الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (38)
سُورَة ص
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة سُورَة ص أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة (ص) بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما مرض أَبُو طَالب دخل عَلَيْهِ رَهْط من قُرَيْش فيهم أَبُو جهل فَقَالُوا: إِن ابْن أَخِيك يشْتم آلِهَتنَا وَيفْعل وَيفْعل

وَيَقُول وَيَقُول

فَلَو بعثت إِلَيْهِ فنهيته فَبعث إِلَيْهِ فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل الْبَيْت وَبينهمْ وَبَين أبي طَالب قدر مجْلِس فخشي أَبُو جهل أَن جلس إِلَى أبي طَالب أَن يكون أرق عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِك الْمجْلس فَلم يجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَجْلِسا قرب عَمه فَجَلَسَ عِنْد الْبَاب فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب: أَي ابْن أخي مَا بَال قَوْمك يشكونك يَزْعمُونَ أَنَّك تَشْتُم آلِهَتهم وَتقول وَتقول

قَالَ وَأَكْثرُوا عَلَيْهِ من القَوْل وَتكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا عَم إِنِّي أريدهم على كلمة وَاحِدَة يَقُولُونَهَا تدين لَهُم بهَا الْعَرَب وَتُؤَدِّي إِلَيْهِم بهَا الْعَجم الْجِزْيَة ففزعوا لكلمته وَلقَوْله
فَقَالَ الْقَوْم: كلمة وَاحِدَة نعم وَأَبِيك عشرا قَالُوا: فَمَا هِيَ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَامُوا فزعين يَنْفضونَ ثِيَابهمْ وهم يَقُولُونَ {أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب} فَنزل فيهم {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} إِلَى قَوْله {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ
أَن نَاسا من قُرَيْش اجْتَمعُوا فيهم أَبُو جهل بن هِشَام والعاصي بن وَائِل وَالْأسود بن الْمطلب بن عبد يَغُوث فِي نفر من مشيخة قُرَيْش
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى أبي طَالب نكلمه فِيهِ فلينصفنا مِنْهُ فليكف عَن شتم آلِهَتنَا وندعه وإلهه الَّذِي يعبد فإننا نَخَاف أَن

(7/142)


يَمُوت هَذَا الشَّيْخ فَيكون منا شَيْء فتعيرنا الْعَرَب يَقُولُونَ: تَرَكُوهُ حَتَّى إِذا مَاتَ عَمه تناولوه
فبعثوا رجلا مِنْهُم يُسمى الْمطلب فَاسْتَأْذن لَهُم عَليّ أبي طَالب فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مشيخة قَوْمك وسرواتهم يستأذنون عَلَيْك قَالَ: أدخلهم
فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالُوا: يَا أَبَا طَالب أَنْت كَبِيرنَا وَسَيِّدنَا فأنصفنا من ابْن أَخِيك فمره فليكف عَن شتم آلِهَتنَا ونعده وإلهه فَبعث إِلَيْهِ أَبُو طَالب فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا ابْن أخي هَؤُلَاءِ مشيخة قَوْمك وسرواتهم قد سألوك النّصْف
أَن تكف عَن شتم آلِهَتهم ويدعوك وَإِلَهك فَقَالَ: أَي عَم أَولا أدعوهم إِلَى مَا هُوَ خير لَهُم مِنْهَا قَالَ: وإلام تدعوهم قَالَ: أدعوهم إِلَى أَن يتكلموا بِكَلِمَة يدين لَهُم بهَا الْعَرَب ويملكون بهَا الْعَجم فَقَالَ أَبُو جهل من بَين الْقَوْم: مَا هِيَ وَأَبِيك لنعطينكها وَعشر أَمْثَالهَا قَالَ: تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله
فنفروا وَقَالُوا سلنا غير هَذِه قَالَ: لَو جئتموني بالشمس حَتَّى تضعوها فِي يَدي مَا سألتكم غَيرهَا فغضبوا وَقَامُوا من عِنْده غضابا وَقَالُوا: وَالله لنشتمنك وَإِلَهك الَّذِي يَأْمُرك بِهَذَا {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا} إِلَى قَوْله {اخْتِلَاق}

الْآيَات 1 - 3

(7/143)


ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)

أخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: سُئِلَ جَابر بن عبد الله وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن {ص} فَقَالَا: مَا نَدْرِي مَا هُوَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ص} قَالَ: حَادث الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله أَنه كَانَ يقْرَأ {ص وَالْقُرْآن} بخفض الدَّال وَكَانَ يَجْعَلهَا من المصاداة يَقُول عَارض الْقُرْآن قَالَ عبد الْوَهَّاب: أعرضه على عَمَلك فَأنْظر أَيْن عَمَلك من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ص} يَقُول: إِنِّي أَنا الله الصَّادِق

(7/143)


وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ص} قَالَ: صدق الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {ص} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} قَالَ: نزلت فِي مجَالِسهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} قَالَ: ذِي الشّرف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة} قَالَ: هَهُنَا وَقع الْقسم {فِي عزة وشقاق} قَالَ: فِي حمية وفراق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} قَالَ: معازين {شقَاق} قَالَ: عاصين وَفِي قَوْله {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: مَا هَذَا بِحِين فرار
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن التَّمِيمِي قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: لَيْسَ بِحِين تزور وَلَا فرار
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {ولات حِين} قَالَ: لَيْسَ بِحِين فرار قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: تذكرت ليلى لات حِين تذكر وَقد تبت عَنْهَا والمناص بعيد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: نادوا والنداء حِين لَا يَنْفَعهُمْ وَأنْشد تذكرت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس {ولات حِين مناص} قَالَ: لَا حِين فرار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ولات حِين مناص} قَالَ: لَيْسَ بِحِين مغاث

(7/144)


وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {ولات حِين مناص} لَيْسَ بِحِين جزع
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {ولات حِين مناص} قَالَ: وَلَيْسَ حِين نِدَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {ولات حِين مناص} قَالَ: نادوا بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِقَاب حِين مَضَت الدُّنْيَا عَنْهُم فاستناصوا التَّوْبَة حِين زَالَت الدُّنْيَا عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: نَادَى الْقَوْم على غير حِين نِدَاء وَأَرَادُوا التَّوْبَة حِين عاينوا عَذَاب الله فَلم يَنْفَعهُمْ وَلم يقبل مِنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ولات حِين مناص} قَالَ: لَيْسَ حِين انقلاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه {ولات حِين مناص} قَالَ: إِذا أَرَادَ السرياني أَن يَقُول وَلَيْسَ يَقُول ولات

الْآيَات 4 - 16

(7/145)


وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وعجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحر كَذَّاب أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب} قَالَ: عجب الْمُشْركُونَ أَن دعوا إِلَى الله وَحده وَقَالُوا: إِنَّه لَا يسمع حاجتنا جَمِيعًا إِلَه وَاحِدًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز قَالَ: قَالَ رجل يَوْم بدر مَا هم إِلَّا النِّسَاء
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل هم الْمَلأ وتلا {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم} قَالَ: نزلت حِين انْطلق أَشْرَاف قُرَيْش إِلَى أبي طَالب يكلموه فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا واصبروا} قَالَ: هُوَ عقبَة بن أبي معيط
وَفِي قَوْله {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: النَّصْرَانِيَّة قَالُوا: لَو كَانَ هَذَا الْقُرْآن حَقًا لأخبرتنا بِهِ النَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: مِلَّة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: النَّصْرَانِيَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: النَّصْرَانِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} أَي فِي ديننَا هَذَا وَلَا فِي زَمَاننَا هَذَا {إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق} قَالَ: قَالُوا إِن هَذَا إِلَّا شَيْء يخلقه
وَفِي قَوْله {أم عِنْدهم خَزَائِن رَحْمَة رَبك الْعَزِيز الْوَهَّاب} قَالَ: لَا وَالله مَا عِنْدهم مِنْهَا شَيْء وَلَكِن الله يخْتَص برحمته من يَشَاء {أم لَهُم ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} قَالَ: فِي السَّمَاء

(7/146)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} قَالَ: فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الْأَسْبَاب} أدق من الشّعْر وأحدّ من الْحَدِيد وَهُوَ بِكُل مَكَان غير أَنه لَا يرى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} قَالَ: طرق السَّمَاء أَبْوَابهَا
وَفِي قَوْله {جند مَا هُنَالك} قَالَ: قُرَيْش {من الْأَحْزَاب} قَالَ: الْقُرُون الْمَاضِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جند مَا هُنَالك مهزوم من الْأَحْزَاب} قَالَ: وعده الله وَهُوَ بِمَكَّة أَنه سَيهْزمُ لَهُ جند الْمُشْركين فجَاء تَأْوِيلهَا يَوْم بدر
وَفِي قَوْله {وَفرْعَوْن ذُو الْأَوْتَاد} قَالَ: كَانَت لَهُ أوتاد وارسان وملاعب يلْعَب لَهُ عَلَيْهَا
وَفِي قَوْله {إِن كل إِلَّا كذب الرُّسُل فَحق عِقَاب} قَالَ: هَؤُلَاءِ كلهم قد كذبُوا الرُّسُل فَحق عَلَيْهِم عِقَاب {وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ} يَعْنِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} يَعْنِي السَّاعَة {مَا لَهَا من فوَاق} يَعْنِي مَا لَهَا من رُجُوع وَلَا مثوبة وَلَا ارتداد {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} أَي نصيبنا حظنا من الْعَذَاب {قبل يَوْم} الْقِيَامَة قد كَانَ قَالَ ذَلِك أَبُو جهل: اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا (فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بعذابٍ أَلِيم) (الْأَنْفَال 32)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا لَهَا من فوَاق} قَالَ: رُجُوع {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} قَالَ: عذابنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا لَهَا من فوَاق} قَالَ: من رَجْعَة {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} قَالَ: سَأَلُوا الله أَن يعجل لَهُم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {عجل لنا قطنا} قَالَ: القط الْجَزَاء
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: وَلَا الْملك النُّعْمَان يَوْم لَقيته بِنِعْمَة يعطيني القطوط وَيُطلق

(7/147)


وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عجل لنا قطنا} قَالَ: عقوبتنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عجل لنا قطنا} قَالَ: كتَابنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {عجل لنا قطنا} قَالَ: حظنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} قَالَ: هُوَ النَّضر بن الْحَرْث بن عَلْقَمَة بن كلدة أَخُو بني عبد الدَّار وَهُوَ الَّذِي قَالَ (سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع) (المعارج 1) قَالَ: سَأَلَ بِعَذَاب هُوَ وَاقع بِهِ فَكَانَ الَّذِي سَأَلَ أَن قَالَ (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم) (الْأَنْفَال 32) قَالَ عَطاء رَضِي الله عَنهُ: لقد نزلت فِيهِ بضع عشرَة آيَة من كتاب الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الزبير بن عدي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عجل لنا قطنا} قَالَ: نصيبنا من الْجنَّة

الْآيَة 17

(7/148)


اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {دَاوُد ذَا الأيد} قَالَ: الْقُوَّة فِي الْعَمَل فِي طَاعَة الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذَا الأيد} قَالَ: القوّة فِي الْعِبَادَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد} قَالَ: أعطي قوّة فِي الْعِبَادَة وفقهاً فِي الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {ذَا الأيد} قَالَ: الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة وَالْبَصَر فِي الْهدى

(7/148)


وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَحدث عَنهُ قَالَ: كَانَ أعبد الْبشر
وَأخرج الديلمي عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول إِنِّي أعبد من دَاوُد
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يُطِيل الصَّلَاة من اللَّيْل فيركع الرَّكْعَة ثمَّ يرفع رَأسه فَينْظر إِلَى أَدِيم السَّمَاء ثمَّ يَقُول: إِلَيْك رفعت رَأْسِي يَا عَامر السَّمَاء نظر العبيد إِلَى أَرْبَابهَا
وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي أَي رزق أطيب قَالَ: ثَمَرَة يدك يَا دَاوُد
وَأخرج أَحْمد عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يصنع القفة من الخوص وَهُوَ على الْمِنْبَر ثمَّ يُرْسل بهَا إِلَى السُّوق فيبيعها ثمَّ يَأْكُل بِثمنِهَا
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا قَامَ من اللَّيْل يَقُول: اللَّهُمَّ نَامَتْ الْعُيُون وَغَارَتْ النُّجُوم وَأَنت الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا تأخذك سنة وَلَا نوم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأواب المسبح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأواب المسبح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأواب المسبح بلغَة الْحَبَشَة
وَأخرج الديلمي عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فَقَالَ هُوَ الرجل يذكر ذنُوبه فِي الْخَلَاء فيستغفر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّه أوّاب} قَالَ: منيب رَاجع عَن الذُّنُوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأواب التائب الرَّاجِع
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّه أواب} قَالَ: كَانَ مُطيعًا لرَبه كثير الصَّلَاة

(7/149)


وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأواب الموقن

الْآيَة 18

(7/150)


إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ} قَالَ: يسبحْنَ مَعَه إِذا سبح {بالْعَشي والإِشراق} قَالَ: إِذا أشرقت الشَّمْس
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {بالْعَشي والإِشراق} قَالَ: إِذا أشرقت الشَّمْس وَجَبت الصَّلَاة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: لم ينم لَيْلَة التَّمام لكَي يَصِيح حَتَّى إضاءة الاشراق وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم يزل فِي نَفسِي من صَلَاة الضُّحَى شَيْء حَتَّى قَرَأت هَذِه الْآيَة {سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يُصَلِّي الضُّحَى وَيَقُول: أَيْن هِيَ فِي الْقُرْآن حَتَّى قَالَ بعد هِيَ قَول الله {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق} هِيَ الإِشراق فَصلاهَا ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بعد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لقد أَتَى عَليّ زمَان وَمَا أَدْرِي مَا وَجه هَذِه الْآيَة {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق} قَالَ: رَأَيْت النَّاس يصلونَ الضُّحَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كنت أَمر بِهَذِهِ الْآيَة {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق} فَمَا أَدْرِي مَا هِيَ حَتَّى حَدَّثتنِي أم هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا
ذكرت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى يَوْم فتح مَكَّة صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: قد ظنت أَن لهَذِهِ السَّاعَة صَلَاة لقَوْل الله تَعَالَى {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: دخلت على أم هانىء رَضِي الله

(7/150)


عَنْهَا فحدثتني: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الضُّحَى فَخرجت فَلَقِيت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقلت: انْطلق إِلَى أم هانىء فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقلت: حَدثنِي ابْن عمك عَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضُّحَى فَحَدَّثته فَقَالَ: تَأَول هَذِه الْآيَة صَلَاة الإِشراق وَهِي صَلَاة الضُّحَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد عَن سعيد عَن أم هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة وَقد علاهُ الْغُبَار فَأمر بقصعة فَإِنِّي أنظر إِلَى أثر الْعَجِين فَسَكَبت فِيهَا فَأمر بِثَوْب فِيمَا بيني وَبَينه فاستتر فَقَامَ فَأَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء ثمَّ قَامَ فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات قَالَ مُجَاهِد: فَحدثت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِهَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هِيَ صَلَاة الإِشراق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الْحَرْث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عَن صَلَاة الضُّحَى فِي إِمَارَة عُثْمَان بن عَفَّان وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متوافرون فَلم أجد أحدا أثبت لي صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أم هانىء قَالَت: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاهَا مرّة وَاحِدَة ثَمَان رَكْعَات يَوْم الْفَتْح فِي ثوب وَاحِد مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ لم أره صلاهَا قبلهَا وَلَا بعْدهَا
فَذكرت ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: إِنِّي كنت لأمر على هَذِه الْآيَة {يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} فَأَقُول أَي صَلَاة صَلَاة الإِشراق فَهَذِهِ صَلَاة الإِشراق
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى أدخلْنَاهُ على أم هانىء فَقُلْنَا لَهَا: أَخْبِرِي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِمَا أخبرتنا بِهِ
فَقَالَت: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْتِي فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات
فَخرج ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ يَقُول: لقد قَرَأت مَا بَين اللَّوْحَيْنِ فَمَا عرفت صَلَاة الإِشراق إِلَّا السَّاعَة {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: طلبت صَلَاة الضُّحَى فِي الْقُرْآن فَوَجَدتهَا {بالْعَشي والإِشراق}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يحافظ على صَلَاة الضُّحَى إِلَّا أواب هِيَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ

(7/151)


وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَوْصَانِي خليلي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أنس صل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أهل قبَاء وهم يصلونَ الضُّحَى
وَفِي لفظ وهم يصلونَ بعد طُلُوع الشَّمْس فَقَالَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ إِذا رمضت الفصال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يحافظ على سبْحَة الضُّحَى إِلَّا أواب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الضُّحَى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى لَهُ الله فِي الْجنَّة قصراً من ذهب
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صلِ صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الْفجْر ثمَّ جلس فِي مُصَلَّاهُ يذكر الله حَتَّى تطلع الشَّمْس ثمَّ صلى من الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ حرمه الله على النَّار أَن تلفحه أَو تطعمه
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عتيبة بن عبد الله السّلمِيّ وَأبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من صلى الصُّبْح فِي مَسْجِد جمَاعَة ثمَّ ثَبت فِيهِ حَتَّى يسبح تَسْبِيحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج أَو مُعْتَمر قَامَ لَهُ حجَّته وعمرته
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قعد فِي مُصَلَّاهُ حِين ينْصَرف من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يصبح رَكْعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إِلَّا خيرا غفر لَهُ خطاياه وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم يكْتب من الغافلين وَمن صلى أَرْبعا كتب من العابدين وَمن صلى سِتا كفي ذَلِك الْيَوْم وَمن صلى ثمانياً كتب من القانتين وَمن صلى إثنتي عشرَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ

(7/152)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صليت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين وَإِن صليتها أَرْبعا كنت من الْمُحْسِنِينَ وَإِن صليتها سِتا كتبت من القانتين وَإِن صليتها ثمانياً كتبت من الفائزين وَإِن صليتها عشرا لم يكْتب لَك ذَلِك الْيَوْم ذَنْب وَإِن صليتها إثنتي عشرَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حَافظ على سبْحَة الضُّحَى غفر لَهُ ذنُوبه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر

الْآيَات 19 - 20

(7/153)


وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالطير محشورة} قَالَ: مسخرة لَهُ {كل لَهُ أوّاب} قَالَ: مُطِيع {وشددنا ملكه وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} أَي السّنة {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الْبَيِّنَة على الطَّالِب وَالْيَمِين على الْمَطْلُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وشددنا ملكه} قَالَ: كَانَ أَشد مُلُوك أهل الدُّنْيَا لله سُلْطَانا {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب} قَالَ: مَا قَالَ من شَيْء أنفذه وعدله فِي الحكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ادّعى رجل من بني إِسْرَائِيل عِنْد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام [قتل وَلَده فَسَأَلَ] (مَا بَين القوسين [قتل وَلَده فَسَأَلَ] زِيَادَة اقتضاها اتمام الْمَعْنى) الرجل على ذَلِك فجحده فَسَأَلَ الآخر الْبَيِّنَة فَلم تكن بَيِّنَة فَقَالَ لَهما دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: قوما حَتَّى أنظر فِي أمركما فقاما من عِنْده فَأتى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: أقتل الرجل الَّذِي استعدى فَقَالَ: إِن هَذِه رُؤْيا وَلست أعجل حَتَّى أثبت فَأتى اللَّيْلَة الثَّانِيَة فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: أقتل الرجل فَلم يفعل
ثمَّ أَتَى اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَقيل لَهُ: أقتل الرجل أَو تَأْتِيك الْعقُوبَة من الله تَعَالَى فَأرْسل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الرجل فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقْتلك فَقَالَ: تقتلني بِغَيْر بَيِّنَة وَلَا

(7/153)


تثبت قَالَ: نعم
وَالله لأنفذن أَمر الله فِيك فَقَالَ لَهُ الرجل: لَا تعجل عليَّ حَتَّى أخْبرك
إِنِّي مَا أخذت بِهَذَا الذَّنب وَلَكِنِّي كنت اغتلت وَالِد هَذَا فَقتلته فبذلك أخذت فَأمر بِهِ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقتل فاشتدت هيبته فِي بني إِسْرَائِيل وشدد بِهِ ملكه
فَهُوَ قَول الله تَعَالَى {وشددنا ملكه}
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وشددنا ملكه} قَالَ: كَانَ يَحْرُسهُ كل يَوْم وَلَيْلَة أَرْبَعَة آلَاف وَفِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} قَالَ: النُّبُوَّة {وَفصل الْخطاب} قَالَ: علم الْقَضَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} قَالَ: أعطي الْفَهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} قَالَ: الصَّوَاب {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الإِيمان وَالشُّهُود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: إِصَابَة الْقَضَاء وفهمه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: فصل الْقَضَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الْفَهم فِي الْقَضَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن شُرَيْح رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الشُّهُود والإِيمان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ
إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِالْقضَاءِ فَقطع بِهِ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: أَن استحلفهم باسمي وسلهم الْبَينَات قَالَ: فَذَلِك {وَفصل الْخطاب}
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفصل الْخطاب} قَالَ: هُوَ قَول الرجل: أما بعد

(7/154)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والديلمي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من قَالَ أما بعد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فصل الْخطاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع زِيَاد بن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ يَقُول {وَفصل الْخطاب} الَّذِي أُوتِيَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أما بعد

الْآيَات 21 - 24

(7/155)


وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)

أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حدث نَفسه إِن ابْتُلِيَ أَن يعتصم فَقيل لَهُ إِنَّك ستبتلى وستعلم الْيَوْم الَّذِي تبتلى فِيهِ فَخذ حذرك فَقيل لَهُ: هَذَا الْيَوْم الَّذِي تبتلى فِيهِ فَأخذ الزبُور وَدخل الْمِحْرَاب وأغلق بَاب الْمِحْرَاب وَأدْخل الزبُور فِي حجره وأقعد منصفاً على الْبَاب وَقَالَ لَا تَأذن لأحد عليّ الْيَوْم
فَبَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ الزببور إِذْ جَاءَ طَائِر مَذْهَب كأحسن مَا يكون للطير فِيهِ من كل لون فَجعل يدرج بَين يَدَيْهِ فَدَنَا مِنْهُ فَأمكن أَن يَأْخُذهُ فتناوله بِيَدِهِ ليأخذه فطار فَوْقه على كوّة الْمِحْرَاب فَدَنَا مِنْهُ ليأخذه فطار فَأَشْرَف عَلَيْهِ لينْظر أَيْن وَقع فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة عِنْد بركتها تَغْتَسِل من الْحيض فَلَمَّا رَأَتْ ظله حركت رَأسهَا فغطت جَسدهَا أجمع بشعرها وَكَانَ زَوجهَا غازياً فِي سَبِيل الله فَكتب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى رَأس الْغُزَاة
انْظُر فاجعله فِي حَملَة التابوت أما أَن يفتح عَلَيْهِم وَإِمَّا أَن

(7/155)


يقتلُوا
فقدمه فِي حَملَة التابوت فَقتل
فَلَمَّا انْقَضتْ عدتهَا خطبهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فاشترطت عَلَيْهِ أَن ولدت غُلَاما أَن يكون الْخَلِيفَة من بعده وأشهدت عَلَيْهِ خمْسا من بني إِسْرَائِيل وكتبت عَلَيْهِ بذلك كتابا فأشعر بِنَفسِهِ أَنه كتب حَتَّى ولدت سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وشب فتسوّر عَلَيْهِ الْملكَانِ الْمِحْرَاب فَكَانَ شَأْنهمَا مَا قصّ الله تَعَالَى فِي كِتَابه وخر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سَاجِدا فغفر الله لَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أَصَابَهُ الْقدر إِلَّا من عجب عجب بِنَفسِهِ
وَذَلِكَ أَنه قَالَ يَا رب مَا من سَاعَة من ليل ونهار إِلَّا وعابد من بني إِسْرَائِيل يعبدك يُصَلِّي لَك أَو يسبح أَو يكبر وَذكر أَشْيَاء فكره الله ذَلِك فَقَالَ يَا دَاوُد إِن ذَلِك لم يكن إِلَّا بِي فلولا عوني مَا قويت عَلَيْهِ
وَجَلَالِي لآكِلُكَ إِلَى نَفسك يَوْمًا
قَالَ: يَا رب فاخبرني بِهِ فأصابته الْفِتْنَة ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حِين نظر إِلَى الْمَرْأَة قطع على بني إِسْرَائِيل وَأوصى صَاحب الْجَيْش فَقَالَ: إِذا حضر الْعَدو تضرب فلَانا بَين يَدي التابوت وَكَانَ التابوت فِي ذَلِك الزَّمَان يستنصر بِهِ من قدم بَين يَدي التابوت لم يرجع حَتَّى يقتل أَو ينهزم مِنْهُ الْجَيْش
فَقتل وتزوّج الْمَرْأَة وَنزل الْملكَانِ على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَسجدَ فَمَكثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة سَاجِدا حَتَّى نبت الزَّرْع من دُمُوعه على رَأسه فَأكلت الأَرْض جَبينه وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده: رب زل دَاوُد زلَّة أبعد مِمَّا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
رب إِن لم ترحم ضعف دَاوُد وَتغْفر ذنُوبه جعلت ذَنبه حَدِيثا فِي الْمَخْلُوق من بعده
فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام من بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَقَالَ: يَا دَاوُد إِن الله قد غفر لَك وَقد عرفت أَن الله عدل لَا يمِيل فَكيف بفلان إِذا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: يَا رب دمي الَّذِي عِنْد دَاوُد قَالَ جِبْرِيل: مَا سَأَلت رَبك عَن ذَلِك فَإِن شِئْت لَأَفْعَلَنَّ فَقَالَ: نعم
ففرح جِبْرِيل وَسجد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ نزل فَقَالَ: قد سَأَلت

(7/156)


الله يَا دَاوُد عَن الَّذِي أرسلتني فِيهِ
فَقَالَ: قل لداود إِن الله يجمعكما يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول هَب لي دمك الَّذِي عِنْد دَاوُد فَيَقُول: هُوَ لَك يَا رب فَيَقُول: فَإِن لَك فِي الْجنَّة مَا شِئْت وَمَا اشْتهيت عوضا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أصَاب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام الْخَطِيئَة وَإِنَّمَا كَانَت خطيئته أَنه لما أبصرهَا أَمر بهَا فعزلها فَلم يقربهَا فَأَتَاهُ الخصمان فتسورا فِي الْمِحْرَاب فَلَمَّا أبصرهما قَامَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: أخرجَا عني مَا جَاءَ بكما إليَّ فَقَالَا: إِنَّمَا نكلمك بِكَلَام يسير {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة} وَأَنا {ولي نعجة وَاحِدَة} وَهُوَ يُرِيد أَن يَأْخُذهَا مني فَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: وَالله أَنا أَحَق أَن ينشر مِنْهُ من لدن هَذِه إِلَى هَذِه
يَعْنِي من أَنفه إِلَى صَدره فَقَالَ رجل: هَذَا دَاوُد فعله فَعرف دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا عني بذلك وَعرف ذَنبه فَخر سَاجِدا لله عز وَجل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة وَكَانَت خطيئته مَكْتُوبَة فِي يَده ينظر إِلَيْهَا لكَي لَا يغْفل حَتَّى نبت البقل حوله من دُمُوعه مَا غطى رَأسه فَنُوديَ أجائع فتطعم أم عَار فتكسى أم مظلوم فَتَنَصَّرَ قَالَ: فَنحب نحبة هاج مَا يَلِيهِ من البقل حِين لم يذكر ذَنبه فَعِنْدَ ذَلِك غفر لَهُ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لَهُ ربه: كن امامي فَيَقُول أَي رب ذَنبي ذَنبي

فَيَقُول الله: كن خَلْفي فَيَقُول لَهُ: خُذ بقدمي فَيَأْخُذ بقدمه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوّروا الْمِحْرَاب} قَالَ: أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب قد أَعْطَيْت إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب من الذّكر مَا لَو وددت أَنَّك أَعْطَيْتنِي مثله
قَالَ الله عز وَجل إِنِّي ابتليتهم بِمَا لم ابتلك بِهِ فَإِن شِئْت ابتليتك بِمثل مَا ابتليتهم بِهِ وأعطيتك كَمَا أَعطيتهم قَالَ: نعم
قَالَ لَهُ: فاعمل حَتَّى أرى بلاءك
فَكَانَ مَا شَاءَ الله أَن يكون وَطَالَ ذَلِك عَلَيْهِ فكاد أَن ينساه فَبَيْنَمَا هُوَ فِي محرابه إِذْ وَقعت عَلَيْهِ حمامة فَأَرَادَ أَن يَأْخُذهَا فطارت على كوَّة الْمِحْرَاب فَذهب ليأخذها فطارت فَاطلع من الكوة فَرَأى امْرَأَة تَغْتَسِل فَنزل من الْمِحْرَاب فَذهب ليأخذها فَأرْسل إِلَيْهَا فَجَاءَتْهُ فَسَأَلَهَا عَن زَوجهَا وَعَن شَأْنهَا فَأَخْبَرته أَن زَوجهَا غَائِب فَكتب إِلَى أَمِير تِلْكَ السّريَّة أَن يؤمره على السَّرَايَا ليهلك زَوجهَا

(7/157)


فَفعل فَكَانَ يصاب أَصْحَابه وينجو وَرُبمَا نصروا
وَإِن الله عز وَجل لما رأى الَّذِي وَقع فِيهِ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ أَن ينفذ أمره فَبَيْنَمَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام ذَات يَوْم فِي محرابه إِذْ تسور عَلَيْهِ الْملكَانِ من قبل وَجهه فَلَمَّا رآهما وَهُوَ يقْرَأ فزع وَسكت وَقَالَ: لقد استضعفت فِي ملكي حَتَّى أَن النَّاس يتسوّرون على محرابي فَقَالَا لَهُ {لَا تخف خصمان بغى بَعْضنَا على بعض} وَلم يكن لنا بُد من أَن نَأْتِيك فاسمع منا فَقَالَ أَحدهمَا {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة فَقَالَ أكفلنيها} يُرِيد أَن يتم مائَة ويتركني لَيْسَ لي شَيْء {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ: إِن دَعَوْت ودعا كَانَ أَكثر مني وَإِن بطشت وبطش كَانَ أَشد مني
فَذَلِك قَوْله {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ لَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْت كنت أحْوج إِلَى نعجتك مِنْهُ {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه} إِلَى قَوْله {وَقَلِيل مَا هم} وَنسي نَفسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر الْملكَانِ أَحدهمَا إِلَى الآخر حِين قَالَ فَتَبَسَّمَ أَحدهمَا إِلَى الآخر فراه دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَظن إِنَّمَا فتن {فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب} أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى نَبتَت الخضرة من دموع عَيْنَيْهِ ثمَّ شدد الله ملكه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام جزأ الدَّهْر أَرْبَعَة أَجزَاء
يَوْمًا لنسائه وَيَوْما لِلْعِبَادَةِ وَيَوْما للْقَضَاء بَين بني إِسْرَائِيل وَيَوْما لبني إِسْرَائِيل
ذكرُوا فَقَالُوا: هَل يَأْتِي على الإِنسان يَوْم لَا يُصِيب فِيهِ ذَنبا فاضمر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي نَفسه أَنه سيطيق ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم عِبَادَته غلق أبوابه وَأمر أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ أحد وأكب على التَّوْرَاة
فَبَيْنَمَا هُوَ يقرأوها إِذْ حمامة من ذهب فِيهَا من كل لون حسن قد وَقعت بَين يَدَيْهِ فاهوى إِلَيْهَا ليأخذها فطارت فَوَقَعت غير بعيد من غير مرتبتها فَمَا زَالَ يتبعهَا حَتَّى أشرف على امْرَأَة تَغْتَسِل فاعجبه حسنها وخلقها فَلَمَّا رَأَتْ ظله فِي الأَرْض جللت نَفسهَا بشعرها فَزَاد ذَلِك أَيْضا بهَا اعجاباً وَكَانَ قد بعث زَوجهَا على بعض بعوثه فَكتب إِلَيْهِ أَن يسير إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا

مَكَان إِذا سَار إِلَيْهِ قتل وَلم يرجع فَفعل فاصيب فَخَطَبَهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
فَتَزَوجهَا
فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْمِحْرَاب إِذْ تسور الْملكَانِ عَلَيْهِ وَكَانَ الخصمان إِنَّمَا يأتونه من بَاب الْمِحْرَاب فَفَزعَ مِنْهُم حِين تسوّروا الْمِحْرَاب فَقَالُوا: {لَا تخف خصمان بغى بَعْضنَا على بعض فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط}

(7/158)


أَي لَا تمل {واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط} أَي أعدله وخيره {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة} يَعْنِي تسعا وَتِسْعين امْرَأَة لداود وللرجل نعجة وَاحِدَة فَقَالَ {أكفلْنيها وعزني فِي الْخطاب} أَي قهرني وظلمني قَالَ {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغي بَعضهم على بعض إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هم وَظن دَاوُد أَنما فتناه فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب} قَالَ: سجد أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى أوحى الله إِلَيْهِ: أَنِّي قد غفرت لَك
قَالَ: رب كَيفَ تغْفر لي وَأَنت حكم عدل لَا تظلم أحدا قَالَ إِنِّي أقضيك لَهُ ثمَّ استوهبه دمك ثمَّ أثيبه من الْجنَّة حَتَّى يرضى قَالَ: الْآن طابت نَفسِي وَعلمت أَن قد غفرت لي
قَالَ الله تَعَالَى {فغفرنا لَهُ ذَلِك وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم} فَجَلَسَا فَقَالَ لَهما قَضَاء فَقَالَ أَحدهمَا إِلَى الآخر {أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة فَقَالَ أكفلنيها وعزني فِي الْخطاب} فَعجب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه} فاغلظ لَهُ أَحدهمَا وارتفع
فَعرف دَاوُد إِنَّمَا ذَلِك بِذَنبِهِ فَسجدَ فَكَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة لَا يرفع رَأسه إِلَّا إِلَى صَلَاة الْفَرِيضَة حَتَّى يَبِسَتْ وقرحت جَبهته وقرحت كَفاهُ وَركبَتَاهُ فاتاه ملك فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنِّي رَسُول رَبك إِلَيْك وَإنَّهُ يَقُول لَك ارْفَعْ رَأسك فقد غفرت لَك فَقَالَ: يَا رب كَيفَ وَأَنت حكم عدل كَيفَ تغْفر لي ظلامة الرجل فَترك مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَاهُ ملك آخر فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنِّي رَسُول رَبك إِلَيْك وَإنَّهُ يَقُول لَك إِنَّك تَأتِينِي يَوْم الْقِيَامَة وَابْن صوريا تختصمان إليّ فأقضي لَهُ عَلَيْك ثمَّ أسألها إِيَّاه فيهبها لي ثمَّ أعْطِيه من الْجنَّة حَتَّى يرضى
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن السّديّ قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قد قسم الدَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام
يَوْمًا يقْضِي فِيهِ بَين النَّاس وَيَوْما يَخْلُو فِيهِ لعبادة ربه وَيَوْما يَخْلُو فِيهِ بنسائه وَكَانَ لَهُ تسع وَتسْعُونَ امْرَأَة وَكَانَ فِيمَا يقْرَأ من الْكتب قَالَ: يَا رب أرى الْخَيْر قد ذهب بِهِ آبَائِي الَّذين كَانُوا قبلي
فاعطني مثل مَا أَعطيتهم وَافْعل بِي مثل مَا فعلت بهم
فَأوحى الله إِلَيْهِ إِن آباءك قد ابتلوا ببلايا لم تبتل بهَا
ابتلى

(7/159)


إِبْرَاهِيم بِذبح وَلَده وابتلي إِسْحَق بذهاب بَصَره وابتلى يَعْقُوب بحزنه على يُوسُف وَإنَّك لم تبتل بِشَيْء من ذَلِك
قَالَ: رب ابتلني بِمَا ابتليتهم بِهِ واعطني مثل مَا أَعطيتهم فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنَّك مبتلي فاحترس
فَمَكثَ بعد ذَلِك مَا شَاءَ الله تَعَالَى أَن يمْكث إِذْ جَاءَهُ الشَّيْطَان قد تمثل فِي صُورَة حمامة حَتَّى وَقع عِنْد رجلَيْهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فمدَّ يَده ليأخذه فَتنحّى فَتَبِعَهُ فتباعد حَتَّى وَقع فِي كوّة فَذهب ليأخذه فطار من الكوّة فَنظر أَيْن يَقع فَبعث فِي أَثَره فابصر امْرَأَة تَغْتَسِل على سطح لَهَا فَرَأى امْرَأَة من أجمل النَّاس خلقا فحانت مِنْهَا التفاتة فابصرته فالتَفَّتْ بشعرها فاستترت بِهِ فزاده ذَلِك فِيهَا رَغْبَة فَسَأَلَ عَنْهَا فاخبر أَن لَهَا زوجا غَائِبا بمسلحة كَذَا وَكَذَا

فَبعث إِلَى صَاحب المسلحة يَأْمُرهُ
أَن يبْعَث إِلَى عدوّ كَذَا وَكَذَا

فَبَعثه فَفتح لَهُ أَيْضا فَكتب إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بذلك فَكتب إِلَيْهِ أَن ابعثه إِلَى عدوّ كَذَا وَكَذَا

فَبَعثه فَقتل فِي الْمرة الثَّالِثَة وتزوّج امْرَأَته
فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ لم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى بعث الله لَهُ ملكَيْنِ فِي صُورَة انسيين فطلبا أَن يدخلا عَلَيْهِ فتسورا عَلَيْهِ الحراب فَمَا شعر وَهُوَ يُصَلِّي إِذْ هما بَين يَدَيْهِ جالسين فَفَزعَ مِنْهُمَا فَقَالَا {لَا تخف} إِنَّمَا نَحن {خصمان بغى بَعْضنَا على بعض فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط} يَقُول: لَا تخف {واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط} إِلَى عدل الْقَضَاء فَقَالَ: قصا عليَّ قصتكما فَقَالَ أَحدهمَا {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة} قَالَ الآخر: وَأَنا أُرِيد أَن آخذها فاكمل بهَا نعاجي مائَة قَالَ وَهُوَ كَارِه قَالَ إِذا لَا نَدعك وَذَاكَ قَالَ: يَا أخي أَنْت على ذَلِك بِقَادِر قَالَ: فَإِن ذهبت تروم ذَلِك ضربنا مِنْك هَذَا وَهَذَا
يَعْنِي طرف الْأنف والجبهة
قَالَ: يَا دَاوُد أَنْت أَحَق أَن يضْرب مِنْك هَذَا وَهَذَا
حَيْثُ لَك تسع وَتسْعُونَ امْرَأَة وَلم يكن لاوريا إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة فَلم تزل تعرضه للْقَتْل حَتَّى قتلته
وَتَزَوَّجت امْرَأَته فَنظر فَلم ير شَيْئا فَعرف مَا قد وَقع فِيهِ وَمَا قد ابْتُلِيَ بِهِ {وخر رَاكِعا} فَبكى فَمَكثَ يبكي أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرفع رَأسه إِلَّا لحَاجَة ثمَّ يَقع سَاجِدا يبكي ثمَّ يَدْعُو حَتَّى نبت العشب من دموع عَيْنَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَا دَاوُد ارْفَعْ رَأسك قد غفر لَك قَالَ: يَا رب كَيفَ أعلم أَنَّك قد غفرت

(7/160)


لي وَأَنت حكم عدل لَا تحيف فِي الْقَضَاء إِذا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَخذ رَأسه بِيَمِينِهِ أَو بِشمَالِهِ تشخب أوداجه دَمًا فيّ يَقُول: يَا رب سل هَذَا فيمَ قتلني فَأوحى الله إِلَيْهِ إِذا كَانَ ذَلِك دَعَوْت أوريا فاستوهبك مِنْهُ فيهبك لي فاثيبه بذلك الْجنَّة قَالَ: رب الْآن علمت أَنَّك غفرت لي فَمَا اسْتَطَاعَ أَن يملاء عَيْنَيْهِ من السَّمَاء حَيَاء من ربه حَتَّى قبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ
نَحوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ تسوّروا الْمِحْرَاب} قَالَ: الْمَسْجِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: دخل الخصمان على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وكل وَاحِد مِنْهُمَا آخذ بِرَأْس صَاحبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَفَزعَ مِنْهُم} قَالَ: كَانَ الْخُصُوم يدْخلُونَ من الْبَاب فَفَزعَ من تسوّرهما
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تشطط} أَي لَا تمل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن هَذَا أخي} قَالَ: على ديني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا زَاد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على أَن قَالَ {أكفلنيها}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَقَالَ أكفلنيها} قَالَ: فَمَا زَاد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على أَن قَالَ: تحوّل لي عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا زَاد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على أَن قَالَ: انْزِلْ لي عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أكفلنيها} قَالَ: أعطنيها طَلقهَا لي أنْكحهَا وخل سَبِيلهَا {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ: قهرني ذَلِك الْعِزّ الْكَلَام وَالْخطاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أكفلنيها} قَالَ:

(7/161)


أعطنيها {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ: إِذا تكلم كَانَ أبلغ مني وَإِذا دَعَا كَانَ أَكثر قَالَ أحد الْملكَيْنِ: مَا جَزَاؤُهُ قَالَ: يضْرب هَهُنَا وَهَهُنَا وَهَهُنَا
وَوضع يَده على جَبهته ثمَّ على أَنفه ثمَّ تَحت الْأنف قَالَ: ترى ذَلِك جزاءه
فَلم يزل يردد ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى علم أَنه ملك وَخرج الْملك فَخر دَاوُد سَاجِدا قَالَ: ذكر أَنه لم يرفع رَأسه أَرْبَعِينَ صباحاً يبكي حَتَّى أعشب الدُّمُوع مَا حول رَأسه حَتَّى إِذا مضى أَرْبَعُونَ صباحاً زفر زفرَة هاج مَا حول رَأسه من ذَلِك العشب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقَلِيل مَا هم} يَقُول: قَلِيل الَّذين هم فِيهِ
وَفِي قَوْله {إِنَّمَا فتناه} قَالَ: اختبرناه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَظن دَاوُد} قَالَ: علم دَاوُد
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَظن دَاوُد أَنما فتناه} قَالَ: ظن إِنَّمَا ابْتُلِيَ بذلك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ فتْنَة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام النّظر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخر رَاكِعا} قَالَ: سَاجِدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سجد دَاوُد نَبِي الله أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة لَا يرفع رَأسه حَتَّى رقأ دمعه ويبس وَكَانَ من آخر دُعَائِهِ وَهُوَ ساجد أَن قَالَ: يَا رب رزقتني الْعَافِيَة فسألتك الْبلَاء فَلَمَّا ابتليتني لم أَصْبِر فَإِن تعذبني فَأَنا أهل ذَاك وَإِن تغْفر لي فانت أهل ذَاك
قَالَ: وَإِذا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم على رَأسه قَالَ: يَا دَاوُد إِن الله قد غفر لَك فارفع رَأسك فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وناجى ربه وَهُوَ ساجد فَقَالَ: يَا رب كَيفَ تغْفر لي وَأَنت الحكم الْعدْل قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دفعتك إِلَى أوريا ثمَّ استوهبك مِنْهُ فيهبك لي وأثيبه الْجنَّة قَالَ: يَا رب الْآن علمت أَنَّك قد غفرت لي فَذهب يرفع رَأسه فَإِذا هُوَ يَابِس لَا يَسْتَطِيع فمسحه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِبَعْض ريشه فانبسط فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ بعد ذَلِك: يَا دَاوُد قد أحللت لَك امْرَأَة أوريا فَتَزَوجهَا فَولدت لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ

(7/162)


الصَّلَاة وَالسَّلَام
لم تَلد قبله وَلَا بعده) قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: فو الله لقد كَانَ دَاوُد بعد ذَلِك يظل صَائِما الْيَوْم الْحَار فَيقرب الشَّرَاب إِلَى فِيهِ فيذكر خطيئته فَينزل دمعه فِي الشَّرَاب حَتَّى يفيضه ثمَّ يردهُ وَلَا يشربه
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد عَن يُونُس بن خباب رَضِي الله عَنهُ أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بَكَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى نبت العشب حوله من دُمُوعه ثمَّ قَالَ: يَا رب قرح الجبين وَرقا الدمع وخطيئتي عليَّ كَمَا هِيَ فَنُوديَ: أَن يَا دَاوُد أجائع فتطعم أم ظمآن فتسقى أم مظلوم فَتَنَصَّرَ فَنحب نحبة هاج مَا هُنَالك من الخضرة فغفر لَهُ عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سجد حَتَّى نبت مَا حوله خضرًا من دُمُوعه فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن يَا دَاوُد سجدت أَتُرِيدُ أَن أزيدك فِي ملكك وولدك وعمرك فَقَالَ: يَا رب أَبِهَذَا ترد عليَّ أُرِيد أَن تغْفر لي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مثل عَيْني دَاوُد كالقربتين ينطفان مَاء وَلَقَد خددت الدُّمُوع فِي وَجهه خديد المَاء فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: مَا رفع دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام رَأسه إِلَى السَّمَاء بعد الْخَطِيئَة حَتَّى مَاتَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد عَن صَفْوَان بن مُحرز قَالَ: كَانَ لداود عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم يتأوّه فِيهِ يَقُول: أوه من عَذَاب الله أوه من عَذَاب الله أوه من عَذَاب الله قيل لَا أوه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: ارْفَعْ رَأسك فقد غفرت لَك فَقَالَ: يَا رب كَيفَ تكون هَذِه الْمَغْفِرَة وَأَنت قَضَاء بِالْحَقِّ وَلست بظلام للعبيد وَرجل ظلمته غصبته قتلته فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: بلَى يَا دَاوُد إنَّكُمَا تجتمعان عِنْدِي فاقضي لَهُ عَلَيْك فَإِذا برز الْحق عَلَيْك أستوهبك مِنْهُ فوهبك لي وأرضيته من قبلي وأدخلته الْجنَّة فَرفع

(7/163)


دَاوُد رَأسه وَطَابَتْ نَفسه وَقَالَ: نعم
يَا رب هَكَذَا تكون الْمَغْفِرَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أصَاب دَاوُد الْخَطِيئَة {خر سَاجِدا} أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى نبت من دموع عَيْنَيْهِ من البقل مَا غطى رَأسه ثمَّ نَادَى رب قرح الجبين وجمدت الْعين وَدَاوُد لم يرجع إِلَيْهِ فِي خطيئته شَيْء
فَنُوديَ أجائع فَتُطعَم أم مَرِيض فتشفى أم مظلوم فَتَنَصَّرَ فَنحب نحباً هاج مِنْهُ نبت الْوَادي كُله فَعِنْدَ ذَلِك غفر لَهُ وَكَانَ يُؤْتى بالاناء فيشرب فيذكر خطيئته فينتحب فتكاد مفاصله تَزُول بَعْضهَا من بعض فَمَا يشرب بعض الاناء حَتَّى يمتلىء من دُمُوعه وَكَانَ يُقَال دمعة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام تعدل دمعة الْخَلَائق ودمعة آدم عَلَيْهِ السَّلَام تعدل دمعة دَاوُد ودمعة الْخَلَائق فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبَة بكفه يَقْرَأها يَقُول: ذَنبي ذَنبي

فَيَقُول رب قدمني فيتقدم فَلَا يَأْمَن ويتأخر فَلَا يَأْمَن حَتَّى يَقُول تبَارك وَتَعَالَى: خُذ بقدمي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَلْقَمَة بن يزِيد قَالَ: لَو عدل بكاء أهل الأَرْض ببكاء دَاوُد مَا عدله وَلَو عدل بكاء دَاوُد وبكاء أهل الأَرْض ببكاء آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين أهبط إِلَى الأَرْض مَا عدله
وَأخرج أَحْمد عَن إِسْمَعِيل بن عبد الله بن أبي المُهَاجر
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُعَاتب فِي كَثْرَة الْبكاء فَيَقُول: ذروني أبْكِي قبل يَوْم الْبكاء قبل تحريق الْعِظَام واشتعال اللحى وَقبل أَن يُؤمر بِي (مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون) (التَّحْرِيم 6)
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام نقش خطيئته فِي كَفه لكيلا ينساها وَكَانَ إِذا رَآهَا اضْطَرَبَتْ يَدَاهُ
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: يحْشر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وخطيئته منقوشة فِي كَفه
وَأخرج أَحْمد عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة قَالَ: كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
سُبْحَانَكَ إلهي إِذا ذكرت خطيئتي ضَاقَتْ عليَّ الأَرْض برحبها وَإِذا ذكرت رحمتك ارْتَدَّت إليَّ روحي سُبْحَانَكَ إلهي فكلهم [رَآنِي] (مَا بَين قوسين زِيَادَة اقتضاها أتمام الْمَعْنى فأثبتها الْمُصَحح) عليل بذنبي

(7/164)


وَأخرج أَحْمد عَن ثَابت قَالَ: اتخذ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سبع حشايا من سعد وحشاهن من الرماد ثمَّ بَكَى حَتَّى أنفذها دموعاً وَلم يشرب شرابًا إِلَّا مزجه بدموع عَيْنَيْهِ
وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: بَكَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى خددت الدُّمُوع فِي وَجهه وَاعْتَزل النِّسَاء وَبكى حَتَّى رعش
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: إِذا خرج دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من قَبره فَرَأى الأَرْض نَارا وضع يَده على رَأسه وَقَالَ: خطيئتي الْيَوْم موبقتي
وَأخرج عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ مَا كتبت فِي هَذَا الْيَوْم من مُصِيبَة فخلصني مِنْهَا ثَلَاث مَرَّات وَمَا أنزلت فِي هَذَا الْيَوْم من خير فائتني مِنْهُ نَصِيبا ثَلَاث مَرَّات وَإِذا أَمْسَى قَالَ مثل ذَلِك فَلم ير بعد ذَلِك مَكْرُوها
وَأخرج أَحْمد عَن معمر
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما أصَاب الذَّنب قَالَ: رب كنت أبْغض الْخَطَّائِينَ فانا الْيَوْم أحب أَن تغْفر لَهُم
وَأخرج عبد الله ابْنه والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن سعيد بن أبي هِلَال
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعودهُ النَّاس وَمَا يظنون إِلَّا أَنه مَرِيض وَمَا بِهِ إِلَّا شدَّة الْفرق من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أفطر اسْتقْبل الْقبْلَة
وَقَالَ: اللَّهُمَّ خلصني من كل مُصِيبَة نزلت من السَّمَاء ثَلَاثًا وَإِذا طلع حَاجِب الشَّمْس قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَل لي سَهْما فِي كل حَسَنَة نزلت اللَّيْلَة من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثَلَاثًا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فِي السُّجُود فِي {ص} لَيست من عزائم السُّجُود وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن ابْن عباسط أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي {ص} وَقَالَ: سجدها دَاوُد ونسجدها شكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ عَن الْعَوام قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا عَن سَجْدَة ص فَقَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس من أَيْن سجدت فَقَالَ: أَو مَا تقْرَأ (وَمن ذُريَّته

(7/165)


دَاوُد وَسليمَان) (الْأَنْعَام 84) إِلَى قَوْله (أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده) فَكَانَ دَاوُد مِمَّن أَمر نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَقْتَدِي بِهِ فَسجدَ بهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فسجدها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْجد فِي ص حَتَّى نزلت (أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده) (الْأَنْعَام 90) فَسجدَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي أُصَلِّي عِنْد شَجَرَة وَكَأَنِّي قَرَأت سُورَة السَّجْدَة فسجدت فَرَأَيْت الشَّجَرَة سجدت بسجودي وَكَأَنِّي أسمعها وَهِي تَقول اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك ذكرا وضع عني بهَا وزراً وَاجْعَلْهَا إليّ عنْدك ذخْرا وَأعظم بهَا أجرا وَتقبل مني كَمَا تقبلت من عَبدك دَاوُد
قَالَ ابْن عَبَّاس فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّجْدَة فَسَمعته يَقُول فِي سُجُوده كَمَا أخبر الرجل عَن قَول الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي ص
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: صليت خلف عمر الْفجْر فَقَرَأَ بِنَا سُورَة ص فَسجدَ فِيهَا فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَالَ لَهُ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن عزائم السُّجُود هَذِه فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي ص
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر ص فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة نزل فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه فَلَمَّا كَانَ آخر يَوْم قَرَأَهَا فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة تهَيَّأ النَّاس للسُّجُود فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِي وَلَكِنِّي رأيتكم تهيأتم للسُّجُود فَنزل فَسجدَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة ص وهوعلى الْمِنْبَر فَلَمَّا أَتَى على السَّجْدَة قَرَأَهَا ثمَّ نزل فَسجدَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير
إِن عمر بن الْخطاب كَانَ يسْجد فِي ص

(7/166)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: فِي ص سَجْدَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ لَا يسْجد فِي ص وَيَقُول: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِي ذكرت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَ بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي ص وَبَعْضهمْ لَا يسْجد فَأَي ذَلِك شِئْت فافعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مَرْيَم قَالَ: لما قدم عمر الشَّام أَتَى محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فصلى فِيهِ فَقَرَأَ سُورَة ص فَلَمَّا انْتهى إِلَى السَّجْدَة سجد
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد
أَنه رأى رُؤْيا أَنه يكْتب ص فَلَمَّا انْتهى إِلَى الَّتِي يسْجد بهَا رأى الدواة والقلم وكل شَيْء بِحَضْرَتِهِ انْقَلب سَاجِدا فَقَصَّهَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يسْجد بهَا بعد
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي سعيد قَالَ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي تَحت شَجَرَة وَكَأن الشَّجَرَة تقْرَأ ص فَلَمَّا أَتَت على السَّجْدَة سجدت فَقَالَت فِي سجودها: اللَّهُمَّ اغْفِر بهَا اللَّهُمَّ حط عني بهَا وزراً واحدث لي بهَا شكرا وتقبلها مني كَمَا تقبلت من عَبدك دَاوُد سجدته فَغَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخبرته فَقَالَ سجدت أَنْت يَا أَبَا سعيد فَقلت: لَا فَقَالَ
أَنْت أَحَق بِالسُّجُود من الشَّجَرَة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ص ثمَّ أَتَى على السَّجْدَة وَقَالَ فِي سُجُوده مَا قَالَت الشَّجَرَة فِي سجودها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السَّجْدَة الَّتِي فِي ص سجدها دَاوُد تَوْبَة وَنحن نسجدها شكرا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره وَهُوَ يقْرَأ ص فَسجدَ فِيهَا

آيَة 25

(7/167)


فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)

أخرج أَحْمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَالك

(7/167)


بن دِينَار فِي قَوْله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ: مقَام دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة عِنْد سَاق الْعَرْش ثمَّ يَقُول الرب جلّ وَعلا يَا دَاوُد مجدني الْيَوْم بذلك الصَّوْت الْحسن الرخيم الَّذِي كنت تمجدني بِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَقُول: يَا رب كَيفَ وَقد سلبته فَيَقُول: إِنِّي راده عَلَيْك الْيَوْم فيندفع بِصَوْت يستفز نعيم أهل الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَنه قَالَ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى} أول الْكَائِن يَوْم الْقِيَامَة دَاوُد
وَابْنه عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن السّديّ بن يحيى قَالَ: حَدثنِي أَبُو حَفْص رجل قد أدْرك عمر بن الْخطاب أَن النَّاس يصيبهم يَوْم الْقِيَامَة عَطش وحر شَدِيد فينادي الْمُنَادِي دَاوُد فيسقي على رُؤُوس الْعَالمين فَهُوَ الَّذِي ذكر الله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر يَوْم الْقِيَامَة فَعظم شَأْنه
وشدته قَالَ: وَيَقُول الرَّحْمَن لداود عَلَيْهِ السَّلَام مر بَين يَدي فَيَقُول دَاوُد: يَا رب أَخَاف أَن تدحضني خطيئتي
فَيَقُول خُذ بقدومي فَيَأْخُذ بقدمه عز وَجل فيمر قَالَ فَتلك {لزلفى} الَّتِي قَالَ الله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ: يدنو حَتَّى يضع يَده عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فغفرنا لَهُ ذَلِك الذَّنب {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ حسن المنقلب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يبْعَث دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة وخطيئته فِي كَفه فَإِذا رَآهَا يَوْم الْقِيَامَة لم يجد مِنْهَا مخرجا إِلَّا أَن يلجأ إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى ثمَّ يرى فيقلق
فَيُقَال لَهُ: هَهُنَا
فَذَلِك قَوْله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}

(7/168)


من الْآيَات 26 - 27

(7/169)


يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)

أخرج الثَّعْلَبِيّ من طَرِيق العوّام بن حَوْشَب قَالَ: حَدثنِي رجل من قومِي شهد عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وكعباً وسلمان مَا الْخَلِيفَة من الْملك قَالَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر: مَا نَدْرِي فَقَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: الْخَلِيفَة الَّذِي يعدل فِي الرّعية وَيقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ ويشفق عَلَيْهِم شَفَقَة الرجل على أَهله وَيَقْضِي بِكِتَاب الله تَعَالَى
فَقَالَ كَعْب: مَا كنت أَحسب أحدا يعرف الْخَلِيفَة من الْملك غَيْرِي
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق مردان عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ: أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ: أَنا ملك أم خَليفَة فَقَالَ لَهُ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: الْخَلِيفَة الَّذِي يعدل أَن أَتَت جَبَيْتَ من أَرض الْمُسلمين درهما أَو أقل أَو أَكثر ثمَّ وَضعته فِي غير حَقه فَأَنت ملك غير خَليفَة فاستعبر عمر رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي العرجاء قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: وَالله مَا أَدْرِي أخليفة أَنا أم ملك قَالَ قَائِل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن بَينهمَا فرقا قَالَ: مَا هُوَ قَالَ: الْخَلِيفَة لَا يَأْخُذ إِلَّا حَقًا وَلَا يَضَعهُ إِلَّا فِي حق وَأَنت الْحَمد لله كَذَلِك
وَالْملك يعسف النَّاس فَيَأْخُذ من هَذَا وَيُعْطِي هَذَا
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الامارة مَا ائتمرتها وَإِن الْملك مَا غلب عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يَقُول إِذا جلس على الْمِنْبَر: يَا أَيهَا النَّاس إِن الْخلَافَة لَيست بِجمع المَال وَلَكِن الْخلَافَة الْعَمَل بِالْحَقِّ وَالْحكم بِالْعَدْلِ وَأخذ النَّاس بِأَمْر الله

(7/169)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سَالم مولى أبي جَعْفَر قَالَ: خرجنَا مَعَ أبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا دخل وشق بعث إِلَى الْأَوْزَاعِيّ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنِي حسان بن عَطِيَّة عَن جدك ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ مَا فِي قَوْله {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله} قَالَ: إِذا ارْتَفع إِلَيْك الخصمان فَكَانَ لَك فِي أَحدهمَا هوى فَلَا تشتهِ فِي نَفسك الْحق لَهُ فيفلح على صَاحبه فأمحو اسْمك من نبوتي ثمَّ لَا تكون خليفتي وَلَا كَرَامَة
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنَا حسان بن عَطِيَّة عَن جدك قَالَ: من كره الْحق فقد كره الله لِأَن الْحق هُوَ الله
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنِي حسان بن عَطِيَّة عَن جدك فِي قَوْله (لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة) (الْكَهْف 49) قَالَ: الصَّغِيرَة التبسم والكبيرة الضحك فَكيف مَا جنته الْأَيْدِي وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} يَعْنِي بِالْعَدْلِ والانصاف {وَلَا تتبع الْهوى} يَقُول: وَلَا تُؤثر هَوَاك فِي قضائك بَينهم على الْحق وَالْعدْل فتزوغ عَن الْحق فيضلك عَن سَبِيل الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} قَالَ: هَذَا من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
يَقُول: لَهُم يَوْم الْحساب عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي السَّلِيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يدْخل الْمَسْجِد فَينْظر أغمض حَلقَة من بني إِسْرَائِيل فيجلس إِلَيْهِم ثمَّ يَقُول: مِسْكينا بَين ظهراني مَسَاكِين
وَأخرج أَحْمد عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ
أَن ابْنا لداود مَاتَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ جزعه فَقيل مَا كَانَ يعدل عنْدك قَالَ: كَانَ أحب إليَّ من ملْء الأَرْض ذَهَبا
فَقيل لَهُ: إِن الْأجر على قدر ذَلِك
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
سُبْحَانَ مستخرج الشُّكْر بالعطاء ومستخرج الدُّعَاء بالبلاء
وَأخرج عبد الله عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ

(7/170)


السَّلَام الا أعلمك علمين إِذا عملتهما ألقيت وُجُوه النَّاس إِلَيْك وَبَلغت بهما رضاي
قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ احتجز فِيمَا بيني وَبَيْنك بالورع وخالط النَّاس باخلاقهم
وَأخرج أَحْمد عَن يزِيد بن مَنْصُور رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ذَاكر لله فاذكر مَعَه إِلَّا مُذَكّر فاذكر مَعَه
وَأخرج أَحْمد عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يصنع القفة من الخوص وَهُوَ على الْمِنْبَر ثمَّ يُرْسل بهَا إِلَى السُّوق فيبيعها فيأكل بِثمنِهَا
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا قَامَ من اللَّيْل يَقُول: اللَّهُمَّ نَامَتْ الْعُيُون وَغَارَتْ النُّجُوم وَأَنت الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا تأخذك سنة وَلَا نوم
وَأخرج أَحْمد عَن عُثْمَان الشحام أبي سَلمَة قَالَ: حَدثنِي شيخ من أهل الْبَصْرَة كَانَ لَهُ فضل وَكَانَ لَهُ سنّ قَالَ: بَلغنِي أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه قَالَ: يَا رب كَيفَ لي أَن أَمْشِي لَك فِي الأَرْض بنصح واعمل لَك فِيهَا بنصح قَالَ يَا دَاوُد تحب من يحبني من أَحْمَر وأبيض وَلَا تزَال شفتاك رطبتين من ذكري واجتنب فرَاش الْغَيْبَة قَالَ: رب كَيفَ لي أَن تحببني فِي أهل الدُّنْيَا الْبر والفاجر قَالَ: يَا دَاوُد تصانع أهل الدُّنْيَا لدنياهم وتحب أهل الْآخِرَة لآخرتهم وتختار إِلَيْك دينك بيني وَبَيْنك فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك لَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت قَالَ: رب فأرني أضيافك من خلقك من هم قَالَ: نقي الْكَفَّيْنِ نقي الْقلب يمشي تَمامًا وَيَقُول صَوَابا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَتَدْرِي مَا جهد الْبلَاء قَالَ شِرَاء الْخبز من السُّوق والانتقال من منزل إِلَى منزل
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ اجْعَل حبك أحب إليَّ من نَفسِي وسمعي وبصري وَأَهلي وَمن المَاء الْبَارِد

(7/171)


وَأخرج أَحْمد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: مُؤمن حسن الصُّورَة قَالَ: فَأَي عِبَادك أبْغض إِلَيْك قَالَ كَافِر حسن الصُّورَة شكر هَذَا وَكفر هَذَا قَالَ: يَا رب فَأَي عِبَادك أبْغض إِلَيْك قَالَ عبد استخارني فِي أَمر فَخِرْتُ لَهُ فَلم يرض بِهِ
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الله بن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي لَا تجْعَل لي أهل سوء فَأَكُون رجل سوء
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ لَا تفقرني فأنسى وَلَا تغنني فأطغى
وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي أَي رزق أطيب قَالَ: ثَمَرَة يدك يَا دَاوُد
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ
أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا دَاوُد انذر عبَادي الصديقين لَا يعجبن بِأَنْفسِهِم وَلَا يتكلن على أَعْمَالهم فَإِنَّهُ لَيْسَ أحد من عبَادي أنصبه لِلْحسابِ وأقيم عَلَيْهِ عدلي إِلَّا عَذبته من غير أَن أظلمه وَبشر الخاطئين أَنه لَا يتعاظم ذَنْب أَن أغفره وأتجاوز عَنهُ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ
إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَمر منادياً فَنَادَى: الصَّلَاة جَامِعَة فَخرج النَّاس وهم يرَوْنَ أَنه سَيكون مِنْهُ يَوْمئِذٍ موعظة وتأديب وَدُعَاء فَلَمَّا رقي مَكَانَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وَانْصَرف فَاسْتقْبل آخر النَّاس أوائلهم قَالُوا: مَا لكم قَالُوا: إِن النَّبِي إِنَّمَا دَعَا بدعوة وَاحِدَة فاوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: أَن أبلغ قَوْمك عني فَإِنَّهُم قد استقلوا دعاءك
إِنِّي من أَغفر لَهُ أصلح لَهُ أَمر آخرته ودنياه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام اصبر النَّاس على الْبلَاء وأحلمهم وأكظمهم للغيظ
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَا رب كَيفَ أسعى لَك فِي الأَرْض بِالنَّصِيحَةِ قَالَ: تكْثر ذكري وتحب من أَحبَّنِي من أَبيض وأسود وتحكم للنَّاس كَمَا تحكم لنَفسك وتجتنب فرَاش الْغَيْبَة

(7/172)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي عبد الله الجدلي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَار عينه تراني وَقَلبه يرعاني
إِن رأى خيرا دَفنه وَإِن رأى شرا أشاعه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْجَار السوء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عمل يخزيني وهم يرديني وفقر ينسيني وغنى يطغيني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبد الله بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: أحبب عبَادي وحببني إِلَى عبَادي قَالَ: يَا رب هَذَا أحبك وَأحب عِبَادك فَكيف أحببك إِلَى عِبَادك قَالَ تذكرني عِنْدهم فَإِنَّهُم لَا يذكرُونَ مني إِلَّا الْحسن
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجَعْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من عزى حَزينًا لَا يُرِيد بِهِ إِلَّا وَجهك قَالَ: جَزَاؤُهُ إِن ألبسهُ لِبَاس التَّقْوَى قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من شيع جَنَازَة لَا يُرِيد بهَا إِلَّا وَجهك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن تشيعه ملائكتي إِذا مَاتَ وَإِن أُصَلِّي على روحه فِي الْأَرْوَاح قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من أسْند يَتِيما أَو أرملة لَا يُرِيد بهَا إِلَّا وَجهك قَالَ جَزَاؤُهُ إِن أظلهُ تَحت ظلّ عَرْشِي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من فاضت عَيناهُ من خشيتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أؤمنه يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر وَأَن أقي وَجهه فيح جَهَنَّم
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي مساءلة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من يعزي الحزين الْمُصَاب ابْتِغَاء مرضاتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أكسوه رِدَاء من أردية الإِيمان أستره بِهِ من النَّار وَأدْخلهُ الْجنَّة قَالَ: إلهي فَمَا جَزَاء من شيع الْجِنَازَة ابْتِغَاء مرضاتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن تشيعه الْمَلَائِكَة يَوْم يَمُوت إِلَى قَبره وَإِن أُصَلِّي على روحه فِي الْأَرْوَاح قَالَ: إلهي فَمَا جَزَاء من أسْند الْيَتِيم والأرملة ابْتِغَاء مرضاتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أظلهُ فِي ظلّ عَرْشِي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي قَالَ: إلهي فَمَا جَزَاء من بَكَى من خشيتك حَتَّى تسيل دُمُوعه على وَجهه قَالَ:

(7/173)


جَزَاؤُهُ إِن أحرم وَجهه على النَّار وَأَن أؤمنه يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لِسُلَيْمَان: كن للْيَتِيم كَالْأَبِ الرَّحِيم وَأعلم أَنَّك كَمَا تزرع تحصد وَأعلم أَن خَطِيئَة [إِمَام] (مَا بَين قوسين زِيَادَة إقتضاها إتْمَام الْمَعْنى فأثبتناها) الْقَوْم كالمسيء عِنْد رَأس الْمَيِّت وَاعْلَم أَن الْمَرْأَة الصَّالِحَة لأَهْلهَا كالملك المتوج بالتاج المخوّص بِالذَّهَب وَاعْلَم أَن الْمَرْأَة السوء لأَهْلهَا كالشيخ الضَّعِيف على ظَهره الْحمل الثقيل وَمَا أقبح الْفقر بعد الْغنى وأقبح من ذَلِك الضَّلَالَة بعد الْهدى وَإِن وعدت صَاحبك فانجز مَا وعدته فَإنَّك إِن لَا تفعل تورث بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة ونعوذ بِاللَّه من صَاحب إِذا ذكرت لم يعنك وَإِذا نسيت لم يذكرك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: اللَّهُمَّ لَا مرض يفنيني وَلَا صِحَة تنسيني وَلَكِن بَين ذَلِك
وَأخرج عبد الله بن زيد بن رفيع قَالَ: نظر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام مبخلاً يهوي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ: يَا رب مَا هَذَا قَالَ: هَذِه لَعْنَتِي أدخلها بَيت كل ظلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أَبْزي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: نعم العون الْيَسَار على الدّين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب طَال عمري وَكبر سني وَضعف ركني فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا دَاوُد طُوبَى لمن طَال عمره وَحسن عمله
وَأخرج الْخَطِيب من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُعطي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من حسن الصَّوْت مَا لم يُعْطَ أحد قطّ حَتَّى إِن كَانَ الطير والوحش حوله حَتَّى تَمُوت عطشاً وجوعاً وَإِن الْأَنْهَار لتقف
وَالله أعلم

الْآيَة 28

(7/174)


أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)

أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض}

(7/174)


قَالَ {الَّذين آمنُوا} عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث والمفسدين فِي الأَرْض عتبَة وَشَيْبَة والوليد وهم تبارزوا يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى قَوْله {كالفجار} قَالَ: لعمري مَا اسْتَووا لقد تفرق الْقَوْم فِي الدُّنْيَا عِنْد الْمَوْت
أما قَوْله تَعَالَى: {أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار}
أخرج أَبُو يعلى عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَمَا أَنه لَا يجتنى من الشوك الْعِنَب كَذَلِك لَا تنَال الْفجار منَازِل الْأَبْرَار

الْآيَة 29

(7/175)


كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)

أخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ليدبروا آيَاته} اتِّبَاعه بِعَمَلِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {أولُوا الْأَلْبَاب} قَالَ: أولُوا الْعُقُول من النَّاس

الْآيَات 30 - 33

(7/175)


وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول قَالَ: لما وهب الله لداود سُلَيْمَان قَالَ لَهُ: يَا بني مَا أحسن قَالَ: سكينَة الله والإِيمان قَالَ: فَمَا أقبح قَالَ: كفر بعد إِيمَان قَالَ: فَمَا أحلى قَالَ: روح الله بَين عباده قَالَ: فَمَا أبرد قَالَ: عَفْو الله عَن النَّاس وعفو النَّاس بَعضهم عَن بعض قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: فَأَنت نَبِي

(7/175)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
إِنِّي سَائل ابْنك عَن سبع كَلِمَات
فَإِن أخْبرك فورثه الْعلم والنبوة فَقَالَ لَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الله أوحى إليَّ أَن أَسأَلك عَن سبع كَلِمَات فَإِن أَخْبَرتنِي وَرَّثْتُكَ العلمَ والنبوَّة قَالَ: سلني عَمَّا شِئْت قَالَ: أَخْبرنِي مَا أحلى من الْعَسَل وَمَا أبرد من الثَّلج وَمَا الين من الْخَزّ وَمَا لَا يرى أَثَره فِي المَاء وَمَا لَا يرى أَثَره فِي الصفاء وَمَا لَا يرى أَثَره فِي السَّمَاء وَمن يسمن فِي الخصب والجدب
قَالَ: أما مَا أحلى من الْعَسَل فَروح الله للمتحابين فِي الله
واما مَا أبرد من الثَّلج فَكَلَام الله إِذا قرع أَفْئِدَة أَوْلِيَاء الله
وَأما مَا الين شَيْئا من الْخَزّ فحكمة الله تَعَالَى إِذا أنشدها أَوْلِيَاء الله بَينهم
وَأما مَا لَا يرى أَثَره فِي المَاء فالفلك تمر فَلَا يرى أَثَرهَا
وَأما مَا لَا يرى أَثَره فِي الصفاء فالنملة تمر على الْحجر فَلَا يرى أَثَرهَا
وَأما مَا لَا يرى أَثَره فِي السَّمَاء فالطير يطير وَلَا يرى أَثَره فِي السَّمَاء وَأما من يسمن فِي الجدب وَالْخصب فَهُوَ الْمُؤمن إِذا أعطَاهُ الله شكر وَإِذا ابتلاه صَبر فقلبه أجرد أَزْهَر
قَالَ: انْظُر إِلَى ابْنك فَاسْأَلْهُ عَن أَربع عشرَة كلمة فَإِن أخْبرك فورثه الْعلم والنبوّة فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَا لي من ذِي علم فَقَالَ دَاوُد لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَخْبرنِي يَا بني أَيْن مَوضِع الْعقل مِنْك قَالَ: الدِّمَاغ قَالَ: أَيْن مَوضِع الْحيَاء مِنْك قَالَ: العينان قَالَ: أَيْن مَوضِع الْبَاطِل مِنْك قَالَ: الأذنان قَالَ: أَيْن بَاب الْخَطَايَا مِنْك قَالَ: اللِّسَان قَالَ: أَيْن الطَّرِيق مِنْك قَالَ: المنخران قَالَ: أَيْن مَوضِع الْأَدَب وَالْبَيَان مِنْك قَالَ: الكلوتان قَالَ: أَيْن بَاب الفظاظة والغلظة مِنْك قَالَ: الكبد قَالَ: أَيْن بَيت الرّيح مِنْك قَالَ: الرئة قَالَ: أَيْن بَاب الْفَرح مِنْك قَالَ: الطحال قَالَ: أَيْن بَاب الْكسْب مِنْك قَالَ: اليدان قَالَ: أَيْن بَاب النصب مِنْك قَالَ: الرّجلَانِ قَالَ: أَيْن بَاب الشَّهْوَة مِنْك قَالَ: الْفرج قَالَ: أَيْن بَاب الذُّرِّيَّة مِنْك قَالَ: الصلب قَالَ: أَيْن بَاب الْعلم والفهم وَالْحكمَة مِنْك قَالَ: الْقلب
إِذا صلح الْقلب صلح ذَلِك كُله وَإِذا فسد الْقلب فسد ذَلِك كُله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَان نعم العَبْد إِنَّه أواب} قَالَ: كَانَ مُطيعًا لله كثير الصَّلَاة {إِذْ عرض عَلَيْهِ بالْعَشي الصافنات الْجِيَاد}

(7/176)


قَالَ: يَعْنِي الْخَيل وصفونها قِيَامهَا وبسطها قَوَائِمهَا {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر} أَي المَال {عَن ذكر رَبِّي} عَن صَلَاة الْعَصْر {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {الصافنات الْجِيَاد} قَالَ: الْخَيل خيل خلقت على مَا شَاءَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الصافنات} قَالَ: صفون الْفرس: رفع إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يكون على أَطْرَاف الْحَافِر
وَفِي قَوْله الْجِيَاد قَالَ: السراع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَقَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الصافنات الْجِيَاد} قَالَ: الْخَيل إِذا صفن قِيَامهَا [] عقرهَا تطلع أعناقها وسوقها
وَفِي قَوْله {أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي} قَالَ: الْخَيْر المَال وَالْخَيْل من ذَلِك فَقَوله شغلته عَن الصَّلَاة قَالَ: لَا وَالله لَا تشغلني عَن عبَادَة الله تَعَالَى جرها عَلَيْك فكشف عراقيبها وَضرب أعناقها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن الْخَيل الَّتِي عقر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت خيلاً ذَات أَجْنِحَة أخرجت لَهُ من الْبَحْر لم تكن لأحد قبله وَلَا بعده
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حب الْخَيْر} قَالَ: المَال وَفِي قَوْله {ردوهَا عليّ} قَالَ: الْخَيل {فَطَفِقَ مسحاً} قَالَ: عقراً بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّلَاة الَّتِي فرط فِيهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} قَالَ: حجاب من ياقوت أَخْضَر مُحِيط بالخلائق فَمِنْهُ اخضرت السَّمَاء الَّتِي يُقَال لَهَا السَّمَاء الخضراء واخضر الْبَحْر من السَّمَاء فَمن ثمَّ يُقَال: الْبَحْر الْأَخْضَر
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة

(7/177)


تَبُوك أَو خَيْبَر فَجئْت فَكشفت نَاحيَة السّتْر عَن بَنَات لعب لعَائِشَة فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة قَالَت: بَنَاتِي
وَرَأى بَينهُنَّ فرسا لَهَا جَنَاحَانِ من رقاع فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أرى وسطهن قَالَت: فرس لَهُ جَنَاحَانِ قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ فَقلت: جَنَاحَانِ قَالَ: فرس لَهُ جَنَاحَانِ قَالَت: أما سَمِعت أَن لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام خيلاً لَهَا أَجْنِحَة فَضَحِك حَتَّى رؤيت نَوَاجِذه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ عرض عَلَيْهِ بالْعَشي الصافنات الْجِيَاد} قَالَ: كَانَت عشْرين ألف فرس ذَات أَجْنِحَة فعقرها
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} قَالَ {تَوَارَتْ} من وَرَاء قَرْيَة خضرَة السَّمَاء مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَا يكلم اعظاماً لَهُ فَلَقَد فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر وَمَا اسْتَطَاعَ أحد أَن يكلمهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عَن ذكر رَبِّي} يَقُول: من ذكر رَبِّي {فَطَفِقَ مسحا} يَقُول: جعل يمسح أعراف الْخَيل وعراقيبها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والاسماعيلي فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَطَفِقَ مسحاً بِالسوقِ والأعناق} قَالَ: قطع سوقها وأعناقها بِالسَّيْفِ

الْآيَة 34

(7/178)


وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)

أخرج الْفرْيَابِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ على كرسيه يقْضِي بَين النَّاس أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة يُقَال لَهَا جَرَادَة وَكَانَ بَين بعض أَهلهَا وَبَين قوم خُصُومَة فَقضى بَينهم بِالْحَقِّ إِلَّا أَنه ودَّ أَن

(7/178)


الْحق كَانَ لأَهْلهَا
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: أَنه سيصيبك بلَاء فَكَانَ لَا يدْرِي يَأْتِيهِ من السَّمَاء أم من الأَرْض
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد قوي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَرَادَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَن يدْخل الْخَلَاء فَأعْطى الجرادة خَاتمه وَكَانَت جَرَادَة امْرَأَته وَكَانَت أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ فجَاء الشَّيْطَان فِي صُورَة سُلَيْمَان فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتمِي فَأَعْطَتْهُ فَلَمَّا لبسه دَانَتْ لَهُ الْجِنّ والإِنس وَالشَّيَاطِين فَلَمَّا خرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام من الْخَلَاء قَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتمِي
فَقَالَت: قد أَعْطيته سُلَيْمَان قَالَ: أَنا سُلَيْمَان قَالَت: كذبت لست سُلَيْمَان
فَجعل لَا يَأْتِي أحدا يَقُول أَنا سُلَيْمَان إِلَّا كذبه حَتَّى جعل الصّبيان يرمونه بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا رأى ذَلِك عرف أَنه من أَمر الله عز وَجل وَقَامَ الشَّيْطَان يحكم بَين النَّاس
فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يرد على سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سُلْطَانه ألْقى فِي قُلُوب النَّاس انكار ذَلِك الشَّيْطَان فارسلوا إِلَى نسَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالُوا لَهُنَّ: أَيكُون من سُلَيْمَان شَيْء قُلْنَا: نعم
إِنَّه يأتينا وَنحن حيض وَمَا كَانَ يأتينا قبل ذَلِك
فَلَمَّا رأى الشَّيْطَان أَنه قد فطن لَهُ ظن أَن أمره قد انْقَطع فَكَتَبُوا كتبا فِيهَا سحر ومكر فدفنوها تَحت كرْسِي سُلَيْمَان ثمَّ أَثَارُوهَا وقرأوها على النَّاس قَالُوا: بِهَذَا كَانَ يظْهر سُلَيْمَان على النَّاس ويغلبهم فَأكفر النَّاس سُلَيْمَان فَلم يزَالُوا يكفرونه وَبعث ذَلِك الشَّيْطَان بالخاتم فطرحه فِي الْبَحْر فَتَلَقَّتْهُ سَمَكَة فَأَخَذته وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يعْمل على شط الْبَحْر بِالْأَجْرِ فجَاء رجل فَاشْترى سمكًا فِيهِ تِلْكَ السَّمَكَة الَّتِي فِي بَطنهَا الْخَاتم فَدَعَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: تحمل لي هَذِه السّمك ثمَّ انْطلق إِلَى منزله فَلَمَّا انْتهى الرجل إِلَى بَاب دَاره أعطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَة الَّتِي فِي بَطنهَا الْخَاتم فَأَخذهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فشق بَطنهَا فَإِذا الْخَاتم فِي جوفها فَأَخذه فلبسه فَلَمَّا لبسه دَانَتْ لَهُ الانس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَعَاد إِلَى حَاله وهرب الشَّيْطَان حَتَّى لحق بِجَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فَأرْسل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي طلبه وَكَانَ شَيْطَانا مرِيدا يطلبونه وَلَا يقدرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى وجدوه يَوْمًا نَائِما فجاؤا فَنقبُوا عَلَيْهِ بنياناً من رصاص فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ فَجعل لَا يثبت فِي مَكَان من الْبَيْت إِلَّا أَن دَار مَعَه الرصاص فَأَخَذُوهُ وأوثقوه وجاؤا بِهِ إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأمر بِهِ

(7/179)


فَنقرَ لَهُ فِي رُخَام ثمَّ أَدخل فِي جَوْفه ثمَّ سد بِالنُّحَاسِ ثمَّ أَمر بِهِ فَطرح فِي الْبَحْر
فَذَلِك قَوْله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسدا} يَعْنِي الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ تسلط عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَربع آيَات من كتاب الله لم أدر مَا هِيَ حَتَّى سَأَلت عَنْهُن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله (قوم تبع) (الدُّخان 73) فِي الْقُرْآن وَلم يذكر تبع فَقَالَ: إِن تبعا كَانَ ملكا وَكَانَ قومه كهاناً وَكَانَ فِي قومه قوم من أهل الْكتاب وَكَانَ الْكُهَّان يَبْغُونَ على أهل الْكتاب وَيقْتلُونَ تَابعهمْ فَقَالَ أهل الْكتاب لتبع: أَنهم يكذبُون علينا فَقَالَ تبع: إِن كُنْتُم صَادِقين فقربوا قرباناً فَأَيكُمْ كَانَ أفضل أكلت النَّار قربانه
فَقرب أهل الْكتاب والكهان فَنزلت نَار من السَّمَاء فَأكلت قرْبَان أهل الْكتاب فأتبعهم تبع فَأسلم
فَلهَذَا ذكر الله قومه فِي الْقُرْآن وَلم يذكرهُ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَسَأَلته عَن قَوْله {وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب} قَالَ: الشَّيْطَان أَخذ خَاتم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي فِيهِ ملكه فقذف بِهِ فِي الْبَحْر فَوَقع فِي بطن سَمَكَة فَانْطَلق سُلَيْمَان يطوف إِذْ تصدق عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَة فاشتواها فَأكلهَا فَإِذا فِيهَا خَاتمه فَرجع إِلَيْهِ ملكه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب} قَالَ: صَخْر الجني
مثل على كرسيه على صورته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِبِنَاء بَيت الْمُقَدّس فَقيل لَهُ: ابْنه وَلَا يسمع فِيهِ صَوت حَدِيد فَطلب ذَلِك فَلم يقدر عَلَيْهِ فَقيل لَهُ إِن شَيْطَانا يُقَال لَهُ صَخْر شبه المارد فَطَلَبه وَكَانَت عين فِي الْبَحْر يردهَا فِي كل سَبْعَة أَيَّام مرّة فنزح ماءها وَجعل فِيهَا خمرًا فجَاء يَوْم وُرُوده فَإِذا هُوَ بِالْخمرِ فَقَالَ: إِنَّك لشراب طيب تصيب من الْحَلِيم وتزيد من الْجَاهِل جهلا ثمَّ جفل حَتَّى عَطش عطشاً شَدِيدا ثمَّ أَتَاهَا فَشربهَا حَتَّى غلب على عقله فأوتي بالخاتم فختم بَين كَتفيهِ فذل وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه فَأتي بِهِ سُلَيْمَان فَقَالَ: أَنا قد أمرنَا بِبِنَاء هَذَا الْبَيْت فَقيل لنا: لَا تسمعن فِيهِ صَوت حَدِيد فَأتى ببيض الهدهد فَجعل عَلَيْهِ زجاجة فجَاء

(7/180)


الهدهد فدار حولهَا فَجعل يرى بيضه وَلَا يقدر عَلَيْهِ فَذهب فجَاء بألماس فوضعها عَلَيْهِ فقطعها حَتَّى أفْضى إِلَى بيضه فَأخذُوا الماس فَجعلُوا يقطعون بِهِ الْحِجَارَة
وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء أَو الْحمام لم يدْخل بِخَاتمِهِ
فَانْطَلق يَوْمًا إِلَى الْحمام وَذَلِكَ الشَّيْطَان صَخْر مَعَه فَدخل الْحمام وَأعْطى الشَّيْطَان خَاتمه فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر فالتقمته سَمَكَة وَنزع ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُ وَألقى على الشَّيْطَان شبه سُلَيْمَان فجَاء فَقعدَ على كرسيه وسلط على ملك سُلَيْمَان كُله غير نِسَائِهِ فَجعل يقْضِي بَينهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى وجد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام خَاتمه فِي بطن السَّمَكَة فَأقبل فَجعل لَا يستقبله جني وَلَا طير إِلَّا سجد لَهُ حَتَّى انْتهى إِلَيْهِم {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان صَخْر {ثمَّ أناب} قَالَ: تَابَ ثمَّ أقبل يَعْنِي سُلَيْمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: شَيْطَانا يُقَال لَهُ آصف
فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان: كَيفَ تفتنون النَّاس قَالَ أَرِنِي خاتمك أخْبرك
فَلَمَّا أعطَاهُ إِيَّاه نبذه آصف فِي الْبَحْر فساح سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَذهب ملكه وَقعد آصف على كرسيه وَمنعه الله تَعَالَى نسَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَلم يقربهن وَلَا يقربنه وأنكرنه وَأنكر النَّاس أَمر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يستطعم فَيَقُول: أتعرفوني أَنا سُلَيْمَان فيكذبوه حَتَّى أَعطَتْهُ امْرَأَة يَوْمًا حوتاً وَطيب بَطْنه فَوجدَ خَاتمه فِي بَطْنه فَرجع إِلَيْهِ ملكه وفر الشَّيْطَان فَدخل الْبَحْر فَارًّا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ولد لِسُلَيْمَان ولد فَقَالَ للشَّيْطَان: تواريه من الْمَوْت قَالُوا نَذْهَب بِهِ إِلَى الْمشرق
فَقَالَ يصل إِلَيْهِ الْمَوْت
قَالُوا فَإلَى الْمغرب
قَالَ يصل إِلَيْهِ
قَالُوا إِلَى الْبحار
قَالَ يصل إِلَيْهِ الْمَوْت
قَالَ نضعه بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَنزل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقَالَ: إِنِّي أمرت بِقَبض نسمَة طلبتها فِي الْبحار وطلبتها فِي تخوم الأَرْض
فَلم أصبها فَبينا أَنا صاعد أصبتها فقبضتها وَجَاء جسده حَتَّى وَقع على

(7/181)


كرْسِي سُلَيْمَان فَهُوَ قَول الله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب}
وَقَالَ ابْن سعد رَضِي الله عَنهُ أخبرنَا الْوَاقِدِيّ حَدثنَا معشر عَن المَقْبُري: أَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لأطوفن اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة من نسَائِي فتأتي كل امْرَأَة مِنْهُنَّ بِفَارِس يُجَاهد فِي سَبِيل الله
وَلم يستثنِ وَلَو اسْتثْنى لَكَانَ فَطَافَ على مائَة امْرَأَة فَلم تحمل امْرَأَة إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة حملت بشق إِنْسَان قَالَ: وَلم يكن شَيْء أحب إِلَى سُلَيْمَان من تِلْكَ الشقة
قَالَ وَكَانَ أَوْلَاده يموتون فجَاء ملك الْمَوْت فِي صُورَة رجل فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: إِن اسْتَطَعْت أَن تُؤخر إبني هَذَا ثَمَانِيَة أَيَّام إِذا جَاءَهُ أَجله فَقَالَ: لَا
وَلَكِن أخْبرك قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ لمن عِنْده من الْجِنّ: أَيّكُم يُخَبِّىء لي إبني هَذَا قَالَ أحدهم أَنا أخبؤه لَك فِي الْمشرق قَالَ: مِمَّن تخبؤه قَالَ: من ملك الْمَوْت
قَالَ يبصره
قَالَ آخر: أَنا أخبؤه لَك بَين قرينين لَا يريان
قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِن كَانَ شَيْء فَهَذَا
فَلَمَّا جَاءَ أَجله نظر ملك الْمَوْت فِي الأَرْض فَلم يره فِي مشرقها وَلَا فِي مغْرِبهَا وَلَا شَيْء من الْبحار وَرَآهُ بَين قرينين فَجَاءَهُ فَأَخذه فَقبض روحه على كرْسِي سُلَيْمَان
فَذَلِك قَوْله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان} وَهُوَ قَول الله {وألقينا على كرسيه جسداً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا سُلَيْمَان بن دَاوُد جَالِسا على شاطىء الْبَحْر وَهُوَ يعبث بِخَاتمِهِ إِذْ سقط مِنْهُ فِي الْبَحْر وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه فَانْطَلق وَخلف شَيْطَانا فِي أَهله فَأتى عجوزاً فأوى إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ الْعَجُوز: إِن شِئْت أَن تَنْطَلِق فتطلب وأكفيك عمل الْبَيْت وَإِن شِئْت أَن تكفيني عمل الْبَيْت وَانْطَلق فالتمس
قَالَ: فَانْطَلق يلْتَمس فَأتى قوما يصيدون السّمك فَجَلَسَ إِلَيْهِم فنبذوا سمكات فَانْطَلق بِهن حَتَّى أَتَى الْعَجُوز فَأخذت تصلحه فشقت بطن سَمَكَة فَإِذا فِيهَا الْخَاتم فَأَخَذته وَقَالَت لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا هَذَا فَأَخذه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فلبسه فَأَقْبَلت إِلَيْهِ الشَّيَاطِين والانس وَالْجِنّ وَالطير والوحش وهرب الشَّيْطَان الَّذِي خلف فِي أَهله فَأتى جَزِيرَة فِي الْبَحْر فَبعث إِلَيْهِ الشَّيَاطِين فَقَالُوا: لَا نقدر عَلَيْهِ أَنه يرد عينا فِي جَزِيرَة فِي الْبَحْر فِي سَبْعَة أَيَّام وَلَا نقدر عَلَيْهِ حَتَّى يسكر

(7/182)


قَالَ فصب لَهُ فِي تِلْكَ الْعين خمرًا فَأقبل فَشرب فَسَكِرَ فأروه الْخَاتم فَقَالَ: سمعا وَطَاعَة فأوثقه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ بعث بِهِ إِلَى جبل فَذكرُوا أَنه جبل الدُّخان فالدخان الَّذِي يرَوْنَ من نَفسه وَالْمَاء الَّذِي يخرج من الْجَبَل بَوْله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان
دخل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْحمام فَوضع خَاتمه عِنْد امْرَأَة من أوثق نِسَائِهِ فِي نَفسه فَأَتَاهَا الشَّيْطَان فتمثل لَهَا على صُورَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأخذ الْخَاتم مِنْهَا فَلَمَّا خرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَتَاهَا فَقَالَ لَهَا: هَاتِي الْخَاتم فَقَالَت: قد دَفعته إِلَيْك
قَالَ مَا فعلت

فهرب سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَجلسَ الشَّيْطَان على ملكه وَانْطَلق سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام هَارِبا فِي الأَرْض يتتبع ورق الشّجر خمسين لَيْلَة فَأنْكر بَنو إِسْرَائِيل أَمر الشَّيْطَان فَقَالَ بَعضهم لبَعض: هَل تنكرون من أَمر ملككم مَا ننكر عَلَيْهِ قَالُوا: نعم
قَالَ أما لقد هلكتم أَنْتُم الْعَامَّة وَأما قد هلك ملككم فَقَالُوا: وَالله ان عنْدكُمْ من هَذَا الْخَبَر نساؤه مَعكُمْ فَاسْأَلُوهُنَّ فَإِن كن أنكرن مَا أَنْكَرْنَا فقد ابتلينا
فَسْأَلُوهُنَّ فَقُلْنَ: أَي وَالله لقد أَنْكَرْنَا
فَلَمَّا انْقَضتْ مدَّته انْطلق سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أَتَى سَاحل الْبَحْر فَوجدَ صيادين يصيدون السّمك فصادوا سمكًا كثيرا غلبهم بعضه فألقوه فَأَتَاهُم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فاستطعمهم فَأَعْطوهُ تِلْكَ الْحيتَان قَالَ: لَا بل أَطْعمُونِي من هَذَا فَأَبَوا فَقَالَ: أَطْعمُونِي فَإِنِّي سُلَيْمَان فَوَثَبَ إِلَيْهِ بَعضهم بالعصا فَضَربهُ غَضبا لِسُلَيْمَان فَأتى إِلَى تِلْكَ الْحيتَان الَّتِي ألقوا فَأخذ مِنْهَا حوتين فَانْطَلق بهما إِلَى الْبَحْر فغسلهما فشق بطن أَحدهمَا فَإِذا فِيهِ الْخَاتم فَأَخذه فَجعله فِي يَده فَعَاد فِي ملكه فَجَاءَهُ الصيادون يبيعون إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُم: لقد كنت استطعمتكم فَلم تطعموني فَلم أظلمكم إِذا هنتموني وَلم أحمدكم إِذا أكرمتموني
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ مَا قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل الْخَلَاء أعْطى خَاتمه أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد خرج وَقد وضع لَهُ وضوء فَدفع خَاتمه إِلَى امْرَأَته فَلبث مَا شَاءَ الله
وَخرج عَلَيْهَا شَيْطَان فِي صُورَة سُلَيْمَان فَدفعت الْخَاتم إِلَيْهِ فَضَاقَ درعا بِهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر فالتقمته سَمَكَة فَخرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام على امْرَأَته فَسَأَلَهَا

(7/183)


الْخَاتم فَقَالَت: قد دَفعته إِلَيْك
فَعلم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قد ابتلى فَخرج وَترك ملكه وَلزِمَ الْبَحْر فَجعل يجوع فَأتى يَوْمًا على صيادين قد صادوا سمكًا بالْأَمْس فنبذوه وصادوا يومهم سمكًا فَهُوَ بَين أَيْديهم فَقَامَ عَلَيْهِم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أَطْعمُونِي بَارك الله فِيكُم فَإِنِّي ابْن سَبِيل فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ ثمَّ عَاد فَقَالَ لَهُم: مثل ذَلِك فَرفع رجل مِنْهُم رَأسه إِلَيْهِ فَقَالَ: ائْتِ ذَلِك السّمك فَخذ مِنْهُ سَمَكَة فَأَتَاهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأخذ مِنْهُ أدنى سَمَكَة فَلَمَّا أَخذهَا إِذا فِيهَا ريح فَأتى بهَا الْبَحْر فغسلها وشق بَطنهَا فَإِذا هُوَ بِخَاتمِهِ فَحَمدَ الله وَأَخذه فتختم بِهِ ونطق كل شَيْء كَانَ حوله من جُنُوده وفزع الصيادون لذَلِك فَقَامُوا إِلَيْهِ وحيل بَينهم وَلم يصلوا إِلَيْهِ ورد الله إِلَيْهِ ملكه
وَأخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام احتجب عَن النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن يَا سُلَيْمَان احْتَجَبت عَن النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام فَلم تنظر فِي أُمُور الْعباد وَلم تنصف مَظْلُوما من ظَالِم
وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه وَكَانَ إِذا دخل الْحمام وضع خَاتمه تَحت فرَاشه فجَاء الشَّيْطَان فَأَخذه فَأقبل النَّاس على الشَّيْطَان فَقَالَ سُلَيْمَان: يَا أَيهَا النَّاس أَنا سُلَيْمَان نَبِي الله فدفعوه فساح أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأتى أهل سفينة فَأَعْطوهُ حوتاً فَشَقهَا فَإِذا هُوَ بالخاتم فِيهَا فتختم بِهِ ثمَّ جَاءَ فَأخذ بناصيته فَقَالَ عِنْد ذَلِك (رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي)
قَالَ وَكَانَ أول من أنكرهُ نساؤه
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: أتنكرون مِنْهُ شَيْئا قُلْنَ: نعم
وَكَانَ يأتيهن وَهن حيض فَقَالَ عَليّ: فَذكرت ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: مَا كَانَ الله يُسَلِّطهُ على نِسَائِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حدث عَن فتْنَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إِنَّه كَانَ فِي قومه رجل كعمر بن الْخطاب فِي أمتِي فَلَمَّا أنكر حَال الجان الَّذِي كَانَ مَكَانَهُ أرسل إِلَى أفاضل نِسَائِهِ فَقَالَ: هَل تنكرن من صاحبكن شَيْئا قُلْنَ: نعم
كَانَ لَا يأتينا حيضا وَهَذَا يأتينا حيضا فَاشْتَمَلَ على سَيْفه ليَقْتُلهُ فَرد الله على سُلَيْمَان ملكه فَأقبل

(7/184)


فَوَجَدَهُ فِي مَكَانَهُ فَأخْبرهُ بِمَا يُرِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: الْجَسَد الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ دفع سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِ خَاتمه فقذفه فِي الْبَحْر وَكَانَ ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي خَاتمه وَكَانَ اسْم الجني صخراً
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: الْجَسَد الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ دفع إِلَيْهِ سُلَيْمَان خَاتمه شَيْطَانا يُقَال لَهُ آصف
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: الشَّيْطَان حِين جلس على كرسيه أَرْبَعِينَ يَوْمًا
كَانَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مائَة امْرَأَة وَكَانَت امْرَأَة مِنْهُنَّ يُقَال لَهَا جَرَادَة وَهِي آثر نِسَائِهِ عِنْده وآمنهن وَكَانَ إِذا أجنب أَو أَتَى حَاجَة نزع خَاتمه وَلم يأتمن عَلَيْهِ أحدا من النَّاس غَيرهَا فَجَاءَتْهُ يَوْمًا من الْأَيَّام فَقَالَت: إِن أخي بَينه وَبَين فلَان خُصُومَة وَأَنا أحب أَن تقضي لَهُ إِذا جَاءَك فَقَالَ: نعم
وَلم يفعل وابتلى فَأَعْطَاهَا خَاتمه وَدخل الْمخْرج فَخرج الشَّيْطَان فِي صورته فَقَالَ: هَات الْخَاتم
فَأَعْطَتْهُ فجَاء حَتَّى جلس على مجْلِس سُلَيْمَان وَخرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بعد فَسَأَلَهَا أَن تعطيه خَاتمه فَقَالَت: ألم تَأْخُذهُ قبل قَالَ: لَا
قَالَ وَخرج مَكَانَهُ تائهاً وَمكث الشَّيْطَان يحكم بَين النَّاس أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأنْكر النَّاس أَحْكَامه فَاجْتمع قراء بني إِسْرَائِيل وعلماؤهم فجاؤا حَتَّى دخلُوا على نِسَائِهِ فَقَالُوا: إِنَّا قد أَنْكَرْنَا هَذَا وَأَقْبلُوا يَمْشُونَ حَتَّى أَتَوْهُ فأحدقوا بِهِ ثمَّ نشرُوا فقرأوا التَّوْرَاة فطار من بَين أَيْديهم حَتَّى وَقع على شرفة والخاتم مَعَه ثمَّ طَار حَتَّى ذهب إِلَى الْبَحْر فَوَقع الْخَاتم مِنْهُ فِي الْبَحْر فابتلعه حوت من حيتان الْبَحْر
وَأَقْبل سُلَيْمَان فِي حَالَته الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى انْتهى إِلَى صياد من صيادي الْبَحْر وَهُوَ جَائِع فاستطعمه من صيدهم فَأعْطَاهُ سمكتين فَقَامَ إِلَى شط الْبَحْر فشق بطونهما فَوجدَ خَاتمه فِي بطن أَحدهمَا فَأَخذه فلبسه فَرد الله عَلَيْهِ بهاءه وَملكه
فَأرْسل إِلَى الشَّيْطَان فجيء بِهِ فَأمر بِهِ فَجعل فِي صندوق من حَدِيد ثمَّ أطبق عَلَيْهِ وأقفل عَلَيْهِ بقفل وَختم عَلَيْهِ بِخَاتمِهِ ثمَّ أَمر بِهِ فألقي فِي الْبَحْر
فَهُوَ فِيهِ

(7/185)


حَتَّى تقوم السَّاعَة وَكَانَ اسْمه حبقيق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ أناب} قَالَ: دخل سُلَيْمَان على امْرَأَة تبيع السّمك فَاشْترى مِنْهَا سَمَكَة فشق بَطنهَا فَوجدَ خَاتمه فَجعل لَا يمر على شَجَرَة وَلَا على شَيْء إِلَّا سجد لَهُ حَتَّى أَتَى ملكه وَأَهله
فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أناب} يَقُول: ثمَّ رَجَعَ

الْآيَات 35 - 40

(7/186)


قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا إِلَّا استفتحه بسبحان رَبِّي الْأَعْلَى الْوَهَّاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} يَقُول: لَا أسلبه كَمَا سلبته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} قَالَ: لَا تسلبنيه كَمَا سلبتنيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عرض لي الشَّيْطَان فِي مصلاي اللَّيْلَة كَأَنَّهُ هرُّكم هَذَا فَأَرَدْت أَن أحبسه حَتَّى أصبح فَذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فتركته
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن

(7/186)


عفريتاً جعل يتلفت عَليّ البارحة ليقطع عليَّ صَلَاتي وَإِن الله تَعَالَى أمكنني مِنْهُ فَلَقَد هَمَمْت أَن أربطه إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ كلكُمْ فَذكرت قَول أخي سُلَيْمَان {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فَرده الله خاسئاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا أَنا قَائِم أُصَلِّي اعْترض الشَّيْطَان فَأخذت حلقه فخنقته حَتَّى أَنِّي لأجد برد لِسَانه على ابهامي فيرحم الله سُلَيْمَان لَوْلَا دَعوته لأصبح مربوطاً تنْظرُون إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خرجت لصَلَاة الصُّبْح فلقيني شَيْطَان فِي السدة
سدة الْمَسْجِد فزحمني حَتَّى أَنِّي لأجد مس شعره فاستمكنت مِنْهُ فخنقته حَتَّى أَنِّي لأجد برد لِسَانه على يَدي فلولا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لأصبح مقتولاً تنْظرُون إِلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَامَ يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَقَرَأَ فألبست عَلَيْهِ الْقِرَاءَة فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ: لَو رَأَيْتُمُونِي وإبليس
فَأَهْوَيْت بيَدي فَمَا زلت أخنقه حَتَّى وجدت برد لعابه بَين أُصْبُعِي هَاتين الإِبهام وَالَّتِي تَلِيهَا وَلَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان لأصبح مربوطاً بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد فتلاعب بِهِ صبيان الْمَدِينَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مر عليَّ الشَّيْطَان فتناولته فخنقته حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فَقَالَ: أوجعتني أوجعتني

وَلَوْلَا مَا دَعَا بِهِ سُلَيْمَان لأصبح مناطا إِلَى اسطوانة من أساطين الْمَسْجِد ينظر إِلَيْهِ وِلْدَانُ أهل الْمَدِينَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الشَّيْطَان أَرَادَ أَن يمر بَين يَدي فخنقته حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي
وأيم الله لَوْلَا مَا سبق إِلَيْهِ أخي سُلَيْمَان لربطته إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عمر بن عَليّ بن حُسَيْن قَالَ: مشيت مَعَ عمي

(7/187)


وَأخي جَعْفَر فَقلت: زَعَمُوا أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه أَن يَهبهُ ملكا قَالَ: حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لن يعمر ملك فِي أمة نَبِي مضى قبله مَا بلغ بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعُمر فِي أمته
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ
أَنه ذكر من ملك سُلَيْمَان وتعظيم ملكه أَنه كَانَ فِي رباطه اثْنَا عشر ألف حصان وَكَانَ يذبح على غدائه كل يَوْم سبعين ثوراً سوى الكباش وَالطير وَالصَّيْد فَقيل لوهب أَكَانَ يسع هَذَا مَاله قَالَ: كَانَ إِذا ملك الْملك على بني إِسْرَائِيل اشْترط عَلَيْهِم أَنهم رَقِيقه وَإِن أَمْوَالهم لَهُ
مَا شَاءَ أَخذ مِنْهَا وَمَا شَاءَ ترك
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي خَالِد البَجلِيّ رضّي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ركب يَوْمًا فِي موكبه فَوضع سَرِيره فَقعدَ عَلَيْهِ وألقيت كراسي يَمِينا وَشمَالًا فَقعدَ النَّاس عَلَيْهَا يلونه وَالْجِنّ وَرَاءَهُمْ ومردة الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَرَاء الْجِنّ
فَأرْسل إِلَى الطير فأظلته بأجنحتها وَقَالَ للريح: احملينا يُرِيد بعض مسيره فاحتملته الرّيح وَهُوَ على سَرِيره وَالنَّاس على كراسيهم يُحَدِّثهُمْ ويحدثونه لَا يرْتَفع كرْسِي وَلَا يتضع وَالطير تظلهم
وَكَانَ موكب سُلَيْمَان يسمع من مَكَان بعيد وَرجل من بني إِسْرَائِيل آخذ مسحاته فِي زرع لَهُ قَائِما يهيئه إِذْ سمع الصَّوْت فَقَالَ: إِن هَذَا الصَّوْت مَا هُوَ إِلَّا لموكب سُلَيْمَان وَجُنُوده فحان من سُلَيْمَان التفاتة وَهُوَ على سَرِيره فَإِذا هُوَ بِرَجُل يشْتَد يُبَادر الطَّرِيق فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي نَفسه: إِن هَذَا الرجل ملهوف أَو طَالب حَاجَة فَقَالَ للريح حِين وقفت بِهِ: قفي

فوقفت بِهِ وبجنود حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ الرجل وَهُوَ منبهر فَتَركه سُلَيْمَان حَتَّى ذهب بهره ثمَّ أقبل عَلَيْهِ فَقَالَ أَلَك حَاجَة وَقد وقف عَلَيْهِ الْخلق فَقَالَ: الْحَاجة جَاءَت بِي إِلَى هَذَا الْمَكَان يَا رَسُول الله
إِنِّي رَأَيْت الله أَعْطَاك ملكا لم يُعْطه أحدا قبلك وَلَا أرَاهُ يُعْطِيهِ أحدا بعْدك فَكيف تَجِد مَا مضى من ملكك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخْبرك عَن ذَاك إِنِّي كنت نَائِما فَرَأَيْت رُؤْيا ثمَّ تنبهت فعبرتها قَالَ: لَيْسَ إِلَّا ذَاك قَالَ: فَأَخْبرنِي كَيفَ تَجِد مَا بَقِي من ملكك السَّاعَة قَالَ: تَسْأَلنِي عَن شَيْء لم أره قَالَ: فَإِنَّمَا هِيَ هَذِه السَّاعَة ثمَّ انْصَرف عَنهُ موليا

(7/188)


فَجَلَسَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ينظر فِي قَفاهُ ويتفكر فِيمَا قَالَه ثمَّ قَالَ للريح إمضي بِنَا فمضت بِهِ قَالَ الله {رخاء حَيْثُ أصَاب} قَالَ: الرخَاء الَّتِي لَيست بالعاصف وَلَا باللينة وسطا قَالَ الله تَعَالَى (غدوها شهر ورواحها شهر) (سُورَة سبأ 12) لَيست بالعاصف الَّتِي تؤذيه وَلَا باللينة الَّتِي تشق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سلمَان بن عَامر الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَرَأَيْتُم سُلَيْمَان وَمَا أعطَاهُ الله تَعَالَى من ملكه فَلم يكن يرفع طرفه إِلَى السَّمَاء تخشعاً حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا رفع سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام طرفه إِلَى السَّمَاء تخشعاً حَيْثُ أعطَاهُ الله تَعَالَى مَا أعطَاهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يعْمل الخوص بِيَدِهِ وَيَأْكُل خبز الشّعير وَيطْعم بني إِسْرَائِيل الْحوَاري
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن صَالح بن سمار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَنه لما مَاتَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أوحى الله تَعَالَى إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سلني حَاجَتك قَالَ: أَسأَلك أَن تجْعَل قلبِي يخشاك كَمَا كَانَ قلب أُمِّي وَأَن تجْعَل قلبِي يحبك كَمَا كَانَ قلب أبي
فَقَالَ: أرْسلت إِلَى عَبدِي أسأله حَاجته فَكَانَت حَاجته أَن أجعَل قلبه يخشاني وَأَن أجعَل قلبه يحبني لأهبن لَهُ ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده قَالَ الله تَعَالَى {فسخرنا لَهُ الرّيح تجْرِي بأَمْره رخاء حَيْثُ أصَاب} وَالَّتِي بعْدهَا مِمَّا أعطَاهُ وَفِي الْآخِرَة لَا حِسَاب عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فسخرنا لَهُ الرّيح} قَالَ: لم يكن فِي ملكه يَوْم دَعَا الرّيح وَالشَّيَاطِين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما عقر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْخَيل أبدله الله خيرا مِنْهَا وَأمر الرّيح تجْرِي بأَمْره كَيفَ يَشَاء {رخاء} قَالَ: لَيست بالعاصف وَلَا باللينة بَين ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {تجْرِي بأَمْره رخاء} قَالَ: مطيعة لَهُ حَيْثُ أَرَادَ

(7/189)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رخاء حَيْثُ أصَاب} قَالَ: حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رخاء} قَالَ: لينَة {حَيْثُ أصَاب} قَالَ: حَيْثُ أَرَادَ {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء} قَالَ: يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل {وغواص} قَالَ: يستخرجون لَهُ الحلى من الْبَحْر {وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} قَالَ: مَرَدَة الشَّيَاطِين فِي الأغلال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {رخاء} قَالَ: الطّيبَة {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص} قَالَ: يغوص للحلية وَبِنَاء بنوا لِسُلَيْمَان قصراً على المَاء فَقَالَ: اهدموه من غير أَن تمسه الْأَيْدِي
فَرَمَوْهُ بالفادقات حَتَّى وضعوه فَبَقيت لنا منفعَته بعدهمْ فَكَانَ من عمل الْجِنّ وَبقيت لنا مَنْفَعَة السِّيَاط كَانَ يضْرب الْجِنّ بالخشب فيكسر أيديها وأرجلها فَقَالُوا هَل توجعنا فَلَا تكسرنا قَالَ: نعم
فدلوه على السِّيَاط والتمويه أَمر الْجِنّ فموهت على [] ثمَّ أَمر بِهِ فَألْقى على الأساطين تَحت قَوَائِم خيل بلقيس والقارورة لما أخرج الْأَعْوَر شَيْطَان الْبَحْر حَيْثُ أَرَادَ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس قَالَ الْأَعْوَر: ابْتَغوا لي بَيْضَة هدهد ثمَّ قَالَ اجعلوا عَلَيْهَا قَارُورَة فجَاء الهدهد فَجعل يرى بيضته وَهُوَ لَا يقدر عَلَيْهَا ويطيف بهَا فَانْطَلق فجَاء بماسة مثل هَذِه فوضعها على القارورة فانشقت فانشق بَيت الْمُقَدّس بِتِلْكَ الماسة والقذافة
وَكَانَ فِي الْبَحْر كنز فدلوا عَلَيْهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَزَعَمُوا أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يدْخل الْجنَّة بعد الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَعِينَ سنة لما أعطيَ من الْملك فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا عطاؤنا} قَالَ: كل هَذَا أعطَاهُ إِيَّاه بعد رد الْخَاتم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَامْنُنْ} يَقُول: اعْتِقْ من الْجِنّ من شِئْت {أَو أمسك} مِنْهُم من شِئْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا عطاؤنا} قَالَ الْحسن: الْملك الَّذِي أعطيناك فأعط مَا شِئْت وامنع مَا شِئْت فَلَيْسَ لَك تبعة وَلَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِك

(7/190)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: بِغَيْر حرج إِن شِئْت أَمْسَكت وَإِن شِئْت أَعْطَيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: مَا أَعْطَيْت أَو أَمْسَكت فَلَيْسَ عَلَيْك فِيهِ حِسَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من نعْمَة أنعم الله على عبد إِلَّا وَقد سَأَلَهُ فِيهَا الشُّكْر إِلَّا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ الله لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله أعْطى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ملكا هَنِيئًا فَقَالَ الله {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: إِن أعطيَ أجر وَإِن لم يُعْط لم يكن عَلَيْهِ تبعة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} أَي حسن مصير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ: الزلفى الْقرب {وَحسن مآب} قَالَ: الْمرجع

الْآيَات 41 - 44

(7/191)


وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَاذْكُر عَبدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه أَنِّي مسني الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب} قَالَ: ذهَاب الْأَهْل وَالْمَال والضر الَّذِي أَصَابَهُ فِي جسده
قَالَ: ابتلى سبع سِنِين وأشهراً فَألْقى على كناسَة بني إِسْرَائِيل تخْتَلف الدَّوَابّ فِي جسده فَفرج الله عَنهُ وَأعظم لَهُ الْأجر وَأحسن

(7/191)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بِنصب وَعَذَاب} قَالَ {بِنصب} الضّر فِي الْجَسَد {وَعَذَاب} قَالَ: فِي المَال
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن الشَّيْطَان عرج إِلَى السَّمَاء قَالَ: يَا رب سَلطنِي على أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الله: قد سلطتك على مَاله وَولده وَلم أسلطك على جسده
فَنزل فَجمع جُنُوده فَقَالَ لَهُم: قد سلطت على أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فأروني سلطانكم فصاروا نيراناً ثمَّ صَارُوا مَاء فَبَيْنَمَا هم بالمشرق إِذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إِذا هم بالمشرق فَأرْسل طَائِفَة مِنْهُم إِلَى زرعه وَطَائِفَة إِلَى أَهله وَطَائِفَة إِلَى بقره وَطَائِفَة إِلَى غنمه وَقَالَ: إِنَّه لَا يعتصم مِنْكُم إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ
فَأتوهُ بالمصائب بَعْضهَا على بعض
فجَاء صَاحب الزَّرْع فَقَالَ: يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على زرعك عدوّاً فَذهب بِهِ وَجَاء صَاحب الإِبل فَقَالَ: يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على إبلك عدوا فَذهب بهَا ثمَّ جَاءَهُ صَاحب الْبَقر فَقَالَ: ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على بقرك عدوا فَذهب بهَا وَتفرد هُوَ ببنيه جمعهم فِي بَيت أكبرهم
فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت ريح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فجَاء الشَّيْطَان إِلَى أَيُّوب بِصُورَة غُلَام فَقَالَ: يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك جمع بنيك فِي بَيت أكبرهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت ريح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فَلَو رَأَيْتهمْ حِين اخْتلطت دِمَاؤُهُمْ ولحومهم بطعامهم وشرابهم
فَقَالَ لَهُ أَيُّوب أَنْت الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ لَهُ أَنا الْيَوْم كَيَوْم ولدتني أُمِّي فَقَامَ فحلق رَأسه وَقَامَ يُصَلِّي فرن إِبْلِيس رنة سمع بهَا أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض ثمَّ خرج إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: أَي رب انه قد اعْتصمَ فسلطني عَلَيْهِ فَإِنِّي لَا أستطيعه إِلَّا بسلطانك قَالَ: قد سلطتك على جسده وَلم أسلطك على قلبه
فَنزل فَنفخ تَحت قدمه نفخة قرح مَا بَين قَدَمَيْهِ إِلَى قرنه فَصَارَ قرحَة وَاحِدَة وَأُلْقِي على الرماد حَتَّى بدا حجاب قلبه فَكَانَت امْرَأَته تسْعَى إِلَيْهِ حَتَّى قَالَت لَهُ: أما ترى يَا أَيُّوب نزل بِي وَالله من الْجهد والفاقة مَا أَن بِعْت قروني برغيف
فأطعمك فَادع الله أَن يشفيك ويريحك قَالَ: وَيحك

كُنَّا فِي النَّعيم سبعين عَاما فأصبري حَتَّى نَكُون فِي الضّر سبعين عَاما فَكَانَ فِي الْبلَاء سبع سِنِين ودعا

(7/192)


فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمًا فَأخذ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: قُم
فَقَامَ فنحاه عَن مَكَانَهُ وَقَالَ {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} فركض بِرجلِهِ فنبعت عين فَقَالَ: اغْتسل
فاغتسل مِنْهَا ثمَّ جَاءَ أَيْضا فَقَالَ {اركض برجلك} فنبعت عين أُخْرَى
فَقَالَ لَهُ: اشرب مِنْهَا وَهُوَ قَوْله {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} وَألبسهُ الله تَعَالَى حلَّة من الْجنَّة فَتنحّى أَيُّوب فَجَلَسَ فِي نَاحيَة وَجَاءَت امْرَأَته فَلم تعرفه فَقَالَت: يَا عبد الله أَيْن المبتلي الَّذِي كَانَ هَهُنَا لَعَلَّ الْكلاب ذهبت بِهِ والذئاب وَجعلت تكَلمه سَاعَة فَقَالَ: وَيحك

أَنا أَيُّوب قد رد الله عليّ جَسَدِي ورد الله عَلَيْهِ مَاله وَولده عيَانًا {وَمثلهمْ مَعَهم} وأمطر عَلَيْهِم جَرَادًا من ذهب فَجعل يَأْخُذ الْجَرَاد بِيَدِهِ ثمَّ يَجعله فِي ثَوْبه وينشر كساءه فَيجْعَل فِيهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا أَيُّوب أما شبعت قَالَ: يَا رب من ذَا الَّذِي يشْبع من فضلك ورحمتك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن إِبْلِيس قعد على الطَّرِيق فَاتخذ تابوتاً يداوي النَّاس فَقَالَت امْرَأَة أَيُّوب: يَا عبد الله إِن هَهُنَا مبتلي من أمره كَذَا وَكَذَا

فَهَل لَك أَن تداويه قَالَ: نعم
بِشَرْط إِن أَنا شفيته أَن يَقُول أَنْت شفيتني لَا أُرِيد مِنْهُ أجرا غَيره
فَأَتَت أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: وَيحك

ذَاك الشَّيْطَان لله عليَّ إِن شفاني الله تَعَالَى أَن أجلدك مائَة جلدَة فَلَمَّا شفَاه الله تَعَالَى أمره أَن يَأْخُذ ضغثاً فَأخذ عذقاً فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَضرب بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم قَالَ: الشَّيْطَان الَّذِي مس أَيُّوب يُقَال لَهُ مسوط
فَقَالَت امْرَأَة أَيُّوب ادْع الله يشفيك فَجعل لَا يَدْعُو حَتَّى مر بِهِ نفر من بني إِسْرَائِيل فَقَالَ بَعضهم لبَعض: مَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا بذنب عَظِيم أَصَابَهُ فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ: (ربِ أَنِّي مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ) (الْأَنْبِيَاء 83)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اركض برجلك هَذَا} المَاء {مغتسل بَارِد وشراب} قَالَ: ركض رجله الْيُمْنَى فنبعت عين وَضرب بِيَدِهِ الْيُمْنَى خلف ظَهره فنبعت عين فَشرب من إِحْدَاهمَا واغتسل من الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ضرب بِرجلِهِ

(7/193)


أَرضًا يُقَال لَهَا الْحَمَامَة فَإِذا عينان ينبعان فَشرب من إِحْدَاهمَا واغتسل من الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن نَبِي الله أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لما اشْتَدَّ بِهِ الْبلَاء إِمَّا دَعَا وَإِمَّا عرض بِالدُّعَاءِ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ {اركض برجلك} فنبعت عين فاغتسل مِنْهَا فَذهب مَا بِهِ ثمَّ مَشى أَرْبَعِينَ ذِرَاعا ثمَّ ضرب بِرجلِهِ فنبعت عين فَشرب مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن نَبِي الله أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لما أَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَهُ قَالَ إِبْلِيس: يَا رب مَا يُبَالِي أَيُّوب أَن تعطيه أَهله وَمثلهمْ مَعَهم وتخلف لَهُ مَاله وسلطانه سَلطنِي على جسده قَالَ: اذْهَبْ فقد سلطتك على جسده وَإِيَّاك يَا خَبِيث وَنَفسه قَالَ فَنفخ فِيهِ نفخة سقط لَحْمه فَلَمَّا أعياه صرخَ صرخة اجْتمعت إِلَيْهِ جُنُوده قَالُوا يَا سيدنَا مَا أغضبك فَقَالَ الا أغضب إِنِّي أخرجت آدم من الْجنَّة وَإِن وَلَده هَذَا الضَّعِيف قد غلبني فَقَالُوا: يَا سيدنَا مَا فعلت امْرَأَته فَقَالَ: حَيَّة فَقَالَ: أما هِيَ فقد كفيك أمرهَا فَقَالَ لَهُ: فَإِن أطلقتها فقد أصبت وَإِلَّا [] فأعطه فجَاء إِلَيْهَا فاستبرأها فَأَتَت أَيُّوب فَقَالَت لَهُ: يَا أَيُّوب إِلَى مَتى هَذَا الْبلَاء كلمة وَاحِدَة ثمَّ اسْتغْفر رَبك فَيغْفر لَك فَقَالَ لَهَا: فعلتها أَنْت أَيْضا
ثمَّ قَالَ لَهَا أما وَالله لَئِن الله تَعَالَى عافاني لأجلدنك مائَة جلدَة فَقَالَ {ربه أَنِّي مسني الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب} قأتاه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} فَرجع إِلَيْهِ حسنه وشبابه ثمَّ جلس على تل من التُّرَاب فَجَاءَتْهُ امْرَأَته بطعامه فَلم تَرَ لَهُ أثرا فَقَالَت لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ على التل: يَا عبد الله هَل رَأَيْت مبتلي كَانَ هَهُنَا فَقَالَ لَهَا: إِن رَأَيْتِيه تعرفينه فَقَالَت لَهُ لَعَلَّك أَنْت هُوَ قَالَ: نعم
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن {وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} قَالَ: والضغث أَن يَأْخُذ الحزمة من السِّيَاط فَيضْرب بهَا الضَّرْبَة الْوَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ابتلى أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام بِمَالِه وَولده وَجَسَده وَطرح فِي المزبلة فَجعلت امْرَأَته تخرج فتكتسب عَلَيْهِ مَا تطعمه فحسده الشَّيْطَان بذلك فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَاب الْخَيْر والغنى الَّذين كَانُوا يتصدقون عَلَيْهَا فَيَقُول: اطردوا هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي تغشاكم فَإِنَّهَا تعالج صَاحبهَا وتلمسه بِيَدِهَا فَالنَّاس يتقذرون طَعَامكُمْ من أجلهَا انها تَأْتيكُمْ وتغشاكم

(7/194)


فَجعلُوا لَا يدنونها مِنْهُم وَيَقُولُونَ: تباعدي عَنَّا وَنحن نُطْعِمك وَلَا تقربينا فَأخْبرت بذلك أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فَحَمدَ الله تَعَالَى على ذَلِك وَكَانَ يلقاها إِذا خرجت كالمتحزن بِمَا لَقِي أَيُّوب فَيَقُول: لج صَاحبك وأبى إِلَّا مَا أَبى الله وَلَو تكلم بِكَلِمَة وَاحِدَة تكشف عَنهُ كل ضرّ ولرجع إِلَيْهِ مَاله وَولده
فتجيء فتخبر أَيُّوب فَيَقُول لَهَا: لقيك عدوّ الله فلقنك هَذَا الْكَلَام لَئِن أقامني الله من مرضِي لأجلدنك مائَة
فَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} يَعْنِي بالضغث القبضة من الكبائس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَخذ بِيَدِك ضغثاً} قَالَ: الضغث القبضة من المرعى الطّيب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَخذ بِيَدِك ضغثاً} قَالَ: حزمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَخذ بِيَدِك ضغثا} قَالَ: عود فِيهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ عوداً وَالْأَصْل تَمام الْمِائَة
وَذَلِكَ أَن امْرَأَته قَالَ لَهَا الشَّيْطَان: قولي لزوجك يَقُول كَذَا وَكَذَا

فَقَالَت لَهُ

فَحلف أَن يضْربهَا مائَة فضربها تِلْكَ الضَّرْبَة فَكَانَت تَحِلَّة ليمينه وتخفيفا عَن امْرَأَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَن أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام حلف ليضربن امْرَأَته مائَة فِي أَن جَاءَتْهُ فِي زِيَادَة على مَا كَانَت تَأتي بِهِ من الْخبز الَّذِي كَانَت تعْمل عَلَيْهِ وخشي أَن تكون قارفت من الْخِيَانَة فَلَمَّا رَحمَه الله وكشف عَنهُ الضّر علم بَرَاءَة امْرَأَته مِمَّا اتهمها بِهِ فَقَالَ الله عز وَجل {وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} فَأخذ ضغثاً من ثمام وَهُوَ مائَة عود فَضرب بِهِ كَمَا أمره الله تَعَالَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَخذ بِيَدِك ضغثا} قَالَ: هِيَ لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام خَاصَّة وَقَالَ عَطاء: هِيَ للنَّاس عَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَخذ بِيَدِك ضغثاً} قَالَ:

(7/195)


جمَاعَة من الشّجر وَكَانَت لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام خَاصَّة وَهِي لنا عَامَّة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَخذ بِيَدِك ضغثا}
وَذَلِكَ أَنه أمره أَن يَأْخُذ ضغثاً فِيهِ مائَة طاق من عيدَان القت فَيضْرب بِهِ امْرَأَته للْيَمِين الَّتِي كَانَ يحلف عَلَيْهَا قَالَ: وَلَا يجوز ذَلِك لأحد بعد أَيُّوب إِلَّا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف قَالَ: حملت وليدة فِي بني سَاعِدَة من زنا فَقيل لَهَا: مِمَّن حملك قَالَت: من فلَان المقعد فَسَأَلَ المقعد فَقَالَ صدقت فَرفع ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: خُذُوا لَهُ عثكولاً فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة فَفَعَلُوا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي أَبْيَاتنَا إِنْسَان ضَعِيف مجدع فَلم يرع أهل الدَّار إِلَّا وَهُوَ على أمة من إِمَاء أهل الدَّار يعبث بهَا وَكَانَ مُسلما فَرفع سعد رَضِي الله عَنهُ شَأْنه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اضْرِبُوهُ حَده فَقَالُوا يَا رَسُول الله: إِنَّه أَضْعَف من ذَلِك ان ضَرَبْنَاهُ مائَة قَتَلْنَاهُ قَالَ: فَخُذُوا لَهُ عثْكَالًا فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَة وَاحِدَة وخلوا سَبيله)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا أصَاب فَاحِشَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَرِيض على شفا موت فَأخْبر أَهله بِمَا صنع فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقنو فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَضَربهُ ضَرْبَة وَاحِدَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بشيخ قد ظَهرت عروقه قد زنى بِامْرَأَة فَضَربهُ بضغث فِيهِ مائَة شِمْرَاخ ضَرْبَة وَاحِدَة
أما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد}
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام رَأس الصابرين يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن العَاصِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نُودي أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام يَا أَيُّوب لَوْلَا أفرغت مَكَان كل شَعْرَة مِنْك صبرا مَا صبرت

(7/196)


وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن لَيْث بن أبي سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام لَا تعجب بصبرك فلولا أَنِّي أَعْطَيْت مَوضِع كل شَعْرَة مِنْك صبرا مَا صبرت
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن امْرَأَة أَيُّوب قَالَت: يَا أَيُّوب إِنَّك رجل مجاب الدعْوَة فَادع الله أَن يشفيك فَقَالَ: وَيحك

كُنَّا فِي النعماء سبعين عَاما فدعينا نَكُون فِي الْبلَاء سبع سِنِين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: زَوْجَة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام رَحْمَة رَضِي الله عَنْهَا بنت مِيشَا بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كلما أَصَابَهُ مُصِيبَة قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت أخذت وَأَنت أَعْطَيْت مهما تبقى نَفسك أحمدك على حسن بلائك

الْآيَات 45 - 48

(7/197)


وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)

أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم} وَيَقُول: إِنَّمَا ذكر إِبْرَاهِيم ثمَّ ذكر بعده وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَاذْكُر عبادنَا} على الْجمع إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أولي الْأَيْدِي} قَالَ: الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة {والأبصار} قَالَ: الْبَصَر فِي أَمر الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {أولي الْأَيْدِي والأبصار}

(7/197)


قَالَ: أما الْيَد فَهُوَ الْقُوَّة فِي الْعَمَل وَأما الْأَبْصَار فالبصر مَا هم فِيهِ من أَمر دينهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أولي الْأَيْدِي} قَالَ: الْقُوَّة فِي أَمر الله {والأبصار} قَالَ: الْعقل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أولي الْأَيْدِي والأبصار} قَالَ: أولي الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة ونصراً فِي الدّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: اخلصوا بذلك وبذكرهم دَار يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: بِذكر الْآخِرَة وَلَيْسَ لَهُم هم وَلَا ذكر غَيرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: لهَذِهِ أخلصهم الله تَعَالَى كَانُوا يدعونَ إِلَى الْآخِرَة وَإِلَى الله تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: بِفضل أهل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {ذكرى الدَّار} قَالَ: عُقبى الدَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ وَالْيَسع خَفِيفَة
وَعَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ اليسع مُشَدّدَة

الْآيَات 49 - 61

(7/198)


هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {جنَّات عدن مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} قَالَ: يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا
يُقَال لَهَا انفتحي وانغلقي تكلمي فتفهم وتتكلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف أتراب} قَالَ: قصرن طرفهن على أَزوَاجهنَّ فَلَا يردن غَيْرهنَّ {أتراب} قَالَ: سنّ وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتراب} قَالَ: أَمْثَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَذَا لرزقنا مَا لَهُ من نفاد} أَي من انْقِطَاع {هَذَا فليذوقوه حميم وغساق} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن الغساق مَا يسيل من بَين جلده ولحمه {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: من نَحوه أَزوَاج من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن أبي رزين قَالَ: الغساق مَا يسيل من صديدهم
وَأخرج هناد عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {وغساق} قَالَ: الَّذِي يسيل من جُلُودهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وغساق} قَالَ: الزَّمْهَرِير {وَآخر من شكله} قَالَ: نَحوه {أَزوَاج} قَالَ: ألوان من الْعَذَاب
وَأخرج هناد بن السّري فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الغساق الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يذوقوه من شدَّة برده
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ: الغساق المنتن وَهُوَ بالطخاوية
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن

(7/199)


مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن دلو من غساق يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ {وغساق} عين فِي جَهَنَّم يسيل إِلَيْهَا حمة كل ذَات حمة من حَيَّة أَو عقرب أَو غَيرهَا فليستنقع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: الزَّمْهَرِير
وَأخرج عبد بن حميد عَن مرّة قَالَ: ذكرُوا الزَّمْهَرِير فَقَالَ عبد الله {وَآخر من شكله أَزوَاج} فَقَالُوا لعبد الله: إِن للزمهرير بردا فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة (لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً وغساقاً) (النبأ 24 - 25)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: ألوان من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: ذكر الله الْعَذَاب فَذكر السلَاسِل والأغلال وَمَا يكون فِي الدُّنْيَا ثمَّ قَالَ {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: آخر لم ير فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ وَآخر من شكله بِرَفْع الْألف وَنصب الْخَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ وَآخر من شكله ممدودة مَنْصُوبَة الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هَذَا فَوْج مقتحم مَعكُمْ} إِلَى قَوْله {فبئس الْقَرار} قَالَ: هَؤُلَاءِ الأتباع يَقُولُونَهُ للرؤوس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فزده عذَابا ضعفا فِي النَّار} قَالَ: أفاعي وحيات

الْآيَات 62 - 64

(7/200)


وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار} قَالَ: ذَلِك قَول أبي جهل بن هِشَام فِي النَّار: مَا لي لَا أرى بِلَالًا وَعمَّارًا وصهيباً وخباب وَفُلَانًا

{أتخذناهم سخرياً} وَلَيْسوا كَذَلِك {أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} أم هم فِي النَّار وَلَا نراهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار} قَالَ: عبد الله بن مَسْعُود وَمن مَعَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن شمر بن عَطِيَّة {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا} قَالَ أَبُو جهل فِي النَّار: أَيْن خباب أَيْن صُهَيْب أَيْن بِلَال أَيْن عمار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار} قَالَ: فقدوا أهل الْجنَّة {أتخذناهم سخرياً أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} قَالَ: أم هم مَعنا فِي النَّار وَلَا نراهم {زاغت} أبصارنا عَنْهُم فَلم ترهم حِين أدخلُوا النَّار

الْآيَات 65 - 66

(7/201)


قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)

أخرج النَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله الْوَاحِد القهار رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الْعَزِيز الْغفار

من آيَة 67 - 70

(7/201)


قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نصر السجْزِي فِي

(7/201)


الإِبانة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل هُوَ نبأ عَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد فِي الابانة وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن جرير عَن قَتَادَة {قل هُوَ نبأ عَظِيم} قَالَ: إِنَّكُم تراجعون نبأ عَظِيما فأعقلوه عَن الله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام كَانَت خصومتهم فِي شَأْن آدم عَلَيْهِ السَّلَام (إِذْ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك المَاء) إِلَى قَوْله (إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سوّيته ونفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين) (الْبَقَرَة 30) فَفِي هَذَا اخْتصم الْمَلأ الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى} قَالَ: الْمَلَائِكَة حِين شووروا فِي خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام فاختصموا فِيهِ: قَالُوا أَتجْعَلُ فِي الأَرْض خَليفَة
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون} قَالَ: هِيَ الْخُصُومَة فِي شَأْن آدم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَدْرُونَ فيمَ يخْتَصم الملاء الْأَعْلَى قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: يختصمون فِي الْكَفَّارَات الثَّلَاث
اسباغ الْوضُوء فِي المكروهات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَمُحَمّد بن نصر رَضِي الله عَنهُ فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي رَبِّي اللَّيْلَة فِي أحسن صُورَة أَحْسبهُ قَالَ فِي الْمَنَام قَالَ: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت لَا
فَوضع يَده بَين كَتِفي حَتَّى وجدت بردهَا بَين ثديي أَو فِي نحري فَعلمت مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الملاء الْأَعْلَى قلت: نعم
فِي الْكَفَّارَات والمكث فِي الْمَسْجِد بعد الصَّلَوَات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات واسباغ الْوضُوء فِي المكاره وَمن فعل ذَلِك عَاشَ بِخَير وَكَانَ من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه وَقل يَا مُحَمَّد إِذا صليت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل

(7/202)


الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِذا أردْت بعبادك فتْنَة فاقبضني إِلَيْك غير مفتون
قَالَ: والدرجات
افشاء السَّلَام واطعام الطَّعَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: احْتبسَ عَنَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى كدنا نتراءى عين الشَّمْس فَخرج سَرِيعا فثوّب بِالصَّلَاةِ فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا سلم دَعَا بِسَوْطِهِ فَقَالَ: على مَصَافكُمْ كَمَا أَنْتُم
ثمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا ثمَّ قَالَ: أما أَنِّي أحدثكُم مَا حَبَسَنِي عَنْكُم الْغَدَاة
إِنِّي قُمْت اللَّيْلَة فَقُمْت وَصليت مَا قدر لي ونعست فِي صَلَاتي حَتَّى استثقلت فَإِذا أَنا بربي تبَارك وَتَعَالَى فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد قلت لبيْك رَبِّي قَالَ: فيمَ يخْتَصم الملاء الْأَعْلَى قلت: لَا أَدْرِي

فَوضع كَفه بَين كَتِفي فَوجدت برد أنامله بَين ثديي فتجلى لي كل شَيْء وعرفته فَقَالَ: يَا مُحَمَّد قلت لبيْك رب قَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات فَقَالَ: مَا الدَّرَجَات فَقلت: اطعام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
قَالَ: صدقت فَمَا الْكَفَّارَات قلت: اسباغ الْوضُوء فِي المكاره وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَنقل الاقدام إِلَى الْجَمَاعَات
قَالَ: صدقت قل يَا مُحَمَّد: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِن تغْفر لي وترحمني وَإِذا أردْت بعبادك فتْنَة فاقبضني إِلَيْك غير مفتون
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك حبك وَحب من أحبك وَحب عمل يقربنِي إِلَى حبك
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تُعَلِّمُوهُنَّ وادرسوهن فانهن حق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله تجلى لي فِي أحسن صُورَة فَسَأَلَنِي فيمَ يخْتَصم الْمَلَائِكَة قلت: يَا رب مَا لي بِهِ علم
فَوضع يَده بَين كَتِفي حَتَّى وجدت بردهَا بَين ثديي فَمَا سَأَلَني عَن شَيْء إِلَّا عَلمته قلت: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات واطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة قَالَ: يَا مُحَمَّد فَقلت لبيْك رَبِّي

(7/203)


وسعيدك ثَلَاث مَرَّات
قَالَ: هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: لَا
فَوضع يَده بَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي ففهمت الَّذِي سَأَلَني عَنهُ فَقلت: نعم يَا رب
يختصمون فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات
قلت: الدَّرَجَات: اسباغ الْوضُوء بالسبرات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَالْكَفَّارَات: اطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة والشيرازي فِي الألقاب وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا فَأَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرنَا فَقَالَ: أَتَانِي رَبِّي البارحة فِي مَنَامِي فِي أحسن صُورَة فَوضع يَده بَين ثدي وَبَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي فعلمني كل شَيْء قَالَ: يَا مُحَمَّد قلت: لبيْك رب وَسَعْديك قَالَ: هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: نعم يَا رب فِي الْكَفَّارَات والدرجات قَالَ: فَمَا الْكَفَّارَات قلت: افشاء السَّلَام وإطعام الكعام وَالصَّلَاة وَالنَّاس نيام
قَالَ: فَمَا الدَّرَجَات قلت: اسباغ الْوضُوء فِي المكروهات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
وَأخرج ابْن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَتَانِي رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد فَقلت: لبيْك وَسَعْديك
قَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت لَا أَدْرِي فَوضع يَده بَين ثديي فَعلمت فِي مَنَامِي ذَلِك مَا سَأَلَني عَنهُ من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَقلت فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات فَأَما الدَّرَجَات: فاسباغ الْوضُوء فِي السبرات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
قَالَ: صدقت من فعل ذَلِك عَاشَ بِخَير وَمَات بِخَير وَكَانَ من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه
وَأما الْكَفَّارَات: فاطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَطيب الْكَلَام وَالصَّلَاة وَالنَّاس نيام
ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْحَسَنَات وَترك السَّيِّئَات وَحب الْمَسَاكِين ومغفرة وَأَن تتوب عليّ وَإِذا أردْت فِي قوم فتْنَة فنجني غير مفتون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَارق بن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قَالَ: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات
فَأَما

(7/204)


الدَّرَجَات: فاطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
وَأما الْكَفَّارَات: فاسباغ الْوضُوء فِي السبرات وَنقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سري بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة قَالَ: يَا مُحَمَّد فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَذكر الحَدِيث
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة والخطيب عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِي رَأَيْت رَبِّي عز وَجل فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: فِي الْكَفَّارَات والدرجات
قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَات قلت: اسباغ الْوضُوء فِي السبرات وَنقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة قَالَ: فَمَا الدَّرَجَات قلت: اطعام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
ثمَّ قَالَ: قل

قلت: فَمَا أَقُول قَالَ: قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك عملا بِالْحَسَنَاتِ وَترك الْمُنْكَرَات وَإِذا أردْت بِقوم فتْنَة وَأَنا فيهم فاقبضني إِلَيْك غير مفتون
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَابس الْحَضْرَمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة فَقَالَ لَهُ قَائِل: مَا رَأَيْنَاك أَسْفر وَجها مِنْك الْغَدَاة قَالَ: وَمَا لي لَا أكون كَذَلِك وَقد رَأَيْت رَبِّي عز وَجل فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّد فَقلت: فِي الْكَفَّارَات
قَالَ: وَمَا هن قلت: الْمَشْي على الاقدام إِلَى الْجَمَاعَات وَالْجُلُوس فِي الْمَسَاجِد لانتظار الصَّلَوَات وَوضع الْوضُوء أماكنه فِي الْمَكَان قَالَ: وفيم قلت: فِي الدَّرَجَات
قَالَ: وَمَا هن قَالَ: اطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الطَّيِّبَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنَّهُنَّ حق
وَأخرج ابْن نصر وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: إِن رَبِّي عز وَجل أَتَانِي اللَّيْلَة فِي أحسن صُورَة فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَقلت: لَا أعلم يَا رب

(7/205)


قَالَ فَوضع كفيه بَين كَتِفي حَتَّى وجدت أنامله فِي صَدْرِي فتجلى لي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قلت: نعم يَا رب يختصمون فِي الْكَفَّارَات والدرجات قَالَ: فَمَا الدَّرَجَات قلت: اطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَقيام اللَّيْل وَالنَّاس نيام
وَأما الْكَفَّارَات: فمشي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات واسباغ الْوضُوء فِي الكراهيات وجلوس فِي الْمَسَاجِد خلف الصَّلَوَات
ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد قل يسمع وسل تعطه وَاشْفَعْ تشفع قلت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِن تغْفر لي وترحمني وَإِذا أردْت فِي قوم فتْنَة فتوفني إِلَيْك وَأَنا غير مفتون
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك حبك وَحب من أحبك وَحب عمل يبلغنِي إِلَى حبك

الْآيَات 71 - 74

(7/206)


إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون} {إِذْ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} قَالَ: هَذِه الْخُصُومَة

من آيَة 75 - 83

(7/206)


قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)

أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الله ثَلَاثَة أَشْيَاء بِيَدِهِ
خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس الفردوس بِيَدِهِ
ثمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لَا يسكنهَا مدمن خمر وَلَا ديوث
قَالُوا: يَا رَسُول الله قد عرفنَا مدمن الْخمر فَمَا الديوث قَالَ: الَّذِي يُشِير لأَهله السوء
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خلق الله أَرْبعا بِيَدِهِ
الْعَرْش وجنات عدن والقلم وآدَم
ثمَّ قَالَ لكل شَيْء كن فَكَانَ
واحتجب من خلقه بأَرْبعَة
بِنَار وظلمة وَنور []
وَأخرج هناد عَن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الله أَرْبَعَة بِيَدِهِ
خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ وَخلق الْقَلَم بِيَدِهِ
وَأخرج هناد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب قَالَ: إِن الله لم يخلق بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء
خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الرَّجِيم اللعين
قَوْله {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} قَالَ: المخلصين بِالنّصب
فَقلت كل شَيْء فِي الْقُرْآن هَكَذَا نقرأوها قَالَ: نعم

الْآيَات 84 - 85

(7/207)


قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)

أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَالْحق وَالْحق أَقُول} قَالَ: أَنا الْحق أَقُول الْحق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ {فَالْحق} رفع {وَالْحق} نصب {أَقُول} رفع
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَهَا فَالْحق بِالرَّفْع وَالْحق

(7/207)


أَقُول نصبا قَالَ: يَقُول الله أَنا الْحق وَالْحق أَقُول

الْآيَات 86 - 87

(7/208)


قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: قل يَا مُحَمَّد {مَا أَسأَلكُم} على مَا أدعوكم إِلَيْهِ من أجر عرض من الدُّنْيَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا رجل يحدث فِي الْمَسْجِد فَقَالَ فِيمَا يَقُول (يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان) يكون يَوْم الْقِيَامَة يَأْخُذ بأسماع الْمُنَافِقين وأبصارهم وَيَأْخُذ الْمُؤمنِينَ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام قَالَ: فقمنا حَتَّى دَخَلنَا على عبد الله رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي بَيته فاخبرناه وَكَانَ مُتكئا فَاسْتَوَى قَاعِدا فَقَالَ: أَيهَا النَّاس من علم مِنْكُم علما فَلْيقل بِهِ وَمن لم يعلم فَلْيقل الله أعلم
قَالَ الله لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين}
وَأخرج الديلمي وَابْن عَسَاكِر عَن الزبير رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنِّي لَا أَلِي من التَّكَلُّف وصالحوا أمتِي
وَأخرج أَحْمد وَابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن شَقِيق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت أَنا وَصَاحب لي على سلمَان رَضِي الله عَنهُ فَقرب إِلَيْنَا خبْزًا وملحاً فَقَالَ: لَوْلَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا عَن التكلفت لتكلف لكم فَقَالَ صَاحِبي لَو كَانَ فِي ملحتنا صعتر فَبعث مطهرته فرهنها فجَاء الصعتر فَلَمَّا أكلنَا قَالَ صَاحِبي: الْحَمد لله الَّذِي قنعنا بِمَا رزقنا
فَقَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: لَو قنعت مَا كَانَت مطهرتي مَرْهُونَة عِنْد الْبَقَّال
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتكلف للضيف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا نتكلف للضيف مَا لَيْسَ عندنَا وَأَن نقدم مَا حضر

(7/208)


وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بَرزَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أنبئكم بِأَهْل الْجنَّة قُلْنَا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: الرُّحَمَاء بَينهم
أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار قُلْنَا بلَى
قَالَ: هم الآيسون والقانطون والكذابون والمتكلفون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن الْمُنْذر قَالَ: آيَة الْمُتَكَلف ثَلَاث
تكلّف فِيمَا لَا يعلم وينازل من فَوْقه وَيتَعَاطَى مَا لَا ينَال
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من علم علما فليعلمه وَلَا يَقُولَن مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم فَيكون من المتكلفين ويمرق من الدّين

الْآيَة 88

(7/209)


وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعلمن نبأه بعد حِين} قَالَ: بعد الْمَوْت وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: يَا ابْن آدم عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك الْخَبَر الْيَقِين
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعلمن نبأه بعد حِين} قَالَ بَعضهم: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعلمن نبأه} قَالَ: صدق هَذَا الحَدِيث نبأ مَا كذبُوا بِهِ بعد حِين من الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَقَرَأَ (لكل نبأ مُسْتَقر) (الْأَنْعَام الْآيَة 67) قَالَ: وَهُوَ الْآخِرَة يسْتَقرّ فِيهَا الْحق وَيبْطل فِيهَا الْبَاطِل

(7/209)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (39)
سُورَة الزمر
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَسَبْعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الزمر أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة الزمر بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الزمر سوى ثَلَاث آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي وَحشِي قَاتل حَمْزَة (قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم

) إِلَى ثَلَاث آيَات

الْآيَات 1 - 4

(7/210)


تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ} يَعْنِي الْقُرْآن {فاعبد الله مخلصاً لَهُ الدّين أَلا لله الدّين الْخَالِص} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} قَالَ: مَا نعْبد هَذِه الْآلهَة إِلَّا ليشفعوا لنا عِنْد الله تَعَالَى

(7/210)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن يزِيد الرقاشِي رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله انا نعطي أَمْوَالنَا التمَاس الذّكر فَهَل لنا فِي ذَلِك من أجر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لَا يقبل إِلَّا من أخْلص لَهُ
ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {أَلا لله الدّين الْخَالِص}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء} قَالَ: أنزلت فِي ثَلَاثَة أَحيَاء
عَامر وكنانة وَبني سَلمَة
كَانُوا يعْبدُونَ الْأَوْثَان وَيَقُولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَاته
فَقَالُوا {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} قَالَ: قُرَيْش يَقُولُونَ للأوثان وَمن قبلهم يَقُولُونَهُ للْمَلَائكَة ولعيسى بن مَرْيَم ولعزيز
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقْرَأها قَالُوا مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى

الْآيَة 5

(7/211)


خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يكوّر اللَّيْل على النَّهَار} قَالَ: يحمل اللَّيْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يكوّر اللَّيْل على النَّهَار ويكوّر النَّهَار على اللَّيْل} قَالَ: هُوَ غشيان أَحدهمَا على الآخر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يكوّر اللَّيْل على النَّهَار ويكوّر النَّهَار على اللَّيْل}

(7/211)


قَالَ: يغشي هَذَا هَذَا وَهَذَا هَذَا

آيَة 6

(7/212)


خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} يَعْنِي آدم {وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} خلقهَا من ضلع من أضلاعه و {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج يخلقكم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلق} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً ثمَّ لَحْمًا ثمَّ أنبت الشّعْر أطواراً {فِي ظلمات ثَلَاث} قَالَ: الْبَطن وَالرحم والمشيمة {فَأنى تصرفون} قَالَ: كَقَوْلِه (فَأنى تؤفكون) (الزخرف 87)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج} من الإِبل وَالْبَقر والضان والمعز
وَفِي قَوْله {من بعد خلق} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ مَا يتبعهَا حَتَّى يتم خلقه {فِي ظلمات ثَلَاث} قَالَ: الْبَطن وَالرحم والمشيمة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {خلقا من بعد خلق} قَالَ: علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً {فِي ظلمات ثَلَاث} قَالَ: ظلمَة الْبَطن وظلمة الرَّحِم وظلمة المشيمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي ظلمات ثَلَاث قَالَ الْبَطن وَالرحم والمشيمة

الْآيَة 7

(7/212)


إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن تكفرُوا فَإِن الله غَنِي عَنْكُم} يَعْنِي الْكفَّار الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم فَيَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله
ثمَّ قَالَ {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} وهم عباده المخلصون الَّذين قَالَ (إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان) (الْحجر 42) فألزمهم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وحببها إِلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} قَالَ: لَا يرضى لِعِبَادِهِ الْمُسلمين الْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالله مَا رَضِي الله لعَبْدِهِ ضَلَالَة وَلَا أمره بهَا وَلَا دَعَا إِلَيْهَا وَلَكِن رَضِي لكم طَاعَته وأمركم بهَا ونهاكم عَن مَعْصِيَته

الْآيَة 8

(7/213)


وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {دَعَا ربه منيباً إِلَيْهِ} قَالَ: أَي مخلصاً إِلَيْهِ

الْآيَة 9

(7/213)


أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن

(7/213)


ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه} قَالَ: ذَاك عُثْمَان بن عَفَّان
وَفِي لفظ نزلت فِي عُثْمَان بن عَفَّان
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا} قَالَ: نزلت فِي عمار بن يَاسر
وَأخرج جُوَيْبِر عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابْن مَسْعُود وعمار وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يحذر الْآخِرَة} يَقُول: يحذر عَذَاب الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يقْرَأ أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر عَذَاب الْآخِرَة وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه}
أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل وَهُوَ فِي الْمَوْت فَقَالَ كَيفَ تجدك قَالَ: أَرْجُو وأخاف قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قلب عبد فِي مثل هَذَا الموطن إِلَّا أعطَاهُ الَّذِي يَرْجُو وأمنه الَّذِي يخَاف

الْآيَات 10 - 14

(7/214)


قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأَرْض الله وَاسِعَة} قَالَ: أرضي وَاسِعَة فَهَاجرُوا واعتزلوا الْأَوْثَان

(7/214)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: لَا وَالله مَا هُنَاكَ مكيال وَلَا ميزَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: بَلغنِي أَنه لَا يحْسب عَلَيْهِم ثَوَاب عَمَلهم وَلَكِن يزادون على ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله إِذا أحب عبدا أَو أَرَادَ أَن يصافيه صب عَلَيْهِ الْبلَاء صبا ويحثه عَلَيْهِ حثاً فَإِذا دَعَا قَالَت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام: صَوت مَعْرُوف قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب عَبدك فلَان اقْضِ حَاجته
فَيَقُول الله تَعَالَى: دَعه إِنِّي أحب أَن أسمع صَوته
فَإِذا قَالَ يَا رب

قَالَ الله تَعَالَى لبيْك عَبدِي وَسَعْديك
وَعِزَّتِي لَا تَدعُونِي بِشَيْء إِلَّا استجبت لَك وَلَا تَسْأَلنِي شَيْئا إِلَّا اعطيتك
أما أَن أعجل لَك مَا سَأَلت وَأما أَن أدخر لَك عِنْدِي أفضل مِنْهُ وَأما أَن أدفَع عَنْك من الْبلَاء أعظم مِنْهُ
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وتنصب الموازين يَوْم الْقِيَامَة فَيَأْتُونَ بِأَهْل الصَّلَاة فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الصّيام فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الصَّدَقَة فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الْحَج فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الْبلَاء فَلَا ينصب لَهُم ميزَان وَيصب عَلَيْهِم الْأجر صبا بِغَيْر حِسَاب حَتَّى يتَمَنَّى أهل الْعَافِيَة أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا تقْرض أَجْسَادهم بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يذهب بِهِ أهل الْبلَاء من الْفضل
وَذَلِكَ قَوْله {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن عَليّ رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت جدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا شَجَرَة الْبلوى يُؤْتى بِأَهْل الْبلَاء يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يرفع لَهُم ديوَان وَلَا ينصب لَهُم ميزَان يصب عَلَيْهِم الْأجر صبا
وَقَرَأَ {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يود أهل الْبلَاء يَوْم الْقِيَامَة أَن جُلُودهمْ كَانَت تقْرض بِالْمَقَارِيضِ

(7/215)


الْآيَة 15

(7/216)


فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل إِن الخاسرين الَّذين خسروا أنفسهم} الْآيَة
قَالَ: هم الْكفَّار الَّذين خلقهمْ الله للنار زَالَت عَنْهُم الدُّنْيَا وَحرمت عَلَيْهِم الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {خسروا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ {أَهْليهمْ} من أهل الْجنَّة كَانُوا أعدُّوا لَهُم لَو عمِلُوا بِطَاعَة الله فغبنوهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الخاسرين الَّذين خسروا أنفسهم} يخسرونها فيتحسرون فِي النَّار أَحيَاء ويخسرون أَهْليهمْ فَلَا يكون لَهُم أهل يرجعُونَ إِلَيْهِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {الَّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لَيْسَ أحد إِلَّا قد أعد الله تَعَالَى لَهُ أَهلا فِي الْجنَّة إِن أطاعه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله

الْآيَة 16

(7/216)


لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَهُم من فَوْقهم ظلل} قَالَ: غواش {وَمن تَحْتهم ظلل} قَالَ: مهاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: إِذا أَرَادَ الله أَن يعذب أهل النَّار جعل لكل إِنْسَان مِنْهُم تابوتاً من نَار على قدره ثمَّ أقفل عَلَيْهِ بأقفال من نَار فَلَا

(7/216)


يعرف مِنْهُ عرق إِلَّا وَفِيه مِسْمَار ثمَّ جعل ذَلِك التابوت فِي تَابُوت آخر من نَار ثمَّ يقفل باقفال من نَار ثمَّ يضرم بَينهمَا نَار فَلَا يرى أحد مِنْهُم أَن فِي النَّار غَيره
فَذَلِك قَوْله {لَهُم من فَوْقهم ظلل من النَّار وَمن تَحْتهم ظلل} وَقَوله (لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش) (الْأَعْرَاف 41)

الْآيَات 17 - 18

(7/217)


وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت أَن يعبدوها} قَالَ: نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي ثَلَاثَة نفر كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
فِي زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ وسلمان الْفَارِسِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ سعيد بن زيد وَأَبُو ذَر وسلمان يتبعُون فِي الْجَاهِلِيَّة أحسن القَوْل وَأحسن القَوْل وَالْكَلَام لَا إِلَه إِلَّا الله
قَالُوا بهَا فَانْزِل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ {الطاغوت} الشَّيْطَان هُوَ هَهُنَا وَاحِد وَهِي جمَاعَة
مثل قَوْله (يَا أَيهَا الإِنسان مَا غَرَّك) (الِانْتِصَار 6) قَالَ: هِيَ للنَّاس كلهم الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِنَّمَا هُوَ وَاحِد
وخ عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وأنابوا إِلَى الله لَهُم الْبُشْرَى} قَالَ: أَقبلُوا إِلَى الله {فبشر عبادِ الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} قَالَ: أحْسنه طَاعَة الله

(7/217)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فيتبعون أحْسنه} قَالَ: مَا أَمر الله تَعَالَى النَّبِيين عَلَيْهِم السَّلَام من الطَّاعَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله {الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} قَالَ: لَوْلَا ثَلَاث يسرني أَن أكون قد مت
لَوْلَا أَن أَضَع جبيني لله وأجالس قوما يلتقطون طيب الْكَلَام كَمَا يلتقطون طيب الثَّمر وَالسير فِي سَبِيل الله
وَأخرج جُوَيْبِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما نزلت (لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب

) (الْحجر 44)
أَتَى رجل من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي سَبْعَة مماليك وَأَنِّي أعتقت لكل بَاب مِنْهَا مَمْلُوكا
فَنزلت هَذِه الْآيَة {فبشر عبادِ الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ لما نزلت {فبشر عبادِ الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منادياً فَنَادَى من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة
فَاسْتقْبل عمر الرَّسُول فَرده فَقَالَ: يَا رَسُول الله خشيت أَن يتكل النَّاس فَلَا يعْملُونَ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو يعلم النَّاس قدر رَحْمَة الله لاتكلوا وَلَو يعلمُونَ قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أَعْمَالهم

الْآيَات 19 - 20

(7/218)


أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَهُم غرف من فَوْقهَا غرف} قَالَ: علالي

الْآيَة 21

(7/218)


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} قَالَ: مَا أنزل الله من السَّمَاء وَلَكِن عروق فِي الأَرْض تغمره فَذَلِك قَوْله {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} فَمن سره أَن يعود الْملح عذباً فليصعد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} أَصله من السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} قَالَ: عيُونا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الكبي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْعُيُون والركايا مِمَّا أنزل الله من السَّمَاء {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} وَالله أعلم

الْآيَة 22

(7/219)


أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن شرح الله صَدره للإِسلام} الْآيَة
قَالَ: لَيْسَ المشروح صَدره كالقاسية قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه} قَالُوا: يَا رَسُول الله فَهَل ينفرج الصَّدْر قَالَ: نعم
قَالُوا: هَل لذَلِك عَلامَة قَالَ: نعم
التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور والإِنابة إِلَى دَار الخلود والإِستعداد للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه} فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ انْشِرَاح صَدره قَالَ: إِذا دخل النُّور الْقلب انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ
قُلْنَا يَا رَسُول الله فَمَا عَلامَة ذَلِك قَالَ: الإِنابة إِلَى دَار الخلود والتجافي عَن دَار الْغرُور وَالتَّأَهُّب للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت

(7/219)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رجلا قَالَ: يَا نَبِي الله أَي الْمُؤمنِينَ أَكيس قَالَ أَكْثَرهم ذكر للْمَوْت وَأَحْسَنهمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا وَإِذا دخل النُّور الْقلب اِنْفَسَحَ وَاسْتَوْسَعَ
فَقَالُوا مَا آيَة ذَلِك يَا نَبِي الله قَالَ: الإِنابة إِلَى دَار الخلود والتجافي عَن دَار الْغرُور والاستعداد للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت ثمَّ أخرج عَن أبي جَعْفَر عبد الله بن الْمسور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه وَزَاد فِيهِ {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه}
أما قَوْله تَعَالَى: {فويل للقاسية قُلُوبهم}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن شاهين فِي التَّرْغِيب فِي الذّكر فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب وَإِن أبعد النَّاس من الله القاسي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ
أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أوصى إِلَى الحواريين: أَن لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فتقسوا قُلُوبكُمْ وَأَن القاسي قلبه بعيد من الله وَلَكِن لَا يعلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكل الْعباد ونومهم عَلَيْهِ قسوة فِي قُلُوبهم
وَأخرج الْعقيلِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي وَابْن السّني وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي الطِّبّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أذيبوا طَعَامكُمْ بِذكر الله وَالصَّلَاة وَلَا تناموا عَلَيْهِ فتقسوا قُلُوبكُمْ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُورث الْقَسْوَة فِي الْقلب ثَلَاث خِصَال
حب الطَّعَام وَحب النّوم وَحب الرَّاحَة
وَالله أعلم

الْآيَة 23

(7/220)


اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله لَو حَدَّثتنَا فَنزل {الله نزل أحسن الحَدِيث}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابهاً مثاني} قَالَ: الْقُرْآن كُله مثاني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مثاني} قَالَ: الْقُرْآن يشبه بعضه بَعْضًا وَيرد بعضه إِلَى بعض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {كتابا متشابهاً} حَلَاله وَحَرَامه لَا يخْتَلف شَيْء مِنْهُ
الْآيَة تشبه الْآيَة والحرف يشبه الْحَرْف {مثاني} قَالَ: يثني الله فِيهِ الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْقَضَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كتابا متشابهاً} قَالَ: الْقُرْآن كُله مثاني
قَالَ: من ثَنَاء الله إِلَى عَبده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {متشابهاً} قَالَ: يُفَسر بعضه بَعْضًا وَيدل بعضه على بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي رَجَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله تَعَالَى {الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابهاً} قَالَ: ثنى الله فِيهِ الْقَضَاء
تكون فِي هَذِه السُّورَة الْآيَة وَفِي السُّورَة الْآيَة الْأُخْرَى تشبه بهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي [] رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَنْهَا وَأَنا أسمع فَقَالَ: ثنى الله فِيهِ الْقَضَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تقشعر مِنْهُ جُلُود الَّذين يَخْشونَ رَبهم} هَذَا نعت أَوْلِيَاء الله نعتهم الله تَعَالَى قَالَ: تقشعر جُلُودهمْ وتبكي أَعينهم وتطمئن قُلُوبهم إِلَى ذكر الله تَعَالَى
وَلم ينعتهم الله تَعَالَى بذهاب عُقُولهمْ والغشيان عَلَيْهِم إِنَّمَا هَذَا فِي أهل الْبدع وَإِنَّمَا هُوَ من الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تقشعر مِنْهُ جُلُود الَّذين يَخْشونَ رَبهم} قَالَ: إِذا سمعُوا ذكر الله والوعيد اقشعروا {ثمَّ تلين جُلُودهمْ}

(7/221)


إِذا سمعُوا ذكر الْجنَّة واللين {يرجون رَحْمَة الله}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: قلت لجدتي أَسمَاء رَضِي الله عَنْهَا كَيفَ كَانَ يصنع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قرأوا الْقُرْآن قَالَت: كَانُوا كَمَا نعتهم الله تَعَالَى تَدْمَع أَعينهم وتقشعر جُلُودهمْ
قلت: فَإِن نَاسا هَهُنَا إِذا سمعُوا ذَلِك تأخذهم عَلَيْهِ غشية فَقَالَت: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جِئْت أُمِّي فَقلت: وجدت قوما مَا رَأَيْت خيرا مِنْهُم قطّ يذكرُونَ الله تَعَالَى فيرعد أحدهم حَتَّى يغشى عَلَيْهِ من خشيَة الله فَقَالَت: لَا تقعد مَعَهم
ثمَّ قَالَت: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتْلُو الْقُرْآن وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يتلوان الْقُرْآن فَلَا يصيبهم هَذَا
افتراهم أخْشَى من أبي بكر وَعمر وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قيس بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصعقة من الشَّيْطَان
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ فِي الرجل يرى الضَّوْء قَالَ: من الشَّيْطَان لَو كَانَ يرى خيرا لأوثر بِهِ أهل بدر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ: إِذا اقشعر جلد العَبْد من خشيَة الله تحاتت عَنهُ خطاياه كَمَا يتحات عَن الشَّجَرَة البالية وَرقهَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ من عبد على سَبِيل ذكر سنة ذكر الرَّحْمَن فاقشعر جلده من مَخَافَة الله تَعَالَى إِلَّا كَانَ مثله مثل شَجَرَة يبس وَرقهَا وَهِي كَذَلِك فاصابتها ريح تحات [] وَرقهَا كَمَا تحات عَن الشَّجَرَة البالية وَرقهَا وَلَيْسَ من عبد على سَبِيل وَذكر سنة وَذكر الرَّحْمَن فَفَاضَتْ عَيناهُ من خشيَة الله إِلَّا لم تمسه النَّار أبدا

الْآيَات 24 - 27

(7/222)


أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يجر على وَجهه فِي النَّار وَهُوَ مثل قَوْله (أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أَمن يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة) (فصلت الْآيَة 40)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ينْطَلق بِهِ إِلَى النَّار مكتوفاً ثمَّ يرْمى فِيهَا فَأول مَا تمس وَجهه النَّار

الْآيَة 28

(7/223)


قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)

أخرج الْآجُرِيّ فِي الشَّرِيعَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج} قَالَ: غير مَخْلُوق
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج} قَالَ: غير مَخْلُوق
وَأخرج ابْن شاهين فِي السّنة عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْفرج بن زيد الكلَاعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا لعَلي رَضِي الله عَنهُ: حكمت كَافِرًا ومنافقاً فَقَالَ: مَا حكمت مخلوقاً مَا حكمت إِلَّا الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عدي عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: الْقُرْآن كَلَام الله وَلَيْسَ كَلَام الله بمخلوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا على جَنَازَة فَلَمَّا وضع الْمَيِّت فِي قَبره قَالَ لَهُ رجل: اللَّهُمَّ رب الْقُرْآن اغْفِر لَهُ
فَقَالَ

(7/223)


لَهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: مَهْ لَا تقل مثل هَذَا مِنْهُ بدا وَإِلَيْهِ يعود
وَفِي لفظ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثكلتك أمك

إِن الْقُرْآن مِنْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْقُرْآن كَلَام الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أدْركْت مشيختنا مُنْذُ سبعين سنة مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار يَقُولُونَ: الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: سَأَلَ عَليّ بن الْحُسَيْن عَن الْقُرْآن فَقَالَ: لَيْسَ بخالق وَلَا بمخلوق وَهُوَ كَلَام الْخَالِق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن الرّبيع قَالَ سَأَلت جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ عَن الْقُرْآن فَقَالَ: كَلَام الله قلت: مَخْلُوق قَالَ: لَا
قلت: فَمَا تَقول فِيمَن زعم أَنه مَخْلُوق قَالَ: يقتل وَلَا يُسْتَتَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج} قَالَ: غير ذِي سَلس

الْآيَة 29

(7/224)


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} قَالَ: الرجل يعبد آلِهَة شَتَّى
فَهَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى لأهل الْأَوْثَان {ورجلاً سلما} يعبد إِلَهًا وَاحِدًا ضرب لنَفسِهِ مثلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} قَالَ: هُوَ الْمُشرك تنازعه الشَّيَاطِين لَا يعرفهُ بَعضهم لبَعض {ورجلاً سلما لرجل} قَالَ: هَذَا الْمُؤمن أخْلص لله الدعْوَة وَالْعِبَادَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلاً سلما لرجل} قَالَ: آلِهَة الْبَاطِل وإله الْحق

(7/224)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {شُرَكَاء متشاكسون} يَعْنِي الصَّنَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ورجلاً سلما} قَالَ: لَيْسَ لأحد فِيهِ شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَهَا ورجلاً سلما لرجل بِغَيْر ألف مَنْصُوبَة اللَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُبشر بن عبيد الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قِرَاءَة عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ {ورجلاً سلما لرجل} قَالَ: خَالِصا
فَإِنَّمَا يَعْنِي مستسلما لرجل

الْآيَات 30 - 31

(7/225)


إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)

أخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد لبثنا بُرْهَة من دَهْرنَا وَنحن نرى أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِينَا وَفِي أهل الْكِتَابَيْنِ من قبل {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قُلْنَا: كَيفَ نَخْتَصِم وَنَبِينَا وَاحِد وَكِتَابنَا وَاحِد حَتَّى رَأَيْت بَعْضنَا يضْرب وُجُوه بعض بِالسَّيْفِ فَعرفت أَنَّهَا نزلت فِينَا
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عِشْنَا بُرْهَة من دَهْرنَا وَنحن نرى هَذِه الْآيَة نزلت فِينَا {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} فَقلت: لم نَخْتَصِم
أما نَحن فَلَا نعْبد إِلَّا الله وَأما ديننَا فالإِسلام وَأما كتَابنَا فالقرآن لَا نغيره أبدا وَلَا نحرف الْكتاب وَأما قبلتنا فالكعبة وَأما حرمنا فواحد وَأما نَبينَا فمحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكيف نَخْتَصِم حَتَّى كفح بَعْضنَا وَجه بعض بِالسَّيْفِ فَعرفت أَنَّهَا نزلت فِينَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا

(7/225)


قَالَ: نزلت علينا الْآيَة {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} وَمَا نَدْرِي مَا تَفْسِيرهَا وَلَفظ عبد بن حميد: وَمَا نَدْرِي فيمَ نزلت قُلْنَا لَيْسَ بَيْننَا خُصُومَة فَمَا التخاصم حَتَّى وَقعت الْفِتْنَة فَقُلْنَا: هَذَا الَّذِي وعدنا رَبنَا أَن نَخْتَصِم فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} وَمَا نَدْرِي فيمَ نزلت قُلْنَا: لَيْسَ بَيْننَا خُصُومَة قَالُوا وَمَا خُصُومَتنَا وَنحن اخوان فَلَمَّا قتل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالُوا: هَذِه خُصُومَة مَا بَيْننَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْفضل بن عِيسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قَرَأت هَذِه الْآيَة {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قيل: يَا رَسُول الله فَمَا الْخُصُومَة قَالَ: فِي الدِّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} قَالَ: نعى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه ونعى لكم أَنفسكُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قلت: يَا رَسُول الله أينكر علينا مَا يكون بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَواص الذُّنُوب قَالَ: نعم
لينكرن ذَلِك عَلَيْكُم حَتَّى يُؤدى إِلَى كل ذِي حق حَقه
قَالَ الزبير رَضِي الله عَنهُ: فو الله إِن الْأَمر لشديد
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قَالَ الزبير رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله يُكَرر علينا مَا كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَواص الذُّنُوب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
ليكرر ذَلِك عَلَيْكُم حَتَّى يُؤدى إِلَى كل ذِي حق حَقه قَالَ الزبير رَضِي الله عَنهُ: إِن الْأَمر لشديد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} كُنَّا نقُول رَبنَا وَاحِد وَدِيننَا وَاحِد فَمَا

(7/226)


هَذِه الْخُصُومَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم صفّين وَشد بَعْضنَا على بعض بِالسُّيُوفِ قُلْنَا: نعم
هُوَ هَذَا
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليختصمن يَوْم الْقِيَامَة كل شَيْء حَتَّى الشاتين فِيمَا انتطحتا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن أبي أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أول من يخْتَصم يَوْم الْقِيَامَة الرجل وَامْرَأَته
وَالله مَا يتَكَلَّم لسانها وَلَكِن يداها ورجلاها يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا كَانَت لزَوجهَا وَتشهد يَدَاهُ وَرجلَاهُ بِمَا كَانَ يوليها
ثمَّ يدعى الرجل وخادمه بِمثل ذَلِك ثمَّ يدعى أهل الْأَسْوَاق وَمَا يُوجد ثمَّ دوانق وَلَا قراريط وَلَكِن حَسَنَات هَذَا تدفع إِلَى هَذَا الَّذِي ظلم وسيئآت هَذَا الَّذِي ظلمه تُوضَع عَلَيْهِ ثمَّ يُؤْتى بالجبارين فِي مَقَامِع من حَدِيد فَيُقَال: أوردوهم إِلَى النَّار
فو الله مَا أَدْرِي يدْخلُونَهَا أَو كَمَا قَالَ الله (وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها) (مَرْيَم الْآيَة 71)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول خصمين يَوْم الْقِيَامَة جاران
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرّعية
وَأخرج ابْن مندة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يخْتَصم النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يخْتَصم الرّوح مَعَ الْجَسَد
فَتَقول الرّوح للجسد أَنْت فعلت وَيَقُول الْجَسَد للروح أَنْت أمرت وَأَنت سوّلت
فيبعث الله تَعَالَى ملكا فَيَقْضِي بَينهمَا فَيَقُول لَهما: إِن مثلكما كَمثل رجل مقْعد بَصِير وَآخر ضَرِير دخلا بستاناً فَقَالَ المقعد للضرير: إِنِّي أرى هَهُنَا ثماراً وَلَكِن لَا أصل إِلَيْهَا
فَقَالَ لَهُ الضَّرِير: اركبني فَتَنَاولهَا فَرَكبهُ فَتَنَاولهَا فَأَيّهمَا المعتدي فَيَقُولَانِ: كِلَاهُمَا فَيَقُول لَهما الْملك: فإنكما قد حكمتما على أنفسكما
يَعْنِي أَن الْجَسَد للروح كالمطية وَهُوَ رَاكِبه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} يَقُول: يُخَاصم الصَّادِق الْكَاذِب والمظلوم الظَّالِم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر

(7/227)


وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا أبْصر جَنَازَة فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: هَذَا أَنْت هَذَا أَنْت

يَقُول الله {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون}

الْآيَات 32 - 35

(7/228)


فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن أظلم مِمَّن كذب على الله وَكذب بِالصّدقِ} أَي بِالْقُرْآنِ {وَصدق بِهِ} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} يَعْنِي بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَصدق بِهِ} يَعْنِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُولَئِكَ هم المتقون} يَعْنِي اتَّقوا الشّرك
وَأخرج ابْن جرير والباوردي فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أسيد بن صَفْوَان وَله صُحْبَة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} مُحَمَّد {وَصدق بِهِ} أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ هَكَذَا الرِّوَايَة {بِالْحَقِّ} ولعلها قِرَاءَة لعَلي رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَصدق بِهِ} قَالَ: عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} قَالَ: هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {وَصدق بِهِ} قَالَ: هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر

(7/228)


عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصَدقُوا بِهِ قَالَ: هم أهل الْقُرْآن يجيئون بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: هَذَا مَا أعطيتمونا قد اتَّبعنَا مَا فِيهِ

الْآيَات 36 - 37

(7/229)


أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ لي رجل: قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتكفن عَن شتم آلِهَتنَا أَو لتأمرنها فلتخبلنك
فَنزلت {ويخوفونك بالذين من دونه}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن قَتَادَة {ويخوفونك بالذين من دونه} قَالَ: بالآلهة قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد ليكسر الْعُزَّى فَقَالَ سادنها: - وَهُوَ قيمها - يَا خَالِد إِنِّي أحذركها لَا يقوم لَهَا شَيْء فَمشى إِلَيْهَا خَالِد بالفأس وهشم أنفها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ويخوفونك بالذين من دونه} قَالَ: الْأَوْثَان
وَالله أعلم

الْآيَات 38 - 41

(7/229)


وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {قل أَرَأَيْتُم مَا تدعون من دون الله} يَعْنِي الْأَصْنَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {هَل هن كاشفات ضره} مُضَاف لآمنون كاشفات

وممسكات رَحمته مثلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بوكيل} قَالَ: بحفيظ
وَالله أعلم

الْآيَة 42

(7/230)


اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس} الْآيَة
قَالَ: نفس وروح بَينهمَا شُعَاع الشَّمْس فيتوفى الله النَّفس فِي مَنَامه ويدع الرّوح فِي جسده وجوفه يتقلب ويعيش فَإِن بدا لله أَن يقبضهُ قبض الرّوح فَمَاتَ أَو أُخِّر أَجله رد النَّفس إِلَى مَكَانهَا من جَوْفه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} الْآيَة قَالَ: يلتقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وأرواح الْأَمْوَات فِي الْمَنَام فيتساءلون بَينهم مَا شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ يمسك الله أَرْوَاح الْأَمْوَات وَيُرْسل أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى

(7/230)


أجسادها {إِلَى أجل مُسَمّى} لَا يغلط بِشَيْء من ذَلِك
فَذَلِك قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} قَالَ: كل نفس لَهَا سَبَب تجْرِي فِيهِ فَإِذا قضى عَلَيْهَا الْمَوْت نَامَتْ حَتَّى يَنْقَطِع السَّبَب {وَالَّتِي لم تمت} تتْرك
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: سَبَب مَمْدُود بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأرواح الْمَوْتَى وأرواح الْأَحْيَاء إِلَى ذَلِك السَّبَب فَتعلق النَّفس الْميتَة بِالنَّفسِ الْحَيَّة فَإِذا أذن لهَذِهِ الْحَيَّة بالانصراف إِلَى جَسدهَا لتستكمل رزقها أَمْسَكت النَّفس الْميتَة وَأرْسلت الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن فرقد قَالَ: مَا من لَيْلَة من ليَالِي الدُّنْيَا إِلَّا والرب تبَارك وَتَعَالَى يقبض الْأَرْوَاح كلهَا مؤمنها وكافرها
فَيسْأَل كل نفس مَا عمل صَاحبهَا من النَّهَار وَهُوَ أعلم ثمَّ يَدْعُو ملك الْمَوْت فَيَقُول: اقبض هَذَا واقبض هَذَا من قضى عَلَيْهِ الْمَوْت {وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سليم بن عَامر أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: الْعجب من رُؤْيا الرجل أَنه يبيت فَيرى الشَّيْء لم يخْطر لَهُ على باله فَتكون رُؤْيَاهُ كأخذ بِالْيَدِ وَيرى الرجل الرُّؤْيَا فَلَا تكون رُؤْيَاهُ شَيْئا فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أَفلا أخْبرك بذلك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول الله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} فَالله يتوفى الْأَنْفس كلهَا فَمَا رَأَتْ وَهِي عِنْده فِي السَّمَاء فَهِيَ الرُّؤْيَا الصادقة وَمَا رَأَتْ إِذا أرْسلت إِلَى أجسادها تلقتها الشَّيَاطِين فِي الْهَوَاء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فَكَذبت فِيهَا
فَعجب عمر من قَوْله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أَيُّوب
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كَانَ نازلاً عَلَيْهِ فِي بَيته حِين أَرَادَ أَن يرقد قَالَ كلَاما لم نفهمه قَالَ: فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْت تتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فتمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَترسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى أَنْت خلقتني وَأَنت تتوفاني فَإِن أَنْت توفيتني فَاغْفِر لي وَإِن أَنْت أخرتني فاحفظني

(7/231)


وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَوَى أحدكُم إِلَى فرَاشه فلينفضه بداخلة إزَاره فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا خَلفه عَلَيْهِ ثمَّ ليقل: اللَّهُمَّ بِاسْمِك رَبِّي وضعت جَنْبي وباسمك ارفعه إِن أَمْسَكت نَفسِي فارحمها وَإِن أرسلتها فاحفظها بِمَا تحفظ بِهِ الصَّالِحين من عِبَادك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جُحَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره الَّذِي نَامُوا فِيهِ حَتَّى طلعت الشَّمْس ثمَّ قَالَ: إِنَّكُم كُنْتُم أَمْوَاتًا فَرد الله إِلَيْكُم أرواحكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم لَيْلَة الْوَادي: إِن الله قبض أرواحكم حِين شَاءَ وردهَا عَلَيْكُم حِين شَاءَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ: من يكلؤنا اللَّيْلَة فَقلت: أَنا
فَنَامَ ونام النَّاس ونمت فَلم نستيقظ إِلَّا بحرِّ الشَّمْس
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيهَا النَّاس إِن هَذِه الْأَرْوَاح عَارِية فِي أجساد الْعباد فيقبضها إِذا شَاءَ ويرسلها إِذا شَاءَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى طلعت الشَّمْس فَأَقَامَ الصَّلَاة ثمَّ صلى بهم
ثمَّ قَالَ: إِذا رقد أحدكُم فغلبته عَيناهُ فَلْيفْعَل هَكَذَا

فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها}

الْآيَات 43 - 45

(7/232)


أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم اتَّخذُوا من دون الله شُفَعَاء} قَالَ: الْآلهَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا} قَالَ: لَا يشفع عِنْده أحد إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت} قَالَ: انقبضت قَالَ: هُوَ يَوْم قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم {والنجم} عِنْد بَاب الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: قست ونفرت قُلُوب هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة: أَبُو جهل بن هِشَام والوليد بن عتبَة وَصَفوَان وأُبيّ بن خلف {وَإِذا ذكر الَّذين من دونه} اللات والعزى {إِذا هم يستبشرون}
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: نفرت قُلُوب الْكَافرين من ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عَمْرو بن كُلْثُوم الثَّعْلَبِيّ وَهُوَ يَقُول: إِذا غض النِّفَاق لَهَا اشمأزت وولته عشورته زبونا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: استكبرت ونفرت {وَإِذا ذكر الَّذين من دونه} قَالَ: الْآلهَة

الْآيَات 46 - 48

(7/233)


قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)

أخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل افْتتح صلَاته اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
اهدني لما اخْتلفت من الْحق بإذنك انك تهدي من تشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم

الْآيَات 49 - 52

(7/234)


فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ إِذا خوّلناه نعْمَة منا} قَالَ: أعطيناه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم} أَي على شرف أعطانيه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ إِذا خوّلناه نعْمَة منا} قَالَ: أعطيناه
وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم} قَالَ: قَالَ: على خبر عِنْدِي {بل هِيَ فتْنَة} قَالَ: بلَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد قَالَهَا الَّذين من قبلهم} الْأُمَم الْمَاضِيَة {وَالَّذين ظلمُوا من هَؤُلَاءِ} قَالَ: من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(7/234)


الْآيَة 53

(7/235)


قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} فِي مُشْركي أهل مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا [] فكتبتها بيَدي ثمَّ بعثت إِلَى هِشَام بن العَاصِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد لين عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَحشِي بن حَرْب قَاتل حَمْزَة يَدعُوهُ إِلَى الإِسلام فَأرْسل إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّد كَيفَ تَدعُونِي وَأَنت تزْعم أَن من قتل أَو أشرك أَو زنى (يلقَ أثاماً) (يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهاناً) (الْفرْقَان 69) وَأَنا صنعت ذَلِك فَهَل تَجِد لي من رخصَة فَأنْزل الله (إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما) (الْفرْقَان 70) فَقَالَ وَحشِي: هَذَا شَرط شَدِيد (إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا) (الْفرْقَان 70) فلعلي لَا أقدر على هَذَا
فَأنْزل الله (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) (النِّسَاء 48) فَقَالَ وَحشِي: هَذَا أرى بعد مَشِيئَة فَلَا يدْرِي يغْفر لي أم لَا فَهَل غير هَذَا فَأنْزل الله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الْآيَة قَالَ وَحشِي: هَذَا فهم
فَأسلم فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله: إِنَّا أصبْنَا مَا أصَاب وَحشِي قَالَ: بلَى للْمُسلمين عَامَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: لما أسلم وَحشِي أنزل الله (وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ) (الْفرْقَان 68) قَالَ وَحشِي وَأَصْحَابه: فَنحْن قد ارتكبنا هَذَا كُله
فَأنْزل الله {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الْآيَة
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن وَحشِي قَالَ: لما كَانَ فِي أَمر حَمْزَة

(7/235)


مَا كَانَ ألْقى الله خوف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قلبِي خرجت هَارِبا أكمن النَّهَار وأسير اللَّيْل حَتَّى صرت إِلَى أقاويل حمير فَنزلت فيهم فاقمت حَتَّى أَتَانِي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدعوني إِلَى الْإِسْلَام قلت: وَمَا الإِسلام قَالَ: تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وتترك الشّرك بِاللَّه وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله وَشرب الْخمر وَالزِّنَا وَالْفَوَاحِش كلهَا وتستحم من الْجَنَابَة وَتصلي الْخمس
قَالَ: إِن الله قد أنزل هَذِه الْآيَة {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} فَقلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فصافحني وَكَنَّانِي بِأبي حَرْب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَهْط من أَصْحَابه يَضْحَكُونَ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا
ثمَّ انْصَرف وَبكى الْقَوْم فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّد لم تقنط عبَادي فَرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أَبْشِرُوا وقربوا وسددوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: اتّفقت أَنا وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَهِشَام بن العَاصِي بن وَائِل أَن نهاجر إِلَى الْمَدِينَة
فَخرجت أَنا وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَهِشَام بن العَاصِي بن وَائِل أَن نهاجر إِلَى الْمَدِينَة
فَخرجت أَنا وَعَيَّاش وَفتن هِشَام فَافْتتنَ فَقدم على عَيَّاش أَخُوهُ أَبُو جهل والْحَارث بن هِشَام فَقَالَا: إِن أمك قد نذرت أَن لَا يُظِلّهَا ظلّ وَلَا يمس رَأسهَا غسل حَتَّى تراك
فَقلت: وَالله إِن يريداك إِلَّا أَن يفتناك عَن دينك وخرجا بِهِ
وفتنوه فَافْتتنَ قَالَ: فَنزلت {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} قَالَ: عمر رَضِي الله عَنهُ: فَكتبت إِلَى هِشَام فَقدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} وَذَلِكَ أَن أهل مَكَّة قَالُوا: يزْعم مُحَمَّد أَن من عبد الْأَوْثَان ودعا مَعَ الله إِلَهًا آخر وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله لم يغْفر لَهُ فَكيف نهاجر ونسلم وَقد عَبدنَا الْآلهَة وقتلنا النَّفس وَنحن أهل الشّرك فَأنْزل الله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} وَقَالَ (وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ) وَإِنَّمَا يُعَاتب الله أولي الْأَلْبَاب وَإِنَّمَا الْحَلَال وَالْحرَام لأهل الإِيمان فإياهم عَاتب وإياهم أَمر إِذا أسرف أحدهم على نَفسه أَن لَا يقنط من رَحْمَة الله وَأَن يَتُوب وَلَا يضن بِالتَّوْبَةِ على لَك الإِسراف

(7/236)


والذنب الَّذِي عمل وَقد ذكر الله تَعَالَى فِي سُورَة آل عمرَان الْمُؤمنِينَ حِين سَأَلُوا الْمَغْفِرَة فَقَالُوا: (رَبنَا اغْفِر لنا ذنوبنا وإسرافنا فِي أمرنَا) (آل عمرَان 147) فَيَنْبَغِي أَن يعلم أَنهم كَانُوا يصيبون الْأَمريْنِ فَأَمرهمْ بِالتَّوْبَةِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَات الثَّلَاث بِالْمَدِينَةِ فِي وَحشِي وَأَصْحَابه {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى قَوْله (وَأَنْتُم لَا تشعرون) (النِّسَاء 110)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة والوليد بن الْوَلِيد وَنَفر من الْمُسلمين كَانُوا أَسْلمُوا ثمَّ فتنُوا وعذبوا فافتتنوا فَكُنَّا نقُول: لَا يقبل الله من هَؤُلَاءِ صرفا وَلَا عدلا أبدا
أَقوام أَسْلمُوا ثمَّ تركُوا دينهم بِعَذَاب عذبوه فَنزلت هَؤُلَاءِ الْآيَات وَكَانَ عمر بن الْخطاب كَاتبا فكتبها بِيَدِهِ ثمَّ كتب بهَا إِلَى عَيَّاش والوليد وَإِلَى أُولَئِكَ النَّفر
فاسلموا وَهَاجرُوا
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ثَوْبَان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أحب أَن لي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَة {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَمن أشرك فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِلَّا وَمن أشرك ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت يزِيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} وَلَا يُبَالِي أَنه هُوَ الغفور الرَّحِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حسن الظَّن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود أَنه مر على قاصٍّ يذكر النَّاس فَقَالَ: يَا مُذَكّر النَّاس لَا تقنط النَّاس ثمَّ قَرَأَ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قَالَ عَليّ أَي آيَة أوسع فَجعلُوا يذكرُونَ آيَات من الْقُرْآن (من يعْمل سوء أَو يظلم نَفسه) (النِّسَاء 110)
وَنَحْوهَا
فَقَالَ عَليّ

(7/237)


رَضِي الله عَنهُ: مَا فِي الْقُرْآن أوسع آيَة من {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم}
قد دَعَا الله إِلَى مغفرته من زعم أَن الْمَسِيح هُوَ الله وَمن زعم أَن الْمَسِيح ابْن الله وَمن زعم أَن عُزَيْرًا ابْن الله وَمن زعم أَن الله فَقير وَمن زعم أَن يَد الله مغلولة وَمن زعم أَن الله ثَالِث ثَلَاثَة
يَقُول الله تَعَالَى لهَؤُلَاء (أَفلا يتوبون إِلَى الله ويستغفرونه وَالله غَفُور رَحِيم) (الْمَائِدَة 74) ثمَّ دَعَا إِلَى تَوْبَته من هُوَ أعظم قولا من هَؤُلَاءِ
من قَالَ (أَنا ربكُم الْأَعْلَى) (النازعات 24) وَقَالَ (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) (الْقَصَص 38) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: من آيس الْعباد من التَّوْبَة بعد هَذَا فقد جحد كتاب الله وَلَكِن لَا يقدر العَبْد أَن يَتُوب حَتَّى يَتُوب الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن إِبْلِيس قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ: صدوركم مسَاكِن لكم وَتجرونَ مِنْهُم مجْرى الدَّم قَالَ: يَا رب زِدْنِي
قَالَ: (اجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وعدهم وَمَا يعدهم الشَّيْطَان إِلَّا غرُورًا) (الْإِسْرَاء 64) فَقَالَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب قد سلطته عليَّ وَأَنِّي لَا أمتنع مِنْهُ إِلَّا بك فَقَالَ: لَا يُولد لَك ولد إِلَّا وكلت بِهِ من يحفظه من قرناء السوء
قَالَ: يَا رب زِدْنِي
قَالَ: الْحَسَنَة عشرا أَو ازيد والسيئة وَاحِدَة أَو امحوها قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ: بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح مَا كَانَ الرّوح فِي الْجَسَد
قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا أَنه هُوَ الغفور الرَّحِيم}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى والضياء عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أخطأتم حَتَّى تملأ خطاياكم مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ استغفرتم لغفر لكم
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو لم تخطئوا لجاء الله بِقوم يخطئون ثمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيغْفر لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَوْلَا أَنكُمْ تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فَيغْفر لَهُم
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ

(7/238)


السَّلَام: يَا دَاوُد إِن العَبْد من عَبِيدِي ليأتيني بِالْحَسَنَة فاحكمه فيّ
قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: وَمَا تِلْكَ الْحَسَنَة قَالَ: كربَة فرجهَا عَن مُؤمن قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ حقيق على من عرفك حق معرفتك أَن لَا يقنط مِنْك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا مُحَمَّد إِن الله يخاطبني يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: يَا جِبْرِيل مَا لي أرى فلَان بن فلَان فِي صُفُوف أهل النَّار فَأَقُول: يَا رب إِنَّا لم نجد لَهُ حَسَنَة يعود عَلَيْهِ خَيرهَا الْيَوْم
فَيَقُول الله: إِنِّي سمعته فِي دَار الدُّنْيَا يَقُول: يَا حنان يَا منان فأته فَاسْأَلْهُ فَيَقُول وَهل من حنان ومنان غَيْرِي فآخذ بِيَدِهِ من صُفُوف أهل النَّار فَادْخُلْهُ فِي صُفُوف أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس وَأَبُو القسام بن بشير فِي أَمَالِيهِ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْفَقِيه كل الْفَقِيه من لم يقنط النَّاس من رَحْمَة الله تَعَالَى وَلم يرخص لَهُم فِي مَعَاصيه وَلم يؤمنهم عَذَاب الله وَلم يدع الْقُرْآن رَغْبَة مِنْهُ إِلَى غَيره إِنَّه لَا خير فِي عبَادَة لَا علم فِيهَا وَلَا علم لَا فهم فِيهِ وَلَا قِرَاءَة لَا تدبر فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن للمتقنطين جِسْرًا يطَأ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَعْنَاقهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: ألم أحدث أَنَّك تعظ النَّاس قَالَ: بلَى
قَالَت: فإياك واهلاك النَّاس وتقنيطهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة يجْتَهد فِي الْعِبَادَة ويشدد على نَفسه ويقنط النَّاس من رَحْمَة الله تَعَالَى ثمَّ مَاتَ فَقَالَ: أَي رب مَا لي عنْدك قَالَ: النَّار قَالَ: فَأَيْنَ عبادتي واجتهادي فَقيل لَهُ كنت تقنط النَّاس من رَحْمَتي وَأَنا اقنطك الْيَوْم من رَحْمَتي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن نَاسا أَصَابُوا فِي الشّرك عظاماً فَكَانُوا يخَافُونَ أَن لَا يغْفر لَهُم فَدَعَاهُمْ الله لهَذِهِ الْآيَة {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز لَاحق بن حميد السدُوسِي قَالَ: لما أنزل الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا}

(7/239)


إِلَى آخر الْآيَة قَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطب النَّاس وتلا عَلَيْهِم
فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله والشرك بِاللَّه فَسكت فَأَعَادَ ذَلِك مَا شَاءَ الله فَأنْزل الله (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) (النِّسَاء 48)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى قَوْله (وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ) (الزمر 54) قَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِيهَا علقَة (وأنيبوا إِلَى ربكُم)

الْآيَات 54 - 59

(7/240)


وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ} قَالَ: اقْبَلُوا إِلَى ربكُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن يعلى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الإِنابة الدُّعَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت} الْآيَات
قَالَ أخبر الله سُبْحَانَهُ مَا الْعباد قَائِلُونَ قبل أَن يقولوه وعملهم قبل أَن يعلموه (وَلَا ينبئك مثل خَبِير) (فاطر 14) {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن الساخرين} يَقُول [] المحلوقين {أَو تَقول لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ أَو تَقول حِين ترى الْعَذَاب لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ} يَقُول: من المهتدين
فَأخْبر الله سُبْحَانَهُ

(7/240)


وَتَعَالَى: أَنهم لَو ردوا لم يقدروا على الْهدى قَالَ الله تَعَالَى (وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ) (الْأَنْعَام 38) وَقَالَ (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أوّل مرّة) (الْأَنْعَام 110) قَالَ: وَلَو ردوا إِلَى الدُّنْيَا لحيل بَينهم الْهدى كَمَا حلنا بَينهم وَبَينه أوّل مرّة فِي الدُّنْيَا
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {على مَا فرطت فِي جنب الله} قَالَ: فِي ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن الساخرين} قَالَ: فَلم يكفه أَن ضيع طَاعَة الله تَعَالَى حَتَّى جعل يسخر بِأَهْل طَاعَة الله
قَالَ: هَذَا قَول صنف مِنْهُم {أَو تَقول لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ} قَالَ: هَذَا قَول صنف مِنْهُم آخر {أَو تَقول حِين ترى الْعَذَاب لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: لَو رجعت إِلَى الدُّنْيَا قَالَ: هَذَا قَول صنف آخر
يَقُول الله ردا لقَولهم وتكذيباً لَهُم {بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين}
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل أهل النَّار يرى مَقْعَده من الْجنَّة فَيَقُول {لَو أَن الله هَدَانِي} فَيكون عَلَيْهِ حسرة وكل أهل الْجنَّة يرى مَقْعَده من النَّار فيحمد الله فَيكون لَهُ شكرا ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا جلس قوم مَجْلِسا لَا يذكرُونَ الله فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم حسرة يَوْم الْقِيَامَة وَإِن كَانُوا من أهل الْجنَّة يرَوْنَ ثَوَاب كل مجْلِس ذكرُوا الله فِيهِ وَلَا يرَوْنَ ثَوَاب ذَلِك الْمجْلس فَيكون عَلَيْهِم حسرة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين}

(7/241)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ بلَى قد جاءتك آياتي بِنصب الْكَاف فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين بِنصب التَّاء فِيهِنَّ كُلهنَّ وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازاتهم على الْجِمَاع

الْآيَات 60 - 61

(7/242)


وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يحْشر المتكبرون يَوْم الْقِيَامَة أَمْثَال الذَّر فِي صور الرِّجَال يَغْشَاهُم الذل من كل مَكَان
يساقون إِلَى سجن فِي جَهَنَّم
يشربون من عصارة أهل النَّار طِينَة الخبال
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن المتكبرين يَوْم الْقِيَامَة يجْعَلُونَ فِي توابيت من نَار يطبق عَلَيْهِم ويجعلون فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يحْشر المتكبرون يَوْم الْقِيَامَة رجَالًا فِي صور الذَّر
يَغْشَاهُم الذل من كل مَكَان
يسلكون فِي نَار الأنيار
يسقون من طِينَة الخبال عصارة أهل النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجاء بالجبارين والمتكبرين رجَالًا فِي صور الذَّر يطؤهم النَّاس من هوانهم على الله حَتَّى يقْضى بَين النَّاس ثمَّ يذهب بهم إِلَى نَار الأنيار
قيل يَا رَسُول الله وَمَا نَار الأنيار قَالَ: عصارة أهل النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم} قَالَ: بأعمالهم

(7/242)


الْآيَة 62

(7/243)


اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)

أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليسألنكم النَّاس عَن كل شَيْء حَتَّى يسألوكم هَذَا الله خَالق كل شَيْء فَمن خلق الله فَإِن سئلتم فَقولُوا: الله كَانَ قبل كل شَيْء وَهُوَ خَالق كل شَيْء وَهُوَ كَائِن بعد كل شَيْء
وَالله أعلم

الْآيَة 63

(7/243)


لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: مفاتيحها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات} قَالَ: مَفَاتِيح بِالْفَارِسِيَّةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَالْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مفاتيحها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة فَقَالَ:: إِنِّي رَأَيْت فِي غداتي هَذِه كَأَنِّي أتيت بالمقاليد والموازين
فاما المقاليد: فالمفاتيح
وَأما الموازين: فموازينكم هَذِه الَّتِي تزنون بهَا
وَجِيء بِالْمَوَازِينِ فَوضعت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ وضعت فِي كَفه
وَجِيء بالأمة فَوضعت فِي الكفة الْأُخْرَى فرجحت بهم
ثمَّ جِيءَ بِأبي بكر فَوضع فِي كفة فوزن بهم ثمَّ جِيءَ بعمر فَوضع فِي كفة وَالْأمة فِي كفة فوزنهم ثمَّ رفعت الْمِيزَان
وَأخرج أَبُو يعلى ويوسف القَاضِي فِي سنَنه وَأَبُو الْحسن الْقطَّان فِي المطولات وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض}

(7/243)


قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله
أسْتَغْفر الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير
يَا عُثْمَان من قَالَهَا كل يَوْم مائَة مرّة أعطي بهَا عشر خِصَال
أما أَولهَا فَيغْفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
وَأما الثَّانِيَة فَيكْتب لَهُ بَرَاءَة من النَّار
وَأما الثَّالِثَة فيوكل بِهِ ملكان يحفظانه فِي ليله ونهاره من الْآفَات والعاهات
وَأما الرَّابِعَة فَيعْطى قِنْطَارًا من الاجر
وَأما الْخَامِسَة فَيكون لَهُ أجر من أعتق مائَة رَقَبَة محررة من ولد إِسْمَعِيل
وَأما السَّادِسَة فيزوّج من الْحور الْعين
وَأما السَّابِعَة فيحرس من إِبْلِيس وَجُنُوده
وَأما الثَّامِنَة فيعقد على رَأسه تَاج الْوَقار
وَأما التَّاسِعَة فَيكون مَعَ إِبْرَاهِيم
وَأما الْعَاشِرَة فَيشفع فِي سبعين رجلا من أهل بَيته
يَا عُثْمَان إِن اسْتَطَعْت فَلَا يفوتك يَوْمًا من الدَّهْر تفز بهَا من الفائزين وتسبق بهَا الْأَوَّلين والآخرين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن {مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول

(7/244)


وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن بِيَدِهِ الْخَيْر يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير
يَا عُثْمَان من قَالَهَا إِذا أصبح عشر مَرَّات وَإِذا أَمْسَى أعطَاهُ الله سِتّ خِصَال
أما أولهنَّ فيحرس من إِبْلِيس وَجُنُوده
وَأما الثَّانِيَة فَيعْطى قِنْطَارًا من الاجر
وَأما الثَّالِثَة فَيَتَزَوَّج من الْحور الْعين
وَأما الرَّابِعَة فَيغْفر لَهُ ذنُوبه
وَأما الْخَامِسَة فَيكون مَعَ إِبْرَاهِيم
وَأما السَّادِسَة فيحضره اثْنَا عشر ملكا عِنْد مَوته يُبَشِّرُونَهُ بِالْجنَّةِ ويزفونه من قَبره إِلَى الْموقف فَإِن أَصَابَهُ شَيْء من أهاويل يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا لَهُ: لَا تخف إِنَّك من الْآمنينَ ثمَّ يحاسبه الله حسابا يَسِيرا ثمَّ يُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة يزفونه إِلَى الْجنَّة من موقفه كَمَا تزف الْعَرُوس حَتَّى يدخلوه الْجنَّة بِإِذن الله وَالنَّاس فِي شدَّة الْحساب
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ عَن {مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم من كنوز الْعَرْش
وَأخرج الْعقيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تَفْسِير {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد تَفْسِيرهَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالله أكبر واستغفر الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن بِيَدِهِ الْخَيْر يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لَهُ مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض

الْآيَات 64 - 66

(7/245)


قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن قُريْشًا دعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يعطوه مَالا فَيكون أغْنى رجل بِمَكَّة ويزوّجوه مَا أَرَادَ من النِّسَاء ويطأون عقبه
فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَك عندنَا يَا مُحَمَّد وتكف عَن شتم آلِهَتنَا وَلَا تذكرها بِسوء
فَإِن لم تفعل فَإنَّا نعرض عَلَيْك خصْلَة وَاحِدَة هِيَ لنا وَلَك [] فدلوه قَالَ: حَتَّى أنظر مَا يأتيني من رَبِّي فجَاء الْوَحْي (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (الْكَافِرُونَ الْآيَة 1) إِلَى آخر السُّورَة وَأنزل الله عَلَيْهِ {قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} {وَلَقَد أُوحِي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك ولتكونن من الخاسرين}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك وأجدادك يَا مُحَمَّد
فَأنْزل الله {قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} إِلَى قَوْله {بل الله فاعبد وَكن من الشَّاكِرِينَ}

الْآيَة 67

(7/245)


وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)

أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ حبر من الْأَحْبَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّا نجد أَن الله يحمل السَّمَوَات يَوْم الْقِيَامَة على إِصْبَع وَالْأَرضين على إِصْبَع وَالشَّجر على إِصْبَع وَالْمَاء وَالثَّرَى على إِصْبَع وَسَائِر الْخلق على إِصْبَع
فَيَقُول: أَنا الْملك
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه تَصْدِيقًا لقَوْل الحبر ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة}
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مر يَهُودِيّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس قَالَ: كَيفَ تَقول يَا أَبَا الْقَاسِم إِذا وضع الله السَّمَوَات على ذه وَأَشَارَ بالسبابة وَالْأَرضين على ذه وَالْجِبَال على ذه وَسَائِر الْخلق على ذه
كل ذَلِك يُشِير باصابعه فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَكَلَّمت الْيَهُود فِي صفة الرب فَقَالُوا مَا لم يعلموه وَمَا لم يرَوا
فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْيَهُود نظرُوا فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْمَلَائِكَة فَلَمَّا زاغوا أخذُوا يقدرونه
فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت (وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض) (الْبَقَرَة الْآيَة 255) قَالُوا: يَا رَسُول الله هَذَا الْكُرْسِيّ هَكَذَا فَكيف بالعرش فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يقبض الله الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة ويطوي السَّمَوَات بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول أَنا الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير

(7/246)


وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السَّمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة ذَات يَوْم على الْمِنْبَر {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَكَذَا بِيَدِهِ ويحركها يقبل بهَا وَيُدبر يمجد الرب نَفسه أَنا الْجَبَّار أَنا المتكبر أَنا الْملك أَنا الْكَرِيم
فَرَجَفَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر حَتَّى قُلْنَا ليخرنَّ بِهِ)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} قَالَ: يَقُول أَنا الْجَبَّار أَنا أَنا

ويمجد نَفسه فَرَجَفَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر حَتَّى أَن قُلْنَا ليخرن بِهِ قَالُوا: فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ يَا رَسُول الله قَالَ: على جسر جَهَنَّم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة على الْمِنْبَر {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} حَتَّى بلغ {عَمَّا يشركُونَ} فَقَالَ: الْمِنْبَر هَكَذَا
فَذهب وَجَاء ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع فِي قَبضته ثمَّ يَقُول أَنا الله أَنا الرَّحْمَن أَنا الْملك أَنا القدوس أَنا السَّلَام أَنا الْمُؤمن أَنا الْمُهَيْمِن أَنا الْعَزِيز أَنا الْجَبَّار أَنا المتكبر أَنا الَّذِي بدأت الدُّنْيَا وَلم تَكُ شَيْئا أَنا الَّذِي أعيدها ايْنَ الْمُلُوك

أَيْن الجبارون

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن جرير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنفر من أَصْحَابه: أَنا قارىء عَلَيْكُم آيَات من آخر الزمر فَمن بَكَى مِنْكُم وَجَبت لَهُ الْجنَّة
فقرأها من عِنْد {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} إِلَى آخر السُّورَة فمنا من بَكَى وَمنا من لم يبك فَقَالَ الَّذين لم يبكوا: يَا رَسُول الله لقد جهدنا أَن نبكي فَلم نبك فَقَالَ: إِنِّي سأقرأوها عَلَيْكُم فَمن لم يبكِ فليتباكَ

(7/247)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد مقارب وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يَقُول: ثَلَاث خلال غيبتهن عَن عبَادي لَو رآهن رجل مَا عمل سوء أبدا
لَو كشفت غطائي فرآني حَتَّى استيقن وَيعلم كَيفَ أعمل بخلقي إِذا أمتهم
وقبضت السَّمَوَات بيَدي ثمَّ قبضت الْأَرْضين ثمَّ قلت: أَنا الْملك من ذَا الَّذِي لَهُ الْملك دوني
ثمَّ أريهم الْجنَّة وَمَا أَعدَدْت لَهُم فِيهَا من كل خير فيستيقنوا بهَا وأريهم النَّار وَمَا أَعدَدْت لَهُم فِيهَا من كل شَرّ فيستيقنوا بهَا
وَلَكِن عمدا غيبت عَنْهُم ذَلِك لأعْلم كَيفَ يعْملُونَ وَقد بَينته لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ
أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليهودي إِذْ ذكر من عَظمَة رَبنَا فَقَالَ: السَّمَوَات على الْخِنْصر والأرضون على البنصر وَالْجِبَال على الْوُسْطَى وَالْمَاء على السبابَة وَسَائِر الْخلق على الْإِبْهَام
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يطوي الله السَّمَوَات بِمَا فِيهَا من الخليقة وَالْأَرضين السَّبع بِمَا فِيهَا من الخليقة
يطوي كُله بِيَمِينِهِ يكون ذَلِك فِي يَده بِمَنْزِلَة خردلة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} قَالَ: كُلهنَّ فِي يَمِينه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن شَيبَان النَّحْوِيّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لم يُفَسِّرهَا قَتَادَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل مَا وصف الله من نَفسه فِي كِتَابه
فتفسيره تِلَاوَته وَالسُّكُوت عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرِي مَا الْكُرْسِيّ قلت: لَا
مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا فِيهِنَّ فِي الْكُرْسِيّ إِلَّا كحلقة أَلْقَاهَا ملق فِي الأَرْض وَمَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إِلَّا كحلقة أَلْقَاهَا ملق فِي الأَرْض وَمَا المَاء فِي الرّيح إِلَّا كحلقة أَلْقَاهَا ملق فِي ارْض فلاة وَمَا جَمِيع ذَلِك فِي قَبْضَة الله عز وَجل إِلَّا كحبة وأصغر من الْحبَّة فِي كف

(7/248)


أحدكُم وَذَلِكَ قَوْله {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا فِي السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع فِي يَد الله عز وَجل إِلَّا كخردلة فِي يَد أحدكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ: على الصِّرَاط
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حبر من الْيَهُود فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذْ يَقُول الله عز وَجل فِي كِتَابه {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} فَأَيْنَ الْخلق عِنْد ذَلِك قَالَ: هم كرتم الْكتاب

الْآيَة 68

(7/249)


وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)

أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل من الْيَهُود بسوق الْمَدِينَة: وَالَّذِي اصْطفى مُوسَى على الْبشر
فَرفع رجل من الْأَنْصَار يَده فَلَطَمَهُ قَالَ: أَتَقول هَذَا وَفينَا رَسُول الله فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قَالَ الله {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} فاكون أوّل من يرفع رَأسه فَإِذا أَنا بمُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أرفع رَأسه قبلي أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله عز وَجل
وَأخرج أَبُو يعلى وَالدَّارقطني فِي الْأَفْرَاد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سُئِلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن هَذِه الْآيَة {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} من الَّذين لم يَشَاء الله أَن يصعقهم قَالَ: هم الشُّهَدَاء مقلدون باسيافهم حول عَرْشه تتلقاهم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْمَحْشَر بنجائب من ياقوت أزمتها الدّرّ برحائل السندس والإستبرق نمارها أَلين من الْحَرِير

(7/249)


مدَّ خطاها مدَّ أبصار الرجل يَسِيرُونَ فِي الْجنَّة يَقُولُونَ عِنْد طول البرهة: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى رَبنَا نَنْظُر كَيفَ يقْضِي بَين خلقه يضْحك اليهم إلهي وَإِذا ضحك إِلَى عبد فِي موطن فَلَا حِسَاب عَلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم الشُّهَدَاء ثنية الله تَعَالَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم الشُّهَدَاء ثنية الله متقلدي السيوف حول الْعَرْش
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالُوا: يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ الَّذين اسْتثْنى الله قَالَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك الْمَوْت وإسرافيل وَحَملَة الْعَرْش
فَإِذا قبض الله أَرْوَاح الْخَلَائق قَالَ لملك الْمَوْت: من بَقِي وَهُوَ أعلم فَيَقُول: رب سُبْحَانَكَ

رب تعاليت ذَا الْجلَال والاكرام بَقِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واسرافيل وَملك الْمَوْت
فَيَقُول: خُذ نفس مِيكَائِيل
فَيَقَع كالطود الْعَظِيم
فَيَقُول: يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول سُبْحَانَكَ رب

ذَا الْجلَال والاكرام بَقِي جِبْرِيل وَملك الْمَوْت
فَيَقُول مت يَا ملك الْمَوْت فَيَمُوت فَيَقُول يَا جِبْرِيل من بَقِي فَيَقُول: سُبْحَانَكَ

يَا ذَا الْجلَال والاكرام بَقِي جِبْرِيل وَهُوَ من الله بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ
فَيَقُول: يَا جِبْرِيل مَا بُد من موتك
فَيَقَع سَاجِدا يخْفق بجناحيه يَقُول: سُبْحَانَكَ رب

تَبَارَكت وَتَعَالَيْت ذَا الْجلَال والاكرام أَنْت الْبَاقِي وَجِبْرِيل الْمَيِّت الفاني وَيَأْخُذ روحه فِي الخفقة الَّتِي يخْفق فِيهَا فَيَقَع على حيّز من فضل خلقه على خلق مِيكَائِيل كفضل الطود الْعَظِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس رَفعه فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: فَكَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك الْمَوْت فَيَقُول الله - وَهُوَ أعلم: يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول بَقِي وَجهك الْكَرِيم وَعَبْدك جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك

(7/250)


الْمَوْت
فَيَقُول: توفَّ نفس مِيكَائِيل
ثمَّ يَقُول - وَهُوَ أعلم - يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول بَقِي وَجهك الْكَرِيم وَعَبْدك جِبْرِيل وَملك الْمَوْت
فَيَقُول توف نفس جِبْرِيل
ثمَّ يَقُول - وَهُوَ أعلم - يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول: بَقِي وَجهك الْبَاقِي الْكَرِيم وَعَبْدك ملك الْمَوْت وَهُوَ ميت
فَيَقُول: مت
ثمَّ يُنَادي أَنا بدأت الْخلق وَأَنا أُعِيدهُ فَأَيْنَ الجبارون المتكبرون فَلَا يجِيبه أحد
ثمَّ يُنَادي لمن الْملك الْيَوْم فَلَا يجِيبه أحد فَيَقُول هُوَ لله الْوَاحِد القهار {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جَابر {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: اسْتثْنى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ كَانَ صعق قبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم حَملَة الْعَرْش
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: مَا يبْقى أحد إِلَّا مَاتَ وَقد اسْتثْنى وَالله أعلم مثنياه
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج الدَّجَّال فِي أمتِي فيمكث فيهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ عَاما أَو أَرْبَعِينَ شهرا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة فيبعث الله عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَأَنَّهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ فيطلبه فيهلكه الله تَعَالَى ثمَّ يلبث النَّاس بعده سِنِين لَيْسَ بَين اثْنَيْنِ عَدَاوَة ثمَّ يبْعَث الله ريحًا بَارِدَة من قبل الشَّام فَلَا يبْقى أحد فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الإِيمان إِلَّا قَبضته حَتَّى لَو كَانَ أحدهم فِي كبد جبل لدخلت عَلَيْهِ
يبْقى شرار النَّاس فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع
لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا فيتمثل لَهُم الشَّيْطَان فَيَقُول: الا تستجيبون فيأمرهم بالأوثان فيعبدوها وهم فِي ذَلِك دارة أَرْزَاقهم حسن عيشهم
ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور فَلَا يسمعهُ أحد إِلَّا صغى
وَأول من يسمعهُ رجل يلوط حَوْضه فيصعق ثمَّ لَا يبْقى أحد إِلَّا صعق
ثمَّ يُرْسل الله مَطَرا كَأَنَّهُ الطل فتنبت مِنْهُ أجساد النَّاس {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}

(7/251)


ثمَّ يُقَال: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم (وقفوهم إِنَّهُم مسؤلون) (الصافات 24) ثمَّ يُقَال: اخْرُجُوا بعث النَّار فَيُقَال: من كم فَيُقَال: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين فَذَلِك (يَوْم يَجْعَل الْولدَان شيباً) (المزمل 17) وَذَلِكَ (يَوْم يكْشف عَن سَاق) (الْقَلَم 42)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَين النفختين أَرْبَعُونَ
قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ: أَبيت قَالُوا: أَرْبَعُونَ شهر قَالَ: أَبيت قَالُوا: أَرْبَعُونَ عَاما قَالَ: أَبيت ثمَّ ينزل الله من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل وَلَيْسَ من الإِنسان شَيْء إِلَّا يبْلى إِلَّا عظما وَاحِدًا وَهُوَ عجب الذَّنب وَمِنْه يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْبَعْث وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينْفخ فِي الصُّور والصور كَهَيئَةِ الْقرن فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض
وَبَين النفختين أَرْبَعُونَ عَاما فيمطر الله فِي تِلْكَ الْأَرْبَعين مَطَرا فينبتون من الأَرْض كَمَا ينْبت البقل وَمن الإِنسان عظم لَا تَأْكُله الأَرْض
عجب ذَنبه وَمِنْه يركب جسده يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل ابْن آدم تَأْكُله الأَرْض إِلَّا عجب الذَّنب ينْبت وَيُرْسل الله مَاء الْحَيَاة فينبتون مِنْهُ نَبَات الْخضر حَتَّى إِذا خرجت الأجساد أرسل الله الْأَرْوَاح فَكَانَ كل روح أسْرع إِلَى صَاحبه من الطّرف ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن قَالَ: بَين النفختين أَرْبَعُونَ سنة
الأولى يُمِيت الله بهَا كل حَيّ وَالْأُخْرَى يحيي الله بهَا كل ميت
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو
أَن أَعْرَابِيًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن {الصُّور} فَقَالَ: قرن ينْفخ فِيهِ
وَأخرج مُسَدّد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الصُّور} كَهَيئَةِ الْقرن ينْفخ فِيهِ

(7/252)


وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أنعم وَقد الْتَقم صَاحب الْقرن الْقرن وحنى جَبهته وأصغى سَمعه ينْتَظر أَن يُؤمر فينفخ قَالَ الْمُسلمُونَ: كَيفَ نقُول يَا رَسُول الله قَالَ: قَالُوا (حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل) على الله توكلنا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا طرف صَاحب الصُّور مُنْذُ وكل بِهِ مستعداً ينظر الْعَرْش مَخَافَة أَن يُؤمر بالصيحة قبل أَن يَرْتَد إِلَيْهِ طرفه كَأَن عَيْنَيْهِ كوكبان دريان
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره وَهُوَ صَاحب الصُّور يَعْنِي اسرافيل
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صَاحِبي الصُّور بايديهما قرنان يلاحظان النّظر حَتَّى يؤمران
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من صباح إِلَّا وملكان موكلان بالصور ينتظران مَتى يؤمران فينفخان
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: النافخان فِي السَّمَاء الثَّانِيَة
رَأس أَحدهمَا بالمشرق
وَرجلَاهُ بالمغرب
ينتظران مَتى يؤمران أَن ينفخا فِي الصُّور فينفخا
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: كنت عِنْد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعِنْدهَا كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَذكر اسرافيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت عَائِشَة: أَخْبرنِي عَن إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة
جَنَاحَانِ فِي الْهَوَاء وَجَنَاح قد تسرول بِهِ وَجَنَاح على كَاهِله والقلم على أُذُنه
فَإِذا نزل الْوَحْي كتب الْقَلَم ودرست الْمَلَائِكَة وَملك الصُّور أَسْفَل مِنْهُ جاث على إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ وَقد نصب الْأُخْرَى فالتقم الصُّور فحنى ظَهره وطرفه إِلَى إسْرَافيل ضم جناحيه أَن ينْفخ فِي الصُّور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي بكر الْهُذلِيّ قَالَ: إِن ملك الصُّور الَّذِي وكل بِهِ إِحْدَى قَدَمَيْهِ لفي الأَرْض السَّابِعَة وَهُوَ جاث على رُكْبَتَيْهِ شاخص ببصره إِلَى

(7/253)


إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا طرف
مُنْذُ خلقه الله ينظر مَتى يُشِير إِلَيْهِ فينفخ فِي الصُّور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الله الصُّور من لؤلؤة بَيْضَاء فِي صفاء الزجاجة ثمَّ قَالَ للعرش: خُذ الصُّور فَتعلق بِهِ ثمَّ قَالَ كن فَكَانَ إسْرَافيل فَأمره أَن يَأْخُذ الصُّور فَأَخذه وَبِه ثقب بِعَدَد كل روح مخلوقة وَنَفس منفوسة لَا يخرج روحاً من ثقب وَاحِد وَفِي وسط الصُّور كوَّة كاستدارة السَّمَاء وَالْأَرْض
وإسرافيل عَلَيْهِ السَّلَام وَاضع فَمه على تِلْكَ الكوة
ثمَّ قَالَ لَهُ الرب عز وَجل: قد وَكلتك بالصور فَأَنت للنفخة وللصيحة فَدخل إسْرَافيل فِي مُقَدّمَة الْعَرْش فَادْخُلْ رجله الْيُمْنَى تَحت الْعَرْش وقدَّم الْيُسْرَى وَلم يطرف مُنْذُ خلقه الله تَعَالَى لينْظر مَا يُؤمر بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أَوْس بن أَوْس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة
فِيهِ خلق آدم وَفِيه قبض وَفِيه نفخة الصُّور وَفِيه الصعقة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أنفض رَأْسِي من التُّرَاب أول خَارج فَالْتَفت فَلَا أرى أحدا إِلَّا مُوسَى مُتَعَلقا بالعرش فَلَا أَدْرِي أممن اسْتثْنى الله أَن لَا تصيبه النفخة فَبعث قبلي
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فَصعِقَ} قَالَ: مَاتَ {إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: جِبْرِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى قَالَ: فِي الصُّور
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما بعث الله إِلَى صَاحب الصُّور فَأَخذه فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ فَقدم رجلا وَأخر رجلا حَتَّى يُؤمر فينفخ فَاتَّقُوا النفخة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَتَانِي ملك فَقَالَ: يَا مُحَمَّد اختر نَبيا ملكا أَو نَبيا عبدا قَالَ: فَأَوْمأ إِلَى جِبْرِيل أَن تواضع فَقلت: نَبيا عبدا فَأعْطيت خَصْلَتَيْنِ
ان جعلت أول من تَنْشَق عَنهُ

(7/254)


الأَرْض
وَأول شَافِع فارفع رَأْسِي فاجد مُوسَى آخِذا بالعرش فَالله أعلم أصعق لهَذِهِ الصعقة الأولى أم أَفَاق قبلي (ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ)
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عِكْرِمَة فَذكرُوا الَّذين يغرقون فِي الْبَحْر فَقَالَ عِكْرِمَة: الْحَمد لله الَّذين يغرقون فِي الْبحار فَلَا يبْقى مِنْهُم شَيْء إِلَّا الْعِظَام فتقبلها الأمواج حَتَّى تلقيها إِلَى الْبر فتمكث الْعِظَام حينا حَتَّى تصير حائلة نخرة فتمر بهَا الإِبل فتأكلها ثمَّ تسير الإِبل فتبعر ثمَّ يَجِيء بعدهمْ قوم فينزلون فَيَأْخُذُونَ ذَلِك البعر فيوقدونه فِي تِلْكَ النَّار فتجيء ريح فتلقي ذَلِك الرماد على الأَرْض فَإِذا جَاءَت النفخة قَالَ الله {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} فَخرج أُولَئِكَ وَأهل الْقُبُور سَوَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن العَاصِي قَالَ: ينْفخ فِي الصُّور النفخة الأولى من بَاب ايليا الشَّرْقِي
أَو قَالَ الغربي
والنفخة الثَّانِيَة من بَاب آخر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَين النفختين أَرْبَعُونَ يَقُول الْحسن فَلَا نَدْرِي أَرْبَعِينَ سنة أَو أَرْبَعِينَ شهرا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَين النفختين أَرْبَعُونَ قَالَ أَصْحَابه: فَمَا سألناه عَن ذَلِك وَمَا زَاد
غير أَنهم كَانُوا يرَوْنَ من رَأْيهمْ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ سنة قَالَ: وَذكر لنا أَنه يبْعَث فِي تِلْكَ الْأَرْبَعين مطر يُقَال لَهُ مطر الْحَيَاة
حَتَّى تطيب الأَرْض وتهتز وتنبت أجساد النَّاس نَبَات البقل ثمَّ ينْفخ النفخة الثَّانِيَة {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور} قَالَ: {الصُّور} مَعَ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيه أَرْوَاح كل شَيْء يكون فِيهِ {ثمَّ نفخ فِيهِ} نفخة الصعقة فَإِذا نفخ فِيهِ نفخة الْبَعْث قَالَ الله بعزتي ليرجعن كل روح إِلَى جسده قَالَ: ودارة مِنْهَا أعظم من سبع سموات وَمن الأَرْض
فحلق الصُّور على إسْرَافيل وَهُوَ شاخص ببصره إِلَى الْعَرْش حَتَّى يُؤمر بالنفخة فينفخ فِي الصُّور
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور} قَالَ: الأولى من الدُّنْيَا والأخيرة من الْآخِرَة

(7/255)


وَأخرج عبد بن حميد وَعلي بن سعيد فِي كتاب الطَّاعَة والعصيان وَأَبُو يعلى وَأَبُو الْحسن الْقطَّان فِي المطولات وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ كِلَاهُمَا فِي المطولات وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَعِنْده طَائِفَة من أَصْحَابه: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى لما فرغ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض خلق الصُّور فَأعْطَاهُ إسْرَافيل فَهُوَ وَاضعه على فِيهِ شاخص بَصَره إِلَى السَّمَاء فَينْظر مَتى يُؤمر فينفخ فِيهِ
قلت: يَا رَسُول الله وَمَا الصُّور قَالَ: الْقرن قلت فَكيف هُوَ قَالَ: عَظِيم
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِن عظم دارة فِيهِ لعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ النفخة الأولى فيصعق من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض ثمَّ ينْفخ فِيهِ أُخْرَى {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} لرب الْعَالمين فيأمر الله إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي النفخة الأولى أَن يمدها ويطولها فَلَا يفتر وَهُوَ الَّذِي يَقُول الله (مَا ينظر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا من فوَاق) (ص 15) فيسير الله الْجبَال فَتكون سرابا وترتج الأَرْض بِأَهْلِهَا رجا فَتكون كالسفينة الموسقة فِي الْبَحْر تضربها الرِّيَاح تنكفأ بِأَهْلِهَا كالقناديل الْمُعَلقَة بالعرش تميلها الرِّيَاح وَهِي الَّتِي يَقُول الله (يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة) (النازعات 5 - 8) فيميد النَّاس على ظهرهَا وتذهل المراضع وتضع الْحَوَامِل وتشيب الْولدَان وَتَطير الشَّيَاطِين هاربة من الْفَزع حَتَّى تَأتي الأقطار فتلقاها الْمَلَائِكَة فَتضْرب وجوهها فترجع وتولي النَّاس بِهِ مُدبرين يُنَادي بَعضهم بَعْضًا
فَبَيْنَمَا على ذَلِك إِذْ تصدعت الأَرْض كل صدع من قطر إِلَى قطر فَرَأَوْا أمرا عَظِيما لم يرَوا مثله وَأَخذهم لذَلِك من الكرب والهول مَا الله بِهِ عليم ثمَّ نظرُوا إِلَى السَّمَاء فَإِذا هِيَ كَالْمهْلِ ثمَّ انشقت وانتثرت نجومها وَخسف شمسها وقمرها
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: والأموات لَا يعلمُونَ شَيْئا من ذَلِك فَقلت: يَا رَسُول الله فَمن اسْتثْنى الله حِين يَقُول {فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: أُولَئِكَ الشُّهَدَاء وَإِنَّمَا يصل الْفَزع إِلَى الْأَحْيَاء وهم أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ ووقاهم الله فزع ذَلِك الْيَوْم وآمنهم مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَقُول الله (يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم) (الْحَج 1) إِلَى قَوْله (وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد) (الْحَج 2)
فينفخ الصُّور فيصعق أهل السمموات وَأهل الأَرْض {إِلَّا من شَاءَ الله} فَإِذا

(7/256)


هم خمود ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت إِلَى الْجَبَّار فَيَقُول: يَا رب قد مَاتَ أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض إِلَّا من شِئْت
فَيَقُول - وَهُوَ أعلم - فَمن بَقِي فَيَقُول: يَا رب بقيت أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَبَقِي حَملَة عرشك وَبَقِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَبقيت أَنا
فَيَقُول الله: ليمت جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وينطق الله الْعَرْش فَيَقُول: يَا رب تميت جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل فَيَقُول الله لَهُ: اسْكُتْ فَإِنِّي كتبت الْمَوْت على من كَانَ تَحت عَرْشِي
فيموتون ثمَّ يَأْتِي ملك الْمَوْت إِلَى الْجَبَّار فَيَقُول: يَا رب قد مَاتَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل فَيَقُول الله عز وَجل - وَهُوَ أعلم - فَمن بَقِي فَيَقُول: يَا رب بقيت أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا تَمُوت وَبَقِي حَملَة عرشك وَبقيت أَنا
فَيَقُول الله لَهُ: ليمت حَملَة عَرْشِي
فيموتون وَيَأْمُر الله الْعَرْش فَيقبض الصُّور ثمَّ يَأْتِي ملك الْمَوْت الرب عز وَجل فَيَقُول: يَا رب مَاتَ حَملَة عرشك فَيَقُول الله - وَهُوَ أعلم - فَمن بَقِي فَيَقُول: يَا رب بقيت أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَبقيت أَنا
فَيَقُول الله لَهُ: أَنْت خلق من خلقي خلقتك لما رَأَيْت فمت فَيَمُوت فَإِذا لم يبْق إِلَّا الله الْوَاحِد القهار الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد كَانَ آخرا كَمَا كَانَ أَولا طوى السَّمَوَات وَالْأَرْض كطي السّجل للْكتاب
ثمَّ قَالَ بهما فلفهما
ثمَّ قَالَ: أَنا الْجَبَّار أَنا الْجَبَّار أَنا الْجَبَّار ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ هتف بِصَوْتِهِ لمن الْملك الْيَوْم لمن الْملك الْيَوْم لمن الْملك الْيَوْم فَلَا يجِيبه أحد
ثمَّ يَقُول لنَفسِهِ: لله الْوَاحِد القهار (يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَوَات) (إِبْرَاهِيم 48) فبسطها وسطحها ثمَّ مدها مد الْأَدِيم العكاظي (لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا) (طه الْآيَة 107) ثمَّ يزْجر الله الْخلق زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذا هم فِي هَذِه المبدلة من كَانَ فِي بَطنهَا كَانَ فِي بَطنهَا وَمن كَانَ على ظهرهَا كَانَ على ظهرهَا
ثمَّ ينزل الله عَلَيْكُم مَاء من تَحت الْعَرْش فيأمر الله السَّمَاء أَن تمطر فتمطر أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يكون المَاء فَوْقكُم إثني عشر ذِرَاعا ثمَّ يَأْمر الله الأجساد أَن تنْبت فتنبت نَبَات [] الطوانيت كنبات البقل حَتَّى إِذا تكاملت أجسامهم وَكَانَت كَمَا كَانَت قَالَ الله: ليحيى حَملَة الْعَرْش فيحيون وَيَأْمُر الله إسْرَافيل فَيَأْخُذ الصُّور فيضعه على فِيهِ ثمَّ يَقُول الله: ليحيى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فيحييان
ثمَّ يَدْعُو الله بالأرواح

(7/257)


فَيُؤتى بِهن توهج أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ نورا وَالْأُخْرَى ظلمَة فيقبضهن الله جَمِيعًا ثمَّ يلقيها فِي الصُّور ثمَّ يَأْمر إسْرَافيل أَن ينْفخ نفخة الْبَعْث فَتخرج الْأَرْوَاح كَأَنَّهَا النَّحْل قد مَلَأت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
فَيَقُول: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي ليرجعن كل روح إِلَى جسده فَتدخل الْأَرْوَاح فِي الأَرْض إِلَى الأجساد فَتدخل فِي الخياشيم ثمَّ تمشي فِي الأجساد كَمَا يمشي السم فِي اللديغ ثمَّ تَنْشَق الأَرْض عَنْكُم
وَأَنا أول من تَنْشَق الأَرْض عَنهُ فتخرجون مِنْهَا سرَاعًا إِلَى ربكُم تنسلون مهطعين إِلَى الدَّاعِي يَقُول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْم عسر حُفَاة عُرَاة غلفًا غرلًا
فَبَيْنَمَا نَحن وقُوف إِذْ سمعنَا حسا من السَّمَاء شَدِيدا فَينزل أهل سَمَاء الدُّنْيَا بمثلي من فِي الأَرْض من الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إِذا دنوا من الأَرْض أشرقت الأَرْض بنورهم
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الثَّانِيَة بمثلي من نزل من الْمَلَائِكَة ومثلي من فِيهَا من الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إِذا دنوا من الأَرْض أشرقت الأَرْض بنورهم وَأخذُوا مَصَافهمْ
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الثَّالِثَة بمثلي من نزل من الْمَلَائِكَة ومثلي من فِيهَا من الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إِذا دنوا من الأَرْض أشرقت الأَرْض بنورهم وَأخذُوا مَصَافهمْ
ثمَّ ينزلون على قدر ذَلِك من التَّضْعِيف إِلَى السَّمَوَات السَّبع
ثمَّ ينزل الْجَبَّار (فِي ظلل من الْغَمَام) (الْبَقَرَة 210) وَالْمَلَائِكَة يحمل عَرْشه يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة وهم الْيَوْم أَرْبَعَة
أَقْدَامهم على تخوم الأَرْض السُّفْلى والأرضون وَالسَّمَوَات إِلَى حُجَزهمْ وَالْعرش على مَنَاكِبهمْ لَهُم زجل بالتسبيح فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّة والجبروت سُبْحَانَ ذِي الْملك والملكوت سُبْحَانَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيت الْخَلَائق وَلَا يَمُوت سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح سُبْحَانَ رَبنَا الْأَعْلَى الَّذِي يُمِيت الْخَلَائق وَلَا يَمُوت
فَيَضَع عَرْشه حَيْثُ يَشَاء من الأَرْض ثمَّ يَهْتِف بِصَوْتِهِ فَيَقُول: يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنِّي قد أنصت لكم مُنْذُ يَوْم خَلقكُم إِلَى يَوْمك هَذَا
أسمع قَوْلكُم وَأبْصر أَعمالكُم فأنصتوا إِلَيّ
فَإِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم وصحفكم تقْرَأ عَلَيْكُم فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه
ثمَّ يَأْمر الله جَهَنَّم فَيخرج مِنْهَا عنق سَاطِع مظلم ثمَّ يَقُول (ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين وَأَن اعبدوني هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم) (يس 60) إِلَى قَوْله (وامتازوا الْيَوْم أَيهَا

(7/258)


المجرمون) (يس 59) فيميز بَين النَّاس وتجثو الْأُمَم قَالَ (وَترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إِلَى كتابها) (الجاثية الْآيَة 28) ويقفون موقفا وَاحِدًا مِقْدَار سبعين عَاما لَا يقْضى بَينهم فيبكون حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوع ويدمعون دَمًا ويعرقون عرقا إِلَى أَن يبلغ ذَلِك مِنْهُم أَن يلجمهم الْعرق وَأَن يبلغ الأذقان مِنْهُم
فيصيحون وَيَقُولُونَ: من يشفع لنا إِلَى رَبنَا فَيَقْضِي بَيْننَا فَيَقُولُونَ: وَمن أَحَق بذلك من أبيكم آدم عَلَيْهِ السَّلَام فيطلبون ذَلِك إِلَيْهِ فيأبى وَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك
ثمَّ يستفزون الْأَنْبِيَاء نَبيا نَبيا كلما جاؤا نَبيا أَبى عَلَيْهِم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَتَّى يأتوني فأنطلق حَتَّى أُتِي فَأخر سَاجِدا قَالَ: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَرُبمَا قَالَ قُدَّام الْعَرْش حَتَّى يبْعَث إِلَيّ ملكا فَيَأْخُذ بعضدي فيرفعني فَيَقُول لي: يَا مُحَمَّد فَأَقُول: نعم يَا رب: مَا شَأْنك - وَهُوَ أعلم - فَأَقُول: يَا رب وَعَدتنِي الشَّفَاعَة فشفعني فِي خلقك فَاقْض بَينهم
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فأرجع فأقف مَعَ النَّاس فَيَقْضِي الله بَين الْخَلَائق فَيكون أول من يقْضى فِيهِ فِي الدِّمَاء وَيَأْتِي كل من قتل فِي سَبِيل الله يحمل رَأسه وتشخب أوداجه فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا قتلنَا فلَان وَفُلَان

فَيَقُول الله - وَهُوَ أعلم - أقتلتم فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا قتلنَا لتَكون الْعِزَّة لَك
فَيَقُول الله لَهُم: صَدقْتُمْ
فَيجْعَل لوجوههم نورا مثل نور الشَّمْس ثمَّ توصلهم الْمَلَائِكَة إِلَى الْجنَّة وَيَأْتِي من كَانَ قتل على غير ذَلِك يحمل رَأسه وتشخب أوداجه فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا قتلنَا فلَان وَفُلَان

فَيَقُول: لم - وَهُوَ أعلم - فَيَقُولُونَ: لتَكون الْعِزَّة لَك فَيَقُول الله: تعستم ثمَّ مَا يبْقى نفس قَتلهَا إِلَّا قتل بهَا وَلَا مظْلمَة ظلمها إِلَّا أَخذ بهَا
وَكَانَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ رَحمَه ثمَّ يقْضِي الله بَين من بَقِي من خلقه حَتَّى لَا يبْقى مظْلمَة لأحد عِنْد أحد إِلَّا أَخذهَا الله تَعَالَى للمظلوم من الظَّالِم
حَتَّى إِنَّه ليكلف يَوْمئِذٍ شائب اللَّبن للْبيع الَّذِي كَانَ يشوب اللَّبن بِالْمَاءِ ثمَّ يَبِيعهُ فيكلف أَن يخلص اللَّبن من المَاء
فَإِذا فرغ الله من ذَلِك نَادَى نِدَاء أسمع الْخَلَائق كلهم: أَلا ليلحق كل قوم بآلهتهم وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله
فَلَا يبْقى أحد عبد من دون الله شَيْئا إِلَّا مثلت لَهُ آلِهَة بَين يَدَيْهِ وَيجْعَل يَوْمئِذٍ من الْمَلَائِكَة على صُورَة عُزَيْر وَيجْعَل ملك

(7/259)


من الْمَلَائِكَة على صُورَة عِيسَى فَيتبع هَذَا الْيَهُود وَهَذَا النَّصَارَى ثمَّ يعود بهم آلِهَتهم إِلَى النَّار
فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله (لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها وكل فِيهَا خَالدُونَ) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 99) فَإِذا لم يبْق إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ وَفِيهِمْ المُنَافِقُونَ فَيُقَال لَهُم: يَا أَيهَا النَّاس ذهب النَّاس فالحقوا بآلهتكم وَمَا كُنْتُم تَعْبدُونَ
فَيَقُولُونَ: وَالله مَا لنا إِلَه إِلَّا الله وَمَا كُنَّا نعْبد غَيره فَيُقَال لَهُم: الثَّانِيَة
وَالثَّالِثَة فَيَقُولُونَ: مثل ذَلِك فَيَقُول: أَنا ربكُم فَهَل بَيْنكُم وَبَين ربكُم آيَة تعرفونه بهَا فَيَقُولُونَ: نعم
فَيكْشف عَن سَاق وَيُرِيهمْ الله مَا شَاءَ من الْآيَة أَن يُرِيهم فيعرفون أَنه رَبهم فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا لوجوههم ويخر كل مُنَافِق على قَفاهُ يَجْعَل الله أصلابهم كصياصي الْبَقر ثمَّ يَأْذَن الله لَهُم فيرفعون رؤوسهم وَيضْرب الصِّرَاط بَين ظهراني جَهَنَّم كدقة الشّعْر وكحد السَّيْف عَلَيْهِ كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان دونه جسر دحض مزلة فيمرون كطرف الْعين وكلمح الْبَرْق وكمر الرّيح وكجياد الْخَيل وكجياد الركاب وكجياد الرِّجَال فناج مُسلم وناج مخدوش ومكدوش على وَجهه فِي جَهَنَّم
فَإِذا أفْضى أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة فَدَخَلُوهَا
فو الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَنْتُم فِي الدُّنْيَا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الْجنَّة بأزواجهم ومساكنهم إِذْ دخلُوا الْجنَّة
فَدخل كل رجل مِنْهُم على اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة مِمَّا ينشىء الله فِي الْجنَّة واثنتين آدميتين من ولد آدم لَهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما فِي الدُّنْيَا
فَيدْخل على الأولى مِنْهُنَّ فِي غرفَة من ياقوتة على سَرِير من ذهب مكلل بِاللُّؤْلُؤِ عَلَيْهِ سَبْعُونَ زوجا من سندس
واستبرق ثمَّ إِنَّه يضع يَده بَين كتفيها فَينْظر إِلَى يَدهَا من صدرها وَمن وَرَاء ثِيَابهَا ولحمها وجلدها
وَإنَّهُ لينْظر إِلَى مخ سَاقهَا كَمَا ينظر أحدكُم إِلَى السلك فِي الياقوتة كَبِدهَا لَهُ مرْآة
فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدهَا لَا يملها وَلَا تمله وَلَا يَأْتِيهَا مرّة إِلَّا وجدهَا عذراء لَا يفتران وَلَا يألمان
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ نُودي فَيُقَال لَهُ: إِنَّا قد عرفنَا أَنَّك لَا تمل وَلَا تمل وَإِن لَك أَزْوَاجًا غَيرهَا فَيخرج فيأتيهن وَاحِدَة وَاحِدَة كلما جَاءَ وَاحِدَة قَالَت لَهُ: وَالله مَا أرى فِي الْجنَّة شَيْئا أحسن مِنْك وَلَا شَيْئا فِي الْجنَّة أحب إِلَيّ مِنْك
قَالَ وَإِذا وَقع أهل النَّار فِي النَّار وَقع فِيهَا خلق من خلق الله أوبقتهم أَعْمَالهم فَمنهمْ من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار فِي جسده كُله إِلَّا وَجهه حرم

(7/260)


الله صورهم على النَّار
فينادون فِي النَّار فَيَقُولُونَ: من يشفع لنا إِلَى رَبنَا حَتَّى يخرجنا من النَّار فَيَقُولُونَ: وَمن أَحَق بذلك من أبيكم آدم فَينْطَلق الْمُؤْمِنُونَ إِلَى آدم فَيَقُولُونَ: خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وكلمك
فيذكر آدم ذَنبه فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بِنوح فَإِنَّهُ أول رسل الله فَيَأْتُونَ نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام ويذكرون ذَلِك إِلَيْهِ فيذكر ذَنبا فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بإبراهيم فَإِن الله اتَّخذهُ خَلِيلًا
فَيُؤتى إِبْرَاهِيم فيطلب ذَلِك إِلَيْهِ
فيذكر ذَنبا فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بمُوسَى فَإِن الله قربه نجيا وَكَلمه وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة
فَيُؤتى مُوسَى فيطلب ذَلِك إِلَيْهِ فيذكر ذَنبا وَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بِروح الله وكلمته عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام
فَيُؤتى عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فيطلب ذَلِك إِلَيْهِ فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَأْتُوني ولي عِنْد رَبِّي ثَلَاث شفاعات وعدنيهن فأنطلق حَتَّى آتِي بَاب الْجنَّة فآخذ بِحَلقَة الْبَاب فَاسْتَفْتَحَ فَيفتح لي فَأخر سَاجِدا فَيَأْذَن لي من حَمده وتمجيده بِشَيْء مَا أذن بِهِ لأحد من خلقه ثمَّ يَقُول: ارْفَعْ رَأسك يَا مُحَمَّد اشفع تشفع وسل تعطه
فَإِذا رفعت رَأْسِي قَالَ لي - وَهُوَ أعلم - مَا شَأْنك فَأَقُول: يَا رب وَعَدتنِي الشَّفَاعَة فشفعني
فَأَقُول يَا رب من وَقع فِي النَّار من أمتِي فَيَقُول الله: أخرجُوا من عَرَفْتُمْ صورته فَيخرج أُولَئِكَ حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم أحد ثمَّ يَأْذَن الله بالشفاعة فَلَا يبْقى نَبِي وَلَا شَهِيد إِلَّا شفع فَيَقُول الله: أخرجُوا من وجدْتُم فِي قلبه زنة دِينَار من خير فَيخرج أُولَئِكَ حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم أحد وَحَتَّى لَا يبْقى فِي النَّار من عمل خيرا قطّ وَلَا يبْقى أحد لَهُ شَفَاعَة إِلَّا شفع
حَتَّى أَن إِبْلِيس ليتطاول فِي النَّار لما يرى من رَحْمَة الله رَجَاء أَن يشفع لَهُ ثمَّ يَقُول الله: بقيت وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيقبض قَبْضَة فَيخرج مِنْهَا مَا لَا يُحْصِيه غَيره فينبتهم على نهر يُقَال لَهُ نهر الْحَيَوَان فينبتون فِيهِ كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل فَمَا يَلِي الشَّمْس أَخْضَر وَمَا يَلِي الظل أصفر فينبتون كالدر مَكْتُوب فِي رقابهم: الجهنميون عُتَقَاء الرَّحْمَن لم يعملوا لله خيرا قطّ يَقُول مَعَ التَّوْحِيد فيمكثون فِي الْجنَّة

(7/261)


مَا شَاءَ الله وَذَلِكَ الْكتاب فِي رقابهم ثمَّ يَقُولُونَ: يَا رَبنَا امح عَنَّا هَذَا الْكتاب فيمحوه عَنْهُم

من الْآيَات 69 - 70

(7/262)


وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)

أخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وأشرقت الأَرْض} قَالَ: أَضَاءَت {وَوضع الْكتاب} قَالَ: الْحساب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} قَالَ: فَمَا يتضارون فِي نوره إِلَّا كَمَا يتضارون فِي الْيَوْم الصحو الَّذِي لَا دخن فِيهِ {وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} قَالَ: الَّذين اسْتشْهدُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} قَالَ: النَّبِيُّونَ الرُّسُل {وَالشُّهَدَاء} الَّذين يشْهدُونَ بالبلاغ لَيْسَ فيهم طعان وَلَا لعان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} قَالَ: يشْهدُونَ بتبليغ الرسَالَة وَتَكْذيب الْأُمَم إيَّاهُم

الْآيَات 71 - 72

(7/262)


وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن جَهَنَّم إِذا سيق إِلَيْهَا أَهلهَا تلفحهم بعنق مِنْهَا لفحة لم تدع لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على العرقوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَكِن حقت كلمة الْعَذَاب على الْكَافرين} قَالَ: بأعمالهم أَعمال السوء
وَالله أعلم

الْآيَة 73

(7/263)


وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)

أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَالَّذين يَلُونَهُمْ على صُورَة أَشد كَوْكَب دري فِي السَّمَاء إضاءة
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والضياء فِي المختارة عَن عليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يساق الَّذين اتَّقوا رَبهم إِلَى الْجنَّة زمراً حَتَّى إِذا انْتَهوا إِلَى بَاب من أَبْوَابهَا وجدوا عِنْده شَجَرَة يخرج من تَحت سَاقهَا عينان تجريان فعمدوا إِلَى إحدهما فَشَرِبُوا مِنْهَا فَذهب مَا فِي بطونهم من أَذَى أَو قذى وبأس ثمَّ عَمدُوا إِلَى الْأُخْرَى فتطهروا مِنْهَا فجرت عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم فَلَنْ تغير أبشارهم بعْدهَا أبدا وَلنْ تشعث أشعارهم كَأَنَّمَا دهنوا بالدهان ثمَّ انْتَهوا إِلَى خَزَنَة الْجنَّة فَقَالُوا {سَلام عَلَيْكُم طبتم فادخلوها خَالِدين} ثمَّ تلقاهم الْوِلْدَان يطوفون بهم كَمَا يطِيف أهل الدُّنْيَا بالحميم فَيَقُولُونَ: اُبْشُرْ بِمَا أعد الله لَك من الْكَرَامَة ثمَّ ينْطَلق غُلَام من أُولَئِكَ الْولدَان إِلَى بعض أَزوَاجه من الْحور الْعين فَيَقُول: قد جَاءَ فلَان باسمه الَّذِي يدعى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَتَقول: أَنْت رَأَيْته فَيَقُول: أَنا رَأَيْته فيستخفها الْفَرح حَتَّى تقوم على أُسْكُفَّة بَابهَا فَإِذا انْتهى إِلَى منزله نظر شَيْئا من أساس بُنْيَانه فَإِذا جندل اللُّؤْلُؤ فَوْقه أَخْضَر وأصفر وأحمر من كل لون
ثمَّ رفع رَأسه فَنظر إِلَى

(7/263)


سقفه فَإِذا مثل الْبَرْق
وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى قدر أَنه لَا ألم لذهب ببصره
ثمَّ طأطأ بِرَأْسِهِ فَنظر إِلَى أَزوَاجه (وأكواب مَوْضُوعَة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة) (الغاشية 14 - 16) فَنظر إِلَى تِلْكَ النِّعْمَة ثمَّ اتكأ على أريكة من أريكته ثمَّ قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله

) (الْأَعْرَاف 43)
ثمَّ يُنَادي منادٍ: تحيون فَلَا تموتون أبدا وتقيمون فَلَا تظعنون أبدا وتصحون فَلَا تمرضون أبدا
وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {وَفتحت أَبْوَابهَا}
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب مِنْهَا بَاب يُسمى الريان لَا يدْخلهُ إِلَّا الصائمون
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أنْفق زَوْجَيْنِ من مَاله فِي سَبِيل الله دعِي من أَبْوَاب الْجنَّة وللجنة أَبْوَاب فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله فَهَل يدعى أحد مِنْهَا كلهَا قَالَ: نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب
سَبْعَة مغلقة وَبَاب مَفْتُوح للتَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من نَحوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب
بَاب للمصلين وَبَاب للصائمين وَبَاب للحاجين وَبَاب للمعتمرين وَبَاب للمجاهدين وَبَاب لِلذَّاكِرِينَ وَبَاب للشاكرين
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكل عمل أهل من أَبْوَاب الْجنَّة يدعونَ مِنْهُ بذلك الْعَمَل
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي الإِنسان بأكبر عمله فَإِذا كَانَت الصَّلَاة أفضل دعِي بهَا وَإِن

(7/264)


كَانَ صِيَامه أفضل دعِي بِهِ وَإِن كَانَ الْجِهَاد أفضل دعِي بِهِ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أحد يدعى بعملين قَالَ: نعم
أَنْت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والخطيب فِي الْمُتَّفق المفترق عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي الْجنَّة بَابا يُقَال لَهُ الضُّحَى فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد: أَيْن الَّذين كَانُوا يديمون صَلَاة الضُّحَى هَذَا بَابَكُمْ فادخلوه برحمة الله
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة بن حيدة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا بَين مصراعين من مصاريع الْجنَّة أَرْبَعُونَ عَاما وليأتين عَلَيْهِم يَوْم وَأَنه لكظيظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لما بَين المصراعين من مصاريع الْجنَّة لَكمَا بَين مَكَّة وهجر
أَو كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عتبَة بن غَزوَان رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب فَقَالَ: إِن مَا بَين المصراعين من مصاريع الْجنَّة لمسيرة أَرْبَعِينَ عَاما وليأتين على أَبْوَاب الْجنَّة يَوْم وَلَيْسَ مِنْهَا بَاب إِلَّا وَهُوَ كظيظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا بَين مصراعي الْجنَّة أَرْبَعُونَ خَرِيفًا للراكب الْمجد وليأتين عَلَيْهِ يَوْم وَهُوَ كظيظ الزحام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلمي قَالَ إِن الرجل ليوقف على بَاب الْجنَّة مائَة عَام بالذنب عمله وَإنَّهُ ليرى أَزوَاجه وخدمه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَفَاتِيح الْجنَّة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ والدارمي عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَفَاتِيح الْجنَّة الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد والدارمي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْكُم من أحد يسبغ الْوضُوء ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا فتحت لَهُ من الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب من أَيهَا شَاءَ دخل

(7/265)


وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من عبد يُصَلِّي الصَّلَوَات الْخمس ويصوم رَمَضَان وَيخرج الزَّكَاة ويجتنب الْكَبَائِر السَّبع إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عتبَة بن عبد الله السّلمِيّ رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من عبد يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا تلقوهُ من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية
من أَيهَا شَاءَ دخل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ لَهُ بنتان أَو أختَان أَو عمتان أَو خالتان فَعَالَهُنَّ فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا امْرَأَة اتقت رَبهَا وحفظت فرجهَا فتحت لَهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة فَقيل لَهَا: ادخلي من حَيْثُ شِئْت
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا يَنْفَعهُمْ الله بهَا قيل لَهُ: أَدخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شِئْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَلام عَلَيْكُم طبتم} قَالَ: كُنْتُم طيبين بِطَاعَة الله

الْآيَات 74 - 75

(7/266)


وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأورثنا الأَرْض} قَالَ: أَرض الْجنَّة
وَأخرج هناد عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} قَالَ: انْتَهَت مشيئتهم إِلَى مَا أعْطوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن أَرض الْجنَّة قَالَ: هِيَ بَيْضَاء نقية
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرض الْجنَّة رُخَام من فضَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} قَالَ: مديرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} قَالَ: محدقين بِهِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جبل الْخَلِيل وَالطور والجودي يكون كل وَاحِد مِنْهُم يَوْم الْقِيَامَة لؤلؤة بَيْضَاء تضيء مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
يَعْنِي يرجعن إِلَى بَيت الْمُقَدّس حَتَّى يجعلن فِي زواياه وَيَضَع عَلَيْهَا كرسيه حَتَّى يقْضى بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار {الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش يسبحون بِحَمْد رَبهم وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين} قَالَ: افْتتح أول الْخلق بِالْحَمْد وَختم بِالْحَمْد فتح بقوله {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَختم بقوله {وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من أَرَادَ أَن يعرف قَضَاء الله فِي خلقه فليقرأ آخر سُورَة الزمر

(7/267)