الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (42)
سُورَة الشورى
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: نزلت {حم عسق} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: أنزلت بِمَكَّة {حم عسق}
الْآيَات 1 - 4
(7/335)
حم (1) عسق (2)
كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن
جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ ذَات لَيْلَة {حم
عسق} فرددها مرَارًا {حم عسق} فِي بَيت مَيْمُونَة
فَقَالَ: يَا مَيْمُونَة أَمَعَك {حم عسق} قَالَت: نعم قَالَ:
فاقرئيها فَلَقَد نسيت مَا بَين أَولهَا وَآخِرهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن مَيْمُونَة قَالَت:
قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حم عسق} فَقَالَ:
يَا مَيْمُونَة أتعرفين {حم عسق} لقد نسيت مَا بَين أَولهَا
وَآخِرهَا
قَالَت: فقرأتها فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم ونعيم بن حَمَّاد والخطيب
عَن ابْن [] قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - وَعِنْده حُذَيْفَة بن الْيَمَان - رَضِي الله
عَنهُ - فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن تَفْسِير {حم عسق} فاعرض عَنهُ
ثمَّ كرر مقَالَته فاعرض عَنهُ ثمَّ كررها الثَّالِثَة فَلم
يجبهُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة: رَضِي الله
(7/335)
عَنهُ - أَنا أنبئك بهَا لم كررتها نزلت
فِي رجل من أهل بَيته يُقَال لَهُ عبد إِلَه أَو عبد الله ينزل
على نهر من أَنهَار الْمشرق يَبْنِي عَلَيْهِ مدينتين يشق
النَّهر بَينهمَا شقاً يجْتَمع فِيهَا كل جَبَّار عنيد فَإِذا
أذن الله فِي زَوَال ملكهم وَانْقِطَاع دولتهم ومدتهم بعث الله
على إحدهما نَارا لَيْلًا فَتُصْبِح سَوْدَاء مظْلمَة قد
احترقت كَأَنَّهَا لم تكن مَكَانهَا وتصبح صاحبتها متعجبة
كَيفَ أفلتت فَمَا هُوَ إِلَّا بَيَاض يَوْمهَا وَذَلِكَ
حَتَّى يجْتَمع فِيهَا كل جَبَّار عنيد مِنْهُم ثمَّ يخسف الله
بهَا وبهم جَمِيعًا فَذَلِك عدل مِنْهُ سين - يَعْنِي سَيكون
ق - يَعْنِي وَاقع بِهَاتَيْنِ المدينتين
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي
مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صعد عمر بن الْخطاب رَضِي
الله عَنهُ الْمِنْبَر فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَل سمع
أحد مِنْكُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {حم
عسق} فَوَثَبَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: إِن
حم اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى
قَالَ: فعين قَالَ: عاين الْمَذْكُور عَذَاب يَوْم بدر
قَالَ: فسين قَالَ: (سَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب
يَنْقَلِبُون) (الشُّعَرَاء الْآيَة 227) قَالَ: فقاف فَسكت
فَقَامَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ ففسر كَمَا فسر ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ: قَاف قَارِعَة من
السَّمَاء تصيب النَّاس
الْآيَات 5 - 9
(7/336)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ
أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ
حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ
الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ
فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ
وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ
الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ هَذِه الْآيَة
تكَاد السَّمَوَات يتفطرن من فوقهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا تكَاد
السَّمَوَات ينفطرن من فوقهن قَالَ: مِمَّن فوقهن وَقرأَهَا
خصيف بِالتَّاءِ الْمُشَدّدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن من فوقهن} قَالَ:
من عَظمَة الله تَعَالَى وجلاله وَأخرج عبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {تكَاد السَّمَاوَات
يتفطرن من فوقهن} قَالَ: من الثّقل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن
فِي الأَرْض} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام
يَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ:
كَانَ أَصْحَاب عبد الله يَقُولُونَ: الْمَلَائِكَة خير من
ابْن الْكواء يسبحون بِحَمْد رَبهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي
الأَرْض وَابْن الْكواء يشْهد عَلَيْهِم بالْكفْر
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وتنذر يَوْم
الْجمع} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
قَوْله تَعَالَى: {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير}
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن
عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده كِتَابَانِ فَقَالَ:
أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الكتابان قُلْنَا لَا أَلا أَن تخبرنا
يَا رَسُول الله قَالَ: للَّذي فِي يَده الْيُمْنَى هَذَا كتاب
من رب الْعَالمين بأسماء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم
وقبائلهم ثمَّ أجمل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص
مِنْهُم ثمَّ قَالَ للَّذي فِي شِمَاله هَذَا كتاب من رب
الْعَالمين بأسماء أهل النَّار وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم
ثمَّ أجمل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم
أبدا فَقَالَ أَصْحَابه: فَفِيمَ الْعَمَل يَا رَسُول الله إِن
كَانَ قد فرغ مِنْهُ فَقَالَ: سددوا وقاربوا فَإِن صَاحب
الْجنَّة يخْتم لَهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة وَإِن عمل أَي
(7/337)
عمل ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: بيدَيْهِ فنبذهما ثمَّ قَالَ: فرغ ربكُم من
الْعباد {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي يَده كتاب ينظر فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ كَيفَ
وَهُوَ أُمِّي لَا يقْرَأ قَالَ: فعلمها رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء
أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم لَا يُزَاد فيهم
وَلَا ينقص مِنْهُم وَقَالَ: {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي
السعير} فرغ ربكُم من أَعمال الْعباد
الْآيَات 10 - 11
(7/338)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ
فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَمَا اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَحكمه
إِلَى الله} قَالَ: فَهُوَ يحكم فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {جعل لكم من
أَنفسكُم أَزْوَاجًا وَمن الْأَنْعَام أَزْوَاجًا يذرؤكم
فِيهِ} قَالَ: عَيْش من الله يعيشكم الله فِيهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يذرؤكم فِيهِ}
قَالَ: نَسْلًا من بعد نسل من النَّاس والأنعام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يذرؤكم} قَالَ:
يخلقكم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا
عبد الله رَضِي الله عَنهُ يمدح ربه إِذْ قَالَ مصعد: نعم الرب
يذكر
فَقَالَ عبد الله: إِنِّي لأَجله عَن ذَلِك {لَيْسَ كمثله
شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
الْآيَة 12
(7/339)
لَهُ مَقَالِيدُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن
مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله بن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن ربكُم لَيْسَ عِنْده ليل
وَلَا نَهَار نور السَّمَوَات من نور وَجهه إِن مِقْدَار كل
يَوْم من أيامكم عِنْده اثْنَتَا عشرَة سَاعَة فَيعرض عَلَيْهِ
أَعمالكُم بالْأَمْس أول النَّهَار وَالْيَوْم فَينْظر فِيهِ
ثَلَاث سَاعَات فَيطلع مِنْهَا على مَا يكره فيغضبه ذَلِك
وَأول من يعلم بغضبه الَّذين يحملون الْعَرْش وسرادقات
الْعَرْش وَالْمَلَائِكَة المقربون وَسَائِر الْمَلَائِكَة
وينفخ جِبْرِيل فِي الْقرن فَلَا يبْقى شَيْء إِلَّا سَمعه
إِلَّا الثقلَيْن: الْجِنّ والإِنس فيسبحونه ثَلَاث سَاعَات
حَتَّى يمتلىء الرَّحْمَن رَحْمَة فَتلك سِتّ سَاعَات ثمَّ
يُؤْتى بِمَا فِي الْأَرْحَام فَينْظر فِيهَا ثَلَاث سَاعَات
(هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء لَا إِلَه
إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم) (آل عمرَان 6) (يخلق مَا
يَشَاء يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور)
(الشورى 49) حَتَّى بلغ (عليم) فَتلك تسع سَاعَات ثمَّ ينظر
فِي أرزاق الْخلق كُله ثَلَاث سَاعَات (يبسط الرزق لمن يَشَاء
وَيقدر إِنَّه بِكُل شَيْء عليم) (الرَّعْد 26) فَتلك اثْنَتَا
عشرَة سَاعَة ثمَّ قَالَ: (كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن)
(الرَّحْمَن 29) فَهَذَا شَأْن ربكُم كل يَوْم
الْآيَات 13 - 14
(7/339)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ
الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ
يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ
يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ
بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ
نوحًا} : قَالَ: وصاك يَا مُحَمَّد وأنبياءه كلهم دينا
وَاحِدًا
(7/339)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير عَن قَتَادَة {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ
نوحًا} قَالَ: الْحَلَال وَالْحرَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: بعث نوح عَلَيْهِ السَّلَام حِين بعث بالشريعة
بتحليل الْحَلَال وَتَحْرِيم الْحَرَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن رفيع بَقِيَّة أهل الجزيرة
قَالَ: بعث الله نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام وَشرع لَهُ الدّين
فَكَانَ النَّاس فِي شَرِيعَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام مَا
كَانُوا فَمَا أطفأها إِلَّا الزندقة ثمَّ بعث الله مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام وَشرع لَهُ الدّين فَكَانَ النَّاس فِي
شَرِيعَة من بعد مُوسَى مَا كَانُوا فَمَا أطفأها إِلَّا
الزندقة ثمَّ بعث الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَشرع لَهُ
الدّين فَكَانَ النَّاس فِي شَرِيعَة عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَام مَا كَانُوا فَمَا أطفأها إِلَّا الزندقة قَالَ:
وَلَا يخَاف على هَلَاك هَذَا الدّين إِلَّا الزندقة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الحكم قَالَ: {شرع
لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} قَالَ: جَاءَ نوح عَلَيْهِ
السَّلَام بالشريعة بِتَحْرِيم الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات
وَالْبَنَات
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ {أَن
أقِيمُوا الدّين} قَالَ: اعْمَلُوا بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة: {أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ}
قَالَ: تعلمُوا أَن الْفرْقَة هلكة وَأَن الْجَمَاعَة ثِقَة
{كَبُرَ على الْمُشْركين مَا تدعوهم إِلَيْهِ}
قَالَ: استكبر الْمُشْركُونَ أَن قيل لَهُم: لَا إِلَه إِلَّا
الله ضانها إِبْلِيس وَجُنُوده ليردوها فَأبى الله إِلَّا أَن
يمضيها وينصرها ويظهرها على مَا ناوأها وَهِي كلمة من خَاصم
بهَا فلج وَمن انتصر بهَا نصر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
- رَضِي الله عَنهُ - {الله يجتبي إِلَيْهِ من يَشَاء} قَالَ:
يخلص لنَفسِهِ من يَشَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير -
رَضِي الله عَنهُ - {بغياً بَينهم} قَالَ: كثرت أَمْوَالهم
فبغى بَعضهم على بعض
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَيهْدِي إِلَيْهِ
من ينيب} قَالَ: من
(7/340)
يقبل إِلَى طَاعَة الله وَفِي قَوْله
{وَإِن الَّذين أورثوا الْكتاب من بعدهمْ} قَالَ: الْيَهُود
وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ {وَمَا
تفَرقُوا إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغياً بَينهم}
قَالَ: فِي الدُّنْيَا
الْآيَات 15 - 16
(7/341)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ
وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا
وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا
حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي
اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ
دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ
عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{وَأمرت لأعدل بَيْنكُم} قَالَ: أَمر نَبِي الله - صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم - ان يَعْدلَ فَعدل حَتَّى مَاتَ
وَالْعدْل ميزَان الله فِي الأَرْض بِهِ يَأْخُذ للمظلوم من
الظَّالِم وللضعيف من الشَّديد وبالعدل يصدق الله الصَّادِق
ويكذب الْكَاذِب وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {لَا
حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم} قَالَ: لَا خُصُومَة بَيْننَا
وَبَيْنكُم
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يحاجون فِي الله}
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {وَالَّذين
يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} قَالَ: هم أهل
الْكتاب كَانُوا يجادلون الْمُسلمين ويصدونهم عَن الْهدى من
بعد مَا اسْتَجَابُوا لله
وَقَالَ: هم قوم من أهل الضَّلَالَة وَكَانَ اسْتُجِيبَ على
ضلالتهم وهم يتربصون بِأَن تأتيهم الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
- رَضِي الله عَنهُ - {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا
اسْتُجِيبَ لَهُ} قَالَ: طمع رجال بِأَن تعود الْجَاهِلِيَّة
(7/341)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ
- فِي قَوْله {وَالَّذين يحاجون فِي الله} الْآيَة قَالَ: هم
الْيَهُود وَالنَّصَارَى حاجوا الْمُسلمين فِي رَبهم
فَقَالُوا: أنزل كتَابنَا قبل كتابكُمْ وَنَبِينَا قبل
نَبِيكُم فَنحْن أولى بِاللَّه مِنْكُم فَأنْزل الله (من كَانَ
يُرِيد حرث الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه وَمن كَانَ يُرِيد حرث
الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب)
(آل عمرَان الْآيَة 6) وَأما قَوْله: {من بعد مَا اسْتُجِيبَ
لَهُ} قَالَ: من بعد مَا اسْتَجَابَ الْمُسلمُونَ لله وصلوا
لله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ -
{وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ}
الْآيَة قَالَ: قَالَ أهل الْكتاب لأَصْحَاب مُحَمَّد - صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحن أولى بِاللَّه مِنْكُم فَأنْزل
الله {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ
حجتهم داحضة عِنْد رَبهم} يَعْنِي أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: لما نزلت (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح) (النَّصْر
الْآيَة 1) قَالَ الْمُشْركُونَ بِمَكَّة: لمن بَين أظهرهم من
الْمُؤمنِينَ قد دخل النَّاس فِي الدّين الله أَفْوَاجًا
فاخرجوا من بَين أظهرنَا فعلام تقيمون بَين أظهرنَا فَنزلت
{وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ}
الْآيَة
الْآيَة 17
(7/342)
اللَّهُ الَّذِي
أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ {الله الَّذِي أنزل
الْكتاب بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان} قَالَ: الْعدْل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ -
أَنه كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَة فَنظر إِلَى الشَّمْس حِين تدلت
مثل الترس للغروب فَبكى وَاشْتَدَّ بكاؤه وتلا قَول الله
تَعَالَى {الله الَّذِي أنزل الْكتاب بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان}
إِلَى {الْعَزِيز} فَقيل لَهُ فَقَالَ: ذكرت رَسُول الله - صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ وَاقِف بمكاني هَذَا فَقَالَ:
أَيهَا النَّاس لم يبْق من دنياكم هَذِه فِيمَا مضى إِلَّا
كَمَا بَقِي من يومكم هَذَا فِيمَا مضى
(7/342)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قد كَانَ الرجل منا يدْخل الْخَلَاء
فَيحمل الاداوة من المَاء فَإِذا خرج تَوَضَّأ خشيَة من أَن
تقوم السَّاعَة وَأَن يكون عِنْده الفصلة من الطَّعَام
فَيَقُول لَا آكلها حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَحْمد وهناد بن السّري وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه والضياء عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعثت أَنا والساعة كهاتين
الْآيَات 18 - 19
(7/343)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا
مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا
إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ
بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود -
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يتمناها
المتمنون فَقيل لَهُ {يستعجل بهَا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بهَا
وَالَّذين آمنُوا مشفقون مِنْهَا} قَالَ: إِنَّمَا يتمنونها
خشيَة على إِيمَانهم
الْآيَة 20
(7/343)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة} قَالَ: عَيْش
الْآخِرَة {نزد لَهُ فِي حرثه} {وَمن كَانَ يُرِيد حرث
الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا} الْآيَة قَالَ: من يُؤثر دُنْيَاهُ
على آخرته لم يَجْعَل لَهُ نَصِيبا فِي الْآخِرَة إِلَّا
النَّار وَلم يَزْدَدْ بذلك من الدُّنْيَا شَيْئا إِلَّا رزقا
قد فرغ مِنْهُ وَقسم لَهُ
(7/343)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن
قَتَادَة {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة} قَالَ: من كَانَ
يُرِيد عَيْش الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه {وَمن كَانَ يُرِيد
حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من
نصيب} قَالَ: من يُؤثر دُنْيَاهُ على آخرته لم يَجْعَل الله
لَهُ نَصِيبا فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَلم يَزْدَدْ بذلك
من الدُّنْيَا شَيْئا إِلَّا رزقا قد فرغ مِنْهُ وَقسم لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس - رَضِي
الله عَنهُ {وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا
وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن
حبَان عَن أبي بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بشر هَذِه الْأمة بالسنا
والرفعة والنصر والتمكين فِي الأَرْض مَا لم يطلبوا الدُّنْيَا
بِعَمَل الْآخِرَة فَمن عمل مِنْهُم عمل الْآخِرَة للدنيا لم
يكن لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: تَلا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة
نزد لَهُ فِي حرثه} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: يَقُول الله: ابْن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى
وَأسد فقرك وَإِلَّا تفعل مَلَأت صدرك شغلا وَلم أَسد فقرك
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر - رَضِي الله
عَنْهُمَا - مَرْفُوعا: من جعل الْهم هما وَاحِدًا كَفاهُ الله
هم دُنْيَاهُ وَمن تشعبته الهموم لم يبالِ الله فِي أَي
أَوديَة الدُّنْيَا هلك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: الْحَرْث حرثان فحرث الدُّنْيَا المَال
والبنون وحرث الْآخِرَة الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن مرّة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
ذكر عِنْد عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قوم
قتلوا فِي سَبِيل الله فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ على مَا تذهبون
وترون إِنَّه إِذا التقى الزحقان نزلت الْمَلَائِكَة فَكتبت
النَّاس على مَنَازِلهمْ فلَان يُقَاتل للدنيا وَفُلَان
يُقَاتل للْملك وَفُلَان يُقَاتل للذّكر وَنَحْو هَذَا
وَفُلَان يُقَاتل يُرِيد وَجه الله فَمن قتل يُرِيد وَجه الله
فَذَلِك فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن رزين بن حُصَيْن - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره
على عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - فَلَمَّا بلغت
الحواميم قَالَ لي: قد بلغت عرائس الْقُرْآن فَلَمَّا بلغت
اثْنَتَيْنِ وَعشْرين آيَة من {حم عسق} بَكَى ثمَّ قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك اخبات المخبتين وخلاص الموقنين
ومرافقة الْأَبْرَار وَاسْتِحْقَاق حقائق الإِيمان وَالْغنيمَة
من كل بر والسلامة من كل إِثْم ورجوت رحمتك والفوز بِالْجنَّةِ
والنجاة من النَّار ثمَّ قَالَ: يَا
(7/344)
رزين إِذْ ختمت فَادع بِهَذِهِ فَإِن
رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمرنِي أَن أَدْعُو
بِهن عِنْد ختم الْقُرْآن
الْآيَات 21 - 26
(7/345)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ
وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى
الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ
بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي
رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ
ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي
يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً
نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
(23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ
يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ
الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ
عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ
لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَوْلَا كلمة الْفَصْل} قَالَ: يَوْم
الْقِيَامَة أخروا إِلَيْهِ وَفِي قَوْله {روضات الجنات}
قَالَ: الْمَكَان الْمُوفق
أما قَوْله تَعَالَى: {لَهُم مَا يشاؤون}
أخرج ابْن جرير عَن أبي ظَبْيَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
إِن السرب من أهل الْجنَّة لتظلهم السحابة فَتَقول مَا أمطركم
قَالَ: فَمَا يَدْعُو دَاع من الْقَوْم بِشَيْء إِلَّا أمطرتهم
حَتَّى أَن الْقَائِل مِنْهُم ليقول: أمطرينا كواعب أَتْرَابًا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه
(7/345)
من طَرِيق طَاوس عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي
الله عَنْهُمَا - أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {إِلَّا الْمَوَدَّة
فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سعيد بن جُبَير: - رَضِي الله عَنهُ -
قربى آل مُحَمَّد فَقَالَ ابْن عَبَّاس: - رَضِي الله
عَنْهُمَا - عجلت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن
بطن من قُرَيْش إِلَّا كَانَ لَهُ فيهم قرَابَة فَقَالَ:
إِلَّا أَن تصلوا مَا بيني وَبَيْنكُم من الْقَرَابَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله
عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا أَن تودوني فِي
نَفسِي لقرابتي مِنْكُم وتحفظوا الْقَرَابَة الَّتِي بيني
وَبَيْنكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل
عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَكثر النَّاس
علينا فِي هَذِه الْآيَة {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا
إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فكتبنا إِلَى ابْن عَبَّاس
- رَضِي الله عَنهُ - نَسْأَلهُ فَكتب ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
وَاسِط النّسَب فِي قُرَيْش لَيْسَ بطن من بطونهم إِلَّا وَقد
ولدوه فَقَالَ الله {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} على مَا
أدعوكم إِلَيْهِ {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} تودوني
لقرابتي مِنْكُم وتحفظوني بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى}
قَالَ: كَانَ لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -
قرَابَة من جَمِيع قُرَيْش فَلَمَّا كذبوه وأبوا أَن يبايعوه
قَالَ: يَا قوم إِذا أَبَيْتُم أَن تُبَايِعُونِي فاحفظوا
قَرَابَتي فِيكُم وَلَا يكون غَيْركُمْ من الْعَرَب أولى بحفظي
ونصرتي مِنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق
الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ:
نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة
وَكَانَ الْمُشْركُونَ يُؤْذونَ رَسُول الله - صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله تَعَالَى: {قل} لَهُم يَا
مُحَمَّد {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ} يَعْنِي على مَا أدعوكم
إِلَيْهِ {أجرا} عوضا من الدُّنْيَا {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي
الْقُرْبَى} إِلَّا الْحِفْظ لي فِي قَرَابَتي فِيكُم قَالَ:
الْمَوَدَّة إِنَّمَا هِيَ لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم - فِي قرَابَته فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة أحب
أَن يلْحقهُ بإخوته من الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم السَّلَام -
فَقَالَ: {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} فَهُوَ لكم (إِن أجري
إِلَّا على الله) يَعْنِي ثَوَابه وكرامته فِي الْآخِرَة كَمَا
قَالَ: نوح عَلَيْهِ السَّلَام
(7/346)
(وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري
إِلَّا على رب الْعَالمين) (الشُّعَرَاء الْآيَة 109) وكما
قَالَ هود وَصَالح وَشُعَيْب: لم يستثنوا أجرا كَمَا اسْتثْنى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرده عَلَيْهِم
وَهِي مَنْسُوخَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد - رَضِي الله
عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآيَة {قل لَا أَسأَلكُم} على
مَا أتيتكم بِهِ من الْبَينَات وَالْهدى {أجرا} إِلَّا أَن
تودوا الله وَأَن تتقربوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي
الله عَنهُ - فِي قَوْله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا
إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: أَن تتبعوني
وتصدقوني وتصلوا رحمي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ:
إِن مُحَمَّدًا قَالَ: لقريش: لَا أَسأَلكُم من أَمْوَالكُم
شَيْئا وَلَكِن أَسأَلكُم أَن تودوني لقرابة مَا بيني
وَبَيْنكُم فَإِنَّكُم قومِي وأحق من أَطَاعَنِي وأجابني
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى}
قَالَ: تحفظوني فِي قَرَابَتي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
- رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة - قَالَ: إِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن فِي قُرَيْش بطن إِلَّا
وَله فيهم أم حَتَّى كَانَت لَهُ من هُذَيْل أم فَقَالَ الله:
{قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} إِلَّا أَن تحفظوني فِي
قَرَابَتي إِن كذبتموني فَلَا تؤذوني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ:
قَالَت الْأَنْصَار: فعلنَا وَفعلنَا وَكَأَنَّهُم فَخَروا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - لنا الْفضل
عَلَيْكُم فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَتَاهُم فِي مجَالِسهمْ فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار ألم
تَكُونُوا أَذِلَّة فَأَعَزكُم الله قَالُوا: بلَى يَا رَسُول
الله قَالَ: أَفلا تُجِيبُونِي قَالُوا: مَا تَقول يَا رَسُول
الله قَالَ: أَلا تَقولُونَ: ألم يخْرجك قَوْمك فَآوَيْنَاك
أَو لم يُكذِّبُوك فَصَدَّقْنَاك أَو لم يَخْذُلُوك
(7/347)
فَنَصَرْنَاك فَمَا زَالَ يَقُول: حَتَّى
جثوا على الركب وَقَالُوا: أَمْوَالنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا
لله وَرَسُوله فَنزلت {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا
الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه
بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَت
الْأَنْصَار فِيمَا بَينهم: لَوْلَا جَمعنَا لرَسُول الله -
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَالا يبسط يَده لَا يحول بَينه
وَبَينه أحد فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا أردنَا أَن
نجمع لَك من أَمْوَالنَا فَأنْزل الله: {قل لَا أَسأَلكُم
عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فَخَرجُوا
مُخْتَلفين فَقَالُوا: لمن ترَوْنَ مَا قَالَ رَسُول الله -
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: بَعضهم إِنَّمَا قَالَ
هَذَا لنقاتل عَن أهل بَيته وننصرهم
فَأنْزل الله: {أم يَقُولُونَ افترى على الله كذبا} إِلَى
قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده} فَعرض
لَهُم بِالتَّوْبَةِ إِلَى قَوْله: {ويستجيب الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات ويزيدهم من فَضله} هم الَّذين قَالُوا
هَذَا: أَن يتوبوا إِلَى الله ويستغفرونه
وَأخرج أَبُو نعيم والديلمي من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا
الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} أَن تحفظوني فِي أهل بَيْتِي
وتودّوهم بِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق سعيد بن جُبَير
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {قل لَا
أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى}
قَالُوا: يَا رَسُول الله من قرابتك هَؤُلَاءِ الَّذين وَجَبت
مَوَدَّتهمْ قَالَ: عَليّ وَفَاطِمَة وولداها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير {إِلَّا
الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: قربى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الديلم قَالَ: لما جِيءَ بعلي بن
الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ - أَسِيرًا فأقيم على درج دمشق
قَامَ رجل من أهل الشَّام فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي قتلكم
واستأصلكم فَقَالَ لَهُ عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِي الله
عَنهُ: أَقرَأت الْقُرْآن قَالَ: نعم
قَالَ: أَقرَأت آل حم لَا
قَالَ: أما قَرَأت {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا
الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: فَإِنَّكُم لَأَنْتُم هم
قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَمن يقترف حَسَنَة}
قَالَ: الْمَوَدَّة لآل مُحَمَّد
(7/348)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن الْمطلب بن ربيعَة - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: دخل الْعَبَّاس على رَسُول الله - صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنَّا لنخرج فنرى قُريْشًا
تحدث فَإِذا رأونا سكتوا فَغَضب رَسُول الله - صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم - ودر عرق بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ: وَالله
لَا يدْخل قلب امرىء مُسلم إِيمَان حَتَّى يحبكم لله ولقرابتي
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن زيد بن
أَرقم: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أذكركم
الله فِي أهل بَيْتِي
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْأَنْبَارِي فِي
الْمَصَاحِف عَن زيد بن أَرقم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي تَارِك
فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أَحدهمَا أعظم من
الآخر كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض
وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عليّ
الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَحبُّوا الله لما
يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: ارقبوا مُحَمَّدًا - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أهل
بَيته
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: من أبغضنا أهل الْبَيْت فَهُوَ مُنَافِق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبغضنا أحد وَلَا
يحسدنا أحد إِلَّا ذيد يَوْم الْقِيَامَة بسياط من نَار
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ لَا يبغضنا أهل الْبَيْت رجل إِلَّا أدخلهُ الله
النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب من طَرِيق أبي الضُّحَى عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ الْعَبَّاس
إِلَى رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ:
إِنَّك قد تركت فِينَا ضغائن مُنْذُ صنعت الَّذِي صنعت فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبلغُوا الْخَيْر أَو
الإِيمان حَتَّى يحبوكم
(7/349)
وَأخرج الْخَطِيب من طَرِيق أبي الضُّحَى
عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت:
أَتَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَسُول الله - صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا لنعرف
الضغائن فِي أنَاس من قَومنَا من وقائع أوقعناها فَقَالَ: أما
وَالله إِنَّهُم لن يبلغُوا خيرا حَتَّى يحبوكم لقرابتي ترجو
سليم شَفَاعَتِي وَلَا يرجوها بَنو عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن الْحسن بن عَليّ - رَضِي
الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لكل شَيْء أساس وأساس الإِسلام حب أَصْحَاب رَسُول الله
- صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَحب أهل بَيته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي
قَوْله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة
فِي الْقُرْبَى} قَالَ: مَا كَانَ النَّبِي - صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم - يسألهم على هَذَا الْقُرْآن أجرا وَلكنه
أَمرهم أَن يتقربوا إِلَى الله بِطَاعَتِهِ وَحب كِتَابه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن - رَضِي
الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كل من تقرب إِلَى الله
بِطَاعَتِهِ وَجَبت عَلَيْهِ محبته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِلَّا
الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: إِلَّا التَّقَرُّب إِلَى
الله بِالْعَمَلِ الصَّالح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: كن لَهُ
عشر أُمَّهَات فِي المشركات وَكَانَ إِذا مر بهم أذوه فِي
تنقيصهن وشتمهن فَهُوَ قَوْله: {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي
الْقُرْبَى} يَقُول: لَا تؤذوني فِي قَرَابَتي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
- رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {إِن الله غَفُور شكور}
قَالَ: غَفُور للذنوب شكور للحسنات يُضَاعِفهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
فِي قَوْله: {فَإِن يشإ الله يخْتم على قَلْبك} قَالَ: إِن يشإ
الله أنساك مَا قد آتاك وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي
قَوْله: {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده} أَن أَبَا
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من أحدكُم يجد
ضالته فِي الْمَكَان الَّذِي يخَاف أَن يقْتله فِيهِ الْعَطش
(7/350)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لله أفرح بتوبة أحدكُم من أحدكُم بضالته إِذا
وجدهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لله أفرح بتوبة العَبْد من رجل نزل منزلا مهلكة
وَمَعَهُ رَاحِلَته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَوضع رَأسه
فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهبت رَاحِلَته فطلبها
حَتَّى إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطش وَالْحر قَالَ: ارْجع
إِلَى مَكَاني الَّذِي كنت فِيهِ فأنام حَتَّى أَمُوت فَرجع
فَنَامَ نومَة ثمَّ رفع رَأسه فَإِذا رَاحِلَته عِنْده
عَلَيْهِ زَاده وَطَعَامه وَشَرَابه فَالله أَشد فَرحا بتوبة
العَبْد الْمُؤمن من هَذَا براحلته وزاده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه
سُئِلَ عَن الرجل يفجر بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يتزوّجها قَالَ: لَا
بَأْس بِهِ ثمَّ قَرَأَ {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن
عباده}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عتبَة بن الْوَلِيد
حَدثنِي بعض الرهاويين قَالَ: سمع جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
خَلِيل الرَّحْمَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ
يَقُول: يَا كريم الْعَفو فَقَالَ: لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام وَتَدْرِي مَا كريم الْعَفو قَالَ: لَا يَا جِبْرِيل
قَالَ: ان يعْفُو عَن السَّيئَة ويكتبها حَسَنَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن الْأَخْنَس
قَالَ: امترينا فِي قِرَاءَة هَذَا الْحَرْف: وَيعلم مَا
يَفْعَلُونَ أَو تَفْعَلُونَ فأتينا ابْن مَسْعُود فَقَالَ:
تَفْعَلُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه
قَرَأَ فِي {حم عسق} {وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ} بِالتَّاءِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَلمَة بن سُبْرَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: خَطَبنَا معَاذ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَنْتُم
الْمُؤْمِنُونَ وَأَنْتُم أهل الْجنَّة وَالله إِنِّي لأطمع
أَن يكون عَامَّة من تنصبون بِفَارِس وَالروم فِي الْجنَّة
فَإِن أحدهم يعْمل الْخَيْر فَيَقُول أَحْسَنت بَارك الله فِيك
أَحْسَنت رَحِمك الله وَالله يَقُول: {ويستجيب الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات ويزيدهم من فَضله}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي إِبْرَاهِيم
اللَّخْمِيّ فِي قَوْله: {ويزيدهم من فَضله} قَالَ يشفعون فِي
إخْوَان اخوانهم
(7/351)
الْآيَة 27
(7/352)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ
الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ
يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ
بَصِيرٌ (27)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ
وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ
فِي شعب الإِيمان بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هانىء الْخَولَانِيّ
قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن حُرَيْث وَغَيره يَقُولُونَ: إِنَّمَا
أنزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب الصّفة
{وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض}
وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: لَو أَن لنا فتمنوا الدُّنْيَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب
الصّفة {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض}
وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: لَو أَن لنا فتمنوا الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يُقَال خير
الرزق مَا لَا يُطْغِيك وَلَا يُلْهِيك
قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: أخوف مَا أَخَاف على أمتِي زهرَة الدُّنْيَا وزخرفها
فَقَالَ لَهُ قَائِل: يَا نَبِي الله هَل يَأْتِي الْخَيْر
بِالشَّرِّ فَأنْزل الله عَلَيْهِ عِنْد ذَلِك {وَلَو بسط الله
الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض} وَكَانَ إِذا نزل
عَلَيْهِ كُرْبُ لذَلِك وتَرَبَّدَ وَجهه حَتَّى إِذا سري
عَنهُ
قَالَ: هَل يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ يَقُولهَا ثَلَاثًا
إِن الْخَيْر لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيرِ وَلكنه وَالله مَا
كَانَ ربيع قطّ إِلَّا أحبط أَو ألم فاما عبد أعطَاهُ الله
مَالا فَوَضعه فِي سَبِيل الله الَّتِي افْترض وارتضى فَذَلِك
عبد أُرِيد بِهِ خير وعزم لَهُ على الْخَيْر وَأما عبد أعطَاهُ
الله مَالا فَوَضعه فِي شهواته ولذاته وَعدل عَن حق الله
عَلَيْهِ فَذَلِك عبد أُرِيد بِهِ شَرّ وعزم لَهُ على شَرّ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّيَالِسِي وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن أبي سعيد رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ان أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم مَا يخرج الله لكم من زهرَة
الدُّنْيَا وَزينتهَا فَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله
أويأتي الْخَيْر بِالشَّرِّ فَسكت عَنهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَرَأَيْنَا أَنه ينزل عَلَيْهِ فَقيل لَهُ:
مَا شَأْنك تكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا
يكلمك فَسرِّي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل
يمسح عَنهُ الرحضاء فَقَالَ: أَيْن السَّائِل فَرَأَيْنَا أَنه
حَمده فَقَالَ: إِن الْخَيْر لَا يَأْتِي بِالشَّرِّ وَإِن
مِمَّا ينْبت الرّبيع يقتل حَبطًا أَو يلم الا آكِلَة الْخضر
فَإِنَّهَا أكلت حَتَّى امْتَلَأت
(7/352)
خاصرتاها فاستقبلت عين الشَّمْس فثلطت
وبالت ثمَّ رتعت وان المَال حلوة خضرَة وَنعم صَاحبهَا
الْمُسلم هُوَ ان وصل الرَّحِم وَأنْفق فِي سَبِيل الله وَمثل
الَّذِي يَأْخُذهُ بِغَيْر حَقه كَمثل الَّذِي يَأْكُل وَلَا
يشْبع وَيكون عَلَيْهِ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَو بسط الله الرزق
لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض} قَالَ: كَانَ يُقَال خير
الْعَيْش مَا لَا يُطْغِيك وَلَا يُلْهِيك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَوْلِيَاء والحكيم
التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه
وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن
أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن جِبْرِيل عَن الله عز وَجل قَالَ: يَقُول الله عز وَجل: من
أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وَإِنِّي لأغضب لأوليائي
كَمَا يغْضب اللَّيْث الحرود وَمَا تقرب إِلَيّ عَبدِي
الْمُؤمن بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ وَمَا يزَال عَبدِي
الْمُؤمن يتَقرَّب إليَّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته
كنت لَهُ سمعا وبصراً ويداً ومؤيداً إِن دَعَاني أَجَبْته
وَإِن سَأَلَني أَعْطيته وَمَا ترددت فِي شَيْء أَنا فَاعله
ترددي فِي قبض روح عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته
وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ وَإِن من عبَادي الْمُؤمنِينَ لمن
يسألني الْبَاب من الْعِبَادَة فأكفه عَنهُ أَن لَا يدْخلهُ
عجب فيفسده ذَلِك وَإِن من عبَادي الْمُؤمنِينَ لمن لَا يصلح
إيمَانه إِلَّا الصِّحَّة وَلَو أسقمته لأفسده ذَلِك وَإِن من
عبَادي الْمُؤمنِينَ لمن لَا يصلح إيمَانه إِلَّا السقم وَلَو
أصححته لأفسده ذَلِك إِنِّي أدبر أَمر عبَادي بعلمي بقلوبهم
إِنِّي عليم خَبِير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا} قَالَ:
الْمَطَر
الْآيَات 28 - 29
(7/353)
وَهُوَ الَّذِي
يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ
رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ
خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ
دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا قَالَ لعمر
رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قحط الْمَطَر
وَقَنطَ النَّاس فَقَالَ عمر: مطرتم إِذا ثمَّ قَرَأَ {وَهُوَ
الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا}
(7/353)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من بعد
مَا قَنطُوا} قَالَ: يئسوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
بلغنَا أَنه يُسْتَجَاب الدُّعَاء عِنْد الْمَطَر ثمَّ تَلا
هَذِه الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا
قَنطُوا}
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سهل بن سعد
رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: ثِنْتَانِ مَا تردان: الدُّعَاء عِنْد النداء وَتَحْت
الْمَطَر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
تفتح أَبْوَاب السَّمَاء ويستجاب الدُّعَاء فِي أَرْبَعَة
مَوَاطِن: عِنْد التقاء الصُّفُوف فِي سَبِيل الله وَعند نزُول
الْغَيْث وَعند إِقَامَة الصَّلَاة وَعند رُؤْيَة الْكَعْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا بَث فيهمَا من دَابَّة}
قَالَ: النَّاس وَالْمَلَائِكَة
وَالله أعلم
الْآيَات 30 - 31
(7/354)
وَمَا أَصَابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
(31)
أخرج أَحْمد وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن منيع
وَعبد بن حميد والحكيم وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم
عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَلا أخْبركُم
بِأَفْضَل آيَة فِي كتاب الله حَدثنَا بهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت
أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير} وسأفسرها لَك يَا عَليّ مَا
أَصَابَك من مرض أَو عُقُوبَة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فبمَا
كسبت أَيْدِيكُم وَالله أكْرم من أَن يثني عَلَيْكُم
الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة وَمَا عَفا الله عَنهُ فِي
الدُّنْيَا فَالله أكْرم من أَن يعود بعد عَفوه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة
فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من خدش عود وَلَا
اخْتِلَاج عرق وَلَا نكبة حجر وَلَا عَثْرَة قدم إِلَّا بذنب
وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر
(7/354)
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ عَن
أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُصِيب عبدا نكبة فَمَا فَوْقهَا
أَو دونهَا إِلَّا بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر
وَقَرَأَ {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم
وَيَعْفُو عَن كثير}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْكَفَّارَات
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ أَنه دخل
عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه وَكَانَ قد ابْتُلِيَ فِي جسده فَقَالَ
انا لنبأس لَك لما نرى فِيك قَالَ: فَلَا تبتئس لما ترى وَهُوَ
بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر ثمَّ تَلا {وَمَا
أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن
كثير}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن
الضَّحَّاك قَالَ: مَا تعلم أحد الْقُرْآن ثمَّ نَسيَه إِلَّا
بذنب يحدثه ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَمَا أَصَابَكُم من
مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} وَقَالَ: وَأي مُصِيبَة أعظم
من نِسْيَان الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْعَلَاء بن بدر
رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَهُ عَن هَذِه الْآيَة
وَقَالَ: قد ذهب بَصرِي وَأَنا غُلَام صَغِير
قَالَ: ذَلِك بذنوب والديك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يَقُول: لَا يُصِيب ابْن آدم خدش عود وَلَا اخْتِلَاج عرق
إِلَّا بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا عَثْرَة قدم
وَلَا اخْتِلَاج عرق وَلَا خدش عود إِلَّا بِمَا قدمت
أَيْدِيكُم وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ - أَن
أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا - كَانَت
تصدع فتضع يَدهَا على رَأسهَا وَتقول بذنبي وَمَا يغفره الله
أَكثر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا
أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} قَالَ:
الْحُدُود
(7/355)
الْآيَات 32 - 37
(7/356)
وَمِنْ آيَاتِهِ
الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ
يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ
يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ
مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى
لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن
آيَاته الْجوَار فِي الْبَحْر} قَالَ: السفن {كالأعلام} قَالَ:
كالجبال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
- فِي الْآيَة قَالَ: سفن هَذَا الْبَحْر تجْرِي بِالرِّيحِ
فَإِذا مسكت عَنْهَا الرّيح ركدت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {فيظللن رواكد على ظَهره} قَالَ:
لَا يتحركن وَلَا يجرين فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا - {رواكد} قَالَ: وقوفاً {أَو
يوبقهن} قَالَ: يهلكهن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك: {أَو يوبقهن} قَالَ:
يغرقهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{أَو يوبقهن} قَالَ: يهلكهن
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {مَا لَهُم من
محيص} من ملْجأ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن
قَتَادَة: {أَو يوبقهن بِمَا كسبوا} قَالَ: بذنوب أَهلهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ظبْيَان قَالَ: كُنَّا نعرض
الْمَصَاحِف عِنْد عَلْقَمَة - رَضِي الله عَنهُ فَقَرَأَ
هَذِه الْآيَة: {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} فَقَالَ:
قَالَ عبد الله: الصَّبْر نصف الإِيمان
(7/356)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الشُّكْر نصف الإِيمان وَالصَّبْر
نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
وَقَرَأَ {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} و {آيَات
للموقنين}
الْآيَة 38
(7/357)
وَالَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي
الْأَدَب وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: مَا تشَاور قوم قطّ إِلَّا هُدُوا وأرشد أَمرهم ثمَّ
تَلا {وَأمرهمْ شُورَى بَينهم}
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله: الْأَمر ينزل بِنَا بعْدك لم
ينزل فِيهِ قُرْآن وَلم يسمع مِنْك فِيهِ شَيْء قَالَ:
اجْمَعُوا لَهُ العابد من أمتِي واجعلوه بَيْنكُم شُورَى وَلَا
تقضوه بِرَأْي وَاحِد
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي
الله عَنهُ - مَرْفُوعا اسْتَرْشِدوا الْعَاقِل ترشدوا وَلَا
تعصوه فتندموا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي
الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
من أَرَادَ أمرا فَشَاور فِيهِ وَقضى اهْتَدَى لأَرْشَد
الْأُمُور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ -
قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
لِابْنِهِ: يَا بني عَلَيْك بخشية الله فَإِنَّهَا غَايَة كل
شَيْء
يَا بني لَا تقطع أمرا حَتَّى تؤامر مرشداً فَإنَّك إِذا فعلت
ذَلِك رشدت عَلَيْهِ يَا بني عَلَيْك بالحبيب الأول فَإِن
الاخير لَا يعدله
الْآيَة 39
(7/357)
وَالَّذِينَ إِذَا
أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله:
{وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} قَالَ:
كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يستذلوا وَكَانُوا إِذا
قدرُوا عَفَوْا
(7/357)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَنْصُور قَالَ:
سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم
الْبَغي هم ينتصرون} قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين
أَن يذلوا أنفسهم فيجترىء الْفُسَّاق عَلَيْهِم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: دخلت عليّ زَيْنَب
وَعِنْدِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلت
عليّ تسبني فردعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم
تَنْتَهِ فَقَالَ لي: سبيهَا فسببتها حَتَّى جف رِيقهَا فِي
فمها وَوجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متهلل
سُرُورًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن زيد بن
جدعَان رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم أسمع فِي الْأَنْصَار مثل
حَدِيث حَدَّثتنِي بِهِ أم ولد أبي مُحَمَّد عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: كنت فِي الْبَيْت وَعِنْدنَا
زَيْنَب بنت جحش فَدخل علينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَقْبَلت عَلَيْهِ زَيْنَب فَقَالَت: مَا كل وَاحِدَة منا
عنْدك إِلَّا على خلابة ثمَّ أَقبلت عليّ تسبني فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قولي لَهَا كَمَا تَقول لَك
فَأَقْبَلت عَلَيْهَا - وَكنت أطول وأجود لِسَانا مِنْهَا
فَقَامَتْ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين
إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} قَالَ: ينتصرون مِمَّن
بغى عَلَيْهِم من غير أَن يعتدوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي} قَالَ: هَذَا
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ظُلم وبغي عَلَيْهِ وَكذب
{هم ينتصرون} قَالَ: ينتصر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالسَّيْفِ
الْآيَة 40
(7/358)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} قَالَ: مَا يكون
من النَّاس فِي الدُّنْيَا مِمَّا يُصِيب بَعضهم بَعْضًا
وَالْقصاص
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله
عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
المستبّان مَا قَالَا من شَيْء فعلى البادىء حَتَّى يعتدي
الْمَظْلُوم ثمَّ قَرَأَ {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا}
(7/358)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} قَالَ:
إِذا شتمك فاشتمه بِمِثْلِهَا من غير أَن تعتدي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن أبي نجيح فِي قَوْله: {وَجَزَاء
سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} قَالَ: يَقُول أَخْزَاهُ الله
فَيَقُول أَخْزَاهُ الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ
يَوْم الْقِيَامَة أَمر الله منادياً يُنَادي أَلا ليقمْ من
كَانَ لَهُ على الله أجر فَلَا يقوم إِلَّا من عَفا فِي
الدُّنْيَا وَذَلِكَ قَوْله {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على
الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ
يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من كَانَ لَهُ على الله أجر
فَليقمْ فَيقوم عنق كثير فَيُقَال لَهُم: مَا أجركُم على الله
فَيَقُولُونَ: نَحن الَّذين عَفَوْنَا عَمَّن ظلمنَا وَذَلِكَ
قَول الله {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله} فَيُقَال
لَهُم: ادخُلُوا الْجنَّة بِإِذن الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الْإِيمَان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وقف الْعباد لِلْحسابِ
يُنَادي منادٍ ليَقُمْ من أجره على الله فَلْيدْخلْ الْجنَّة
ثمَّ نَادَى الثَّانِيَة ليقمْ من أجره على الله قَالُوا: وَمن
ذَا الَّذِي أجره على الله قَالَ: الْعَافُونَ عَن النَّاس
فَقَامَ كَذَا وَكَذَا ألفا فَدَخَلُوا الْجنَّة بِغَيْر
حِسَاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُنَادي مُنَاد من كَانَ أجره
على الله فَلْيدْخلْ الْجنَّة مرَّتَيْنِ فَيقوم من عَفا عَن
أَخِيه
قَالَ الله {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أول مُنَاد من
عِنْد الله يَقُول: أَيْن الَّذين أجرهم على الله فَيقوم من
عَفا فِي الدُّنْيَا فَيَقُول الله أَنْتُم الَّذين عفوتم لي
ثوابكم الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن
الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة صرخَ صارخ الأَرْض أَلا من كَانَ لَهُ على الله حق
فَليقمْ فَيقوم من عَفا وَأصْلح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله
(7/359)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُنَادي مُنَاد
يَوْم الْقِيَامَة لَا يقوم الْيَوْم أحد إِلَّا من لَهُ عِنْد
الله يَد فَتَقول الْخَلَائق: سُبْحَانَكَ بل لَك الْيَد
فَيَقُول بلَى من عَفا فِي الدُّنْيَا بعد قدرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: قَالَ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب من
أعز عِبَادك عنْدك قَالَ: من إِذا قدر عَفا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله
عَنهُ - أَن رجلا شتم أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وَالنَّبِيّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَجعل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يعجب ويبتسم فَلَمَّا أَكثر رد عَلَيْهِ بعض
قَوْله فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ
فَلحقه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله
كَانَ يَشْتمنِي وَأَنت جَالس فَلَمَّا رددت عَلَيْهِ بعض
قَوْله غضِبت وَقمت قَالَ: إِنَّه كَانَ مَعَك ملك يرد عَنْك
فَلَمَّا رددت عَلَيْهِ بعض قَوْله وَقع الشَّيْطَان فَلم أكن
لأقعد مَعَ الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا بكر نلْت من حق
مَا من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عَنْهَا لله إِلَّا أعز الله بهَا
نَصره وَمَا فتح رجل بَاب عَطِيَّة يُرِيد بهَا صلَة إِلَّا
زَاده الله بهَا كَثْرَة وَمَا فتح رجل بَاب مَسْأَلَة يُرِيد
بهَا كَثْرَة إِلَّا زَاده الله بهَا قلَّة
الْآيَات 41 - 44
(7/360)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ
بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ
لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا
لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا
رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ
سَبِيلٍ (44)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من
سَبِيل} قَالَ: هَذَا فِي الخماشة تكون بَين النَّاس فَأَما
إِن ظلمك رجل فَلَا تظلمه وَإِن فجر بك فَلَا تفجر بِهِ وَإِن
خانك فَلَا تخنه فَإِن الْمُؤمن هُوَ الموفي الْمُؤَدِّي وَإِن
الْفَاجِر هُوَ الخائن الغادر
وخ ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من دَعَا على مَنْ ظلمه
فقد انتصر
(7/360)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي
الله عَنْهَا: إِن سَارِقا سرق لَهَا فدعَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ
لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبخي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَلمن انتصر بعد ظلمه} قَالَ: لمُحَمد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا انتصاره بِالسَّيْفِ وَفِي قَوْله:
{إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس} الْآيَة
قَالَ: من أهل الشّرك
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{هَل إِلَى مرد من سَبِيل} يَقُول: إِلَى الدُّنْيَا
الْآيَات 45 - 48
(7/361)
وَتَرَاهُمْ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ
مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ
مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ
يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ
مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ
نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ
عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا
إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ينظرُونَ من طرف خَفِي} قَالَ:
ذليل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ينظرُونَ من
طرف خَفِي} قَالَ: يسارقون النّظر إِلَى النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن خلف بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَرَأَ زيد بن
(7/361)
صوحان رَضِي الله عَنهُ {اسْتجِيبُوا لربكم
من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا مردّ لَهُ من الله} فَقَالَ:
لبيْك من زيد لبيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {من ملْجأ يَوْمئِذٍ} قَالَ: تحرز {وَمَا
لكم من نَكِير} نَاصِر ينصركم
الْآيَات 49 - 51
(7/362)
لِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ
يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ
مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَوْلَادكُم هبة الله {يهب لمن يَشَاء
إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} فهم وَأَمْوَالهمْ لكم
إِذا احتجتم إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من بركَة
الْمَرْأَة ابتكارها بِالْأُنْثَى لِأَن الله قَالَ: {يهب لمن
يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي
الله عَنهُ {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء
الذُّكُور} قَالَ: لَا إناث مَعَهم {أَو يزوّجهم ذكراناً
وإناثاً} قَالَ: يُولد لَهُ جَارِيَة وَغُلَام {وَيجْعَل من
يَشَاء عقيماً} لَا يُولد لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ: {يهب لمن
يَشَاء إِنَاثًا} قَالَ: يكون الرجل لَا يُولد إِلَّا الإِناث
{ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} قَالَ: يكون الرجل لَا يُولد لَهُ
إِلَّا الذُّكُور {أَو يزوجهم ذكراناً وإناثاً} قَالَ: يكون
الرجل يُولد لَهُ الذُّكُور والإِناث {وَيجْعَل من يَشَاء
عقيماً} قَالَ: يكون الرجل لَا يُولد لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن
الْحَنَفِيَّة: {أَو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً} قَالَ: التوأم
(7/362)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً}
قَالَ: الَّذِي لَا يُولد لَهُ ولد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً} قَالَ: لَا يلقح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن الْحَرْث
بن عُمَيْر أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ أصَاب وليدة لَهُ
سَوْدَاء فعزلها ثمَّ بَاعهَا فَانْطَلق بهَا سَيِّدهَا حَتَّى
إِذا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق أرادها فامتنعت مِنْهُ فَإِذا
هُوَ براعي غنم فَدَعَاهُ فراطنها فاخبرها أَنه سَيِّدهَا
قَالَت: إِنِّي قد حملت من سَيِّدي الَّذِي كَانَ قبل هَذَا
وَأَنا فِي ديني أَن لَا يُصِيبنِي رجل فِي حمل من آخر فَكتب
سَيِّدهَا إِلَى أبي بكر أَو عمر فَأخْبرهُ الْخَبَر فَذكر
ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَمَكثَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد
وَكَانَ مجلسهم الْحجر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: جَاءَنِي جِبْرِيل فِي مجلسي هَذَا عَن الله: إِن
أحدكُم لَيْسَ بِالْخِيَارِ على الله إِذا شجع ذَلِك المشجع
وَلكنه {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور}
فاعترف بولدك فَكتب بذلك فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن غيلَان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ جَارِيَة
أَعْجَمِيَّة من رجل قد كَانَ أَصَابَهَا فَحملت لَهُ
فَأَرَادَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يَطَأهَا فَأَبت
عَلَيْهِ وأخبرت أَنَّهَا حَامِل فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِنَّهَا حفظت فحفظ الله لَهَا أَن أحدكُم إِذا شجع
ذَلِك المشجع فَلَيْسَ بِالْخِيَارِ على الله فَردهَا إِلَى
صَاحبهَا الَّذِي بَاعهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن يُونُس
بن يزِيد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت الزُّهْرِيّ رَضِي الله
عَنهُ سُئِلَ عَن قَول الله {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله
إِلَّا وَحيا} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة تعم من أوحى
الله إِلَيْهِ من النَّبِيين فَالْكَلَام كَلَام الله الَّذِي
كلم بِهِ مُوسَى من وَرَاء حجاب وَالْوَحي مَا يوحي الله بِهِ
إِلَى نَبِي من أنبيائه فَيثبت الله مَا أَرَادَ من وحيه فِي
قلب النَّبِي فيتكلم بِهِ النَّبِي ويعيه وَهُوَ كَلَام الله
ووحيه وَمِنْه مَا يكون بَين الله وَرُسُله لَا يكلم بِهِ أحدا
من الْأَنْبِيَاء وَلكنه سر غيب بَين الله وَرُسُله وَمِنْه
مَا يتَكَلَّم بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلَا
يكتبونه لأحد وَلَا يأمرون بكتابته وَلَكنهُمْ يحدثُونَ بِهِ
النَّاس حَدِيثا ويبينون لَهُم أَن الله أَمرهم أَن يبينوه
للنَّاس ويبلغوهم وَمن الْوَحْي مَا يُرْسل الله بِهِ من
يَشَاء من اصْطفى من مَلَائكَته
(7/363)
فيكلمون أنبياءه وَمن الْوَحْي مَا يُرْسل
بِهِ إِلَى من يَشَاء فيوحون بِهِ وَحيا فِي قُلُوب من يَشَاء
من رسله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَن
الْحَارِث بن هِشَام سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي قَالَ: أَحْيَانًا يأتيني
الْملك فِي مثل صلصلة الجرس فَيفْصم عني وَقد وعيت عَنهُ مَا
قَالَ وَهُوَ أشده عَليّ وَأَحْيَانا يتَمَثَّل لي الْملك رجلا
فيكلمني فأعي مَا يَقُول قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا:
وَلَقَد رَأَيْته ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي الْيَوْم
الشَّديد الْبرد فَيفْصم وَإِن جَبينه ليتفصد عرقاً
وَأخرج أَبُو يعلى والعقيلي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَضَعفه عَن سهل بن سعد وَعبد
الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَا: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دون الله سَبْعُونَ ألف
حجاب من نور وظلمة مَا يسمع من نفس من حس تِلْكَ الْحجب إِلَّا
زهقت نَفسه
الْآيَات 52 - 53
(7/364)
وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ
اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ
أَوْحَينَا إِلَيْك روحاً من أمرنَا} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: هَل عبدت وثناً قطّ قَالَ: لَا قَالُوا: فَهَل شربت
خمرًا قطّ قَالَ: لَا وَمَا زلت أعرف الَّذِي هم عَلَيْهِ كفر
(وَمَا كنت أَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الإِيمان) وَبِذَلِك نزل
الْقُرْآن (مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الإِيمان)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَإنَّك لتهدي} قَالَ: لتدعو
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
{وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: قَالَ الله
(وَلكُل قوم هاد) (يُوسُف 7) قَالَ: دَاع يَدْعُو إِلَى الله
تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّك
لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: تَدْعُو
(7/364)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (43)
سُورَة الزخرف
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الزخرف
الْآيَات 1 - 3
(7/365)
حم (1) وَالْكِتَابِ
الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
أما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ
قُرْآنًا عَرَبيا}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ
رجل إِلَى ابْن عَبَّاس من حَضرمَوْت فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن
عَبَّاس اخبرني عَن الْقُرْآن أكلام من كَلَام الله أم خلق من
خلق الله قَالَ: بل كَلَام من كَلَام الله
أَو مَا سَمِعت الله يَقُول: (وَإِن أحد من الْمُشْركين
استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله) (التَّوْبَة الْآيَة
6) فَقَالَ لَهُ الرجل: أَفَرَأَيْت قَوْله {إِنَّا
جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} قَالَ: كتبه الله فِي اللَّوْح
الْمَحْفُوظ بِالْعَرَبِيَّةِ
أما سَمِعت الله يَقُول (بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح
مَحْفُوظ) (البروج الْآيَة 22) الْمجِيد: هُوَ الْعَزِيز أَي
كتبه الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مقَاتل بن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كَلَام أهل السَّمَاء الْعَرَبيَّة
ثمَّ قَرَأَ {حم وَالْكتاب الْمُبين} {إِنَّا جَعَلْنَاهُ
قُرْآنًا عَرَبيا} الْآيَتَيْنِ
الْآيَة 4
(7/365)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ
الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن أول مَا خلق الله من
شَيْء الْقَلَم فَأمره أَن يكْتب مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة وَالْكتاب عِنْده ثمَّ قَرَأَ {وَإنَّهُ فِي أم
الْكتاب لدينا لعليّ حَكِيم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب} قَالَ: فِي أصل
الْكتاب وَجُمْلَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ
فِي أم الْكتاب} قَالَ: الْقُرْآن عِنْد الله {فِي أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا} قَالَ: الذّكر
الْحَكِيم فِيهِ كل شَيْء كَانَ وكل شَيْء يكون وَمَا نزل من
كتاب فَمِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن سابط رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب} مَا هُوَ كَائِن إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة وكل ثَلَاثَة من الْمَلَائِكَة يحفظون فَوكل
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي ينزل بِهِ إِلَى
الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وبالهلاك إِذا
أَرَادَ أَن يهْلك قوما كَانَ صَاحب ذَلِك ووكل أَيْضا بالنصر
فِي الحروب إِذا أَرَادَ الله أَن ينصر ووكل مِيكَائِيل
عَلَيْهِ السَّلَام بالقطر أَن يحفظه ووكل ملك الْمَوْت
عَلَيْهِ السَّلَام بِقَبض الْأَنْفس فَإِذا ذهبت الدُّنْيَا
جمع بَين حفظهم وَحفظ [] أهل الْكتاب فَوَجَدَهُ سَوَاء
الْآيَات 5 - 18
(7/366)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ
الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا
يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
(7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ
الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ
الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ
تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا
تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ
تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ
وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا
كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا
لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ
مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا
ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ
يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ
مُبِينٍ (18)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً}
قَالَ: أحسبتم أَن نصفح عَنْكُم وَلم تَفعلُوا مَا أمرْتُم
بِهِ وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أفنضرب عَنْكُم
الذّكر صفحاً} قَالَ: تكذبون بِالْقُرْآنِ ثمَّ لَا تعاقبون
عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح رَضِي الله
عَنهُ {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً} قَالَ: وَالله لَو أَن
هَذَا الْقُرْآن رفع حَيْثُ رده أَوَائِل هَذِه الْأمة لهلكوا
وَلَكِن الله تَعَالَى عَاد عَلَيْهِم بعائدته وَرَحمته فكرره
عَلَيْهِم ودعاهم إِلَيْهِ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن الْحسن رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: لم يبْعَث الله رَسُولا إِلَّا أَن أنزل
عَلَيْهِ كتابا فَإِن قبله قومه وَإِلَّا رُفِعَ فَذَلِك
قَوْله: {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً إِن كُنْتُم قوما
مسرفين} لَا تقبلونه فيلقنه قلب نبيه
قَالُوا: قبلناه رَبنَا قبلناه رَبنَا وَلَو لم يَفْعَلُوا
لَرُفِعَ وَلم يتْرك مِنْهُ شَيْء على ظهر الأَرْض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمضى مثل الأوّلين}
قَالَ: عُقُوبَة الْأَوَّلين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
{صفحاً أَن كُنْتُم} بِنصب الْألف {جعل لكم الأَرْض مهداً}
بِنصب الْمِيم بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ
هَذِه الْآيَة {وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ
لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا
اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}
(7/367)
أَن تَقولُوا: الْحَمد لله الَّذِي منّ
علينا بِمُحَمد عَبده وَرَسُوله ثمَّ تَقولُوا: {سُبْحَانَ
الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين}
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا
سَافر ركب رَاحِلَته ثمَّ كبر ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ
الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا
إِلَى رَبنَا لمنقلبون}
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَالنَّسَائِيّ وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَليّ رَضِي
الله عَنهُ أَنه أَتَى بِدَابَّة فَلَمَّا وضع رجله فِي الركاب
قَالَ: بِسم الله فَلَمَّا اسْتَوَى على ظهرهَا قَالَ: الْحَمد
لله ثَلَاثًا وَالله أكبر ثَلَاثًا {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا
هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا إِلَى رَبنَا
لمنقلبون} سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت قد ظلمت نَفسِي
فَاغْفِر لي ذُنُوبِي إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت
ثمَّ ضحك فَقلت: مِم ضحِكت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ:
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا فعلت
ثمَّ ضحك فَقلت يَا رَسُول الله: مِم ضحِكت فَقَالَ: يعجب الرب
من عَبده إِذا قَالَ: رب اغْفِر لي وَيَقُول: علم عَبدِي أَنه
لَا يغْفر الذُّنُوب غَيْرِي
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أردفه على دَابَّته
فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا (كبر ثَلَاثًا وَهَلل الله وَحده
ثمَّ ضحك إِلَيْهِ كَمَا ضحِكت إِلَيْك)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة
بن عمر الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَوق ظهر كل بعير
شَيْطَان فَإِذا ركبتموه فاذكروا اسْم الله ثمَّ لَا تقصرُوا
عَن حاجاتكم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على ذرْوَة
كل بعير شَيْطَان فامتهنوهن بالركوب فَإِنَّمَا يحمل الله
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبَغوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي لاس
الْخُزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من بعير إِلَّا فِي
(7/368)
ذروته شَيْطَان فاذكروا اسْم الله عَلَيْهِ
إِذا ركبتموه كَمَا أَمركُم ثمَّ امتهنوها لأنفسكم فَإِنَّمَا
يحمل الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله {ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ
عَلَيْهِ} قَالَ: نعْمَة الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى حُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله
عَنهُ رجلا يركب دَابَّة فَقَالَ {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا
هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا إِلَى رَبنَا
لمنقلبون} قَالَ: أَو بذلك أمرت قَالَ: فَكيف أَقُول قَالَ:
الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا للإِسلام الْحَمد لله الَّذِي من
علينا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد لله الَّذِي
جعلني فِي خير أمة أخرجت للنَّاس ثمَّ تَقول: {سُبْحَانَ
الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ إِذْ ركب دَابَّة قَالَ: بِسم الله اللَّهُمَّ
هَذَا من مَنِّكَ وفضلك علينا فلك الْحَمد رَبنَا {سُبْحَانَ
الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا
إِلَى رَبنَا لمنقلبون}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين}
قَالَ: الإِبل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا كُنَّا لَهُ
مُقرنين} قَالَ: مطيقين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كُنَّا لَهُ
مُقرنين} قَالَ: لَا فِي الْأَيْدِي وَلَا فِي القوّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُلَيْمَان بن يسَار
رَضِي الله عَنهُ أَن قوما كَانُوا فِي سفر فَكَانُوا إِذا
ركبُوا قَالُوا: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا
كُنَّا لَهُ مُقرنين} وَكَانَ فيهم رجل لَهُ نَاقَة رازم
فَقَالَ: أما أَنا فَأَنا لهَذِهِ مقرن فقمصت بِهِ فصرعته
فاندقت عُنُقه
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَجعلُوا لَهُ من
عباده جُزْءا} قَالَ: عدلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ فِي
(7/369)
قَوْله: {وَجعلُوا لَهُ من عباده جُزْءا}
قَالَ: ولدا وَبَنَات من الْمَلَائِكَة
وَفِي قَوْله: {وَإِذا بشر أحدهم بِمَا ضرب للرحمن مثلا}
قَالَ: ولدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
{وَإِذا بشر أحدهم بِمَا ضرب للرحمن مثلا ظلّ وَجهه مسوداً
وَهُوَ كظيم} قَالَ: حَزِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
{بِمَا ضرب للرحمن مثلا} بِنصب الضَّاد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} قَالَ:
الْجَوَارِي جعلتموهن للرحمن ولدا {كَيفَ تحكمون} الصافات
الْآيَة 154
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} قَالَ: هن النِّسَاء فرق بَين
زيهن وزي الرِّجَال ونقصهن من الْمِيرَاث وبالشهادة وأمرهن
بالقعدة وسماهن الْخَوَالِف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَو من
ينشأ فِي الْحِلْية} قَالَ: جعلُوا لله الْبَنَات {وَإِذا بشر
أحدهم} بِهن {ظلّ وَجهه مسوداً وَهُوَ كظيم} حَزِين
وَأما قَوْله: {وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} قَالَ: قَلما
تَكَلَّمت امْرَأَة تُرِيدُ أَن تَتَكَلَّم بحجتها الا
تَكَلَّمت بِالْحجَّةِ عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه كَانَ يقْرَأ {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} مُخَفّفَة
الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
{ينشأ فِي الْحِلْية} مُخَفّفَة مَنْصُوبَة الْيَاء مَهْمُوزَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ أَنه
سُئِلَ عَن الذَّهَب للنِّسَاء فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
يَقُول الله: {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية}
الْآيَات 19 - 25
(7/370)
وَجَعَلُوا
الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا
أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
(19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا
لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
(20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ
مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ
نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ
عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ
كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم
عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} قَالَ: قد قَالَ ذَلِك أنَاس من
النَّاس وَلَا نعلمهُمْ إِلَّا الْيَهُود: أَن الله عز وَجل
صاهر الْجِنّ فَخرجت من بنيه الْمَلَائِكَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت أَقرَأ هَذَا الْحَرْف {الَّذين
هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} فَسَأَلت ابْن عَبَّاس فَقَالَ:
{عباد الرَّحْمَن} قلت: فَإِنَّهَا فِي مصحفي عِنْد الرَّحْمَن
قَالَ: فامحها واكتبها {عباد الرَّحْمَن} بِالْألف وَالْبَاء
وَقَالَ: أَتَانِي رجل الْيَوْم وددت أَنه لم يأتني فَقَالَ:
كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين
هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} قَالَ: إِن أُنَاسًا يقرأون
الَّذين هم عِنْد الرَّحْمَن فَسكت عَنهُ فَقلت: اذْهَبْ إِلَى
أهلك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه
قَرَأَهَا الَّذين هم عِنْد الرَّحْمَن بالنُّون
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مَرْوَان وَجعلُوا
الْمَلَائِكَة عِنْد الرَّحْمَن إِنَاثًا لَيْسَ فِيهِ
{الَّذين هم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
{عباد الرَّحْمَن} بِالْألف وَالْبَاء {أشهدوا خلقهمْ} بنصبهم
الْألف والشين {ستكتب} بِالتَّاءِ وَرفع التَّاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ
(7/371)
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {وَقَالُوا لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم}
قَالَ: يعنون الْأَوْثَان لأَنهم عبدُوا الْأَوْثَان يَقُول
الله: {مَا لَهُم بذلك من علم} يَعْنِي الْأَوْثَان أَنهم لَا
يعلمُونَ {إِن هم إِلَّا يخرصون} قَالَ: يعلمُونَ قدرَة الله
على ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَقَالُوا لَو شَاءَ
الرَّحْمَن مَا عبدناهم} قَالَ: عبدُوا الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {أم
آتَيْنَاهُم كتابا من قبله} قَالَ: قبل هَذَا الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله: {بل قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} قَالَ:
على دين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ
وَجل: {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} قَالَ: على مِلَّة
غير الْملَّة الَّتِي تدعونا إِلَيْهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يعْتَذر إِلَى النُّعْمَان بن
الْمُنْذر وَيَقُول: حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة وَهل
يأثمن ذُو أمة وَهُوَ طائع وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن
قَتَادَة {بل قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة
وَإِنَّا على آثَارهم مهتدون} قَالَ: قد قَالَ: ذَلِك مشركو
قُرَيْش: انا وجدنَا آبَاءَنَا على دين وانا متبعوهم على ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا
على آثَارهم مقتدون} قَالَ: بفعلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأمة
فِي الْقُرْآن على وُجُوه (وَاذْكُر بعد أمة) (يُوسُف الْآيَة
45) قَالَ: بعد حِين
(وَوجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون) (يُوسُف الْآيَة 23)
قَالَ: جمَاعَة من النَّاس {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة}
قَالَ: على دين
وَرفع الْألف فِي كلهَا
وَقَرَأَ {قَالَ أولو جِئتُكُمْ} بِغَيْر ألف بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
{فانتقمنا مِنْهُم فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين}
(7/372)
قَالَ: شَرّ وَالله كَانَ عاقبتهم أَخذهم
بخسف وغرق فأهلكهم الله ثمَّ أدخلهم النَّار
الْآيَات 26 - 28
(7/373)
وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا
تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ
سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
أخرج الْفضل بن شَاذان فِي كتاب
الْقرَاءَات بِسَنَدِهِ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَرَأَ: إِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تَعْبدُونَ بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: إِنَّنِي
بَرِيء مِمَّا تَعْبدُونَ إِلَّا الَّذِي فطرني فَإِنَّهُ
سيهدين: قَالَ: إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الله رَبنَا (وَلَئِن
سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله) فَلم يبرأ من ربه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة
فِي عقبه} قَالَ: فِي الإِسلام أوصى بهَا وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَجعلهَا
كلمة بَاقِيَة فِي عقبه} قَالَ: الإِخلاص والتوحيد لَا يزَال
فِي ذُريَّته من يَقُولهَا من بعده {لَعَلَّهُم يرجعُونَ}
قَالَ: يتوبون أَو يذكرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة
فِي عقبه} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فِي عقبه قَالَ: عقب
إِبْرَاهِيم وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: عقب الرجل وَلَده
الذُّكُور والاناث وَأَوْلَاد الذُّكُور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُبَيْدَة قَالَ: قلت لإِبراهيم: مَا
الْعقب قَالَ: وَلَده الذّكر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي رجل أسْكنهُ رجل لَهُ ولعقبه
من بعده أتكون امْرَأَته من عقبه قَالَ: لَا وَلَكِن وَلَده
عقبه
الْآيَات 29 - 30
(7/373)
بَلْ مَتَّعْتُ
هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ
مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا
سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ
{بل متعت هَؤُلَاءِ} بِرَفْع التَّاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ {بل متعت هَؤُلَاءِ وآباءهم حَتَّى جَاءَهُم الْحق
وَرَسُول مُبين} قَالَ: هَذَا قَول أهل الْكتاب لهَذِهِ الْأمة
وَكَانَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ يقْرؤهَا {بل متعت
هَؤُلَاءِ} بِنصب التَّاء
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ: {وَلما جَاءَهُم الْحق قَالُوا
هَذَا سحر} قَالَ: هَؤُلَاءِ قُرَيْش قَالُوا لِلْقُرْآنِ
الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا
سحر
الْآيَات 31 - 32
(7/374)
وَقَالُوا لَوْلَا
نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ
عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ
قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ
عَن قَول الله: {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من
القريتين عَظِيم} مَا القريتان قَالَ: الطَّائِف وَمَكَّة قيل:
فَمن الرّجلَانِ قَالَ: عُرْوَة بن مَسْعُود وَخيَار قُرَيْش
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن قَول الله
{لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم}
قَالَ: يَعْنِي بالقريتين مَكَّة والطائف والعظيم الْوَلِيد بن
الْمُغيرَة الْقرشِي وحبِيب بن عُمَيْر الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين
عَظِيم} قَالَ: يَعْنِي من القريتين مَكَّة والطائف والعظيم
الْوَلِيد بن الْمُغيرَة الْقرشِي وحبِيب بن عُمَيْر
الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين
عَظِيم} قَالَ: يعنون أشرف من مُحَمَّد الْوَلِيد بن
الْمُغيرَة من أهل مَكَّة ومسعود بن عَمْرو الثَّقَفِيّ من أهل
الطَّائِف
(7/374)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ
الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: لَو كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا
أنزل عَليّ هَذَا الْقُرْآن أَو على عُرْوَة بن مَسْعُود
الثَّقَفِيّ فَنزلت {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن
على رجل من القريتين عَظِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَقَالُوا
لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم}
قَالَ: القريتان مَكَّة والطائف
قَالَ ذَلِك مشركو قُرَيْش
قَالَ: بلغنَا أَنه لَيْسَ فَخذ من قُرَيْش إِلَّا قد
ادَّعَتْهُ فَقَالُوا: هُوَ منا وَكُنَّا نُحدث أَنه الْوَلِيد
بن الْمُغيرَة وَعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ
قَالَ: يَقُولُونَ فَهَلا كَانَ أنزل على أحد هذَيْن الرجلَيْن
لَيْسَ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله {على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: عتبَة
بن ربيعَة من مَكَّة وَابْن عبد ياليل بن كنَانَة الثَّقَفِيّ
من الطَّائِف وَعُمَيْر بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَفِي لفظ
وَأَبُو مَسْعُود الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من
القريتين عَظِيم} قَالَ: هُوَ عتبَة بن ربيعَة - وَكَانَ
رَيْحَانَة قُرَيْش يَوْمئِذٍ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ:
هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي أَو كنَانَة بن عمر
بن عُمَيْر عَظِيم أهل الطَّائِف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَحن قسمنا بَينهم معيشتهم فِي
الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: قسم بَينهم معيشتهم فِي
الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَا قسم بَينهم صورهم وأخلاقهم فتعالى
رَبنَا وتبارك {ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات} قَالَ:
فَتَلقاهُ ضَعِيف الْحِيلَة عييّ اللِّسَان وَهُوَ مَبْسُوط
لَهُ فِي الرزق وتلقاه شَدِيد الْحِيلَة سليط اللِّسَان وَهُوَ
مقتور عَلَيْهِ {ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخرياً} قَالَ: ملكة
يسخر بَعضهم بَعْضًا يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فَالله الله
فِيمَا ملكت يَمِينك {وَرَحْمَة رَبك خير مِمَّا يجمعُونَ}
قَالَ: الْجنَّة
(7/375)
الْآيَات 33 - 35
(7/376)
وَلَوْلَا أَنْ
يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ
يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ
وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ
أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا
وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله لَوْلَا أَن يجزع عَبدِي الْمُؤمن
لعصبت الْكَافِر عِصَابَة من حَدِيد فَلَا يشتكي شَيْئا ولصببت
عَلَيْهِ الدُّنْيَا صبا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا: قد أنزل الله شبه ذَلِك فِي كِتَابه فِي قَوْله
{وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة
وَاحِدَة} الْآيَة يَقُول: لَوْلَا أَن أجعَل النَّاس كلهم
كفَّارًا لجعلْتُ لبيوت الْكفَّار سقفاً من فضَّة {ومعارج} من
فضَّة وَهِي درج {عَلَيْهَا يظهرون} يصعدون إِلَى الغرف وسرر
فضَّة {وزخرفاً} وَهُوَ الذَّهَب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة}
قَالَ: لَوْلَا أَن يكون النَّاس كفَّارًا {لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضَّة} قَالَ: السّقف أعالي الْبيُوت
{ومعارج عَلَيْهَا يظهرون} قَالَ: درج عَلَيْهَا يصعدون
{وزخرفاً} قَالَ: الذَّهَب {وَالْآخِرَة عِنْد رَبك
لِلْمُتقين} قَالَ: خُصُوصا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: لَوْلَا أَن
يكفروا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {سقفاً} قَالَ: الجزوع {ومعارج} قَالَ:
الدرج {وزخرفاً} قَالَ: الذَّهَب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن
رَضِي الله عَنهُ فِي
(7/376)
قَوْله: {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة
وَاحِدَة} قَالَ: لَوْلَا أَن يكون النَّاس أَجْمَعُونَ
كفَّارًا فيميلوا إِلَى الدُّنْيَا لجعل الله لَهُم الَّذِي
قَالَ
قَالَ: وَقد مَالَتْ الدُّنْيَا بأكبر همها وَمَا فعل ذَلِك
فَكيف لَو فعله
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله: {أهم يقسمون رَحْمَة رَبك} قَالَ: سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله قسم بَيْنكُم
أخلاقكم كَمَا قسم بَيْنكُم أرزاقكم وَإِن الله يُعْطي
الدُّنْيَا من يحب وَمن لَا يحب وَلَا يُعْطي الدّين إِلَّا من
يحب فَمن أعطَاهُ الدّين فقد أحبه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن سهل بن سعد
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: لَو كَانَت الدُّنْيَا تزن عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا
سقى كَافِرًا مِنْهَا شربة مَاء
الْآيَات 36 - 40
(7/377)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ
ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ
قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا
جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ
الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ
الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ
مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي
الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن
عُثْمَان المخرمي أَن قُريْشًا قَالَت: قيضوا لكل رجل رجلا من
أَصْحَاب مُحَمَّد يَأْخُذهُ فقيضوا لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ
طَلْحَة بن عبيد الله فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي الْقَوْم فَقَالَ
أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: إلام تَدعُونِي قَالَ: أَدْعُوك
إِلَى عبَادَة اللات والعزى قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ:
وَمَا اللات قَالَ: رَبنَا
قَالَ: وَمَا الْعُزَّى قَالَ: بَنَات الله
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَمن أمّهم فَسكت طَلْحَة
فَلم يجبهُ فَقَالَ طَلْحَة لأَصْحَابه: أجِيبُوا الرجل فَسكت
الْقَوْم فَقَالَ طَلْحَة: قُم يَا أَبَا بكر أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَأنْزل الله
{وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا} الْآيَة
(7/377)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن}
قَالَ: يعمى قَالَ ابْن جرير: هَذَا على قِرَاءَة فتح الشين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَمن يَعش}
قَالَ: يعرض {وَإِنَّهُم ليصدونهم عَن السَّبِيل} قَالَ: عَن
الدّين {حَتَّى إِذا جَاءَنَا} جَمِيعًا هُوَ وقرينه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
حَتَّى إِذا جَاءَنَا على معنى اثْنَيْنِ هُوَ وقرينه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {وَمن يَعش} الْآيَة
قَالَ: من جَانب الْحق وَأنْكرهُ وَهُوَ يعلم أَن الْحَلَال
حَلَال وَأَن الْحَرَام حرَام فَترك الْعلم بالحلال وَالْحق
لهوى نَفسه وَقضى حَاجته ثمَّ أَرَادَ من الْحَرَام قيض لَهُ
شَيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد
الْجَزرِي فِي قَوْله: {نقيض لَهُ شَيْطَانا} قَالَ: بلغنَا
أَن الْكَافِر إِذا بعث يَوْم الْقِيَامَة من قَبره شفع
بِيَدِهِ شَيْطَان وَلم يُفَارِقهُ حَتَّى يصيرهما الله إِلَى
النَّار فَذَلِك حِين يَقُول: {يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد
المشرقين فبئس القرين} قَالَ: وَأما الْمُؤمن فيوكل بِهِ ملك
حَتَّى يقْضى بَين النَّاس أَو يصير إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن حبَان وَالْبَغوِيّ وَابْن قَانِع
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن شريك بن طَارق رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَيْسَ مِنْكُم أحد إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَان قَالُوا: ومعك
يَا رَسُول الله قَالَ: وَمَعِي إِلَّا أَن الله أعانني
عَلَيْهِ فَأسلم
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من
عِنْدهَا لَيْلًا قَالَت: فغرت عَلَيْهِ فجَاء فَرَأى مَا أصنع
فَقَالَ مَا لَك يَا عَائِشَة أَغِرْت فَقلت: وَمَا لي لَا
يغار مثلي على مثلك فَقَالَ: أقد جَاءَ شَيْطَانك قلت: يَا
رَسُول الله أمعي شَيْطَان قَالَ: نعم وَمَعَ كل إِنْسَان
قلت: ومعك قَالَ: نعم وَلَكِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ حَتَّى
أسلم
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل الله بِهِ قرينه من
الْجِنّ
قَالُوا:
(7/378)
وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ: وإياي
إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي الا
بِخَير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا
مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل الله بِهِ قرينه من الْجِنّ
قَالُوا: وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ: وإياي إِلَّا أَن
الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: لَيْسَ من الْآدَمِيّين أحد إِلَّا وَمَعَهُ
شَيْطَان مُوكل بِهِ أما الْكَافِر فيأكل مَعَه من طَعَامه
وَيشْرب مَعَه من شرابه وينام مَعَه على فرَاشه وَأما الْمُؤمن
فَهُوَ بِجَانِب لَهُ ينتظره حَتَّى يُصِيب مِنْهُ غَفلَة أَو
غرَّة فيثب عَلَيْهِ وَأحب الْآدَمِيّين إِلَى الشَّيْطَان
الأكول النؤوم
الْآيَات 41 - 43
(7/379)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ
بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ
الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا
مِنْهُم منتقمون} قَالَ: قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: ذهب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت النقمَة فَلم يُرِ
الله نبيه فِي أمته شَيْئا يكرههُ حَتَّى قُبِضَ وَلم يكن
نَبِي قطّ إِلَّا وَقد رأى الْعقُوبَة فِي أمته إِلَّا
نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَا يُصِيب أمته بعده
فَمَا رُؤِيَ ضَاحِكا منبسطاً حَتَّى قبض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من
طَرِيق حميد عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} الْآيَة
قَالَ: أكْرم الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يرِيه فِي
أمته مَا يكره فرفعه إِلَيْهِ وَبقيت النقمَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود
الْعَبْدي قَالَ: قَرَأَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
هَذِه الْآيَة {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون}
قَالَ: ذهب نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت نقمته فِي
عدوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون}
(7/379)
قَالَ: لقد كَانَت نقمة شَدِيدَة أكْرم
الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يرِيه فِي أمته مَا
كَانَ من النقمَة بعده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن
الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن جَابر بن عبد الله: عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن
بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب أَنه
ينْتَقم من النَّاكِثِينَ والقاسطين بعدِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله {أَو نرينك الَّذِي وعدناهم} الْآيَة قَالَ: يَوْم
بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّك على صِرَاط مُسْتَقِيم}
قَالَ: على الْإِسْلَام
الْآيَة 44
(7/380)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ
لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} قَالَ: الْقُرْآن شرف لَك ولقومك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
{وَإنَّهُ لذكر لَك} يَعْنِي الْقُرْآن ولقومك يَعْنِي من
اتبعك من أمتك
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لذكر لَك
ولقومك} قَالَ: يُقَال مِمَّن هَذَا الرجل فَيُقَال: من
الْعَرَب فَيُقَال: من أَي الْعَرَب فَيُقَال: من قُرَيْش
فَيُقَال: من أَي قُرَيْش فَيُقَال: من بني هَاشم
وَأخرج ابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس
قَالَا: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه
على الْقَبَائِل بِمَكَّة ويعدهم الظُّهُور فَإِذا قَالُوا لمن
الْملك بعْدك أمسك فَلم يجبهم بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يُؤمر فِي
ذَلِك بِشَيْء حَتَّى نزلت {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} فَكَانَ
بعد إِذا سُئِلَ قَالَ: لقريش فَلَا يجيبونه حَتَّى قبلته
الْأَنْصَار على ذَلِك
(7/380)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الا إِن الله
علم مَا فِي قلبِي من حبي لقومي فشرفني فيهم فَقَالَ:
{وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك وسوف تسْأَلُون} فَجعل الذّكر
والشرف لقومي فِي كِتَابه ثمَّ قَالَ (وأنذر عشيرتك
الْأَقْرَبين) (الشُّعَرَاء الْآيَة 214) (واخفض جناحك لمن
اتبعك من الْمُؤمنِينَ) (الشُّعَرَاء الْآيَة 215) يَعْنِي
قومِي فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل الصّديق من قومِي والشهيد من
قومِي ان الله قلب الْعباد ظهرا وبطناً فَكَانَ خير الْعَرَب
قُرَيْش وَهِي الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قَالَ الله
فِي كِتَابه (وَمثل كلمة طيبَة كشجرة طيبَة) (إِبْرَاهِيم
الْآيَة 24) يَعْنِي بهَا قُريْشًا (أَصْلهَا ثَابت) يَقُول:
أَصْلهَا كَرَمٌ (وفرعها فِي السَّمَاء) يَقُول: الشّرف
الَّذِي شرفهم الله بالإِسلام الَّذِي هدَاهُم لَهُ وجعلهم
أَهله
ثمَّ أنزل فيهم سُورَة من كتاب الله بِمَكَّة (لإِيلاف
قُرَيْش) (قُرَيْش الْآيَة 1 - 2 - 3 - 4) إِلَى آخرهَا قَالَ
عدي بن حَاتِم: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ذكر عِنْده قُرَيْش بِخَير قطّ إِلَّا سره حَتَّى
يتَبَيَّن ذَلِك السرُور للنَّاس كلهم فِي وَجهه وَكَانَ كثيرا
مَا يَتْلُوا هَذِه الْآيَة {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك وسوف
تسْأَلُون}
الْآيَة 45
(7/381)
وَاسْأَلْ مَنْ
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ
دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله
{واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: لَيْلَة اسري
بِهِ لَقِي الرُّسُل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {واسأل من
أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: بلغنَا أَنه لَيْلَة أسرِي
بِهِ أرِي الْأَنْبِيَاء فأري آدم فَسلم عَلَيْهِ: وأري
مَالِكًا خَازِن النَّار وأري الْكذَّاب الدَّجَّال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا
أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ} قَالَ: سل
(7/381)
أهل التَّوْرَاة والإِنجيل هَل جَاءَت
الرُّسُل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَقَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة
واسأل من أرسلنَا إِلَيْهِم رسلنَا قبلك
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: سل
الَّذين أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك من رسلنَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ:
كَانَ عبد الله يقْرَأ / واسأل الَّذين أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك
من رسلنَا / قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود واسأل الَّذين
يقرأون الْكتاب من قبل مؤمني أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {واسأل من أرسلنَا
من قبلك من رسلنَا} قَالَ: جمعُوا لَهُ لَيْلَة أسرِي بِهِ
بِبَيْت الْمُقَدّس
الْآيَات 46 - 56
(7/382)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ
إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا
نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا
وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا
عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا
كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ
لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي
أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا
الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا
أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ
الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ
فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ
أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا
لِلْآخِرِينَ (56)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا}
قَالَ: الطوفان وَمَا مَعَه من الْآيَات
(7/382)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة
{وأخذناهم بِالْعَذَابِ} قَالَ: هُوَ عَام السّنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وأخذناهم بِالْعَذَابِ
لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون أَو يذكرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {ادْع لنا رَبك
بِمَا عهد عنْدك} لَئِن آمنا ليكشفن عَنَّا الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِذا
هم ينكثون} قَالَ: يغدرون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ونادى
فِرْعَوْن فِي قومه} قَالَ: لَيْسَ هُوَ نَفسه وَلَكِن أَمر
أَن يُنَادي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأسود بن يزِيد قَالَ: قلت
لعَائِشَة: أَلا تعجبين من رجل من الطُّلَقَاء يُنَازع
أَصْحَاب مُحَمَّد فِي الْخلَافَة قَالَت: وَمَا تعجب من ذَلِك
هُوَ سُلْطَان الله يؤتيه الْبر والفاجر وَقد ملك فِرْعَوْن
أهل مصر أَرْبَعمِائَة سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{أَلَيْسَ لي ملك مصر وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي}
قَالَ: قد كَانَ لَهُم جنان وأنهار {أم أَنا خير من هَذَا
الَّذِي هُوَ مهين} قَالَ: ضَعِيف {وَلَا يكَاد يبين} قَالَ:
عيي اللِّسَان {فلولا ألقِي عَلَيْهِ أسورة من ذهب} قَالَ:
أحلية من ذهب {أَو جَاءَ مَعَه الْمَلَائِكَة مقترنين} أَي
مُتَتَابعين
{فَلَمَّا آسفونا} قَالَ: أغضبونا {فجعلناهم سلفا} قَالَ:
إِلَى النَّار {ومثلاً} قَالَ: عظة {للآخرين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا
يكَاد يبين} قَالَ: كَانَت لمُوسَى لثغة فِي لِسَانه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {أَو جَاءَ مَعَه الْمَلَائِكَة مقترنين} قَالَ:
يَمْشُونَ مَعًا
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لم
يخرج فِرْعَوْن من زَاد على الْأَرْبَعين سنة وَمن دون
الْعشْرين فَذَلِك قَوْله: {فاستخف قومه فأطاعوه} يَعْنِي
استخف قومه فِي طلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {فَلَمَّا آسفونا} قَالَ:
أغضبونا
(7/383)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَمَّا آسفونا} قَالَ: أغضبونا
وَفِي قَوْله: {سلفا} قَالَ: أهواء مُخْتَلفَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَلَمَّا آسفونا} قَالَ:
أغضبونا {فجعلناهم سلفا} قَالَ: هم قوم فِرْعَوْن كفارهم
{سلفا} لكفار أمة مُحَمَّد {ومثلاً للآخرين} قَالَ: عِبْرَة
لمن بعدهمْ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
وَابْن أبي حَاتِم عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا رَأَيْت الله يُعْطي العَبْد
مَا شَاءَ وَهُوَ مُقيم على مَعَاصيه فَإِنَّمَا ذَلِك
اسْتِدْرَاج مِنْهُ لَهُ ثمَّ تَلا {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا
مِنْهُم فأغرقناهم أَجْمَعِينَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَارق بن شهَاب
قَالَ: كنت عِنْد عبد الله فَذكر عِنْد موت الْفجأَة فَقَالَ:
تَخْفيف على الْمُؤمن وحسرة على الْكَافِر {فَلَمَّا آسفونا
انتقمنا مِنْهُم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه كَانَ يقْرَأ {فجعلناهم
سلفا} بِنصب السِّين وَاللَّام
الْآيَات 57 - 65
(7/384)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ
مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ
إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ
إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا
مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا
وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا
يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
(62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ
جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي
تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا
صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ
بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ
أَلِيمٍ (65)
أخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقريش: إِنَّه
لَيْسَ أحد يعبد من دون الله فِيهِ خير فَقَالُوا: أَلَسْت:
تزْعم أَن عِيسَى كَانَ نَبيا وعبداً من عباد الله صَالحا وَقد
عبدته النَّصَارَى فَإِن كنت صَادِقا فَإِنَّهُ كآلهتهم
فَأنْزل الله {وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ
يصدون} قَالَ: يضجون {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: هُوَ
خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم قبيل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: لما ذكر عِيسَى بن مَرْيَم جزعت قُرَيْش
وَقَالُوا: مَا ذكر مُحَمَّد عِيسَى بن مَرْيَم مَا يُرِيد
مُحَمَّد إِلَّا أَن نصْنَع بِهِ كَمَا صنعت النَّصَارَى
بِعِيسَى بن مَرْيَم
فَقَالَ الله: {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه
من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ
يقْرؤهَا {يصدون} يَعْنِي بِكَسْر الصَّاد يَقُول: يضجون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن
السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {يصدون} بِضَم الصَّاد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم {يصدون}
قَالَ: يعرضون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن معبد بن أخي
عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي
ابْن عَبَّاس: مَا لعمك يقْرَأ هَذِه الْآيَة {إِذا قَوْمك
مِنْهُ يصدون} انها لَيست كَذَا إِنَّمَا هِيَ {إِذا قَوْمك
مِنْهُ يصدون} إِذا هم يَهْجُونَ إِذا هم يضجون
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {إِذا
قَوْمك مِنْهُ يصدون} قَالَ: يضجون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَقَتَادَة رَضِي
الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يصدون} بِالْكَسْرِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
(7/385)
الْإِيمَان عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا
ضل قوم بعد هدى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجدل ثمَّ
قَرَأَ {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: مَا ضلت أمة بعد نبيها إِلَّا أعْطوا الجدل
ثمَّ قَرَأَ {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَا ثار قوم فتْنَة إِلَّا أُوتُوا بهَا جدلاً وَمَا ثار قوم
فِي فتْنَة إِلَّا كَانُوا لَهَا حرْزا
وَأخرج ابْن عدي والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن أبي
أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْكَذِب بَاب من أَبْوَاب النِّفَاق
وَإِن آيَة النِّفَاق أَن يكون الرجل جدلاً خصما)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ذكر الله عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَام فِي الْقُرْآن قَالَ مشركو مَكَّة إِنَّمَا أَرَادَ
مُحَمَّد أَن نحبه كَمَا أحب النَّصَارَى عِيسَى قَالَ: {مَا
ضربوه لَك إِلَّا جدلاً} قَالَ: مَا قَالُوا هَذَا القَوْل
إِلَّا ليجادلوا {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} قَالَ:
ذَلِك نَبِي الله عِيسَى أَن كَانَ عبدا صَالحا أنعم الله
عَلَيْهِ {وجعلناه مثلا} قَالَ: آيَة {لبني إِسْرَائِيل}
{وَلَو نشَاء لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون}
قَالَ: يخلف بَعضهم بَعْضًا مَكَان بني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا: أَن الْمُشْركين أَتَوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: أَرَأَيْت مَا يعبد من دون
الله أَيْن هم قَالَ: فِي النَّار
قَالُوا: وَالشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ: وَالشَّمْس وَالْقَمَر
قَالُوا: فعيسى بن مَرْيَم فَأنْزل الله {إِن هُوَ إِلَّا عبد
أنعمنا عَلَيْهِ وجعلناه مثلا لبني إِسْرَائِيل}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون} قَالَ: يعمرون
الأَرْض بَدَلا مِنْكُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد وَعبد بن
حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طرق عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإنَّهُ لعلم
للساعة} قَالَ: خُرُوج عِيسَى قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
{وَإنَّهُ لعلم للساعة}
(7/386)
قَالَ: خُرُوج عِيسَى يمْكث فِي الأَرْض
أَرْبَعِينَ سنة تكون تِلْكَ الْأَرْبَعُونَ أَربع سِنِين يحجّ
ويعتمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: آيَة للساعة خُرُوج عِيسَى بن
مَرْيَم قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
{وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: نزُول عِيسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: نزُول عِيسَى
علم للساعة وناس يَقُولُونَ: الْقُرْآن علم للساعة
وَأخرج عبد بن حميد عَن شَيبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ
الْحسن يَقُول {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
{وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن بخفض الْعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد بن سَلمَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قرأتها فِي مصحف أبيّ وَإنَّهُ لذكر للساعة
وَأخرج ابْن جرير من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: نزُول عِيسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ولأبيِّن لكم
بعض الَّذِي تختلفون فِيهِ} قَالَ: من تَبْدِيل التَّوْرَاة
الْآيَة 66
(7/387)
هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (66)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
تقوم السَّاعَة وَالرجلَانِ يحلبان اللقحة وَالرجلَانِ يطويان
الثَّوْب ثمَّ قَرَأَ {هَل ينظرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَن
تأتيهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ}
الْآيَات 67 - 71
(7/388)
الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
(67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا
أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا
وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ
بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (71)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن معَاذ
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة انْقَطَعت الْأَرْحَام
وَقلت الْأَنْسَاب وَذَهَبت الأخوّة إِلَّا الْأُخوة فِي الله
وَذَلِكَ قَوْله: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا
الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ}
قَالَ: مَعْصِيّة الله فِي الدُّنْيَا متعادين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {الأخلاء
يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} قَالَ:
وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يَقُول: الأخلاء أَرْبَعَة مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فَمَاتَ
أحد الْمُؤمنِينَ فَسئلَ عَن خَلِيله فَقَالَ: اللَّهُمَّ لم
أر خَلِيلًا آمُر بِمَعْرُوف وَلَا أنهى عَن مُنكر مِنْهُ
اللَّهُمَّ اهده كَمَا هديتني وَأمته على مَا أمتني عَلَيْهِ
وَمَات أحد الْكَافرين فَسئلَ عَن خَلِيله فَقَالَ: اللَّهُمَّ
لم أر خَلِيلًا آمُر بمنكر مِنْهُ وَلَا أنهى عَن مَعْرُوف
مِنْهُ اللَّهُمَّ أضلّهُ كَمَا أضللتني وَأمته على مَا أمتني
عَلَيْهِ قَالَ: ثمَّ يبعثون يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: ليثن
بَعْضكُم على بعض فاما المؤمنان فاثنى كل وَاحِد مِنْهُمَا على
صَاحبه كأحسن الثَّنَاء وَأما الكافران فَأثْنى كل وَاحِد
مِنْهُمَا على صَاحبه كأقبح الثَّنَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
يُؤْتى بالرئيس فِي الْخَيْر يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال: أجب
رَبك فَينْطَلق بِهِ إِلَى ربه فَلَا يحجب عَنهُ فَيُؤْمَر
بِهِ إِلَى الْجنَّة فَيرى منزله ومنازل أَصْحَابه الَّذين
كَانُوا يجامعونه على الْخَيْر ويعينونه عَلَيْهِ فَيُقَال
هَذِه منزلَة فلَان وَهَذِه منزلَة فلَان فَيرى مَا أعد الله
فِي الْجنَّة من الْكَرَامَة وَيرى مَنْزِلَته أفضل من
مَنَازِلهمْ ويكسى من ثِيَاب الْجنَّة وَيُوضَع على رَأسه تَاج
ويعلقه من ريح الْجنَّة ويشرق وَجهه حَتَّى يكون مثل الْقَمَر
لَيْلَة الْبَدْر فَيخرج فَلَا يرَاهُ أهل مَلأ إِلَّا
قَالُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُم حَتَّى يَأْتِي
أَصْحَابه الَّذين كَانُوا يجامعونه على الْخَيْر ويعينونه
عَلَيْهِ فَيَقُول أبشر يَا فلَان فَإِن الله أعد لَك فِي
الْجنَّة
(7/388)
كَذَا وَأعد لَك فِي الْجنَّة كَذَا
وَكَذَا فَلَا يزَال يُخْبِرهُمْ بِمَا أعد الله لَهُم فِي
الْجنَّة من الْكَرَامَة حَتَّى يَعْلُو وُجُوههم من الْبيَاض
مثل مَا علا وَجهه فيعرفهم النَّاس ببياض وُجُوههم
فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة
وَيُؤْتى بالرئيس فِي الشَّرّ فَيُقَال أجب رَبك فَينْطَلق
بِهِ إِلَى ربه فيحجب عَنهُ وَيُؤمر بِهِ إِلَى النَّار فَيرى
منزله ومنازل أَصْحَابه فَيُقَال هَذِه منزلَة فلَان وَهَذِه
منزلَة فلَان فَيرى مَا أَعَدَّ الله فِيهَا من الهوان وَيرى
مَنْزِلَته شرا من مَنَازِلهمْ فَيَسْوَدُّ وَجْهَهُ
وَتَزْرَقُّ عَيناهُ وَيُوضَع على رَأسه قلنسوة من نَار فَيخرج
فَلَا يرَاهُ أهل مَلأ إِلَّا تعوذوا بِاللَّه مِنْهُ فَيَقُول
مَا أعاذكم الله مني أما تذكر يَا فلَان كَذَا وَكَذَا فيذكرهم
الشَّرّ الَّذِي كَانُوا يجامعونه ويعينونه عَلَيْهِ فَمَا
يزَال يُخْبِرهُمْ بِمَا أعد الله لَهُم فِي النَّار حَتَّى
يَعْلُو وُجُوههم من السوَاد مثل الَّذِي علا وَجهه فيعرفهم
النَّاس بسواد وُجُوههم فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ أهل النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَحميد بن زَنْجوَيْه فِي
ترغيبه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض
عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} قَالَ: خليلان مُؤْمِنَانِ وخليلان
كَافِرَانِ توفّي أحد الْمُؤمنِينَ فبشر بِالْجنَّةِ فَذكر
خَلِيله فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا خليلي فلَانا كَانَ
يَأْمُرنِي بطاعتك وَطَاعَة رَسُولك ويأمرني بِالْخَيرِ
وينهاني عَن الشَّرّ وينبئني أَنِّي ملاقيك اللَّهُمَّ فَلَا
تضله بعدِي حَتَّى تريه مَا أريتني وترضى عَنهُ كَمَا رضيت عني
فَيُقَال لَهُ اذْهَبْ فَلَو تعلم مَا لَهُ عِنْدِي لضحكت
كثيرا ولبكيت قَلِيلا ثمَّ يَمُوت الآخر فَيجمع بَين أرواحهما
فَيُقَال: ليثن كل وَاحِد مِنْكُمَا على صَاحبه فَيَقُول كل
وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه نعم الْأَخ وَنعم الصاحب وَنعم
الْخَلِيل وَإِذا مَاتَ أحد الْكَافرين بشر بالنَّار فيذكر
خَلِيله فَيَقُول: اللَّهُمَّ إِن خليلي فلَانا كَانَ
يَأْمُرنِي بمعصيتك ومعصية رَسُولك ويأمرني بِالشَّرِّ وينهاني
عَن الْخَيْر وينبئني أَنِّي غير ملاقيك اللَّهُمَّ فَلَا تهده
بعدِي حَتَّى تريه مثل مَا اريتني وتسخط عَلَيْهِ كَمَا سخطت
عَليّ فَيَمُوت الآخر فَيجمع بَين أرواحهما فَيُقَال ليثن كل
وَاحِد مِنْكُمَا على صَاحبه فَيَقُول كل وَاحِد لصَاحبه بئس
الْأَخ وَبئسَ الصاحب وَبئسَ الْخَلِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: سَمِعت
أَن النَّاس حِين يبعثون لَيْسَ
(7/389)
فيهم إِلَّا فزع فينادي منادٍ {يَا عبادِ
لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ}
فيرجوها النَّاس كلهم فيتبعها {الَّذين آمنُوا بِآيَاتِنَا
وَكَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {تحبرون} قَالَ: تكرمون وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة
الْجنَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بسندٍ رِجَاله
ثِقَات عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أَسْفَل أهل الْجنَّة أَجْمَعِينَ
دَرَجَة لمن يقوم على رَأسه عشرَة آلَاف بيد كل وَاحِد صحفتان:
وَاحِدَة من ذهب وَالْأُخْرَى من فضَّة فِي كل وَاحِدَة لون
لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مثله يَأْكُل من آخرهَا مثل مَا يَأْكُل
من أَولهَا يجد لآخرها من الطّيب واللذة مثل الَّذِي يجد
لأولها ثمَّ يكون ذَلِك ريح الْمسك الأذفر لَا يَبُولُونَ
وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ إخْوَانًا على سرر
مُتَقَابلين
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {بصحاف} قَالَ:
القصاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن
أدنى أهل الْجنَّة منزلَة يَوْم الْقِيَامَة ليؤتى بغدائه فِي
سبعين ألف صَحْفَة فِي كل صَحْفَة لون لَيْسَ كالآخر فيجد
للْآخر لذته أَوله لَيْسَ مِنْهُ أول
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: الأكواب الجرار من الْفضة
وَأخرج هناد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
الأكواب الَّتِي لَيْسَ لَهَا آذان
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله:
{وأكواب} قَالَ: القلال الَّتِي لَا عرا لَهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
الْهُذلِيّ فَلم ينْطق الديك حَتَّى مَلَأت كوب الذُّبَاب لَهُ
فاستدارا وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله:
{بأكواب} قَالَ: جرار لَيْسَ لَهَا عرا وَهِي بالنبطية كوى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا رجل
يطَأ على جَمْرَة يغلي مِنْهَا دماغه قَالَ أَبُو بكر الصّديق:
وَمَا كَانَ
(7/390)
جرمه يَا رَسُول الله قَالَ: كَانَت لَهُ
مَاشِيَة يغشى بهَا الزَّرْع ويؤذيه وَحرم الله الزَّرْع وَمَا
حوله رمية بِحجر فَلَا تستحبوا أَمْوَالكُم فِي الدُّنْيَا
وتهلكوا أَنفسكُم فِي الْآخِرَة
وَقَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة وأسفلهم دَرَجَة لَا
يدْخل بعده أحد يفسح لَهُ فِي بَصَره مسيرَة عَام فِي قُصُور
من ذهب وخيام من لُؤْلُؤ لَيْسَ فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا
معمور يغدى عَلَيْهِ كل يَوْم وَيرَاح بسبعين ألف صَحْفَة فِي
كل صَحْفَة لون لَيْسَ فِي الآخر مثله شَهْوَته فِي آخرهَا
كشهوته فِي أَولهَا لَو نزل بِهِ جَمِيع أهل الأَرْض لوسع
عَلَيْهِم مِمَّا أعْطى لَا ينقص ذَلِك مِمَّا أُوتِيَ شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أُمَامَة قَالَ: إِن الرجل من أهل
الْجنَّة يَشْتَهِي الطَّائِر وَهُوَ يطير فَيَقَع منفلقاً
نضيجاً فِي كَفه فيأكل مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِي ثمَّ يطير
ويشتهي الشَّرَاب فَيَقَع الإِبريق فِي يَده فيشرب مِنْهُ مَا
يُرِيد ثمَّ يرجع إِلَى مَكَانَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{وأكواب} قَالَ: هِيَ دون الأباريق بلغنَا أَنَّهَا مدوّرة
الرَّأْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة: أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ وَذكر الْجنَّة فَقَالَ:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليأخذن أحدكُم اللُّقْمَة فيجعلها
فِي فِيهِ ثمَّ يخْطر على باله طَعَام آخر فيتحول الطَّعَام
الَّذِي فِي فِيهِ على الَّذِي اشْتهى ثمَّ قَرَأَ {وفيهَا مَا
تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: الرمانة من رمان الْجنَّة يجْتَمع عَلَيْهَا بشر كثير
يَأْكُلُون مِنْهَا فان جرى على ذكر أحدهم شَيْء وجده فِي
مَوضِع يَده حَيْثُ يَأْكُل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ
لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك ستنظر إِلَى
الطير فِي الْجنَّة فتشتهيه فيخر بَين يَديك مشوياً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَيْمُونَة: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل ليشتهي الطير فِي
الْجنَّة فَيَجِيء مثل البختي حَتَّى يَقع على خوانه لم يصبهُ
دُخان وَلم تمسه نَار فيأكل مِنْهُ حَتَّى يشْبع ثمَّ يطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أخس أهل الْجنَّة منزلا لَهُ سَبْعُونَ ألف خَادِم مَعَ
كل خَادِم صَحْفَة من ذهب لَو نزل بِهِ أهل الأَرْض
(7/391)
جَمِيعًا لأوصلهم لَا يَسْتَعِين عَلَيْهِم
بِشَيْء من عِنْد غَيره
وَذَلِكَ فِي قَول الله {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ فِي الْجنَّة ولد قَالَ: إِن شاؤوا
وَأخرج أَحْمد وهناد والدارمي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
قُلْنَا يَا رَسُول الله إِن الْوَلَد من قُرَّة الْعين
وَتَمام السرُور فَهَل يُولد لأهل الْجنَّة فَقَالَ: إِن
الْمُؤمن إِذا اشْتهى الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ حمله
وَوَضعه وسنه فِي سَاعَة: كَمَا يَشْتَهِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن سابط قَالَ: قَالَ
رجل يَا رَسُول الله: أَفِي الْجنَّة خيل فَإِنِّي أحب الْخَيل
قَالَ: إِن يدْخلك الله الْجنَّة مَا من شَيْء شِئْت إِلَّا
فعلت فَقَالَ الْأَعرَابِي: أَفِي الْجنَّة إبل فَإِنِّي أحب
الإِبل فَقَالَ يَا اعرابي: إِن أدْخلك الله الْجنَّة أصبت
فِيهَا مَا تشْتَهي نَفسك ولذت عَيْنك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
بُرَيْدَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: هَل فِي الْجنَّة خيل فَإِنَّهَا تعجبني قَالَ:
إِن أَحْبَبْت ذَلِك أتيت بفرس من ياقوتة حَمْرَاء فتطير بك
فِي الْجنَّة حَيْثُ شِئْت فَقَالَ لَهُ رجل: إِن الإِبل
تعجبني فَهَل فِي الْجنَّة من إبل فَقَالَ: يَا عبد الله إِن
أدخلت الْجنَّة فلك فِيهَا مَا تشْتَهي نَفسك ولذت عَيْنك
وَأخرج عبد بن حميد عَن كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ قَالَ: إِن
السحابة لتمر بِأَهْل الْجنَّة فَتَقول مَا أمطركم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط قَالَ: إِن الرَّسُول
يَجِيء إِلَى الشَّجَرَة من شجر الْجنَّة فَيَقُول: إِن رَبِّي
يَأْمُرك أَن تفتقي لهَذَا مَا شَاءَ فَإِن الرَّسُول ليجيء
إِلَى الرجل من أهل الْجنَّة فينشر عَلَيْهِ الْحلَّة
فَيَقُول: قد رَأَيْت الْحلَل فَمَا رَأَيْت مثل هَذِه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن قيس قَالَ: إِن الرجل من أهل
الْجنَّة ليشتهي الثَّمَرَة فتجيء حَتَّى تسيل فِي فِيهِ
وَإِنَّهَا فِي أَصْلهَا فِي الشَّجَرَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط
قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليزوّج خَمْسمِائَة حوراء
وَأَرْبَعمِائَة بكر وَثَمَانِية آلَاف ثيب مَا مِنْهُنَّ
(7/392)
وَاحِدَة إِلَّا يعانقها عمر الدُّنْيَا
كلهَا لَا يُوجد وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه وَإنَّهُ لتوضع
مائدته فَمَا تَنْقَضِي مِنْهَا نهمته عمر الدُّنْيَا كلهَا
وَإنَّهُ ليَأْتِيه الْملك بِتَحِيَّة من ربه وَبَين أصبعيه
مائَة أَو سَبْعُونَ حلَّة فَيَقُول مَا أَتَانِي من رَبِّي
شَيْء أعجب إليّ من هَذِه فَيَقُول: أيعجبك هَذَا فَيَقُول:
نعم فَيَقُول الْملك: لأدنى شَجَرَة بِالْجنَّةِ تلوني لفُلَان
من هَذَا مَا اشتهت نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي ظَبْيَة السّلمِيّ قَالَ: إِن السرب
من أهل الْجنَّة لتظلهم السحابة فَتَقول: مَا أمطركم فَمَا
يَدْعُو دَاع من الْقَوْم بِشَيْء إِلَّا أمطرتهم حَتَّى أَن
الْقَائِل مِنْهُم ليقول: أمطرينا كواعب أَتْرَابًا
الْآيَات 72 - 89
(7/393)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ
الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا
ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ
إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ
أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ
بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ
كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ
عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا
حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ
الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ
الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ
عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ
شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى
يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ
لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَا من أحد إِلَّا وَله منزل فِي الْجنَّة ومنزل فِي
النَّار فالكافر يَرث الْمُؤمن منزله فِي النَّار وَالْمُؤمن
يَرث الْكَافِر منزله فِي الْجنَّة وَذَلِكَ قَوْله {وَتلك
الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد فِي الزّهْد عَن عبد الله
بن مَسْعُود قَالَ: تجوزون الصِّرَاط بِعَفْو الله وتدخلون
الْجنَّة برحمة الله وتقتسمون الْمنَازل بأعمالكم
قَوْله تَعَالَى: {إِن الْمُجْرمين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وهم فِيهِ مبلسون} قَالَ:
مستسلمون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن
الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر
{وَنَادَوْا يَا مَالك}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ أَنه سمع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر {وَنَادَوْا يَا مَالك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن
مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود
{وَنَادَوْا يَا مَالك}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر
{وَنَادَوْا يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس: {وَنَادَوْا يَا مَالك}
قَالَ: مكث عَنْهُم ألف سنة ثمَّ يُجِيبهُمْ {إِنَّكُم
مَاكِثُونَ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أم أبرموا أمرا فَإنَّا
مبرمون} قَالَ: أم أَجمعُوا أمرا فَإنَّا مجمعون إِن كَادُوا
شرا كدناهم مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ:
بَينا ثَلَاثَة بَين الْكَعْبَة واستارها قرشيان وثقفي أَو
ثقفيان وقرشي فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم: ترَوْنَ الله يسمع
(7/394)
كلامنا فَقَالَ وَاحِد: إِذا جهرتم سمع
وَإِذا أسررتم لم يسمع فَنزلت {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم
ونجواهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {قل إِن كَانَ للرحمن ولد} يَقُول: لم يكن
للرحمن ولد {فَأَنا أول العابدين} قَالَ: الشَّاهِدين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {فَأَنا أول
العابدين} قَالَ: أَنا أول متبرىء من أَن يكون لله ولد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت تبعا
وَهُوَ يَقُول: وَقد علمت فهر بِأَنِّي رَبهم طراً وَلم تعبد
[] وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَقَتَادَة {قل إِن كَانَ
للرحمن ولد} قَالَا: مَا كَانَ للرحمن ولد {فَأَنا أول
العابدين} قَالَ: يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
فَأَنا أول من عبد الله من هَذِه الْأمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
{قل إِن كَانَ للرحمن ولد} فِي زعمكم {فَأَنا أوّل العابدين}
فَأَنا أول من عبد الله وَحده وكذبكم بِمَا تَقولُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {قل إِن كَانَ للرحمن ولد
فَأَنا أول العابدين} قَالَ: الْمُؤمنِينَ بِاللَّه فَقولُوا
مَا شِئْتُم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: هَذِه كلمة من كَلَام
الْعَرَب: {إِن كَانَ للرحمن ولد} أَي إِن ذَلِك لم يكن
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ: هَذَا مقول من قَول
الْعَرَب إِن كَانَ هَذَا الْأَمر قطّ أَي مَا كَانَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرَأ: كل
شَيْء بعد السَّجْدَة فِي مَرْيَم ولد وَالَّتِي فِي الزخرف
ونوح وَسَائِر (لَعَلَّهَا: وَسَائِر السُّور مصححه) ولد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن قَتَادَة فِي قَوْله {عَمَّا
يصفونَ} قَالَ: عَمَّا يكذبُون
وَفِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي
الأَرْض إِلَه} قَالَ: هُوَ الَّذِي يعبد فِي السَّمَاء ويعبد
فِي الأَرْض
(7/395)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا يملك الَّذين
يدعونَ من دونه الشَّفَاعَة} قَالَ: عِيسَى وعزير
وَالْمَلَائِكَة {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ} قَالَ: كلمة
الإِخلاص {وهم يعلمُونَ} إِن الله حق وَعِيسَى وعزير
وَالْمَلَائِكَة - يَقُول: لَا يشفع عِيسَى وعزير
وَالْمَلَائِكَة {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ} وَهُوَ يعلم الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ
وهم يعلمُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وعزيز فَإِن
لَهُم عِنْد الله شَفَاعَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: {شهد بِالْحَقِّ} وَهُوَ يعلم أَن الله ربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَوْف قَالَ: سَأَلت
إِبْرَاهِيم عَن الرجل يجد شَهَادَته فِي الْكتاب وَيعرف الْخط
والخاتم وَلَا يحفظ الدَّرَاهِم فَتلا {إِلَّا من شهد
بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ} قَالَ: هَذَا
قَول نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشكو قومه إِلَى ربه
وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ وَقَالَ الرَّسُول يَا رب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وقيله يَا رب}
بخفض اللَّام وَالْهَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فاصفح عَنْهُم} قَالَ: نسخ
الصفح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن شُعَيْب بن الْحجاب قَالَ: كنت مَعَ
عَليّ بن عبد الله الْبَارِقي فَمر علينا يَهُودِيّ أَو
نَصْرَانِيّ فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ شُعَيْب: قلت إِنَّه
يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ فَقَرَأَ عَليّ آخر سُورَة الزخرف
{وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ فاصفح عَنْهُم
وَقل سَلام فَسَوف يعلمُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عون بن عبد الله قَالَ: سُئِلَ عمر
بن عبد الْعَزِيز عَن ابْتِدَاء أهل الذِّمَّة بِالسَّلَامِ
فَقَالَ: ترد عَلَيْهِم وَلَا تبتدئهم
قلت: فَكيف تَقول أَنْت قَالَ: مَا أرى بَأْسا أَن نبدأهم
قلت: لم قَالَ: لقَوْل الله تَعَالَى {فاصفح عَنْهُم وَقل
سَلام فَسَوف يعلمُونَ}
(7/396)
|