الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الرّوم
مَكِّيَّة وآياتها سِتُّونَ
- مُقَدّمَة سُورَة الرّوم أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الرّوم بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد بِسَنَد حسن عَن رجل من الصَّحَابَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم الصُّبْح فَقَرَأَ فِيهَا سُورَة الرّوم
وَأخرج الْبَزَّار عَن الاغر الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح بِسُورَة الرّوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر بن عبد الْملك بن عُمَيْر
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة بِسُورَة الرّوم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد وَابْن قَانِع من طَرِيق عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي روح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح فَقَرَأَ سُورَة الرّوم فتردد فِيهَا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ انما يلبس علينا صَلَاتنَا قوم يحْضرُون الصَّلَاة بِغَيْر طهُور من شهد الصَّلَاة فليحسن الطّهُور

(6/478)


الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)

- الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله ينصر من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم وعد الله لَا يخلف الله وعده وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ

(6/478)


أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} قَالَ: غلبت
وغلبت قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن تظهر فَارس على الرّوم لأَنهم أَصْحَاب أوثان وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم أَصْحَاب كتاب فذكروه لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَذكره أَبُو بكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أَنهم سيغلبون فَذكره أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَهُم فَقَالُوا: اجْعَل بَيْننَا وَبَيْنك أَََجَلًا فَإِن ظهرنا كَانَ لنا كَذَا وَكَذَا وَإِن ظهرتم كَانَ لكم كَذَا وَكَذَا
فَجعل بَينهم أَََجَلًا خمس سِنِين فَلم يظهروا فَذكر ذَلِك أَبُو بكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الا جعلته أرَاهُ قَالَ: دون الْعشْر فظهرت الرّوم بعد ذَلِك فَذَلِك قَوْله {الم غلبت الرّوم} فَغلبَتْ ثمَّ غلبت بعد
يَقُول الله {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} قَالَ سُفْيَان: سَمِعت أَنهم قد ظَهَرُوا عَلَيْهِم يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فَارس ظَاهِرين على الرّوم وَكَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن تظهر فَارس على الرّوم وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم أهل كتاب وهم أقرب إِلَى دينهم
فَلَمَّا نزلت {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} قَالُوا: يَا أَبَا بكر إِن صَاحبك يَقُول إِن الرّوم تظهر على فَارس فِي بضع سِنِين
قَالَ: صدق قَالُوا: هَل لَك إِلَى أَن نقامرك فَبَايعُوهُ على أَرْبَعَة قَلَائِص إِلَى سبع سِنِين فَمضى السَّبع سِنِين وَلم يكن شَيْء
ففرح الْمُشْركُونَ بذلك وشق على الْمُسلمين
وَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا بضع سِنِين قَالَ: فَمَا مَضَت السنتان حَتَّى جَاءَت الركْبَان بِظُهُور الرّوم على فَارس ففرح الممؤمنون بذلك وَأنزل الله {الم غلبت الرّوم} إِلَى قَوْله {وعد الله لَا يخلف الله وعده}
وَأخرج أيو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزلت {الم غلبت الرّوم} قَالَ الْمُشْركُونَ لأبي بكر

(6/479)


رَضِي الله عَنهُ: أَلا ترى إِلَى مَا يَقُول صَاحبك
يزْعم أَن الرّوم تغلب فَارس قَالَ: صدق صَاحِبي
قَالُوا: هَل لَك أَن نخاطرك فَجعل بَينه وَبينهمْ أَََجَلًا فَحل الْأَجَل قبل أَن يبلغ الرّوم فَارس فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فساءه وَكَرِهَهُ وَقَالَ لأبي بكر مَا دعَاك إِلَى هَذَا قَالَ: تَصْدِيقًا لله وَرَسُوله فَقَالَ: تعرض لَهُم وَأعظم الْخطر واجعله إِلَى بضع سِنِين
فَأَتَاهُم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: هَل لكم فِي الْعود فَإِن الْعود أَحْمد قَالُوا: نعم
ثمَّ لم تمض تِلْكَ السنون حَتَّى غلبت الرّوم فَارس وربطوا خيولهم بِالْمَدَائِنِ وبنوا الرومية فقمر أَبُو بكر فجَاء بِهِ أَبُو بكر يحملهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا السُّحت تصدق بِهِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالدَّارقطني فِي الافراد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن يسَار بن مكرم السّلمِيّ قَالَ: لما نزلت {الم غلبت الرّوم}
كَانَت فَارس يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة قاهرين الرّوم وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ ظُهُور الرّوم عَلَيْهِم لِأَنَّهُمَا وإياهم أهل كتاب وَفِي ذَلِك يَقُول الله {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} وَكَانَت قُرَيْش تحب ظُهُور فَارس لأَنهم وإياهم لَيْسُوا أهل كتاب وَلَا إِيمَان ببعث فَلَمَّا أنزل الله هَذِه الْآيَة خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَصِيح فِي نواحي مَكَّة {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} فَقَالَ نَاس من قُرَيْش لأبي بكر: ذَاك بَيْننَا وَبَيْنكُم يزْعم صَاحبك إِن الرّوم ستغلب فَارس فِي بضع سِنِين أَفلا نراهنك على ذَاك قَالَ: بلَى - وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان - فارتهن أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الْمُشْركُونَ وتواضعوا الرِّهَان وَقَالُوا لأبي بكر: لم تجْعَل الْبضْع ثَلَاث سِنِين إِلَى تسع سِنِين فسم بَيْننَا وَبَيْنك وسطا تَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ: فسموا بَينهم سِتّ سِنِين فمضت السِّت قبل أَن يظهروا فَأخذ الْمُشْركُونَ رهن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دخلت السّنة السابعه ظَهرت الرّوم على فَارس فعاب الْمُسلمُونَ على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بتسميته سِتّ سِنِين قَالَ: لِأَن الله قَالَ {فِي بضع سِنِين} فَأسلم عِنْد ذَلِك نَاس كثير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: لما نزلت {الم غلبت الرّوم} أَلا يغالب الْبضْع دون الْعشْر

(6/480)


وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن أبي حَاتِم وة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن الْمُشْركين كَانُوا يجادلون الْمُسلمين وهم بِمَكَّة يَقُولُونَ: الرّوم أهل كتاب وَقد غلبتهم الْفرس وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ ستغلبون بِالْكتاب الَّذِي أنزل على نَبِيكُم وسنغلبكم كَمَا غلبت فَارس الرّوم فَأنْزل الله {الم غلبت الرّوم} قَالَ ابْن شهابك فاخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: إِنَّه لما نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ فَأمر أَبُو بكر بعض الْمُشْركين - قبل أَن يحرم الْقمَار - على شَيْء إِن لم تغلب الرّوم فَارس فِي بضع سِنِين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم فعلت فَكل مَا دون الْعشْر بضع فَكَانَ ظُهُور فَارس على الرّوم فِي سبع سِنِين ثمَّ أظهر الله الرّوم على فَارس زمن الْحُدَيْبِيَة ففرح الْمُسلمُونَ بِظُهُور أهل الْكتاب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ يَوْم بدر ظَهرت الرّوم على قارس فأعجب ذَلِك الْمُؤمنِينَ فَنزلت {الم غلبت الرّوم} قَرَأَهَا بِالنّصب إِلَى قَوْله {يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} قَالَ: ففرح المؤمنو بِظُهُور الرّوم على فَارس قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَكَذَا قَرَأَ {غلبت}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} قَالَ: قد مضى
كَانَ ذَلِك فِي أهل فَارس وَالروم وَكَانَت فَارس قد غلبتهم ثمَّ غلبت الرّوم بعد ذَلِك والتقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مُشْركي الْعَرَب وَنصر أهل الْكتاب على الْعَجم
قَالَ عَطِيَّة: وَسَأَلت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ عَن ذَلِك عَن ذَلِك فَقَالَ: الْتَقَيْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومشركي الْعَرَب والتقت الرّوم وَفَارِس فنصرنا على مُشْركي الْعَرَب وَنصر أهل الْكتاب على الْمَجُوس ففرحنا بنصر الله إيانا على الْمُشْركين وفرحنا بنصر أهل الْكتاب على الْمَجُوس فَذَلِك قَوْله {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض} قَالَ: غلبتهم أهل فَارس على أدنى أَرْضك الشَّام
{وهم من بعد غلبهم سيغلبون} قَالَ: لما أنزل الله هَؤُلَاءِ الْآيَات صدق الْمُسلمُونَ رَبهم وَعرفُوا أَن الرّوم

(6/481)


ستظهر على أهل فَارس فاقتمروا هم وَالْمُشْرِكُونَ خمس قَلَائِص وأجلوا بَينهم خمس سِنِين فولي قمار الْمُسلمين أَبُو بكر وَولي قمار الْمُشْركين أبي بن خلف - وَذَلِكَ قبل أَن ينْهَى عَن الْقمَار - فجَاء الْأَجَل وَلم تظهر الرّوم على فَارس فَسَأَلَ الْمُشْركُونَ قمارهم فَذكر ذَلِك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ألم تَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَن تؤجلوا أَََجَلًا دون الْعشْر فَإِن الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر فزايدوهم وَمَا دوهم فِي الْأَجَل فأظهر الله الرّوم على فَارس عِنْد رَأس السَّبع من قمارهم الأول فَكَانَ ذَلِك مرجعهم من الحديبيه وَكَانَ مِمَّا شدّ الله بِهِ الإِسلام فَهُوَ قَوْله {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزبير الْكلابِي قَالَ: رَأَيْت غَلَبَة فَارس الرّوم ثمَّ رَأَيْت غَلَبَة الرّوم فَارس ثمَّ رَأَيْت غَلَبَة الْمُسلمين فَارس وَالروم وظهورهم على الشَّام وَالْعراق
كل ذَلِك فِي خمس عشرَة سنة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَيَجِيءُ أَقوام يقرأون {غلبت الرّوم} وَإِنَّمَا هِيَ {غُلبت}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله {الم غلبت الرّوم} أَو {غلبت} فَقَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الم غلبت الرّوم}
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} قَالَ: غلبتهم فَارس ثمَّ غلبت الرّوم فَارس
وَفِي قَوْله {فِي أدنى الأَرْض} قَالَ: فِي طرف الأَرْض: الشَّام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبضْع مَا بَين السَّبع إِلَى الْعشْرَة وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن نيار بن مكرم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبضْع: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر من طَرِيق ابراهيم بن سعد عَن أبي الْحُوَيْرِث رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {بضع سِنِين} مَا بَين خمس إِلَى سبع

(6/482)


وَأخرج ابْن عبد الحكم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ الْبضْع سبع سِنِين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {الم غلبت الرّوم} إِلَى قَوْله {أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} قَالَ: ذكر غَلَبَة فَارس اياهم وادالة الرّوم على فَارس وَفَرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله أهل الْكتاب على فَارس من أهل الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَن الرّوم وَفَارِس اقْتَتَلُوا فِي أدنى الأَرْض قَالَ: وَأدنى الأَرْض يَوْمئِذٍ أَذْرُعَات
بهَا الْتَقَوْا فهزمت الرّوم فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وهم بِمَكَّة فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره أَن يظْهر الأميون من الْمَجُوس على أهل الْكتاب من الرّوم وَفَرح الْكفَّار بِمَكَّة وشمتوا فَلَقوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: انكم أهل الْكتاب وَإِنَّكُمْ إِن قَاتَلْتُمُونَا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُم
فَأنْزل الله {الم غلبت الرّوم}
فَخرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْكفَّار فَقَالَ: فرحتم بِظُهُور إخْوَانكُمْ على اخواننا فَلَا تفرحوا وَلَا يقرن الله عينكم فوَاللَّه لَتظْهرنَّ الرّوم على فَارس أخبرنَا بذلك نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إِلَيْهِ أبي بن خلف فَقَالَ: كذبت
فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أَنْت أكذب يَا عَدو الله
قَالَ: إِنَّا أحبك عشر قَلَائِص مني وَعشر فلائص مِنْك فَإِن ظَهرت الرّوم على فَارس غرمت وَإِن ظَهرت فَارس غرمت إِلَى ثَلَاث سِنِين فجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ مَا هَكَذَا ذكرت إِنَّمَا الْبضْع من الثَّلَاث إِلَى التسع فَزَايِدْهُ فِي الْخطر وَمَاده فِي الْأَجَل فَخرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فلقي أَبَيَا فَقَالَ: لَعَلَّك نَدِمت قَالَ: لَا
قَالَ: تعال أُزَايِدك فِي الْخطر وَأُمَادّك فِي الْأَجَل فاجعلها مائَة قلُوص إِلَى تسع سِنِين قَالَ: قد فعلت
وَأخرج ابْن جرير عَن سليط قَالَ: سَمِعت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يقْرَأ {الم غلبت الرّوم} قيل لَهُ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن على أَي شَيْء غلبوا قَالَ: على ريف الشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {لله الْأَمر من قبل} دولة فَارس على الرّوم {وَمن بعد} دولة الرّوم على فَارس

(6/483)


يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)

- قَوْله تَعَالَى: يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم عَن الْآخِرَة هم غافلون أولم يتفكروا فِي أنفسهم مَا خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأجل مُسَمّى وَإِن كثيرا من النَّاس بلقاء رَبهم لكافرون أولم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم كَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة وأثاروا الأَرْض وعمروها أَكثر مِمَّا عمروها وجاءتهم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوء أَن كذبُوا بآيَات الله وَكَانُوا بهَا يستهزؤون الله يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون وَيَوْم تقوم السَّاعَة يبلس المجرمون وَلم يكن لَهُم من شركائهم شُفَعَاء وَكَانُوا بشركائهم كَافِرين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي مَعَايشهمْ
مَتى يغرسون وَمَتى يزرعون وَمَتى يحصدون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} يعْرفُونَ عمرَان الدُّنْيَا
وهم فِي أَمر الْآخِرَة جهال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قتاردة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: يعلمُونَ تجارتها وحرفتها وَبَيْعهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: مَعَايشهمْ وَمَا يصلحهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ليبلغ من حذق أحدهم بِأَمْر دُنْيَاهُ أَنه يقلب الدِّرْهَم على ظفره فيخبرك بوزنة وَمَا يحسن يُصَلِّي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو فِي قَوْله {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} قَالَ:

(6/484)


كَانَ الرجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ بَين مَنْكِبَيْه ميل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأثاروا الأَرْض} قَالَ: حرثوا الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وأثاروا الأَرْض} يَقُول: جنانها وأنهارها وزروعها {وعمروها أَكثر مِمَّا عمروها} يَقُول: عاشوا فِيهَا أَكثر من عيشكم فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوأى} قَالَ: الَّذين كفرُوا جزاؤهم الْعَذَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ {السوأى} الاساءة جَزَاء المسيئين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يبلس} قَالَ: ييأس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يبلس} قَالَ: يكتئب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ {يبلس} قَالَ: يكتئب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الابلاس الفضيحة

(6/485)


وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)

- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم تقوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يتفرقون فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يحبرون وَأما الَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا ولقاء الْآخِرَة فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب محضرون
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم تقوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يتفرقون} قَالَ: فرقة لَا اجْتِمَاع بعْدهَا

(6/485)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يتفرقون} قَالَ: هَؤُلَاءِ فِي عليين وَهَؤُلَاء فِي أَسف سافلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {فِي رَوْضَة} يَعْنِي بساتين الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فِي رَوْضَة يحبرون} قَالَ: فِي جنَّة يكرمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يحبرون} قَالَ: يكرمون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحبرون} قَالَ: ينعمون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والخطيب فِي تَارِيخه عَن يحيى بن أبي كثير {فِي رَوْضَة يحبرون} قَالَ: لَذَّة السماع فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن أبي كثير فِي قَوْله (يحبرون) قيل: يَا رَسُول الله مَا الحبر قَالَ اللَّذَّة وَالسَّمَاع
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْأَوْزَاعِيّ فِي قَوْله {فِي رَوْضَة يحبرون} قَالَ: هوالسماع إِذا أَرَادَ أهل الْجنَّة أَن يطربوا أوحى الله إِلَى ريَاح يُقَال لَهَا: الهفافة
فَدخلت فِي آجام قصب اللُّؤْلُؤ الرطب فحركته فَضرب بعضه بَعْضًا فتطرب الْجنَّة فَإِذا طربت لم يبْق فِي الْجنَّة شَجَرَة إِلَّا وَردت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ هَل فِي الْجنَّة سَماع فَقَالَ: إِن فِيهَا لشَجَرَة يُقَال لَهَا القيض لَهَا سَماع لم يسمع السامعون إِلَى مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي والاصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُنَادي مُنَاد أَيْن الَّذين ينزعون أنفسهم عَن اللَّهْو مَزَامِير الشَّيْطَان أسكنوهم رياض الْمسك ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة: أسمعوهم حمدي وثنائي وأعلموهم أَن لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُنَادي مُنَاد يَوْم

(6/486)


الْقِيَامَة أَيْن الَّذين كَانُوا ينزهون أَصْوَاتهم وأسماعهم عَن اللَّهْو وَمَزَامِير الشَّيْطَان فيحملهم الله فِي رياض الْجنَّة من مسك فَيَقُول للْمَلَائكَة اسمعوا عبَادي تحميدي وتمجيدي وأخبروهم أَن لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَأخرج الديلمي عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الله: أَيْن الَّذين كَانُوا ينزهون اسماعهم وأبصارهم عَن مَزَامِير الشَّيْطَان ميزوهم فيميزون فِي كتب الْمسك والعنبر ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة: أسمعوهم من تسبيحي وتحميدي وتهليلي قَالَ: فيسبحون بِأَصْوَات لم يسمع السامعون بِمِثْلِهَا قطّ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والضياء الْمَقْدِسِي كِلَاهُمَا فِي صفة الْجنَّة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فِي الْجنَّة شَجَرَة على سَاق قدر مَا يسير الرَّاكِب الْمجد فِي ظلها مائَة عَام فَيخرج أهل الْجنَّة أهل الغرف وَغَيرهم فيتحدثون فِي ظلها فيشتهي بَعضهم وَيذكر لَهو الدُّنْيَا فَيُرْسل الله ريحًا من الْجنَّة فَتحَرك تِلْكَ الشَّجَرَة بِكُل لَهو كَانَ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط قَالَ: إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة لم يخلق الله من صَوت حسن إِلَّا وَهُوَ فِي جرمها يلذذهم وينعمهم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل حبب إليّ الصَّوْت الْحسن فَهَل فِي الْجنَّة صَوت حسن فَقَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الله يوحي إِلَى شَجَرَة فِي الْجنَّة: أَن أسمعي عبَادي الَّذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عَن عزف البرابط والمزامير فَترفع بِصَوْت لم يسمع الْخَلَائق بِمثلِهِ من تَسْبِيح الرب وتقديسه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي مُوسَى الاشعري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اسْتمع إِلَى صَوت غناء لم يُؤذن لَهُ أَن يسمع الروحانيين فِي الْجنَّة
قيل: وَمن الروحانيون يَا رَسُول الله قَالَ: قراء أهل الْجنَّة
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن سعيد بن أبي سعيد الْحَارِثِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن فِي الْجنَّة آجاما من قصب من ذهب حملهَا اللُّؤْلُؤ اذا اشتها أهل الْجنَّة صَوتا بعث الله ريحًا على تِلْكَ الآجام فأتتهم بِكُل صَوت حسن يشتهونه
وَالله أعلم

(6/487)


فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)

- قَوْله تَعَالَى: فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَكَذَلِكَ تخرجُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أدنى مَا يكون من الْحِين بكرَة وعشيا ثمَّ قَرَأَ {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَافِع بن الْأَزْرَق إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: هَل تَجِد الصَّلَوَات الْخمس فِي الْقُرْآن قَالَ: نعم
فَقَرَأَ {فسبحان الله حِين تمسون} صَلَاة الْمغرب {وَحين تُصبحُونَ} صَلَاة الصُّبْح {وعشيا} صَلَاة الْعَصْر {وَحين تظْهرُونَ} صَلَاة الظّهْر وَقَرَأَ (وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جمعت هَذِه الْآيَة مَوَاقِيت الصلوة {فسبحان الله حِين تمسون} قَالَ: الْمغرب وَالْعشَاء {وَحين تُصبحُونَ} الْفجْر {وعشيا} الْعَصْر {وَحين تظْهرُونَ} الظّهْر
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم لم سمّى الله إِبْرَاهِيم خَلِيله الَّذِي وفى لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول كلما أصبح وَأمسى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ حِين يصبح {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَكَذَلِكَ تخرجُونَ} أدْرك مَا

(6/488)


فَاتَهُ فِي يَوْمه وَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي أدْرك مَا فَاتَهُ من ليلته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ حِين أصبح سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ألف مرّة فقد اشْترى نَفسه من الله وَكَانَ آخر يَوْمه عتيقاً من النَّار
وَأخرج ابْن ماجة فِي تَفْسِيره وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أما الْحَمد فقد عَرفْنَاهُ فقد يحمد الْخَلَائق بَعضهم بَعْضًا وَأما لَا إِلَه إِلَّا الله فقد عرفناها فقد عبدت الْآلهَة من دون الله وَأما الله أكبر فقد يكبر الْمُصَلِّي وَأما سُبْحَانَ الله فَمَا هُوَ فَقَالَ رجل من الْقَوْم: الله أعلم فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: قد شقي عمر إِن لم يكن يعلم أَن الله يعلم فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اسْم مَمْنُوع أَن يَنْتَحِلهُ أحد من الْخَلَائق وَإِلَيْهِ يفزع الْخلق واحب أَن يُقَال لَهُ فَقَالَ: هُوَ كَذَاك
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم والضياء عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله اصْطفى من الْكَلَام أَرْبعا
سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
فَمن قَالَ سُبْحَانَ الله
كتبت لَهُ عشرُون حَسَنَة وحطت عَنهُ عشرُون سَيِّئَة وَمن قَالَ الله أكبر
مثل ذَلِك وَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله
مثل ذَلِك وَمن قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين
من قبل نَفسه لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَة وحطت عَنهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من قَرَأَ الْآيَات {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} إِلَى آخرهَا
لم يفته شَيْء فِي يَوْمه وَلَيْلَته وَأدْركَ مَا فَاتَهُ من يَوْمه وَلَيْلَته

(6/489)


وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)

- قَوْله تَعَالَى: وَمن آيَاته أَن خَلقكُم من تُرَاب ثمَّ إِذا أَنْتُم بشرتنتشرون وَمن آيَاته إِن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون وَمن آيَاته خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وإختلاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم إِن فِي ذَلِك لآيَات

(6/489)


للْعَالمين وَمن آيَاته منامكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وابتغاؤكم من فَضله إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يسمعُونَ وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا وَينزل من السَّمَاء مَاء فيحيي بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ وَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كل لَهُ قانتون
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته} قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن آيَات
بذلك تعرفُون الله
إِنَّكُم لن تروه فتعرفونه على رُؤْيَة وَلَكِن تعرفُون بآياته وخلقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته أَن خَلقكُم من تُرَاب} قَالَ: آدم من تُرَاب {ثمَّ إِذا أَنْتُم بشر تنتشرون} يَعْنِي ذُريَّته {وَمن آيَاته إِن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} قَالَ: حَوَّاء
خلقهَا الله من ضلع من أضلاع آدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة} قَالَ: الْجِمَاع {وَرَحْمَة} قَالَ: الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره} قَالَ: قامتا بأَمْره بِغَيْر عمد ثمَّ {إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} قَالَ: دعاهم من السَّمَاء فَخَرجُوا من الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} قَالَ: من قبوركم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَزْهَر بن عبد الله الجزاري قَالَ: يقْرَأ على الْمُصَاب إِذا أَخذ {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ}

(6/490)


وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله (كل لَهُ قانتون) يَقُول: مطيعون يَعْنِي الْحَيَاة والنشور وَالْمَوْت
وهم عاصون لَهُ فِيمَا سوى ذَلِك من الْعِبَادَة
وَالله تَعَالَى أعلم

(6/491)


وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ وَله الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عِكْرِمَة قَالَ: تعجب الْكفَّار من احياء الله الْمَوْتَى فَنزلت {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} قَالَ: اعادة الْخلق أَهْون عَلَيْهِ من ابْتِدَائه
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} قَالَ: الاعادة أَهْون عَلَيْهِ من الْبدَاءَة والبداءة عَلَيْهِ هَين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} قَالَ: أيسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: فِي عقولكم اعادة شَيْء إِلَى شَيْء كَانَ أَهْون من ابْتِدَائه إِلَى شَيْء لم يكن
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ قَالَ: الاعادة أَهْون على الْمَخْلُوق لِأَنَّهُ يَقُول لَهُ يَوْم الْقِيَامَة {كن فَيكون} وَابْتِدَاء الْخلق من نطقة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل عَلَيْهِ هَين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَله الْمثل الْأَعْلَى} يَقُول {لَيْسَ كمثله شَيْء} الشورى الْآيَة 11 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَله الْمثل الْأَعْلَى} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَله الْمثل الْأَعْلَى} قَالَ: مثله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَلَا معبود غَيره

(6/491)


ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)

- قَوْله تَعَالَى: ضرب لكم مثلا من أَنفسكُم هَل لكم من مَا ملكت إيمَانكُمْ من شُرَكَاء فِي مَا رزقناكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء تخافونهم كخيفتكم أَنفسكُم كَذَلِك نفصل الْآيَات لقوم يعْقلُونَ بل اتبع الَّذين ظلمُوا أهواءهم بِغَيْر علم فَمن يهدي من أضلّ الله وَمَا لَهُم من ناصرين
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ يُلَبِّي أهل الشّرك لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شريك هُوَ لَك تملكه ملك فَأنْزل الله {هَل لكم من مَا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هَل لكم من مَا ملكت أَيْمَانكُم} الْآيَة
قَالَ: هِيَ فِي الْآلهَة وَفِيه يَقُول: تخافونهم أَن يرثوكم كَمَا يَرث بَعْضكُم بَعْضًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ضرب لكم} الْآيَة
قَالَ هَذَا مثل ضربه الله لمن عدل بِهِ شَيْئا من خلقه يَقُول: أَكَانَ أحد مِنْكُم مشاركاً مَمْلُوكه فِي مَاله وَنَفسه وَزَوجته فَكَذَلِك لَا يرضى الله تَعَالَى أَن يعدل بِهِ أحد من خلقه

(6/492)


فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)

- قَوْله تَعَالَى: فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطرت الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: الدّين الإِسلام {لَا تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: لدين الله

(6/492)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: دين الله الَّذِي فطر خلقه عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ
أَن الْفطْرَة معرفَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: دين الله {ذَلِك الدّين الْقيم} قَالَ: الْقَضَاء الْقيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حَمَّاد بن عمر الصفار قَالَ: سَأَلت قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} فَقَالَ: حَدثنِي أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: دين الله
وَأخرج ابْن جرير عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ
ان عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ: مَا قوام هَذِه الْأمة قَالَ: ثَلَاث وَهِي المنجيات
الاخلاص: وَهِي الْفطْرَة الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا
وَالصَّلَاة: وَهِي الْملَّة
وَالطَّاعَة: وَهِي الْعِصْمَة
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: صدقت
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {لَا تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: لدين الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم وَابْن زيد
مثله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مَوْلُود إِلَّا يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرأوا ان شِئْتُم {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم}
وَأخرج مَالك وَأَبُو دَاوُد وَابْن مردوية عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تنْتج الابل من بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تحس من جَدْعَاء) قَالُوا: يَا رَسُول الله أَفَرَأَيْت من يَمُوت وَهُوَ صَغِير قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين

(6/493)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْأسود بن سريع رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى خَيْبَر فَقَاتلُوا الْمُشْركين فَانْتهى بهم الْقَتْل إِلَى الذُّرِّيَّة فَلَمَّا جاؤا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ماحملكم على قتل الذُّرِّيَّة قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَاد الْمُشْركين قَالَ: وَهل خياركم إِلَّا أَوْلَاد الْمُشْركين وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من نسمَة تولد إِلَّا على الْفطْرَة حَتَّى يعرب عَنْهَا لسانها

(6/494)


مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)

- قَوْله تَعَالَى: منيبين إِلَيْهِ واتقوه وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين من الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ وَإِذا مس النَّاس ضرّ دعوا رَبهم منيبين إِلَيْهِ ثمَّ إِذا أذاقهم مِنْهُ رَحْمَة إِذا فريق مِنْهُم برَبهمْ يشركُونَ ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فتمتعوا فَسَوف تعلمُونَ أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا فَهُوَ يتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ وَإِذا أذقنا النَّاس رَحْمَة فرحوا بهَا وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون أولم يرَوا أَن الله يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل ذَلِك خير للَّذين يُرِيدُونَ وَجه الله وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربوا فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يربوا عِنْد الله وماأتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَأُولَئِك هم المضعفون الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ هَل من شركائكم من يفعل من ذَلِكُم من شَيْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {منيبين إِلَيْهِ} قَالَ: تَائِبين إِلَيْهِ

(6/494)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {من الَّذين فرقوا دينهم} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَفِي قَوْله {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا} قَالَ: يَأْمُرهُم بذلك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا فَهُوَ يتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ} يَقُول: أم أنزلنَا عَلَيْهِم كتابا فَهُوَ ينْطق بشركهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الضَّيْف {ذَلِك خير للَّذين يُرِيدُونَ وَجه الله وَأُولَئِكَ هم المفلحون} قَالَ: هَذَا الَّذِي يقبله الله ويضاعفه لَهُم عشر أَمْثَالهَا وَأكْثر من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا} قَالَ: الرِّبَا رباآن
رَبًّا لَا بَأْس بِهِ
وَربا لَا يصلح فَأَما الرِّبَا الَّذِي لَا بَأْس بِهِ
فهدية الرجل إِلَى الرجل يُرِيد فَضلهَا أَو اضعافها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمَا آتيتم من رَبًّا}
قَالَ هُوَ مَا يُعْطي النَّاس بَعضهم بَعْضًا يُعْطي الرجل الرجل الْعَطِيَّة يُرِيد أَن يعْطى أَكثر مِنْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَالَ: هِيَ الْهَدَايَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَالَ: يُعْطي مَا لَهُ يَبْتَغِي أفضل مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَالَ: مَا أعطيتم من عَطِيَّة لتثابوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِيهَا أجر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن

(6/495)


الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا} قَالَ: هُوَ الرِّبَا الْحَلَال
أَن تهدي أَكثر مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أجر وَلَا وزر وَنهى عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فَقَالَ {وَلَا تمنن تستكثر}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا آتيتم من رَبًّا} قَالَ: الرجل يُعْطي الشَّيْء ليكافئه بِهِ ويزداد عَلَيْهِ {فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} وَالْآخر الَّذِي يُعْطي الشَّيْء لوجه الله وَلَا يُرِيد من صَاحبه جَزَاء وَلَا مُكَافَأَة فَذَلِك الَّذِي يضعف عِنْد الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من زَكَاة} قَالَ: هِيَ الصَّدَقَة

(6/496)


ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)

- قَوْله تَعَالَى: ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس ليذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا لَعَلَّهُم يرجعُونَ قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبل كَانَ أَكْثَرهم مُشْرِكين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ {الْبر} الْبَريَّة الَّتِي لَيْسَ عِنْدهَا نهر
و {الْبَحْر} مَكَان من الْمَدَائِن والقرى على شط نهر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} الْآيَة
قَالَ: نُقْصَان الْبركَة بأعمال الْعباد كي يتوبوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: قُحُوط الْمَطَر
قيل لَهُ: قُحُوط الْمَطَر لن يضر الْبَحْر
قَالَ: إِذا قل الْمَطَر قل الغوص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة
أَنه قيل لَهُ: هَذَا الْبر وَالْبَحْر أَي فَسَاد فِيهِ قَالَ: إِذا قل الْمَطَر قل الغوص
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن رفيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر}

(6/496)


قَالَ: انْقِطَاع الْمَطَر
قيل: فالبحر قَالَ: إِذا لم يمطر عميت دَوَاب الْبَحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ {الْبر} الفيافي الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْء
و {الْبَحْر} الْقرى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: الْبر قد عَرفْنَاهُ فَمَا بَال الْبَحْر قَالَ: إِن الْعَرَب تسمي الْأَمْصَار الْبَحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: فَسَاد الْبر: قَتْلُ ابنُ آدمَ أَخَاهُ
وَالْبَحْر: أَخْذُ الملكِ السفنَ غصبا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: هَذَا قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ رَاجِعُون من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ {الْبر} كل قَرْيَة نائية عَن الْبَحْر
مثل مَكَّة وَالْمَدينَة و {الْبَحْر} كل قَرْيَة على الْبَحْر
مثل كوفة وَالْبَصْرَة وَالشَّام وَفِي قَوْله {بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} قَالَ: بِمَا عمِلُوا من الْمعاصِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْبَحْر الجزائر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: عَن الذُّنُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} قَالَ: أفسدهم الله بِذُنُوبِهِمْ فِي بر الأَرْض وبحرها بأعمالهم الخبيثة {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يرجع من بعدهمْ

(6/497)


فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)

- قَوْله تَعَالَى: فأقم وَجهك للدّين الْقيم من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا مردّ لَهُ من الله يَوْمئِذٍ يصدعون من كفر فَعَلَيهِ كفره وَمن عمل صَالحا فلأنفسهم يمهدون ليجزي الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات من فَضله إِنَّه لَا يحب الْكَافرين وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات وليذيقكم من رَحمته ولتجري الْفلك بأَمْره ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فأقم وَجهك للدّين الْقيم} قَالَ: الإِسلام {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا مردّ لَهُ من الله} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمئِذٍ يصدعون} قَالَ: فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يصدعون} قَالَ: يتفرقون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يصدعون} يَوْمئِذٍ يتفرقون
وَقَرَأَ {فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يحبرون وَأما الَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا ولقاء الْآخِرَة فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب محضرون} قَالَ: هَذَا حِين يصدعون يتفرقون إِلَى الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فلأنفسهم يمهدون} قَالَ: يسوّون الْمضَاجِع فِي الْقَبْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات} قَالَ: بالمطر {وليذيقكم من رَحمته} قَالَ: الْمَطَر {ولتجري الْفلك بأَمْره} قَالَ: السفن فِي الْبحار {ولتبتغوا من فَضله} قَالَ: التِّجَارَة فِي السفن

(6/498)


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)

- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أرسلنَا من قبلك رسلًا إِلَى قَومهمْ فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ فانتقمنا من الَّذين أجرموا وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من امرىء مُسلم يرد عَن عرض أَخِيه إِلَّا كَانَ حَقًا على الله أَن يرد عَنهُ نَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة
ثمَّ تَلا {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ}

(6/499)


اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)

- قَوْله تَعَالَى: الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح فتثير سحابا فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فَإِذا أصَاب بِهِ من يَشَاء من عباده إِذا هم يستبشرون وَإِن كَانُوا من قبل أَن ينزل عَلَيْهِم من قبله لمبلسين فَانْظُر إِلَى آثَار رَحْمَة الله كَيفَ يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا إِن ذَلِك لمحيي الْمَوْتَى وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَلَئِن أرسلنَا ريحًا فرؤوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون
أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُرْسل الله الرّيح فتأتي بالسحاب من بَين الْخَافِقين - طرف السَّمَاء حِين يَلْتَقِيَانِ - فتخرجه ثمَّ تنشره فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء فيسيل المَاء على السَّحَاب ثمَّ يمطر السَّحَاب بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُرْسل الله الرّيح فَتحمل المَاء من السَّحَاب فتمر بِهِ السَّحَاب فتدر كَمَا تدر النَّاقة وثجاج مثل العزالي غير أَنه متفرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فيبسطه فِي السَّمَاء} قَالَ: يجمعه ويجعله {كسفا} قَالَ: قطعا

(6/499)


وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ويجعله كسفاً} قَالَ: قطعا يَجْعَل بَعْضهَا فَوق بعض {فترى الودق} قَالَ: الْمَطَر {يخرج من خلاله} قَالَ: من بَينه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فترى الودق} قَالَ: الْقطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويجعله كسفاً} قَالَ: سَمَاء دون سَمَاء وَفِي قَوْله {لمبلسين} قَالَ: القنطين

(6/500)


فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)

- قَوْله تَعَالَى: فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين وَمَا أَنْت بهاد الْعمي عَن ضلالتهم إِن تسمع إِلَّا من يُؤمن بِآيَاتِنَا فهم مُسلمُونَ
أخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك قَتْلَى بدر أَيَّامًا حَتَّى جيفوا ثمَّ أَتَاهُم فَقَامَ يناديهم فَقَالَ: يَا أُميَّة بن خلف يَا أَبَا جهل بن هِشَام يَا عتبَة بن ربيعَة
هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَسمع عمر رَضِي الله عَنهُ صَوته فجَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله تناديهم بعد ثَلَاث وَهل يسمعُونَ يَقُول الله {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم وَلَكنهُمْ لَا يُطِيقُونَ أَن يجيبوا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: وقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قليب بدر فَقَالَ هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا ثمَّ قَالَ: إِنَّهُم الْآن يسمعُونَ مَا أَقُول
فَذكر لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت: انما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم الْآن ليعلمون أَن الَّذِي كنت أَقُول لَهُم هُوَ الْحق ثمَّ قَرَأت {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} حَتَّى قَرَأت الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أنس بن مَالك عَن أبي طَلْحَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم بدر بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قُرَيْش فقذفوا فِي طوى من أطواء بدر خَبِيث مخبث وَكَانَ إِذا ظهر على قوم أَقَامَ بالْعَرَصَةِ ثَلَاث لَيَال فَلَمَّا كَانَ ببدر الْيَوْم الثَّالِث أَمر براحلته فَشد عَلَيْهَا رَحلهَا ثمَّ مَشى وَاتبعهُ أَصْحَابه قَالُوا: مَا ترى ينْطَلق

(6/500)


إِلَّا لبَعض حَاجته حَتَّى قَامَ على شفة الركى فَجعل يناديهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم
يَا فلَان بن فلَان وَيَا فلَان بن فلَان أيسركم أَنكُمْ أطعتم الله وَرَسُوله فَإنَّا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَا تكلم من أجساد لَا أَرْوَاح فِيهَا: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم لأسْمع لما أَقُول مِنْكُم قَالَ قَتَادَة: أحياهم الله حَتَّى أسمعهم قَوْله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل بدر {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين}

(6/501)


اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)

- قَوْله تَعَالَى: الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قوّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا وَشَيْبَة يخلق مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ والشيرازي فِي الألقاب وَالدَّارقطني فِي الافراد وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} فَقَالَ من ضعف يَا بني
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ (الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف) بِالضَّمِّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف فِي الرّوم {خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قوّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} قَالَ: من نُطْفَة {ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا} قَالَ: الْهَرم {وَشَيْبَة} قَالَ: الشمط

(6/501)


وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)

- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير سَاعَة كَذَلِك كَانُوا يؤفكون وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم وَالْإِيمَان لقد لبثتم فِي كتاب الله إِلَى يَوْم الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُم لَا تعلمُونَ فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع الَّذين ظلمُوا معذرتهم وَلَا هم يستعتبون وَلَقَد ضربنا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن من كل مثل وَلَئِن جئتهم بِآيَة ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن أَنْتُم إِلَّا مبطلون كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الَّذين لَا يعلمُونَ فاصبر إِن وعد الله حق وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذين لَا يوقنون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير سَاعَة} قَالَ: يعنون فِي الدُّنْيَا اسْتَقل الْقَوْم أجل الدُّنْيَا لما عاينوا الْآخِرَة {كَذَلِك كَانُوا يؤفكون} قَالَ: كَذَلِك كَانُوا يكذبُون فِي الدُّنْيَا {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم} الْآيَة
قَالَ: هَذَا من تقاديم الْكَلَام وتأويلها: وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الإِيمان وَالْعلم فِي كتاب الله لقد لبثتم إِلَى يَوْم الْبَعْث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد لبثتم فِي كتاب الله إِلَى يَوْم الْبَعْث} قَالَ: لَبِثُوا فِي علم الله فِي البرزخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يعلم مَتى علم وَقت السَّاعَة إِلَّا الله وَفِي ذَلِك أنزل الله {وَأجل مُسَمّى عِنْده} طه الْآيَة 129
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من الْخَوَارِج ناداه وَهُوَ فِي صَلَاة الْفجْر فَقَالَ {وَلَقَد أُوحِي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك ولتكونن من الخاسرين} فَأَجَابَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة {فاصبر إِن وعد الله حق وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذين لَا يوقنون}

(6/502)