الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة العنكبوت
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَسِتُّونَ
- مُقَدّمَة سُورَة العنكبوت أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة العنكبوت بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة العنكبوت بِمَكَّة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي السّنَن عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي
فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات
يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الاولى بالعنكبوت أَو الرّوم وَفِي
الثَّانِيَة بيس
(6/449)
الم (1) أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ (3)
- آلمَ أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن
يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم
فليعملن الله الَّذين صدقُوا وليعلمن الْكَاذِبين أخرج عبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {آلمَ} {أَحسب النَّاس
أَن يتْركُوا} قَالَ: أنزلت فِي أنَاس بِمَكَّة قد اقروا
بالإِسلام فَكتب إِلَيْهِم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة لما نزلت آيَة الْهِجْرَة:
إِنَّه لَا يقبل مِنْكُم قَرَار وَلَا إِسْلَام حَتَّى تهاجروا
قَالَ: فَخَرجُوا عَامِدين إِلَى الْمَدِينَة فأتبعهم
الْمُشْركُونَ فردوهم فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة فَكَتَبُوا
إِلَيْهِم أَنه قد نزلت فِيكُم آيَة كَذَا وَكَذَا فَقَالُوا:
نخرج فَإِن اتَّبعنَا أحد قَاتَلْنَاهُ
فَخَرجُوا فاتبعهم الْمُشْركُونَ فقاتلوهم فَمنهمْ من قتل
وَمِنْهُم من نجا فَأنْزل الله فيهم {ثمَّ إِن رَبك للَّذين
هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا إِن رَبك من
بعْدهَا لغَفُور رَحِيم} النَّحْل الْآيَة 110
(6/449)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {الم} {أَحسب النَّاس} قَالَ نزلت فِي
أنَاس من أهل مَكَّة خَرجُوا يُرِيدُونَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَعرض لَهُم الْمُشْركُونَ فَرَجَعُوا فَكتب
إِلَيْهِم إخْوَانهمْ بِمَا نزل فيهم من الْقُرْآن فَخَرجُوا
فَقتل من قتل وخلص من خلص فَنزل الْقُرْآن (وَالَّذين جاهدوا
فِينَا لنهدينهم سبلنا)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَات فِي الْقَوْم
الَّذين ردهم الْمُشْركُونَ إِلَى مَكَّة وَهَؤُلَاء الْآيَات
الْعشْر مدنيات وسائرها مكي
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
عَسَاكِر عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: نزلت فِي
عمار بن يَاسر يعذَّب فِي الله {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: سَمِعت ابْن
عُمَيْر وَغَيره يَقُولُونَ: كَانَ أَبُو جهل لَعنه الله يعذب
عمار بن يَاسر وَأمه وَيجْعَل على عمار درعاً من حَدِيد فِي
الْيَوْم الصَّائِف وَطعن فِي حَيا أمه بِرُمْح
فَفِي ذَلِك نزلت {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا
آمنا وهم لَا يفتنون}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم لَا يفتنون} قَالَ: لَا يبتلون فِي
أَمْوَالهم وأنفسهم {وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم} قَالَ:
ابتلينا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم
لَا يفتنون} قَالَ: يبتلون {وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم}
قَالَ: ابتلينا الَّذين من قبلهم {فليعلمن الله الَّذين
صدقُوا} قَالَ: ليعلم الصَّادِق من الْكَاذِب والطائع من
العَاصِي وَقد كَانَ يُقَال: إِن الْمُؤمن ليضْرب بالبلاء
كَمَا يفتن الذَّهَب بالنَّار وَكَانَ يُقَال: إِن مثل
الْفِتْنَة كَمثل الدِّرْهَم الرِّيف يَأْخُذهُ الْأَعْمَى
وَيَرَاهُ الْبَصِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ
يقْرَأ {فليعلمن الله الَّذين صدقُوا وليعلمن الْكَاذِبين}
قَالَ: يعلمهُمْ النَّاس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة
(6/450)
قَالَ: كَانَ الله يبْعَث النَّبِي إِلَى
أمته فيلبث فيهم إِلَى انْقِضَاء اجله فِي الدُّنْيَا ثمَّ
يقبضهُ الله إِلَيْهِ فَتَقول الْأمة من بعده أَو من شَاءَ
الله مِنْهُم: إِنَّا على منهاج النَّبِي وسبيله فَينزل الله
بهم الْبلَاء فَمن ثَبت مِنْهُم على مَا كَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ
الصَّادِق وَمن خَالف إِلَى غير ذَلِك فَهُوَ الْكَاذِب
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: أول من أظهر اسلامه سَبْعَة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَسُميَّة أم
عمار وعمار وصهيب وبلال والمقداد فَأَما رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَمَنعه الله بِعَمِّهِ أبي طَالب وَأما أَبُو
بكر فَمَنعه الله بقَوْمه وَأما سَائِرهمْ فَأَخذهُم
الْمُشْركُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ ادراع الْحَدِيد فَإِنَّهُ
هَانَتْ عَلَيْهِ نَفسه فِي الله وَهَان على قومه فَأَخَذُوهُ
فَأَعْطوهُ الْولدَان فَجعلُوا يطوفون بِهِ فِي شعاب مَكَّة
وَهُوَ يَقُول: أحد أحد
وَالله تَعَالَى أعلم
(6/451)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا
يَحْكُمُونَ (4)
- قَوْله تَعَالَى: أم حسب الَّذين
يعْملُونَ السَّيِّئَات أَن يسبقونا سَاءَ مايحكمون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
{أم حسب الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات} قَالَ: الشّرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {أَن يسبقونا} قَالَ: ان يعجزونا
(6/451)
مَنْ كَانَ يَرْجُو
لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا
يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)
- قَوْله تَعَالَى: من كَانَ يَرْجُو
لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
وَمن جَاهد فَإِنَّمَا يُجَاهد لنَفسِهِ إِن الله لَغَنِيّ عَن
الْعَالمين وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنكفرن
عَنْهُم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يَرْجُو
لِقَاء الله} قَالَ: من كَانَ يخْشَى الْبَعْث فِي الْآخِرَة
(6/451)
وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ
لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
- قَوْله تَعَالَى: وَوَصينَا الإِنسان
بِوَالِديهِ حسنا وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك
بِهِ علم فَلَا تطعهما إِلَيّ مرجعكم فأنبئكم بِمَا كُنْتُم
تَعْمَلُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لندخلنهم
فِي الصَّالِحين
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت أُمِّي: لَا
آكل طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى تكفر بِمُحَمد فامتنعت
من الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى جعلُوا يسجرون فاها بالعصا
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَوَصينَا الإِنسان بِوَالِديهِ حسنا
وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا
تطعهما} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَوَصينَا الإِنسان بِوَالِديهِ
حسنا وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا
تطعهما} قَالَ: أنزلت فِي سعد بن مَالك رَضِي الله عَنهُ لما
هَاجر قَالَت امهِ: وَالله لَا يُظِلنِي ظلّ حَتَّى يرجع
فَأنْزل الله فِي ذَلِك أَن يحسن إِلَيْهِمَا وَلَا يطيعهما
فِي الشّرك
(6/452)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ
فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ
مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ
اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْمُنَافِقِينَ (11)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يَقُول
آمنا بِاللَّه فَإِذا أوذي فِي الله جعل فتْنَة النَّاس كعذاب
الله وَلَئِن جَاءَ نصر من رَبك ليَقُولن إِنَّا كُنَّا
مَعكُمْ أوليس الله بِأَعْلَم بِمَا فِي صُدُور الْعَالمين
وليعلمن الله الَّذين آمنُوا وليعلمن الْمُنَافِقين
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه
فَإِذا أوذي فِي الله} إِلَى قَوْله {وليعلمن الْمُنَافِقين}
قَالَ: أنَاس يُؤمنُونَ بألسنتهم فَإِذا أَصَابَهُم بلَاء من
النَّاس أَو مُصِيبَة فِي أنفسهم أَو أَمْوَالهم فتنُوا
فَجعلُوا ذَلِك فِي الدُّنْيَا كعذاب الله فِي الْآخِرَة
(6/452)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه}
قَالَ: كَانَ أنَاس من الْمُؤمنِينَ آمنُوا وَهَاجرُوا فلحقهم
أَبُو سُفْيَان فَرد بَعضهم إِلَى مَكَّة فعذبهم فافتتنوا
فَأنْزل الله فيهم هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله
{فَإِذا أوذي فِي الله} قَالَ: إِذا أَصَابَهُ بلَاء فِي الله
عدل بِعَذَاب الله عَذَاب النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فتْنَة النَّاس} قَالَ: يرْتَد عَن
دين الله إِذا أوذي فِي الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَأَبُو نعيم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء عَن أنس رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد
أوذيت فِي الله وَمَا يُؤْذى أحد وَلَقَد أخفت فِي الله وَمَا
يخَاف أحد وَلَقَد أَتَت عَليّ ثَالِثَة وَمَا لي ولبلال
طَعَام يَأْكُلهُ ذُو كبد إِلَّا مَا يواري ابط بِلَال
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله
{وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه} قَالَ: نَاس من
الْمُنَافِقين بِمَكَّة كَانُوا يُؤمنُونَ فَإِذا أوذوا
وأصابهم بلَاء من الْمُشْركين رجعُوا إِلَى الْكفْر والشرك
مَخَافَة من يؤذيهم وَجعلُوا اذى النَّاس فِي الدُّنْيَا كعذاب
الله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس
من يَقُول آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {وليعلمن
الْمُنَافِقين} قَالَ: هَذِه الْآيَات نزلت فِي الْقَوْم
الَّذين ردهم الْمُشْركُونَ إِلَى مَكَّة وَهَذِه الْآيَات
الْعشْر مَدَنِيَّة
(6/453)
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا
وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ
خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ
أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا
كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين كفرُوا
للَّذين آمنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وماهم بحاملين
من خطاياهم من شئ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ وليحملن أثقالهم
وأثقالاً مَعَ أثقالهم وليسألن يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا
كَانُوا يفترون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
(6/453)
حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل
خطاياكم} قَالَ: قَول كفار قُرَيْش بِمَكَّة لمن آمن مِنْهُم
قَالُوا: لَا نبعث نَحن وَلَا أَنْتُم فاتبعونا فَإِن كَانَ
عَلَيْكُم شَيْء فعلينا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَقَالَ
الَّذين كفرُوا} هم القادة من الْكفَّار {للَّذين آمنُوا} لمن
آمن من الِاتِّبَاع {اتبعُوا سبيلنا} ديننَا واتركوا دين
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا هم بحاملين} قَالَ: بفاعلين
{وليحملن أثقالهم} قَالَ: أوزارهم {وأثقالا مَعَ أثقالهم}
قَالَ: أوزار من أَضَلُّوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو جهل
وصناديد قُرَيْش يتلقون النَّاس اذا جاؤا إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يسلمُونَ يَقُولُونَ: إِنَّه يحرم الْخمر
وَيحرم الزِّنَا وَيحرم مَا كَانَت تصنع الْعَرَب فَارْجِعُوا
فَنحْن نحمل أوزاركم
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم} قَالَ: هِيَ
مثل الَّتِي فِي النَّحْل {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم
الْقِيَامَة وَمن أوزار الَّذين يضلونهم} النَّحْل الْآيَة 25
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وليحملن
أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم} قَالَ: حملهمْ ذنُوب أنفسهم
وذنوب من اطاعهم وَلَا يُخَفف ذَلِك عَمَّن اطاعهم من
الْعَذَاب شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله
عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا
دَاع دَعَا إِلَى هدى فَاتبع عَلَيْهِ وَعمل بِهِ فَلهُ مثل
أجور الَّذين اتَّبعُوهُ وَلَا ينقص ذَلِك من أُجُورهم شَيْئا
وَأَيّمَا داعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فأتبع عَلَيْهَا وَعمل
بهَا فَعَلَيهِ مثل أوزار الَّذين اتَّبعُوهُ وَلَا ينقص ذَلِك
من أوزارهم شَيْئا قَالَ عون: وَكَانَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ
مِمَّا يقْرَأ عَلَيْهَا {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ
أثقالهم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اياكم وَالظُّلم
فَإِن الله يَقُول يَوْم الْقِيَامَة: وَعِزَّتِي لَا يجيزني
الْيَوْم ظلم ثمَّ يُنَادي مُنَاد
(6/454)
فَيَقُول: أَيْن فلَان بن فلَان فَيَأْتِي
فيتبعه من الْحَسَنَات أَمْثَال الْجبَال فيشخص النَّاس
إِلَيْهَا أَبْصَارهم ثمَّ يقوم بَين يَدي الرَّحْمَن ثمَّ
يَأْمر الْمُنَادِي يُنَادي: من كَانَت لَهُ تباعة أَو ظلامة
عِنْد فلَان بن فلَان فَهَلُمَّ فَيقومُونَ حَتَّى يجتمعوا
قيَاما بَين يَدي الرَّحْمَن فَيَقُول الرَّحْمَن: اقضوا عَن
عَبدِي فَيَقُولُونَ: كَيفَ نقضي عَنهُ فَيَقُول: خُذُوا لَهُ
من حَسَنَاته
فَلَا يزالون يَأْخُذُونَ مِنْهَا حَتَّى لَا تبقى مِنْهَا
حَسَنَة وَقد بَقِي من أَصْحَاب الظلامات فَيَقُول: اقضوا عَن
عَبدِي فَيَقُولُونَ: لم يبْق لَهُ حَسَنَة فَيَقُول: خُذُوا
من سيئاته فاحملوها عَلَيْهِ ثمَّ نزع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْآيَة {وليحملن أثقالهم وأثقالاً
مَعَ أثقالهم}
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ
رجل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمْسك
الْقَوْم ثمَّ إِن رجلا أعطَاهُ فَأعْطى الْقَوْم فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سنّ خيرا فاستن بِهِ
كَانَ لَهُ أجره وَمن أجور من تَبِعَهُمْ غير منتقص من
أُجُورهم شَيْئا وَمن أسن شرا فاستن بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وزره
وَمن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شَيْئا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم سِيرُوا سبق المفردون
قيل: يَا رَسُول الله وَمن المفردون قَالَ: الَّذين يهترون فِي
ذكر الله يضع الذّكر عَنْهُم أثقالهم فَيَأْتُونَ يَوْم
الْقِيَامَة خفافا
(6/455)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
(14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا
آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أرسلنَا نوحًا
إِلَى قومه فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَأَخذهُم
الطوفان وهم ظَالِمُونَ فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة
وجعلناه آيَة للْعَالمين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث
الله نوحًا وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة ولبث فيهم ألف سنة
إِلَّا خمسين عَاما يَدعُوهُم إِلَى الله وعاش بعد الطوفان
سِتِّينَ سنة حَتَّى كثر النَّاس وفشوا
(6/455)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام قبل أَن
يبْعَث إِلَى قومه وَبَعْدَمَا بعث الْفَا وَسَبْعمائة سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ لي ابْن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا كم لبث نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي قومه
قلت: ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما قَالَ: فَإِن من كَانَ
قبلكُمْ كَانُوا أطول أعماراً ثمَّ لم يزل النَّاس ينقصُونَ
فِي الْأَخْلَاق والآجال والأحلام والأجسام إِلَى يومهم هَذَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عون بن أبي شَدَّاد رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ: إِن الله أرسل نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى
قومه وَهُوَ ابْن خمسين وثلاثمائة سنة فَلبث فيهم ألف سنة
إِلَّا خمسين عَاما ثمَّ عَاشَ بعد ذَلِك خمسين وثلاثمائة سنة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الدُّنْيَا عَن أنس
بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى
نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا أطول النَّبِيين عمرا
كَيفَ وجدت الدُّنْيَا ولذتها قَالَ: كَرجل ردخل بَيْتا لَهُ
بَابَانِ فَوقف وسط الْبَاب هنيهة ثمَّ خرج من الْبَاب الآخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله
{فَأَخذهُم الطوفان} قَالَ: المَاء الَّذِي أرسل عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ
{الطوفان} الْغَرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة}
قَالَ: نوح وَبَنوهُ وَنسَاء بنيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجعلناها آيَة للْعَالمين}
قَالَ: أبقاها الله آيَة فَهِيَ على الجودي
وَالله أعلم
(6/456)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ
قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ
إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا
يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ
الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
(19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ
الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي
السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ
وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ
وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ
إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ
اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ
بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ
النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ
لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ
وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ
فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
- قَوْله تَعَالَى: وابراهيم إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم
تعلمُونَ إِنَّمَا تَعْبدُونَ من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا
إِن الَّذين تَعْبدُونَ من دون الله لَا يملكُونَ لكم رزقا
فابتغوا عِنْد الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ وَإِلَيْهِ
ترجعون وَإِن تكذبوا فقد كذب
(6/456)
أُمَم من قبلكُمْ وَمَا على الرَّسُول
إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين أولم يرَوا كَيفَ يُبْدِئ الله
الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ إِن ذَلِك على الله يسير قل سِيرُوا فِي
الأَرْض فانظروا كَيفَ بَدَأَ الْخلق ثمَّ الله ينشيء النشأة
الْآخِرَة أَن الله على كل شَيْء قدير يعذب من يَشَاء وَيرْحَم
من يَشَاء وَإِلَيْهِ تقلبون وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي
الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لكم من دون الله من ولي
وَلَا نصير وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله ولقائه أُولَئِكَ
يئسوا من رَحْمَتي وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم فَمَا
كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَو حرقوه
فأنجاه الله من النَّار إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ
وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثاناً مَوَدَّة
بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة
يكفر بَعْضكُم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا ومأواكم النَّار
وَمَا لكم من ناصرين فَآمن لَهُ لوط وَقَالَ إِنِّي مهَاجر
إِلَى رَبِّي إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم وَوَهَبْنَا
لَهُ اسحق وَيَعْقُوب وَجَعَلنَا فِي ذُريَّته النُّبُوَّة
وَالْكتاب وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي
الْآخِرَة لمن الصَّالِحين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{إِنَّمَا تَعْبدُونَ من دون الله أوثاناً} قَالَ: أصناماً
{وتخلقون إفكا} قَالَ: تَصْنَعُونَ أصناماً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله
{وتخلقون إفكا} قَالَ: تنحتون
(6/457)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وتخلقون إفكا} قَالَ:
تَصْنَعُونَ كذبا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَيفَ يُبْدِئ الله الْخلق
ثمَّ يُعِيدهُ} قَالَ: يَبْعَثهُ
وَفِي قَوْله {فانظروا كَيفَ بَدَأَ الْخلق} قَالَ: خلق
السَّمَوَات وَالْأَرْض {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة}
قَالَ: الْبَعْث بعد الْمَوْت
وَفِي قَوْله {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه} قَالَ: قوم
إِبْرَاهِيم
وَفِي قَوْله {فأنجاه الله من النَّار} قَالَ: قَالَ كَعْب مَا
أحرقت النَّار مِنْهُ إِلَّا وثَاقه
وَفِي قَوْله {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثاناً
مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: انخذوها
لثوابها فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة
يكفر بَعْضكُم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ: صَارَت
كل خلة فِي الدُّنْيَا عَدَاوَة على أَهلهَا يَوْم الْقِيَامَة
إِلَّا خلة الْمُتَّقِينَ
وَفِي قَوْله {فَآمن لَهُ لوط} قَالَ: فصدقة لوط {وَقَالَ
إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: هاجرا جَمِيعًا من كوثي:
وَهِي من سَواد الْكُوفَة إِلَى الشَّام
وَفِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ:
عَافِيَة وَعَملا صَالحا وثناء حسنا فلست تلقى أحدا من أهل
الْملَل إِلَّا يرضى إِبْرَاهِيم يَتَوَلَّاهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود رَضِي الله
عَنهُ أَنه قَرَأَ {وتخلقون افكا} خفيفتين وَقَرَأَ {اوثاناً
مَوَدَّة} مَنْصُوبَة منونة {بَيْنكُم} نصب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جبلة بن سحيم قَالَ: سَأَلت ابْن
عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن صَلَاة الْمَرِيض على الْعود
قَالَ: لَا آمركُم أَن تَتَّخِذُوا من دون الله أوثاناً
إِن اسْتَطَعْت أَن تصلي قَائِما وَإِلَّا فقاعداً وَإِلَّا
فمضطجعاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {النشأة الْآخِرَة} قَالَ: هِيَ الْحَيَاة بعد
الْمَوْت: وَهُوَ النشور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَآمن لَهُ لوط}
قَالَ: صدق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي
مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: هُوَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ
السَّلَام الْقَائِل إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي
(6/458)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي}
قَالَ: إِلَى حران
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي
مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: إِلَى الشَّام كَانَ مهَاجر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سيهاجر خِيَار أهل
الأَرْض هِجْرَة بعج هِجْرَة إِلَى مهَاجر إِبْرَاهِيم
عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: أول من هَاجر من الْمُسلمين إِلَى الْحَبَشَة بأَهْله
عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صحبهما الله إِن عُثْمَان لأوّل من هَاجر إِلَى الله بأَهْله
بعد لوط
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: هَاجر عُثْمَان إِلَى الْحَبَشَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه أول من هَاجر
بعد إِبْرَاهِيم وَلُوط
وَأخرج ابْن عَسَاكِر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى
عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ بَين عُثْمَان ورقية وَبَين
لوط من مهَاجر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: أول من هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عُثْمَان بن عَفَّان كَمَا هَاجر لوط إِلَى إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاق وَيَعْقُوب} قَالَ: هما ولدا إِبْرَاهِيم
وَفِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ: إِن
الله رَضِي أهل الْأَدْيَان بِدِينِهِ فَلَيْسَ من أهل دين
إِلَّا وهم يتولون إِبْرَاهِيم ويرضون بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره
فِي الدُّنْيَا} قَالَ: الثَّنَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ: الْوَلَد الصَّالح
وَالثنَاء
(6/459)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ
بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ
فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ
إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ
مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى
الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا
إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ
هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ
فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ
كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا
وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ
وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
(33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ
رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (35)
- قَوْله تَعَالَى: ولوطا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ إِنَّكُم لتأتون الْفَاحِشَة مَا سبقكم بهَا من أحد
من الْعَالمين أإنكم لتأتون الرِّجَال وتقطعون السَّبِيل
وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا
أَن قَالُوا إئتنا بِعَذَاب الله إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ
رب انصرني على الْقَوْم المفسدين وَلما جَاءَت رسلنَا
إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا إِنَّا مهلكو أهل هَذِه الْقرْيَة
إِن أَهلهَا كَانُوا ظالمين قَالَ إِن فِيهَا لوطاً قَالُوا
نَحن أعلم بِمن فِيهَا لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته
كَانَت من الغابرين وَلما أَن جَاءَت رسلنَا لوطاً سيء بهم
وضاق بهم ذرعا وَقَالُوا لَا تخف وَلَا تحزن إِنَّا منجوك
وَأهْلك إِلَّا امْرَأَتك كَانَت من الغابرين إِنَّا منزلون
على أهل هَذِه الْقرْيَة رجزا من السَّمَاء بِمَا كَانُوا
يفسقون وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة لقوم يعْقلُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {وتقطعون السَّبِيل} قَالَ: الطَّرِيق إِذا مر بهم
الْمُسَافِر وَهُوَ ابْن السَّبِيل قطعُوا بِهِ وَعمِلُوا بِهِ
ذَلِك الْعَمَل الْخَبيث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي
قَوْله {وتأتون فِي ناديكم} قَالَ: مجلسكم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصمت وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والشاشي فِي مُسْنده
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أم
هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَأَلت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى
(6/460)
{وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ
كَانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ فيخذفون ابْن السَّبِيل
ويسخرون مِنْهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخذف وَهُوَ قَول
الله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر}
وَأخرج ابْن ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ:
الْخذف فَقَالَ رجل: وَمَالِي قلت هَكَذَا فَأخذ ابْن عمر كفا
من حَصْبَاء فَضرب بِهِ وَجهه وَقَالَ: فِي حَدِيث رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْخُذ بالمعاريض
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الْخذف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: كَانُوا يخذفون
النَّاس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي
مساوىء الْأَخْلَاق عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتأتون فِي
ناديكم الْمُنكر} قَالَ: كَانَ يُجَامع بَعضهم بَعْضًا فِي
الْمجَالِس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وتأتون فِي
ناديكم الْمُنكر} قَالَ كَانُوا يعْملُونَ الْفَاحِشَة فِي
مجَالِسهمْ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله
{وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الضراط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن
مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن
قَول الله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} مَاذَا كَانَ الْمُنكر
الَّذِي كَانُوا يأْتونَ قَالَ: كَانُوا يتضارطون فِي
مجَالِسهمْ يضرط بَعضهم على بعض
والنادي هُوَ الْمجْلس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الصفير وَلعب
الْحمام والجلاهق وَحل ازرار القباء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ إِن فِيهَا لوطاً قَالُوا
نَحن أعلم بِمن فِيهَا}
(6/461)
قَالَ: لَا يلقى الْمُؤمن إِلَّا يرحم
الْمُؤمن ويحوطه حَيْثُمَا كَانَ وَفِي قَوْله {إِلَّا
امْرَأَته كَانَت من الغابرين} قَالَ: من البَاقِينَ فِي
عَذَاب الله
وَفِي قَوْله {وَلما جَاءَت رسلنَا لوطاً سيء بهم وضاق بهم
ذرعاً} قَالَ: سَاءَ بقَوْمه ظنا يتخوّفهم على اضيافه وضاق
ذرعاً بضيفه مَخَافَة عَلَيْهِم
وَفِي قَوْله {إِنَّا منزلون على أهل هَذِه الْقرْيَة رجزاً من
السَّمَاء} قَالَ: عذَابا من السَّمَاء
وَفِي قَوْله {وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة} قَالَ:
هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي أمْطرت عَلَيْهِم أبقاها الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد
تركنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة} قَالَ: عِبْرَة
(6/462)
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا
وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ
وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى
بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا
سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ
مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ
أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ
الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
(40)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِلَى مَدين أَخَاهُم
شعيبا فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله وارجوا الْيَوْم الآخر
وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين فَكَذبُوهُ فَأَخَذتهم الرجفة
فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين وعادا وثمودا وَقد تبين لكم من
مساكنهم وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن
السَّبِيل وَكَانُوا مستبصرين وَقَارُون وَفرْعَوْن وهامان
وَلَقَد جَاءَهُم مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فاستكبروا فِي
الأَرْض وَمَا كَانُوا سابقين فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ فَمنهمْ
من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصباً وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة
وَمِنْهُم من خسفنا بِهِ الأَرْض وَمِنْهُم من أغرقنا وَمَا
كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
{فَأَخَذتهم الرجفة} قَالَ: الصَّيْحَة
وَفِي قَوْله {وَكَانُوا مستبصرين} قَالَ: فِي الضَّلَالَة
(6/462)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين} قَالَ: ميتين
وَفِي قَوْله {وَكَانُوا مستبصرين} قَالَ: معجبين بضلالتهم
وَفِي قَوْله {فَمنهمْ من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصباً} قَالَ: هم
قوم لوط {وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة} قَالَ: قوم صَالح
وَقوم شُعَيْب {وَمِنْهُم من خسفنا بِهِ الأَرْض} قَالَ:
قَارون {وَمِنْهُم من أغرقنا} قَالَ: قوم نوح وَفرْعَوْن
وَقَومه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {أرسلنَا عَلَيْهِ حاصباً} قَالَ: حِجَارَة
(6/463)
مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ
الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
(41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ
شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
- قَوْله تَعَالَى: مثل الَّذين اتَّخذُوا
من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وَإِن
أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت لَو كَانُوا يعلمُونَ أَن الله
يعلم مَا يدعونَ من دونه من شَيْء وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مثل
الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت}
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للمشرك
انه لن يُغني عَنهُ إلهه شَيْئا من ضعفه وَقلة اجزائه مثل ضعف
بَيت العنكبوت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء} قَالَ:
ذَاك مثل ضربه الله لمن عبد غَيره
إِن مثله كَمثل بَيت العنكبوت
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن يزِيد بن مرْثَد رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
العنكبوت شَيْطَان مسخها الله فَمن وجدهَا فيلقتلها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن ميسرَة قَالَ (العنكبوت)
شَيْطَان
(6/463)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ:
نسجت العنكبوت مرَّتَيْنِ
مرّة على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَالثَّانيَِة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخلت أَنا وَأَبُو بكر
الْغَار فاجتمعت العنكبوت فَنسجَتْ بِالْبَابِ فَلَا تقتلوهن
(6/464)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ
نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
(43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
- قَوْله تَعَالَى: وَتلك الْأَمْثَال
نَضْرِبهَا للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ خلق
الله السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ إِن فِي ذَلِك لآيَة
للْمُؤْمِنين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: مَا مَرَرْت
بِآيَة فِي كتاب الله لَا أعرفهَا إِلَّا أحزنتني لِأَنِّي
سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا
للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ}
(6/464)
اتْلُ مَا أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ (45)
- قَوْله تَعَالَى: اتل مَا أُوحِي إِلَيْك
من الْكتاب وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَلذكر الله أكبر وَالله يعلم مَا
تَصْنَعُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى
عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} يَقُول: فِي الصَّلَاة مُنْتَهى
ومزدجر عَن معاصي الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر}
قَالَ: الصَّلَاة فِيهَا ثَلَاث خلال
الاخلاص والخشية وَذكر الله فَكل صَلَاة لَيْسَ فِيهَا من
هَذِه الْخلال فَلَيْسَ بِصَلَاة
فالاخلاص يَأْمُرهُ بِالْمَعْرُوفِ والخشية تنهاه عَن الْمُنكر
وَذكر الله الْقُرْآن يَأْمُرهُ وينهاه
(6/464)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرؤهَا (ان
الصَّلَاة تَأمر بِالْمَعْرُوفِ تنْهى عَن الْفَحْشَاء
وَالْمُنكر)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمرَان بن
حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} فَقَالَ من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَلَا صَلَاة لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لم يَزْدَدْ بهَا من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَلَا صَلَاة لهز وَفِي لفظ لم
يَزْدَدْ بهَا من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من صلى صَلَاة لم تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَن
الْمُنكر لم تزِدْه صلَاته من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد
ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا صَلَاة لمن لم يطع
الصَّلَاة وَطَاعَة الصَّلَاة أَن تنْهى عَن الْفَحْشَاء
وَالْمُنكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: إِن فلَانا يُطِيل
الصَّلَاة قَالَ: إِن الصَّلَاة لَا تَنْفَع إِلَّا من أطاعها
ثمَّ قَرَأَ {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: من لم تَأمره الصَّلَاة
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَن الْمُنكر لم يَزْدَدْ من الله
إِلَّا بعدا
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن فلَانا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ
فَإِذا أصبح سرق قَالَ: إِنَّه سينهاه مَا تَقول
(6/465)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: يَا ابْن آدم إِنَّمَا الصَّلَاة الَّتِي تنْهى
عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَإِن لم تنهك صَلَاتك عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَإنَّك لست تصلي
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى صَلَاة لم تَنْهَهُ عَن
الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عون الْأنْصَارِيّ
فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر}
قَالَ: إِذا كنت فِي صَلَاة فَأَنت فِي مَعْرُوف وَقد حجزتك
الصَّلَاة عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالَّذِي أَنْت فِيهِ
من ذكر الله أكبر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن
الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} قَالَ: مَا دمت
فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن
الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} قَالَ: الْقُرْآن
الَّذِي يقْرَأ فِي الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر}
قَالَ: وَلذكر الله لِعِبَادِهِ إِذا ذَكرُوهُ أكبر من ذكرهم
إِيَّاه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن ربيعَة
قَالَ: سَأَلَني ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قَول
الله {وَلذكر الله أكبر} فَقلت: ذكر الله بالتسبيح والتهليل
وَالتَّكْبِير
قَالَ: لَا
ذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ اياه ثمَّ قَرَأَ
{فاذكروني أذكركم} الْبَقَرَة الْآيَة 152
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي
زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله
عَنهُ {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: ذكر الله العَبْد أكبر من ذكر
العَبْد لله
وَأخرج ابْن السّني وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ ذكر الله إيَّاكُمْ أكبر
من ذكركُمْ إِيَّاه
(6/466)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله
{وَلذكر الله أكبر} قَالَ: هُوَ قَوْله {فاذكروني أذكركم}
فَذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلذكر الله أكبر}
قَالَ: لذكر الله عَبده أكبر من ذكر العَبْد ربه فِي الصَّلَاة
وَغَيرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وَلذكر الله أكبر} يَقُول:
لذكر الله إيَّاكُمْ إِذا ذكرتموه أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن جَابر قَالَ: سَأَلت أَبَا
قُرَّة عَن قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: ذكر الله أكبر من
ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلذكر الله}
عِنْدَمَا حرمه وَذكر الله إيَّاكُمْ أعظم من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي مَالك رَضِي الله
عَنهُ {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: ذكر الله العَبْد فِي
الصَّلَاة أكبر من الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: لَا شَيْء أكبر من ذكر
الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن معَاذ بن جبل
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا عمل آدَمِيّ عملا أنجى لَهُ من
عَذَاب الله من ذكر الله
قَالُوا: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَا أَن
يضْرب بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِع لِأَن الله تَعَالَى يَقُول
فِي كِتَابه {وَلذكر الله أكبر}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
عنترة قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَي
الْعَمَل أفضل قَالَ: ذكر الله أكبر وَمَا قعد قوم فِي بَيت من
بيُوت الله يدرسون كتاب الله ويتعاطونه بَينهم إِلَّا أظلتهم
الْمَلَائِكَة بأجنحتها وَكَانُوا أضياف الله مَا داموا فِيهِ
حَتَّى يفيضوا فِي حَدِيث غَيره وَمَا سلك رجل طَرِيقا يلْتَمس
فِيهِ الْعلم إِلَّا سهل الله لَهُ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: أَلا
(6/467)
أخْبركُم بِخَير أَعمالكُم وأحبها إِلَى
مليككم وأنماها فِي درجاتكم وَخير من أَن تلقوا عَدوكُمْ
فيضربوا رِقَابكُمْ وتضربوا رقابهم وَخير من اعطاء
الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم
قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: ذكر الله
{وَلذكر الله أكبر}
وَأخرج ح وَالْبَيْهَقِيّ عَن ام الدَّرْدَاء رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت {وَلذكر الله أكبر} وَإِن صليت فَهُوَ من ذكر
الله وَإِن صمت فَهُوَ من ذكر الله وكل خير تعمله فَهُوَ من
ذكر الله وكل شَرّ تجتنبه فَهُوَ من ذكر الله وَأفضل من ذَلِك
تَسْبِيح الله
وَأخرج ابْن جرير عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ أَي
الْعَمَل أفضل قَالَ: أما تقْرَأ الْقُرْآن {وَلذكر الله أكبر}
لَا شَيْء أفضل من ذكر الله
وَالله أعلم
(6/468)
وَلَا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي
أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا
وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ
مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا
الْكَافِرُونَ (47)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَا تجادلوا أهل
الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا
مِنْهُم وَقُولُوا آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وأزل
إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ
وَكَذَلِكَ أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُم
الْكتاب يُؤمنُونَ بِهِ وَمن هَؤُلَاءِ من يُؤمن بِهِ وَمَا
يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا
الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} قَالَ: الَّذين قَالُوا: مَعَ الله
اله أَو لَهُ ولد أَوله شريك أَو يَد الله مغلولة أَو الله
فَقير وَنحن أَغْنِيَاء أَو آذَى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهم أهل الْكتاب
وَفِي قَوْله {وَقُولُوا آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل
إِلَيْكُم} قَالَ: لمن يَقُول هَذَا مِنْهُم
يَعْنِي من لم يقل مَعَ الله اله أَوله ولد أَوله شريك أَو يَد
الله مغلولة أَو الله فَقِيرا وآذى مُحَمَّدًا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن}
قَالَ: إِن قَالُوا شرا فَقولُوا خيرا {إِلَّا الَّذين ظلمُوا
مِنْهُم} فانتصروا مِنْهُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم}
(6/468)
قَالَ: لَا تقاتلوا إِلَّا من قَاتل وَلم
يُعْط الْجِزْيَة وَمن أدّى مِنْهُم الْجِزْيَة فَلَا تَقولُوا
لَهُم إِلَّا حسنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أحسن} قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن حُسَيْن فِي الْآيَة
قَالَ {الَّتِي هِيَ أحسن} قُولُوا {آمنا بِالَّذِي أنزل
إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ
مُسلمُونَ} فَهَذِهِ مجادلتهم بِالَّتِي هِيَ أحسن
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن
قَتَادَة {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أحسن} قَالَ: نهى عَن مجادلتهم فِي هَذِه الْآيَة
ثمَّ نسخ ذَلِك فَقَالَ {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ
بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} وَلَا مجادلة أَشد من
السَّيْف
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان
عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أهل الْكتاب
يقرأون التَّوْرَاة بالعبرانية ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ
لأهل الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا تصدقوا أهل الْكتاب وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا {آمنا
بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم
وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير عَن عَطاء
بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت الْيَهُود يحدثُونَ
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسبحون
كَأَنَّهُمْ يعْجبُونَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا {آمنا
بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم
وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن سعد وَأحمد
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي نملة الانصاري رَضِي الله
عَنهُ أَن رجلا من الْيَهُود قَالَ لجنازة: أَنا أشهد أَنه
تَتَكَلَّم
فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَدثكُمْ
أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا:
آمنا بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله فَإِن كَانَ حَقًا لم تكذبوهم
وَإِن كَانَ بَاطِلا لم تُصَدِّقُوهُمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَفِي الشّعب والديلمي وَأَبُو
نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
تسألوا هَل الْكتاب عَن
(6/469)
شَيْء فَإِنَّهُم لن يهدوكم وَقد ضلوا
إِمَّا أَن تصدقوا بباطل أَو تكذبوا بِحَق وَالله لَو كَانَ
مُوسَى حَيا بَين أظْهركُم مَا حل لَهُ إِلَّا أَن يَتبعني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن زيد بن أسلم قَالَ: بَلغنِي أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسألوا أهل
الْكتاب عَن شَيْء فَإِنَّهُم لن يهدوكم وَقد ضلوا أنفسهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: لَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء
فَإِنَّهُم لن يهدوكم وَقد ضلوا لتكذبوا بِحَق وتصدقوا بباطل
فَإِن كُنْتُم سائليهم لَا محَالة فانظروا مَا واطأ كتاب الله
فَخُذُوهُ وَمَا خَالف كتاب الله فَدَعوهُ
(6/470)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو
مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا
لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ
بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا
الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
(50)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا كنت تتلو من قبله
من كتاب وَلَا تخطه بيمينك إِذا لارتاب المبطلون بل هُوَ آيَات
بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم وَمَا يجْحَد
بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلَا أنزل
عَلَيْهِ آيَات من ربه قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله
وَإِنَّمَا أَنا نَذِير مُبين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه
بيمينك} قَالَ: كَانَ أهل الْكتاب يَجدونَ فِي كتبهمْ أَن
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخط بِيَمِينِهِ وَلَا
يقْرَأ كتابا
فَنزلت {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك
إِذا لارتاب المبطلون} قُرَيْش
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
والاسمعيلي فِي مُعْجَمه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا
كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك} قَالَ: لم يكن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَلَا يكْتب كَانَ
أُمِّيا
وَفِي قَوْله {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين
أُوتُوا الْعلم} قَالَ: كَانَ الله أنزل شَأْن مُحَمَّد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل لأهل الْعلم
وَعلمه لَهُم وَجعله لَهُم آيَة فَقَالَ لَهُم: إِن آيَة نبوته
أَن يخرج حِين يخرج لَا يعلم كتابا وَلَا يخطه بِيَمِينِهِ
وَهِي الْآيَات الْبَينَات الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى
(6/470)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا
كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك} قَالَ: كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْرَأ كتابا قبله وَلَا
يخطه بِيَمِينِهِ وَكَانَ أُمِّيا لَا يكْتب
وَفِي قَوْله {آيَات بَيِّنَات} قَالَ: النَّبِي آيَة بَيِّنَة
{فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم من أهل الْكتاب} قَالَ:
وَقَالَ الْحسن: الْقُرْآن {آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور
الَّذين أُوتُوا الْعلم} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي
الْآيَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
يقْرَأ وَلَا يكْتب وَكَذَلِكَ جعل نَعته فِي التَّوْرَاة
والإِنجيل أَنه أُمِّي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب
وَهِي الْآيَة الْبَيِّنَة
وَهِي قَوْله {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}
قَالَ: يَعْنِي صفته الَّتِي وصف لأهل الْكتاب يعرفونه
بِالصّفةِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب} قَالَ: لم
يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَلَا يكْتب
(6/471)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ
أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ
آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ (52)
- قَوْله تَعَالَى: أولم يَكفهمْ أَنا
أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم إِن فِي ذَلِك
لرحمة وذكرى لقوم يُؤمنُونَ قل كفى بِاللَّه بيني وَبَيْنكُم
شَهِيدا يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالَّذين آمنُوا
بِالْبَاطِلِ وَكَفرُوا بِاللَّه أُولَئِكَ هم الخاسرون
أخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن يحي بن جعدة رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَاس من الْمُسلمين بكتب قد كتبوها
فِيهَا بعض مَا سَمِعُوهُ من الْيَهُود
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِقوم حمقا
أَو ضَلَالَة أَن يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيّهم
إِلَيْهِم إِلَى مَا جَاءَ بِهِ غَيره إِلَى غَيرهم
فَنزلت {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى
عَلَيْهِم} الْآيَة
وَأخرج الاسمعيلي فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق
يحيى ابْن جعدة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
كَانَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَكْتُبُونَ من
(6/471)
التَّوْرَاة فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أَحمَق الْحمق وأضل
الضَّلَالَة قوم رَغِبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيّهم إِلَى
نَبِي غير نَبِيّهم والى أمة غير أمتهم
ثمَّ أنزل الله {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب
يُتْلَى عَلَيْهِم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ: أَن حَفْصَة جَاءَت إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب من قصَص يُوسُف فِي كتف
فَجعلت تَقْرَأهُ عَلَيْهِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَتلون وَجهه فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو
أَتَاكُم يُوسُف وَأَنا بَيْنكُم فاتبعتموه وتركتموني
لَضَلَلْتُمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن الضريس وَالْحَاكِم
فِي الكنى وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن
ثَابت بن الْحَرْث الْأنْصَارِيّ قَالَ: دخل عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِكِتَاب فِيهِ مَوَاضِع من التَّوْرَاة فَقَالَ: هَذِه أصبتها
مَعَ رجل من أهل الْكتاب أعرضها عَلَيْك
فَتغير وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تغيراً
شَدِيدا لم أر مثله قطّ فَقَالَ عبد الله بن الْحَارِث لعمر
رَضِي الله عَنْهُمَا: أما ترى وَجه رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: رَضِينَا
بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا
فسرى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ وَلَو
نزل مُوسَى فأتبعوه وتركتموني لَضَلَلْتُمْ انا حظكم من
النَّبِيين وَأَنْتُم حظي من الْأُمَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي قلَابَة أَن
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مر بِرَجُل يقْرَأ كتابا
فاستمعه سَاعَة فَاسْتَحْسَنَهُ فَقَالَ للرجل: اكْتُبْ لي من
هَذَا الْكتاب قَالَ: نعم
فَاشْترى أديما فهيأه ثمَّ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ فنسخ لَهُ فِي
ظَهره وبطنه ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجعل يقرأه عَلَيْهِ وَجعل وَجه رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَتلون فَضرب رجل من الْأَنْصَار بِيَدِهِ
الْكتاب وَقَالَ: ثكلتك أمك يَا ابْن الْخطاب أما ترى وَوجه
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ الْيَوْم وَأَنت
تقْرَأ عَلَيْهِ هَذَا الْكتاب فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك إِنَّمَا بعثت فاتحاً وخاتماً
وَأعْطيت جَوَامِع الْكَلم وفواتحه وَاخْتصرَ لي الحَدِيث
اختصاراً فَلَا يهلكنكم المتهوكون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ:
سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تعلم
التَّوْرَاة فَقَالَ لَا تتعلمها وآمن بهَا وتعلموا مَا أنزل
إِلَيْكُم وآمنوا بِهِ
(6/472)
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْحسن أَن عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن أهل
الْكتاب يحدثونا بِأَحَادِيث قد أخذت بقلوبنا وَقد هممنا أَن
نكتبها فَقَالَ يَا ابْن الْخطاب أمتهوكون أَنْتُم كَمَا تهوكت
الْيَهُود والنصاري أما وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لقد
جِئتُكُمْ بهَا بَيْضَاء نقية وَلَكِنِّي أَعْطَيْت جَوَامِع
الْكَلم واخْتُصِرَ لي الحَدِيث اختصاراً
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن أبي ملكية قَالَ: أهْدى عبد
الله بن عَامر بن كرز إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
هَدِيَّة فظنت أَنه عبد الله بن عَمْرو فَردَّتهَا وَقَالَت:
يتتبع الْكتب وَقد قَالَ الله {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا
عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم} فَقيل لَهَا: إِنَّه عبد
الله بن عَامر
فَقَبلتهَا
(6/473)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ
الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ
يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
- قَوْله تَعَالَى: ويستعجلونك
بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أجل مُسَمّى لجاءهم الْعَذَاب
وليأتينهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ يستعجلونك بِالْعَذَابِ
وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين يَوْم يَغْشَاهُم الْعَذَاب
من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم وَيَقُول ذوقوا مَا كُنْتُم
تَعْمَلُونَ
أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} قَالَ:
قَالَ نَاس من جهلة هَذِه الْأمة {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا
هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو
ائتنا بِعَذَاب أَلِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وليأتينهم
بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} قَالَ: جَهَنَّم
هُوَ هَذَا الْبَحْر الْأَخْضَر تنتثر الْكَوَاكِب فِيهِ
وَيكون فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر ثمَّ تستوقد ثمَّ يكون هُوَ
جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة} قَالَ: الْبَحْر
(6/473)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَوْم يَغْشَاهُم الْعَذَاب}
قَالَ: النَّار
(6/474)
يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ
فَاعْبُدُونِ (56)
- قَوْله تَعَالَى: يَا عبَادي الَّذين
آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا
عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة} قَالَ: إِذا عمل فِي
الأَرْض بِالْمَعَاصِي فأخرجوا مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {إِن أرضي وَاسِعَة} قَالَ: من أَمر بِمَعْصِيَة فليهرب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون}
قَالَ: فَهَاجرُوا وَجَاهدُوا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْعُزْلَة وَابْن جرير عَن
عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: إِذا أمرْتُم بِالْمَعَاصِي فاذهبوا
فَإِن أرضي وَاسِعَة
وَأخرج أَحْمد عَن الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبِلَاد بِلَاد
الله والعباد عباد الله فَحَيْثُمَا أصبت خيرا فأقم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والقضاعي والشيرازي فِي الألقاب والخطيب
وَابْن النجار وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سافروا وتصحوا وتغنموا
(6/474)
كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (59)
- قَوْله تَعَالَى: كل نفس ذائقة الْمَوْت
ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات لنبوئنهم من الْجنَّة غرفا تجْرِي من تحتهَا
الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا نعم أجر العاملين الَّذين
صَبَرُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(6/474)
لما نزلت هَذِه الْآيَة إِنَّك ميت
وَإِنَّهُم ميتون) قلت: يَا رب أيموت الْخَلَائق كلهم []
وَتبقى الْأَنْبِيَاء نزلت {كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ
إِلَيْنَا ترجعون}
(6/475)
وَكَأَيِّنْ مِنْ
دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا
وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى
يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)
- قَوْله تَعَالَى: وكأين من دَابَّة لَا
تحمل رزقها الله يرزقها وَإِيَّاكُم وَهُوَ السَّمِيع
الْعَلِيم وَلَئِن سَأَلْتُم من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر ليَقُولن الله فَأنى يؤفكون الله
يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَهُ إِن الله بِكُل
شَيْء عليم وَلَئِن سَأَلْتُم من نزل من السَّمَاء ماءا فأحيا
بِهِ الأَرْض من بعد مَوتهَا ليَقُولن الله قل الْحَمد لله بل
أَكْثَرهم لايعقلون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دخل بعض حيطان الْمَدِينَة فَجعل يلتقط
من التَّمْر وَيَأْكُل فَقَالَ يَا ابْن عمر مَالك لَا تَأْكُل
قلت: لَا أشتهيه يَا رَسُول الله
قَالَ: لكني أشتهيه وَهَذِه صبح رَابِعَة مُنْذُ لم أذق
طَعَاما وَلم أَجِدهُ وَلَو شِئْت لَدَعَوْت رَبِّي
فَأَعْطَانِي مثل ملك كسى وَقَيْصَر فَكيف بك يَا ابْن عمر
إِذا بقيت فِي قوم يخبؤون رزق سنتهمْ ويضعف الْيَقِين قَالَ:
فو الله مَا برحنا ولارمنا حَتَّى نزلت {وكأين من دَابَّة لَا
تحمل رزقها الله يرزقها وَإِيَّاكُم وَهُوَ السَّمِيع
الْعَلِيم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن
الله لم يَأْمُرنِي بكنز الدُّنْيَا وَلَا بِاتِّبَاع
الشَّهَوَات أَلا وَإِنِّي لَا أكنز دِينَارا وَلَا درهما
وَلَا أدخر رزقا لغد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وكأين من دَابَّة لَا تحمل
رزقها} قَالَ: الطير والبهائم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن عَليّ بن الْأَقْمَر فِي قَوْله {وكأين من
دَابَّة لَا تحمل رزقها} قَالَ: لَا تظفر شَيْئا لغد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز فِي الْآيَة
قَالَ: من الدَّوَابّ لَا يَسْتَطِيع أَن يدّخر لغد يوفق رزقه
كل يَوْم حَتَّى يَمُوت
(6/475)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {فَأنى
يؤفكون} قَالَ: يعدلُونَ
(6/476)
وَمَا هَذِهِ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ
الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا
آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا هَذِه الْحَيَاة
الدُّنْيَا إِلَّا لخو وَلعب وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي
الْحَيَوَان لَو كَانُوا يعلمُونَ فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك
دعوا الله مُخلصين لَهُ الدّين فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر
إِذا هم يشركُونَ ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم وليتمتعوا فَسَوف
يعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن الدَّار
الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان} قَالَ: بَاقِيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لهي
الْحَيَوَان} قَالَ: الْحَيَاة الدائمة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الْإِيمَان عَن أبي جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عجبا كل الْعجب
للمصدق بدار الْحَيَوَان وَهُوَ يسْعَى لدار الْغرُور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك} قَالَ: الْخلق
كلهم يُقِرُّونَ لله أَنه رَبهم ثمَّ يشركُونَ بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فتمتعوا
فَسَوف تعلمُونَ} قَالَ: مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَسَوف
تَرَوْنَهُ وَمَا كَانَ فِي الْآخِرَة فسيبدو لكم
(6/476)
أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ
حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ
يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
- قَوْله تَعَالَى: أولم يرَوا أَنا جعلنَا
حرما آمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ أفبالباطل
يُؤمنُونَ وبنعمة الله يكفرون وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله
كذبا أَو كذب بِالْحَقِّ لما جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم
مثوى للْكَافِرِينَ وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا
وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ
(6/476)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا} قَالَ: قد
كَانَ لَهُم فِي ذَلِك آيَة إِن النَّاس يغزون ويتخطفون وهم
آمنون {أفبالباطل يُؤمنُونَ} أَي بالشرك {وبنعمة الله يكفرون}
أَي يجحدون
وَأخرج جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا أَنهم قَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا يمنعنا أَن ندخل
فِي دينك إِلَّا مَخَافَة أَن يتخطفنا النَّاس لقلتنا وَالْعرب
أَكثر منا فَمَتَى بَلغهُمْ أَنا قد دَخَلنَا فِي دينك اختطفنا
فَكُنَّا أَكلَة رَأس
فَأنْزل الله {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا} العنكبوت
الْآيَة 67
(6/477)
|