الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (40)
سُورَة غَافِر
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة سُورَة غَافِر أخرج ابْن الضريس والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت الحواميم السَّبع بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخْبرنِي مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا أنزلت بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت الحواميم جَمِيعًا بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت حم (الْمُؤمن) بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله أَعْطَانِي السَّبع مَكَان التَّوْرَاة وَأَعْطَانِي الراآت إِلَى الطواسين
مَكَان الْإِنْجِيل وَأَعْطَانِي مَا بَين الطواسين إِلَى الحواميم مَكَان الزبُور وفضلني بالحواميم والمفصل
مَا قرأهن نَبِي قبلي
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن لكل شَيْء لبابا وَإِن لباب الْقُرْآن الحواميم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الحواميم ديباج الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو عبيد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا وَقعت فِي الحواميم وَقعت فِي روضات أتأنق فِيهِنَّ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَحميد بن زَنْجوَيْه
من وَجه آخر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن مثل الْقُرْآن كَمثل رجل انْطلق يرتاد لأَهله منزلا فَمر

(7/268)


بأثر غيث فَبَيْنَمَا هُوَ يسير فِيهِ ويتعجب مِنْهُ إِذْ هَبَط على روضات دمثات فَقَالَ: عجبت من الْغَيْث الأول فَهَذَا أعجب وأعجب
فَقيل لَهُ: إِن مثل الْغَيْث الأول كَمثل عظم الْقُرْآن وَإِن مثل هَؤُلَاءِ الروضات الدمثات مثل آل حم فِي الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَأَبُو النَّعيم والديلمي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الحواميم ديباج الْقُرْآن
وَأخرج الديلمي وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا الحواميم رَوْضَة من رياض الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْخَلِيل بن مرّة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الحواميم سبع وأبواب جَهَنَّم سبع تَجِيء كل حم مِنْهَا تقف على بَاب من هَذِه الْأَبْوَاب تَقول: اللَّهُمَّ لَا تدخل من هَذَا الْبَاب من كَانَ يُؤمن بِي ويقرأني
وَأخرج الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن سعد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: كن الحواميم يسمين العرائس
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن سعد وَمُحَمّد بن نصر وَالْحَاكِم عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
أَنه بنى مَسْجِدا فَقيل لَهُ: مَا هَذَا فَقَالَ لآل حم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (حم) إِلَى (وَإِلَيْهِ الْمصير) (غَافِر الْآيَة 1 - 3) وَآيَة الْكُرْسِيّ حِين يصبح حُفِظَ بهما حَتَّى يُمْسِي وَمن قرأهما حِين يُمْسِي حُفِظَ بهما حَتَّى يصبح

الْآيَة 1 - 3

(7/269)


حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)

أخرج ابْن الضريس عَن إِسْحَق بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لكل شَجَرَة ثمراً وَإِن ثَمَرَات الْقُرْآن ذَوَات (حم) من روضات

(7/269)


مخصبات معشبات ومتجاورات فَمن أحب أَن يرتع فِي رياض الْجنَّة فليقرأ الحواميم وَمن قَرَأَ سُورَة الدُّخان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة أصبح مغفوراً لَهُ وَمن قَرَأَ ألم تَنْزِيل السَّجْدَة وتبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك فِي يَوْم وَلَيْلَة فَكَأَنَّمَا وَافق لَيْلَة الْقدر وَمن قَرَأَ إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ قل هُوَ الله أحد عشر مَرَّات بنى الله لَهُ قصرا فِي الْجنَّة
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: إِذن نَسْتَكْثِر من الْقُصُور فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أَكثر وَأطيب وَمن قَرَأَ أقل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس لم يَبْقَ شَيْء من الْبشر إِلَّا قَالَ: أَي رب أعذه من شري وَمن قَرَأَ أم الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ أَلْهَاكُم التكاثر فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ألف آيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {حم} اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأَبُو عبيد وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْمُهلب بن أبي صفرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي من سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن قُلْتُمْ اللَّيْلَة (حم) لَا ينْصرُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّكُم تلقونَ عدوّكم غداًَ فَلْيَكُن شِعَاركُمْ {حم} لَا ينْصرُونَ
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انهزم الْمُسلمُونَ بِخَيْبَر فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفْنَة من تُرَاب حفنها فِي وُجُوههم وَقَالَ {حم} لَا ينْصرُونَ فَانْهَزَمَ الْقَوْم وَمَا رميناهم بِسَهْم وَلَا طعن بِرُمْح
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن شيبَة بن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر تنَاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحَصَى ينْفخ فِي وُجُوههم وَقَالَ: شَاهَت الْوُجُوه {حم} لَا ينْصرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن يزِيد بن الْأَصَم رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ ذَا بَأْس وَكَانَ من أهل الشَّام وَأَن عمر فَقده فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ: فِي الشَّرَاب فَدَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ كَاتبه فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ: من عمر بن الْخطاب إِلَى فلَان بن فلَان

(7/270)


سَلام عَلَيْكُم فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} ثمَّ دَعَا وَأمن من عِنْده فدعوا لَهُ أَن يقبل الله عَلَيْهِ بِقَلْبِه وَأَن يَتُوب الله عَلَيْهِ
فَلَمَّا أَتَت الصَّحِيفَة الرجل جعل يَقْرَأها وَيَقُول {غَافِر الذَّنب} قد وَعَدَني أَن يغْفر لي {وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب} قد حذرني الله عِقَابه {ذِي الطول} الْكثير الْخَيْر {إِلَيْهِ الْمصير} فَلم يزل يُرَدِّدهَا على نَفسه حَتَّى بَكَى ثمَّ نزع فاحسن النزع
فَلَمَّا بلغ عمر رَضِي الله عَنهُ أمره قَالَ: هَكَذَا فافعلوا إِذا رَأَيْتُمْ حالكم فِي زلَّة فَسَدِّدُوهُ ووفقوه وَادعوا الله لَهُ أَن يَتُوب عَلَيْهِ وَلَا تَكُونُوا أعواناً للشَّيْطَان عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ شَاب بِالْمَدِينَةِ صَاحب عبَادَة وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يُحِبهُ فَانْطَلق إِلَى مصر فانفسد فَجعل لَا يمْتَنع من شَرّ فَقدم على عمر رَضِي الله عَنهُ بعض أَهله فَسَأَلَهُ حَتَّى سَأَلَهُ عَن الشَّاب فَقَالَ: لَا تَسْأَلنِي عَنهُ قَالَ: لم قَالَ: لِأَنَّهُ قد فسد وخلع فَكتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ: من عمر إِلَّا فلَان {حم تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} فَجعل يَقْرَأها على نَفسه فَأقبل بِخَير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {غَافِر الذَّنب وقابل التوب} قَالَ {غَافِر الذَّنب} لمن لم يتب {وقابل التوب} لمن تَابَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق السبيعِي قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن قتلت فَهَل لي من تَوْبَة فَقَرَأَ عَلَيْهِ {حم تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب} وَقَالَ: اعْمَلْ وَلَا تيأس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ذِي الطول} السعَة والغنى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ذِي الطول} قَالَ: ذِي الْغنى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ذِي الطول} قَالَ: ذِي النعم

(7/271)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ذِي الطول} قَالَ: ذِي الْمَنّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {غَافِر الذَّنب وقابل التوب} قَالَ {غَافِر الذَّنب} لمن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله {وقابل التوب} لمن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله {شَدِيد الْعقَاب} لمن لَا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله {ذِي الطول} ذِي الْغنى {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} كَانَت كفار قُرَيْش لَا يوحدونه فَوحد نَفسه {إِلَيْهِ الْمصير} مصير من يَقُول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فيدخله الْجنَّة ومصير من لَا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فيدخله النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت الْبنانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ مُصعب بن الزبير رَضِي الله عَنهُ فِي سَواد الْكُوفَة فَدخلت حَائِطا أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فافتتحت {حم} الْمُؤمن حَتَّى بلغت {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} فَإِذا خَلْفي رجل على بغلة شهباء عَلَيْهِ مقطنات يمنية فَقَالَ: إِذا قلت {وقابل التوب} فَقل: يَا قَابل التوب اقبل تَوْبَتِي وَإِذا قلت {شَدِيد الْعقَاب} فَقل: يَا شَدِيد الْعقَاب لَا تعاقبني وَلَفظ ابْن أبي شيبَة اعْفُ عني وَإِذ قلت {ذِي الطول} فَقل: يَا ذَا الطول طل عَليّ بِخَير قَالَ: فقلتها ثمَّ الْتفت فَلم أر أحدا فَخرجت إِلَى الْبَاب فَقلت: مر بكم رجل عَلَيْهِ مقطنات يمينة قَالُوا: مارأينا أحدا
كَانُوا يَقُولُونَ أَنه إلْيَاس

الْآيَات 4 - 6

(7/272)


مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يُجَادِل فِي آيَات الله إِلَّا الَّذين كفرُوا} وَنزلت فِي الْحَرْث بن قيس السّلمِيّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن جدالاً فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مراء فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي جهم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اخْتلف رجلَانِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آيَة فَقَالَ أَحدهمَا: تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الآخر أَنا تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأتيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذكرا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف وَإِيَّاكُم والمراء فِيهِ فَإِن المراء كفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جِدَال فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا يغررك تقلبهم فِي الْبِلَاد} قَالَ: إقبالهم وإدبارهم وتقلبهم فِي أسفارهم
وَفِي قَوْله {والأحزاب من بعدهمْ} قَالَ: من بعد قوم نوح عَاد وَثَمُود وَتلك الْقُرُون
كَانُوا أحزاباً على الْكفَّار {وهمت كل أمة برسولهم} ليأخذوه فيقتلوه {وَكَذَلِكَ حقت كلمة رَبك على الَّذين كفرُوا} قَالَ: حق عَلَيْهِم الْعَذَاب بأعمالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا يغررك تقلبهم فِي الْبِلَاد} قَالَ: فسادهم فِيهَا وكفرهم {فَأَخَذتهم فَكيف كَانَ عِقَاب} قَالَ: وَالله شَدِيد الْعقَاب
أما قَوْله تَعَالَى: {وجادلوا بِالْبَاطِلِ ليدحضوا بِهِ الْحق}
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعَان بَاطِلا ليدحض بباطله حَقًا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله

(7/273)


الْآيَات 7 - 9

(7/274)


الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)

أخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أذن لي أَن أحدث عَن ملك قد مرقت رِجْلَاهُ الأَرْض السَّابِعَة وَالْعرش على مَنْكِبَيْه وَهُوَ يَقُول: سُبْحَانَكَ أَيْن كنت وَأَيْنَ تكون
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أذن لي أَن أحدث عَن ملك من مَلَائِكَة الله من حَملَة الْعَرْش
مَا بَين شحمة أُذُنه إِلَى عَاتِقه مسيرَة سَبْعمِائة سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن حبَان بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة
أَقْدَامهم مثقفة فِي الأَرْض السَّابِعَة ورؤوسهم قد جَاوَزت السَّمَاء السَّابِعَة وقرونهم مثل طولهم عَلَيْهَا الْعَرْش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ذاذان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش أَرجُلهم فِي التخوم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يرفعوا أَبْصَارهم من شُعَاع النُّور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن هرون بن ربَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة يتجاوبون بِصَوْت رخيم
يَقُول أَرْبَعَة مِنْهُم: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك على عفوك بعد قدرتك
وَأَرْبَعَة مِنْهُم يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك على حلمك بعد علمك

(7/274)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي قبيل أَنه سمع عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة
مَا بَين موق أحدهم إِلَى مؤخرة عَيْنَيْهِ مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش الَّذِي يحملونه لكل ملك مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه وَأَرْبَعَة أَجْنِحَة جَنَاحَانِ على وَجهه ينظر إِلَى الْعَرْش فيصعق وجناحان يطير بهما
أَقْدَامهم فِي الثرى وَالْعرش على أكتافهم
لكل وَاحِد مِنْهُم وَجه ثَوْر وَوجه أَسد وَوجه إِنْسَان وَوجه نسر
لَيْسَ لَهُم كَلَام إِلَّا أَن يَقُولُوا: قدوس الله الْقوي مَلَأت عَظمته السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش أَرْبَعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أيدوا بأَرْبعَة آخَرين
ملك مِنْهُم فِي صُورَة إِنْسَان يشفع لبني آدم فِي أَرْزَاقهم وَملك مِنْهُم فِي صُورَة نسر يشفع للطير فِي أَرْزَاقهم وَملك مِنْهُم فِي صُورَة ثَوْر يشفع للبهائم فِي أَرْزَاقهم وَملك فِي صُورَة أَسد يشفع للسباع فِي أَرْزَاقهم
فَلَمَّا حملُوا الْعَرْش وَقَعُوا على ركبهمْ من عَظمَة الله فلقنوا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فاستووا قيَاما على أَرجُلهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي حَملَة الْعَرْش أَرْبَعَة أَمْلَاك
ملك على صُورَة سيد الصُّور وَهُوَ ابْن آدم وَملك على صُورَة سيد السبَاع وَهُوَ الْأسد وَملك على صُورَة سيد الْأَنْعَام وَهُوَ الثور فَمَا زَالَ غَضْبَان مذ يَوْم الْعجل إِلَى سَاعَتِي هَذِه وَملك على صُورَة سيد الطير وَهُوَ النسْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم سعد رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْعَرْش على ملك من لؤلؤة على صُورَة ديك رِجْلَاهُ فِي تخوم الأَرْض وجناحاه فِي الشرق وعنقه تَحت الْعَرْش
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش كلهم على صور
قيل: يَا عِكْرِمَة وَمَا صور فأمال خَدّه قَلِيلا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تَسْتَطِيع الْمَلَائِكَة الَّذين يحملون الْعَرْش أَن ينْظرُوا إِلَى مَا فَوْقهم من شُعَاع النُّور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس

(7/275)


رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حَملَة الْعَرْش مَا بَين منْكب أحدهم إِلَى أَسْفَل قَدَمَيْهِ مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَذكر: إِن خطْوَة تِلْكَ الْملك مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش أَرجُلهم فِي الأَرْض السُّفْلى ورؤوسهم قد خرقت الْعَرْش وهم خشوع لَا يرفعون طرفهم وهم أَشد خوفًا من أهل السَّمَاء السَّابِعَة وَأهل السَّمَاء السَّابِعَة أَشد خوفًا من أهل السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا وَأهل السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا أَشد خوفًا من الَّتِي تَلِيهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش مِنْهُم من صورته صُورَة الإِنسان وَمِنْهُم من صورته صُورَة النسْر وَمِنْهُم من صورته صُورَة الثور وَمِنْهُم من صورته صُورَة الْأسد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة الَّذين يحملون الْعَرْش يَتَكَلَّمُونَ بِالْفَارِسِيَّةِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أَصْحَابه فَقَالَ: مَا جمعكم قَالُوا: اجْتَمَعنَا نذْكر رَبنَا ونتفكر فِي عَظمته فَقَالَ: لن تدركوا التفكر فِي عَظمته
أَلا أخْبركُم بِبَعْض عَظمَة ربكُم قيل: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: إِن ملكا من حَملَة الْعَرْش يُقَال لَهُ إسْرَافيل زَاوِيَة من زَوَايَا الْعَرْش على كَاهِله
قد مرقت قدماه فِي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى ومرق رَأسه من السَّمَاء السَّابِعَة فِي مثله من خَلِيقَة ربكُم تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة الَّذين يحملون الْعَرْش فَالَّذِينَ حوله الْمَلَائِكَة يسبحون بِحَمْد رَبهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا} قَالَ مطرف بن عبد الله بن الشخير: وجدنَا أنصح عباد الله لِعِبَادِهِ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام وَوجدنَا أغش عباد الله لِعِبَادِهِ الشَّيَاطِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة {الَّذين يحملون الْعَرْش} فِي قَوْله فَاغْفِر للَّذين تَابُوا من الشّرك وَاتبعُوا سَبِيلك قَالَ: طَاعَتك وَفِي قَوْله {وأدخلهم جنَّات عدن} قَالَ: إِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا كَعْب مَا عدن قَالَ: قُصُور من ذهب فِي الْجنَّة

(7/276)


يسكنهَا النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وأئمة الْعدْل وَفِي قَوْله {وقهم السيئآت} قَالَ: الْعَذَاب

الْآيَة 10

(7/277)


إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)

أخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة فَرَأَوْا مَا صَارُوا إِلَيْهِ مقتوا أنفسهم فَقيل لَهُم {لمقت الله} إيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ تدعون إِلَى الإِيمان فتكفرون {أكبر من مقتكم أَنفسكُم} الْيَوْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: مقتوا أنفسهم لما دخل الْمُؤْمِنُونَ الْجنَّة وأدخلوا النَّار فَأَكَلُوا أناملهم من المقت قَالَ: ينادون فِي النَّار {لمقت الله} إيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ تدعون إِلَى الإِيمان فتكفرون {أكبر من مقتكم أَنفسكُم} فِي النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} الْآيَة
يَقُول: لمقت الله أهل الضَّلَالَة حِين يعرض عَلَيْهِم الإِيمان فِي الدُّنْيَا فَتَرَكُوهُ وَأَبُو أَن يقبلُوا أكبر مِمَّا مقتوا أنفسهم حِين عاينوا عَذَاب الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن زر الْهَمدَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} قَالَ: هَذَا شَيْء يُقَال لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حِين مقتوا أنفسهم فَيُقَال لَهُم {لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} قَالَ: مقتوا أنفسهم حِين عاينوا عَذَاب الله يَوْم الْقِيَامَة حِين مقتوا أنفسهم الْآن حِين علمْتُم أَنكُمْ من أَصْحَاب النَّار

الْآيَات 11 - 13

(7/277)


قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ: هِيَ مثل الَّتِي فِي الْبَقَرَة (كُنْتُم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ) (الْبَقَرَة الْآيَة 28) كَانُوا أموتا فِي أصلاب آبَائِهِم ثمَّ أخرجهم فأحياهم ثمَّ يميتهم ثمَّ يحييهم بعد الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ: كُنْتُم أَمْوَاتًا قبل أَن يخلقكم فَهَذِهِ ميتَة ثمَّ أحياكم فَهَذِهِ حَيَاة ثمَّ يميتكم فترجعون إِلَى الْقُبُور فَهَذِهِ ميتَة أُخْرَى ثمَّ يبعثكم يَوْم الْقِيَامَة فَهَذِهِ حَيَاة فهما ميتَتَانِ وحياتان
فَهُوَ كَقَوْلِه (كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون) (الْبَقَرَة الْآيَة 28)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا أَمْوَاتًا فأحياهم الله تَعَالَى فأماتهم ثمَّ يحييهم الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ: كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أصلاب آبَائِهِم فأحياهم الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا ثمَّ أماتهم الموتة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا ثمَّ أحياهم للبعث يَوْم الْقِيَامَة
فهما حياتان وموتتان {فاعترفنا بذنوبنا فَهَل إِلَى خُرُوج من سَبِيل} فَهَل إِلَى كرة إِلَى الدُّنْيَا من سَبِيل

الْآيَة 14

(7/278)


فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)

أخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول دبر الصَّلَاة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وهوعلى كل شَيْء قدير
وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ

الْآيَات 15 - 16

(7/278)


رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يلقِي الرّوح من أمره} قَالَ: الْوَحْي وَالرَّحْمَة {لينذر يَوْم التلاق} قَالَ: يَوْم يتلاقى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض والخالق وخلقه {يَوْم هم بارزون} وَلَا يسترهم جبل وَلَا شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يَوْم التلاق وَيَوْم الآزفة وَنَحْو هَذَا من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة عَظمَة الله وحذره عباده
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يَوْم هم بارزون لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء} قَالَ: وَالْيَوْم لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء وَلَكنهُمْ برزوا لله يَوْم الْقِيَامَة لَا يستترون بجبل وَلَا مدر
وَأخرج عبد بن حميد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُنَادي مُنَاد بَين يَدي السَّاعَة: يَا أَيهَا النَّاس أتتكم السَّاعَة فيسمعها الْأَحْيَاء والأموات وَينزل الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول {لمن الْملك الْيَوْم لله الْوَاحِد القهار}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْبَعْث والديلمي عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُنَادي مُنَاد بَين الصَّيْحَة: يَا أَيهَا النَّاس أتتكم السَّاعَة - وَمد بهَا صَوته يسمعهُ الْأَحْيَاء والأموات - وَينزل الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ثمَّ يُنَادي مُنَاد: لمن الْملك الْيَوْم

لله الْوَاحِد القهار

الْآيَة 17

(7/279)


الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)

أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي حَدِيث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقصاص فَأتيت بعير فشددت عَلَيْهِ رحلي ثمَّ سرت إِلَيْهِ شهرا حَتَّى قدمت مصر فَأتيت عبد الله بن أنيس فَقلت لَهُ: حَدِيث بَلغنِي عَنْك فِي الْقصاص فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:

(7/279)


يحْشر الله الْعباد حُفَاة عُرَاة غرلًا
قُلْنَا مَا هما قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب
أَنا الْملك أَنا الديَّان لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة وَلَا لأحد من أهل النَّار أَن يدْخل النَّار وَعِنْده مظْلمَة حَتَّى أقصه مِنْهَا حَتَّى اللَّطْمَة
قُلْنَا كَيفَ وان نأتي الله غرلًا بهما قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ والسيئآت وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْيَوْم تجزى كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الذُّنُوب ثَلَاثَة
فذنب يغْفر وذنب لَا يغْفر وذنب لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء
فالذنب الَّذِي يغْفر العَبْد يُذنب الذَّنب فيستغفر الله فَيغْفر لَهُ وَأما النذب الَّذِي لَا يغْفر فالشرك وَأما الذَّنب الَّذِي لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء فمظلمة الرجل أَخَاهُ
ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {الْيَوْم تجزى كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب} يُؤْخَذ للشاة الْجَمَّاء من ذَات الْقُرُون بِفضل نطحها
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يجمع الله الْخلق يَوْم الْقِيَامَة بصعيد وَاحِد بِأَرْض بَيْضَاء كَأَنَّهَا سبيكة فضَّة لم يعْص الله عَلَيْهَا قطّ وَلم يخط فِيهَا
فَأول مَا يتَكَلَّم أَن يُنَادي مُنَاد: لمن الْملك الْيَوْم

لله الْوَاحِد القهار {الْيَوْم تجزى كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب} فَأول مَا يبدؤن بِهِ من الْخُصُومَات الدِّمَاء فَيُؤتى بالقاتل والمقتول فَيَقُول: سل عَبدك هَذَا فيمَ قتلتني فَيَقُول: نعم
فَإِن قَالَ قتلته لتَكون الْعِزَّة لله فَإِنَّهَا لَهُ وَإِن قَالَ قتلته لتَكون الْعِزَّة لفُلَان فَإِنَّهَا لَيست لَهُ ويبوء بإئمه فيقتله
وَمن كَانَ قتل بالغين مَا بلغُوا ويذوقوا الْمَوْت كَمَا ذاقوه فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه بسندٍ واهٍ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ولدتهم أمهاتهم
حُفَاة عُرَاة غرلًا
فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: واسوأتاه

ينظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَضرب على منكبها وَقَالَ: يَا بنت أبي قُحَافَة شغل النَّاس يَوْمئِذٍ عَن النّظر وَسموا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاء موقوفون أَرْبَعِينَ سنة
لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يَتَكَلَّمُونَ سامين أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء
يلجمهم الْعرق فَمنهمْ من بلغ الْعرق قَدَمَيْهِ وَمِنْهُم من بلغ سَاقيه وَمِنْهُم من بلغ فَخذيهِ
وبطنه وَمِنْهُم من يلجمه الْعرق

(7/280)


ثمَّ يرحم بعد ذَلِك على الْعباد فيأمر الْمَلَائِكَة المقربين فيحملون عرش الرب عز وَجل حَتَّى يوضع فِي أَرض بَيْضَاء كَأَنَّهَا الْفضة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل فِيهَا خَطِيئَة وَذَلِكَ أول يَوْم نظرت عين إِلَى الله تَعَالَى
ثمَّ تقوم الْمَلَائِكَة (حافين من حول الْعَرْش) (الزمر 75) ثمَّ يُنَادي منادٍ فينادي بِصَوْت يسمع الثقلَيْن الْجِنّ والإِنس يستمع النَّاس لذَلِك الصَّوْت ثمَّ يخرج الرجل من الْموقف فيعرق النَّاس كلهم ثمَّ يعرق بِأخذ حَسَنَاته فَتخرج مَعَه فَيخرج بِشَيْء لم ير النَّاس مثله كَثْرَة وَيعرف النَّاس تِلْكَ الْحَسَنَات فَإِذا وقف بَين يَدي رب الْعَالمين قَالَ: أَيْن أَصْحَاب الْمَظَالِم فَيَقُول لَهُ الرَّحْمَن تَعَالَى: أظلمت فلَان بن فلَان فِي كَذَا وَكَذَا

فَيَقُول: نعم يَا رب وَذَلِكَ (يَوْم تشهد عَلَيْهِ ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ) (النُّور 24) فَإِذا فرغ من ذَلِك فَيُؤْخَذ من حَسَنَاته فيدع إِلَى من ظلمه
وَذَلِكَ يَوْم لَا دِينَار وَلَا دِرْهَم إِلَّا أَخذ من الْحَسَنَات وَترك من السيئآت فَإِذا لم يبْق حَسَنَة قَالَ: من بَقِي يَا رَبنَا مَا بَال غَيرنَا استوفوا حُقُوقهم وَبَقينَا قيل: لَا تعجلوا فَيُؤْخَذ من سيئآتهم عَلَيْهِ فَإِذا لم يبْق أحد يَطْلُبهُ قيل لَهُ ارْجع إِلَى أمك الهاوية فَإِنَّهُ {لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب} وَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا صديق وَلَا شَهِيد إِلَّا ظن أَنه لم ينج لما رأى من شدَّة الْحساب

الْآيَة 18

(7/281)


وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} قَالَ: السَّاعَة {إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر} قَالَ: وَقعت فِي حَنَاجِرهمْ من المخافة فَلَا تخرج وَلَا تعود إِلَى أماكنها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر} قَالَ: إِذا عاين أهل النَّار النَّار حَتَّى تبلغ حَنَاجِرهمْ فَلَا تخرج فيموتون وَلَا ترجع

(7/281)


إِلَى أماكنها من أَجْوَافهم
وَفِي قَوْله {كاظمين} قَالَ: بَاكِينَ

الْآيَات 19 - 20

(7/282)


يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)

أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور} قَالَ: الرجل يكون فِي الْقَوْم فتمر بهم الْمَرْأَة فيريهم أَنه يغض بَصَره عَنْهَا وَإِذا غفلوا لحظ إِلَيْهَا وَإِذا نظرُوا غض بَصَره عَنْهَا وَقد اطلع الله من قلبه أَنه ودَّ أَنه ينظر إِلَى عورتها
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: نظرت اليها لتريد الْخِيَانَة أم لَا {وَمَا تخفي الصُّدُور} قَالَ: إِذا قدرت عَلَيْهَا أتزني بهَا أم لَا أَلا أخْبركُم {وَالله يقْضِي بِالْحَقِّ} قَادر على أَن يَجْزِي بِالْحَسَنَة الْحَسَنَة وبالسيئة السَّيئَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: يعلم همزه وإضمامه بِعَيْنيهِ فِيمَا لَا يحب الله تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: نظر الْعين إِلَى مَا نهي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: كَانَ الرجل يدْخل على الْقَوْم فِي الْبَيْت وَفِي الْبَيْت امْرَأَة فيرفع رَأسه فيلحظ إِلَيْهَا ثمَّ ينكس
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أَمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ: أقتلوهم وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة مِنْهُم عبد الله بن سعد بن أبي سرح
فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ

(7/282)


فَقَالَ: يَا رَسُول الله بَايع عبد الله
فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى يبايعه ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين رَآنِي كَفَفْت يَدي عَن بيعَته فيقتله فَقَالُوا: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُول الله مَا فِي نَفسك هلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك قَالَ: أَنه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أم معبد رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وعملي من الرِّيَاء ولساني من الْكَذِب وعيني من الْخِيَانَة فَإنَّك تعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالله يقْضِي بِالْحَقِّ} قَالَ: قَادر على أَن يقْضِي بِالْحَقِّ {وَالَّذين يدعونَ من دونه} لَا يقدرُونَ على أَن يقضوا بِالْحَقِّ

من آيَة 21 - 22

(7/283)


أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كَانَ لَهُم من الله من واق} قَالَ: من واق يقيهم وَلَا يَنْفَعهُمْ

من آيَة 23 - 27

(7/283)


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ من عندنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبنَاء الَّذين آمنُوا}
قَالَ: هَذَا بعد الْقَتْل الأول وَلَفظ عبد بن حميد هَذَا قتل غير الْقَتْل الأوّل الَّذِي كَانَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَ فِرْعَوْن ذروني أقتل مُوسَى} قَالَ: أنظر من يمنعهُ مني
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} قَالَ: أَن يقتلُوا أبناءكم ويستحيوا نساءكم إِذا ظَهَرُوا عَلَيْكُم كَمَا كُنْتُم تَفْعَلُونَ بهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ} أَي أَمركُم الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ {أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} وَالْفساد عِنْده أَن يعْمل بِطَاعَة الله (إِن الله لَا يهدي من هُوَ مُسْرِف كَذَّاب) قَالَ: الْمُشرك أسرف على نَفسه بالشرك

الْآيَة 28

(7/284)


وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يكن فِي آل فِرْعَوْن مُؤمن غَيره وَغير امْرَأَة فِرْعَوْن وَغير الْمُؤمن الَّذِي أنذر مُوسَى عَلَيْهِ

(7/284)


السَّلَام
الَّذِي قَالَ: أَن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك) قَالَ ابْن الْمُنْذر أخْبرت ان اسْمه حزقيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سم الرجل الَّذِي آمن من آل فِرْعَوْن حبيب
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ أَخْبرنِي بأشد شَيْء صنعه الْمُشْركُونَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِفنَاء الْكَعْبَة إِذْ أقبل عقبَة بن أبي معيط فَأخذ بمنكب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولوى ثَوْبه فِي عُنُقه فخنقه خنقاً شَدِيدا فَأقبل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَأخذ بمنكبيه وَدفعه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ قَالَ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَقد جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا كَانَ أَشد من أَن طَاف بِالْبَيْتِ ضحى فَلَقوهُ حِين فرغ فَأخذُوا بِمَجَامِع رِدَائه وَقَالُوا: أَنْت الَّذِي تَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يعبد آبَاؤُنَا قَالَ: أَنا ذَاك
فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَالْتَزمهُ من وَرَائه ثمَّ قَالَ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَقد جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم وَإِن يَك كَاذِبًا فَعَلَيهِ كذبه وَإِن يَك صَادِقا يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم إِن الله لَا يهدي من هُوَ مُسْرِف كَذَّاب} رَافعا صَوته بذلك وَعَيناهُ يسحان حَتَّى أَرْسلُوهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ضربوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى غشي عَلَيْهِ
فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَجعل يُنَادي وَيْلكُمْ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} قَالُوا: من هَذَا قَالَ: هَذَا ابْن أبي قُحَافَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا
نَحوه
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس أخبروني بأشجع النَّاس قَالُوا: أَنْت
قَالَ: لَا
قَالُوا: فَمن قَالَ: أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخذته قُرَيْش
هَذَا يحثه وَهَذَا يبلبله وهم يَقُولُونَ: أَنْت الَّذِي جعلت الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا قَالَ: فوَاللَّه مَا دنا منا أحد

(7/285)


إِلَّا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
يضْرب هَذَا ويجاهد هَذَا وَهُوَ يَقُول وَيْلكُمْ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} ثمَّ رفع عَليّ رَضِي عَنهُ بردة كَانَت عَلَيْهِ فَبكى حَتَّى اخضلت لحيته ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه أمؤمن آل فِرْعَوْن خير أم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ خير من مُؤمن آل فِرْعَوْن ذَاك رجل يكتم إيمَانه وَهَذَا رجل أعلن إيمَانه

الْآيَة 29 - 31

(7/286)


يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {مثل دأب} مثل حَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {مثل دأب قوم نوح} قَالَ: هم الْأَحْزَاب {قوم نوح وعادٍ وَثَمُود}

الْآيَات 32 - 33

(7/286)


وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)

أخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر الله السَّمَاء الدُّنْيَا فتشققت بِأَهْلِهَا فَتكون الْمَلَائِكَة على حافتها حَتَّى يَأْمُرهُم الرب فينزلون فيحيطون بِالْأَرْضِ وَمن بهَا ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة ثمَّ الرَّابِعَة ثمَّ الْخَامِسَة ثمَّ السَّادِسَة ثمَّ السَّابِعَة
فصفوا صفا دون صف ثمَّ ينزل الْملك الْأَعْلَى ليسري جَهَنَّم فَإِذا رَآهَا أهل الأَرْض هربوا فَلَا يأْتونَ قطراً من أقطار الأَرْض إِلَّا وجدوا سَبْعَة صُفُوف من الْمَلَائِكَة فيرجعون إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ
فَذَلِك قَوْله {يَوْم التناد} يَعْنِي بتَشْديد الدَّال {يَوْم تولون مُدبرين مَا لكم من الله من عَاصِم}

(7/286)


وَذَلِكَ قَوْله (وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم) (الْفجْر الْآيَة 22 - 23) وَقَوله (يَا معشر الْجِنّ والإِنس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان) (الرَّحْمَن الْآيَة 33) وَقَوله (وانشقت السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية وَالْملك على أرجائها) (الحاقة الْآيَة 17) يَعْنِي مَا تشقق فِيهَا
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ سمعُوا الصَّوْت فَأَقْبَلُوا إِلَى الْحساب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْم التناد} قَالَ: يُنَادى كل قوم بأعمالهم
فنادي أهل النَّار أهل الْجنَّة
وَأهل الْجنَّة أهل النَّار {يَوْم تولون مُدبرين} إِلَى النَّار {مَا لكم من الله من عَاصِم} أَي من نَاصِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد} قَالَ: يُنَادي أهل الْجنَّة أهل النَّار (أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا) (الْأَعْرَاف الْآيَة 44) قَالَ: وينادي أهل النَّار أهل الْجنَّة (أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله) (الْأَعْرَاف الْآيَة 50)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يَوْم تولون مُدبرين} قَالَ: قَادِرين غير معجزين

الْآيَات 34 - 38

(7/287)


وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ: رُؤْيا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان} قَالَ: بِغَيْر برهَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ حسن عِنْد الله وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ سَيِّئًا فَهُوَ سيء عِنْد الله
وَكَانَ الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ يتَأَوَّل بعده {كبر مقتاً عِنْد الله وَعند الَّذين آمنُوا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ {كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر} مُضَاف لَا ينون فِي قلب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هامان ابْن لي صرحاً} قَالَ: كَانَ أوّل من بنى بِهَذَا الْآجر وطبخه {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب} قَالَ: الْأَبْوَاب {أَسبَاب} أَي أَبْوَاب {كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زيّن لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل} قَالَ: فعل ذَلِك بِهِ {زيّن لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل وَمَا كيد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تباب} أَي فِي ضلال وخسار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا هامان ابنِ لي صرحاً} قَالَ: اَوْقِدْ على الطين حَتَّى يكون الآجُرُّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنْهُم فِي قَوْله {أَسبَاب السَّمَاوَات} قَالَ: طرق السَّمَوَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا فِي تباب} قَالَ: خسران
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فِي تباب} قَالَ: فِي خسارة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (وصدوا عَن السَّبِيل) بِرَفْع الصَّاد

الْآيَات 39 - 40

(7/288)


يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة
سَبْعَة آلَاف سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاع وَلَيْسَ من مَتَاعه شَيْء خيرا من الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظرت إِلَيْهَا سرتك وَإِذا غبت عَنْهَا حفظتك فِي نَفسهَا وَمَالك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإِن الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرار} اسْتَقَرَّتْ الْجنَّة بِأَهْلِهَا واستقرت النَّار بِأَهْلِهَا {من عمل سَيِّئَة} قَالَ: الشّرك {فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا وَمن عمل صَالحا} أَي خيرا {من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب} لَا وَالله مَا هُنَاكَ مكيال وَلَا ميزَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة بِنصب الْيَاء

الْآيَات 41 - 45

(7/289)


وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَا قوم مَا لي أدعوكم إِلَى النجَاة} قَالَ: إِلَى الإِيمان وَفِي قَوْله {لَا جرم إِنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا} قَالَ: الوثن لَيْسَ بِشَيْء {وَإِن المسرفين} السفاكين الدِّمَاء بِغَيْر حَقّهَا {هم أَصْحَاب النَّار}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ {لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة} قَالَ: لَا يضر وَلَا ينفع {وَإِن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار} قَالَ: [] جَمِيع أَصْحَابنَا {وَإِن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار}
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فوقاه الله سيئآت مَا مكروا} قَالَ: كَانَ قبطياً من قوم فِرْعَوْن فنجا مَعَ مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل حِين نَجوا

الْآيَات 46 - 50

(7/290)


النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)

أخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن هُذَيْل بن شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود تَغْدُو وَتَروح على النَّار
فَذَلِك عرضهَا وأرواح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر وَأَوْلَاد الْمُسلمين الَّذين لم يبلغُوا الْحِنْث فِي أَجْوَاف عصافير من عصافير الْجنَّة ترعى وتسرح

(7/290)


وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء قَالَ: تجْعَل أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر تسرح فِي الْجنَّة وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى قناديل من ذهب معلقَة بالعرش فتأوي فِيهَا
قيل فأرواح الْكفَّار قَالَ: تُوجد أَرْوَاحهم فتجعل فِي أَجْوَاف طير سود تَغْدُو وَتَروح على النَّار
ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر تسرح بهم فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءُوا وَإِن أَرْوَاح ولدان الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف عصافير تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَإِن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود تَغْدُو على جَهَنَّم وَتَروح
فَذَلِك عرضهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً} قَالَ: صباحاً وَمَسَاء
يُقَال لَهُم: هَذِه مَنَازِلكُمْ فانظروا إِلَيْهَا توبيخاً ونقمة وصغاراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً} قَالَ: مَا كَانَت الدُّنْيَا تعرض أَرْوَاحهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ لَهُ صرختان فِي كل يَوْم غدْوَة وَعَشِيَّة
كَانَ يَقُول أول النَّهَار: ذهب اللَّيْل وَجَاء النَّهَار وَعرض آل فِرْعَوْن على النَّار فَلَا يسمع أحد صَوته إِلَّا استعاذ بِاللَّه من النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَنه سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرو إِنَّا نرى طيراً أسود تخرج من الْبَحْر فوجاً فوجاً لَا يعلم عَددهَا إِلَّا الله تَعَالَى فَإِذا كَانَ الْعشَاء عَاد مثلهَا بيضًا قَالَ: وفطنتم لذَلِك قَالُوا: نعم
قَالَ: تِلْكَ فِي حواصلها أَرْوَاح آل فِرْعَوْن {يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً} فترجع وكورها وَقد أحرقت رياشها وَصَارَت سَوْدَاء فينبت عَلَيْهَا ريش أَبيض وتتناثر السود ثمَّ تعرض على النَّار ثمَّ ترجع إِلَى وكورها فَذَلِك دأبهم فِي الدُّنْيَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الله {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله

(7/291)


عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده من الْغَدَاة والعشي
إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار
يُقَال: هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة
زَاد ابْن مرْدَوَيْه {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أحسن محسن مُسلم أَو كَافِر إِلَّا أثابه الله
قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا إثابة الْكَافِر قَالَ: المَال وَالْولد وَالصِّحَّة وَأَشْبَاه ذَلِك
قُلْنَا: وَمَا إثابته فِي الْآخِرَة قَالَ: عذَابا دون الْعَذَاب
وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} قِرَاءَة مَقْطُوعَة الْألف

الْآيَات 51 - 55

(7/292)


إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)

أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من رد عَن عرض أَخِيه رد الله عَن وَجهه نَار جَهَنَّم
ثمَّ تَلا {إِنَّا لننصر رسلنَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا لننصر رسلنَا} الْآيَة
قَالَ: ذَلِك فِي الْحجَّة
يفتح الله حجتهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: لم يبْعَث الله

(7/292)


إِلَيْهِم من ينصرهم فيطلب بدمائهم مِمَّن فعل ذَلِك بهم فِي الدُّنْيَا وهم منصورون فِيهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم يقوم الأشهاد} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت الْأَعْمَش عَن قَوْله {وَيَوْم يقوم الأشهاد} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الأشهاد} مَلَائِكَة الله وأنبياؤه والمؤمنون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الأشهاد} أَرْبَعَة: الْمَلَائِكَة الَّذين يُحصونَ أَعمالنَا
وَقَرَأَ (وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد) (ق 21)
والنبيون شُهَدَاء على أممهم
وَقَرَأَ (فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد) (النِّسَاء 41)
وَأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُهَدَاء على الْأُمَم
وَقَرَأَ (لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس) (الْحَج 78)
والأجساد والجلود
وَقَرَأَ (وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء) (فصلت 21)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَسبح بِحَمْد رَبك بالْعَشي والإِبكار} قَالَ: صل لِرَبِّك {بالْعَشي والإِبكار} قَالَ: الصَّلَوَات المكتوبات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بالْعَشي والإِبكار} قَالَ: صَلَاة الْفجْر وَالْعصر

الْآيَات 56 - 59

(7/293)


إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)

أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْيَهُود أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الدَّجَّال يكون منا فِي آخر الزَّمَان وَيكون من أمره فَعَظمُوا أمره وَقَالُوا: يصنع كَذَا

فَأنْزل الله {إِن الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان أَتَاهُم إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر مَا هم ببالغيه} قَالَ: لَا يبلغ الَّذِي يَقُول {فاستعذ بِاللَّه} فَأمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يتَعَوَّذ من فتْنَة الدَّجَّال {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس} الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان} قَالَ: هم الْيَهُود نزلت فيهم فِيمَا ينتظرونه من أَمر الدَّجَّال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس} قَالَ: زَعَمُوا أَن الْيَهُود قَالُوا: يكون منا ملك فِي آخر الزَّمَان الْبَحْر إِلَى رُكْبَتَيْهِ والسحاب دون رَأسه يَأْخُذ الطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
مَعَه جبل خبز ونهر
فَنزلت {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر} قَالَ: عَظمَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
إِنَّمَا حملهمْ على التَّكْذِيب الزيغ الَّذِي فِي قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} قَالَ {الْأَعْمَى} الْكَافِر {والبصير} الْمُؤمن {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَلَا الْمُسِيء قَلِيلا مَا تتذكرون} قَالَ: هم فِي بغيهم بعد
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كَانَ من فتْنَة وَلَا تكون حَتَّى تقوم السَّاعَة أعظم من فتْنَة الدَّجَّال وَمَا من نَبِي إِلَّا حذر

(7/294)


قومه ولأخبرنكم عَنهُ بِشَيْء مَا أخبرهُ نَبِي قبلي فَوضع يَده على عينه ثمَّ قَالَ: أشهد أَن الله لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن عدي قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته الدَّجَّال
وَهُوَ أَعور بَين عَيْنَيْهِ طفرة مَكْتُوب عَلَيْهِ كَافِر مَعَه واديان
أَحدهمَا جنَّة وَالْآخر نَار
فناره جنَّة وجنته نَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن دَاوُد بن عَامر بن أبي وَقاص عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه لم يكن نَبِي قبلي إِلَّا وَقد وصف الدَّجَّال لأمته
وَلأَصِفَنَّهُ صفة لم يصفها أحد كَانَ قبلي إِنَّه أَعور وَإِن الله عز وَجل لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه لم يكن نَبِي إِلَّا قد أنذر قومه الدَّجَّال وَأَنا أنذركموه
فوصف لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: لَعَلَّه سيدركه بعض من رَآنِي وَسمع كَلَامي قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ قُلُوبنَا يَوْمئِذٍ قَالَ: مثلهَا الْيَوْم أَو خير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي خَاتم ألف نَبِي أَو أَكثر
مَا بعث نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته وَإِنِّي قد بَين لي من أمره مَا لم يتَبَيَّن لأحد وَإنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور وعينه الْيُمْنَى جاحظة كَأَنَّهَا فِي حَائِط مجصص وعينه الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَب دري مَعَه من كل لِسَان وَمَعَهُ صُورَة الْجنَّة خضراء يجْرِي فِيهَا المَاء وَمَعَهُ صُورَة النَّار سَوْدَاء تدخن
يتبعهُ من كل قوم يَدعُونَهُمْ بلسانهم إِلَيْهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بعث نَبِي إِلَّا أنذر أمته الْأَعْوَر والكذاب
أَلا أَنه أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور ومكتوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر
وَأخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن معَاذ بن جبل قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته الدَّجَّال وَإِنِّي أحذركم أمره إِنَّه أَعور وَإِن ربكُم عز وَجل لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه الْكَاتِب وَغير الْكَاتِب مَعَه جنَّة ونار فناره جنَّة وجنته نَار

(7/295)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لخاتم ألف نَبِي أَو أَكثر وَإنَّهُ لَيْسَ مِنْهُم نَبِي إِلَّا وَقد أنذر قومه الدَّجَّال وَإنَّهُ تبين لي مَا لم يتَبَيَّن لأحد مِنْهُم وَإنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ ذكر الدَّجَّال فَقَالَ: إِنِّي انذركموه وَمَا من نَبِي إِلَّا قد أنذر قومه
لقد أنذر نوح قومه
وَلَكِن سأقول لكم فِيهِ قولا لم يقلهُ نَبِي لِقَوْمِهِ تعلمُونَ إِنَّه أَعور وَإِن الله لَيْسَ بأعور
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عمر قَالَ: كُنَّا نُحدث بِحجَّة الْوَدَاع وَلَا نرى أَنه الْوَدَاع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْمَسِيح الدَّجَّال فأطنب فِي ذكره قَالَ: مَا بعث الله من نَبِي إِلَّا قد أنذر أمته
لقد أنذر نوح أمته والنبيون من بعده
إِلَّا مَا خَفِي عَلَيْكُم من شَأْنه فَلَا يخفين عَلَيْكُم
إِن ربكُم لَيْسَ بأعور
قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدَّجَّال أَعور الْعين عَلَيْهَا طفرة
مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدَّجَّال أَعور جعد حجان أَحْمَر كَانَ رَأسه غُصْن شَجَرَة
أشبه النَّاس بِعَبْد الْعُزَّى فَأَما هلك الهلك فَإِنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأَنا أعلم بِمَا مَعَ الدَّجَّال
مَعَه نهران يجريان
أَحدهمَا رأى الْعين نَار تتأجج فَمن أدْرك ذَلِك فليأت النَّار الَّذِي يرَاهُ فليغمض عَيْنَيْهِ ثمَّ يطأطىء رَأسه يشرب فَإِنَّهُ بَارِد وَإِن الدَّجَّال مَمْسُوح الْعين عَلَيْهِ طفرة غَلِيظَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَأها كل مُؤمن كَاتب وَغير كَاتب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الا أحدثكُم عَن الدَّجَّال حَدِيثا مَا حَدثهُ نَبِي قطّ
إِنَّه أَعور وَإنَّهُ يَجِيء مَعَه بِمثل الْجنَّة وَالنَّار فَالَّذِي يَقُول هِيَ الْجنَّة هِيَ النَّار إِنِّي أنذركم بِهِ كَمَا أنذر نوح قومه

(7/296)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سمع مِنْكُم بِخُرُوج الدَّجَّال فلينأى عَنهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِن الرجل يَأْتِيهِ وَهُوَ يحْسب أَنه مُؤمن فَمَا يزَال بِهِ حَتَّى يتبعهُ مِمَّا يرى من الشُّبُهَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كَانَ أحد يسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدَّجَّال أَكثر مني قَالَ: وَمَا تَسْأَلنِي عَنهُ قلت: إِن النَّاس يَقُولُونَ: إِن مَعَه الطَّعَام وَالشرَاب
قَالَ: هُوَ أَهْون على الله من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا تشهد أحدكُم فليستعذ بِاللَّه من شَرّ فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من نجا من ثَلَاثَة فقد نجا قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات قَالُوا: مَا ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: دَاء والدجال وَقتل خَليفَة يصطبر بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يمْكث النَّاس بعد خُرُوج الدَّجَّال أَرْبَعِينَ عَاما ويغرس النّخل وَتقوم الْأَسْوَاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَلَاء بن الشخير رَضِي الله عَنهُ: أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَانُوا يتعوّذون من فتْنَة الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يخرج الدَّجَّال حَتَّى يكون خُرُوجه أشهى إِلَى الْمُسلمين من شرب المَاء على الظمأ فَقَالَ لَهُ رجل: لم قَالَ: من شدَّة الْبلَاء وَالشَّر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَتَّى لَا يكون غَائِب أحب إِلَى الْمُؤمن خُرُوجًا مِنْهُ وَمَا خُرُوجه بأضر لِلْمُؤمنِ من حَصَاة يرفعها من الأَرْض وَمَا علم أحدهم أَدْنَاهُم وأقصاهم إِلَّا سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَكثر أَتبَاع الدَّجَّال الْيَهُود وَأَوْلَاد الْأُمَّهَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ بمقدمة الْأَعْوَر الدَّجَّال سِتّمائَة ألف يلبسُونَ التيجان

(7/297)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن هِشَام بن عَامر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا بَين خلق آدم إِلَى قيام السَّاعَة أَمر أكبر من الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الدَّجَّال يخرج من أَرض بالمشرق يُقَال لَهَا خُرَاسَان يتبعهُ أَقوام كَانَ وُجُوههم المجان المطرقة
وَأخرج أَحْمد عَن أبيّ بن كَعْب
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده الدَّجَّال فَقَالَ: إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا زجاجة خضراء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَاصِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما مسيح الضَّلَالَة فَرجل أجلى الْجَبْهَة ممسوخ الْعين الْيُسْرَى عريض النَّحْر فِيهِ دمامة كَأَنَّهُ فلَان بن عبد الْعُزَّى أَو عبد الْعُزَّى بن فلَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سفينة قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه لم يكن نَبِي إِلَّا حذر الدَّجَّال أمته
أَعور الْعين الْيُسْرَى بِعَيْنِه الْيُمْنَى طفرة غَلِيظَة بَين عَيْنَيْهِ كَافِر مَعَه واديان
أَحدهمَا جنَّة
وَالْآخر نَار فجنته نَار وناره جنَّة وَمَعَهُ ملكان يشبهان نبيين من الْأَنْبِيَاء
أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فَيَقُول [] من النَّاس إِلَّا صَاحبه فَيَقُول صَاحبه: صدقت
فيسمعه النَّاس فيحسبون مَا صدق الدَّجَّال وَذَلِكَ فتْنَة ثمَّ يسير حَتَّى يَأْتِي الشَّام فَينزل عِيسَى فيقتله الله عِنْد عقبَة أفِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمْكث أَبُو الدَّجَّال ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لَهما ولد ثمَّ يُولد لَهما غُلَام أَعور
أضرّ شَيْء وَأقله نفعا تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه
ثمَّ نعت أَبَوَيْهِ فَقَالَ: أَبوهُ رجل طوال ضرب اللَّحْم طَوِيل الْأنف كَانَ أَنفه مهار
وَأمه امْرَأَة فرغانية عَظِيمَة الثديين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدَّجَّال يطوي الأَرْض كلهَا إِلَّا مَكَّة وَالْمَدينَة فَيَأْتِي الْمَدِينَة فيجد كل نقب من أنقابها صُفُوفا من الْمَلَائِكَة فَيَأْتِي سبخَة الجرف فَيضْرب رواقه ثمَّ ترتجف الْمَدِينَة ثَلَاث رجفات فَيخرج إِلَيْهِ كل مُنَافِق وَمُنَافِقَة

(7/298)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو خرج الدَّجَّال لآمن بِهِ قوم فِي قُبُورهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يهْبط الدَّجَّال من كور كرهان مَعَه ثَمَانُون ألفا عَلَيْهِم الطيالسة ينتعلون كَأَن وُجُوههم مجان مطرقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق حوط الْعَبْدي عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أذن حمَار الدَّجَّال لتظل سبعين ألفا
وَأخرج ابْن أبي شُهْبَة عَن جُنَادَة بن أُميَّة الدُّرِّي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت أَنا وَصَاحب لي على رجل من أَصْحَاب رَسُول الله فَقُلْنَا: حَدثنَا مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تحدثنا عَن غَيره وَإِن كَانَ عندنَا مُصدقا قَالَ: نعم
قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ: أنذركم الدَّجَّال أنذركم الدَّجَّال أنذركم الدَّجَّال
فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا أنذره أمته وَأَنه فِيكُم أيتها الْأمة وَأَنه جعد آدم ممسوخ الْعين الْيُسْرَى وَإِن مَعَه جنَّة وَنَارًا فناره جنَّة وجنته نَار وَإِن مَعَه نهر مَاء وجبل خبز وَإنَّهُ يُسَلط على نفس فيقتلها ثمَّ يُحْيِيهَا لَا يُسَلط على غَيرهَا وَإنَّهُ يمطر السَّمَاء وينبت الأَرْض وَإنَّهُ يلبث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً حَتَّى يبلغ مِنْهَا كل منهل وَإنَّهُ لَا يقرب أَرْبَعَة مَسَاجِد
مَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول وَمَسْجِد الْمُقَدّس وَمَسْجِد الطّور وَمَا عَلَيْكُم من الْأَشْيَاء فَإِن الله لَيْسَ بأعور مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالله لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ كذابا آخِرهم الْأَعْوَر الدَّجَّال ممسوخ الْعين الْيُسْرَى كَأَنَّهَا عين أبي يحيى الشَّيْخ من الْأَنْصَار وَإنَّهُ مَتى يخرج فَإِنَّهُ يزْعم أَنه الله فَمن آمن بِهِ وَصدقه وَاتبعهُ فَلَيْسَ يَنْفَعهُ صَالح لَهُ من عمل لَهُ سلف وَمن كفر بِهِ وَكذبه فَلَيْسَ يُعَاقب بِشَيْء من عمل لَهُ سلف
وَإنَّهُ سَيظْهر على الأَرْض كلهَا إِلَّا الْحرم وَبَيت الْمُقَدّس فَهَزَمَهُ الله وَجُنُوده
حَتَّى أَن حرم الْحَائِط أَو أصل الشَّجَرَة يُنَادي: يَا مُؤمن هَذَا كَافِر يسْتَتر بِي فتعال فاقتله وَلنْ يكون ذَاك كَذَلِك حَتَّى تروا أُمُور يَتَفَاقَم شَأْنهَا فِي أَنفسكُم فتتساءلون بَيْنكُم: هَل كَانَ نَبِيكُم ذكر لكم مِنْهَا شَيْئا ذكر أَو حَتَّى تَزُول جبال عَن مراتبها ثمَّ على أثر ذَلِك الْقَبْض
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَوْت

(7/299)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدَّجَّال يَخُوض الْبحار إِلَى رُكْبَتَيْهِ ويتناول السَّحَاب ويسبق الشَّمْس إِلَى مغْرِبهَا وَفِي جَبهته قرن مِنْهُ الْحَيَّات وَقد صور فِي جسده السِّلَاح كُله حَتَّى ذكر السَّيْف وَالرمْح والدرق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يخرج الدَّجَّال فيمكث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً يبلغ مِنْهَا كل منهل
الْيَوْم مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَة كالشهر والشهر كالسنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليصحبن الدَّجَّال قوم يَقُولُونَ: انا لنصحبه وانا لنعلم انه كَذَّاب وَلَكنَّا إِنَّمَا نصحبه لنأكل من الطَّعَام وَنرعى من الشّجر وَإِذا نزل غضب الله نزل عَلَيْهِم كلهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أَشْعَث بن أبي الشعْثَاء عَن أَبِيه قَالَ: ذكر الدَّجَّال عِنْد عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَا تكثروا ذكره فَإِن الْأَمر إِذا قضي فِي السَّمَاء كَانَ أسْرع لنزوله إِلَى الأَرْض أَن يظْهر على أَلْسِنَة النَّاس

الْآيَات 60 - 64

(7/300)


وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)

أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّعَاء تلو الْعِبَادَة
ثمَّ قَرَأَ {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} قَالَ: عَن دعائي {سيدخلون جَهَنَّم داخرين} هَل تَدْرُونَ مَا عبَادَة الله قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: هُوَ اخلاص الله مِمَّا سواهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة
وَقَرَأَ {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} قَالَ: اعبدوني
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سيدخلون جَهَنَّم داخرين} قَالَ: صاغرين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّعَاء الإِستغفار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَأحمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لم يدع الله يغْضب عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لن ينفع حذر من قدر وَلَكِن الدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل
فَعَلَيْكُم بِالدُّعَاءِ عباد الله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا فتح الله على عبد بِالدُّعَاءِ فَليدع فَإِن الله يستجيب لَهُ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن عدي فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يحب الملحين فِي الدُّعَاء
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نجد فِيمَا أنزل الله

(7/301)


تَعَالَى فِي بعض الْكتب أَن الله تَعَالَى يَقُول: أنزل الْبلَاء استخرج بِهِ الدُّعَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} قَالَ: قَالَ ربكُم: عَبدِي إِنَّك مَا دعوتني ورجوتني فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَك على مَا كَانَ فِيك وَلَو لقيتني بقراب الأَرْض خَطَايَا لقيتك بقرابها مغْفرَة وَلَو أَخْطَأت حَتَّى تبلغ خطاياك عنان السَّمَاء ثمَّ استغفرتني غفرت لَك وَلَا أُبَالِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أفضل الْعِبَادَة الدُّعَاء وَقَرَأَ {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
قَالَ: اعْمَلُوا وابشروا فَإِنَّهُ حق على الله أَن يستجيب للَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ويزيدهم من فَضله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: مَا أعطي أحد من الْأُمَم مَا أَعْطَيْت هَذِه الْأمة إِلَّا بني الرجل الْمُجْتَبى يُقَال لَهُ: سل تعطه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْعِبَادَة أفضل فَقَالَ: دُعَاء الْمَرْء لنَفسِهِ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: قل للْمُؤْمِنين لَا يستعجلوني إِذا دَعونِي وَلَا يبخلوني أَلَيْسَ يعلمُونَ أَنِّي أبْغض الْبَخِيل فَكيف أكون بَخِيلًا يَا مُوسَى لَا تخف مني بخلا أَن تَسْأَلنِي عَظِيما وَلَا تَسْتَحي أَن تَسْأَلنِي صَغِيرا اطلب إليَّ الدقة واطلب إليَّ الْعلف لشاتك
يَا مُوسَى أما علمت أَنِّي خلقت الخردلة فَمَا فَوْقهَا وَأَنِّي لم أخلق شَيْئا إِلَّا وَقد علمت أَن الْخلق يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فَمن يسألني مَسْأَلَة وَهُوَ يعلم أَنِّي قَادر أعطي وَأَمْنَع وأعطيته مَسْأَلته مَعَ الْمَغْفِرَة فَإِن حمدني حِين أَعْطيته وَحين أمْنَعهُ أسكنته دَار الحمادين وَأَيّمَا عبد لم يسألني مَسْأَلَة ثمَّ أَعْطيته كَانَ أَشد عَلَيْهِ من الْحساب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ: أَنِّي لأسأل الله تَعَالَى حوائجي فِي صَلَاتي
حَتَّى أسأله الْملح لأهلي

(7/302)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن زهرَة بن معبد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ يَدْعُو يَقُول: اللَّهُمَّ قوِّ ذكري فَإِن فِيهِ مَنْفَعَة لأهلي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت الْبنانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تعبد رجل سبعين سنة فَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: رب اجزني بعملي فَادْخُلْ الْجنَّة فَمَكثَ فِيهَا سبعين عَاما فَلَمَّا وفت قيل لَهُ: اخْرُج قد استوفيت عَمَلك
أَي شَيْء كَانَ فِي الدُّنْيَا أوثق فِي نَفسه فَلم يجد شَيْئا أوثق فِي نَفسه مِمَّا دَعَا الله سُبْحَانَهُ فَأقبل يَقُول فِي دُعَائِهِ: رب سَمِعتك وَأَنا فِي الدُّنْيَا وَأَنت تقيل العثرات فَأَقل الْيَوْم عثرتي
فَترك فِي الْجنَّة
أما قَوْله تَعَالَى: {الله الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا معشر الحواريين الصَّلَاة جَامِعَة فَخرج الحواريون فِي هَيْئَة الْعِبَادَة قد تضمرت الْبُطُون وَغَارَتْ الْعُيُون واصفرت الألوان فَسَار بهم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى فلاة من الأَرْض فَقَامَ على رَأس جرثومة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ أنشأ يَتْلُو عَلَيْهِم آيَات الله وحكمته فَقَالَ: يَا معشر الحواريين اسمعوا مَا أَقُول لكم
اني لأجد فِي كتاب الله الْمنزل الَّذِي أنزل الله فِي الإِنجيل أَشْيَاء مَعْلُومَة فاعملوا بهَا قَالُوا: يَا روح الله وَمَا هِيَ قَالَ: خلق اللَّيْل لثلاث خِصَال وَخلق النَّهَار لسبع خِصَال فَمن مضى عَلَيْهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ فِي غير هَذِه الْخِصَال خاصمه اللَّيْل وَالنَّهَار يَوْم الْقِيَامَة فخصماه
خلق اللَّيْل لتسكن فِيهِ الْعُرُوق الفاترة الَّتِي أتعبتها فِي نهارك وَتَسْتَغْفِر لذنبك الَّذِي كسبته فِي النَّهَار ثمَّ لَا تعود فِيهِ وتقنت فِيهِ قنوت الصابرين
فثلث تنام وَثلث تقوم وَثلث تتضرع إِلَى رَبك فَهَذَا مَا خلق لَهُ اللَّيْل وَخلق النَّهَار لتؤدي فِيهِ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة الَّتِي عَنْهَا تسْأَل وَبهَا تُحاسَبْ وبر والديك وَأَن تضرب فِي الأَرْض تبتغي الْمَعيشَة معيشة يَوْمك وَأَن تعود فِيهِ وليا لله تَعَالَى كَيْمَا يتعهدكم الله برحمته وَأَن تشيعوا فِيهِ جَنَازَة كَيْمَا تنقلبوا مغفوراً لكم وَأَن تأمروا بِمَعْرُوف وتنهوا عَن مُنكر فَهُوَ ذرْوَة الإِيمان وقوام الدّين وَأَن تُجَاهِد فِي سَبِيل الله تراحموا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي قُبَّته
وَمن مضى عَلَيْهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ فِي غير هَذِه الْخِصَال خاصمه الله وَالنَّهَار يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ عِنْد مليك مقتدر

(7/303)


آيَة 65

(7/304)


هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَلْيقل على أثرهما الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَذَلِكَ قَوْله {فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين الْحَمد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يسْتَحبّ إِذا قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله يتبعهَا: الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ يقْرَأ هَذِه الْآيَة {هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين} وَالله أعلم

آيَة 66

(7/304)


قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَشَيْبَة بن ربيعَة قَالَا: يَا مُحَمَّد ارْجع عَمَّا تَقول وَعَلَيْك بدين آبَائِك وأجدادك
فَأنْزل الله تَعَالَى {قل إِنِّي نهيت أَن أعبد الَّذين تدعون من دون الله لما جَاءَنِي الْبَينَات من رَبِّي وَأمرت أَن أسلم لرب الْعَالمين}

الْآيَات 67 - 70

(7/304)


هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يثغر الْغُلَام لسبع ويحتلم لأربعة عشر وَيَنْتَهِي طوله لإِحدى وَعشْرين وَيَنْتَهِي عقله لثمان وَعشْرين ويبلغ أشده لثلاث وَثَلَاثِينَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ {ومنكم من يتوفى من قبل} قَالَ: من قبل أَن يكون شَيخا {ولتبلغوا أَََجَلًا مُسَمّى} الشَّيْخ والشاب {ولعلكم تعقلون} عَن ربكُم أَنه يُحْيِيكُمْ كَمَا أماتكم وَهَذِه لأهل مَكَّة كَانُوا يكذبُون بِالْبَعْثِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أنّى يصرفون} قَالَ: أنّى يكذبُون وهم يعْقلُونَ

الْآيَات 71 - 77

(7/305)


إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)

أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم ثمَّ فِي النَّار يسجرون} فَقَالَ: لَو أَن رصاصة مثل هَذِه - وَأَشَارَ إِلَى جمجمة أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَهِي مسيرَة خَمْسمِائَة سنة - لبلغت الأَرْض قبل اللَّيْل وَلَو أَنَّهَا أرْسلت من رَأس السلسلة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا - اللَّيْل وَالنَّهَار - قبل أَن تبلغ أَصْلهَا أَو قَالَ قعرها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن يعلى بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينشىء الله سَحَابَة لأهل النَّار سَوْدَاء

(7/305)


مظْلمَة يُقَال لَهَا وَلأَهل النَّار أَي شَيْء تطلبون فَيذكرُونَ بهَا سَحَاب الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا الشَّرَاب فتمطرهم أغلالاً تزيد فِي أَعْنَاقهم وسلاسل تزيد فِي سلاسلهم وجمر يلتهب عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي شهر رَمَضَان يردد هَذِه الْآيَة {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم ثمَّ فِي النَّار يسجرون}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم} فيسلخ كل شَيْء عَلَيْهِم من جلد وَلحم وعرق حَتَّى يصير فِي عقبه
حَتَّى ان لَحْمه قدر طوله سِتُّونَ ذِرَاعا
ثمَّ يكسى جلدا آخر ثمَّ يسجر فِي الْحَمِيم فيسلخ كل شَيْء عَلَيْهِم من جلد وَلحم وعرق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يسجرون} قَالَ: توقد بهم النَّار
وَفِي قَوْله {تمرحون} قَالَ: تبطرون وتاشرون

الْآيَة 78

(7/306)


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)

أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك} قَالَ: بعث الله عبدا حَبَشِيًّا نَبيا فَهُوَ مِمَّن لم يُقَصَّص على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الْآيَات 79 - 85

(7/306)


اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتبلغوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صدوركم} قَالَ: أسفاركم لحاجتكم مَا كَانَت
وَفِي قَوْله {وآثاراً فِي الأَرْض} قَالَ: الْمَشْي فِيهَا بأرجلهم
وَفِي قَوْله {فرحوا بِمَا عِنْدهم من الْعلم} قَالَ: قَوْلهم نَحن أعلم مِنْهُم وَلنْ نعذب وَفِي قَوْله {وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} قَالَ: مَا جَاءَت بِهِ رسلهم من الْحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتبلغوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صدوركم} قَالَ: من بلد إِلَى بلد
وَفِي قَوْله {سنة الله الَّتِي قد خلت فِي عباده} قَالَ: سنَنه أَنهم كَانُوا إِذا رَأَوْا بأسنا آمنُوا فَلم يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم عِنْد ذَلِك

(7/307)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (41)
سُورَة فصلت
مَكِّيَّة وآياتها أَربع وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت (حم) السَّجْدَة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ
مثله

الْآيَات 1 - 4

(7/308)


حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اجْتمع قُرَيْش يَوْمًا فَقَالُوا: انْظُرُوا أعلمكُم بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر فليأت هَذَا الرجل الَّذِي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنَا وَعَابَ ديننَا فليكلمه ولينظر مَاذَا يرد عَلَيْهِ فَقَالُوا: مَا نعلم أحدا غير عتبَة بن ربيعَة قَالُوا: أَنْت يَا أَبَا الْوَلِيد
فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَنْت خير أم عبد الله
أَنْت خير أم عبد الْمطلب
فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَإِن كنت تزْعم أَن هَؤُلَاءِ خير مِنْك فقد عبدُوا الْآلهَة الَّتِي عبت وَإِن كنت تزْعم أَنَّك خير مِنْهُم فَتكلم حَتَّى نسْمع لَك أما وَالله مَا رَأينَا سلحة قطّ اشأم على قومه مِنْك فرقت جماعتنا وشتت أمرنَا وعبت ديننَا وفضحتنا فِي الْعَرَب
حَتَّى لقد طَار فيهم أَن فِي قُرَيْش ساحراً وَأَن فِي قُرَيْش كَاهِنًا وَالله مَا نَنْتَظِر إِلَّا مثل صَيْحَة الحبلى أَن يقوم بَعْضنَا إِلَى بعض بِالسُّيُوفِ
يَا أَيهَا الرجل إِن كَانَ إِنَّمَا بك الْحَاجة جَمعنَا لَك حَتَّى تكون أغْنى قُرَيْش رجلا

(7/308)


وَاحِدًا وَإِن كَانَ نما بك الْبَاءَة فاختر أَي نسَاء قُرَيْش شِئْت فلنزوّجك عشرا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فرغت قَالَ: نعم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} حَتَّى بلغ {فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عادٍ وَثَمُود} فَقَالَ عتبَة: حَسبك

مَا عنْدك غير هَذَا قَالَ: لَا
فَرجع إِلَى قُرَيْش فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك قَالَ: مَا تركت شَيْئا أرى أَنكُمْ تكَلمُون بِهِ إِلَّا كَلمته قَالُوا: فَهَل أجابك قَالَ: وَالَّذِي نصبها بنية مَا فهمت شَيْئا مِمَّا قَالَ غير أَنه قَالَ {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود} قَالُوا: وَيلك

يكلمك الرجل بِالْعَرَبِيَّةِ وَمَا تَدْرِي مَا قَالَ قَالَ: لَا
وَالله مَا فهمت شَيْئا مِمَّا قَالَ غير ذكر الصاعقة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَن عتبَة بن ربيعَة وَكَانَ أَشد قُرَيْش حلماً
قَالَ ذَات يَوْم وَهُوَ جَالس فِي نَادِي قُرَيْش وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَحده فِي الْمَسْجِد يَا معشر قُرَيْش أَلا أقوم إِلَى هَذَا فأكلمه فَأَعْرض عَلَيْهِ أموراً لَعَلَّه أَن يقبل مِنْهَا بعضه ويكف عَنَّا قَالُوا: بلَى يَا أَبَا الْوَلِيد فَقَامَ عتبَة حَتَّى جلس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث فِيمَا قَالَ لَهُ عتبَة وَفِيمَا عرض عَلَيْهِ من المَال وَالْملك وَغير ذَلِك
حَتَّى إِذا فرغ عتبَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفرغت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: نعم
قَالَ: فاستمع مني
قَالَ أفعل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} فَلَمَّا سَمعهَا عتبَة انصت لَهَا وَألقى يَدَيْهِ خلف ظَهره مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا يستمع مِنْهُ حَتَّى انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّجْدَة فَسجدَ فِيهَا ثمَّ قَالَ: سَمِعت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: سَمِعت قَالَ: أَنْت وَذَاكَ
فَقَامَ عتبَة إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ بَعضهم لبَعض: نحلف بِاللَّه لقد جَاءَكُم أَبُو الْوَلِيد بِغَيْر الْوَجْه الَّذِي ذهب بِهِ فَلَمَّا جلس إِلَيْهِم قَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: وَالله إِنِّي قد سَمِعت قولا مَا سَمِعت بِمثلِهِ قطّ وَالله مَا هُوَ بالشعر وَلَا بِالسحرِ وَلَا بالكهانة وَالله لَيَكُونن لقَوْله الَّذِي سَمِعت نبا
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عتبَة بن ربيعَة {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم} أَتَى أَصْحَابه

(7/309)


فَقَالَ: يَا قوم أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْم واعصوني بعده فوَاللَّه لقد سَمِعت من هَذَا الرجل كلَاما مَا سَمِعت مثله قطّ وَمَا دَريت مَا أرد عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر فَنزل فِي بني غنم على أسعد بن زُرَارَة فَجعل يَدْعُو النَّاس فجَاء سعد بن معَاذ فتوعده فَقَالَ لَهُ أسعد بن زُرَارَة: اسْمَع من قَوْله فَإِن سَمِعت مُنْكرا فأردده يَا هَذَا وَإِن سَمِعت حَقًا فأجب إِلَيْهِ
فَقَالَ: مَاذَا تَقول فَقَرَأَ مُصعب {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} قَالَ: سعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ: مَا أسمع الا مَا أعرف فَرجع وَقد هداه الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جهل وَالْمَلَأ من قُرَيْش: قد انْتَشَر علينا أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو الْتَمَسْتُمْ رجلا عَالما بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر
فَقَالَ عتبَة
علمت من ذَلِك علما وَمَا يخفى عَليّ إِن كَانَ كَذَلِك فَأَتَاهُ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّد أَنْت خير أم هَاشم أَنْت خير أم عبد الْمطلب
فَلم يجبهُ قَالَ: فيمَ تَشْتُم آلِهَتنَا وتضلل آبَاءَنَا فَإِن كنت إِنَّمَا بك الرياسة عَقدنَا ألويتنا لَك فَكنت رَأْسنَا مَا بقيت وَإِن كَانَ بك الْبَاءَة زوّجناك عشرَة نسْوَة تخْتَار من أَي بَنَات قُرَيْش وَإِن كَانَ بك المَال جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا تَسْتَغْنِي بِهِ أَنْت وَعَقِبك من بعْدك - وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاكِت لَا يتَكَلَّم - فَلَمَّا فرغ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا} فَقَرَأَ حَتَّى بلغ (فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) فَأمْسك عتبَة على فِيهِ وَنَاشَدَهُ الرَّحِم أَن يكف عَنهُ لم يخرج إِلَى أَهله وَاحْتبسَ عَنْهُم فَقَالَ أَبُو جهل: يَا معشر قُرَيْش مَا نرى عتبَة إِلَّا قد صَبأ إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبهُ طَعَامه وَمَا ذَاك إِلَّا من حَاجَة أَصَابَته انتقلوا بِنَا إِلَيْهِ
فَأتوهُ فَقَالَ أَبُو جهل: وَالله يَا عتبَة مَا حَسبنَا إِلَّا أَنَّك صبوت إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبَك أمره فَإِن كنت بك حَاجَة جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا يُغْنِيك عَن مُحَمَّد
فَغَضب وَأقسم بِاللَّه لَا يكلم مُحَمَّد أبدا وَقَالَ: لقد علمْتُم أَنِّي أَكثر قُرَيْش مَالا وَلَكِنِّي أَتَيْته
فَقص عَلَيْهِم الْقِصَّة فَأَجَابَنِي بِشَيْء وَالله مَا هُوَ بِسحر وَلَا شعر وَلَا كهَانَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا}

(7/310)


حَتَّى بلغ (أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) فَأَمْسَكت بِفِيهِ وَنَاشَدْته الرَّحِم فَكيف وَقد علمْتُم أَن مُحَمَّدًا إِذا قَالَ شَيْئا لم يكذب فَخفت أَن ينزل بكم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن قُريْشًا اجْتمعت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُم عتبَة بن ربيعَة: دَعونِي حَتَّى أقوم إِلَى مُحَمَّد ُأكَلِّمهُ فَإِنِّي عَسى أَن أكون ارْفُقْ بِهِ مِنْكُم
فَقَامَ عتبَة حَتَّى جلس إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْن أخي إِنَّك أوسطنا بَيْتا وأفضلنا مَكَانا وَقد أدخلت فِي قَوْمك مَا لم يدْخل رجل على قومه قبلك فَإِن كنت تطلب بِهَذَا الحَدِيث مَالا فَذَلِك لَك على قَوْمك أَن تجمع لَك حَتَّى تكون أكثرنا مَالا وَإِن كنت تُرِيدُ شرفاً فَنحْن مشرفوك حَتَّى لَا يكون أحد من قَوْمك فَوْقك وَلَا نقطع الْأُمُور دُونك وَإِن كَانَ هَذَا عَن لمَم يصيبك لَا تقدر على النُّزُوع عَنهُ بذلنا لَك خزائنا فِي طلب الطِّبّ لذَلِك مِنْهُ وَإِن كنت تُرِيدُ ملكا ملكناك
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفرغت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: نعم
فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حم} السَّجْدَة حَتَّى مر بِالسَّجْدَةِ فَسجدَ وَعتبَة ملق يَده خلف ظَهره حَتَّى فرغ من قِرَاءَته وَقَامَ عتبَة لَا يدْرِي مَا يُرَاجِعهُ بِهِ
حَتَّى أَتَى نَادِي قومه فَلَمَّا رَأَوْهُ مُقبلا قَالُوا: لقد رَجَعَ إِلَيْكُم بِوَجْه مَا قَامَ بِهِ من عنْدكُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِم فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش قد كَلمته بِالَّذِي أَمرْتُمُونِي بِهِ
حَتَّى إِذا فرغت كلمني بِكَلَام لَا وَالله مَا سَمِعت أذناي بِمثلِهِ قطّ فَمَا دَريت مَا أَقُول لَهُ يَا معشر قُرَيْش أَطِيعُونِي الْيَوْم واعصوني فِيمَا بعده
اتْرُكُوا الرجل واعتزلوه فوَاللَّه مَا هُوَ بتارك مَا هُوَ عَلَيْهِ وخلوا بَينه وَبَين سَائِر الْعَرَب فَإِن يكن يظْهر عَلَيْهِم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم وَملكه ملككم وان يظهروا عَلَيْهِ تَكُونُوا قد كفيتموه بغيركم
قَالُوا: أصبأت إِلَيْهِ يَا أَبَا الْوَلِيد
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جِئْت أَزور عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوحى إِلَيْهِ ثمَّ سرى عَنهُ فَقَالَ: يَا عَائِشَة ناوليني رِدَائي فناولته ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فَإِذا مُذَكّر يذكر فَجَلَسَ حَتَّى إِذا قضى الْمُذكر تذكره إفتتح (حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم) (السَّجْدَة الْآيَة 1) فَسجدَ حَتَّى طَالَتْ سجدته ثمَّ تسامع بِهِ من كَانَ على ميلين وتلا عَلَيْهِ السَّجْدَة فَأرْسلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي خاصتها أَن احضروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(7/311)


فَلَقَد رَأَيْت مَا لم أره مُنْذُ كنت مَعَه فَرفع رَأسه فَقَالَ: سجدت هَذِه السَّجْدَة شكر لرَبي فِيمَا أبلاني فِي أمتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وماذا ابلاك فِي أمتك قَالَ: أَعْطَانِي سبعين ألفا من أمتِي يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله إِن أمتك كثير طيب فازدد قَالَ: قد فعلت فَأَعْطَانِي مَعَ كل وَاحِد من السّبْعين ألفا سبعين ألفا فَقَالَ: يَا رَسُول الله ازدد لأمتك فَقَالَ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ بهَا على صَدره فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: وعيت يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْخَلِيل بن مرّة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ تبَارك وحم السَّجْدَة

الْآيَة 5

(7/312)


وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة} قَالُوا: كالجعبة للنبل
وَأخرج أَبُو سهل السّري بن سهل الجنديسابوري فِي حَدِيثه من طَرِيق عبد القدوس عَن نَافِع بن الْأَزْرَق عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة} الْآيَة
قَالَ: أَقبلت قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم مَا يمنعكم من الإِسلام فتسودوا الْعَرَب فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا نفقه مَا تَقول وَلَا نَسْمَعهُ وَإِن على قُلُوبنَا لغلفا
وَأخذ أَبُو جهل ثوبا فمده فِيمَا بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد {قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ وَفِي آذاننا وقر وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب}
قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أدعوكم إِلَى خَصْلَتَيْنِ
أَن تشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَإِنِّي رَسُول الله
فَلَمَّا سمعُوا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله (وَلَو على أدبارهم نفوراً) (الْإِسْرَاء 46) وَقَالُوا (أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب) (ص 5) وَقَالَ بَعضهم لبَعض (امشوا واصبروا على آلِهَتكُم إِن هَذَا لشَيْء يُرَاد مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق أأنزل عَلَيْهِ الذّكر من بَيْننَا) (ص 7)

(7/312)


وَهَبَطَ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول: أَلَيْسَ يزْعم هَؤُلَاءِ أَن على قُلُوبهم أكنَّة أَن يفقهوه وَفِي آذانهم وقر فَلَيْسَ يسمعُونَ قَوْلك كَيفَ (وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم نفوراً) (الْإِسْرَاء 46) لَو كَانَ كَمَا زَعَمُوا لم ينفروا وَلَكنهُمْ كاذبون يسمعُونَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بذلك كَرَاهِيَة لَهُ
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أقبل مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أعرض علينا الْإِسْلَام فَلَمَّا عرض عَلَيْهِم الإِسلام أَسْلمُوا عَن آخِرهم فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحَمد الله ألستم بالْأَمْس تَزْعُمُونَ أَن على قُلُوبكُمْ غلفًا وقلوبكم فِي أكنة مِمَّا ندعوكم إِلَيْهِ وَفِي آذانكم وقرا وأصبحتم الْيَوْم مُسلمين فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كذبنَا وَالله بالْأَمْس لَو كَانَ كَذَلِك مَا اهتدينا أبدا وَلَكِن الله الصَّادِق والعباد الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء إِلَيْهِ

الْآيَات 6 - 8

(7/313)


قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ: لَا يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَفِي قَوْله {لَهُم أجر غير ممنون} قَالَ: غير مَنْقُوص
وَأخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ: لَا يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ: كَانَ يُقَال الزَّكَاة قنطرة الإِسلام من قطعهَا برىء وَنَجَا وَمن لم يقطعهَا هلك
وَالله أعلم

(7/313)


الْآيَات 9 - 12

(7/314)


قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)

أخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن الْيَهُود أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته عَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَقَالَ: خلق الله الأَرْض يَوْم الْأَحَد والإثنين وَخلق الْجبَال وَمَا فِيهِنَّ من مَنَافِع يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق يَوْم الْأَرْبَعَاء الشّجر وَالْمَاء والمدائن والعمران والخراب فَهَذِهِ أَرْبَعَة فَقَالَ تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أنداداً ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} وَخلق يَوْم الْخَمِيس السَّمَاء وَخلق يَوْم الْجُمُعَة النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة إِلَى ثَلَاث سَاعَات بَقينَ مِنْهُ
فخلق فِي أول سَاعَة من هَذِه الثَّلَاثَة الْآجَال حِين يَمُوت من مَاتَ
وَفِي الثَّانِيَة ألْقى الآفة على كل شَيْء من منتفع بِهِ
وَفِي الثَّالِثَة خلق آدم وَأَسْكَنَهُ الْجنَّة وَأمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لَهُ وَأخرجه مِنْهَا فِي آخر سَاعَة قَالَت الْيَهُود: ثمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّد قَالَ: ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش قَالُوا: لقد أصبت لَو أتممت
ثمَّ قَالُوا: استراح
فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَضبا شَدِيدا
فَنزل (وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب فاصبر على مَا يَقُولُونَ) (ق 38)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: شقّ الْأَنْهَار وغرس الْأَشْجَار وَوضع الْجبَال وأجرى الْبحار وَجعل فِي هَذِه مَا لَيْسَ فِي هَذِه وَفِي هَذِه مَا لَيْسَ فِي هَذِه

(7/314)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: قدر فِي كل أَرض شَيْئا لَا يصلح فِي غَيرهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: لَا يصلح النَّيْسَابُورِي إِلَّا بنيسابور وَلَا ثِيَاب الْيمن إِلَّا بِالْيمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: أرزاقها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {سَوَاء للسائلين} قَالَ: من سَأَلَ فَهُوَ كَمَا قَالَ الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله السَّمَوَات من دُخان ثمَّ ابْتَدَأَ خلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ فَذَلِك قَول الله تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} ثمَّ {وَقدر فِيهَا أقواتها} فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبَعَاء فَذَلِك قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} فسمكها وزينها بالنجوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وأجراهما فِي فلكهما وَخلق فِيهَا مَا شَاءَ من خلقه وَمَلَائِكَته يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَخلق الْجنَّة يَوْم الْجُمُعَة وَخلق الْيَهُود يَوْم السبت لِأَنَّهُ يسبت فِيهِ كل شَيْء وعظمت النَّصَارَى يَوْم الْأَحَد لِأَنَّهُ ابتدىء فِيهِ خلق كل شَيْء وَعظم الْمُسلمُونَ يَوْم الْجُمُعَة لِأَن الله فرغ فِيهِ من خلقه وَخلق فِي الْجنَّة رَحمته وَجمع فِيهِ آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيه هَبَط من الْجنَّة وَفِيه قبلت تَوْبَته وَهُوَ أعظمها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله تَعَالَى خلق يَوْمًا فَسَماهُ الْأَحَد ثمَّ خلق ثَانِيًا فَسَماهُ الِاثْنَيْنِ ثمَّ خلق ثَالِثا فَسَماهُ الثُّلَاثَاء ثمَّ خلق رَابِعا فَسَماهُ الْأَرْبَعَاء وَخلق خَامِسًا فَسَماهُ الْخَمِيس فخلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد والاثنين وَخلق الْجبَال يَوْم الثُّلَاثَاء وَلذَلِك يَقُول النَّاس إِنَّه يَوْم ثقيل كَذَلِك وَخلق مَوَاضِع الْأَنْهَار وَالشَّجر والقرى يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق الطير والوحش وَالسِّبَاع والهوام والآفة يَوْم الْخَمِيس وَخلق الإِنسان يَوْم الْجُمُعَة وَفرغ من الْخلق يَوْم السبت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله تَعَالَى ابْتَدَأَ الْخلق وَخلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد والاثنين وَخلق الأقوات والرواسي يَوْم الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَخلق السَّمَوَات يَوْم الْخَمِيس وَالْجُمُعَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر وَخلق آدم

(7/315)


عَلَيْهِ السَّلَام فِي تِلْكَ السَّاعَة الَّتِي لَا يُوَافِقهَا عبد يَدْعُو ربه إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ فَهُوَ مَا بَين صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَن تغيب الشَّمْس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يَوْم الْأَحَد قَالَ: خلق الله فِيهِ الأَرْض قَالُوا: فَيوم الْأَرْبَعَاء قَالَ: الأقوات قَالُوا: فَيوم الْخَمِيس قَالَ: فِيهِ خلق الله السَّمَوَات قَالُوا: فَيوم الْجُمُعَة قَالَ: خلق فِي ساعتين الْمَلَائِكَة وَفِي ساعتين الْجنَّة وَالنَّار وَفِي ساعتين الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب وَفِي ساعتين اللَّيْل وَالنَّهَار قَالُوا: أَلَسْت تذكر الرَّاحَة فَقَالَ سُبْحَانَ الله

فَأنْزل الله (وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب) (ق 38)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من وَجه آخر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى فرغ من خلقه فِي سِتَّة أَيَّام
أولهنَّ يَوْم الْأَحَد والاثنين وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة خلق يَوْم الْأَحَد السَّمَوَات وَخلق يَوْم الِاثْنَيْنِ الشَّمْس وَالْقَمَر وَخلق يَوْم الثُّلَاثَاء دَوَاب الْبَحْر ودواب الأَرْض وفجر الْأَنْهَار وقوت الأقوات وَخلق الْأَشْجَار يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق يَوْم الْخَمِيس الْجنَّة وَالنَّار وَخلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أقبل على الْأَمر يَوْم السبت
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ الْيَهُود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أخبرنَا مَا خلق الله من الْخلق فِي هَذِه الْأَيَّام السِّتَّة فَقَالَ: خلق الله الأَرْض يَوْم الْأَحَد والإثنين وَخلق الْجبَال يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق الْمَدَائِن والاقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق السَّمَوَات وَالْمَلَائِكَة يَوْم الْخَمِيس إِلَى ثَلَاث سَاعَات يَعْنِي من يَوْم الْجُمُعَة وَخلق فِي أول سَاعَة الْآجَال وَفِي الثَّانِيَة الآفة وَفِي الثَّالِثَة آدم قَالُوا: صدقت أَن تممت فَعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُرِيدُونَ فَغَضب فَأنْزل الله (وَمَا مسنا من لغوب فاصبر على مَا يَقُولُونَ)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا طَوْعًا أَو كرها} قَالَ: قَالَ

(7/316)


للسماء أَخْرِجِي شمسك اخْرُجِي قمرك ونجومك وَقَالَ للْأَرْض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك {قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ائتيا} قَالَ: اعطيا وَفِي قَوْله {أَتَيْنَا} قَالَ: أعطينا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا} قَالَ: مَا أَمر بِهِ وأراده من خلق النيرات وَغير ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا} قَالَ: خلق فِيهَا شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها

الْآيَات 13 - 18

(7/317)


فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {صَاعِقَة} فَهُوَ عَذَاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عادٍ وَثَمُود} يَقُول: أَنْذَرْتُكُمْ وقيعة عَاد وَثَمُود
وَفِي قَوْله {ريحًا صَرْصَرًا} بَارِدَة
وَفِي قَوْله {نحسات} قَالَ: مشؤمات نكدات

(7/317)


وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا} قَالَ: شَدِيدَة الشؤم قَالَ: مشؤومات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَأما ثَمُود فهديناهم} قَالَ: بَينا لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأما ثَمُود فهديناهم} يَقُول: بَينا لَهُم سَبِيل الْخَيْر وَالشَّر وَالله أعلم

الْآيَات 19 - 24

(7/318)


وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)

أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَأبي رزين رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يُوزعُونَ} قَالَ: يدْفَعُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} قَالَ الوزعة السَّاقَة من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يسوقونهم إِلَى النَّار ويردون الآخر على الأول

(7/318)


وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: عَلَيْهِم وزعة ترد أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبسون بَعْضًا على بعض قَالَ: عَلَيْهِم وزعة ترد أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لِابْنِ الْأَزْرَق: إِن يَوْم الْقِيَامَة يَأْتِي على النَّاس مِنْهُ حِين لَا ينطقون وَلَا يَعْتَذِرُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُؤذن لَهُم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بِاللَّه تَعَالَى فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم فيبعث الله عَلَيْهِم حِين يجحدون شُهُودًا من أنفسهم جُلُودهمْ وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم وَيخْتم على أَفْوَاههم ثمَّ تفتح الأفواه فتخاصم الْجَوَارِح فَتَقول {أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء وَهُوَ خَلقكُم أول مرّة وَإِلَيْهِ ترجعون} فتقر الْأَلْسِنَة بعد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مستتراً بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فجَاء ثَلَاثَة نفر قرشي وثقفيان أَو ثقفي وقرشيان كثير لحم بطونهم قَلِيل فقه قُلُوبهم فتكلموا بِكَلَام لم أسمعهُ فَقَالَ أحدهم: أَتَرَوْنَ أَن الله يسمع كلامنا هَذَا فَقَالَ الآخر: انا إِذا رفعنَا أصواتنا سَمعه وَإِذا لم نرفعه لم يسمع
فَقَالَ الْآخرَانِ: سمع مِنْهُ شَيْئا سَمعه كُله قَالَ: فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم} إِلَى قَوْله {من الخاسرين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُعَاوِيَة بن حيدة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تحشرون هَهُنَا - وأوما بِيَدِهِ إِلَى الشَّام - مشَاة وركباناً على وُجُوهكُم وتعرضون على الله وعَلى أَفْوَاهكُم الْفِدَام وَإِن أول مَا يعرب عَن أحدكُم فَخذه وكفه وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كُنْتُم تظنون

(7/319)


وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كُنْتُم تستترون} قَالَ: تستخفون
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه فَإِن قوما قد أَرَادَهُم سوء ظنهم بِاللَّه عز وَجل قَالَ الله عز وَجل {وذلكم ظنكم الَّذِي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}

الْآيَة 25

(7/320)


وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وقيضنا لَهُم قرناء} قَالَ: شياطين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فزينوا لَهُم مَا بَين أَيْديهم} قَالَ: الدُّنْيَا يرغبونهم فِيهَا {وَمَا خَلفهم} قَالَ: الْآخِرَة زَينُوا لَهُم نسيانها وَالْكفْر بهَا

الْآيَات 26 - 28

(7/320)


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة إِذا قَرَأَ الْقُرْآن يرفع صَوته فَكَانَ الْمُشْركُونَ يطردون النَّاس عَنهُ وَيَقُولُونَ {لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تغلبون} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أخْفى قِرَاءَته لم يسمع من يحب أَن يسمع الْقُرْآن فَأنْزل الله (وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا) (الإِسراء 110)

(7/320)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والغوا فِيهِ} قَالَ: بالتصفير والتخليط فِي الْمنطق على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ الْقُرْآن قُرَيْش تَفْعَلهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {والغوا فِيهِ} قَالَ: يَقُولُونَ اجحدوا بِهِ وانكروه وعادوه
وَالله أعلم

الْآيَة 29

(7/321)


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا من الْجِنّ والإِنس} قَالَ: هُوَ ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ وإبليس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم
مثله

الْآيَات 30 - 32

(7/321)


إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)

أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه قَالَ: قَرَأَ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: قد قَالَهَا نَاس من النَّاس ثمَّ كفر أَكْثَرهم فَمن قَالَهَا حَتَّى يَمُوت فَهُوَ مِمَّن استقام عَلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد وَابْن سعد وَعبد بن

(7/321)


حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن عمرَان عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ الاسْتقَامَة أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق الْأسود بن هِلَال عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} و {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} الْأَنْعَام قَالُوا: لم يذنبوا قَالَ: لقد حملتموها على أَمر شَدِيد (الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم) يَقُول: بشرك و {الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} فَلم يرجِعوا إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ عَن بعض أَصْحَابه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: على فَرَائض الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: استقاموا بِطَاعَة الله وَلم يروغوا روغان الثَّعْلَب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ أَي آيَة فِي كتاب الله أرحب قَالَ: قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قيل لَهُ: فَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى (يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم

) (الزمر 53) [] زَاد قَرَأَ (وأنيبوا إِلَى ربكُم) (الزمر 54) فيهمَا علقه اعْمَلُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ استقاموا} قَالَ: قَالُوا لَا إِلَه إِلَّا الله لم يشركوا بعْدهَا بِاللَّه شَيْئا حَتَّى يلقوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {قَالُوا رَبنَا الله} وَحده {ثمَّ استقاموا} يَقُول: على أَدَاء فَرَائض الله {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} قَالَ: فِي الْآخِرَة

(7/322)


وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والدارمي وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان عَن سُفْيَان الثَّقَفِيّ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله مرني بِأَمْر فِي الإِسلام لَا أسأَل عَنهُ أحدا بعْدك قَالَ: قل آمَنت بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم قلت: فَمَا اتَّقى فأوما إِلَى لِسَانه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} قَالَ: عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ {أَلا تخافوا} مِمَّا تقدمون عَلَيْهِ من الْمَوْت وَأمر الْآخِرَة {وَلَا تحزنوا} على مَا خَلفْتُمْ من أَمر دنياكم من ولد وَأهل وَدين مِمَّا استخلفكم فِي ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: يُؤْتى الْمُؤمن عِنْد الْمَوْت فَيُقَال: لَا تخف مِمَّا أَنْت قادم عَلَيْهِ فَيذْهب خَوفه وَلَا تحزن على الدُّنْيَا وَلَا على أَهلهَا وأبشر بِالْجنَّةِ فَيَمُوت وَقد قر الله عينه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة قَالَ: يبشر بهَا عِنْد مَوته وَفِي قَبره وَيَوْم يبْعَث فَإِنَّهُ لَقِي الْجنَّة وَمَا رميت فرحة الْبشَارَة من قلبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ {أَلا تخافوا} من ضيعتكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: حرَام على كل نفس أَن تخرج من الدُّنْيَا حَتَّى تعلم مصيرها وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: إِن الْمُؤمن يبشر بصلاح وَلَده من بعده لتقر عينه
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه قُلْنَا: يَا رَسُول الله كلنا يكره الْمَوْت قَالَ: لَيْسَ ذَلِك كَرَاهِيَة الْمَوْت وَلَكِن الْمُؤمن إِذا احْتضرَ جَاءَهُ البشير من الله بِمَا هُوَ صائر إِلَيْهِ فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهِ من أَن يكون لَقِي الله فَأحب الله لقاءه وَإِن الْكَافِر والفاجر إِذا احْتضرَ جَاءَهُ بِمَا هُوَ صائر إِلَيْهِ من الشَّرّ فكره الله لقاءه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت أَنه قَرَأَ السَّجْدَة حَتَّى بلغ {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} فَوقف قَالَ: بلغنَا أَن العَبْد الْمُؤمن يَبْعَثهُ الله من قَبره يتلقاه ملكاه

(7/323)


اللَّذَان كَانَا مَعَه فِي الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا تخف وَلَا تحزن وأبشر بِالْجنَّةِ الَّتِي كنت توعد فَيُؤمن الله خَوفه ويقر عينه وَبِمَا عصمه أَلا وَهِي لِلْمُؤمنِ قُرَّة عين لما هداه الله تَعَالَى وَلما كَانَ يعْمل فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {نَحن أولياؤكم} قَالَ: رفقاؤكم فِي الدُّنْيَا لَا نفارقكم حَتَّى ندخل مَعكُمْ الْجنَّة وَلَفظ عبد بن حميد قَالَ: قرناؤهم الَّذين مَعَهم فِي الدُّنْيَا
فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا: لن نفارقكم حَتَّى ندخلكم الْجنَّة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي صفة الْجنَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أهل الْجنَّة فِي مجْلِس لَهُم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور على بَاب الْجنَّة فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب تَعَالَى قد أشرف فَقَالَ يَا أهل الْجنَّة سلوني فَقَالُوا: نَسْأَلك الرِّضَا عَنَّا قَالَ: رضاي أَحَلَّكُمْ دَاري وأنَالَكُم كَرَامَتِي هَذِه وأيها تَسْأَلُونِي قَالُوا: نَسْأَلك الزِّيَادَة قَالَ: فيؤتون بنجائب من ياقوت أَحْمَر أزمتها زبرجد أَخْضَر وَيَاقُوت أَحْمَر فجاؤا عَلَيْهَا تضع حوافرها عِنْد مُنْتَهى طرفها فَأمر الله بأشجار عَلَيْهَا الثِّمَار فتجيء حور من الْعين وَهن يقلن: نَحن الناعمات فَلَا نباس وَنحن الخالدات فَلَا نموت أَزوَاج قوم مُؤمنين كرام وَيَأْمُر الله بكثبان من مسك أَبيض أذفر فتنثر عَلَيْهِم ريحًا يُقَال لَهَا المثيرة حَتَّى تَنْتَهِي بهم إِلَى جنَّة عدن وَهِي قَصَبَة الْجنَّة فَتَقول الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا قد جَاءَ الْقَوْم فَيَقُول: مرْحَبًا بالصادقين فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله فيتمتعون بِنور الرَّحْمَن حَتَّى لَا يبصر بَعضهم بَعْضًا
ثمَّ يَقُول ارجعوهم إِلَى الْقُصُور بالتحف فيرجعون وَقد أبْصر بَعضهم بَعْضًا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {نزلا من غَفُور رَحِيم}
وَأخرج ابْن النجار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
مثله سَوَاء

الْآيَة 33

(7/324)


وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)

أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَت: الْمُؤَذّن {وَعمل صَالحا} قَالَت: رَكْعَتَانِ فِيمَا بَين الآذان والإِقامة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا أرى هَذِه الْآيَة نزلت إِلَّا فِي المؤذنين {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ: هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ: ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الْمُؤمن عمل صَالحا ودعا إِلَى الله تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} قَالَ: هَذَا عبد صدق قَوْله وَعَمله ومولجه ومخرجه وسره وعلانيته ومشهده ومغيبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله يَعْنِي الْمُؤَذّن {وَعمل صَالحا} صَامَ وَصلى
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن قيس بن أبي حَازِم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ الْأَذَان {وَعمل صَالحا} قَالَ: الصَّلَاة بَين الآذان والاقامة قَالَ الْخَطِيب: قَالَ أَبُو بكر النقاش رَضِي الله عَنهُ قَالَ لي أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي تَفْسِيره عشرُون وَمِائَة ألف حَدِيث لَيْسَ فِيهِ هَذَا الحَدِيث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَاصِم بن هُبَيْرَة قَالَ: إِذا فرغت من اذانك فَقل: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَأَنا من الْمُسلمين ثمَّ قَرَأَ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن المؤذنين أطول النَّاس أعناقاً يَوْم الْقِيَامَة

(7/325)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة والديلمي عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِلَال سيد المؤذنين يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يتبعهُ إِلَّا مُؤمن والمؤذنون أطول النَّاس أعناقاً يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مد صَوته ويصدقه كل رطب ويابس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل: مَا عَمَلك قَالَ: الآذان قَالَ: نعم الْعَمَل عَمَلك يشْهد لَك كل شَيْء سَمعك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أطقت الآذان مَعَ الخليفي لأذنت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لِأَن أقوى على الآذان أحب إليّ من أَن أحج أَو أعتمر أَو أجاهد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو كنت مُؤذنًا مَا باليت أَن لَا أحج وَلَا أغزو
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من أذن كتب لَهُ سَبْعُونَ حَسَنَة وَإِن أَقَامَ فَهُوَ أفضل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق هِشَام عَن يحيى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو علم النَّاس مَا فِي الآذان لتجاذبوه قَالَ وَكَانَ يُقَال: ابتدروا الآذان وَلَا تبتدروا الإِمامة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب أول مَا يكسى يَوْم الْقِيَامَة

الْآيَات 34 - 35

(7/326)


وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ بِالصبرِ عِنْد الْغَضَب والحلم عِنْد الْجَهْل وَالْعَفو عِنْد الإِساءة فَإِذا فعلوا ذَلِك عصمهم الله من الشَّيْطَان وخضع لَهُم عدوهم {كَأَنَّهُ ولي حميم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: ألقه بِالسَّلَامِ {فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: السَّلَام إِن تسلم عَلَيْهِ إِذا لَقيته
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كَأَنَّهُ ولي حميم} قَالَ: ولي رَقِيب
وَفِي قَوْله {إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا} قَالَ: وَالله لَا يُصِيبهَا صَاحبهَا حَتَّى يَكْظِم غيظاً ويصفح عَن بعض مَا يكره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا وَمَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم} قَالَ: الرجل يشتمه أَخُوهُ فَيَقُول إِن كنت صَادِقا يغْفر الله لي وَإِن كنت كَاذِبًا يغْفر الله لَك
وَالله أعلم

الْآيَة 36

(7/327)


وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سُلَيْمَان بن صرد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: استب رجلَانِ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاشْتَدَّ غضب

(7/327)


أَحدهمَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ الْغَضَب
أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
فَقَالَ الرجل أمجنون تراني فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: استب رجلَانِ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى عرف الْغَضَب فِي وَجه أَحدهمَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا ذهب غَضَبه
أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إتقوا الْغَضَب فَإِنَّهَا جَمْرَة توقد فِي قلب ابْن آدم ألم ترَ انتفاخ أوداجه وَحُمرَة عَيْنَيْهِ فَمن أحس من ذَلِك شَيْئا فليلزق بِالْأَرْضِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن خَيْثَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال إِن الشَّيْطَان يَقُول: كَيفَ يغلبني ابْن آدم إِذا رَضِي حَيْثُ أكون فِي قلبه وَإِذا غضب طرت حَيْثُ أكون على رَأسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ جعل يسند حَتَّى يسْتَند السارية ثمَّ يَقُول ألعنك بلعنة الله التَّامَّة فَقَالَ بعض أَصْحَابه: يَا نَبِي الله مَا شَيْء رَأَيْنَاك تَصنعهُ قَالَ: أَتَانِي الشَّيْطَان بشهاب من نَار ليحرقني بِهِ فلعنته بلعنة الله التَّامَّة فانكب لفيه وطفئت ناره

الْآيَات 37 - 38

(7/328)


وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)

أخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(7/328)


لَا تسبوا اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا الشَّمْس وَلَا الْقَمَر وَلَا الرِّيَاح فَإِنَّهَا ترسل رَحْمَة لقوم وَعَذَابًا لقوم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {لَا يسأمون} قَالَ: لَا يملون وَلَا يفترون قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: من الْخَوْف لَا ذِي سأمة من عبَادَة وَلَا مُؤمن طول التَّعَبُّد يجْهد وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يسْجد بآخر الْآيَتَيْنِ من (حم) السَّجْدَة وَكَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يسْجد الأولى مِنْهُمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي إِسْحَق قَالَ: كَانَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ وَأَصْحَابه يَسْجُدُونَ بِالْآيَةِ الأولى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن رجل من بني سليم أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد بِالْآيَةِ الأولى
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يسْجد بِالْآيَةِ الأولى
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَبدة بن حسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَله صُحْبَة أَنه سجد فِي الْآيَة الأولى من (حم)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يسْجد فِي الْآيَة الْأَخِيرَة

الْآيَة 39

(7/329)


وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة} قَالَ: غبراء متهشمة {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} قَالَ: [] تغرف الْغَيْث وربوها إِذا مَا أَصَابَهَا

(7/329)


وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اهتزت} قَالَ: بالنبات {وربت} قَالَ: ارتعشت قبل أَن تنْبت

الْآيَة 40

(7/330)


إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} قَالَ: هُوَ أَن يوضع الْكَلَام على غير مَوْضِعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} قَالَ: هُوَ أَن يوضع الْكَلَام على غير مَوْضِعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} قَالَ: إلحاد مَا ذكر مَعَه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ الإِلحاد التَّكْذِيب
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن كَلَام الله فضعوه على موَاضعه وَلَا تتبعوا فِيهِ هواكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير} قَالَ: أَبُو جهل بن هِشَام {أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن بشير بن تَمِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل وعمار بن يَاسر {أَفَمَن يلقى فِي النَّار} أَبُو جهل {أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} عمار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} نزلت فِي عمار بن يَاسر وَفِي أبي جهل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} قَالَ: هَذَا وَعِيد
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} قَالَ: خَيَّركُمْ وأمركم

(7/330)


بِالْعَمَلِ وَاتخذ الْحجَّة وَبعث رَسُوله وَأنزل كِتَابه وشرّع شرائعه حجَّة وتقدمة إِلَى خلقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} قَالَ: هَذَا لأهل بدرخاصة
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر أَن السَّمَاء فرجت يَوْم بدر فَقيل {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فأبيحت لَهُم الْأَعْمَال

الْآيَات 41 - 42

(7/331)


إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو سُئِلَ: مَا الْمخْرج مِنْهَا فَقَالَ: كتاب الله الْعَزِيز الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه {تَنْزِيل من حَكِيم حميد}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن سعد لَا أَحْسبهُ إِلَّا أسْندهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مثل الْقُرْآن وَمثل النَّاس كَمثل الأَرْض والغيث بَيْنَمَا الأَرْض ميتَة هامدة ثمَّ لَا يزَال ترسل الْأَدْوِيَة حَتَّى تبذر وتنبت وَيتم شَأْنهَا وَيخرج الله مَا فِيهَا من زينتها ومعايش النَّاس وَكَذَلِكَ فعل الله بِهَذَا الْقُرْآن وَالنَّاس
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم} إِلَى قَوْله {حميد} فَقَالَ: إِنَّكُم لن ترجعوا إِلَى الله بِشَيْء أحب إِلَيْهِ من شَيْء خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم لن ترجعوا إِلَى الله بِشَيْء أفضل مِمَّا خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَطِيَّة بن قيس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا تكلم الْعباد بِكَلَام أحب إِلَى الله من كَلَامه وَمَا أناب الْعباد إِلَى الله بِكَلَام أحب إِلَيْهِ من كَلَامه بِالذكر قَالَ بِالْقُرْآنِ

(7/331)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} قَالَ: لَا يدْخل فِيهِ الشَّيْطَان مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا أحد من الْكَفَرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الضريس عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} قَالَ: أعزه الله لِأَنَّهُ كَلَامه وَحفظه من الْبَاطِل وَالْبَاطِل إِبْلِيس لَا يَسْتَطِيع أَن ينقص مِنْهُ حَقًا وَلَا يزِيد فِيهِ بَاطِلا

الْآيَة 43

(7/332)


مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يُقَال لَك} من التَّكْذِيب {إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك} فَكَمَا كذبت فقد كذبُوا وكما صَبَرُوا على أَذَى قَومهمْ لَهُم فاصبر على أَذَى قَوْمك إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك} قَالَ: من الْأَذَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: تَعْزِيَة

آيَة 44

(7/332)


وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجمياً} الْآيَة يَقُول لَو جعلنَا الْقُرْآن أعجمياً وَلِسَانك يَا مُحَمَّد عَرَبِيّ

(7/332)


{لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} يأتينا بِهِ مُخْتَلفا أَو مختلطاً {لَوْلَا فصلت آيَاته} فَكَانَ الْقُرْآن مثل اللِّسَان يَقُول فَلم يفعل لِئَلَّا يَقُولُوا فَكَانَت حجَّة عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَو نزل أعجمياً قَالَ الْمُشْركُونَ: كَيفَ يكون أعجمياً وَهُوَ عَرَبِيّ وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت: قُرَيْش لَوْلَا أنزل هَذَا الْقُرْآن أعجمياً وعربياً فَأنْزل الله {لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} وَأنزل الله تَعَالَى بعد هَذِه الْآيَة فِيهِ بِكُل لِسَان حِجَارَة من سجيل قَالَ ابْن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
وَالْقِرَاءَة على هَذَا أعجمي بالاستفهام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي الْقُرْآن بِكُل لِسَان
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ ينادون من مَكَان بعيد} قَالَ: بعيد من قُلُوبهم

الْآيَات 45 - 46

(7/333)


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك} قَالَ: سبق لَهُم من الله حِين واجلهم [] بالغرة

الْآيَات 47 - 54

(7/334)


إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها} قَالَ: حِين تطلع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {آذناك} أعلمناك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {لَا يسأم الإِنسان} قَالَ: لَا يمل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَئِن أذقناه رَحْمَة منا} الْآيَة
قَالَ: عَافِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق} قَالَ: كَانُوا يسافرون فيرون آثَار عَاد وَثَمُود يَقُولُونَ وَالله لقد صدق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا أَرَاهُم فِي أنفسهم} قَالَ: الْأَمْرَاض

(7/334)