الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة لُقْمَان
مَكِّيَّة وآياتها ارْبَعْ وَثَلَاثُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة لُقْمَان أخرج ابْن الضريس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة لُقْمَان بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: سُورَة لُقْمَان نزلت بِمَكَّة سوى ثَلَاث
آيَات مِنْهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ {وَلَو أَنما فِي الأَرْض
من شَجَرَة أَقْلَام} لُقْمَان الْآيَة 27 إِلَى تَمام
الْآيَات الثَّلَاث
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن الْبَراء رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: كُنَّا نصلي خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الظّهْر ونسمع مِنْهُ الْآيَة بعد الْآيَة من سُورَة
لُقْمَان والذاريات
(6/503)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ
(3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى
هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
- الم تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم هدى
وَرَحْمَة للمحسنين الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ
الزَّكَاة وهم بِالآخِرَة هم يوقنون أُولَئِكَ على هدى من
رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو
الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم ويتخذها هزوا
أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب مهين
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو
الحَدِيث} يَعْنِي بَاطِل الحَدِيث
وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة
اشْترى أَحَادِيث الْعَجم وصنيعهم فِي دهرهم وَكَانَ يكْتب
الْكتب من الْحيرَة وَالشَّام ويكذب بِالْقُرْآنِ فَأَعْرض
عَنهُ فَلم يُؤمن بِهِ
(6/503)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من
يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: شِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابه
وبحسب الْمَرْء من الضَّلَالَة أَن يخْتَار حَدِيث الْبَاطِل
على حَدِيث الْحق
وَفِي قَوْله {ويتخذها هزوا} قَالَ: يستهزىء بهَا ويكذبها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويتخذها
هزوا} قَالَ: سَبِيل الله يتَّخذ السَّبِيل هزوا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من
يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: بَاطِل الحَدِيث
وَهُوَ الْغناء وَنَحْوه {ليضل عَن سَبِيل الله} قَالَ:
قِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله
نزلت فِي رجل من قُرَيْش اشْترى جَارِيَة مغنية
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ:
أنزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث
اشْترى قينة فَكَانَ لَا يسمع بِأحد يُرِيد الإِسلام إِلَّا
انْطلق بِهِ إِلَى قَيْنَته فَيَقُول: أطعميه واسقيه وغنيه
هَذَا خير مِمَّا يَدْعُوك إِلَيْهِ مُحَمَّد من الصَّلَاة
وَالصِّيَام وَأَن تقَاتل بَين يَدَيْهِ فَنزلت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا
الْقَيْنَات وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا
خير فِي تِجَارَة فِيهِنَّ وَثَمَنهنَّ حرَام
فِي مثل هَذَا أنزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي
لَهو الحَدِيث} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن مرْدَوَيْه
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله حرم الْقَيْنَة وَبَيْعهَا
وَثمنهَا وَتَعْلِيمهَا وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا
ثمَّ قَرَأَ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن أبي
الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ:
هُوَ الْغناء وأشباهه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو
الحَدِيث}
(6/504)
قَالَ: هُوَ شِرَاء الْمُغنيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ:
الْجَوَارِي الضاربات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان عَن أبي الصَّهْبَاء قَالَ: سَأَلت عبد الله بن
مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {وَمن
النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ - وَالله -
الْغناء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير عَن شُعَيْب بن يسَار
قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن {لَهو الحَدِيث}
قَالَ: هُوَ الْغناء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي
الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ:
هُوَ الْغناء وكل لعب لَهو
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق حبيب بن أبي ثَابت عَن
إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو
الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وَقَالَ مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ: هُوَ لَهو الحَدِيث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله
عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ:
الْغناء وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث}
فِي الْغناء والمزامير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْغناء ينْبت
النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع وَالذكر
ينْبت الإِيمان فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي
الْقلب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي
الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل
(6/505)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ: إِذا ركب الرجل الدَّابَّة وَلم يسم
ردفه شَيْطَان فَقَالَ: تغنه فَإِن كَانَ لَا يحسن قَالَ لَهُ:
تمنه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا رفع أحد
صَوته بغناء إِلَّا بعث الله إِلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ يجلسان
على مَنْكِبَيْه يضربان باعقابهما على صَدره حَتَّى يمسك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ عَن
الْقَاسِم بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن
الْغناء فَقَالَ: أَنهَاك عَنهُ وأكرهه لَك
قَالَ السَّائِل: احرام هُوَ قَالَ: انْظُر يَا ابْن أخي
إِذا ميز الله الْحق من الْبَاطِل فِي أَيهمَا يَجْعَل الْغناء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ
قَالَ: لعن الْمُغنِي والمغنى لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن فُضَيْل بن
عِيَاض قَالَ: الْغناء رقية الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان
اللَّيْثِيّ قَالَ: قَالَ يزِيد بن الْوَلِيد النَّاقِص: يَا
بني أُميَّة إيَّاكُمْ والغناء فَإِنَّهُ ينقص الْحيَاء
وَيزِيد فِي الشَّهْوَة ويهدم الْمُرُوءَة وَإنَّهُ لينوب عَن
الْخمر وَيفْعل مَا يفعل السكر فَإِن كُنْتُم لابد فاعلين
فجنبوه النِّسَاء فَإِن الْغناء دَاعِيَة الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جَعْفَر الْأمَوِي عمر بن
عبد الله قَالَ: كتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ
إِلَى مؤدب وِلْدِهِ: من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ
إِلَى سهل مَوْلَاهُ
أما بعد فَإِنِّي اخْتَرْتُك على علم مني لتأديب وِلْدِي
وصرفتهم إِلَيْك عَن غَيْرك من مواليَّ وَذَوي الْخَاصَّة بِي
فخذهم بالجفاء فَهُوَ أمكن لاقدامهم وَترك الصُّحْبَة فَإِن
عَادَتهَا تكسب الْغَفْلَة وَكَثْرَة الضحك فَإِن كثرته تميت
الْقلب وَليكن أول مَا يَعْتَقِدُونَ من أدبك بغض الملاهي
الَّتِي بدؤها من الشَّيْطَان وعاقبتها سخط الرَّحْمَن
فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن الثِّقَات من حَملَة الْعلم إِن حُضُور
المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما ينْبت النِّفَاق فِي
الْقلب كَمَا ينْبت المَاء العشب ولعمري ولتوقي ذَلِك بترك
حُضُور تِلْكَ المواطن أيسر على ذَوي الذِّهْن من الثُّبُوت
على النِّفَاق فِي قلبهن وَهُوَ حِين يفارقها لَا يعْتَقد
مِمَّا سَمِعت أذنَاهُ على شَيْء ينْتَفع بِهِ وليفتح كل
غُلَام مِنْهُم بجزئه من الْقُرْآن يثبت فِي قِرَاءَته فَإِذا
فرغ مِنْهُ تنَاول قوسه وكنانته
(6/506)
وَخرج إِلَى الْغَرَض حافياً فَرمى سَبْعَة
ارشاق ثمَّ انْصَرف إِلَى القائلة فان ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ كَانَ يَقُول: يَا بني قيلوا فَإِن الشَّيَاطِين
لَا تقيل وَالسَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن رَافع بن حَفْص الْمدنِي
قَالَ: أَربع لَا ينظر الله إلَيْهِنَّ يَوْم الْقِيَامَة
الساحرة
والنائحة
والمغنية
وَالْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة
وَقَالَ: من أدْرك ذَلِك الزَّمَان فَأولى بِهِ طول الْحزن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: مَا قدّست أمة فِيهَا البربط
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي
الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا نهيت
عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجرين
صَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَلعب وَمَزَامِير شَيْطَان وَصَوت
عِنْد مُصِيبَة
خدش وُجُوه وشق جُيُوب وَرَنَّة شَيْطَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ: صوتان ملعونان
مزمار عِنْد نَغمَة
وَرَنَّة عِنْد مُصِيبَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ: أَخبث الْكسْب كسب الزمارة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ:
كنت أَسِير مَعَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
طَرِيق فَسمع زمارة رَاع فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ عدل
عَن الطَّرِيق فَلم يزل يَقُول: يَا نَافِع أتسمع قلت: لَا
فَأخْرج أصبعيه من أُذُنَيْهِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي هَذِه الْآيَة {وَمن
النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} إِنَّمَا ذَلِك شِرَاء
الرجل اللّعب وَالْبَاطِل
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكنى عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من
يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} فِي الْغناء وَالْبَاطِل والمزامير
وَأخرج آدم وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من
يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ اشتراؤه الْمُغنِي
والمغنية بِالْمَالِ الْكثير وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهِ وَإِلَى
مثله من الْبَاطِل
(6/507)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من
يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ رجل يَشْتَرِي جَارِيَة
تغنيه لَيْلًا أَو نَهَارا
(6/508)
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ
يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا تتلى عَلَيْهِ
آيَاتنَا ولى مستكبرا كَأَن لم يسْمعهَا كَأَن فِي أُذُنَيْهِ
وقرا فبشره بِعَذَاب أَلِيم
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
{وَإِذا تتلى عَلَيْهِ آيَاتنَا ولى مستكبراً} قَالَ: مُكَذبا
بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وقرا} قَالَ: ثقلا
(6/508)
إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ
(8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ
عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ
تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم جنَّات النَّعيم خَالِدين فِيهَا
وعد الله حَقًا وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم خلق السَّمَوَات
بِغَيْر عمد ترونها وَألقى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم
وَبث فِيهَا من كل دَابَّة وأنزلنا من السَّمَاء مَاء
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا من كل زوج كريم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن دينا رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: {جنَّات النَّعيم} بَين جنَّات الفردوس وَبَين جنَّات
عدن وفيهَا جوَار خُلِقْنَ من ورد الْجنَّة
قيل: وَمن يسكنهَا قَالَ: الَّذين هموا بِالْمَعَاصِي فَلَمَّا
ذكرُوا عظمتي راقبوني وَالَّذين انْثَنَتْ أصلابهم فِي
خَشْيَتِي
(6/508)
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ
فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ
الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
- قَوْله تَعَالَى: هَذَا خلق الله فأروني
مَاذَا خلق الَّذين من دونه بل الظَّالِمُونَ فِي ضلال مُبين
(6/508)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا خلق الله} أَي
مَا ذكر من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَث فِيهَا من
الدَّوَابّ وَمَا أنبت من كل زوج {فأروني مَاذَا خلق الَّذين
من دونه} يَعْنِي الْأَصْنَام
وَالله أعلم
(6/509)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ
يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا
لُقْمَان الْحِكْمَة أَن اشكر لله وَمن يشْكر فَإِنَّمَا يشْكر
لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن الله غَنِي حميد وَإِذ قَالَ لُقْمَان
لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك
لظلم عَظِيم
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَدْرُونَ
مَا كَانَ لُقْمَان قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: كَانَ
حَبَشِيًّا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي الزّهْد وَأحمد وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي كتاب المملوكين وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عبدا حَبَشِيًّا
نجاراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: قلت لجَابِر بن عبد الله رَضِي الله
عَنْهُمَا: مَا انْتهى إِلَيْكُم من شَأْن لُقْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام قَالَ: كَانَ قَصِيرا أفطس من النّوبَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَابْن
عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخذُوا السودَان فَإِن
ثَلَاثَة مِنْهُم سَادَات أهل الْجنَّة
لُقْمَان الْحَكِيم
وَالنَّجَاشِي
وبلال الْمُؤَذّن قَالَ الطَّبَرَانِيّ: أَرَادَ الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن جَابر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سَادَات السودَان أَرْبَعَة
لُقْمَان الحبشي
وَالنَّجَاشِي
وبلال
وَمهجع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد
بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
كَانَ أسود من سودان مصر ذَا مشافر
أعطَاهُ الله الْحِكْمَة وَمنعه النُّبُوَّة
(6/509)
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن ابْن
حَرْمَلَة قَالَ: جَاءَ أسود إِلَى سعيد بن الْمسيب رَضِي الله
عَنهُ يسْأَله فَقَالَ لَهُ سعيد رَضِي الله عَنهُ: لَا تحزن
من أجل أَنَّك أسود فَإِنَّهُ كَانَ من أخير النَّاس ثَلَاثَة
من السودَان: بِلَال
وَمهجع مولى عمر بن الْخطاب
ولقمان الْحَكِيم كَانَ أسود نوبياً ذَا مشافر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام عبد أسود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عبدا حَبَشِيًّا
غليظ الشفتين مصفح الْقَدَمَيْنِ قَاضِيا لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر
عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ خياطاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام من أَهْون مملوكيه على
سَيّده وَإِن أول مَا رُؤِيَ من حكمته أَنه بَيْنَمَا هُوَ
مَعَ مَوْلَاهُ إِذْ دخل الْمخْرج فَأطَال فِيهِ الْجُلُوس
فناداه لُقْمَان أَن طول الْجُلُوس على الْحَاجة ينجع مِنْهُ
الكبد وَيكون مِنْهُ الْبَاسُور ويصعد الْحر إِلَى الرَّأْس
فأجلس هوينا وَأخرج فَخرج فَكتب حكمته على بَاب الحش قَالَ:
وسكر مَوْلَاهُ فخاطر قوما على أَن يشرب مَاء بحيرة فَلَمَّا
أَفَاق عرف مَا وَقع مِنْهُ فَدَعَا لُقْمَان فَقَالَ: لمثل
هَذَا كنت أخبؤك
فَقَالَ: اجمعهم فَلَمَّا اجْتَمعُوا قَالَ: على أَي شَيْء
خاطرتموه قَالُوا: على أَن يشرب مَاء هَذِه الْبحيرَة قَالَ:
فَإِن لَهَا مواد فاحبسوا موادها عَنْهَا قَالُوا: كَيفَ
نستطيع أَن نحبس موادها قَالَ: وَكَيف يَسْتَطِيع أَن يشْربهَا
وَلها مواد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} قَالَ:
يَعْنِي الْعقل والفهم والفطنة
من غير نبوّة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
أبي مُسلم الْخَولَانِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لُقْمَان كَانَ
عبدا كثير التفكر حسن الظَّن كثير الصمت أحب الله فَأَحبهُ
الله تَعَالَى فَمن عَلَيْهِ بالحكمة نُودي بالخلافة قبل
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقيل لَهُ: يَا لُقْمَان هَل لَك
أَن يجعلك الله خَليفَة تحكم بَين النَّاس
(6/510)
بِالْحَقِّ قَالَ لُقْمَان: إِن أجبرني
رَبِّي عز وَجل قبلت فَإِنِّي أعلم أَنه إِن فعل ذَلِك أعانني
وَعَلمنِي
وعصمني
وَإِن خيرني رَبِّي قبلت الْعَافِيَة وَلم أسأَل الْبلَاء
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا لُقْمَان لم قَالَ: لِأَن
الْحَاكِم بأشد الْمنَازل وأكدرها يَغْشَاهُ الظُّلم من كل
مَكَان فيخذل أَو يعان فَإِن أصَاب فبالحري أَن ينجو وَإِن
أَخطَأ أَخطَأ طَرِيق الْجنَّة وَمن يكون فِي الدُّنْيَا
ذليلاً خير من أَن يكون شريفا ضائعا وَمن يخْتَار الدُّنْيَا
على الْآخِرَة فَاتَتْهُ الدُّنْيَا وَلَا يصير إِلَى ملك
الْآخِرَة
فَعجب الْمَلَائِكَة من حسن مَنْطِقه فَنَامَ نومَة فغط
بالحكمة غطاً فانتبه فَتكلم بهَا ثمَّ نُودي دَاوُد عَلَيْهِ
السَّلَام بعده بالخلافة فقبلها وَلم يشْتَرط شَرط لُقْمَان
فَأَهوى فِي الْخَطِيئَة فصفح عَنهُ وَتجَاوز
وَكَانَ لُقْمَان يؤازره بِعِلْمِهِ وحكمته فَقَالَ دَاوُد
عَلَيْهِ السَّلَام: طُوبَى لَك يَا لُقْمَان أُوتيت
الْحِكْمَة فصرفت عَنْك البلية وأوتي دَاوُد الْخلَافَة
فَابْتلى بالذنب والفتنة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} قَالَ:
الْعقل
وَالْفِقْه
والاصابة فِي القَوْل فِي نبوّه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة}
قَالَ: الْفِقْه فِي الإِسلام وَلم يكن نَبيا وَلم يُوح
إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
خير الله تَعَالَى لُقْمَان بَين الْحِكْمَة والنبوّة
فَاخْتَارَ الْحِكْمَة على النبوّة فَأَتَاهُ جِبْرِيل
عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ نَائِم فذر عَلَيْهِ الْحِكْمَة
فاصبح ينْطق بهَا فَقيل لَهُ: كَيفَ اخْتَرْت الْحِكْمَة على
النبوّة وَقد خيرك رَبك فَقَالَ: لَو أَنه أرسل إِلَيّ
بالنبوّة عَزمَة لرجوت فِيهَا الْفَوْز مِنْهُ ولكنت أَرْجُو
أَن أقوم بهَا وَلكنه خيرني فَخفت أَن أَضْعَف عَن النبوّة
فَكَانَت الْحِكْمَة أحب إليَّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أَنه سُئِلَ أَكَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام نَبيا قَالَ: لَا
لم يُوح إِلَيْهِ وَكَانَ رجلا صَالحا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
نَبيا
(6/511)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن لَيْث رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَت حِكْمَة لُقْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام نبوّة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام رجلا صَالحا وَلم
يكن نَبيا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والرامهرمزي فِي الْأَمْثَال بِسَنَد
ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني عَلَيْك بمجالس
الْعلمَاء واستمع كَلَام الْحُكَمَاء فَإِن الله يحي الْقلب
الْمَيِّت بِنور الْحِكْمَة كَمَا تحيا الأَرْض الْميتَة بوابل
الْمَطَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
أَنه ذكر لُقْمَان الْحَكِيم فَقَالَ: مَا أُوتِيَ مَا أُوتِيَ
عَن أهل وَلَا مَال
وَلَا حسب
وَلَا خِصَال
وَلكنه كَانَ رجلا صمصامة سكيتاً طَوِيل التفكر عميق النّظر لم
ينم نَهَارا قطّ وَلم يره أحد يبزق وَلَا يتنحخ وَلَا يَبُول
وَلَا يتغوّط وَلَا يغْتَسل وَلَا يعبث وَلَا يضْحك كَانَ لَا
يُعِيد منطقاً نطقه إِلَّا أَن يَقُول: حِكْمَة يستعيدها
إِيَّاه وَكَانَ قد تزوج وَولد لَهُ أَوْلَاد فماتوا فَلم يبك
عَلَيْهِم وَكَانَ يغشى السُّلْطَان وَيَأْتِي الْحُكَمَاء
لينْظر ويتفكر وَيعْتَبر
فبذلك أُوتِيَ مَا أُوتِيَ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصمت وَابْن جرير عَن
عمر بن قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رجل بلقمان عَلَيْهِ
السَّلَام وَالنَّاس عِنْده فَقَالَ: أَلَسْت عبد بني فلَان
قَالَ: بلَى
قَالَ: أَلَسْت الَّذِي كنت ترعى عِنْد جبل كَذَا وَكَذَا
قَالَ: بلَى
قَالَ: فَمَا الَّذِي بلغ بك مَا أرى قَالَ: تقوى الله وَصدق
الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وَطول السُّكُوت عَمَّا لَا
يعنيني
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن جحادة رَضِي الله
عَنهُ
مثله
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن
لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ يَقُول: إِن الله إِذا استودع شَيْئا
حفظه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي نعت الْخَائِفِينَ عَن الْفضل
الرقاشِي قَالَ: مَا زَالَ لُقْمَان يعظ ابْنه حَتَّى انشقت
مرارته فَمَاتَ
(6/512)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن حَفْص بن
عمر الْكِنْدِيّ قَالَ: وضع لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
جراباً من خَرْدَل إِلَى جنبه وَجعل يعظ ابْنه موعظة وَيخرج
خردلة فنفذ الْخَرْدَل فَقَالَ: يَا بني لقد وعظتك موعظة لَو
وعظتها جبلا لتفطر
فتفطر ابْنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه:
يَا بني إياك والتقنع فَإِنَّهَا مخوفة بِاللَّيْلِ ومذلة
بِالنَّهَارِ
وَأخرج العسكري فِي الْأَمْثَال وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ
فِي شعب الإِيمان عَن أنس
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عبدا لداود وَهُوَ
يسْرد الدرْع فَجعل يفتله هَكَذَا بِيَدِهِ فَجعل لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام يتعجب وَيُرِيد أَن يسْأَله وتمنعه حكمته
أَن يسْأَله فَلَمَّا فرغ مِنْهَا صبها على نَفسه وَقَالَ: نعم
درع الْحَرْب هَذِه
فَقَالَ لُقْمَان: الصمت من الْحِكْمَة وَقَلِيل فَاعله كنت
أردْت أَن أَسأَلك فَسكت حَتَّى كفيتني
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عون بن
عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ:
يَا بني ارج الله رَجَاء لَا تأمن فِيهِ مكره وخف الله
مَخَافَة لَا تيأس بهَا من رَحمته فَقَالَ: يَا أبتاه وَكَيف
أَسْتَطِيع ذَلِك وَإِنَّمَا لي قلب وَاحِد قَالَ: الْمُؤمن
كَذَا لَهُ قلبان
قلب يَرْجُو بِهِ
وقلب يخَاف بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
لِابْنِهِ: يَا بني أَكثر من قَول: رب اغْفِر لي
فَإِن لله سَاعَة لَا يرد فِيهَا سَائل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن عمرَان
بن سليم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني حملت الْحِجَارَة
وَالْحَدِيد وَالْحمل الثقيل فَلم أحمل شَيْئا أثقل من جَار
السوء يَا بني إِنِّي قد ذقت المر كُله فَلم أذق شَيْئا أَمر
من الْفقر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْيَقِين عَن الْحسن رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِن
الْعَمَل لَا يُسْتَطَاع إِلَّا بِالْيَقِينِ وَمن يضعف يقينه
يضعف عمله يَا بني إِذا جَاءَك الشَّيْطَان من قبل الشَّك
والريبة فاغلبه بِالْيَقِينِ والنصيحة وَإِذا جَاءَك
(6/513)
من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بِذكر
الْقَبْر وَالْقِيَامَة وَإِذا جَاءَك من قبل الرَّغْبَة
والرهبة فاخبره أَن الدُّنْيَا مُفَارقَة متروكة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن وهب رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
لِابْنِهِ: يَا بني اتخذ تقوى الله تِجَارَة يأتك الرِّبْح من
غير بضَاعَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الرِّضَا عَن سعيد بن الْمسيب
قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني
لَا ينزلن بك أَمر رضيته أَو كرهته إِلَّا جعلت فِي الضَّمِير
مِنْك أَن ذَلِك خير لَك
قَالَ: أهذه فَلَا أقدر أعطيكها دون أَن أعلم مَا قلت كَمَا
قلت قَالَ: يَا بني فَإِن الله قد بعث نَبيا
هَلُمَّ حَتَّى تَأتيه فَصدقهُ
قَالَ: اذْهَبْ يَا أَبَت
فَخرج على حمَار وَابْنه على حمَار وتزودا ثمَّ سارا أَيَّامًا
وليالي حَتَّى تلقتهما مفازة فأخذا أهبتهما لَهَا فدخلاها
فسارا مَا شَاءَ الله حَتَّى ظهرا وَقد تَعَالَى النَّهَار
وَاشْتَدَّ الْحر ونفد المَاء والزاد واستبطاآ حماريهما
فَنزلَا فَجعلَا يَشْتَدَّانِ على سَوْقِهِما فَبَيْنَمَا هما
كَذَلِك إِذْ نظر لُقْمَان أَمَامه فَإِذا هم بسواد ودخان
فَقَالَ فِي نَفسه: السوَاد: الشّجر
وَالدُّخَان: الْعمرَان وَالنَّاس
فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك يَشْتَدَّانِ إِذْ وطىء ابْن لُقْمَان
على عظم فِي الطَّرِيق فَخر مغشياً عَلَيْهِ فَوَثَبَ إِلَيْهِ
لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فضمه إِلَى صَدره واستخرج الْعظم
بِأَسْنَانِهِ ثمَّ نظر إِلَيْهِ فذرفت عَيناهُ فَقَالَ: يَا
أَبَت أَنْت تبْكي وَأَنت تَقول: هَذَا خير لي كَيفَ يكون
هَذَا خير لي وَقد نفذ الطَّعَام وَالْمَاء وَبقيت أَنا وَأَنت
فِي هَذَا الْمَكَان فَإِن ذهبت وتركتني على حَالي ذهبت بهم
وغم مَا بقيت وان أَقمت معي متْنا جَمِيعًا فَقَالَ: يَا بني
أما بُكَائِي فرقة الْوَالِدين وَأما مَا قلت كَيفَ يكون هَذَا
خير لي فَلَعَلَّ مَا صرف عَنْك أعظم مِمَّا ابْتليت بِهِ
وَلَعَلَّ مَا ابْتليت بِهِ أيسر مِمَّا صرف عَنْك ثمَّ نظر
لُقْمَان أَمَامه فَلم يَرَ ذَلِك الدُّخان والسواد
وَإِذا بشخص أقبل على فرس أبلق عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة
بَيْضَاء يمسح الْهَوَاء مسحاً فَلم يزل يرمقه بِعَيْنِه
حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَرِيبا قتوارى عَنهُ ثمَّ صَاح بِهِ:
أَنْت لُقْمَان قَالَ: نعم
قَالَ: أَنْت الْحَكِيم قَالَ: كَذَلِك
فَقَالَ: مَا قَالَ لَك ابْنك قَالَ: يَا عبد الله من أَنْت
اسْمَع كلامك وَلَا أرى وَجهك قَالَ: أَنا جِبْرِيل
أَمرنِي رَبِّي
(6/514)
بخسف هَذِه الْمَدِينَة وَمن فِيهَا فاخبرت
انكما تريدانها فدعوت رَبِّي أَن يحبسكما عَنْهَا بِمَا شَاءَ
فحبسكما بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ ابْنك وَلَوْلَا ذَلِك لخسف بكما
مَعَ من خسفت ثمَّ مسح جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَده على
قدم الْغُلَام فَاسْتَوَى قائمان وَمسح يَده على الَّذِي كَانَ
فِيهِ الطَّعَام فَامْتَلَأَ طَعَاما وعَلى الَّذين كَانَ
فِيهِ المَاء فَامْتَلَأَ مَاء ثمَّ حملهَا وحماريهما فزجل
بهما كَمَا يزجل الطير فَإِذا هما فِي الدَّار الَّذِي خرجا
بعد أَيَّام وليال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ
أَنه لما وعظ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ابْنه قَالَ:
{إِنَّهَا إِن تَكُ}
أَخذ حَبَّة من خَرْدَل فَأتى بهَا إِلَى اليرموك فألقاها فِي
عرضه ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله ثمَّ ذكرهَا وَبسط يَده فَأقبل
بهَا ذُبَاب حَتَّى وَضعهَا فِي رَاحَته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَالك رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ
لِابْنِهِ: لَيْسَ غنى كصحة وَلَا نعيم كطيب نفس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
لِابْنِهِ: من كذب ذهب مَاء وَجهه وَمن سَاءَ خلقه كثر غمه
وَنقل الصخور من موَاضعهَا أيسر من إفهام من لَا يفهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن
الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن لُقْمَان قَالَ
لِابْنِهِ: يَا بني حملت الجندل
وَالْحَدِيد
وكل شَيْء ثقيل
فَلم أحمل شَيْئا هُوَ أثقل من جَار السوء وذقت المر فَلم أذق
شَيْئا هُوَ أَمر من الْفقر يَا بني لَا ترسل رَسُولك جَاهِلا
فَإِن لم تَجِد حكيماً فَكُن رَسُول نَفسك يَا بني إياك
وَالْكذب فَإِنَّهُ شهي كلحم العصفور عَمَّا قَلِيل يقلي
صَاحبه يَا بني احضر الْجَنَائِز وَلَا تحضر الْعرس فَإِن
الْجَنَائِز تذكرك الْآخِرَة والعرس تشهيك الدُّنْيَا يَا بني
لَا تَأْكُل شبعاً على شبع فَإنَّك إِن تلقه للكلب خير من أَن
تَأْكُله يَا بني لَا تكن حلواً فتبلع وَلَا مرا فتلفظ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني لَا
تكونن أعجز من هَذَا الديك الَّذِي يصوّت بالأسحار وَأَنت
نَائِم على فراشك
(6/515)
وَأخرج عبد الله فِي زوائده
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن زَائِدَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ:
يَا بني لَا تُؤخر التَّوْبَة فَإِن الْمَوْت يَأْتِي بَغْتَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن سيار بن
الحكم قَالَ: قيل للقمان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا حكمتك قَالَ:
لَا أسأَل عَمَّا قد كفيت وَلَا أتكلف مَا لَا يعنيني
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عُثْمَان الْجَعْدِي رجل من
أهل الْبَصْرَة قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
لِابْنِهِ: يَا بني لَا ترغب فِي ود الْجَاهِل فَيرى أَنَّك
ترْضى عمله وَلَا تهاون بمقت الْحَكِيم فيزهد فِيك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا
تنْكح أمة غَيْرك فتورث بنيك حزنا طَويلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن
وَاسع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام يَقُول لِابْنِهِ: يَا بني اتَّقِ الله وَلَا تَرَ
النَّاس أَنَّك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فَاجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن جرير عَن خَالِد الربعِي
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عبدا
حَبَشِيًّا نجاراً فَقَالَ لَهُ سَيّده: اذْبَحْ لي شَاة
فذبح لَهُ شَاة فَقَالَ لَهُ: ائْتِنِي بأطيب مضغتين فِيهَا
فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقلب فَقَالَ: أما كَانَ شَيْء
أطيب من هذَيْن قَالَ: لَا
فَسكت عَنهُ مَا سكت ثمَّ قَالَ لَهُ: اذْبَحْ لي شَاة
فذبح لَهُ شَاة فَقَالَ لَهُ: ألق أخبثها مضغتين
فَرمى بِاللِّسَانِ وَالْقلب فَقَالَ أَمرتك بِأَن تَأتي
بأطيبها مضغتين فأتيني بِاللِّسَانِ وَالْقلب وأمرتك أَن تلقي
أخبثها مضغتين فألقيت اللِّسَان وَالْقلب فَقَالَ: إِنَّه
لَيْسَ شَيْء بأطيب مِنْهَا إِذا طابا وَلَا بأخبث مِنْهُمَا
إِذا خبثا
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الله بن زيد رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا أَن يَد
الله على أَفْوَاه الْحُكَمَاء
لَا يتَكَلَّم أحدهم إِلَّا مَا هيأ الله لَهُ
وَأخرج عبد الله عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني مَا نَدِمت
على الصمت قطّ وَإِن كَانَ الْكَلَام من فضَّة كَانَ السُّكُوت
من ذهب
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني
(6/516)
اعتزل الشَّرّ كَيْمَا يعتزلك فَإِن
الشَّرّ للشر خلق
وَأخرج عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: مَكْتُوب فِي
الْحِكْمَة - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام -
يَا بني إياك والرغب كل الرغب فَإِن الرغب كل الرغب [] ينفذ
الْقرب من الْقرب وَيتْرك الْحلم مثل [] الرطب يَا بني إياك
وَشدَّة الْغَضَب فَإِن شدَّة الْغَضَب ممحقة لفؤاد الْحَكِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ
وَهُوَ يعظه: يَا بني اختر الْمجَالِس على عَيْنك فَإِذا
رَأَيْت الْمجْلس يذكر الله عز وَجل فِيهِ فاجلس مَعَهم
فَإنَّك إِن تَكُ عَالما ينفعك علمك وَإِن تَكُ غبياً يعلموك
وان يطلع الله عز وَجل إِلَيْهِم برحمة تصبك مَعَهم يَا بني
لَا تجْلِس فِي الْمجْلس الَّذِي لَا يذكر فِيهِ الله فَإنَّك
إِن تَكُ عَالما لَا ينفعك علمك وَإِن تَكُ عَيِياً يزيدوك
عياً وان يطلع الله إِلَيْهِم بعد ذَلِك بسخط يصبك مَعَهم
وَيَا بني لَا يغيظنك امْرُؤ رحب الذراعين يسفك دِمَاء
الْمُؤمنِينَ فَإِن لَهُ عِنْد الله قَاتلا لَا يَمُوت
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: لَا
يَأْكُل طَعَامك إِلَّا الأتقياء وشاور فِي أَمرك الْعلمَاء
وَأخرج أَحْمد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ:
مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان - لتكن
كلمتك طيبَة وَليكن وهجك بسيطاً تكن أحب إِلَى النَّاس مِمَّن
يعطيهم الْعَطاء وَقَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة كَمَا
تَرحمون تُرحمون
وَقَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة: كَمَا تَزْرَعُونَ
تَحْصِدُون
وَقَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة: أحب خَلِيلك وخليل أَبِيك
وَأخرج أَحْمد عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل
للقمان عَلَيْهِ السَّلَام: أَي النَّاس أَصْبِر قَالَ: صَبر
لَا مَعَه أَذَى
قيل: فَأَي النَّاس أعلم قَالَ: من ازْدَادَ من علم النَّاس
إِلَى علمه
قيل فَأَي النَّاس خير قَالَ: الْغَنِيّ
قيل: الْغَنِيّ من المَال قَالَ: لَا
وَلَكِن الْغَنِيّ إِذا التمس عِنْده خير وجدوا لَا أغْنى
نَفسه عَن النَّاس
وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل
للقمان عَلَيْهِ السَّلَام: أَي النَّاس شَرّ قَالَ: الَّذِي
لَا يُبَالِي أَن يرَاهُ النَّاس مسيئاً
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
وجدت فِي بعض
(6/517)
الْحِكْمَة
يبرد الله عِظَام الَّذين يَتَكَلَّمُونَ باهواء النَّاس
وَوجدت فِي الْحِكْمَة: لَا خير لَك فِي أَن تتعلم مَا لم تعلم
إِذا لم تعْمل بِمَا قد علمت فَإِن مثل ذَلِك رجل احتطب حطباً
فَحمل حزمة فَذهب يحملهَا فعجز عَنْهَا فضم إِلَيْهَا أُخْرَى
وَأخرج أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جحادة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: يَأْتِي على النَّاس زمَان
لَا تقر فِيهِ عين حَكِيم
وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ عَمَّن أخبرهُ
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: أَي بني إِن
الدُّنْيَا بَحر عميق وَقد غرق فِيهَا نَاس كثير فَاجْعَلْ
سفينتك فِيهَا تقوى الله وحشوها الإِيمان بِاللَّه وشراعها
التَّوَكُّل على الله لَعَلَّك أَن تنجو وَلَا أَرَاك ناجياً
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عَوْف بن عبد الله رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِنِّي حملت
الجندل وَالْحَدِيد فَلم أحمل شَيْئا أثقل من جَار السوء وذقت
المرارة كلهَا فَلم أذق أَشد من الْفقر
وَأخرج أَحْمد عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم رَضِي الله عَنهُ أَن
لُقْمَان قَالَ: أقصر من اللجاجة وَلَا أنطق فِيمَا لَا يعنيني
وَلَا أكون مضحاكاً من غير عجب وَلَا مشاء إِلَى غير أرب
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت
فِي الْحِكْمَة: من كَانَ لَهُ من نَفسه واعظاً كَانَ لَهُ من
الله حَافِظًا وَمن أنصف النَّاس من نَفسه زَاده الله بذلك عزا
والذل فِي طَاعَة الله أقرب من التعزز بالمعصية
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ أَن
لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني انْزِلْ
نَفسك منزلَة من لَا حَاجَة لَهُ بك ولَا بُد لَك مِنْهُ يَا
بني كن كمن لَا يَبْتَغِي محمدة النَّاس وَلَا يكْسب ذمهم
فنفسه مِنْهُ فِي عناء وَالنَّاس مِنْهُ فِي رَاحَة
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن أبي يحيى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: أَي بني أَن الْحِكْمَة
أجلست الْمَسَاكِين مجَالِس الْمُلُوك
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: قَالَ لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني جَالس الصَّالِحين من
عباد الله فَإنَّك تصيب بمجالستهم خيرا وَلَعَلَّه أَن يكون
آخر
(6/518)
ذَلِك تنزل عَلَيْهِم الرَّحْمَة فتصيبك
مَعَهم يَا بني لَا تجَالس الأشرار فانك لَا يصيبك من مجالستهم
خير وَلَعَلَّه أَن يكوه فِي آخر ذَلِك أَن تنزل عَلَيْهِم
عُقُوبَة فتصيبك مَعَهم
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن أبي نجيح رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: الصمت حكم وَقَلِيل فَاعله
فَقَالَ طَاوس رَضِي الله عَنهُ: أَي أَبَا نجيح من قَالَ
وَاتَّقَى الله خير مِمَّن صمت وَاتَّقَى الله
وَأخرج أَحْمد عَن عون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني إِذا انْتَهَيْت إِلَى
نَادِي قوم فَارْمِهِمْ بِسَهْم الإِسلام ثمَّ اجْلِسْ فِي
ناحيتهم فَإِن أفاضوا فِي ذكر الله فاجلس مَعَهم وَإِن أفاضوا
فِي غير ذَلِك فتحول عَنْهُم
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الله بن دِينَار رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: أَن لُقْمَان قدم من سفر فَلَقِيَهُ
غُلَام فِي الطَّرِيق فَقَالَ: مَا فعل أبي قَالَ: مَاتَ
قَالَ: الْحَمد لله ملكت أَمْرِي قَالَ: مَا فعلت أُمِّي
قَالَ: مَاتَت
قَالَ: ذهب همي قَالَ: مَا فعلت امْرَأَتي قَالَ: مَاتَت
قَالَ: جدد فِرَاشِي قَالَ: مَا فعلت أُخْتِي قَالَ: مَاتَت
قَالَ: سترت عورتي قَالَ: مَا فعل أخي قَالَ: مَاتَ قَالَ:
انْقَطع ظَهْري
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الْوَهَّاب بن بخت
الْمَكِّيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني جَالس الْعلمَاء
وزاحمهم بركبتيك فَإِن الله ليحيي الْقُلُوب الْميتَة بِنور
الْحِكْمَة كَمَا يحيي الأَرْض الْميتَة بوابل السَّمَاء
وَأخرج عَن عبد الله بن قيس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ:
قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني امْتنع
مِمَّا يخرج من فِيك فَإنَّك مَا سكت سَالم وَإِنَّمَا
يَنْبَغِي لَك من القَوْل مَا ينفعك
وَأخرج أَحْمد عَن مُحَمَّد بن وَاسع رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني لَا
تتعلم مَا لَا تعلم حَتَّى تعْمل بِمَا تعلم
وَأخرج أَحْمد عَن بكر الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: ضرب الْوَالِد لوَلَده
كَالْمَاءِ للزَّرْع
وَأخرج القالي فِي أَمَالِيهِ عَن الْعُتْبِي قَالَ: بَلغنِي
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ
(6/519)
يَقُول: ثَلَاثَة لَا يعْرفُونَ إِلَّا
ثَلَاثَة مَوَاطِن
الْحَلِيم عِنْد الْغَضَب
والشجاع عِنْد الْحَرْب
وأخوك عِنْد حَاجَتك إِلَيْهِ
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن الْحَنْظَلِي رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِذا أردْت أَن
تؤاخي رجلا فاغضبه قبل ذَلِك فَإِن أنصفك عِنْد غَضَبه
وَإِلَّا فاحذره
وَأخرج الدَّارقطني عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
بَلغنِي أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا
بني إِنَّك مُنْذُ نزلت إِلَى الدُّنْيَا استدبرتها واستقبلت
الْأُخْرَى فَدَارٌ أَنْت إِلَيْهَا تسير أقرب من دَار أَنْت
عَنْهَا تُبَاعِد
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ لَا
تجْعَل أَصْحَابِي الغافلين
إِذا ذكرتك لم يعينوني وَإِذا نسيتك لم يذكروني وَإِذا أمرت لم
يطيعوني وَإِن صمت أحزنوني
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُعْتَمر عَن أَبِيه أَن
لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني عود
لسَانك أَن يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي
فَإِن لله سَاعَة لَا يرد فِيهَا الدُّعَاء
وَأخرج الْخَطِيب عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ:
قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني إياك
والدَيْن فَإِنَّهُ ذُلُّ النهارِ هَمُّ الليلِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان
لِابْنِهِ: يَا بني ارج الله رَجَاء لَا يجرئك على مَعْصِيَته
وخف الله خوفًا لَا يؤيسك من رَحمته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا جَاءَك
الرجل وَقد سَقَطت عَيناهُ فَلَا تقض لَهُ حَتَّى يَأْتِي
خَصمه قَالَ: يَقُول لَعَلَّه أَن يَأْتِي وَقد نزع أَرْبَعَة
أعين
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الله عز وَجل يَا ابْن آدم
خلقتك وَتعبد غَيْرِي وَتَدْعُو إِلَيّ وتفر مني وتذكرني
وتنساني هَذَا أظلم ظلم فِي الأَرْض ثمَّ يَتْلُو الْحسن {إِن
الشّرك لظلم عَظِيم}
(6/520)
وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ
عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ
مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ
فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا
أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا
تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ
مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
(18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ
أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
- قَوْله تَعَالَى: وَوَصينَا الْإِنْسَان
بِوَالِديهِ حماته أمه وَهنا على وَهن وفصاله فِي عَاميْنِ أَن
اشكر لي ولوالديك إِلَيّ الْمصير وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك
بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفا وَاتبع سَبِيل من أناب إليَّ ثمَّ إِلَيّ
مرجعكم فأنبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ يَا بني إِنَّهَا
إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل فتكن فِي صَخْرَة أَو فِي
السَّمَوَات أَو فِي الأَرْض يَأْتِ بهَا الله إِن الله لطيف
خَبِير يَا بني أقِم الصَّلَاة وام بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن
الْمُنكر واصبر على مَا أَصَابَك إِن ذَلِك من عزم الْأُمُور
وَلَا تصعر خدك للنَّاس وَلَا تمش فِي الآرض مرحاً إِن الله
لَا يحب كل مختال فخور واقصد فِي مشيك واغضض من صَوْتك إِن
أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير
أخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن
عَسَاكِر عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: إِن سعد بن أبي
وَقاص قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن جَاهَدَاك على أَن
تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفا} كنت رجلا برا بأمي فَلَمَّا أسلمت
قَالَت: يَا سعد وَمَا هَذَا الَّذِي أَرَاك قد أحدَثْتَ
لتَدَعَنَّ دينَك هَذَا أَو لَا آكل وَلَا أشْرب حَتَّى أَمُوت
فَتُعَيَّرَ بِي فيُقال يَا قَاتل أمه قلت: يَا أمه لَا تفعلي
فَإِنِّي لَا أدع ديني هَذَا لشَيْء فَمَكثت يَوْمًا وَلَيْلَة
لَا تَأْكُل فاصبحت قد جهدت فَمَكثت يَوْمًا آخر وَلَيْلَة
وَقد اشْتَدَّ جهدها فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك قلتك يَا أمه
تعلمين وَالله لَو كَانَت لَك مائَة نفس فَخرجت نفسا نفسا مَا
تركت ديني هَذَا لشَيْء فَإِن شِئْت فكلي وَإِن شِئْت فَلَا
تأكلي فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك أكلت
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعد قَالَ: نزلت فيَّ أَربع آيَات
الْأَنْفَال {وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا}
وَالْوَصِيَّة وَالْخمر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة
فِي سعد بن أبي
(6/521)
وَقاص رَضِي الله عَنهُ {وَإِن جَاهَدَاك
على أَن تشرك بِي}
وَأخرج ابْن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ: جِئْت من الرَّمْي فَإِذا النَّاس مجتمعون على أُمِّي
حمْنَة بنت سُفْيَان بن أُميَّة بن عبد شمس وعَلى أخي عَامر
حِين أسلم فَقلت: مَا شَأْن النَّاس فَقَالُوا: هَذِه أمك قد
أخذت أَخَاك عَامِرًا تُعْطِي الله عهدا: أَن لَا يُظِلّهَا
ظلّ وَلَا تَأْكُل طَعَاما وَلَا تشرب شرابًا حَتَّى يدع
الصباوة
فَأقبل سعد رَضِي الله عَنهُ حَتَّى تخلص إِلَيْهَا فَقَالَ:
عَليّ يَا أمه فاحلفي قَالَت: لم قَالَ: أَن لَا تستظلي فِي
ظلّ وَلَا تأكلي طَعَاما وَلَا تشربي شرابًا حَتَّى تريْ
مَقْعَدك من النَّار فَقَالَت: إِنَّمَا أَحْلف على ابْني
الْبر
فَأنْزل الله {وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ
لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا}
إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: شدَّة بعد شدَّة وخلقاً بعد
خلق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله
{وَهنا على وَهن} قَالَ: ضعفا على ضعف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: مشقة وَهُوَ الْوَلَد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: الْوَلَد على وَهن
قَالَ: الوالدة وضعفها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {وصاحبهما فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفا} قَالَ: تعودهما إِذا مَرضا وتتبعهما إِذا مَاتَا
وتواسيهما مِمَّا أَعْطَاك الله {وَاتبع سَبِيل من أناب إليَّ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {وَاتبع سَبِيل من أناب إِلَيّ} قَالَ: مُحَمَّد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من
خَرْدَل} قَالَ: من خير أَو شَرّ {فتكن فِي صَخْرَة} قَالَ:
فِي جبل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: الأَرْض على نون
(6/522)
وَالنُّون على بَحر وَالْبَحْر على صَخْرَة
خضراء فخضرة المَاء من تِلْكَ الصَّخْرَة قَالَ: والصخرة على
قرن ثَوْر وَذَلِكَ الثور على الثرى وَلَا يعلم مَا تَحت الثرى
إِلَّا الله
فَذَلِك قَوْله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض
وَمَا بَينهمَا وَمَا تَحت الثرى} طه الْآيَة 6 فَجَمِيع مَا
فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَينهمَا وَمَا تَحت
الثرى فِي حرم الرَّحْمَن فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة لم
يبْق شَيْء من خلقه قَالَ: {لمن الْملك الْيَوْم} فيهتز مَا
فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فيجيب هُوَ نَفسه فَيَقُول: {لله
الْوَاحِد القهار}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن أبي مَالك رَضِي الله
عَنهُ {يَأْتِ بهَا الله} قَالَ: يعلمهَا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله لطيف} قَالَ: باستخراجها
قَالَ: بمستقرها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {وَأمر بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ
{وانه عَن الْمُنكر} يَعْنِي عَن الشّرك {واصبر على مَا
أَصَابَك} فِي أَمرهمَا يَقُول: إِذا أمرت بِمَعْرُوف أَو نهيت
عَن مُنكر وأصابك فِي ذَلِك أَذَى وَشدَّة فاصبر عَلَيْهِ {إِن
ذَلِك} يَعْنِي هَذَا الصَّبْر على الْأَذَى فِي الْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر {من عزم الْأُمُور}
يَعْنِي من حق الْأُمُور الَّتِي أَمر الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{واصبر على مَا أَصَابَك} من الْأَذَى فِي ذَلِك {إِن ذَلِك من
عزم الْأُمُور} يَقُول: مِمَّا عزم الله عَلَيْهِ من الْأُمُور
وَمِمَّا أَمر الله بِهِ من الْأُمُور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن أبي
جَعْفَر الخطمي رَضِي الله عَنهُ أَن جده عُمَيْر بن حبيب
وَكَانَت لَهُ صُحْبَة أوصى بنيه قَالَ: يَا بني إيَّاكُمْ
ومجالسة السُّفَهَاء فَإِن مجالستهم دَاء إِنَّه من يحلم عَن
السَّفِيه يسر بحلمه وَمن يُحِبهُ ينْدَم وَمن لَا يقر
بِقَلِيل مَا يَأْتِي بِهِ السَّفِيه يقر بالكثير وَمن يصبر
على مَا يكره يدْرك مَا يحب وَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْمر
النَّاس بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر فليوطن نَفسه على
الصَّبْر على الْأَذَى وليثق بالثواب من الله وَمن يَثِق
بالثواب من الله لَا يجد مس الْأَذَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله
(6/523)
عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ:
ليّ الشدق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك
للنَّاس} يَقُول: لَا تتكبر
فتحقر عباد الله وَتعرض عَنْهُم بِوَجْهِك إِذا كلموك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس}
قَالَ: هُوَ الَّذِي إِذا سلم عَلَيْهِ لوى عُنُقه كالمستكبر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ: الصدود
والإِعراض بِالْوَجْهِ عَن النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} يَقُول: لَا تعرض وَجهك
عَن فُقَرَاء النَّاس تكبراً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله
{وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ: ليكن الْفَقِير والغني عنْدك
فِي الْعلم سَوَاء وَقد عوتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{عبس وَتَوَلَّى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} قَالَ: تواضع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد ابْن أبي حبيب رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} قَالَ: يَعْنِي السرعة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} يَقُول: لَا تختال: {واغضض من
صَوْتك} قَالَ: اخْفِضْ من صَوْتك عَن الْمَلأ {إِن أنكر
الْأَصْوَات} قَالَ: أقبح الْأَصْوَات {لصوت الْحمير}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي
مشيك} قَالَ: نَهَاهُ عَن الْخُيَلَاء {واغضض من صَوْتك}
قَالَ: أمره بالاقتصاد فِي صَوته {إِن أنكر الْأَصْوَات}
قَالَ: أقبح الْأَصْوَات {لصوت الْحمير} قَالَ: أوّله زفير
وَآخره شهيق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله
(6/524)
{إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير} قالك
أنكرها على السّمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله
عَنهُ قالك صياح كل شَيْء تسبيحه إِلَّا الْحمار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: لَو كَانَ رفع الصَّوْت خيرا مَا جعله الله
للحمير
(6/525)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ
اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً
وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا
بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ
كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ
كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا
عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ
غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (26)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تروا أَن الله سخر
لكم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وأسبغ عَلَيْكُم
نعمه ظَاهِرَة وباطنة وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله
بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير وَإِذا قيل لَهُم
اتبعُوا مَا أنزل الله قَالُوا بل نتبع مَا وجدنَا عَلَيْهِ
آبَاءَنَا أولو كَانَ الشَّيْطَان يَدعُوهُم إِلَى عَذَاب
السعير وَمن يسلم وَجهه إِلَى الله وَهُوَ محسن فقد استمسك
بالعروة الوثقى وَإِلَى الله عَاقِبَة الْأُمُور وَمن كفر
فَلَا يحزنك كفره إِلَيْنَا مرجعهم فننبئهم بِمَا عمِلُوا إِن
الله عليم بِذَات الصُّدُور نمتعهم قَلِيلا ثمَّ نضطرهم إِلَى
عَذَاب غليظ وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
ليَقُولن الله قل الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ لله
مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِن الله هُوَ الْغَنِيّ
الحميد
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن
قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: هَذِه
من كنوز عَليّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: أما الظَّاهِرَة فَمَا سوى من خلقك وَأما
الْبَاطِنَة فَمَا ستر من عورتك وَلَو أبداها لقلاك أهلك فَمن
سواهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ والديلمي وَابْن
النجار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول {وأسبغ
عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: أما الظَّاهِرَة
فالإِسلام وَمَا سوى من خلقك وَمَا أَسْبغ عَلَيْك من رزقه
وَأما
(6/525)
الْبَاطِنَة فَمَا ستر من مساوىء عَمَلك
يَا ابْن عَبَّاس إِن الله تَعَالَى يَقُول: ثَلَاث جعلتهن
لِلْمُؤمنِ: صَلَاة الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ من بعده
وَجعلت لَهُ ثلث مَاله أكفر عَنهُ من خطاياه
وسترت عَلَيْهِ من مساوىء عمله فَلم أفضحه بِشَيْء مِنْهَا
وَلَو أبديتها لنبذه أَهله فَمن سواهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ:
النِّعْمَة الظَّاهِرَة: الإِسلام
وَالنعْمَة الْبَاطِنَة: كل مَا ستر عَلَيْكُم من الذُّنُوب
والعيوب وَالْحُدُود
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة}
قَالَ: هِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ
يقرأوها {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه} قَالَ: لَو كَانَت نعْمَة
كَانَت نعْمَة دون نعْمَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه} قَالَ: لَا إِلَه
إِلَّا الله ظَاهِرَة قَالَ: على اللِّسَان {وباطنة} قَالَ:
فِي الْقلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مقَاتل رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {نعمه ظَاهِرَة} قَالَ: الإِسلام {وباطنة}
قَالَ: ستره عَلَيْكُم الْمعاصِي
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الضَّحَّاك
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة
وباطنة} قَالَ: أما الظَّاهِرَة ك فالإِسلام
وَالْقُرْآن وَأما الْبَاطِنَة: فَمَا ستر من الْعُيُوب
(6/526)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ
بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَن مَا فِي
الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة
أبحر مَا نفذت كَلِمَات الله إِن الله عَزِيز حَكِيم
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
(6/526)
أَحْبَار يهود قَالُوا لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ ك يَا مُحَمَّد أَرَأَيْت
قَوْلك وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا ايانا
تُرِيدُ أم قَوْمك فَقَالَ: كلا
فَقَالُوا: أَلَسْت تتلو فِيمَا جَاءَك أَنا قد أوتينا
التَّوْرَاة وفيهَا تبيان كل شَيْء فَقَالَ: إِنَّهَا فِي علم
الله قَلِيل
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة
أَقْلَام}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ اجْتمعت الْيَهُود فِي بَيت فارسلوا إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ائتنا
فجَاء فَدخل عَلَيْهِم فَسَأَلُوهُ عَن الرَّجْم فَقَالَ:
أخبروني بأعلمكم
فأشاروا إِلَى ابْن صوريا الْأَعْوَر قَالَ: أَنْت أعلمهم
قَالَ: إِنَّهُم يَزْعمُونَ ذَاك قَالَ: فنشدتك بالمواثيق
الَّتِي أخذت عَلَيْكُم وبالتوراة الَّتِي أنزلت على مُوسَى
مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة قَالَ: لَوْلَا أَنَّك نشدتني
بِمَا نشدتني بِهِ مَا أَخْبَرتك أجد فِيهَا الرَّجْم قَالَ:
فَقضى عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا:
صدقت يَا مُحَمَّد عندنَا التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله
فَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يظفرون من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِشَيْء قَالَ: فَنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} الاسلااء
الْآيَة 85
فَاجْتمعُوا فِي ذَلِك الْبَيْت فَقَالَ رئيسهم: يَا معشر
الْيَهُود لقد ظفرتم بِمُحَمد فأرسلوا إِلَيْهِ
فجَاء فَدخل عَلَيْهِم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أَلَسْت أَنْت
أخبرتنا أَنه أنزل عَلَيْك {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم
التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} ثمَّ تخبرنا أَنه أنزل عَلَيْك
{وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَهَذَا مُخْتَلف
فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يرد عَلَيْهِم
قَلِيلا وَلَا كثيرا قَالَ: وَنزل على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام}
وَجَمِيع خلق الله كتاب وَهَذَا الْبَحْر يمد فِيهِ سَبْعَة
أبحر مثله فَمَاتَ هَؤُلَاءِ الْكتاب كلهم وَكسرت هَذِه
الأقلام كلهَا ويبست هَذِه البحور الثَّمَانِية وَكَلَام الله
كَمَا هُوَ لَا ينقص وَلَكِنَّكُمْ أُوتِيتُمْ التَّوْرَاة
فِيهَا شَيْء من حكم الله وَذَلِكَ فِي حكم الله قَلِيل
فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوهُ فَقَرَأَ
عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة قَالَ: فَرَجَعُوا مخصومين بشر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ
الله أَن يَقُول
فَقَالَ رجل: يَا مُحَمَّد تزْعم أَنَّك أُوتيت الْحِكْمَة
وَأُوتِيت الْقُرْآن وأوتيتنا التَّوْرَاة فَأنْزل الله {وَلَو
أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من
بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله} وَفِيه يَقُول: علم
الله أَكثر من ذَلِك
(6/527)
{وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم} فَهُوَ كثير
لكم لقولكم قَلِيل عِنْدِي
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
سَأَلَ أهل الْكتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الرّوح
فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَقَالُوا: تزْعم
أَنا لم نُؤْت من الْعلم إِلَّا قَلِيلا وَقد أوتينا
التَّوْرَاة: وَهِي الْحِكْمَة {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد
أُوتِيَ خيرا كثيرا} فَنزلت {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من
شَجَرَة أَقْلَام}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نصر السجْزِي
فِي الإِبانة عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
الْمُشْركُونَ: إِنَّمَا هَذَا كَلَام يُوشك أَن ينْفد فَنزلت
{وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} يَقُول: لَو
كَانَ شجر الأَرْض أقلاماً وَمَعَ الْبَحْر سَبْعَة أبحر مداد
لتكسرت الأقلام ونفد مَاء البحور قبل أَن تنفد عجائب ربين
وحكمته وَعلمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ حَيّ بن أَخطب: يَا مُحَمَّد تزْعم أَنَّك أُوتيت
الْحِكْمَة {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا}
وتزعم أَنا لم نُؤْت من الْعلم إِلَّا قَلِيلا فَكيف يجْتَمع
هَاتَانِ فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من
شَجَرَة أَقْلَام} وَنزلت الَّتِي فِي الْكَهْف {قل لَو كَانَ
الْبَحْر مداداًَ لكلمات رَبِّي}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن
أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو أَنما فِي
الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} يَقُول: لَو كَانَ كل شَجَرَة
فِي الأَرْض أقلاما والبحرا مداد لنفد المَاء وتكسرت الأقلام
قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ
(وَالْبَحْر يمده) رفع
(6/528)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا
بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا
كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ
وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
- قَوْله تَعَالَى: مَا خَلقكُم وَلَا
بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة إِن الله سميع بَصِير ألم تَرَ
أَن الله يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي
اللَّيْل وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر كل يجْرِي إِلَى أجل
مُسَمّى وَأَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير ذَلِك بِأَن الله
هُوَ الْحق وَإِن مَا يدعونَ
(6/528)
من دونه الْبَاطِل وَأَن الله هُوَ الْعلي
الْكَبِير ألم تَرَ أَن الْفلك تجْرِي فِي الْبَحْر بِنِعْمَة
الله ليريكم من آيَاته إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور
وأذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مُخلصين لَهُ الدّين فَلَمَّا
نجاهم إِلَى الْبر فَمنهمْ مقتصد وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا
إِلَّا كل ختار كفور يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم واخشوا
يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود هُوَ
جَازَ عَن وَالِده شَيْئا إِن وعد الله حق فَلَا تَغُرَنَّكم
الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا خَلقكُم
وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة} قَالَ: يَقُول لَهُ كن
فَيكون
الْقَلِيل وَالْكثير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله
{مَا خَلقكُم وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة} يَقُوله
إِنَّمَا خلق الله النَّاس كلهم وبعثهم كخلق نفس وَاحِدَة
وبعثها
وَفِي قَوْله {ألم تَرَ أَن الله يولج اللَّيْل فِي النَّهَار}
قَالَ: نُقْصَان اللَّيْل زِيَادَة النَّهَار {ويولج النَّهَار
فِي اللَّيْل} نُقْصَان النَّهَار زِيَادَة فِي اللَّيْل {كل
يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} لذَلِك كُله وَقت وَاحِد مَعْلُوم
لَا يعدوه وَلَا يقصر دونه
وَفِي قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} قَالَ: إِن
أحب عباد الله إِلَيْهِ الصبار الشكُور الَّذِي إِذا أعطي شكر
وَإِذا ابْتُلِيَ صَبر
وَفِي قَوْله {وَإِذا غشيهم موج كالظلل} قَالَ: كالسحاب وَفِي
قَوْله {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا كل ختار كفور} قَالَ:
غدار بِذِمَّتِهِ كفور بربه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {فَمنهمْ مقتصد} قَالَ: فِي القَوْل وَهُوَ كَافِر
{وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا كل ختار} قَالَ: غدار {كفور}
قَالَ: كَافِر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله {ختار} قَالَ: جحاد
(6/529)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن
قَوْله {كل ختار كفور} قَالَ: الْجَبَّار
الغدار
الظلوم
الغشوم
{الكفور} الَّذِي يُغطي النِّعْمَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب
ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لقد علمت واستيقنت
ذَات نَفسهَا بِأَن لَا تخَاف الدَّهْر صرمي وَلَا ختري وَأخرج
ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {كل ختار} قَالَ: الَّذِي يغدر بعهده {كفور} قَالَ:
بربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ورَضِي الله
عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور}
قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا
يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه
الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله
عَنهُ {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: أَن تعْمل
بالمعصية وتتمنى الْمَغْفِرَة
(6/530)
إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ
مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الله عِنْده علم
السَّاعَة وَينزل الْغَيْث وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا
تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض
تَمُوت إِن الله عليم خَبِير
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل من أهل الْبَادِيَة
فَقَالَ: إِن امْرَأَتي حُبْلَى فاخبرني مَا تَلد وبلادنا
مُجْدِبَة فَأَخْبرنِي مَتى ينزل الْغَيْث وَقد علمت مَتى ولدت
فَأَخْبرنِي مَتى أَمُوت فَأنْزل الله {إِن الله عِنْده علم
السَّاعَة} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن
رجلا يُقَال لَهُ: الوراث
من بني مَازِن بن حَفْصَة بن قيس غيلَان
جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد مَتى قيام
(6/530)
السَّاعَة وَقد أجدبت بِلَادنَا فَمَتَى
تخصب وَقد تركت امْرَأَتي حُبْلَى فَمَتَى تَلد وَقد علمت مَا
كسبت الْيَوْم فَمَاذَا أكسب غَدا وَقد علمت بِأَيّ أَرض ولدت
فَبِأَي أَرض أَمُوت فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} قَالَ: خمس
من الْغَيْب اسْتَأْثر بِهن الله فَلم يطلع عَلَيْهِنَّ ملكا
مقرباً وَلَا نَبيا مُرْسلا {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
فَلَا يدْرِي أحد من النَّاس مَتى تقوم السَّاعَة فِي أَي سنة
وَلَا فِي أَي شهر أليلاً أم نَهَارا {وَينزل الْغَيْث} فَلَا
يعلم أحد مَتى ينزل الْغَيْث أليلاً أم نَهَار {وَيعلم مَا فِي
الْأَرْحَام} فَلَا يعلم أحد مَا فِي الْأَرْحَام أذكر أم
أُنْثَى أَحْمَر أَو أسود {وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب
غَدا} أخير أم شرا {وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت}
لَيْسَ أحد من النَّاس يدْرِي أَيْن مضجعه من الأَرْض أَفِي
بَحر أم بر فِي سهل أم فِي جبل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَفَاتِيح الْغَيْب خمس لَا يعلمهُنَّ
إِلَّا الله
لَا يعلم مَا فِي غَد إِلَّا الله
وَلَا مَتى تقوم السَّاعَة إِلَّا الله
وَلَا يعلم مَا فِي الْأَرْحَام إِلَّا الله
وَلَا مَتى ينزل الْغَيْث إِلَّا الله
وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ ان رجلا يَا رَسُول الله مَتى السَّاعَة
قَالَ: مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وَلَكِن
سأحدثكم بأشراطها: إِذا ولدت الْأمة ربتها فَذَاك من أشراطها
وَإِذا كَانَت الحفاة العراة رُؤُوس النَّاس فَذَاك من أشراطها
وَإِذا تطاول رعاء الْغنم فِي الْبُنيان فَذَاك من أشراطها فِي
خمس من الْغَيْب لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله ثمَّ تَلا {إِن
الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالرُّويَانِيّ
والضياء بِسَنَد صَحِيح عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس لَا يعلمهُنَّ
إِلَّا الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي امامة رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ أَن أَعْرَابِيًا وقف على
(6/531)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
بدر على نَاقَة لَهُ عشراء فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَا فِي بطن
نَاقَتي هَذِه فَقَالَ: لَهُ رجل من الْأَنْصَار: دع عَنْك
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهلم إِلَيّ حَتَّى
أخْبرك: وَقعت أَنْت عَلَيْهَا وَفِي بَطنهَا ولد مِنْك
فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ
قَالَ: إِن الله يحب كل حَيّ كريم متكره وَيبغض كل لئيم متفحش
ثمَّ أقبل على الْأَعرَابِي فَقَالَ: خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا
الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي قبَّة حَمْرَاء إِذْ جَاءَ رجل على فرس فَقَالَ: من
أَنْت قَالَ أَنا رَسُول الله قَالَ: مَتى السَّاعَة قَالَ:
غيب وَمَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله قَالَ: مَا فِي بطن فرسي
قَالَ: غيب وَمَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله: فَمَتَى تمطر
قَالَ: غيب وَمَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أُوتيت
مَفَاتِيح كل شَيْء إِلَّا الْخمس {إِن الله عِنْده علم
السَّاعَة}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
أُوتِيَ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَفَاتِيح كل شَيْء
غير الْخمس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله
عَنهُ قَالَ لم يعم على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَّا الْخمس من سرائر الْغَيْب هَذِه الْآيَة
فِي آخر لُقْمَان إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب
عَن ربعي بن حِرَاش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي رجل من
بني عَامر أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله هَل بَقِي من الْعلم
شَيْء لَا تعلمه فَقَالَ: لقد عَلمنِي الله خيرا وَإِن من
الْعلم مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله
الْخمس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج ابْن ماجة عَن الرّبيع بنت معوذ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صَبِيحَة عرسي وَعِنْدِي جاريتان تُغنيَانِ
وَتَقُولَانِ: وَفينَا نَبِي يعلم مَا فِي غَد
فَقَالَ: أما هَذَا فَلَا تقولاه لَا يعلم مَا فِي غَد إِلَّا
الله
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
أبي غرَّة الْهُذلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ الله
(6/532)
قبض عبد بِأَرْض جعل لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة
فَلم ينْتَه حَتَّى يقدمهَا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن مطر بن
عكامس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا قضى الله لرجل أَن يَمُوت بِأَرْض جعل
لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة
وَأخرج أَحْمد عَن عَامر أَو أبي مَالك أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالس فِي مَجْلِسه فِيهِ
أَصْحَابه جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي غير صورته
فحسبه رجلا من الْمُسلمين فَسلم فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ
وضع يَده على ركبتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ
لَهُ: يَا رَسُول الله مَا الإِسلام قَالَ: أَن تسلم وَجهك لله
وَتشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده
وَرَسُوله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة قَالَ: فَإِذا فعلت
ذَلِك فقد أسلمت قَالَ: نعم
قَالَ: مَا الإِيمان قَالَ: أَن تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر وَالْمَلَائِكَة وَالْكتاب والنبيين وَالْمَوْت والحياة
بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار والحساب وَالْمِيزَان
وَالْقدر خَيره وشره
قَالَ: فَإِذا فعلت ذَلِك فقد آمَنت قَالَ: نعم
ثمَّ قَالَ: مَا الإِحسان قَالَ: أَن تعبد الله كَأَنَّك
ترَاهُ فَإِن كنت لَا ترَاهُ فَهُوَ يراك قَالَ: فَإِذا فعلت
ذَلِك فقد أَحْسَنت قَالَ: نعم
قَالَ: فَمَتَى السَّاعَة يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ك سُبْحَانَ الله
خمس لَا يعلمهَا إِلَّا الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة
وَينزل الْغَيْث وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا تَدْرِي نفس
مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِن
الله عليم خَبِير}
(6/533)
|