا لَا يسمع الْمَيِّت
كَذَلِك لَا يسمع
(6/376)
الْكَافِر وَلَا ينْتَفع بِهِ {وَلَا تسمع
الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين} يَقُول: لَو أَن أَصمّ ولى
مُدبرا ثمَّ ناديته لم يسمع كَذَلِك الْكَافِر لَا يسمع وَلَا
ينْتَفع بِمَا يستمع
وَالله أعلم
(6/377)
وَإِذَا وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا
لَا يُوقِنُونَ (82)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا وَقع القَوْل
عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم إِن
النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون
أخرج ابْن مبارك فِي الزّهْد وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي
وَابْن أبي شيبَة ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَعبد بن حميد
وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عمر فِي قَوْله {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا
لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: إِذا لم يأمروا
بِالْمَعْرُوفِ وَلم ينهوا عَن الْمُنكر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم
أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: ذَاك حِين
لَا يأمرون بِمَعْرُوف وَلَا ينهون عَن مُنكر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله
{وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من
الأَرْض تكلمهم} قَالَ إِذا تركُوا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَجب السخط عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَإِذا وَقع
القَوْل عَلَيْهِم} قَالَ: إِذا وَجب القَوْل عَلَيْهِم
{أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: وَهِي فِي
بعض الْقِرَاءَة تحدثهم تَقول لَهُم {إِن النَّاس كَانُوا
بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن حَفْصَة بنت سِيرِين
قَالَت: سَأَلت أَبَا الْعَالِيَة عَن قَوْله {وَإِذا وَقع
القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم}
مَا وُقُوع القَوْل عَلَيْهِم فَقَالَ: {وأوحي إِلَى نوح أَنه
لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} هود الْآيَة 36 قَالَت:
فَكَأَنَّمَا كشف عَن وَجْهي شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَكْثرُوا
الطّواف بِالْبَيْتِ قبل أَن يرفع وينسى النَّاس مَكَانَهُ
وَأَكْثرُوا تِلَاوَة الْقُرْآن قبل أَن يرفع
قيل: وَكَيف يرفع مَا فِي
(6/377)
صُدُور الرِّجَال قَالَ: يسري عَلَيْهِم
لَيْلًا فيصبحون مِنْهُ قفراً وينسون قَول لَا إِلَه إِلَّا
الله ويقعون فِي قَول الْجَاهِلِيَّة وأشعارهم
فَذَلِك حِين يَقع القَوْل عَلَيْهِم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَقع القَوْل عَلَيْهِم} قَالَ: حق عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: تحدثهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {تكلمهم} قَالَ: كَلَامهَا
تنبئهم {أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
أبي دَاوُد ونفيع الْأَعْمَى قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن
قَوْله {أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} أَو تكلمهم
قَالَ: كل ذَلِك وَالله يفعل تكلم الْمُؤمن وَتكلم الْكَافِر
تجرحه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {دَابَّة من
الأَرْض تكلمهم} مُشَدّدَة من الْكَلَام {أَن النَّاس} بِنصب
الْألف
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ
الْوَعْد الَّذِي قَالَ الله {أخرجنَا لَهُم دَابَّة من
الأَرْض تكلمهم} قَالَ: لَيْسَ ذَلِك حَدِيثا وَلَا كلَاما
وَلكنه سمة تسم من أمرهَا الله بِهِ
فَيكون خُرُوجهَا من الصَّفَا لَيْلَة منى فيصبحون بَين
رَأسهَا وذنبها لَا يدحض داحض وَلَا يخرج خَارج حَتَّى إِذا
فرغت مِمَّا أمرهَا الله فَهَلَك من هلك وَنَجَا من نجا كَانَ
أول خطْوَة تضعها بانطاكية
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ الدَّابَّة
زغباء ذَات وبر وَرِيش
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الدَّابَّة ذَات
وبر وَرِيش مؤلفة فِيهَا من كل لون لَهَا أَربع قَوَائِم تخرج
بعقب من الْحَاج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِن دَابَّة الأَرْض
ذَات وبر تناغي السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن الْحسن:
(6/378)
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه
أَن يرِيه الدَّابَّة
فَخرجت ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن تذْهب فِي السَّمَاء لَا يرى
وَاحِد من طرفها قَالَ: فَرَأى منْظرًا فظيعاً فَقَالَ: رب
ردهَا
فَردهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ:
لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يجْتَمع أهل بَيت على الإِناء
الْوَاحِد فيعرفون مؤمنيهم من كفارهم
قَالُوا: كَيفَ ذَاك قَالَ: إِن الدَّابَّة تخرج وَهِي ذامة
للنَّاس تمسح كل إِنْسَان على مَسْجده
فاما الْمُؤمن فَتكون نُكْتَة بَيْضَاء
فتفشوا فِي وَجهه حَتَّى يبيض لَهَا وَجهه وَأما الْكَافِر
فَتكون نُكْتَة سَوْدَاء فتفشو فِي وَجهه حَتَّى يسود لَهَا
وَجهه
حَتَّى أَنهم ليتبايعون فِي أسواقهم فَيَقُولُونَ: كَيفَ تبيع
هَذَا يَا مُؤمن وَكَيف تبيع هَذَا يَا كَافِر فَمَا يرد
بَعضهم على بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ:
تخرج الدَّابَّة بأجياد مِمَّا يَلِي الصَّفَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد من
طَرِيق سماك عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: تخرج الدَّابَّة من مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: تخرج
الدَّابَّة فَيفزع النَّاس إِلَى الصَّلَاة فتأتي الرجل وَهُوَ
يُصَلِّي فَتَقول: طوّل مَا شِئْت أَن تطول فو الله لأخطمنك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تخرج الدَّابَّة يَوْم تخرج وَهِي
ذَات عصب وَرِيش تكلم النَّاس فتنقط فِي وَجه الْمُؤمن نقطة
بَيْضَاء فيبيض وَجهه وتنقط فِي وَجه الْكَافِر نقطة سَوْدَاء
فيسود وَجهه فيتبايعون فِي الْأَسْوَاق بعد ذَلِك
بِمَ تبيع هَذَا يَا مُؤمن وَبِمَ تبيع هَذَا يَا كَافِر ثمَّ
يخرج الدَّجَّال وَهُوَ أَعور على عينه ظفرة غَلِيظَة مَكْتُوب
بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه كل مُؤمن وَكَافِر
وَأخرج أَحْمد وسمويه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تخرج الدَّابَّة
فَتَسِم النَّاس على خراطيمهم ثمَّ يعمرون فِيكُم حَتَّى
يَشْتَرِي الرجل الدَّابَّة فَيُقَال: مِمَّن اشْتريت
فَيُقَال: من الرجل المخطم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخرج دَابَّة
(6/379)
الأَرْض وَلها ثَلَاث خرجات
فَأول خرجَة مِنْهَا بِأَرْض الْبَادِيَة
وَالثَّانيَِة فِي أعظم الْمَسَاجِد وَأَشْرَفهَا وَأَكْرمهَا
وَلها عنق مشرف يَرَاهَا من بالمشرق كَمَا يَرَاهَا من بالمغرب
وَلها وَجه كوجه انسان ومنقار كمنقار الطير ذَات وبرٍ وزغب
مَعهَا عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان بن دَاوُد تنادي
بِأَعْلَى صَوتهَا: {إِن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يوقنون} ثمَّ بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل:
يَا رَسُول الله وَمَا بعد قَالَ: هَنَات وهنات ثمَّ خصب وريف
حَتَّى السَّاعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة بن أسيد أرَاهُ رَفعه
قَالَ تخرج الدَّابَّة من أعظم الْمَسَاجِد حُرْمَة
فَبَيْنَمَا هم قعُود بربو الأَرْض فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك
إِذْ تصدعت قَالَ ابْن عُيَيْنَة: تخرج حِين يسري الإِمام من
جمع
وَإِنَّمَا جعل سَابق [] بالحاج ليخبر النَّاس أَن الدَّابَّة
لم تخرج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: أَلا أريكم
الْمَكَان الَّذِي قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِن دَابَّة الأَرْض تخرج مِنْهُ
فَضرب بعصاه قبل الشق الَّذِي فِي الصَّفَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بَين يَدي السَّاعَة
الدَّجَّال وَالدَّابَّة ويأجوج وَمَأْجُوج وَالدُّخَان وطلوع
الشَّمْس من مغْرِبهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: الدَّابَّة تخرج
من أجياد
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: ذكر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّابَّة فَقَالَ
حُذَيْفَة: يَا رَسُول الله من أَيْن تخرج قَالَ من أعظم
الْمَسَاجِد حُرْمَة على الله بَيْنَمَا عِيسَى يطوف
بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسلمُونَ إِذْ تضطرب الأَرْض من
تَحْتهم تحرّك الْقنْدِيل وتشق الصَّفَا مِمَّا يَلِي
الْمَسْعَى وَتخرج الدَّابَّة من الصَّفَا أوّل مَا يَبْدُو
رَأسهَا مُلَمَّعَة ذَات وبر وَرِيش لن يُدْرِكهَا طَالب وَلنْ
يفوتها هارب تسم النَّاس مُؤمن وَكَافِر أما الْمُؤمن فَيرى
وَجهه كَأَنَّهُ كَوْكَب دري وتكتب بَين عَيْنَيْهِ مُؤمن
وَأما الْكَافِر فَتنْكت بَين عَيْنَيْهِ نُكْتَة سَوْدَاء
كَافِر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو أَنه قَالَ
وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة: لَو شِئْت لأخذت سيتي هَاتين ثمَّ
مشيت حَتَّى أَدخل
(6/380)
الْوَادي الَّتِي تخرج مِنْهُ دَابَّة
الأَرْض وَإِنَّهَا تخرج وَهِي آيَة للنَّاس تلقى الْمُؤمن
فَتَسِمهُ فِي وَجهه واكية فيبيض لَهَا وَجهه وَتَسِم
الْكَافِر واكية فيسوّد لَهَا وَجهه وَهِي دَابَّة ذَات زغب
وَرِيش فَتَقول {أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور ونعيم ابْن حَمَّاد وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس: أَن دَابَّة الأَرْض تخرج من بعض
أَوديَة تهَامَة ذَات زغب وَرِيش لَهَا أَربع قَوَائِم فَتنْكت
بَين عَيْني الْمُؤمن نُكْتَة يبيض لَهَا وَجهه وتنكت بَين
عَيْني الْكَافِر نُكْتَة يسود بهَا وَجهه
وَأخرج أَحْمد وَالطَّيَالِسِي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تخرج دَابَّة الأَرْض وَمَعَهَا عَصا مُوسَى
وَخَاتم سُلَيْمَان فتجلوا وَجه الْمُؤمن بالخاتم وتخطم أنف
الْكَافِر بالعصا حَتَّى يجْتَمع النَّاس على الخوان يعرف
الْمُؤمن من الْكَافِر
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن حُذَيْفَة ابْن
أسيد الْغِفَارِيّ قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الدَّابَّة فَقَالَ لَهَا ثَلَاث خرجات من الدَّهْر
فَتخرج خرجَة بأقصى الْيمن فينشر ذكرهَا بالبادية فِي أقْصَى
الْبَادِيَة وَلَا يدْخل ذكرهَا الْقرْيَة - يَعْنِي مَكَّة -
ثمَّ تكمن زَمَانا طَويلا ثمَّ تخرج خرجَة أُخْرَى دون تِلْكَ
فيعلو ذكرهَا فِي أهل الْبَادِيَة وَيدخل ذكرهَا الْقرْيَة -
يَعْنِي مَكَّة - قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ثمَّ بَيْنَمَا النَّاس فِي أعظم الْمَسَاجِد على الله حُرْمَة
وَأَكْرمهَا الْمَسْجِد الْحَرَام لم يرعهم إِلَّا وَهِي ترغو
بَين الرُّكْن وَالْمقَام وتنفض عَن رَأسهَا التُّرَاب فَارْفض
النَّاس عَنْهَا شَتَّى بقيت عِصَابَة من الْمُؤمنِينَ ثمَّ
عرفُوا أَنهم لن يعْجزُوا الله فَبَدَأت بهم فَجلت وُجُوههم
جتى جَعلتهَا كَأَنَّهَا الْكَوْكَب الدُّرِّي وَوَلَّتْ فِي
الأَرْض لَا يُدْرِكهَا طَالب وَلَا ينجو مِنْهَا هارب حَتَّى
أَن الرجل ليَتَعَوَّذ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيه من
خَلفه فَتَقول: يَا فلَان الْآن تصلي
فَيقبل عَلَيْهَا فَتَسِمهُ فِي وَجهه ثمَّ ينْطَلق ويشترك
النَّاس فِي الْأَمْوَال ويصطحبون فِي الْأَمْصَار يعرف
الْمُؤمن من الْكَافِر حَتَّى أَن الْمُؤمن ليقول: يَا كَافِر
أقضني حَقي وَحَتَّى أَن الْكَافِر ليقول: يَا مُؤمن أقضني
حَقي
(6/381)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله: صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بئس الشّعب جِيَاد مرَّتَيْنِ أَو
ثَلَاثًا قَالُوا: وَبِمَ ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: تخرج
مِنْهُ الدَّابَّة فتصرخ ثَلَاث صرخات فيسمعها من بَين
الْخَافِقين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تخرج دَابَّة الأَرْض من جِيَاد فَيبلغ صدرها الرُّكْن وَلم
يخرج ذنبها بعد قَالَ: وَهِي دَابَّة ذَات وبر وقوائم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن ماجة وَابْن
مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ: ذهب بِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَوضِع بالبادية قريب من مَكَّة فَإِذا
أَرض يابسة حولهَا رمل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم تخرج الدَّابَّة من هَذَا الْموضع فَإِذا شبر فِي شبر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ: قيل
لعَلي بن أبي طَالب: إِن نَاسا يَزْعمُونَ أَنَّك دَابَّة
الأَرْض فَقَالَ: وَالله إِن لدابة الأَرْض ريشاً وزغبا
وَمَالِي ريش وَلَا زغب وَإِن لَهَا لحافر وَمَا لي من حافر
وَإِنَّهَا لتخرج حضر الْفرس الْجواد ثَلَاثًا وَمَا خرج
ثلثاها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ:
تخرج الدَّابَّة لَيْلَة جمع وَالنَّاس يَسِيرُونَ إِلَى منى
فتحملهم بَين نحرها وذنبها فَلَا يبْقى مُنَافِق إِلَّا خطمته
وتمسح الْمُؤمن فيصبحون وهم بشر من الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن
عمر قَالَ: لتخرج الدَّابَّة من جبل جِيَاد فِي أَيَّام
التَّشْرِيق وَالنَّاس بمنى قَالَ: فَلذَلِك جَاءَ سائق
الْحَاج بِخَبَر سَلامَة النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن
الدَّابَّة فِيهَا من كل لون مَا بَين قرنيها فَرسَخ للراكب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: تخرج الدَّابَّة من صدع فِي
الصَّفَا كجري الْفرس ثَلَاثَة أَيَّام لم يخرج ثلثهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ:
تخرج الدَّابَّة من تَحت صَخْرَة بجياد تسْتَقْبل الْمشرق
فتصرخ صرخة ثمَّ تسْتَقْبل الشَّام فتصرخ صرخة منفذة ثمَّ تروح
من مَكَّة فَتُصْبِح بعسفان قيل: ثمَّ مَاذَا قَالَ: لَا أعلم
(6/382)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس:
الدَّابَّة مؤلفة ذَات زغب وَرِيش فِيهَا من ألوان الدَّوَابّ
كلهَا وفيهَا من كل أمة سِيمَا
وسيماها من هَذِه الْأمة أَنَّهَا تَتَكَلَّم بِلِسَان
عَرَبِيّ مُبين تلكمهم بكلامها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الزبير أَنه
وصف الدَّابَّة فَقَالَ: رَأسهَا رَأس ثَوْر وعينها عين
خِنْزِير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن أيل وعنقها عنق نعَامَة
وصدرها صدر أَسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هرة وذنبها
ذَنْب كَبْش وقوائمها قَوَائِم بعير بَين كل مفصلين مِنْهَا
اثْنَا عشر ذِرَاعا
تخرج مَعهَا عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان وَلَا يبْقى مُؤمن
إِلَّا نكتته فِي مَسْجده بعصا مُوسَى نُكْتَة بَيْضَاء فتفشو
تِلْكَ النُّكْتَة حَتَّى يبيض لَهَا وَجهه وَلَا يبْقى كَافِر
إِلَّا نكتت فِي وَجهه نُكْتَة سَوْدَاء بِخَاتم سُلَيْمَان
فتفشو تِلْكَ النُّكْتَة حَتَّى يسود لَهَا وَجهه
حَتَّى إِن النَّاس يتبايعون فِي الْأَسْوَاق: بكم ذَا يَا
مُؤمن وبكم ذَا يَا كَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَدَقَة بن مزِيد قَالَ: تَجِيء
الدَّابَّة إِلَى الرجل وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد
فتكتب بَين عَيْنَيْهِ: كَذَّاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: تخرج الدَّابَّة
مرَّتَيْنِ قبل يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يضْرب فِيهَا رجال
ثمَّ تخرج الثَّالِثَة عِنْد أعظم مَسَاجِدكُمْ فتأتي الْقَوْم
وهم مجتمعون عِنْد رجل فَتَقول: مَا يجمعكم عِنْد عَدو الله
فيبتدرون فَتَسِم الْمُؤمن حَتَّى أَن الرجلَيْن ليتبايعان
فَيَقُول هَذَا: خُذ يَا مُؤمن وَيَقُول هَذَا: خُذ يَا كَافِر
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن عَن عَمْرو بن الْعَاصِ
قَالَ: تخرج الدَّابَّة من شعب بالأجياد رَأسهَا تمس بِهِ
السَّحَاب وَمَا خرجت رجلهَا من الأَرْض تَأتي الرجل وَهُوَ
يُصَلِّي فَتَقول: مَا الصَّلَاة من حَاجَتك
مَا هَذَا إِلَّا تعوذ أَو رِيَاء فتخطمه
وَأخرج نعيم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أول الْآيَات الرّوم
ثمَّ الدَّجَّال وَالثَّالِثَة يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَالرَّابِعَة عِيسَى وَالْخَامِسَة الدُّخان وَالسَّادِسَة
الدَّابَّة
(6/383)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ
مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا
فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ
أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا
أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ
وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (86)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم نحْشر من كل
أمة فوجا مِمَّن يكذب بِآيَاتِنَا فهم يُوزعُونَ حَتَّى إِذا
جَاءُوا قَالَ أكذبتم بآياتي وَلم تحيطوا بهَا علما أماذا
كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَوَقع القَوْل
(6/383)
عَلَيْهِم بِمَا ظلمُوا فهم لَا ينطقون ألم
يرَوا أَنا جعلنَا اللَّيْل ليسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصرا
إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَوْم نحْشر من كل أمة
فوجاً} قَالَ: زمرة
وَفِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على
آخِرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {يُوزعُونَ}
قَالَ: يسافون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَوَقع
القَوْل} قَالَ: وَجب القَوْل
وَالْقَوْل الْغَضَب وَفِي قَوْله {وَالنَّهَار مبصراً} قَالَ:
منيراً وَالله أعلم
(6/384)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ
دَاخِرِينَ (87)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم ينْفخ فِي
الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا
من شَاءَ الله وكل أَتَوْهُ داخرين
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة فِي
قَوْله {فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا
من شَاءَ الله} قَالَ: هم الشُّهَدَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ
{وكل أَتَوْهُ داخرين} ممدودة مَرْفُوعَة التَّاء على معنى
فاعلوه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {وكل أَتَوْهُ داخرين} خَفِيفَة
بِنصب التَّاء على معنى جاؤه
يَعْنِي بِلَا مد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: حفظت عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّمْل {وكل
أَتَوْهُ داخرين} على معنى جاؤه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {داخرين} قَالَ: صاغرين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ:
الداخر: الصاغر الراهب لِأَن الْمَرْء اذا فزع إِنَّمَا همته
الْهَرَب من الْأَمر الَّذِي فزع مِنْهُ فَلَمَّا نفخ فِي
الصُّور فزعوا فَلم يكن لَهُم من الله منجا
(6/384)
وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَفْعَلُونَ (88)
- قَوْله تَعَالَى: وَترى الْجبَال تحسبها
جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء
إِنَّه خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} قَالَ:
قَائِمَة {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: احكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَترى الْجبَال تحسبها
جامدة} قَالَ: ثَابِتَة فِي أُصُولهَا لَا تتحرك {وَهِي تمر مر
السَّحَاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} يَقُول: أحسن كل
شَيْء خلقه وأتقنه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {صنع الله
الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: أحسن كل شَيْء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
{الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: أوثق كل شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ:
ألم تَرَ إِلَى كل دَابَّة كَيفَ تبقى على نَفسهَا
(6/385)
مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ
يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا
مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
- قَوْله تَعَالَى: من جَاءَ بِالْحَسَنَة
فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون وَمن جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار هَل تُجْزونَ إِلَّا
مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من جَاءَ
بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ: هِيَ لَا إِلَه إِلَّا
الله {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار}
قَالَ: هِيَ الشّرك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الموجبتين قَالَ {من جَاءَ
بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون
وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار هَل
تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: من لَقِي
الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا دخل الْجنَّة وَمن لَقِي الله
يُشْرك بِهِ دخل النَّار
(6/385)
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكنى عَن صَفْوَان
بن عَسَّال قَالَ: قَالَ رَسُول الله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ الايمان والشرك يجثوان
بَين يَدي الرب فَيَقُول الله للإِيمان: انْطلق أَنْت وَأهْلك
إِلَى الْجنَّة
وَيَقُول للشرك: انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى النَّار ثمَّ تَلا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من جَاءَ بِالْحَسَنَة
فَلهُ خير مِنْهَا} يَعْنِي: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن
جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي: الشّرك {فكبت وُجُوههم فِي
النَّار}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَجِيء الاخلاص
والشرك يَوْم الْقِيَامَة فيجثوان بَين يَدي الرب فَيَقُول
الرب للاخلاص: انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى الْجنَّة ثمَّ
يَقُول للشرك انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى النَّار ثمَّ تَلا
هَذِه الْآيَة {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك {فكبت
وُجُوههم فِي النَّار}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن كَعْب
بن عجْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله
الله {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا} يَعْنِي بهَا
شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي بهَا الشّرك يُقَال: هَذِه تنجي
وَهَذِه تردي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخارئطي فِي
مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن مَسْعُود {من جَاءَ
بِالْحَسَنَة}
(6/386)
قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ} قَالَ: بالشرك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ
قَالَ: كَانَ حُذَيْفَة جَالِسا فِي حَلقَة فَقَالَ: مَا
تَقولُونَ فِي هَذِه الْآيَة {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير
مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فكبت وُجُوههم فِي النَّار} فَقَالُوا: نعم يَا حُذَيْفَة من
جَاءَ بِالْحَسَنَة ضعفت لَهُ عشرا أَمْثَالهَا
فَأخذ كفا من حَصى يضْرب بِهِ الأَرْض وَقَالَ: تَبًّا لكم
وَكَانَ حديداً وَقَالَ: من جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن جَاءَ بالشرك وَجَبت لَهُ النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس {من جَاءَ بِالْحَسَنَة}
قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله {فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ:
مِنْهَا وصل إِلَى الْخَيْر {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}
قَالَ: الشّرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
{من جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {من
جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَأبي صَالح
وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَقَتَادَة وَمُجاهد
وَمثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَلهُ خير مِنْهَا}
قَالَ: ثَوَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {من جَاءَ بِالْحَسَنَة}
قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {فَلهُ خير مِنْهَا}
قَالَ ج يُعْطي بِهِ الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: ثمن الْجنَّة لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زرْعَة بن إِبْرَاهِيم {من جَاءَ
بِالْحَسَنَة} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {فَلهُ خير
مِنْهَا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله خير
لَيْسَ شَيْء أخير من لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وهم من فزع
يَوْمئِذٍ آمنون} ينون فزع وَينصب يَوْمئِذٍ
(6/387)
إِنَّمَا أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا
وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ
إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا أمرت أَن اعبد
رب هَذِه الْبَلدة الَّتِي حرمهَا وَله كل شَيْء وَأمرت أَن
أكون من الْمُسلمين وَأَن اتلو الْقُرْآن فَمن اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنَفسِهِ وَمن ضل فَقل إِنَّمَا أَنا من
الْمُنْذرين وَقل الْحَمد لله سيريكم آيَاته فتعرفونها وَمَا
رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن أعبد
رب هَذِه الْبَلدة} قَالَ: مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: زعم النَّاس
أَنَّهَا مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: هِيَ منى
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ فِي حرف
ابْن مَسْعُود / وَأَن اتل الْقُرْآن / على الْأَمر وَفِي حرف
أُبي بن كَعْب (واتل عَلَيْهِم الْقُرْآن)
(6/387)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {سيريكم آيَاته فتعرفونها}
قَالَ: فِي أَنفسكُم وَفِي السَّمَاء وَفِي الأَرْض وَفِي
الرزق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا كَانَ فِي
الْقُرْآن {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ
وَمَا كَانَ {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ
(6/388)
|